
صوتُ الشِّعرِ.. صَدى الطِّين
قراءة سيميائية في ديوان “صوت برائحة الطين” لسعود بن سليمان اليوسف
د.إبراهيم محمد أبو طالب، أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك
جامعة الملك خالد، وجامعة صنعاء.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 40 الصفحة 9.
الملخص:هذه مقاربة في ديوان الشاعر الدكتور سعود بن سليمان اليوسف الذي يعدُّ واحدًا من الأصوات الشعرية السعودية الشابة والناضجة بما يحمله من رؤية إبداعية تقوم على قراءة واعية للموروث الإبداعي العربي الشعري واستثمار للصوت التاريخي والسردي، وينعكس ذلك في توظيفه في عالمه الشعري الخاص ذي الصوت الواضح من خلال استثمار القناع، وتقنيات استدعاء الشخصيات الإبداعية والتراثية وغيرها، مستثمرًا ذلك في مداخل النص وعتباته التي تتداخل في انسجامٍ واضح مع بنية النص الشعري وعالم القصيدة في تركيبها وفنيتها، ويفتح ذلك التوظيف دلالات النص على آفاق القراءة المنتجة لأن النصَّ عميق المعنى، وقد سعت هذه المقاربة إلى بيان ذلك من خلال آليات المنهج السيميائي الذي يعدُّ الأقدر على استنباط تلك الدلالات من خلال بيان ممكنات النص ابتداءً بالعنوان والغلاف الخارجي، والنصوص الموازية المختلفة، وانتهاء ببنية النص الشعري نفسه، وقد بينت المقاربة مدى ذلك الترابط وجمالياته.
الكلمات المفتاحية:
صوت الشعر- صدى الطين- قراءة سيميائية- دلالة العنوان- النص الموازي- القناع- استدعاء الشخصيات.
This is a study of the collection of poems of the poet Dr. Saud bin Suleiman al-Yusuf who is one of the young and mature Saudi poetic voices with his creative vision which has a conscious reading of heritage of poetic, and an investment of history and narrative. This is reflected in his employment in his own poetic world which has its own special characteristics through the Investment of the mask and the techniques of recalling the creative and heritage characters, and others, employing in the entrances of the text and that overlap in a clear harmony with the structure of the poetic text, and the world of the poem in its composition and aesthetics, and that employment guides the semantics text to the prospects of productive reading because of the deep meaning of the text. This study tried to state that through the semiotic approaches, which classified as the best approach to derive that meanings by employing the text’s contents starting with the title, outer cover, various parallel texts, and ending with the structure of the poetic text itself. Furthermore, the study shows the extent of coherence and aesthetics.
مقدمة:
لا شكَّ أن مقاربة أي نصٍّ إبداعي تحتاجُ إلى منهجٍ محدَّدٍ يفتح دلالات القراءة، ويستبطن معانيها، لتصبح تلك المقاربة ذات عمق وتؤتي ثمارها، ولهذا فإننا في قراءتنا لهذا الديوان نظنُّ أن المنهج السيميائي هو الأنسب للقراءة كونه يفتح آفاقًا بين النصِّ وقارئه يتكئ على ضوابط محدَّدة، وأدوات مساعدة تعين القارئ على فهم الدوال المختلفة والعلاقات المترابطة بين العنوان والنصوص الاستهلالية أو الموازية وصولاً إلى بنية النص الشعري ذاته بما يحتويه من ربط لهذه الدوال الخارجية بدوال المتن الشعري الداخلية وعوالمه، وما يكتنزه من رؤى وأفكار وجوانب فنية مختلفة تجعل للقراءة -وفق هذا المنهج- لذَّةً تتمثَّل في الاستكشاف، والتفكيك، ومشاركة المبدع في لعبة الإبداع بوصف القراءة نصًّا موازيًا له ذاته وحضوره في عملية التلقي المنتج؛ بحيث لا يصادر على القارئ – أي قارئ إيجابي- حقَّه في إنتاج الدلالة واستكمال دائرة الإبداع، ولهذا ستمضي مقاربتنا لهذا العمل وفق هذه الرؤية في رحلة لفهم النص بجزئياته وكلياته، ابتداءً من دلالات العتبات، وصولا إلى أغوار النص وآفاق مبناه.
دلالة العنوان:
إن أول ما يسترعي اهتمام المتلقي وهو يمسك بديوان “صوت برائحة الطين”([1]) لسعود اليوسف([2]) هو عتبته الأولى، ونصه الموازي الأول، ونقصد به الغلاف الذي يحمل دلالات متعددة تتمثّل في صورة يغلب عليها اللون الرمادي للطين الصحراوي ولكن هذا الطين بتموجاته ولونه المتدرج في الرمادي يمتدُّ في فضاء الصورة إلى أفق يغيب معه ذلك التموج من أعلى الصورة ويسير إلى لون يحيل على الأزرق السماوي المائي من أسفل الصورة، وحين يظهر على سطح الماء في مواجهة السماء يدلُّ على حرص في اختيار الصورة وما توحي به للقارئ الذي سيدخل من البداية في جو الديوان طينه وصوته كثنائية كبرى ذات رائحة خاصة تجمع ما سيأتي بعدها من مفردات الشاعر في هذا الديوان.
للاطلاع على الصور والأشكال يرجى تحميل عدد المجلة.
(الشكل رقم (1) صورة لصفحة الغلاف الأمامي من الديوان)
لون الكتابة على هذه الصورة في واجهة الديوان مكوّن من لونين الأول اللون الرمادي وجاءت به عبارة “صوت برائحة” يحيل على دلالة حاستين اثنتين من خلال هاتين المفردتين أو الدالين (صوت/ سمع) بـ(رائحة/ شم) ، ثم اللون الآخر لدال (الطين) الذي يأتي بلون طيني مزيج من بعض الألوان (الأحمر، البني ذي الخليط الأسمر، والأصفر- في عنوان واجهة الغلاف- أو الأحمر القاني – في غلاف الخلفية) كما يوضِّحُه الشكل الكتابي المركز على العنوان فيما يأتي، وسنضعهما في مواجهة بعضهما لبيان المراد من الحديث:
(الشكل رقم (2)، (3) صورة عنوان الغلاف الأمامي والخلفي من الديوان)
هذه الألوان الواضحة في الكتابة تدل في مجموعها على الطين بتدرجاتها من السبخ إلى الرمل إلى الطين ليمثل كل الأنواع من الصحراء إلى الوادي إلى الجبل، وما يكون منه الطين الذي يتنوع ومن تنوعه كان طين البشر.
ومن هنا فإن هذا الصوت الطيني الملون ذو الرائحة هو ما سنستمع إليه من أصوات وأصداء أصوات طينية هي أصوات الشعر ورائحة الشعراء الطينية بكلِّ تشكلاتها التي ستنتظمها قصائد الديوان فيما بعد عتبة العنوان.
هكذا ندركُ سيميائية اختيارات الألوان والعنوان وتواشجها الدال مع محتوى الديوان وقصائده فيما سيظهر من عناوين لقصائد الديوان وأبياته التي تجمعها– فيما يبدو- هذه الثنائية بين صوت الشاعر وأصوات غيره من الشعراء الذين ستقيم الأبيات مع بعضهم حوارًا ومع الآخرين قناعًا يتحدث الشاعر من خلاله إليهم وإلى القارئ، وبالتالي: إلى الماضي وإلى الحاضر ، إلى الشعر وإلى الشاعر في بندولية متكررة أو مرجحة واضحة في هذا الصوت وصداه أو في إصدعه ورجعه.
وستبدو رموزه ذات لون رمادي في صوتها لا نستطيع من خلالها أن نحكم باتجاه واحد في المعنى لأنه يفتح على آفاق التوقع، ورمادية المعنى –إن جاز التعبير- وانزياحية المفردة في بعضها.
ويعزِّز ذلك ألوان الوجه الآخر من غلاف الديوان في تنوعها ( أبيض/ أحمر/ أصفر/ رمادي/ أسمر) في كتابة العنوان وجزء من الشعر يكتب بطريقة الشعر الحر والأشكال الهرمية المختلفة كما نلاحظ في الشكل رقم (4)، مع كتابة اسم الشاعر باتجاه رأسي في فضاء امتداد الصورة بتموجات الطين –أيضا امتداد الطين واجهة الغلاف- من الركن الأيمن للصورة التي تدخل في فضاء أسود فاحم في بقية أجزاء الغلاف، وكل ذلك يدلُّ على تلاشي ذلك الصوت وامتداد غيابه في عمق من الظلام البعيد.
(الشكل رقم (4) صورة الغلاف الخلفي من الديوان)
ويأتي اختيار بنط الخط بلون أحمر ونوع الخط تشكيلي حديث يستثمر فيه خطوط الكمبيوتر الحديثة، كل هذا يجعل القارئ يدخل في جوٍّ مختلف لما سيتلقاه من صوت شعري لهذا الديوان القادم برائحة الطين ومن رائحة التاريخ وأصواته؛ بل يتكوَّن من جوقة من الأصوات، يأتي صوتها صدى لرؤية الشاعر وأصداء الشعراء من مختلف العصور، وبذلك تبدو فعالية العنوان معقدة – كما يرى أحد الباحثين- حيث “تبلغ من التعقيد حدَّ أن الحديث عن “نصيِّة” عملٍ ما يجب أن يضع في اعتباره كون العنوان نصًّا نوعيا له – كالعمل تمامًا- في بنيته وإنتاجيته الدلالية”([3]).
ويشكّل العنوان أقصى اقتصاد لغوي في النص الأدبي، وتثير لحظة تلقيه انفعالا ما فتأتي الاستجابة إما في حالتها السلبية أو الإيجابية مع داخل النص إذ تشكِّلُ تلك اللحظة إغواءً للمتلقي بضرورة الولوج إلى داخل النص، وكشف مدى ارتباط العنوان بمكونات هذا النص، ولهذا فالعنوان مهما تعددت تحديداته لدى النقاد باعتباره “ضرورةً كتابية” لدى الجراز([4])، أو “بؤرة النص” لدى بسام قطوس([5])، أو ” مفتاحا دلاليا” لدى أمبرتو إيكو([6])، أو “علامة لسانية” لدى محمود عبد الوهاب([7])، فإنه يظل علامة لغوية تختزن مكونات النص وتحرِّك المتلقي باتجاه توريطه في دخول تلك المكونات مع دلالاتها بوصفه ” بنية صغرى لا تعمل باستقلال تام عن البنية الكبرى التي تحتها، فالعنوان بهذه الكينونة بنية افتقار يغتني بما يتصل به من قصة، رواية، قصيدة، ويؤلف معها وحدة سردية على المستوى الدلالي”([8]).
النص الموازي: (الإهداء والاستهلال):
إذا ما خلصنا من الولوج من عتبة العنوان والغلاف الخارجي سنجد الشاعر قد اهتمَّ بالنص الموازي المتمثل في الإهداء أو العبارة التي يُصدِّر بها قصيدته لتكون مستهلاً يشبه الاتفاق المبدئي بين الشاعر والقارئ لما سيغلب على هذه القصيدة أو تلك من جوٍّ عام أو من صوت – كما يحلو للشاعر تسميته- هذا الصوت سيكون واضحا في القصيدة وغالبًا عليها.
ولهذا ستأتي ستة استهلالات للقصائد الـثلاث عشرة بعضها يكون إهداءً أو كالإهداء الذي غالبا ما يسبق بحرف الجرِّ الدال عليه (إلى) كما في قوله: “إلى أبي إجلالا لم يصل حدَّ التقديس” في أول قصائد الديوان قصيدة “تأملات في محراب ملامحه”(صـ5)([9])، أو “إلى آخر أمراء الأندلس” استهلالا لقصيدة “ظل لقامة الشمس” (ص19)، وستلاحظ كما في الشكل رقم (5) كيف أن الشاعر سيتخذ طريقة في كتابة تاريخ القصيدة في بدايتها وليس كما جرت عليه العادة بأن يذيل بالتاريخ قصيدته، ولكنه يهتم بالمكان والزمان، فيصدِّرهما قبل الاستهلال – كما نرى- وقبل عنوان القصيدة أيضا.
(الشكل رقم (4) صورة الغلاف الخلفي من الديوان)
وبعض الاستهلالات يكون توصيفا لجو القصيدة وموضوعها العام كما في قوله: “حقائق عن الشاعر المزروع في ذاكرة النسيان إلى شفة لم تُعرض في المزاد العلني” استهلالا لقصيدة “ما أروع وأسوأ أن تكون شاعرًا”.
وهذا الوصف بجملته الخبرية لا يخلو في جزئه الأخير من مفردة (إلى) دالًّا إهدائيا إلى الشفة التي لم تُعرض في المزاد العلني، وهذا دليل على ما ستحمله القصيدة في عنوانها الذي لا يخلو من تناقض الروعة / الجمال والسوء/ القبح في حال كون الشاعر شاعرا لأنه يحمل المتناقضين معًا إن وظَّف شفته (منبع القول وآلته) في المزاد العلني، وهذا توصيف حديث منتزع من عالم التجارة، وواقع الحياة المادية التي قد تدعو الشاعر إلى بيع شفته أي (شعره) لمن سيدفع أكثر، وهذا مصدر السوء فيه، وكذلك يحيل إلى مفهوم الشاعر المتكسِّب الذي هو “مزروع في ذاكرة النسيان” لكنه مستحضر في لحظة القول الآن، وأما مصدر الروعة في الشاعر، فذلك مما لا يحتاج إلى بيان لوضوح قيمته ومكانته.
وأمّا الاستهلالات الأخرى فبعضها يشير إلى حالٍ مصدرُهُ الحسُّ القومي العربي لوصف ما يحدث اليوم لشعب كامل من جراحات وأحزان وفقد وطن؛ حيث يأتي استهلال قصيدة “هذه رسائلي.. إلى أن أعود، على لسان عراقي إلى المنفى هربتُ من المنفى…!!”.
ما أصعب هذا الحال! وما أقسى أن تكون بين منفيين تهرب من أحدهما لتقع في الآخر، وتترك رسائلك إلى أن تعود ولا أحد يعرف متى العودة؟ لأنها من المنفى إليه في امتداد لا أجل لحدِّه ولا نهاية لأمده.
ثم يحضر صوت الشاعر وهدف القصيدة في “صهيل أنت على شفة الخلود”؛ حيث يُصدِّرها بهذا الاستهلال “عمر أبو ريشة (شاعر الحب والجمال) مات ليبتدئ حياته…”.
وأما الاستهلال السادس والأخير في الديوان فيأتي ذا طبيعة سردية “كان يناديني: يا ولدي.. فالتفتُّ فإذا الأستاذ عبد الله بن عبد الرحمن الشهري!!” (ص65)، قصيدة “وسنينه إذ.. تحدثني”.
هذا الاستهلال السردي الذي سيحكي لنا عبر القصيدة حكاية سنين هذا الأستاذ الذي حدَّث بها الشاعر فحدَّثنا عن هذه السنين، وما فيها.
ما مضى من تنويعات الشاعر وأساليبه في هذا الديوان الذي جاء على شكل إهداء مباشر للأب ثم لآخر أمراء الأندلس، ثم للشاعر الذي لم يبع شفته في المزاد، ثم للعراقي المنفي من وطنه وفيه، وكان القول على لسانه، ثمَّ لعمر أبو ريشة بصهيله على شفة الخلود، ثم النداء في آخر استهلال ليوحي بالسرد في مفردة (يا) الدالة على النداء، وفي لفظة (يناديني) أيضًا “كان يناديني: يا ولدي” ليضعنا في جوٍّ سردي بفعل السرد “كان” وبحواره في النداء وإضمار الرد على ذلك النداء وغيرها من المحمولات السردية الدالة.
هذا الاستهلال بما له من أهمية في إثراء النص ولكونه العتبة الثانية للولوج إلى النص الشعري بعد عنوان القصيدة سنجد أن الشاعر هنا خالف ذلك الترتيب فجعله قبل عنوان القصيدة وفي ذلك مخالفة محمودة لأفق التوقع، بل وليضعنا في جو القصيدة قبل أن نلج إليها فيأتي الاستهلال بين المكان والزمان للقصيدة وبين العنوان وهذا دال آخر على اهتمام الشاعر بالنص الموازي ممثلا في الاستهلال كعتبة مهمة لديه.
ونجد أن ما يجمع هذه الاستهلالات مرتبط ارتباطا وثيقا بالصوت أو بآلة هذا الصوت ممثلاً في الدوال المستخدمة (الشفة/ اللسان- النداء) وتلك علامة سيميائية تتواشج فيها استهلالات القصائد ذات النسيج الواحد مع العنوان العام للديوان (صوت برائحة الطين).
وبذلك تتفرَّع خيوط ذلك الصوت إلى أصوات، وتتوزع إلى نداءات وكلها برائحة الطين، ولكن هذا الطين تارة يأتي طينًا قريبًا يدلُّ على الجذور والأصل ممثلا في الأب، وتارةً يأتي طينا (ترابيًّا) بعيدًا فقدناه قديما (الأندلس) أو حديثًا (العراق)، وتارة طينًا معنويا متمثلا في قيم إنسانية ورموز معرفية (الأستاذ الشهري، والشاعر عمر أبو ريشة) بما يمثلانه من قيمٍ (الأستاذ/ المعلم، والأستاذ/ الشاعر)، وبكونهما طينا بشريا معادلا للطين الطيني أو بعبارة أخرى ثنائية طين الإنسان مقابل لطين الأرض.
وبذلك يبدو التواشج كبيرًا ودالًا في سيميائية العنوان الذي يتوزَّع في ثنايا النصوص اللاحقة ابتداءً بالاستهلالات التي لم تأتِ متعارضة أو بعيدة كونها قناة دلالية تربط بين العنوان العام وصولا إلى تفرعاته المتمثلة في عناوين القصائد، ومن ثَمَّ محتوى النصوص الشعرية.
الصَّوت |
عناوين القصائد:
نلاحظ أن عناوين القصائد ينتظمها حقل دلالي واحد يجمعه دال (الصوت) الذي بدوره يتصل بعنوان الديوان من ناحية وبكونه مسمى لإحدى قصائد الديوان (صوت.. برائحة الطين) من ناحية أخرى، ثم إن هذا الصوت ذو رائحة طينية يتفرع منه الطين الذي يتشكّل في العناوين في الدوال الآتية: (ملامحه- أن يكون شاعرا-… حديث المتنبي إلى خولة- أبو فراس الحمداني- شفة الخلود- …تحدثني…الخ) هذه الدوال تنتمي جميعا إلى حقل دلالي كبير وهو تنويعات الطين البشري، يضاف إليها الطين الأرضي في عناوين القصائد الأخرى (صوت ..برائحة الطين- البحث عن منفى أو حتى عن وطن).
ثم نلاحظ ثنائية تنتظم هذه العناوين بشكل عام تتمثل في ثنائية الصوت (المنطوق/ والمكتوب) وله تنويعات سنكتفي لبيانها بعرض عناوين القصائد الثلاث عشرة ليتضح أنها تنتمي إلى هذه الحزمة الدلالية التي تجمعها.
” تأملات في محراب ملامحه – صوت ..برائحة الطين- ما أروع وأسوأ أن تكون شاعرا- لا ظلَّ لقامة الشمس!- حديث المتنبي إلى خولة..وشيء آخر- تهميشات على المعلقات- هذا الصمتُ مبحوحًا..وهذه أصداؤه- أبو فراس الحمداني سيرة ذاتية في مواسم فقدان الذات- هذه رسائلي.. إلى أن أعود!- مخطوطة للمتنبي لم تُحقّق بعد- صهيلٌ أنت على شفة الخلود- البحث عن منفى أو حتى عن وطن!!- وسنينه إذ..تحدثني”.
هذه العناوين يمكن أن نوزعها في الخطاطة الآتية لتبين الروابط بينها من خلال الصوت كدالٍ عام، ثم ما يتفرع عنه من ثنائية (المنطوق/ المكتوب) وبالتالي ثنائية (الزماني/ المكاني) وذلك على النحو الآتي:
منطوق (زماني) |
مكتوب (مكاني) |
في الخطاطة السابقة يبدو التقابل بين ما هو من الصوت (منطوق زماني)، وما هو منه (مكتوب مكاني)، وثمَّة ما هو مشترك بينهما كما في الدوال: (شاعر- الشمس- الذات) ومن هنا ندرك أنَّ الذات الشاعرة هي المشترك المحرِّكُ بين هذه الدوال، وبين تلك الحالات الشعورية التي هي الرابط بين دوال هذا الحقل السيميائي المتناسق والمتماسك في ذات الوقت، وهو ما يربط أيضا بين هذه العناوين كعتبات للولوج إلى القصائد وبين الدال الأكبر الذي سُمِّي به الديوان أو هي القنطرة التي تربط بين العنوان الخارجي والعناوين الداخلية التفصيلية للنص الشعري، من هنا يتضح أن العنوان هو “النص مكثَّفا، والنص هو : العنوان موسَّعا”([10])، أو كما يرى النقاد السيميائيون في تأكيدهم على العلاقة بين العنوان والنص بالقول: “إن العنوان سؤال، والنص إجابة عنه”([11]) غير أن هذه الإجابة لا تكون نهائية، بل هي مؤقتة ريثما يولِّد النص نفسه أسئلة أخرى للمتلقي تحتاج إلى إجابات أعمق.
القناع واستدعاء الشخصيات:
مما لا يخفى أن القناع تقنية شعرية حديثة وثرية وذكية في آن واحد، قد يجيدُ الشاعر استثمارها لأغراضٍ عدَّة منها ما يكون لغرض يقف وراءه الحذر من التصريح والمباشرة، ومنها ما يكون لغرضٍ غايته الرمز والإثراء الدلالي، ومنها ما يكون لغرض فتح آفاق التلقي واستثارة القارئ غير العادي في لعبة التفكيك والتركيب.
وقد استعمِلَ القناع mask للدلالة على شخصية المتكلم أو الراوي في العمل الأدبي، ويكون في أغلب الأحيان هو المؤلف نفسه([12])، و”يستخدم التعبير في النقد الأدبي أحيانًا ليشير إلى شخص يبرزُ في قصيدةٍ مثلاً، وقد يمثِّلُ أو لا يمثِّل نفسه”([13]).
ومن تعريفات القناع النقدية أنه “وسيلة فنية لجأ إليها الشعراء للتعبير عن تجاربهم بصورة غير مباشرة، أو تقنية مستحدثة في الشعر العربي المعاصر شاع استخدامه منذ ستينيات القرن العشرين بتأثير الشعر الغربي وتقنياته المستحدثة، للتخفيف من حدة الغنائية والمباشرة في الشعر، وذلك للحديث من خلال شخصية تراثية، عن تجربة معاصرة، بضمير المتكلم. وهكذا يندمج في القصيدة صوتان: صوت الشاعر، من خلال صوت الشخصية التي يعبر الشاعر من خلالها”([14]).
واستخدام القناع من الخطورة بمكان فهو إما أن يكون مثار إعجاب ومراوغة يوهمنا بواقعية ما يريده الشاعر وجدوى لبسه وتوظيفه، وإما أن يكون مثار سخرية المشاهد/ القارئ لأنه يبدو غير مُقنِعٍ ومكشوف كأن يكون أكبر من حجمه أو أصغر، ومن هنا يفقد أهميته ويبتعد عن غايته التي فيها يوظّف وبها تكون جدواه وجماليته الدلالية والفنية.
والقناع الذي استخدمه الشاعر في ديوانه صار أقنعة واختلف في ألوانه وأصواته باختلاف من استدعاهم أو بمعنى آخر باختلاف من حاورهم، وبدا في مشهد مثلث هو (الشعر/ السرد/ التاريخ).
الشعر
السرد التاريخ
وقد أوقعنا الشاعر مرات في الحيرة؛ حيث لم نعد نعرف أي صوت يتحدث إلينا، هل هو صوت القناع أو صوت الشاعر الذي حضر، وكانت المكاشفة في قصيدة “حديث المتنبي إلى خولة..وشيء آخر” حيث تبدا القصيدة بالحديث عن المتنبي وخولة أخت سيف الدولة التي يحكي الشاعر فيها عن حبِّ المتنبي لها، وإشكالية ذلك الحب، ونجد المتنبي سُردَتْ قصة حبِّه هكذا:
غازلَ الحبُّ قلبَه فتوارى يحسب الحبَّ في ربى الشام عارا
كـــان يبــــدي تجـلّـــدًا .. ثــم إذ ماجت دلالاً غمَّازتاها انهارا
لســـت تلقى إلا هوىً وترى الناس سكارى وما همو بسكارى (صـ25)
ثم يتداخل صوت القناع وصوت الشاعر في هذا النداء:
يا دمشق التي تنفَّس عطرا وغناءً أنوثةً واخضرارا
باختياري أزمعتُ عنكِ رحيلا فاعذريني فما عشقتُ اختيارا (صـ26)
هنا صوت المتنبي الذي يختار الرحيل عن دمشق (وهو في نفس الوقت صوت الشاعر الذي كتب قصيدته مؤرخة بـ “دمشق 21/ 5/ 1422هـ” فيمتزج الصوتان ويسقط القناع أو يكاد، ثم يظهر وجه الشاعر للناظر لأنه يدخل في نوبة من العشق والحنين إلى وجهته “نجد” وإلى حسنائه التي غازلته – كما غازل الحبُّ المتنبي في البداية- فطار إليها شوقًا، ولم يتمنَّع كما فعل قناعه.
إنَّ عصفوري الذي جاء من نجدٍ و(حسناء) –غازلته فطارا
لبســـــتْ فاغم العـــــرار وطهرًا ودلالاً وموعدًا واحورارا
نجدُ يا نجدُ بحَّ شوقي غريبًا فاحضنيني خطيئةً واعتذارا.. (صـ 27)
لكن القناع لا يتجلَّى بشروطه الدلالية والشعرية إلا في قصيدة “أبو فراس الحمداني سيرة ذاتية ..في مواسم فقدان الذات” وهي أطول قصائد الديوان نفسًا وأكثرها عمقا، والقناع هنا كما يراه النقاد “يستدعي شخصية تاريخية –في الغالب- (يختبئ الشاعر وراءها) ليعبِّر عن موقف يريده، أو ليحاكم نقائص العصر الحديث من خلالها”([15])، والقصيدة تقوم على مواجهة بين الحاضر والماضي، بين الذات والآخر، بين الشاعر وقناعه، بين حديث القهر قديما، ولحظة القهر المتجددة حديثا، بين الروم بالأمس، والروم اليوم، بين فروسية الذات الشاعرة، وشعر الفروسية، بين تداعيات أبي فراس وخطابه لابنتيه في حالة الأسر اللحظية، وبين استدعاء الشاعر وخطابه لأمته في حالة القهر الدائمة.
حيثُ يستهلُّ هذا الاستدعاء بمفردة تتكرَّر بوصفها (تجربة)، وما تحمله هذه التجربة من دلالات ومن تجدد في المحاولات، ثم يبرر ذلك الاستدعاء للقناع أو لشخصية “أبي فراس” بشكل مباشر يغيب ويحضر مبررا ذلك في بداية المطلع بأن هذه التجربة:
“كتلاقح الأحزان في رحم الرحيل
تتناسلُ الأشواقُ في صدري إلى وطني.. أنادي
لن أنادي
قبل أن يندى الصباحُ
ببحّة السيف الصقيل”.(صـ35)
هنا يظهر صوت الشاعر القديم، ثم يظهر الخطاب المباشر له بضمير المتكلِّم في المقطع الآتي:
“هي تجربة..
للراحلين – وكنتُ فيهم-
تفتح البيداءُ صدرَ العري مكتسيًا
بحُبِّ الأرض، يا لغرامهم!…” (صـ36)
هنا يأتي ضمير (كنتُ) بضم التاء مع الفعل (كان) بمحمولاته السردية للحديث عن الفاتح عن غزو الروم وحب الأرض عن صوت أبي فراس عن صوت العربي في لحظة ازدهار صوته وانطلاق صهيله.
ثم تتداعى سيرة هذه الذات لحظة وقوعها في الأسر، وجَلَدِها أمام آسرها، وفي هذه الوقعة التي يتراءى له فيها الشرفُ والعارُ والعاطفةُ ممثلةً في ابنته حين يقول:
“هي تجربة..
والفجر مصلوبٌ
يقادُ إلى الغد المجهول قسرًا
مثخنًا بتباين الآراء!
يا للفجر حين تلوكُهُ سِنةُ الثغور
أبُنيّتي
والأمر أكبر من أسير
ما زلتُ أكبرُ في عيون الأسر
حتى اعتادني – وألفتُه- قَلقُ المصير
تدري جراحي أنني المأسور، لكن
ما وعت معنى (الأسير)!
وتهرَّأت أعوامي البيضاءُ
شاخت في عيون الذكريات
وذلك الميثاق أُجهِضَ
والأسيرُ هو الأسيرُ” (صـ 38- 39)
نلاحظ هنا ترابط القناع بالمتقنِّع، تواشج الماضي بالحاضر، فأصبح الأسر عامًّا وتهرؤ الأعوام البيضاء وشيخوخة الذكريات في امتداد الأسر واستمراره الذي يعبر الزمان، ويتجاوز فعل اللحظة الماضية إلى حال الزمن المستمر من فعل ماضٍ إلى فعل مضارع مستمر.
ويتبدّى صوت الشاعر القديم “أبي فراس” وقصة أسره في لحظة التضحية، ويظهر هنا أثر الثقافة والقراءة في فعل صلب الفجر، وصعوبة تلك اللحظة التي جسَّدت حضوره شاعرًا فارسًا ثائرًا تنتقل ثورته في كلِّ من سيحمل مشعلها بعده لتسير في مدار الزمن منتقلة في أصوات من يحملها:
“بؤسي للون الثورة الفنَّان
أبدع لوحة التاريخ سرياليّةً
والآن يحويها إطار!” (صـ40)
ما أصعب أن تتحوَّل تلك الحياة والحركة والمجد إلى مجردِ لوحةٍ “سُريالية” يحويها -(يثبتها/ يجمّدها)- إطار، ولكنَّ الشاعر/ الفارس لا يعترف بذلك الموت والموات لأنه كما يقول:
“أنا نطفة الحرية الحمراء
قد كُتبتْ حياتي في الأزل
حتى ولو فاجأتُ قابلتي بأحضان القبور
لي كلَّ يومٍ ألفُ ميلادٍ وترحالٍ إلى حريتي
فأنا قماطي القيدُ
حضني السجنُ
قابلتي هي السجَّانُ” (صـ40).
هكذا يتجلَّى صراع الحرية الحمراء، مستدعيًا صوت أحمد شوقي ومختلطًا بقوله: (وللحرية الحمراء باب..بكلِّ يدٍ مضرَّجة يدقُّ)، وهو نداء كل شاعر حرٍّ وسط أصوات الموت، والقابلات اللائي يئدنَ الشعر ويئدنَ ميلاد الحرية، وعلى الرغم من كتامة المشهد وقتامته منذ الطفولة المقيدة والمحاصرة بالسجن والسجَّان رمزا للقهر للاستبداد إلا أن ذلك كله لا يمنع الميلاد، بل ألف ميلاد للحرية في كل يوم، وهكذا يبقى السؤال مطروحًا متجددًا، فما دلالة الحرية هنا؟ وهل هي مستمدَّة من روح الماضي بفروسية الشاعر، أو من روح الرمز المأمول في المستقبل؟!.
ثم يمضي حوار الشاعر مع الشاعر؛ حوارُ الذات مع السيرة الذاتية للشاعر القديم، حوار يتضح فيه ما ذهبنا إليه من أن القناع يضيق على المتقنِّع به، فيختلطُ الصوت، ويتبدّى الدور واحدًا، ولعلَّ في هذا المقطع الشعري دليلا واضحًا يتماهى الاثنان ويصبح صوتهما سبيكة واحدة، صوت الماضي الحاضر وسيرة الشاعر بذات الشاعر.
“والقائلونَ لي: الفرارُ أو الردى
قد أُلقموا لغتين ما زالت تدرِّسها الكتاتيبُ العقيمةُ
في السطور
لغة السلام سلامنا الخرساء واللغة العويل
شابوا، وما زالت طفولة عُمرهم
وأنا هنا” (صـ42)
أيُّ “أنا” تظهر هنا؟ هل هي أنا القناع أو أنا الذات الشاعرة؟ لعلها أنا الماضي الذي يظهر مجدَّدًا ومتجذِّرا في لحظة الحاضر، يتكرر من جديد، ولكن بالرمز العربي الواحد ممثلا في النخلة ذات الوجود العريق الشامخ في دلالته وحضوره في حياة العربي:
“ما زال يملأ جعبتي صوت الهجير
ما زال في سعف النخيل شموخُهُ
أو ما درى المتقزِّمون عن انتفاضات النخيل؟!
فالنخلُ يغدق وهو يخفقُ كبرياء وإنما لا ينحني
إن انحناء النخل معناه الذبول
فليملؤوا لي من دم الروم الكؤوس” (صـ43)
يتجلَّى صوت “أبي فراس” في الماضي ثم ينتقل صداه ويسْلِمهُ للحاضر مباشرةً صوتُ شاعرنا، فيندمج الصوتان واللحظتان المتكررتان في حالة واحدة، وبعد أن كان الخطاب لابنتيّ الشاعر الأول صار الخطاب لأمّة الشاعرين معًا:
“يا أمَّتا هذي مواردنا
ولم نرشف وقد روي الدخيل!
يا أمَّتا هذي منازلنا
بنيناها ويحكمها العميل
هم لقحوا بالعقمِ صوت هُويّة العربي
حتى يولد العربيُّ – في وضح الهزيمة في دياجير انهزام الذات
يحمل شكل رائحة المحول” (صـ43).
ثم يمضي الشاعر في تداخل الذوات واستدعاء الشخصيات، فيحضر “المتنبي” و”سيف الدولة” و”كافور” وعوالم ذلك الزمن الذي عاش فيه “أبو فراس”، واستدعاء السيف لينقلنا في لحظة فارقة من تلك الصورة الزاهية والذات القوية الحاضرة بسيفها رمزا للفتح والنصر إلى لحظتنا الراهنة المتردية بين لحظتي الاعتزاز بالفعل (قديما)، ولحظة الاهتزاز بالقول (حديثا)، والقول وحده هو الحاضر حين يترك السيف، ويكون الاستسلام، وتكون حالة الضعف.
فالحرب لا يصنعها الفعل الماضي، بل يصنعها الفعل المضارع، وهنا يختم شاعرنا قصيدته بهذه الصورة وبهذه الرؤية:
“ما زال سيفك قابعا في خدره”
[ونلاحظ هنا اختيار مفردة الخدر بما تحمله من دلالات أنثوية]
“قد يوصم التاريخ بالأعيار من سيف بتول [وكذلك دلالة بتول]
قد ملّت الأسماع: (كُنَّا) (نحن أبناء المثنَّى)
فاستقلْ
فالحرب لم تقبل سوى الفعل المضارع
وانتماء ذواتنا لذواتنا..
في وسط أصوات الذحول” (صـ45)
ثم يقرر حقيقة ما جاء به صوت الشعر والشاعر، وهو بذلك يعيدنا –مرةً أخرى- إلى صوت الطين الذي يربط كل أفكار الديوان، فيقرر بهذا النداء حقيقة فعله الشعري ورسالته مناديًا:
“يا أيهذا الشاعرُ/ الجسدُ، استقلْ
كلُّ اللغات رطانةٌ فصحى
سوى لغة الصليل
أغمد صهيلك..
لم يعُد في الأذن متَّسعٌ لجعجعة الصهيل” (صـ46).
وحين نمضي في استقراء الشخصيات التي استدعاها الشاعر سنجد أنها في الغالب تنتمي إلى فئة الشعراء فمن الجاهلي نجد أصحاب المعلقات السبع بحسب ترتيبهم في قصيدة “تهميشات على المعلقات” ولم يقل هوامش لأن التهميش دالٌ يحمل دلالات كثيرة منها المراد بمفهوم الهامش، وما يأتي فيه من زيادة وتوضيح وشرح أو استدراك وغيرها ومنها المعنى الآخر من التهميش، وهو ما كان مهمشا من القول أو من الحال التي أصبحت فيها الشعرية العربية التي كانت متنا مع هؤلاء الشعراء الكبار أصحاب المعلقات، فأصبحت مهمشة غير ذات جدوى معنا اليوم.
وربما كان ذلك لإحساس الشاعر الخفي بغياب دور الشعر وصوته، وتراجع منزلة الشاعر ومكانته من نبي في قومه وحاضر بصوته في أصواتهم وأحوالهم إلى مهمش بعيد عن الضوء متواريا بأحزانه عن تلك المنزلة.
هذه التهميشات هي رسائل قصيرة مكثفة البناء موجزة الألفاظ لا يتجاوز أطولها الخمسة أسطر عدًّا يضعها الشاعر خلاصاتٍ لحواره مع تلك المعلقات ولفهمه لروحها ومعناها وغايات أصحابها، حيث يخاطب كل شاعر منهم خطابا مختلفا عن الآخر على هذا النحو:
“معلقة عمر[كذا] بن كلثوم
ألا أستحقُّ على الجرح شكرًا؟
لقد كنتُ أقصدُ حين جرحتُك
أن أتعلَّمَ كيف تُضمِّد جرحًا
وتحنو..
فقل لي: شكرًا..
معلقة الحارث بن حلزة
يا صديقي
لستُ بالخاسرِ إمَّا
بعتُ يوما
ألفَ صحراءَ بزهرة..
معلقة طرفة بن العبد
ما تمتَّعتُ بشعري!
هل تملَّت بشذاها أيُّ فُلّة؟
أيُّ نخلة
بظلال الجذع تبدو
مستظلّة؟!… (صـ 30).
بهذه الطريقة يمضي الحوار واستدعاء الشاعر لخطاب المعلقة بهذه الخلاصات الشعرية المكثفة في خطاب المتأمل لهذا الروح داخل كل معلقة، ليس مجرد استدعاء وتناص أو تضمين إنه حوار ومساءلة لنواة كل معلقة وفكرة صاحبها، وهو في ذات اللحظة فهم وقراءة مستبطنة من صوت الشاعر المعاصر لصدى صوت الشاعر القديم والولوج إلى فك شفراته وتحديد دلالاتٍ انزياحية له.
شخصيات أخرى:
بعد هذه الأصوات يستدعي الشاعرُ شخصيات شعرية أخرى من زمن ازدهار الشعر وتدفقه، فينتقل من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي ليستدعي شخصية المتنبي، ويحاورها في قصيدتين من بحر الخفيف هما :”حديث المتنبي إلى خولة وشيء آخر، ومخطوطة للمتنبي لم تحقَّق بعد” وبين دلالاتي (شيء آخر ، ولم تحقق بعد) تكمن محاولة إخفاء شيء ما لمَّا يظهر بعدُ، لما يكتنف حياة المتنبي وحبه من غموض لم تجلِّه القصيدتان، بل زادته غموضا، ولشخصية المتنبي حين تحضر تجلٍ شعري عميق فيسمو به الشاعر أيضا، إنه مُلهِمٌ ومثال، وهو حالة شعرية عربية نادرة يحضر بأنفته باعتزازه بعالمه من الشام إلى مصر ومن سيف الدولة إلى كافور ومن روحه إلى روح الشاعر الذي يستدعيه ملهِماً ومنه إلينا، لندخل في دائرة مكتملة من تلك الحياة ومن تلك الشاعرية، إن المتنبي شاعر العربية الأكبر مجرد استدعاء اسمه أو الحديث عن حياته أو شعره أو التناص مع أبياته يحمل دلالات سيميائية شعرية عالية، إنه صكٌّ شعري أو علامة شعرية مميزة في ذهن المستدعي/الشاعر والمستدعى له/ القارئ.
ولهذا يستدعيه في لحظتين لحظة حبٍّ مكابر حَذِر مع خولة، ويتحوّل حبه رمزًا إلى حب الشام وعوالمها، ولحظة حبٍّ مستسلم للأخ، لسيف الدولة ويظهرا معا في قوله المنصوص
“يا أخت خير أخٍ” أيهتك وردة التاريخ
حراسُ الحقول؟!
“الليل يعرفني…”!!
تتاجر –إذ يعربد- بالكلام
“والسيف”!!
لا
ما زال سيفك قابعا في خدره..” (صـ 45)
في قصيدة أخرى هي قصيدة “أبو فراس الحمداني…” ومن هنا يظهر صوت المتنبي وصداه في عدد من قصائد الديوان عنوانا ومحتوىً، وتحضر روحه مهيمنة بين لحظتي الخفاء والتجلي، واللحظة الحاسمة لحظة الرحيل التي يتماهى فيها صوتان كأنهما ضفيرة واحدة من صوت الشخصية/المتنبي وصوت/الشاعر اليوسف حين يترك دمشق إلى الرياض كما ترك المتنبي حلب إلى مصر، إنها الشام وحضورها فترسل الذات الشاعرة رسالتها ورُسُلَها:
مسرجاتٌ خيل الهوى يا رسولُ بلِّغِ الشامَ أنني متبولُ
إنَّ عنــدي من المواجع ما يشفع لـي عند حُبِّه يا رسولُ
أنا عنـــدي جوىً وسهدٌ وشوقٌ ورحيلٌ وعَبرةٌ ونحولُ (صـ51)
هذه حالة الفراق بتجلياتها الست (جوى/سهد/شوق/رحيل/عبرة/نحول) وهي علامات صارت ملازمة لقاموس المتنبي الشعري والسِّيَرِي:
إعتيادي على الرحيل مقامي ومقامي –أبان كان- رحيلُ (صـ52)
وهنا التناص واضح مع قول المتنبي في قصيدته الحمى حين يتعبه المقام ويزيد من آلامه:
فَإِنّـي أَستَريـحُ بِــذي وَهَــذا وَأَتعَـبُ بِالإِنـاخَـةِ وَالمُـقـام([16])
أو قوله:
وَمـا فـي طِبِّـهِ أَنّـي جَـوادٌ أَضَـرَّ بِجِسمِـهِ طـولُ الجِمـام
ثم تحضر “أنا” المتنبي العملاقة، وكأنها تستدرك ما لم تقله في لحظة الفراق والرحيل لتضيف صفات أخرى غير ما روي عنها في قصيدة “واحرَّ قلباه” من السيف والليل…ونظر الأعمى…وغيرها من صفات الأنا المتنبية، وهي هنا أنا غير مغرورة، أنا ثابتة أصبحت علامة للروح الشعرية بعد قرون من الزمان، فصارت بلسانها ولسان غيرها فصولا، وترتيلا، وتأويلا:
وأنا فصلٌ خامسٌ أين أمضي كيف تأتي في بعضهنَّ الفصولُ
أنا فيهم قصيدةٌ من حروف الشمــــــــــس أوهـى أبياتها الترتيلُ
أنا رؤيا غموضـــــــــها في رؤاهم وغمــــــوضًا يزيدها التأويلُ
موجعٌ أن تكــــــون أغنيـــــــــةً تهطــــــلُ ضوءًا وأنَّكَ المجهولُ (صـ52)
هذه هي الذات الشاعرة “المتنبية” تسربت إلى ذات الشاعر وإلى ذواتنا بحضورها الطاغي بصوتها الجهوري القادر على الإدهاش تتلبسُ صوت الشاعر وتكاد تحلُّ فيه، بل قد حلَّت. وتحلُّ بنا لذة الشعر وغوايته، فلا يعنينا حينها من يتحدث فيصير فيه الطائر المحكي والآخر الصدى – بحسب عبارة المتنبي- صوتا واحدا ورؤية واحدة.
وأنا لي صوتي الذي هو صوتي وركوبي موج الصدى مستحيلُ
من شموخي يُهَزُّ جذعـــــــــي كما يُغدِق من عِذق كبرياء النخيلُ (صـ54)
إنها غواية المتنبي تلبَّستْ الشاعر فَلَبِسَتْنا!.
هكذا يستدعي الشاعر صوت الشعر وشخصيات الشعراء كما رأينا مع “المتنبي” وقبله مع “أبي فراس” في لحظة يجمعهما صوت العربي وصحرائه ونخيله التي هي رمزٌ متجدد لذلك الشموخ والامتداد في الأرض وفي الكرم والعطاء في وجه تقلبات الزمن وقسوة الواقع، لكن يظل الثابت الخالد فيها جميعا صوت الشعر وانتقاله عبر الزمان والمكان صوتا متجددًا. ورمز النخلة بعطائها وكينونتها التي هي من هذه الأرض العربية مثالا شامخا وحياةً متجددة لا تعرف سوى الشموخ ولا تعترف إلا بالعطاء.
الصوت |
الشاعر |
النخلة والصحراء |
الطين |
وحين يستدعي من الشعر الحديث شاعرًا، فإنه يعود إلى الشام ومن جديد وإلى حلب تحديدًا يحاور الشاعر “عمر أبو ريشة” في “صهيلٌ أنت على شفة الخلود” مخاطبًا هذا الشاعر بضمير “أنتَ” ليقف معه وجهًا لوجه ولا يعترف بموته – وثمة رابط دلالي ومكاني هنا بين الشاعر والشاعر فقد مات أبو ريشة في الرياض 1990م- وكما يحدث لكلِّ شاعر كبير فقد “مات ليبتدئ حياته” كما هي حياة المتنبي وأبي فراس حاضرة بيننا، وهو شاعر الحبِّ والجمال، ويستهل الشاعر قصيدته المهداة إليه بهذه الحقيقة:
ولد الشاعر العــــزيز غريبًا كصــــــــباحٍ في أعينِ العُمي تائه
ثم يقول:
حملت راحتاه حزمة ضوءٍ حينما أجدب الضحى من ضيائه
أمَصُوغٌ من طينـــة الشمس، أم من جدول البدر، أم شموخ انتمائه؟ (صـ55)
وهو في كلِّ حالاته شاعر يراه في لحظات متفاوتة هكذا:
شاعرٌ في خطاه في شعره في صمته في رؤاه في كبريائه
هذه حقيقة الشاعر الكبير وروح حضوره، لهذا حين يُستدعى لابدَّ أن يكون بهذه المواصفات المتجلية في هذا الصوت والطين معا:
باذخٌ بالحياة تنضحُ عيناه ضياءً كالنبض في إيحـائه
شاعرُ الحبِّ والجمالِ لهذا الكونِ سرٌّ وأنـت من آلائه (صـ56)
الشاعر/الفارس (ثنائية الصوت/ الفعل):
إذا كان الشاعر قد استدعى الشعر والشعراء فإنه في مواطن أخرى من الديوان قد استدعى الفارس والبطولة وجسَّدهما في لحظة خالدة من الزمن يتراءى أمامه حاضرا في لحظة (فعل) بعد أن كان استدعاءه للشعر في لحظة (قول).
والشاعر حين يستدعي الأندلس في لحظة انكسارها (فعل الانكسار) ممثلاً في شخصية آخر أمرائها مخاطبًا له (بفعل النهي) عن الالتفات، ومضمِّنا نص ما نقله التاريخ من قول أمِّ ذلك الأمير؛ حيث يقول متناصا مع المقولة والحدث:
“لا تلتفت
لا تتلُ يا … صمتَ الذهولْ
لا تبكها مثلَ النسا ملكًا مُضاعًا
لم تحا…
هل يُعْوِلُ السيفُ الصقيلُ على القتيل؟!” (صـ19)
نلاحظ فعل الأمر في قول الأم في النص الموروث:
اِبكِ مثلَ النساءِ ملكًا مضاعًا .. لم تحافظ عليه مثل الرجال
يقابله ويتناص معه فعل النهي في قول الشاعر بل في ثلاثة أفعال هي:
(لا تلتف/ لا تتلُ/ لا تبكها).
هذه اللحظة الماثلة في (فعل الانكسار) والهزيمة تقابلها لحظة أخرى أقدمُ منها في الزمن وأقوى منها في الفعل، من خلال ثنائية تعبر الزمن هي: (الانكسار، وضياع المفتوح /والانتصار، والفتح)، بين فروسية البطل الفاتح، وبكاء الأمير المهزوم.
عبَّر الشاعر عن هاتين اللحظتين بأصدق ثنائية اختزل فيها الكثير من القول والكثير من المقارنات إنها ببساطة شديدة لحظة انهزام اليوم الذي كان له امتداده في انهزام الأمس، إنه العار الذي يلاحقنا لأننا قومٌ نتكئُ على صوت التراث، وما تبقَّى من صدى تلك البطولات، ولكن هذه اللحظة على مرارتها وقسوتها وجلْدِها للذات تقف بنا على حقيقة صادمة مُرَّةً، وهي أن تراثنا –من وجهة نظر الشاعر- أبتر موؤود:
“يتنفسون صدى التراث الأبتر الموؤود!
فالأمجادُ أصواتٌ محنَّطةٌ
تهاوت في توابيت الشفاه
تظلُّ يَنخرُ طهرَها عُهْرُ المقُول:
ها نحنُ صورة طارقٍ
(…………..)!! (صـ21)
تأتي هذه العلامة بالمسكوت عنه الممثل في النقاط داخل القوسين ذات دلالة سيميائية تختصر الكثير من القول، والكثير من الدلالات عن صورة “طارق بن زياد” التي اختلفت، وتبدَّدت، وتلاشت كما تلاشى الصوت المسكوت الممثل في هذه النقاط، بل إنها لحظة غامضة لحظة قتل وذبح لطارق في قبره بسيف عجيب إنه سيف الاختلاف الذي يصوِّر واقع الحال ولحظته الراهنة كما يمثِّلُ الفهم الخاطئ للاتكاء على التراث، وتحويله إلى مفاهيم فارغة من محتواها البناء لبناء اليوم:
“ويظلُّ يذبحُ طارقًا في قبره
سيفُ اختلاف فحولة الأفعال منه
وأنثويِّة ما نقول…” (صـ21)
هذه هي الخلاصة الموجزة، وهذا هو انزياح المعنى وتلخيص الحال العربية بين ماضيها وحاضرها بين ثنائية:
فحولة الأفعال منه (ماض)
أنثوية الأقوال منا (حاضر)
ثم يظهر استدعاء المثل العربي في نهاية هذه القصيدة المكتنزة الدلالات بآفاق الصورتين والمقارنة بينهما، ولكنه استدعاء يقوم على الانزياح في المعنى أيضا، وإن كان جذره المثل العربي المعروف “أوسعتهم سبًّا وأودوا بالإبل”([17]) لو كان الأمر مجرَّد متاع وإبل لهانَ، ولكنه أكبر من ذلك وأخطر، وبهذه الخلاصة القوية وباستدعاء التراث الذي حوَّله العابرون والمتكئون إلى صوتٍ في الهيجاء مبدَّدًا، لكنه حاضر يجسِّد في (الآن) واقعا معيشا يستدعيه الشاعر في لحظة فارقة ويرسم به مفارقة لا تخلو من سخرية لاذعة لهول وفضاعة ما سيضيع إنه الوطن بأكمله بمحمولاته وبتاريخه وبإنسانه وامتداده وصوته، إنه الأندلسُ من قبل حين ضاعت فينا وأضحت فردوسا مفقودا لم نحافظ عليه مثل الرجال، وإنه الوطن اليوم (العراق)، وكل وطن يماثله في لحظة ضياع لم نحافظ عليه، ونراه يضيع من بين أيدينا وطنًا يتلوه وطن.
لأننا بسبب من “أنثوية الأقوال” لا نفعل شيئا حقيقيًّا له وزن سوى السبِّ وأخواتها مما في قاموس “أنثوية القول” وها هي النتيجة:
“فاصرخ بصمتك للتراث وللمعاصر
والذي يأتي
فقد يعفو الزمن!
أوسعتهم سبًّا وساروا بالوطن!” (صـ24).
خاتمة:
استطاع الشاعر سعود اليوسف أن يقدِّم في ديوانه “صوت برائحة الطين” عددًا من الأصوات الشعرية في استدعاء للشخصيات أو للقناع، وقد دخل معها في حوار مكتنز الدلالات بقضايا الراهن وامتدادات الماضي بروح الشعر وحضور صوته المتجدد بدلالاته المختلفة وانفتاحه على آفاق التوقُّع والقراءة برموز استثمر فيها فضاءات التاريخ بشخصياته الشعرية مع دال (الطين) وصوته ممثلاً في تنويعات طين الوطن، وطين التراث، وطين الإنسان، موظفًا العتبات، والاستهلالات، والعناوين لتتواشج مع النص الشعري، وتكوِّن لوحةً دلاليةً مكثَّفةً، وبالمقاربة السيميائية التي كانت هي الأنسب لفكِّ شفرات الديوان، وبيان مغلق دلالاته.
حاول الشاعر في ديوانه أن يقدِّمَ عملاً إبداعيًّا مكتنزًا، استثمر فيه ثقافته العربية المتمثلة في رموزه الشعرية والتاريخية، وأفعال بطولات أمَّتِهِ ليعكس في مرآتها صورة الحاضر وتداعياته وانهزامية أحداثة ولحظته الراهنة كون ذلك نوعا من الاحتجاج الشعري، والحجاج الدلالي مع هذه الحال.
والشعر موقفٌ ورسالة ومن خلالهِ قدَّم الشاعر نفسه، وقدَّمَ صوت الشِّعر الذي جاء برائحة الطين وبغواية الشِّعرية العربية من أقدم أصواتها من الجاهلية حتى العصر الحديث مرورًا بعصر المتنبي شاعر العربية الأكبر، وأبي فراس فارسها ضد الروم، وما مثَّله حضور هذين الشاعرين من تراث شعري محلِّق، وبذخٍ مزدهرٍ في لحظة قوَّة استحضرها الشاعر ليقدِّم صوت الشعر الذي لا يأتيه الخفوت، ولا يقهره الموت.
المصادر والمراجع:
- إبراهيم فتحي: معجم المصطلحات الأدبية، صفاقس، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، ط1، 1986.
- إحسان عباس: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد (2)، فبراير 1978م.
- أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الميداني (أبو الفضل): مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السنة المحمدية، 1374/ 1955.
- د. جميل حمداوي: السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، مجلد 25، العدد 3، يناير مارس 1997م.
- خليل الموسى: قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 2000م.
- سعود بن سليمان اليوسف: صوت برائحة الطين، الدمام، دار الكفاح للنشر والتوزيع، ط1، 1430هـ/ 2009م.
- المتنبي (الديوان)، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، ط3، 1403- 1983.
- مجدي وهبه وكامل المهندس: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، بيروت، مكتبة لبنان، ط2، 1984.
- محمد عزام: قصيدة القناع في الشعر السوري المعاصر،دمشق، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، العدد (412) لعام 2005م.
- د. محمد فكري الجزار: العنوان وسميوطيقا الاتصال الأدبي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1998
([1])سعود بن سليمان اليوسف: صوت برائحة الطين، الدمام، السعودية، دار الكفاح للنشر والتوزيع، ط1، 1430هـ/ 2009م.
([2])سعودبن سليمان بن عبدالله اليوسف، مواليد 1/7/1399هـ، حاصل على الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1436ه، وهو مدرب معتمد من الأكاديمية الدولية للاستشارات والتدريب بالولايات المتحدة الأمريكية، وعضو لجنة بيت الشعر في نادي الرياض الأدبي، صدر له من الأعمال: غروبٌ زمنَ الشروق، (شعر) 1422هـ، وصوت برائحة الطين، (شعر) 1430هـ، وعروق الذهب: دراسة لجماليات النقد الأدبي، كاتب أسبوعي في صحيفة الجزيرة الثقافية، ونشر العديد من المقالات الأدبية في الصحافة المحلية والخليجية، أقام العديد من الأمسيات الشعرية، وشارك في عدة برامج إذاعية وتلفزيونية أدبية محلية ودولية، له العديد من المشاركات في المؤتمرات والملتقيات الثقافية المحلية والعربية، وحصل على عدد من الجوائز المحلية، كما حصل على جائزة راشد بن حميد في مجال الشعر عام 1425هـ.
([3]) د. محمد فكري الجزار: العنوان وسميوطيقا الاتصال الأدبي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1998، ص15.
([5]) بسام موسى قطوس: سيمياء العنوان، عمان، وزارة الثقافة، ط1، 2001م.
([6]) مع امبرتو إيكو، حوار عبد الرحمن أبو علي، مجلة نزوى، العدد 14، 1998م على الرابط الآتي: http://www.nizwa.com/?s=14
([7]) محمود عبد الوهاب: ثريا النص مدخل لدراسة العنوان القصصي، بغداد، دار الشؤون الثقافية، 1995، ص9.
([9]) سنحيل إلى أرقام الصفحات من الديوان المدروس في المتن، تقليلًا من الهوامش، ولكون المصدر ديوانا واحدا.
([10])خليل الموسى: قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 2000م، ص 72.
([11])د. جميل حمداوي: السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مجلد 25، العدد 3، يناير مارس 1997م، صـ108.
([12])راجع: مجدي وهبه وكامل المهندس: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، بيروت، مكتبة لبنان، ط2، 1984، صـ 298.
([13])إبراهيم فتحي: معجم المصطلحات الأدبية، صفاقس، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، ط1، 1986، صـ280.
([14])محمد عزام: قصيدة القناع في الشعر السوري المعاصر،دمشق، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، العدد (412) لعام 2005م، صـ83.
([15])إحسان عباس: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد (2)، فبراير 1978م، صـ121.
([16])ديوان المتنبي، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، ط3، 1403- 1983، صـ482.
([17])”وحديثه أن رجلاً من العرب أغير على إبله فأُخِذَت، فلما تواروا صَعَدَ أكمةً، وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله، فقال: أَوْسَعْتُهُم سَبًّا وأودوا بالإبل، قال الشاعر: وصِرتُ كراعي الإبل؛ قال: تقسَّمَتْ فأودى بها غيري وأوسعتُهُ سَبَّا…” راجع: أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري الميداني: مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السنة المحمدية، 1374/ 1955، المثل رقم (4360)، ج2/ 363.