
علاقة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بالقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وتأثيراتها على الأمن التونسي
كشــــــكار نسرين (باحثة دكتوراه دراسات دولية المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية-الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 17 الصفحة 65.
ملخص
تهدف هذه الورقة ؛ الى تبيان أهمية العوامل الاقليمية التي تداعت على الأمن الاقتصادي والعسكري للدولة التونسية ،من خلال تغلغل تنظيم الدولة في المغرب الاسلامي وارتباطاته مع الجماعات الارهابية الاخرى ؛و الذئاب المنفردة في المنطقة ، والذي اعتبرها التنظيم منطقة حيوية لامتداداته الجيواستراتيجية في المغرب العربي.
العبارات المفتاحية :
تنظيم الدولة الاسلامية، القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، “الربيع العربي”، التدخل العسكري الخارجي، الأمن التونسي
Summary
The aim of this paper, is to indicate the importance of the regional factors, which affected on the economic and military security of the state of Tunisia ,through the penetration of the state’s organization in the Islamic Maghreb, and his engagements with others terrorist groups, and individual wolves, considered by the organization of the state the vital area for his extensions geostrategic in the Arab Maghreb.
The key words:
The organization of the Islamic state ,Al-qaida in the Islamic Maghreb, the “Arab spring “,foreign military interventions ,the Tunisia security.
مقدمة
لم تأخذ أوضاع دول “الربيع العربي” نفس المنحى ، فاذا كانت تونس قد تجاوزت الأحداث التي أسقطت انظمتها ،فان دولا أخرى لم تنجح في اسقاطها ؛اذ أخذت أبعاد الحرب الأهلية والحرب بالوكالة أكثر من أنها أن تكون أمرا أخر . وهذا الانفلات الامني الداخلي لهذه الدول راجع لأسباب داخلية ، و اخرى خارجية في اعتقادنا غذت الفكر المتطرف واثارة النعرات الطائفية والعرقية والقبائلية وتزويد قوى اقليمية لهؤلاء المتطرفين بالسلاح والمال .
فكيف أثرت هذه العوامل في استفحال الظاهرة الارهابية على دول التي مسها ما يسمى “بالربيع العربي”، وكيف تداعى ذلك على أمن التونسي على وجه الخصوص؟
ولمعالجة هذه الاشكالية نعتمد على النقاط التالية:
المحور الأول: لمحة تاريخية لنشأة تنظيم الدولة الاسلامية
المحور الثاني:النشاط الاقليمي للحركات الارهابية :
- سوريا والعراق في معادلة “الربيع العربي”
- ليبيا: ماذا تمثل لإقامة الدولة الاسلامية؟
المحور الثالث: الارتباط الهيكلي بين الجماعات الارهابية في المغرب الاسلامي
المحور الرابع: تأثير تنظيم الدولة الاسلامية على الأمن التونسي
المحور الأول: لمحة تاريخية لنشأة تنظيم الدولة الاسلامية
ظهر تنظيم الدولة الاسلامية رسميا ؛عندما أعلن قائدها “أبو بكر البغدادي” تأسيس الدولة الاسلامية من العراق إلى الشام، ككيان جامع يضم تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة بعد تمدده إلى سوريا عام 2013 ، فرغم حضور جبهة النصرة في سورية منذ 2003 ؛إلا انه لم يظهر بالقوة التي عليها اليوم ؛ إلا بعد عسكرة “الثورة ” في سوريا وتم الاعلان عنه ؛بأنه الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سورية في أواخر جانفي 2012 ،وبعد تشكيل الدولة الاسلامية من العراق الى الشام نهائيا عام 2013 ،حصل انشقاق في جبهة النصرة وانضم مجاهديها لتنظيم الدولة الاسلامية، بإضافة الى وجود حركات جهادية سلفية أخرى في سورية كجيش المهاجرين والأنصار؛ الذي اعلن تحالفه مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ، ولقد تم تقدير عدد المقاتلين الذين يتوزعون على هذه التنظيمات ما يتراوح بين 5-10 آلاف مقاتل وحوالي 1200 من جنسية أوروبية، [1] بإضافة الى الجبهة الإسلامية التي تتألف بدورها من سبعة فصائل مندمج فيما بينها وتضم 45 ألف مقاتل.
أما في العراق؛ فكان للقاعدة في بلاد الرافدين بعد مبايعة أسامة بن لادن بزعامة أبو مصعب الزرقاوي ؛والتي اعتبرت من أقوى التنظيمات في الساحة العراقية ،دور كبير إلى أن تم اعلان عن “مجلس الشورى للمجاهدين في العراق ” ، والذي يعتبر النواة الاولى للدولة الإسلامية في العراق عام 2006 والتي اعلن عنها فيما بعد بزعامة أبي بكر البغدادي؛بعد تشكل حلف الطيبين (والذي يقصد به الفصائل التي بايعت الدولة الاسلامية بدءا بالقاعدة في بلاد الرافدين ، وجيش الطائفة المنصورة ،و كتائب المرابطين….. ) ، وبعد تأسيس الجهاز الأمني الداخلي و المورد المادي لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق ؛بدأ التنظيم حملته الواسعة عام 2010 لسيطرة على العراق لينتقل التنظيم إلى سوريا عام 2013 ويتم الاعلان الرسمي عن وجوده هناك، وتم مبايعة القاعدة لتنظيم الدولة بزعامة ايمن الظواهري ،ولكن سرعان ما بدأت الخلافات بين زعمائها وبدأ الاقتتال فيما بين تنظيم الدولة الاسلامية من جهة، وفصائل الجيش الحر وجبهة النصرة من جهة أخرى. [2]
ولعلى أبرز الخلافات بين التنظيمين تمثلت في ما يلي :
- الخلاف حول اولوية الصراع ؛الذي ترى فيه القاعدة محاربة أمريكا والصهاينة على حد تعبيرهم، وتفادي اثارة الخلافات المذهبية مع الفرق الإسلامية الأخرى لكبح الفتن ، عكس تنظيم الدولة الاسلامية الذي يعتبر في الخطر الإيراني أكبر تهديد له وليس التهديد الأمريكي في المنطقة[3]، ويعتمد في اجندته على مواجهة التوسع الايراني على اساس هوياتي عكس القاعدة التي تتعامل مع ايران على أساس مصلحي جيوسياسي ،كما يعتمد تنظيم الدولة الاسلامية على استراتيجية “الحشد الطائفي” ضد المخالفين له لروية ابي مصعب الزرقاوي في وجه الصعود الشيعي بعد سقوط صدام حسين في العراق، وهي فرصة كما رأها في تكوين جيش سني يحقق هدف إقامة هذه الدولة[4].
- الخلاف من الناحية الشرعية بين التنظيمين ،الذي يمثل ولادة جديدة لتنظيم القاعدة ولكن بتوأمين: جبهة النصرة ؛الذي يتبع نفس منهج القاعدة والذي اقام تمدد معاكس للدولة الاسلامية من سورية إلى العراق ، وتنظيم الدولة الاسلامية الأكثر جرأة وتشدد وتصلب والذي اعلن حربه الاعلامية والعسكرية على القاعدة وجبهة النصرة.[5]
- تقدم تنظيم الدولة الاسلامية؛ قتال العدو القريب على قتال العدو البعيد ،فالأول يتمثل في كل من يحمل فكر جهادي ممن لا يشاطره اجتهاداته الفقهية ويبارك له منهجه ويبايعه على السمع و الطاعة، وهذا عكس ما تعمل به القاعدة ،لذلك داعش تركز على مناطق وجودها ،واعتبار التمدد و التوسع أولوية مطلقة أكثر منها منصة توجيه وارتباط روحي بين جهادي العالم، حيث ترتكز العمليات الانتحارية لداعش في العراق وسوريا بشكل بكبير ؛ولا يمارس العمليات الخاطفة ضد الغرب أو أمريكا وذلك راجع إلى تصوره لذاته أنه دولة وليس تنظيم[6].
- الاختلاف حول موقفهم من الثورات العربية ؛كانت نظرة القاعدة تقوم على مباركة الثورات و الترحيب بها لحين نجاحه ثم التدخل لإقامة الدولة الاسلامية ،أما داعش فقد تدخلت سريعا في الثورة السورية وسارعت في تكفير فصائلها ؛وأعطى أولوية لقتل النظام السوري ؛فهو يكفر كل الجيوش والمخالفين وهي النقطة التي يختلف فيها داعش مع القاعدة بوصف هذه الأخيرة بعض أنظمة الحكم بالفاسد والدستور الباطل…[7].
- الفرق بين داعش و القاعدة هو ان الاخيرة لم تستقر على أرض معينة لإقامة دولة ،عكس الأولى التي هدفها اقامة دولة ” الخلافة الاسلامية”، مستغلة بذلك الوضع الامني المتردي في بعد الدول التي أصابها فيروس ما يسمى “بالربيع العربي” الذي تحول الى فوضى ، إضافة الى تحالفها مع ضباط الجيش العراقي ،والذي ساعدها كثيرا انحلاله ؛اذ يعتبر انحلال الجيش الخطر القاتل الذي يسمح بسقوط وتفكك الدولة وليس النظام فقط ، والتي في الغالب تعرف حروبا اهلية بين المعارضين ،والتي تكون مدعومة عادة بقوى خارجية ؛تساعدها على الوصول للحكم مثل ما حصل في ليبيا بعد سقوط القذافي.
انطلاقا من منطق التعددية السببية في التحليل السياسي ؛و استبعادا عن الأحادية السببية ؛فإنه لا يمكن إرجاع ظهور الإرهاب العابر للحدود في دول “الربيع العربي” إلى عوامل داخلية فحسب, بل يمكن الحديث أيضا عن عوامل خارجية ساهمت بدرجة معينة في استفحال هذه الظاهرة .
المحور الثاني:النشاط الإقليمي للحركات الإرهابية:
- سوريا والعراق في معادلة “الربيع العربي”:
يتمثل استفحال ظاهرة الارهاب و التطرف العابر للحدود في استغلال حالة الفوضى المتعددة الأبعاد في دول “الربيع العربي”، خصوصا تلك الدول التي عرفت تدخلات خارجية عسكرية (ليبيا ؛اليمن؛ سوريا والعراق) ، والتي أرمت بثقلها على الجوار الاقليمي والعالمي لها، ان الاوضاع الداخلية لهاتين الدولتين كانت ملاذا لتعشش الفكر المتطرف ؛الذي قوبل بالعنف من طرف الأنظمة الداخلية من جهة ،كما ان تعدد الجماعات الارهابية في هاتين الدولتين ؛وعلاقتهم الدائمة بتنظيمات اخرى في افغانستان وباكستان والشيشان والقوقاز ؛زاد من تغذية هذه التنظيمات من جهة ثانية ،خصوصا حالة الفوضى التي عاشتها العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ،والذي استطاع ولو نسبيا كبح جماح النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة خاصة (ولو ان سياسته القمعية في تهميشه لشيعة سببا مهما في ازدياد الحقد بين الطائفتين)،ولعل اهم سبب التي اعتمدته هذه التنظيمات الارهابية كمبرر لوجودها خاصة في العراق ؛هو سعيها لمواجهة ما تسميه “الغزو الامريكي الصهيوني على العراق” بعد 2003، هذه كلها عوامل وأخرى ؛ساهمت في انتشار الارهاب في الشرق الاوسط (سوريا والعراق) ، وجاءت الفوضى وانفلات الامني لدول “الربيع العربي” العامل الاكثر فعالية الذي جمع بين كل هذه العوامل ؛والذي اصبح البيئة الاكثر ملائمة لعمل التنظيمات الارهابية.
ومع تزايد حدة الخلافات و الصراعات ؛تم قطع هذه العلاقة بين التنظيمين في 12 ماي 2014،و لم يقتصر هذا الخلاف في الحدود السورية العراقية ،بل امتد جغرافيا تناسبا مع تمدده الفكري والسياسي واخترق هذا التمدد حدود اتفاقية سايس بيكو ؛بتحول هذا الصراع إلى حرب استقطاب لأقاليم أخرى، اذ انظم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي إلى تنظيم الدولة الاسلامية من العراق الى الشام ؛فيما اعلن ابو محمد الداغستاني أمير امارة القوقاز تكملة تتبع تنظيم القاعدة ومناصرة جبهة النصرة.
- ليبيا: ماذا تمثل لإقامة الدولة الاسلامية؟
يمثل الليبيون ؛قوة ومصادر بشرية أكثر من غيرهم في سيناء وسوريا و العراق ومالي ونيجيريا ،وقد ظهرت قوة تلك المجموعات في استعراض امكانياتها القتالية للإطاحة بالقذافي بدعم الناتو في 2011 ، بدأت جماعات جهادية جديدة بعد القذافي في البروز، من بينها ” أنصار الشريعة “في بنغازي بقيادة محمد الزهاوي ، التي تتمتع بعلاقات مع “السلفية الجهادية في ليبيا “والتي تمثل جماعة ظل أنصار الشريعة في درنة بقيادة أبو سفيان بن قومو ، وهي اول امارة داعشية التي بايعة ابو بكر البغدادي في نهاية 2014[8]، وتكمن أهمية هذه المدينة الواقعة شرق ليبيا كونها مطلة على البحر الابيض المتوسط وفي واجهة اوروبا ما يكسبها أهمية استراتيجية ،بإضافة الى انها مغمورة بالشباب الذي له خبرة قتالية في كل من افغانستان والعراق، وقد تمدد هذا التنظيم الارهابي في مدينة بنغازي الساحلية ؛وبعدها سيطر على خليج سرت الغني بالنفط ،مستغلا بذلك حالة الصراع الداخلي بين كل من اللواء خليفة حفتر في شرق ليبيا والذي يقود جيش الكرامة ؛وبين جماعة فجر ليبيا في غربها. واتخذ تنظيم الدولة الاسلامية من سرت وجهته الاستراتيجية والمعروفة بالمراكز النفطية، كما تمكنه هذه المنطقة ؛من التمدد للجنوب لإقامة اتصال بجماعات الارهابية في جنوب الصحراء كبوكو حرام ؛ وذلك من اجل التوسع لاقامة خلافته الاسلامية[9] .
فاصبحت ليبيا تمثل تهديدا على كل القارة الافريقية وهذا راجع لعدة أسباب أهمها فوضى انتشار السلاح بعد سقوط القذافي ؛الذي كان يملك ترسانة من الاسلحة المتنوعة ؛والتي اختفت معظمها بعد سقوط النظام ؛ما سمح للجماعات الارهابية الاخرى الحصول عليها حيث كانت المالي اولى الدول المتأثرين بفوضى انتشار السلاح الليبي بعد عودة التوارق الذين كانوا منخرطين في جيش القذافي.
ان الترابط الحدودي مابين دول المغرب الاسلامي مع غرب افريقيا بدون وجود موانع طبيعية ؛سهل للكثير من الجماعات الجهادية بالتسرب الى نيجيريا عبر النيجر ؛والى مالي عبر الحدود الجزائرية، لتكون غرب افريقيا حديقة “جهادية” خلفية [10].
إن هذه الظاهرة ؛قد خرجت من مجرد حركات فردية عفوية ؛إلى منظمات سرية وعلنية ؛التي تمارس نشاطاتها الإرهابية عبر كل دول العالم، غير آبهة في ذلك لا بالحدود ولا بسيادة الدول على إقليمها .صفة التدويل هذه التي أصبحت تتسم بها العمليات الإرهابية فيخطط لها من دولة، ويمول لها من دولة أخرى، ليتم تنفيذها في دولة ثالثة، والأكثر من ذلك والأدهى ؛أن الإرهاب أصبح استخدامه كبديل لأعمال الحرب التقليدية بين الدول، حيث استخدمته بعض الدول في محاربة دول أخرى لا تستطيع مواجهتها بطرق الحرب المعروفة سواء لضعف قوتها العسكرية أو لتجنب ضغوط الرأي العام الدولي.
المحور الثالث: الارتباط الهيكلي بين الجماعات الارهابية في المغرب الاسلامي
و من أبرز الجماعات الإرهابية ؛التي تنشط في شمال و الساحل الإفريقي هي؛ الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية, و التي انضمت رسميا إلى تنظيم القاعدة، وسمت نفسها” تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”و قد تم ادرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الجماعات الإرهابية منذ عام 2002 و اعتبر مدير الأمن الأمريكي” ماكونيل” “أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أشد خطرا من القاعد في أفغانستان[11]، الجماعة الجهادية التي كان يقودها مختار بلمختار ،والتي اعلنت اتحادها مع جماعة الملثمون وجماعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا في تنظيم جديد تحت اسم “المرابطون”، وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا (للمزيد انظر شكل ترابط التنظيمات الجهادية ).
ترابط التنظيمات الجهادية
SOURCE:http://aboudjaffar.blog.lemonde.fr/category/organisations-internationales/
هذا الترابط الهيكلي ؛يعبر عن خطة عمل تنظيم الدولة الإسلامية بضرورة خلق جبهات جزئية في العراق والجزيرة العربية ومصر وفي ليبيا والصومال و المغرب الاسلامي ،وهذا لتشتيت جهود أي تحالف عسكري لاستنزاف قدراته المادية و المعنوية ، كما تمثل هذه الجبهات استقطاب الثروة للتنظيم الأصلي[12] من جهة ، كما يعبر عن حرب الاستقطاب بين تنظيم الدولة الاسلامية و تنظيم القاعدة ؛بعدما وصل الخلاف بينهما إلى الحرب العسكرية ،انتقل إلى مناطق اخرى لاستقطاب الجماعات الارهابية و “ذئاب المنفردة ” في المنطقة ،
يرى داعش في الموقع الجغرافية الأمثل ؛لبناء دولته ضمن المجموعة الاساسية( الأردن ،بلاد المغرب ،نيجيريا ، باكستان ،اليمن ،وبلاد الحرمين) وباقي الدول يعتبرها ثانوية بالنسبة لدولته .
والمتمعن في خريطة انتشار الدولة الإسلامية اليوم، يرى انها تنتشر بقوة حول المناطق النفطية في كل دول العالم الاسلامي باستثناء دول الخليج العربي، فهل هذا الانتشار هدفه السعي للسيطرة على الموارد النفطية وخنق الدول المعتمدة عليه؟ هل هو مرتبط بالتواجد أمريكا في هذه المواقع الحيوية تحت ذريعة مكافحة الارهاب للحفاظ وتأمين تزويدها بالطاقة من جهة و تضييق الخناق على قوى دولية بمنعها من الوصول لهذه المناطق في اطار التنافس على الزعامة العالمية؟ [13]
خريطة انتشار الدولة الإسلامية
SOURCE: http://www.islammaghribi.com
و تتلخص استراتيجية داعش في اقامة دولة على الأطراف ثم الزحف على المركز مستندة على فكرتين أساسيتين هما:
- استراتيجية شبيهة باستراتيجية ماوتسي تونغ ؛الذي حاصر بكين من أطرافها بمسيرة 10آلاف كلم، ليقيم دولة الصين الشعبية.
- استراتيجية التأسيس من الصحاري الكبرى ؛وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها العديد من الدول في التاريخ الاسلامي، خاصة وان الصحاري ذات مساحة كبيرة وتكمن فيها منبع الثروة النفطية لتمويل نفسها خاصة في اطار حصار وعدم اعتراف دولي بها، وهي الاستراتيجية التي وفقت فيها تنظيم الدولة الاسلامية الى حدا كبير جدا بحيث استطاعت السيطرة على القلب النابض للثروات الطاقوية في المنطقة، حيث وصلت مداخيلها الى اكثر من 52.9 مليار دولار عام 2014[14] ،وهي الزيادة التي مثلت نسبة 61%مقارنة ب 2013 و عشر مرات مقارنة بعام 2000(انظر شكل:الموارد الطاقوية الممولة للتنظيم الدولة الاسلامية). كما تعتمد على مصادر أخرى في التمويل كاستفادتها من الفدية ، من الهجرة غير الشرعية والتجارة بالبشر وكذى استفادتها من تجارة المخدرات .
الموارد الطاقوية الممولة للتنظيم الدولة الاسلامية
SOURCE: https://leblogalupus.com/2015/11/23/
تتمثل فكرة عمل تنظيم الدولة الاسلامية في أن الثورات العربية جاءت لتقضي على حدود سايس بيكو التي بانهيارها سيسقط الجدار الذي يحمي النظام الدولي، وفي اعتباره ان تنظيم القاعدة وصل لمبتغاه حين أعلنت أمريكا حربها على الارهاب، إذ أن في نظره أكبر دولة اقتصادية وعسكرية اعتبرت نفسها في حالة افلاس متيجة حربها على الارهاب ،فكيف يكون حال القوى الدولية الأخرى في مواجهة هذه التنظيمات أمام الانهيار الكامل في جدار سايس بيكو؟ ومع تراجع سياسة أمريكا سينهار النظام العالمي الأحادي وسيعوض بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب الذي سيزيد من هامش الحركة و الفعالية للتيارات الجهادية واستعادة مشروع الخلافة واعادة الاسلام للأمة.[15]
المحور الرابع: تأثير تنظيم الدولة الاسلامية على الأمن التونسي
ان الدول التي لم تشهد ” عسكرة الربيع العريي ” كتونس ،لم تسلم من تداعياته الخطرة عليها ؛بحكم انها تنتمي للجوار الجيوسياسي للشرق الأوسط ؛الملغوم بالأزمة السورية والعراقية واليمنية وصولا للأزمة في ليبيا وللعمق الساحلي الصحراوي خصوصا غرب افريقيا (مالي ونيجيريا) ،وما شهدته من تصاعد جماعة بوكو حرام المرتبط ايديولوجيا بتنظيم الدولة الاسلامية، إذ اعتبار الخبراء بأنهما التنظيمين الاكثر خطورة في الوقت الراهن ، فحسب التقديرات استطاع التنظيم قتل 18111 شخص في 2013، و 32685 في 2014( انظر شكل الضحايا تنظيم لدولة الاسلامية 2015).
ضحايا تنظيم لدولة الاسلامية 2015
SOURCE: http://www.la-croix.com/Monde/Moyen-Orient/Quelle-situation-Daech-2017-02-23-1200826973
هذا ما تداعى على الدولة التونسية امنيا واقتصاديا:
- أمنيا:
وباعتبار الدولة التونسية تعيش مؤشرات وأبعاد استفحال الارهاب المحلي والدولي ، فان الأزمات الدول المجاورة لتونس ؛أرمت بثقلها على “الذئاب المنفردة” داخل الدولة التونسية وخارجها ، فتقديرات مجلس الأمن الدولي حول عدد المقاتلين الاجانب في كل من سوريا والعراق وليبيا ؛ اظهر حجم الخطر الذي يمكن ان تعانيه الدول الأصلية لهؤلاء المقاتلين العائدين من سوريا و العراق وليبيا ،حيث قدرت وزارة الداخلية التونسية في جوان 2014 عدد المقاتلين التونسين في هذه الدول ب 2400 مقاتل في جبهة النصرة وأغلبيتهم في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) ،و حسب الامم المتحدة فقد تزايد هذا العدد في 2015 ليصل الى 5500 مقتل تونسي هذا بعد ما منعت السلطات التونسية 8 ألاف تونسي من الذهاب لسوريا. هذا ما جعل المقاتلين التونسيين في هذه الدول من أكبر المجندين ضمن المقاتلين المنتسبين ل 100 دولة ، حيث تشير مجموعة عمل محاربة المرتزقة التابعة للأمم المتحدة إلى وجود (4 ألاف مقاتل تونسي في سوريا، 1000إلى 1500 مقاتل في ليبيا ،200 في العراق ، 60 في مالي ،50 في اليمن ،و 625 مقاتل الذين عادوا من العراق).[16]
لقد اتخذ تنظيم الدول الاسلامية من مدينة سيرت قاعدة خلفية لتوسع نحو تونس و الجزائر، و في هذا الإطار جاءت عملية محاولة السيطرة على مدينة بن قردان التونسية، فوقوع الاختيار على هذه مدينة لتنفيذ مخطط التمدد والتأسيس لدولة الخلافة في تونس ليس اعتباطيّاً أو عشوائياً، ولذلك من المهم قراءة رمزية الاستيلاء على هذه المدينة من وجهة نظر القيادات الإرهابية لـ تنظيم الدولة الاسلامية؛ وذلك لتميزها بصفات استثنائية عن باقي المدن ؛كونها تعتمد على التهريب والتجارة الموازية ،حيث قٌدر أن هناك 3800 شخص من بن قردان منخرطين في التهريب وفقاً لتقرير “البنك الدولي”،.بالإضافة إلى ما يمكن أن يوّفره هذا الخط الحدودي من سيولة مالية لـ تنظيم الدولة الاسلامية؛ بسبب الحركة التجارية والتهريب والسفر بين ليبيا وتونس.
لقد استغل تنظيم الدولة الإسلامية مخزون الانتماء السلفي الجهادي لبعض سكان مدينة بن قردان، التي عرفت بشراسة مقاتليها في العراق ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ومن ثمّة انضموا إلى محاربة في صفوف التنظيمات المسلّحة (“الجيش الحرّ”/ «جبهة النصرة»/ تنظيم الدولة الاسلامية..) في سوريا ما بعد عام 2011 ؛وتكون الرسالة الأساسية من عملية بن قردان أن كلّ هجوم دولي على تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا ؛سيردّ عليه التنظيم من خلال تهجير الحرب والعنف الإرهابي إلى تونس ، وربما بقية الدول المغاربية.[17]
ويعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في هجوماته على ثلاث مراحل ؛وهي المعروفة باسم (شوكة النكاية والانهاك) ،التي تهدف تحديدا إلى إشاعة حالة فوضى أو (توحش)، بينما المرحلة الثانية هي (إدارة التوحش) وهي مرحلة وسطى تسبق المرحلة الأخيرة (التمكين) أو (السيطرة)”.
وفي إطار مخطط لإقامة إمارة تابعة لتنظيم “داعش” في الجنوب التونسي، شهدت تونس الهجوم الذي اغتيال فيه قياديين معارضين “شكري بلعيد “و”محمد البراهمي” في 2013 ، و عمليات ضد قوات الأمن والجيش في المرتفعات الجبلية الغربية المتاخمة للحدود مع الجزائر، واستهداف متحف باردو مارس 2015 ، والذي قُتل فيه اثنان وعشرون شخصًا، وبعد الهجوم الذي وقع في فندق في مدينة سوسة في شهر جوان 2015 وقُتل فيه ثمانية وثلاثون شخصًا، و استهدف حافلة للحرس الرئاسي بالقرب من شارع محمد الخامس، الذي يعتبر من الشوارع الأكثر حيوية وازدحامًا في تونس العاصمة. وسجل عام 2014 ارتفاعا في عدد العمليات الإرهابية التي سجلت بزيادة نحو 730 عملية عن عام 2013، لتبلغ نحو 1808 عمليات سنة 2014 مقابل 1078 عملية في 2013 .
- اقتصاديا:
- ضرب السياحة :تمثل ليبيا رقما مهما في الاقتصاد التونسي، نظرا للسيولة التي يوفرها السياح الليبيون من ناحية، ولأن ليبيا تمثل سوقا ضخما للصناعات التونسية. لكن اشتداد الأزمة السياسية والأمنية غيرت المعادلة الاقتصادية؛ و التي تسببت الإغلاقاتُ المتكررة للمعبرين الحدوديين الرئيسين ،حيث ذكر التقرير السنوي للمركزي التونسي أن أعداد زائري تونس الليبيين تراجع بنسبة 23,9% العام الماضي مقارنة بالعام الذي قبله، بما في ذلك السياحة الاستشفائية، التي تراجعت بنسبة 16,9%، وخسرت 179 مليون دينار تونسي من عوائدها.[18]
- تراجع الصادرات:ولم يكن قطاع الصناعات التونسية الموجهة إلى ليبيا أفضل حالا من قطاع السياحة؛ فقد تراجعت الصادرات في مجال الصناعة بنسبة وصلت 8,3% تحت تأثير ثلاثة عوامل أساسية، وهي: الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية الذي أدى إلى بطء وقلة حركة نقل البضائع، والتهديدات الإرهابية على طول الطريق الرابط بين تونس وطرابلس، والانخفاض الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين الليبيين، الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية نتيجة انعدام السيولة وتراجع سعر صرف الدينار الليبي ،وخسر قطاع الأشغال العامة والخدمات الفنية 597 مليون دينار تونسي خلال العام الماضي؛ وهو ما يمثل تراجعا بنسبة تصل 6,9% بسبب انخفاض الطلب الليبي على هذا القطاع.
والمفارقة هي ؛في أن تراجع الصادرات التونسية إلى ليبيا ؛يقابله ارتفاع مطرد في وتيرة المسلحين والذخائر القادمين من ليبيا إلى تونس؛ وهو أمر يجد تفسيره في سيطرة الإرهابيين على مناطق بأكملها داخل ليبيا ، وعدم ارتباط المسلحين بنقاط العبور التي يزعج إغلاقها حركة الاقتصاد
في الاخير ؛يمكن اعتبار عوامل كالسياسة القمعية البوليسية ؛التي اعتمدت قبل إزاحة بن علي وبعده ،وتأثر التنمية الاجتماعية و الاقتصادية ؛كسبب رئيسي في الإختلالات ، والانفتاح التكنولوجي وعدم خضوعه لرقابة ، ومبايعة القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي لتنظيم الدولة الاسلامية وتبنيها لنفس النهج والهدف والوسيلة ،وبالتالي محاولاتهم إفشال التجربة الديمقراطية السلمية ؛التي تبنتها حركة النهضة لأنها تختلف على النهج العنفي في التغيير السياسي ؛ لمنهج التنظيم ،بإضافة الى حدت الخلافات الداخلية ، ودور العامل الخارجي الدولي ( أمريكي) ؛عن طريق التدخل العسكري في العراق ؛وليبيا ؛سوريا ، و الدور الاقليمي ( ايران والسعودية وقطر وتركيا) في تغذية ظاهرة الارهاب والتطرف .واستعماله كغطاء لتواجدها غير القانوني في المنطقة لخدمة مصالحها الجيواستراتيجية والتي تساعدها على اعادة هيكلة خريطة العالم ،عوامل كلها ساهمت ؛في استفحال الظاهرة الارهابية في تونس .
قائمة المراجع:
- باللغة العربية
- علوش محمد ،” داعش وإخوانها من القاعدة إلى الدولة الإسلامية” ،لبنان: رياض الرايس للكتب و النشر، 2015.
- محمد جاسم ،” داعش إعلان الدولة الاسلامية والصراع على البيعة “،القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015.
- صايج مصطفى ،” التحديات الأمنية والاستراتيجيات الجديدة في غرب المتوسط”، المجلة السياسية للدراسات السياسية، العدد السادس ،ديسمبر 2016 .
- لونيسي رابح ،” مواجهة الارهاب الدولي: علاقة نشوء داعش بنظرية الاجتواء الامريكية “، مجلة استراتيجيا، العدد06، السداسي الثاني 2016.
- مناصري كمال,”القاعدة في الجزائر أشد خطرا من القاعدة في أفغانستان“،جريدة الشروق.22/20/2008.
- الدريسي سهام ،”واقع ظاهرة الإرهاب في الديمقراطية التونسية الوليدة”، معهد واشنطن ،في:
http://www.washingtoninstitute.org/ar/fikraforum/view/the-reality-of-the-terrorist-phenomenon-in-tunisias-nascent-democracy
- ــــــ،” كيف دمرت الأزمة الليبية اقتصاد تونس؟” ،(ت ن 10.07.2016) ،(ت د 12.04.2017) في : https://arabic.rt.com
- باللغة الاجنبية
- ــــــــــــــــ,“ LE TERRORISME OU L’APOLOGIE DU CRIME“, LUXORION , http://www.astrosurf.com/luxorion/terrorisme2.htm
[1] محمد علوش ،” داعش وإخوانها من القاعدة إلى الدولة الإسلامية” ،لبنان: رياض الرايس للكتب و النشر، 2015، ص 135
[2] محمد علوش مرجع سابق ،ص 166
[3] محمد علوش،مرجع سابق،ص 253
[4] محمد علوش مرجع سابق ،ص 247
[5] محمد علوش ، مرجع سابق ، ص 263
[6] محمد علوش ، مرجع سابق ، ص 247
[7] محمد علوش ، مرجع سابق ، ص 246
[8] مصطفى صايج ،” التحديات الأمنية والاستراتيجيات الجديدة في غرب المتوسط”، المجلة السياسية للدراسات السياسية، العدد السادس ،ديسمبر 2016 ،ص 32
[9] رابح لونيسي،” مواجهة الارهاب الدولي: علاقة نشوء داعش بنظرية الاجتواء الامريكية “، مجلة استراتيجيا، العدد06، السداسي الثاني 2016، ص 144
[10] جاسم محمد ،” داعش إعلان الدولة الاسلامية والصراع على البيعة “،القاهرة: المكتب العربي للمعارف، 2015 ،ص 33،34
[11] كمال مناصري,”القاعدة في الجزائر أشد خطرا من القاعدة في أفغانستان“،جريدة الشروق.22/20/2008.ص3
[12] محمد علوش ، مرجع سابق ، ص 297
[13] رابح لونيسي، مرجع سابق، ص 143
[14]ــــــ,“ LE TERRORISME OU L’APOLOGIE DU CRIME“, LUXORION ,
http://www.astrosurf.com/luxorion/terrorisme2.htm
[15] محمد علوش ، مرجع سابق ، ص ص 289ـ 290
[16] مصطفى صايج ، مرجع سابق،ص 33
[17] سهام الدريسي ،”واقع ظاهرة الإرهاب في الديمقراطية التونسية الوليدة”، معهد واشنطن ،في:
http://www.washingtoninstitute.org/ar/fikraforum/view/the-reality-of-the-terrorist-phenomenon-in-tunisias-nascent-democracy
[18] ــــــ،” كيف دمرت الأزمة الليبية اقتصاد تونس؟” ،(ت ن 10.07.2016) ،(ت د 12.04.2017) في : https://arabic.rt.com