
التفكير النَّقدي (الثقافي- الحضاري- الأدبي) في أطروحة عبد الوهاب المسيري: م.م أسامة أحمد جاسم، كلية الإمام الأعظم الجامعة/ قسم أصول الدين في البصرة/العراق، مقال نشر في العدد 26 من مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الصادر في شهر يناير 2017، ص 9، ( إضغط هنا لتحميل العدد كل العدد).
ملخص :
الدراسة تتطرق في فكرتها الأساسيَّة في الكشف عن المشروع النَّقدي للدكتور عبد الوهاب المسيري، وأنَّه مشروع موسوعي يجمع بين الغزارة والعُمق والتنوّع: دراسات في الظاهرة الصهيونية وأعمال في النَّقد الأدبي والأدب الانجليزي والعلمانية والتحيز ومناهج البحث، وأعمال ابداعية: دواوين شعر وقصص وأدب أطفال…الخ فهو يملك مشروعاً متكاملاً يعيد تأسيس العلوم الإنسانية وفق رؤية عربية إسلامية (إنسانية) بعيداً عن تُراثها الضخم الواقع في أسْر المركزيَّة الغربية، أو بتعبير آخر تأسيس (حداثة إسلامية).
والدراسة معنيَّة بشكل أساس في تبيان الأدوات المنهجيَّة التي توسّلها المسيري بوصفها الأسس المرجعيَّة لأطروحته النَّقديَّة، وإبراز الفهم التركيبي الذي يمارسه المسيري في مستويات النقد الثلاث: الثقافي والحضاري والأدبي.
الكلمات المفتاحيَّة: النَّقد الثقافي – النَّقد الأدبي – النماذج الإدراكية – النماذج المعرفية – العلمانية
مدخل:
النَّقد نشاط إجرائي ثقافي واسع الانفتاح، وعمليَّة مرتبطة بعدَّة حقولٍ معرفيَّة، لذلك نلاحظ أنَّ هذه العمليَّة تكاد تكون مستعصية على التصنيف ضمن نسقيَّة مغلقة تؤطّر حدوده، ولذا يتحتَّم على النَّقد المعاصر أن يلمّ بالعلوم الإنسانيَّة التي لها صلة وثيقة أو واهية بالنَّص. وقد عرف منذ نهاية عصور الانحطاط عبد الرحمن بن خلدون أنَّ “الأدب هو الأخذ من كل علمٍ بطرف”([1]). هذا التعريف إن كان صالحاً لزمانه لإنتاج النَّصوص الأدبيَّة في الوقت الذي كان فيه النَّقد العربي يعتمد أساساً على علوم البلاغة وعلوم اللغة، فإنَّنا قياساً على تعريف ابن خلدون يمكن أن نعرّف النَّقد بأنَّه (الأخذ من كل علم بطرف).
وإذ نقول بهذا التعريف فلأنَّ النَّقد القديم كان في معظمه لغوياً وبلاغيَّاً من جهة، ومن جهة أخرى فقد كانت النَّصوص الأدبيَّة في مجملها نصوصاً بسيطة التركيب، لا يحتوي النَّص الواحد إلّا على فكرة أو مجموعة من الأفكار تعرض في تسلسلٍ لنتذكّر القول في وحدة البيت بدل وحدة القصيدة، وبأشعر بيتٍ في الغرض كذا إلى غير ذلك من القضايا الجزئيَّة التي تُفتِّت النَّص عوض أن تنظر إليه كبنية كلّيَّة.
أما في الوقت الراهن فإنَّنا نلاحظ تشابك المضامين وتعانقها في جسد النَّص الواحد، وما تعليل ذلك إلا لأنَّها تعبر عن واقع مركَّب وكثير التعقيدات والتداخلات، بالإضافة إلى الغموض الذي يكتنف النَّصوص المعاصرة لغموض الواقع من جهة أخرى، وذلك لمحاولته لملاحقة الإيقاع المتسارع للحياة المعاصرة.
ونظراً لتشابك المضامين داخل النَّص الواحد في محاولة للقبض على معنى الواقع المركَّب، يحتاج الناقد إلى عدد كبير من المعارف لكي يستطيع القبض على هذه الأوجه المتعدّدة للواقع، وبما أنَّ الواقع الموضوعي يتداخل فيه الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ والثقافة والحق، فإنَّه يتوجَّب على الناقد أن يكون له إلمام واسع بهذه المعارف، وذلك ليستطيع احتضان هذا الواقع وتفسير كل إشكالياته([2]).
إنَّ أبا حيان التوحيدي الذي استوعب كل معارف عصره بالإضافة إلى تكوينه بالفلسفة والمنطق إلا أنَّه يعترف بأنَّ العملية النَّقدية أصعب من الانتاج الأدبي؛ لأنَّها تتحمل مسؤولية البحث في خصائصه التكوينيَّة والمضمونيَّة وبالتالي فهي تقوم بدور مزدوج: الأول: استيعاب النَّص، والثاني: تجاوز هذا النَّص قصد قراءاته قراءة نقديَّة، أي الوظائف الموكولة للنَّقد في كل مرحلة من مراحل القراءة النَّقديَّة. لذا يعترف أبو حيان التوحيدي حيث يقول: “إنَّ الكلام عن الكلام صعب”([3]).
انطلاقاً من هذا الاعتراف بصعوبة النَّقد نستنتج حقيقتين: الحقيقة الأولى هي طبيعة النَّقد، التي هي مجموعة من الأقاويل حول نصّ معيّن، أي كلام عن كلام، ومفهوم كلام يعني “ما تضمن كلمتين بالإسناد”([4]). أي نسيج لغوي وتركيبة لمجموعة من الرموز اللغوية كما أنَّ مفهوم الكلام يعني إرادة التواصل وتبليغ معنى من المعاني. وهذا الكلام لا يدور عن واقع خارجي أو نفسي ولكنَّه يدور على كلام آخر وهكذا نلاحظ أنَّ التواصل بين النَّص الأدبي والنَّقد يتم في شكل حوار بين النُّصوص.
أما الحقيقة الثانية المستنتجة من كلام أبي حيان التوحيدي فهي صعوبة هذا النشاط فهو للأسباب المذكورة لا يتصرف بحريَّة مطلقة بل إنَّه محكوم بقنوات النَّص ومساربه وهو الإطار المرجعي الذي يجب أن تتم فيه حركته.
ولا يقتصر دور النّاقد على القيام بدور الوسيط بين المبدع والمتلقي؛ أي مجرد قناة يعبر منها النَّص في طريقه إلى القارئ، أو محطة يستريح عندها النَّص قبل أن يواصل رحلته إلى الطرف الآخر (المستهلِك)، بل يفترض أن يكون دوره فعّالاً في تحويل النَّص الأدبي إلى نصّ نقدي([5]).
ولكي يحقق النَّقد فعاليَّة ثقافيَّة وأدبيَّة عليه أن يؤسس مجموعة من المفاهيم تميزه عن الأنشطة الأدبيَّة الأخرى، وكل نظريَّة نقديَّة تحاول هي الأخرى أن تتمايز عن غيرها من النَّظريات النَّقديَّة الأخرى المتزامنة لها أو السابقة عليها، وهذا الجهاز المفهومي يتشكَّل من مجموعة من الرموز اللغويَّة والمفاهيم ذات الاستعمال المحدّد والتي لا تمارس فعاليتها إلا داخل هذه النَّظريَّة وتفقد كل صلاحياتها خارج مجال استعمالها، والجهاز المفهومي هو ذلك المعمار الإجرائي الذي صِيغ في شكل مجموعةٍ من الأفكار والأنساق القيمية([6])، التي تطبّقها النَّظريَّة النَّقديَّة على النَّص.
ومن خصائص هذه الجهاز، الشموليَّة في الرؤية، أي اقتراح نظرة متكاملة للنَّص في علائقه مع السياقات الاجتماعية والثقافيَّة والنفسية دون إغفال أي جانب من جوانبها، ويمتاز أيضاً بانفتاحه على مجموعة من الاحتمالات، أي التشكيلات الممكنة للنَّص الواحد، أو الموضوع الواحد أو الموقف الواحد. وبهذا يستطيع الناقد أي يلم بجميع أطراف النَّص، ويمتاز أخيراً بالنظرة التحليليَّة للقضايا المطروحة في النَّص، إذ لا يكتفي بمجرد الإشارة إلى هذه القضايا أو التَّنبيه إليها بل يجب أن يربطها بالسياق العام ويحاول أن يعرف بأبعادها الجماليَّة والأدبيَّة.
وهذه الدراسة تعلن بدورها عن نفسها بتحديد مجال تفكيرها وحقل ممارستها، فهي محاولة لاستقراء ملامح المشروع النَّقدي لدى عبد الوهاب المسيري، والتعرّف على أدواته المعرفيَّة في ممارسة النَّقد كفاعليَّة إجرائيَّة، والمسيري يمارس النَّقد في مجالاته الثقافيَّة والحضاريَّة والأدبيَّة ليس بوصفه ترسانة من المفاهيم أو شبكة من العلاقات الميكانيكيَّة، بل هو أيضاً يمارس النَّقد بوصفه فنٌّ وإبداع، والعمليَّة النَّقدية لا تحصل لها هذه المزية إلا إذا استطاعت تجاوز النُّصوص وخلق سياقاتها الخاصّة وعالمها المحدد وتحقيق نوع من الاستقلاليَّة بالنَّسبة للنَّص موضوع النَّقد.
النَّقد الثقافي ومنهجيَّة الممارسة لدى المسيري:
إنَّ النَّقد الثقافي بأدواته وإجراءاته ينتمي إلى حقل الدراسات الثقافيَّة، “وهو تخصص معرفي أو أكاديمي ومنهج تحليل للثقافة من منظور اجتماعي-سياسي أكثر مما هو جمالي”([7]).
والموضوعات الأساسية التي يشتغل عليها النَّقد الثقافي في مشروع المفكر عبد الوهاب المسيري كثيرة وبالغة التَّنوّع، وهي تتضمن قضايا تخصُّ مسألة الهويَّة، وتفكيك الأسس المعرفيَّة التي قامت عليها كلّ من الصهيونيَّة والعلمانيَّة، ونقد الإيديولوجيا الباعثة على التمركز حول الأنثى ومفاهيم النزعة النّسويَّة (الجندرة)، وكشف أوجه الزيف التي تتقنَّع بها أطروحة التحديث وفكر الاستنارة، ونقد أنماط الثقافة الاجتماعيَّة التي توهم بالتَّمدّن والتَّحضّر غير أنَّها خلوٌ منهما؛ لأنَّها نابعة من تقليد أعمى، مستورد ومستجلب من نمط ثقافة أخرى، تشي بهيمنة التغريب على الذائقة الاجتماعيَّة مزيحةً بذلك نسق الثقافة الأصيلة، وهو –المسيري- في كل ذلك ينقد وينقِّب للقبض على الأنساق المؤسِّسة لهذا الفكر والمشكِّلة لبنيته المضمونيَّة.
ومع المسيري سنجد المنظور الحفري الأركيولوجي مُوظَّف بشكل دقيق فتحليلاته الثقافيَّة في هذا الشأن المعرفي تتطابق إلى حدّ كبير مع أطروحة مشيل فوكو التي تقضي بأنَّ لكل فكرة معيّنة حفرياتها الخاصَّة، والتي تمثّل الأسس أو الأنساق الغائرة المحدّدة لأشكال المعرفة الممكنة، ونحن كمنتجين للمعرفة لا نملك إلا أن نتحرك داخل هذه الأنساق، بحيث أن الحركة المعرفيَّة عبر كافة ميادينها، من الفكر مروراً بالاقتصاد إلى العلوم أو الفلسفة، تخضع لهذا النسق، غير المنظور الذي سيتعيَّن علينا دائماً أن نحفر بحثاً عنه([8]).
ومفهوم النَّقد الثقافي لم يطرح نفسه علينا إلا انطلاقاً من الظروف الراهنة التي فقدت فيها المذاهب والنَّظريّات الكبرى سطوتها السّابقة، وضعفت قدرتها على التفسير بما حدث، والتَّنبؤ بما يمكن أن يحدث، بحيث أصبح أمامنا شتات في التفاصيل والحوادث والوقائع التي يصعب أن نربطها بمذهب أو نظريَّة معيّنة تفسّرها على نحو كافٍ، وهو ما شكَّل الوضعيَّة أو السّاحة التي ظهر النَّقد الثقافي ليتحاور معها([9]).
والنقد الثقافي يقوم لدى بعض منظّريه على عمليَّة تحويرات منهجيَّة تطرح فكرة “المجاز الكلّي كبديل لمصطلح المجاز البلاغي، وفكرة التورية الثقافيَّة كبديل للتورية البلاغيَّة”([10]). والدكتور المسيري مارس عملية النَّقد الثقافي عبر فكرة (المجاز الكلي) كاشفاً الأنماط الغائرة المتوارية المحتَجَبَة في الواقع من خلال تبنّي نموذج الخرائط الإدراكيَّة والنماذج المعرفيَّة كأداة تحليليَّة مركَّبة تمكّنه من تفكيك الواقع وإعادة تركيبه وتقديم الموقف منه على شكل تفسير متسق.
وبناءً على التَّصور المتقدّم أدرك المسيري بحكمته العميقة أنَّه يتعذَّر على الإنسان أن يفهم العالم بكل حيثياته ومعطياته ويرصده بشكل مباشر، ويواجهه ليتعرَّف عليه بحياد تام من دون خلفيَّة سابقة، أو خطة إرشادية، أو منظور رؤيوي يفسّر به ومن خلاله الوقائع والمواقف والأحداث والمعطيات، وهذا الوعي جعله يعكف على البحث عن أداة تحليليَّة ناجعة تمكّنه من بلورة رؤية كليَّة للظواهر والقضايا والإشكاليّات، والربط بين العديد من التفاصيل والموضوعات المتفرّقة، والربط بين مستويات الواقع لمختلفة: العام والخاص، المجرَّد والمتعيّن، الذاتي والموضوعي، أداة تساعده على تجاوز الرصد المباشر والموضوعيَّة الماديَّة دون السقوط في الذاتيَّة، وتمكّنه من الإحاطة بتركيبية الواقع وتعقّد وغنى الظواهر الإنسانية.
هذه الأداة التحليليَّة أسماها المسيري بـ(النموذج الإدراكي)، وهو يشير إلى أن استخدام النماذج مسألة حتميَّة تعدّ من صميم عملية الإدراك، لأنَّ الإنسان لا يدرك الواقع بشكل مباشر، وإنما يدركه من خلال وسيط هذا الوسيط هو النموذج بعدّه منهجاً في التحليل([11]).
وقضية الإدراك الذهني للعالم عبر منظور النماذج الإدراكيَّة هذا الفهم لدى المسيري يقترب بشكل كبير من رؤية فلاسفة الاسلام الغزالي وابن سينا في تصنيفهم لمستويات الوجود: “إنَّ للأشياء وجوداً في الأعيان ووجوداً في الأذهان ووجوداً في اللسان. أما الوجود في الأعيان فهو الوجود الأصلي الحقيقي؛ والوجود في الأذهان هو الوجود العلمي الصوري؛ والوجود في اللسان هو الوجود اللفظي الدلالي. فالسماء، مثلاً، لها وجود في عينها ونفسها؛ ثم لها وجود في أذهاننا ونفوسنا؛ لأنَّ صورة السماء حاضرة في أبصارنا ثم في خيالنا؛ أما الوجود في اللسان فهو اللفظ المركَّب من أصوات. فالقول دليل على ما في الذهن وما في الذهن صورة منطبعة لما في الوجود”([12]).
والمسيري في دراسته النَّقديَّة المتجليَّة في (النماذج المعرفيَّة) يصدر عن وعي منهجيّ مؤسس نظرياً، يعي مكونات الحقل الثقافي الذي ينتمي إليه، ولذلك سعى إلى صياغة منهجيَّة عامة لنقد الظواهر، تتصل بالشروط الاجتماعيَّة والثقافية، خاصّة في ظل ما نلاحظه من قصور نظري في مختلف مجالات الحياة اليوميَّة في المجتمع العربي، فهو –المسيري- ينأى بذاته النّاقدة عن ذلك القصور في التَّصور المنهجي لممارسة العمليَّة النَّقديَّة الذي شخّصه محمد برادة -وهو ناقد له قامته الفذّة في مجالات النَّقد والإبداع على حدّ سواء- إذ يؤكِّد: “إنَّ المعضلة الأساسيَّة التي تواجه النّاقد، في العمق، هي إرساء منطلقات واضحة توجّه خطاه، وتسعفه على تحديد منهجيَّته. لكن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم بوساطة الانتقاء أو التفكير (النَّظري) لتخيّر (أصلح) المناهج. إنَّ الممارسة، بجوانبها النَّظريَّة والعمليَّة، تعدّ حجر الزاوية لافي تشييد منهجيَّة النّاقد، ولكنَّها، لتكون مثمرة، يتحتَّم عليها أن تسعى إلى تحديد موقف، أو تصفية الحساب مع التراث النَّقدي السابق والمعاصر”([13]).
لا بد إذاً، من تبنّي رؤية منهجيَّة نابعة من إدراكنا لهويتنا، وللأبعاد المعرفيّة والوجودية في تجربتنا، من لا يهتم بتجربته الحياتيّة والتاريخيَّة ويكتفي باقتباس ما يقوله الآخرون ويطبّقه على نفسه لا يمكنه أن يدرك جوهر الحقيقة ولا أن يصنع حضارة أو يواكب العصر أو يستوعب إنجازاته الفكريَّة والتقنيّة، ويسقط حتماً في التبعيّة الإدراكيَّة أو ما سماه أحد العلماء الأمريكان (إمبرياليّة المقولات)، أي أن يستخدم الباحث المقولات التحليليّة للآخر دون وعي ودونما إدراك لتضميناتها([14]).
ومنطلقات المسيري التي توجّه مساره النَّقدي ومنهجيَّته المتَّبَعة في مقارباته التشريحيَّة للظواهر، وأدواته الإجرائيَّة في تفكيك الواقع جليَّة وواضحة، وإذ يعتمد خطابه النَّقدي في تناوله للدراسات الثَّقافيَّة على (النماذج المعرفيَّة) توجَّب علينا الإحاطة الشاملة بهذا المفهوم، والوعي بآليات اشتغاله، وكيفيّات صياغته.
النموذج المعرفي: هو عبارة عن بنية تصوريَّة يجردها العقل البشري بالانتقاء من بين حشد من المعلومات، مع ترتيب ما يستبقيه من منظوره عن عمد أو عن غير قصد، مشكِّلاً خريطة إدراكيَّة للواقع المحيط به. والنموذج ليس أداة إمبريقيَّة ولا هو قانون علمي، هو بالأحرى أداة تحليلية. وهو نموذج افتراضي، نقوم بتجريده ونستخدمه في تفسير السلوك الإنساني فيما نسميه النموذج التحليلي. وهو أداة تحليلية ترمي إلى تفسير الواقع كبنية مترابطة متداخلة وكمجموعة من العلاقات الحية، وليس كجزئيات متناثرة([15]).
والنموذج المعرفي بهذا التحديد أداة تحليليَّة مرنة قابلة للتجويد المتواصل، تُعايَر بدورها بمحكين: ناظم متجاوز، واختبار متواصل في أرض الواقع لقدرتها التفسيريَّة. فالنموذج المعرفي الإدراكي، صورة عقليَّة مجردة، وهو نمط تصوري وتمثيل رمزي للحقيقة، وهو نتاج عملية تفكيك وتركيب. وعبر عملية التفكيك والتركيب هذه يتم التجميع والاستبعاد والترتيب حسب الأهمية والاختزال والتعميم. ووراء عمليات الاستبعاد والإبعاد والتركيب والتضخيم تكمن معايير داخلية تشمل: معتقدات وفروض ومسلمات وإجابات عن أسئلة كلية([16]).
والنموذج عند المسيري (صورة)، وهذه المفردة تَرِدُ كثيراً أثناء تحديد مفهوم النموذج، وتكتسب دلالتها في نظرنا من مُرادفاتها التي تتبادل معها المواقع، ومن التوضيحات التي يقدمها الباحث نفسه، حيث نجد مفردة (النَّمط)، كما ورد في التعريف السالف، وهذه المفردة كما يشير المسيري في موضع آخر تعود إلى العالِم الألماني (ماكس فيبر) من جهة، وقريبة في معناها من كلمو نموذج من جهة ثانية؛ يقول: “كما أنَّ الكلمة (نموذج) قريبة معناها من مصطلح (النمط المثالي) الذي استخدمه ماكس فيبر كأداة تحليليَّة”([17]). ثم نجد مصطلح (الخريطة) وهو يتكرَّر كثيراً في كتابات عبد الوهاب المسيري وحواراته، يقول في أحد تعريفاته: “والنموذج أُعرِّفه على أنَّه خريطة معرفيَّة”([18])، وتَرِدُ بعض هذه المفردات في تركب واحد: “فالخرائط والنماذج والصور الإدراكيَّة التي يحملها الإنسان في عقله ووجدانه تُحدد ما يمكنه أن يراه في الواقع الخام”([19]). ثم نجد مفردة (البنية) حيث يقول: “والنموذج هو بنية تصوريَّة”([20])، ثم في الأخير نجد كلمة (Theme)، جاي في كتاب الإنسان والحضارة هذا التحديد: “وكلمة نموذج كما أستخدمها هي قريبة من معناها من كلمةTheme الإنجليزيَّة وهي تعني الفكرة المجرَّدة والمحورية في عمل ادبي ما والتي تتجاوز العمل ولكنَّها مع هذا كامنة فيه وفي كل أجزائه”([21]).
إنَّ المنهج – بإجراءاته وأدواته – ليس بريئاً تماماً، إذ من خلاله يتم استبقاء بعض التفاصيل والمعطيات والمعلومات واستبعاد أو تهميش البعض الآخر حسب خريطة الباحث الإدراكيَّة، وحسب النموذج المعرفي الذي يحدد من خلاله: ما الجوهري؟ وما الهامشي؟ وبالتالي فإنَّ المنهج طريقة تفكير الباحث ورؤيته للعالم([22]).
نحن إنْ لم نحدّد الأسئلة والمقدِّمات لأنفسنا حدّدها لنا الآخر، ومن ثمّ حدَّد أجندتنا البحثيَّة، وبالتالي سنجد أنَّنا نطرح على أنفسنا أسئلة قد لا تعنينا كثيراً ونهمل القضايا الأكثر حيوية، كما أنَّنا سنصل في آخر الأمر إلى نتائج تدعم وجهة نظره. بينما لو حدَّدنا الأسئلة وحاورنا الواقع والظواهر من أرضيتنا، فسنصل إلى إجابات قد تكون غالباً مختلفة اختلافاً جوهرياً عن رؤيته وعن الحلول التي يطرحها، ولكنها نابعة من واقعنا، وبالتالي يُصبح بوسعنا أن نتعامل مع هذا الواقع ونغيّره وننهض به([23]).
في ملاحظة ذكيّة ودقيقة التقط عبد الوهاب المسيري بحسّه النّاقد تلك الفكرة التي تدّعي أنَّ الإحاطة بوفرة من المعلومات عن الآخر يجعلنا أقرب إلى فهمه واستيعابه وإدراك بناه الأيديولوجيَّة، والتَّصور القاضي بأنَّ المعرفة هي مجموعة من المعلومات التي يتلقاها المرء فيبتلعها ثم يجترها عند اللزوم، مؤكّداً أنَّ في هذا الركام الهائل من المعلومات غير المترابطة تضيع الحقيقة، فالحقيقة ليست الحقائق لأنَّ الحقيقة يجرِّدها عقل الإنسان من الحقائق والمعلومات المتناثرة فيقوم بالربط بينها ثم يجرّد منها أنماطاً تملك قدرة الفهم والتفسير للظواهر المدروسة([24]).
من البديهي أنَّ الظواهر المعرفيَّة والحقائق التي تعبّر عنها لا يستطيع الباحث الإمساك بها في ذاتها أو تقليبها أمام عينيه لتفكيكها وتحليلها من أجل فهمها والتعامل معها وتطويعها، ولكن عادة ما يتمّ الاقتراب من هذه الظواهر بحثاً عن حقائقها من خلال أُطر مفاهيميَّة وأبنية نظريَّة وبأدوات ووسائل منهجيَّة معيَّنة. ومن ثَمَّ فإنَّ هناك دائماً واسطة بين الباحث وموضوع البحث. هذه الواسطة هي النظريّات والمناهج وما تشتمل عليه من مفاهيم وفرضيّات وعلاقات، لذلك فإنَّ طبيعة المعرفة ومصداقيَّتها وقربها من اليقين وبُعدها عنه وقدرتها على التعبير عن حقائق الظواهر أو بترها وتشويهها، واجتزائها، وتزييفها متوقفة على طبيعة منهج النَّظر ونظريَّته.
وفي بنائه للإنموذج الذي يقارب به الظاهرة الإنسانيَّة يفرّق المسيري بين منحيين في رصد الواقع وفهمه وإدراك أبعاده الثقافيَّة، موجِّهاً الذهنيَّة النَّقدية كي تمارس فعل النَّقد الواعي بالظاهرة المدروسة في إطار المعرفة الكاشفة لبنية الحقائق، وليس في إطار تحصيل الوفرة المتكاثرة من البيانات والمعلومات، يقول: “يجب أن ندرك أنَّ (الفكر) ليس (الأفكار) و(البيانات) غير (البنية) و(المعاني) غير المعنى و(المعلومات) غير (المعرفة)، فالأفكار والمعاني والبيانات والمعلومات كلها شذرات متناثرة لا يربطها رابط، أما الحقيقة والفكر والبنية، والمعرفة والمعنى، فتشير كلها إلى منظومة كليَّة مترابطة أجزائها وتدور حول مركز يضفي عليها الوحدة([25]).
فالنموذج المعرفي يحاول إدراك الآخر في أبعاده الحقيقيّة المركَّبة حتى يتمكَّن من تفسيره، وعمليّة التفسير هي التي تجعل التنبؤ بسلوكه مسألة ممكنة، ومن ثم إمكانيّة التصدي له ومقاومة سطوته وسلطته. والخطاب التفسيريّ هو محاولة تفسير أيّ ظاهرة لا من خلال سبب واحد، وإنَّما من خلا مركَّب من الأسباب: إنسانيَّة واجتماعيَّة ونفسيّة وأنثروبولوجيّة. ويبدو أنَّنا بسبب هيمنة الرؤية المادّية نميل إلى التفسير أحادي السبب، فالماركسيون يفسّرون الواقع في إطار العنصر الاقتصادي، وأتباع فرويد يفسرونه في إطار العنصر السيكولوجي، والداروينيون يفسرونه في إطار النزعة للبقاء من خلال القوّة. ثمّة محاولة متكرّرة إلى ردّ الظاهرة الإنسانيَّة لعنصرٍ واحدٍ مادّي أو لعنصرين مادّيين. ومما لا شكّ فيه أنَّ مثل هذه العناصر قد تفسّر بعض الجوانب لكنَّها لا تفسّر الظاهرة في تركيبيتها([26]).
وفي ضوء هذا الأطروحة المتقدّمة، جاء التطبيق النَّقدي، وتشغيل الجهاز المفاهيمي بكل أدواته وإجراءاته عملياً، ونحن بهذا الصدد نختار نقده المركَّب في كشف منطلقات التأسيس لمركزيَّة الغرب متمثلاً بالعلمانية الشاملة.
فالعلمانية حسب تصور المسيري مرادفة للإمبرياليَّة التي اختزلت كينونة الإنسان عامة في البعد الطبيعي، مزيحةً الأبعاد الروحيَّة والثقافيَّة الخاصّة بالإنسان، ثم أسست لمركزيَّة الإنسان الأبيض على حساب بقيَّة البشر، وأحلَّت مفهوم القوَّة كناظم للعلاقات محل القيم الإنسانيَّة، على نحو تمثِّل فيه العلمانية: النَّظريَّة، وتمثِّل الإمبرياليَّة: الممارسة. واتَّخذت الإمبرياليَّة صورتين في الداخل الغربي: شكل الدولة العلمانيَّة الرشيدة، ثم شكل الإمبرياليَّة النَّفسيَّة المتسلّطة على الإنسان بالإعلان لترشيده لصالح النخب الحاكمة. وأخذت الإمبرياليَّة، في بقية العالم، صيغة الاستعمار بكل أشكاله: التقليدي والاستيطاني والإحلالي والجديد والنظام العالمي الجديد. ووجهتها هي ترشيد المجتمعات غير الغربيَّة على نحوٍ يحقق صالح المجتمعات الغربية ككل بإملاء مفروض من الخارج. وقد لا يظهر في النموذج المعلن للعلمانيَّة الشاملة ما يصرح بتلك الخصائص. إلا أنَّ النَّموذج الكامن وراءها على مستوى مرجعيّتها النّهائيَّة يؤكد على تهميش الإله والإنسان معا ونفي المطلقات([27]).
الصورة التي قدَّمها المسيري عن العلمانيَّة تبلورت في تصوره الذهني عبر نقده الثَّقافي للنموذج المعرفي، والخارطة الإرشاديَّة الغائرة في أنساقه البنيويَّة التكوينيَّة المشغِّلة للمخيال العلماني، والذي لاحق تجلّياته بدقة من خلال متتاليات أبعاده ومواقفه ورؤياه للعالم الصادرة عن ذلك النموذج، فمتتالية النموذج المعرفي الغربي هي اعتبار مركز الكون كامناً فيه وغير متجاوز له. فالعقلانية تُسقِط كل ما هو غيبي أو خارق للطبيعة. ونشأت عن هذا المبدأ متتالية نماذجية حسب التحول في مركز النموذجج. بدأت تلك المتتالية برؤية واحديَّة إنسانيَّة صُلبة (مركزيَّة الإنسانيَّة جمعاء مع عدم التسوية بين الإنسان والطبيعة، واعتبار رسالته هي قهر الطبيعة. والإنسان فيها هو مركز الكون مع الاعتقاد أنَّ بوسع العقل تقديم تفسير كلّي شامل)، تلتها رؤية ثنائيَّة صُلبة (صراع بين الإنسان والطبيعة) تلتها رؤية واحديَّة إمبرياليَّة فردية (عالم مركزية الذات الفردية. وتحصر تلك الرؤية مركزية الكون في قطاع من البشر، وتقوم على إحلال أمَّةٍ أو عرقٍ محلّ الإنسانيَّة كلّها. وموضع الحلول هو الزعيم. وتولَّدت منها النازيَّة والفاشيَّة)، تلتها رؤية واحديَّة طبيعيَّة (عالم مركزيَّة الطبيعة، واعتبار الإنسان جزءاً من الطبيعة، وإدراك الكون من خلال المادة). واختتمت حلقات تلك المتتالية برؤية واحديَّة شاملة (عالم عديم المركز في عصر ما بعد الحداثة)([28]).
تحليل ظاهرة العلمانيَّة وفق النموذج المعرفي التفسيري قدَّم التعريف بها عبر كشف الأنساق الكامنة في بنيتها، وإبراز الفرضيّات الفلسفيَّة المؤسِسة للعلمانيَّة الشاملة، وخرج بتصوّر يعي تلك الظاهرة بكل مؤثثاتها، كاشفاً الأسس التي انبنت عليها أطروحتها، فهو يرى أنَّ لبَّ تلك العلمانيَّة هو رؤية ماديّة عدميَّة عقلانيَّة تؤمن بأنَّ مركز الكون كامن فيه وغير مفارق له ولا متجاوز له، وأنَّ الكون كلّه من مادة واحدة لا قداسة لها. وترتكز تلك الرؤية على فلسفة مادّية تقوم على ست فرضيّات: وحدة الطبيعة، ووجود علّة لكل معلول، والخضوع لقوانين يقينيَّة وواحدة، والتَّحرّك التلقائي للوجود من دون إله ٍيسيره ويدبّرُ شأنه، وانعدام الغاية بالنسبة للعالم المادي، ونفي الغيبيّات، ونفي أي تجاوز للنظام الطبيعي.
ولا تنفك تلك العلمانيَّة عن التَّحيز الكامن ضد الإنسان. فهي بحصرها له في مجرد كائن مادي خاضع للحتميَّة الطَّبيعيَّة تحوّله من إنسان رباني، إلى مجرد كائن طبيعي يختلف بالدرجة عن الموجودات الطبيعية لكنَّه لا يختلف عنها بالرتبة النَّوعيَّة، لذا فهو كائن طبيعي مادي محتاج مستهلك، ولذا أيضاً فهو في صراع دائم مع بني جنسه ومع بقية الموجودات، إذ مبدأ الصراع هو الذي يحدّد العلاقة بين أشياء العالم وموجوداته وفق هذه الرؤية المادّية الصلبة([29]).
في تطبيقه للنَّقد الثقَّافي عبر استراتيجيَّة النماذج المعرفيَّة التحليليَّة التفسيريَّة رصد المسيري خمسة سبل لتخليق التحيز الكامن غير السوي في النموذج المعرفي العلماني الشامل هي:
1-دعوى وحدة العلوم والتَّسوية بين العلم الطبيعي والإنساني ونفي المرجعيَّة المتجاوزة للطبيعي.
2-تبديد المعياريَّة الإنسانية، والولوج من ذلك إلى الدفاع عن حقوق الشواذ، وحقوق القردة، وتصوير الإنسان على أنَّه فرد بلا هويَّة ولا جذور ولا بعد جمعي، مما يجعل الحديث الغربي المتواتر عن حقوقه مسكوناً بهجوم على الطَّبيعة البشريَّة وعلى الإنسان. فالإنسان -الذي يتحدَّث الغرب عن حقوقٍ له- فردٌ مقطوعُ الصِّلة بأيّ جذور أو أسرة أو مجتمع أو أمة. وهو مجموعة من الحاجات المجرَّدة المصطنعة التي تحدّدها الاحتكارات وشركات الإعلان.
3-التمركز حول الأنثى مع وضعها خارج أي سياق اجتماعي، وتوظيف الفن والثقافة الشعبيَّة في اختلاق وترويج نماذج غير معهودة، والترويج للمسخ وللإباحية.
4-حوسلة الطبيعة والإنسان والعقل الإنساني: مع إلغاء النموذج العلماني الشامل لمفهوم الإله أو تهميشه، ونسف مفهوم الإنسان الكوني، وتوظيف ذلك لصالح ترسيخ مركزيَّة الإنسان الغربي، وتحويله إلى مستغلٍّ لبقيَّة البشر ولكل ما بالكون، غرس ذلك النموذج بذور التحيز ضد الطبيعة وضد الإنسان بما فيه الإنسان الغربي.
5-إحلال العقل الأداتي محل العقل النَّقدي في الداخل الغربي، والسعي بكل السبل إلى تعميمه في كل أرجاء المعمورة؛ وجوهر العقل الأداتي هو السعي الإنساني للهيمنة على الطبيعة بتجريدها من حرمتها وأسرارها وغيبها، وتنميطها. وتُثبِت الخبرة الغربيَّة أنَّ هذا العقل بارعٌ في التفكيك، عاجزٌ عن إعادة التركيب، يعامل الإنسان على أنَّه مجرَّد جزء ثابت من الطَّبيعة، وإلى كل ما بالكون بما فيه الإنسان على أنه مجرد أداة استعمالية([30]). والإنسان صاحب ذلك العقل غارقٌ في النّسبيَّة، عاجزٌ بسببها عن امتلاك أرضية معرفيَّة ثابتة، وعن تغذية الحاضر بخلاصة خبرة الماضي واستشراف المستقبل. وغاية ما يطمح إليه هو: قبول الواقع والتَّكيُّف معه والتَّسلّط على الآخر الطبيعي والإنساني.
تسميم المفاهيم
من أهم الأساليب التي وظَّفتها العلمانيَّة الإمبرياليَّة الشاملة للتَّعمية على تحيُّزاتها المعرفيَّة الاستعمال المراوغ لمفاهيم إيجابيَّة في ظاهرها، ملغَّمة في مضامينها ومفاعيلها الحضاريَّة. من ذلك مفهومي: التَّقدُّم([31])، وترشيد الموارد البشريَّة والمادّيَّة. والمفهوم الأخير طرُح في الغرب على أنَّه آليَّة لهندسة الإنسان وتغييره من خارجه بالإغراء والقوّة الناعمة تارة، وبالقوّة الخشنة والإملاء تارة أخرى، فما هو مضمون مفهوم التَّرشيد الغربي؟ وما هي آلياته؟ إنَّه ترشيد شكلي إجرائي أداتي قِبْلته هي التَّحرر والانحسار في الكفاية التَّقنيَّة لهندسة كل ما يرى الإنسان أنَّه غاية له تتعلق بمصلحته باتجاه العلمانية المادّيَّة الشاملة.
ويمثل هذا أسراً لمفهوم التَّرشيد المنصرف بدلالته التَّقليديَّة إلى التَّجويد المنطلق من الدين والأخلاق والفطرة الإنسانية المتجاوزة للطبيعة. وبهذه الدلالة الجديدة لمفهوم الترشيد، يتم سحب الأشياء من عالم الإنسان الأخلاقي القيمي المتجاوز إلى عالم الأشياء المادي، وسحب الإنسان نفسه من عالم الإنسان إلى عالم الأشياء، وعلمنة الأشياء والإنسان وتدجينه وتحويله من مفعول لأجله، إلى مفعول به، بل إلى مفعول فيه([32]).
ففي سياق ذاك المسمى :التَّرشيد، نشأت الظاهرة الاستعماريَّة بكل تجلياتها، فضلا عن تغوّل الدولة القوميَّة والمصنع والسوق ووسائل الإعلام والملهى. وتم التَّرويج لعنصريَّة عصر الحداثة الزاعمة بأنَّ التَّقدُّم سمة متأصّلة في النموذج الحضاري الغربي، والتَّخلّف سمة أبديَّة متأصّلة فيما عداه لا فكاك منها (مع ما تولَّد عن تلك الأسطورة من مقولات عبء الرجل الأبيض، والنّازيَّة والفاشيَّة والصهيونيَّة، والاستعمار الاستيطاني الإحلالي، والاستنساخ)، ثم التَّرويج في عصر ما بعد الحداثة لعنصريَّة التَّسوية بين الإنسان وأيّ كائن آخر، والزعم بأنَّ كل ما تعاني منه البشريَّة في هذا العصر يعود –بزعمها- إلى ادّعاء الإنسان وجود فرق بينه وبين القردة.
ومن بين شواهد سعي تلك العنصريَّة إلى هدم المعياريَّة الإنسانيَّة من أساسها، والتَّمكين للسّيولة اللامعياريَّة تشبيه مقولة وجود إلهٍ يدبّر أمر الكون بالفيروس الذي يصيب جهاز الحاسوب، وخروج مشروع من بريطانيا في نفس العام الذي تم فيه إنتاج اتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي يدعو للتَّسوية التّامَّة بين القردة والإنسان، ويطرح ما يسميه: مشروع إعلان حقوق القرود.
وهكذا يتسلل هذا النموذج المعرفي عبر المكر بالمفاهيم إلى التَّخريب التام للهويّات وتشويهها، وتهميش كل خصال الإنسان وتحويله إلى مجرد مادة استعماليَّة، لا مركزيَّة لها في الكون ولا أسرار([33]).
هذا التَّصدّي بالنَّقد الثقافي لعمق العلمانيَّة الشاملة وأساطيرها المؤسِسة لبنيتها التكوينيَّة عبر تشغيل مفهوم النموذج المعرفي الذي يتبنّاه عبد الوهاب المسيري كشف لنا من خلال مآلاته التَّطبيقيَّة نمط التفكير العلماني السائد، الذي أخفق في بلورة رؤية كونيَّة متسقة للعالم وبالتالي أخفق في تقديم نموذج متحضّر للإنسان، يتجلى هذا الإخفاق في ضوء الشواهد التالية:
1-كثرة ما يفرزه النموذج المعرفي الغربي من مقولات (النهاية، والمابعد، والجديد): لا يكفّ هذا النموذج عن ترويج تلك المفاهيم والحديث المتواصل عن منعطفات تأريخيَّة، مما يدل على عمق أزمته في كل المجالات.
2- تَراجُع مركزيَّته على مستوى الدولة القوميَّة، وتقلّص قدرته على فرض الترشيد والتنميط بالقوّة على الخارج عير الغربي.
3- تراجع قدرة السوق على تخليق الإنسان المنتج المستهلك، وظهور الإنسان شبه المنتج شبه المستهلك([34]).
4- توليد علم اجتماع غربي اختزالي عاجز وتدليسي ومرجع عجزه أنَّه مؤسس على نموذج مخنتزل، ومرجعيَّة سائلة، عاجزة عن تقديم تعريف مركَّب شامل لظاهرة العلمانيَّة. ووقع هذا العلم في التحيُّز المعرفي بانتقاء ما يعتبه إيجابيّاً والتغطية على ما يعتبره سلبيّاً، وتصوير السلبيّات على أنَّها ثمنٌ مقبولٌ لإيجابيّات أهم، ونحت مصطلح لكل ظاهرة مصاحبة للعلمانيَّة، بما يغطّي على علاقتها بها، ويعرقل بناء نموذج معرفي شامل لتفسيرها. وأسفر ذلك عن إخفاق ذلك العلم في بيان العلاقة القوية بين العلمانية والدولة القومية، والظواهر المصاحبة لهما مثل: الاستنارة المظلمة، والتشيؤ، والاغتراب والعولمة، وتأكل الأسرة وتغييب مفاهيم الإنسان والأخلاق والدين، وترويج نوعيات ممسوخة مثل: الإنسان الاقتصادي والإنسان الذئب والإنسان الثعلب([35]).
وخلاصة استعمال النموذج المعرفي في الدراسات الثقافيَّة لدى المسيري وتشييده لمنهجيَّة النَّقد الثَّقافي للظواهر الإنسانيَّة تكون بدايته بــ: الاجتهاد المعرفي لبناء النموذج؛ وذلك بالقيام بعمليّات عقليَّة تشمل: التَّلقي الإيجابي للحقائق، ورصدها بدقة، وتفكيكها، والربط بينها، وتجريدها وتركيبها ضمن إطار تنتظم فيه نظائرها، وتشكيل خريطة معرفيَّة) إدراك المعلومات من خلال الأنماط كشبكة علاقات ذات دلالة يتصور من يبني النموذج أنَّها مماثلة للواقع، واختبار القدرة التَّفسيريَّة للنموذج على محك الواقع وتجويده في ضوء ذلك).
بتعبير آخر، يبني الباحث النموذج الافتراضي عبر معايشة واقع ما والتأمّل فيه. ثم يعمل فيه الذهن ويجتهد لصقله وبناء شبكة علاقات افتراضية. ثم يختبره في الواقع. وعبر الحركة من العقل إلى الواقع، وبالعكس، تتعزز القدرة التَّفسيريَّة للنموذج. فالنموذج المعرفي التحليلي شبيه بالصورة المجازيَّة المنفتحة على الواقع الفعلي والممكن. وتدور عمليَّة صياغة النموذج حول التفكيك وإعادة التركيب وبناء الأنماط، ثم مقارنة ما توصل إليه من أنماط مع أنماط مناظرة، ثم يسعى إلى اكتشاف البعد المعرفي الكامن وراء تلك الأنماط، بهدف التوصل إلى نماذج أكثر قدرة على الكشف والتفسير، ويمكن من خلال النماذج قراءة الواقع المتغير المتنوع وإدراك الوحدة الكامنة وراء التنوع، والأنساق الباطنة المتخفيَّة وراء الظاهر والسطح.
الرؤية التَّصوريَّة في المقاربة النَّقدية للأدب عند المسيري
أول ما يتبادر لذهن الباحث وهو يمعن النَّظر في الجهود النقديَّة عند المسيري هو الرؤية التَّصوريَّة التي بنى عليها مقاربته للنُّصوص الأدبيَّة، فقد تطرق المسيري إلى إشكالية التَّواصل والإحالة إلى المرجع في النص الأدبي، وتبرز إشكالية التواصل الأدبي حالما نقترب من طبيعة الأدب الخاصة، بوصفه فناً، والفن عمل تخيّلي جمالي لا يهتم كثيراً بالتَّوصيل الذي يحرص عليه التَّواصل العادي لأنَّه لا يقول الواقع أو يقرر حقيقة أو يناقش قضيَّة، كما في الخطابات العلميَّة، بل يركز الفن والأدب منه على أن يقول نفسه أولاً، من خلال صياغاته الفنيَّة للواقع والعالم عبر عنصري الخيال واللغة الأدبيَّة، وبذلك يبدو أنَّه يقطع طريق التواصل أو يعيقه أو يضحي به تماماً إذ هو: “فنٌّ متولّدٌ من نفسه، أي أنَّه فنٌّ ذاتي الإحالة”([36]).
إنَّ هذا التَّصور لا يمنع النَّص الأدبي من مظاهره وتمثلاته الأيديولوجيَّة ولا من مرجعيّاته السوسيولوجيَّة إذ أنَّ المتكلم في النَّص الأدبي هو دائماً، وبدرجات مختلفة، منتج أيديولوجياً، وكلماته هي دائماً عينة أيديولوجيَّة واللغة الخاصة برواية ما، تقدم دائماً وجهة نظر خاصة عن العالم تنزع الى دلالة اجتماعية([37])، إلا أنَّ المرجعيَّة الأيديولوجيَّة والسوسيولوجيَّة وغيرها من المرجعيات لا تعني أبداً إجترار الواقع والتسجيليَّة الحرفيَّة، بقدر ما تمتثل لاشتراطات الذائقة الفنيَّة، كما تتضمن خصوصيَّة رؤيويَّة بوصفها طريقة للتعبير، ومنهجاً في (رؤيا العالم) بتعبير لوسيان غولدمان([38]). تدمج المظهرين الواقعي والتخيلي في بنية النَّص الأدبي.
بمثل هذا الرؤية تصدر مقاربة المسيري النَّقديَّة، وأنَّ الناقد الأدبي يواجه ثنائيَّة أساسيَّة هي ثنائية الواقع الموضوعي في مقابل الواقع الأدبي (الذاتي)، أي الواقع كما يصوره الأديب. فأيّ نصّ أدبي له حدوده المستقلة عن الواقع، فهو ينتمي إلى عالم الأدب قدر انتمائه لعالم الواقع. فرؤية الأديب لا تخضع لرؤية الواقع وحسب، وإنَّما تخضع، وبالدرجة الأولى، لقوانين الأدب وتقاليده. بل إنَّ الأديب يضطر أحياناً إلى أن يحوّر تفاصيل الواقع الخارجي التي تَرِدُ في عمله. ولذا حين ندرس أي نصّ أدبي فلا بد أن نفترض انفصاله عن الواقع وننظر إليه باعتباره مجموعة من العلاقات المتداخلة داخل حدوده الأدبيَّة. وهذا ما عمّق إحساس المسيري بالثنائيّة في العالم، وقد أصبحت من المفاهيم التحليلية الأساسيَّة في منهجه البحثي. ويضيف المسيري: أنَّنا في الدراسة الأدبيَّة نحاول البحث عن الموضوع الأساسي الكامن الذي يضفي على العمل الوحدة ويشكّل معناه الأساسي. وقد قاده هذا لاكتشاف النموذج كآليَّة أساسيّة لتحليل النُّصوص والظواهر([39]).
ومثل هذه النظرة –والكلام للمسيري- رغم اهميتها وضرورتها ليست كافيَّة فالنَّص الأدبي في نهاية الأمر تعبير عن واقع إنساني، ورغم أنَّه تعبيرٌ غير مباشر، إلا أنَّه ليس نصّاً مجرَّداً مغلقاً، معلقاً في الهواء، وإنَّما هو نصٌّ متعيّن، جذوره في الواقع، ويجد في عدّة سياقات. فهو أولا: يوجد داخل سياق أدبي يتكون من كل أعمال الأديب ومن كل النُّصوص الأدبيَّة السابقة واللاحقة التي كتبت باللغة نفسها. وفهمنا لنصّ أدبي ما لا يمكن أن يكتمل دون معرفة وإدراك كاملين لهذا السياق، فمن خلاله يمكننا تحديد توقعاتنا بالنسبة للنَّص، ومعرفة بعض التقاليد الأدبيَّة التي تتحكم فيه([40]).
كما أنَّ النَّص الأدبي يوجد داخل سياق حضاري وتاريخي واجتماعي أيضاً، وكل سياقات متداخلة تؤثر على العمل الأدبي وتترجم نفسها إلى عناصر أدبيَّة، ويمكننا أن ندرس نصّاً ادبيَّاً ما داخل هذه السياقات، أو ندرسه داخل إحداهما وحسب، حسبما تمليه طبيعة الدراسة والهدف منها.
وإذا نظرنا إلى العمل الأدبي على أنه علامة تشتمل على ثلاثة عناصر: الأول هو رمز محسوس يخلقه الفنان، والثاني: معنى الموضوع الجمالي الذي يحمل بنية العمل الأدبي الخاصّة، والثالث: علاقة تربط بين العلامة والشيء المشار إليه، علاقة تحيل إلى السياق الكلي للظواهر الاجتماعية([41])، فإنَّنا نكون أمام وضع معقد للتواصل الأدبي، لأنَّه سوف يشتمل على عدة مستويات تتراوح بين القيمة المستقلة للأدب بوصفه فناً، والقيمة التعبيرية أو التوصيلية عندما يكون ملفوظاً داخل سياق ثقافي واجتماعي محدد، وينسحب هذا ضرورة، على القارئ الذي سيزدوج عمله في التواصل الأدبي وسوف يلزمه التحرك بدقة بين قنوات التواصل المتعدّدة، وبين عملية التَّلقي التي يقوم بها للنَّص الأدبي.
أصبح من بديهيات الشعرية المعاصرة التي أرست دعائمها البنيويَّة، أنَّ الأدب مهما كان مستوى نسيجه الفنّي، لابد أن يترك مسافة بينه وبين الواقع ويطمس -الى حد ما- الإحالات المرجعيَّة، يقول أدونيس في هذا السياق وهو ينتقد تياراً جديداً بدأ يزاول أدباً يقترب من الحياة اليومية: “لم يعد هناك مسافة بين الكلمات والواقع، لم يعد هناك، بالتالي، أدب يصبو الى رؤية العالم وفهمه بصورة أفضل، غير أنَّ من الضروري في الأدب خلق مسافة بين الكلمات والأشياء، لأنَّ لصق الكلمات بالأشياء أشبه بمن يلصق وجهه بالمرآة، فلا يعود يرى أي شيء”([42]).
وكلما ضغطنا على هذه المسافة كُنّا نجني نسبة أكبر من الأدب بوصفه علامة مستقلة، ولحظة لا زمنيَّة منفلتة من كل ما يشدها إلى الوقائع والسياقات في الخارج، وإذا تتبعنا تاريخ الأدب من هذه الزاوية نجد أنَّ الأدب يكتسب كينونته المتفرّدة كلما تضخم هذا الجزء منه، ومعه يأخذ التواصل الأدبي أشكالاً أخرى، أكثر تعقيداً، لكنَّ الأدب في كل أحواله لا يخرج عن المسافة الجماليَّة التي تنشأ من استبعاد أية إشارة واقعية في نسيجه الفني للوهلة الأولى، ثم يثبت عند القراءة والتأويل أنَّ العلامة المستقلة لم تترك المرجع، إذ “النَّص يُنتج الخارج يكتبه، والخارج هو المرجع”([43])، لكنَّ الذائقة الأدبيَّة تعاملت معه بطريقة توفِّر للأدب تفرّده وخصوصيته النَّوعيَّة أيّ “احتكام الفن لنفسه”([44])، لذا ألحَّ أحمد المديني في تصوّره الجديد للواقعيَّة على أهمية صوغ الواقع: “في إطار رؤيا وليس عبر المرآة التسجيلية – الانعكاسية”([45]).
هذا الفكر النَّقدي المعاصر يتطابق في توجّهاته مع الرؤية النَّقديَّة للمسيري، فهو يرى أنَّ حياة الأديب من ناحية انتمائه الطبقي والاجتماعي والبيئة الجغرافيَّة التي يعيش فيها وتركيبته النَّفسيَّة لا بد وأنَّها تؤثر، وأحياناً بشكل عميق، على مضمون العمل الأدبي وبنيته. ولكن العمل الأدبي مع هذا ليس مجرد وثيقة فكريَّة أو اجتماعية ذات مضمون فكري أو اجتماعي عام ومجرد، وإنَّما هو بناء له حدوده المستقلة ومنطقه الخاص وقوانينه المحدَّدة وشكله وبنيته ولغته. وهو بناء يوجد في السياق الفكري أو الاجتماعي يتأثر به ويؤثر فيه في ذات الوقت، لكنَّه يتخطّاه ويستقل عنه([46]).
ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أنَّ النّاقد حينما يعود إلى الدراسات الاجتماعيَّة والتاريخيَّة للفترة التي يعالجها النَّص وإلى المعلومات الخاصَّة بحياة المؤلف فإنَّه يمكنه أن يفسر بعض التفاصيل التي قد يكون من العسير تفسيرها إذا ما بقي الناقد داخل العمل وحسب. كل هذا يعني أنَّنا نرى أن ثنائيَّة الواقع الأدبي في مقابل الواقع الموضوعي، ثنائيَّة فضفاضة تفاعليَّة إذ يمكننا أن نعمّق رؤيتنا للواقع الموضوعي من خلالنا دراستنا للواقع كما صوّره الأديب، كما أنَّه يمكننا أن نعمّق رؤيتنا للعمل الأدبي من خلال دراسة سياقه الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي([47]).
والمسيري ينظر كناقد إلى المنجز الأدبي كإبداع ينطوي على مسافة تفصله عن الواقع التسجيلي والرصد الفوتوغرافي من جهة، غير أنَّه يربطه من جهة أخرى بالقيم، وهو بهذا الاعتبار يُعْلِي من شأن الأدب ويرى فيه المرآة التي تعكس قلق الإنسان وتطلعاته وأشواقه ومكابداته الوجودية المختلفة، وأنَّ الإبداع الأدبي في صدقه عن التعبير عن الإنسان بكل مشمولاته ومتضمَناته ألصق بالحياة الإنسانيَّة وأصدق من بقيَّة العلوم وإنْ تناولت ضمن مباحثها الشرط الإنساني، لذا نراه يصف حالته إزاء الأدب قائلاً: “أفتخر بأنَّ الأدب هو المجال الوحيد الذي لم يفقد الاتصال أبداً بـ(الثوابت الإنسانيَّة)، فالمجالات الأخرى قد تعبّر عن الوجود الإنساني من خلال أشكال توضيحيَّة مجرّدة أو مُنحنيات بيانيَّة أو معادلات رياضيَّة، إلا أنَّه لا يمكن إدراك الصورة المتعيّنة للإنسان في أفراحه وأتراحه من خلال هذه الأشكال أو المنحنيات أو المعادلات، ولعل ذلك هو سر تميّز الأدب، فصورة الإنسان المتعيّنة هي عموده الفقري”([48]).
إنَّ الناقد في الرؤية التصوريَّة للمسيري متجاوز لمقولات ما بعد الحداثة ولإمبرياليَّة النَّقد التي تقتضي (موت المؤلف) و(موت النَّص) وتغوّل مشرط الناقد الذي أتاحت له النظريَّة النقديَّة الحديثة مطلق الحريَّة في أن يقول ما شاء كيفما يريد وهو يقارب النُّصوص الأدبيَّة بمعزل عن صاحبها والسياق الذي أُنتجت فيه والظرف الحامل لدلالاتها، فالنّاقد لدى المسيري لا يمكنه أن يقول ما يودُّ أن يقول دون عودة للنَّص، والنَّص لا يمكنه أن يبوح بمعناه بدون الناقد الأدبي. فكلمة (استنطاق) العمل الأدبي، ومحاورته من داخله وربطه بسياقاته تحلُّ إشكاليَّة الذات والموضوع، والنَّص والواقع، فهي تقع في المنطقة التي تلتقي فيها الذَّات (الناقد) بالموضوع (النَّص)، كل هذا يقف على طرف النقيض من المقولات المابعد حداثيَّة التي تتحدَّث عن موت المؤلف وموت النَّص، بحيث لا يبقى سوى الناقد وكأنَّه الذات المطلقة، أو سوبرمان نيتشه الذي يفرض رؤيته المتغطرسة على النَّص([49]).
هذه الإلتحام بين النّاقد وموضوع نقده (النَّص) هو ما أطلق عليه (هيدجر) تسمية: “الكينونة في العالم”([50]). يبدو الأدب، وفق هذا المنظور، تفكيكاً للعالم، كعمليَّة مشتركة بين النَّص والقارئ، ويسري التواصل الذي حدّده المسيري تحت هذا السلوك، مرتهناً إلى الخيال واللغة الأدبية اللذين يستنطقهما النّاقد لتحفيز الدلالة والمعنى على السطوع، واللذين –بدورهما- يعلِّقان أي وجود سابق للعالم، ويمنحان تجليه لتتفاعل بين منظورات متعددة من قبل النَّص والناقد، يتم في النهاية تشكيل منظور يسمو على تلك المواقف ولا يلبث أن يمثل الحقيقة التي يغدو النَّص وسيلة لقولها.
وهكذا يفهم التواصل هنا، من خلال معنى مزدوج، يمتد إلى الإستقبال أو الإمتلاك والتبادل في الآن نفسه، بمعنى أن المهم يغدو كيف نكتسب شيئاً من الفن، من خلال تجربة هذا الفن نفسه، وعبر نشاط تواصلي مقترح من طرف النص والنّاقد في آن، دون أن يحدث خلط بين “جمالية الإستقبال والسسيولوجية التاريخيَّة للجمهور، التي لا تهتم بغير تغيرات ذوقه، وبمصالحه أو بآيديولوجياته، بل تحتفظ جماليَّة الإستقبال بمفهوم جدلي، فهي تعتبر تاريخ تأويلات عمل فني عبارة عن تبادل تجارب، أو إذا أردنا، فهي تعتبره حواراً أو لعبة أسئلة وأجوبة”([51]).
ويتطرّق الدكتور المسيري لقضية الشكل والمضمون وكيف نتلقى الأدب ضمن بنائه الشكلاني الذي يتوسل الأساليب الجماليَّة، ومضمونه الدلالي المنضَّد بالمعنى، فهو يعتقد أنَّ استخدام الصورة المجازيَّة العضوية لوصف عمليتَي الإدراك والتفسير غير مفيد البتة من الناحية التحليليَّة. عادة ما يقال إنَّ الوحدة الفنيَّة وحدة عضويَّة ولا يمكن فصل الشكل عن المضمون. وهذا بالضبط ما يفعله عظم النُّقاد حين يقومون بالعمليَّة النَّقديَّة ذاتا. في حين أنَّنا نستجيب للعمل الأدبي على أنَّه شكل منفصل عن المضمون، وحتى حينما نمارس الشكل باعتباره مضموناً، والمضمون باعتباره شكلاً، فإنَّنا في المرحلة التحليليَّة نفصل الواحد عن الآخر([52]).
هذه الرؤية تتضمن قابلية المتلقي في توضيح البنيات الشكلية للنص انطلاقاً من أفق المضمون، وعلى المتلقي أن يتوصل إلى كل ما ينتمي وإلى كل ما يستوي تحت نظام المضمون في وضعه شبه المرجعي، والعودة به إلى التَّصورات التي تكشف عنه، وإذا كان الشكل يمنح نفسه بهذه الطريقة كقيمة مهيمنة ومؤسِسة للنَّص المتخيَّل وتملي شرط التَّلقي، فإنَّ هذا الاستنتاج يفرض رغم ذلك أن يوضح لتجنب بعض الالتباسات، فالطابع الشكلي للتخيّل الأدبي لا يختزل إلى جمالية للفن من أجل الفن، أو لمجرد تنظيم بنيوي، إذ أنه يحدّد قدرة التخيُّل بوصفه تنظيماً تصورياً على تشخيص الممكنات الشكلية لنظام التجربة، وما يشخصه التخيُّل ليس الواقع، وانَّما إمكان تنظيم التجربة([53]).
لهذا يرى عبد الوهاب المسيري أنَّ من المفيد للغاية استعادة مقولتي الشكل والمضمون بوصفهما مقولتين تحليليتين، إن لم يكن أيضاً، مقولاتٍ أنطولوجيَّة وجوديَّة. وهما مقولتان متصلتان منفصلتان، تربطهما وحدة فضفاضة تفاعليَّة، فالشكل لا يمكن أن يوجد إلا داخل مضمون، والمضمون لا يتبدّى إلا داخل شكل. وكما أشير دائماً أفضِّل دائماً التعامل مع النقطة التي يتقاطعان فيها([54]).
قائمة المصادر والمراجع:
- أسئلة الإبداع في الأدب العربي المعاصر، أحمد المديني، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1985م.
- الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ، 2003م.
- الإنسان والحضارة والنماذج المركبة، عبد الوهاب المسيري، سلسلة كتاب الهلال (622)، دار الهلال، القاهرة، ط1، 2002م.
- أنظمة العلامات في اللغة والادب والثقافة، سيزا قاسم، دار قرطبة، الدار البيضاء، ط2، 1986م.
- بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، إبراهيم البيومي وآخرون، المركز العالمي للفكر الاسلامي، القاهرة، ط1، 1418هـ، 1998م.
- التلقي والتخيل، كارل هاينز ستيرل، ترجمة: بشير القمري، مجلة الاقلام، بغداد، العدد (3)،1990م.
- جمالية التلقي والتواصل الأدبي، هانز روبرت ياوس، ترجمة: سعيد علوش، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد: (38)، 1986م.
- حدود النص الأدبي: دراسة في التنظير والإبداع، صدوق نور الدين، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1984م.
- حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، تحرير: سوزان حرفي، دار الفكر، دمشق، ط2، 1431هـ،2010م.
- الخطاب الروائي، ميخائيل باختين، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1987م.
- الدراسات الثقافية: مقدمة نقدية، سايمون دورنغ، ترجمة: د. ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2015م.
- الدكتور المسيري مفكّر بدرجة ناقد أدبي، مصطفى عبد الغني، مجلة أوراق فلسفية، القاهرة، العدد: 19، 2008م.
- رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية، عبد الوهاب المسيري، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1، 200م.
- سرديات النقد: في تحليل آليات الخطاب النقدي المعاصر، حسين خمري، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1432هـ، 2011م.
- الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة، عبد والهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1997م.
- العالم من منظور غربي، عبد الوهاب المسيري، سلسلة الهلال، القاهرة، العدد، 602، 2001م
- عبد الوهاب المسيري من المادية إلى الإسلامية، ممدوح الشيخ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي، بيروت، ط1، 2008م.
- العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، عبد الوهب المسيري، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2002م.
- العلمانية تحت المجهر، د. عبد الوهاب المسيري، عزيز العظمة، دار الفكر، دمشق، 1421هـ، 2000م.
- الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 2003م.
- الفن وتأويله بين الحاصل والمرجع، شربل داغر، مجلة علامات المغربية، العدد: (25)، لسنة: 2006م.
- كتاب التعريفات، علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1404هـ، 1985م.
- محمد مندور وتنظير النقد العربي، محمد برادة، دار الآداب، بيروت، ط1، 1979م.
- مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون، دار القلم، بيروت، ط4، 1981م.
- المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، حجة الاسلام أبو حامد الغزالي، مكتبة الجندي، القاهرة، ط1، 1968م.
- المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، فاضل ثامر، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 2004م.
- النظام العالمي الجديد: رؤية معرفية، د. عبد الوهاب المسيري، مجلة قضايا دولية، معهد الدراسات السياسية، باكستان، العدد: 255، 1994م.
- نظرية المعرفة، جاك شلانجر، ترجمة: إياس حسن، دار الكنوز الأدبية، بيروت، ط2، 1997م.
- النقد الثقافي (ندوة)، هدى وصفي وآخرون، مجلة فصول في النقد الأدبي، العدد: 63، شتاء وربيع 2004م، ص: 109.
- النموذج المعرفي والنموذج المعرفي الغربي عند المسيري: المفهوم والمعالم والتجليات، أحمد مرزاق، ورقة بحثية مقدمة إلى: ندوة الرؤية والمنهج في أعمال المفكر عبد الوهاب المسيري، جامعة القاهرة، كلية العلوم والاقتصاد برنامج حوار الحضارات، 2004م.
- الهوية غير المكتملة: الإبداع، الدين، السياسة، الجنس، أدونيس، بالتعاون مع شانتال شواف، تعريب: حسن عودة، بدايات للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2005م.
- الوظيفة الهرمونيطيقية للإبتعاد، بور ريكور، ترجمة: فاطمة الذهبي، مجلة الموقف الثقافي، بغداد، العدد (22)، 1999م.
([1]) مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن خلدون، دار القلم، بيروت، ط4، 1981م، ص: 553.
([2]) ينظر: سرديات النقد: في تحليل آليات الخطاب النقدي المعاصر، حسين خمري، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 1432هـ، 2011م، ص: 71-72.
([3]) الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ، 2003م، ص: 131.
([4]) كتاب التعريفات، علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1404هـ، 1985م، ص: 194.
([5]) ينظر: سرديات النقد: في تحليل آليات الخطاب النقدي المعاصر، حسين خمري، ص: 35.
([6]) نظرية المعرفة، جاك شلانجر، ترجمة: إياس حسن، دار الكنوز الأدبية، بيروت، ط2، 1997م، ص: 83.
([7]) الدراسات الثقافية: مقدمة نقدية، سايمون دورنغ، ترجمة: د. ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2015، مقدمة المترجم ص: 9.
([8]) النقد الثقافي (ندوة)، هدى وصفي وآخرون، مجلة فصول في النقد الأدبي، العدد: 63، شتاء وربيع 2004م، ص: 109.
([9]) ينظر: النقد الثقافي (ندوة)، هدى وصفي وآخرون، مجلة فصول في النقد الأدبي، العدد: 63، شتاء وربيع 2004م، ص: 110.
([10]) النقد الثقافي (ندوة)، هدى وصفي وآخرون، مجلة فصول في النقد الأدبي، العدد: 63، شتاء وربيع 2004م، ص: 107.
([11]) ينظر: رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية، عبد الوهاب المسيري، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط1، 200م/ ص: 242.
([12]) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، حجة الاسلام أبو حامد الغزالي، مكتبة الجندي، القاهرة، ط1، 1968م، ص: 10-11. وينظر: الاشارات والتنبيهات، ابن سينا، 1/9.
([13]) محمد مندور وتنظير النقد العربي، محمد برادة، دار الآداب، بيروت، ط1، 1979م، ص: 261.
([14]) ينظر: حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، تحرير: سوزان حرفي، دار الفكر، دمشق، ط2، 1431هـ،2010م، ص: 225-226.
([15]) ينظر: النموذج المعرفي والنموذج المعرفي الغربي عند المسيري: المفهوم والمعالم والتجليات، أحمد مرزاق، ورقة بحثية مقدمة إلى: ندوة الرؤية والمنهج في أعمال المفكر عبد الوهاب المسيري، جامعة القاهرة، كلية العلوم والاقتصاد برنامج حوار الحضارات، 2004م، ص: 62.
([16]) ينظر: النظام العالمي الجديد: رؤية معرفية، د. عبد الوهاب المسيري، مجلة قضايا دولية، معهد الدراسات السياسية، باكستان، العدد: 255، ص: 1994.
([17]) الإنسان والحضارة والنماذج المركبة، عبد الوهاب المسيري، سلسلة كتاب الهلال (622)، دار الهلال، القاهرة، ط1، 2002م، ص: 26.
([18]) الرحلة الفكرية في البذور والجذور والثمر، عبد الوهاب المسيري، ص: 366.
([19]) عبد الوهاب المسيري من المادية إلى الإسلامية، ممدوح الشيخ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي، بيروت، ط1، 2008م، ص: 186.
([20]) العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، عبد الوهب المسيري، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2002م، 2/452.
([21]) ينظر: عبد الوهاب المسيري من المادية إلى الإنسانية، ممدوح الشيخ، ص: 186.
([22]) ينظر: حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، تحرير: سوزان حرفي، ص: 225.
([23]) المسيري من المادية الى الإنسانية الإسلامية، ممدوح الشيخ، ص: 162.
([24]) ينظر: حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 226.
([25]) حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، تحرير: سوزان حرفي، ص: 226.
([26]) حوارات مع الدكتور عبد الوهاب المسيري: الثقافة والمنهج، تحرير: سوزان حرفي، ص: 230- 231.
([27]) ينظر: العلمانية تحت المجهر، د. عبد الوهاب المسيري، عزيز العظمة، دار الفكر، دمشق، ص: 119-127. وينظر: العالم من منظور غربي، عبد الوهاب المسيري، سلسلة الهلال، القاهرة، العدد، 602، 2001م، ص: 93.
([28]) ينظر: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، 2002م، والإنسان والحضارة الغربية والنماذج المركبة عبد الوهاب المسيري، سلسلة دار الهلال، القاهرة، العدد: 622، 2002م.
([29]) ينظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 2003م، ص: 11-16.
([30]) ينظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، ص: 70-91.
([31]) لمزيد من التوسع تراجع دراسة في زهاء مائة صفحة في تفكيك غربي لمنظومة المفاهيم المتولدة من مفهوم التنمية ومن بينها مفهوم التقدم المادي كما نحته الغرب، وبيان تحيّزاتها الكامنة. ينظر: بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، إبراهيم البيومي وآخرون، المركز العالمي للفكر الاسلامي، القاهرة، ط1، 1418هـ، 1998م، 2/444-538.
([32]) ينظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، ص: 129-133.
([33]) ينظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، ص: 193-196. ولنتأمل في مضامين ودلالات انتقاء من صمموا الإنترنت للكلب بدل الإنسان ليمسك الكتاب الالكتروني ويتولى البحث عما نريد الوصول إليه من ملفات، والأثر المترتب على حضور الكلب والفأرة الدائم في ذاكرة مستخدمي الإنترنت.
([34]) ينظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، عبد الوهاب المسيري، ص: 70-91.
([35]) ينظر: العلمانية تحت المجهر، عبد الوهاب المسيري، عزيز العظمة، ص: 20-42. وينظر: الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة، عبد والهاب المسيري، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1997، ص: 173-209.
([36]) الفن وتأويله بين الحاصل والمرجع، شربل داغر، مجلة علامات المغربية، العدد: (25)، لسنة: 2006م، ص: 7.
([37]) الخطاب الروائي، ميخائيل باختين، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، 1987م، ص: 102.
([38]) نقلاً عن: المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، فاضل ثامر، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 2004م، ص: 92.
([39]) ينظر: حوارات المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 154.
([40]) ينظر: المصدر السابق، ص: 154.
([41]) ينظر: الفن باعتباره حقيقة سيموطيقية، جان موكارفسكي، ترجمة: سيزا قاسم، ضمن كتاب: أنظمة العلامات في اللغة والادب والثقافة، دار قرطبة، الدار البيضاء، ط2، 1986م، ج: (2)، ص: 126.
([42]) الهوية غير المكتملة: الإبداع، الدين، السياسة، الجنس، أدونيس، بالتعاون مع شانتال شواف، تعريب: حسن عودة، بدايات للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2005م، ص: 47.
([43]) حدود النص الأدبي: دراسة في التنظير والإبداع، صدوق نور الدين، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1984م، ص: 14.
([44]) الفن وتأويله بين الحاصل والمرجع، شربل داغر، ص: 9.
([45]) أسئلة الإبداع في الأدب العربي المعاصر، أحمد المديني، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1985م، ص: 85.
([46]) ينظر: حوارات المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 155.
([47]) ينظر: حوارات المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 155.
([48]) الدكتور المسيري مفكّر بدرجة ناقد أدبي، مصطفى عبد الغني، مجلة أوراق فلسفية، القاهرة، العدد: 19، 2008، عدد خاص عن الدكتور المسيري، ص: 419-420.
([49]) ينظر: حوارات المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 156-157.
([50]) الوظيفة الهرمونيطيقية للإبتعاد، بور ريكور، ترجمة: فاطمة الذهبي، مجلة الموقف الثقافي، بغداد، العدد (22)، 1999، ص: 98 -99.
([51]) جمالية التلقي والتواصل الأدبي، هانز روبرت ياوس، ترجمة: سعيد علوش، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد: (38)، 1986، ص: 106.
([52]) ينظر: حوارات المسيري: الثقافة والمنهج، ص: 156.
([53]) التلقي والتخيل، كارل هاينز ستيرل، ترجمة: بشير القمري، مجلة الاقلام، بغداد، العدد (3)،1990م، ص: 22.