
تجلّيات السّلطة الدّينية في الرّواية الجزائرية قضاة الشّرف لعبد الوهاب بن منصور أنموذجا، الأستاذ عبدالله أوغرب، جامعة أبي بكر بلقايد–تلمسان-الجزائر. بحث نشر بكتاب أعمال مؤتمر الرواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي: الجزائر العاصمة 21-22|08|2016 ، ص 123. (للتحميل يرجى الضغط هنا)
عبدالله أوغرب تجلّيات السّلطة الدّينية في الرّواية الجزائرية قضاة الشّرف الملخص :تروم الورقة البحثية رصد تجلّيّات السّلطة الدّينية في الرّواية الجزائرية من خلال العمل الفنّي الموسوم ب”قضاة الشّرف” لعبد الوهاب بن منصور أنموذجا؛والتي تصوّر عوالم معلومة ومجهولة،معقولة وخارقة ،عاقلة ومسكرة؛ليبقى شيخ الحضرة موضعا للسؤال المعرفي/الفلسفي باعتبار تملّكه تلك السّلطة الرّمزية التي جعلته وتجعله و”الزاوية”قمر السلطات ؛فتتراءى من خلال الرواية مفاتيح امتلاك السّلطة الدّينية من حصوله على “الحكمة” وتوفرّه على القدر الواجب من العلم إلى أجواء المبايعة وما تفرضه من إلتزالمات إلى تحقّق النّسب /الأصل الشريف بالرّسول الكريم ؛مع شرط رؤية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لبلوغ الحقيقة التي تغيب بغياب المريد لتلامس الرواية عبق الصّوفية في سفرتها بين الوعي واللاوعي،كما أنّ في “قضاة الشرف” ما يبوح بخطر الصراع على السلطة باسم الدّين وامتزاج الحقيقة القدسية وزيف الحياة الدنيوية من خلال استثمار المقدّس بغرض الامتلاك :امتلاك السلطة،الأرض والعرض .
الكلمات المفتاحية :
-الرواية- الجزائر- السّلطة-الدّين- الحقيقة-المقدّس-Résumé:
Dans cette présente étude, nous tenterons d’étudier les images d’autorité religieuse dans les romans Algériennes à travers le travail artistique intitulé «les juges de l’honneur »de Abdelouahab Benmansour comme un objet de recherche pour savoir tous ce qui est connus et inconnus, raisonnables et surnaturels, conscient et capiteux sur « Chikh El Hadra »,ce dernier reste le cible d’un question scientifique/philosophique à cause de son puissance symbolique qui se pose avec « Zaouïa » comme la lune des autorités dans le roman et dans nos sociétés Arabes.
L’auteur nous donnerons un voyage dans le monde de soufisme qui nécessite des clés/conditions pour avoir le pouvoir dans le « zaouïa » ;c’est à dire :obtenir un don de dieu et un savoir claire et ambigu, ensuite la présence dans un atmosphère d’allégeance et ses obligations imposées ;aussi il faut être de noble extraction et voir notre prophète Mohammad(PSDL)pour la réalisation de la vérité ,cette vérité qui part avec l’absence d’aspirant entre le conscient et l’inconscient.L’efficacité de la religion s’accomplit quand le sacré devient le chemin de vie pas un moyen d’investissement du sacré en possession: avoir le pouvoir, la terre et les femmes ; « les juges de l’honneur» permet de voir le non-dit .
Mots-clés : Roman-Algérie-pouvoir-religion-vérité-sacré
تتوسّم الرواية منذ بداية نشأتها رسم أهمّ الآراء والأفكار الإنسانية بطرائق إبداعية مختلفة إلاّ أنّها تتوحّد في كونها تتّخذ من السّرد الروائي معولها الزئبقي المتأرجح بين الأنا والآخر ،بين الحقيقة والخيال،بين التصريح والتلميح،بين الخير والشر،بين كثير من البينيات المتناقضة تناقض النفس البشرية توجد”الرواية”باعتبارها جنسا أدبيا يتيح لمريديها قدرا هائلا من الرحلات الإستكشافية بين شخوص متنوعة وأماكن متعددة وأزمنة متجددة تحفل الرواية بكلّ المضامين الممكنة إلاّ أنّ كلّ رواية لها من خصوصيات نسيجها ما يخلق منها فرادتها ويميّزها عن غيرها فكريا،ّفنّيا وجماليا.
ثارت الرّواية الجزائرية منذ نشأتها الثورية على كلّ القّيم السّالبة /الهادمة في المجتمع ،تلك التي لا تغرف من التّراث الفكري إلاّ مسبّبات السّبات فوردت الكثير من الأعمال الروائية مواكبة لخط سير مجتمع يتطوّر ويسير نحو الإنفتاح الذي فرضته العولمة فرضا على سكان المعمورة مدفوعا بأبجديات الحداثة إلى محاولة استنطاق هذا التراث وفرزه بعين العقل والفنّ معا.
رواية”قضاة الشرف”لعبدالوهاب بن منصور منتوج روائي جزائري صادر مطلع الألفية الثالثة2001 عن منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين في تسع وسبعين صفحة تتجلى من خلالها معالم الثالوث المحرّم :الدّين،السّلطة والشّهوة ؛فعن الدّين تصوّر الرواية صورة “الزاوية”كفضاء دلالي ومكاني يرمز للدّين ويوثّق أحواله وأحوال المنزوين معه؛كما تشكّل الزّاوية قطبا من أقطاب التآلف المجتمعي في الجزائر،وموقع سلطتها في النفوس قد أكسبها مكانة استراتيجية هامّة في هرم البناء المجتمعي والمؤسساتي لكونها:حاضنة علم ومعول لبناء العقول ولرجاحتها ؛” والزوايا جمع زاوية وهي مأخوذة من فعل زوى وانزوى بمعنى ابتعد وانعزل كما في كتب اللغة،وسميت بذلك لأنّ الذين فكروا في بنائها أول مرة من المتصوفة والمرابطين اختاروا الإنزواء بمكانها،والإبتعاد عن صخب العمران وضجيجه طلبا للهدوء والسكون اللذين يساعدان على التّأمل والرياضة الروحية،ويناسبان جوّ الذّكر والعبادة وهي من الوظائف الإسلامية التي من أجلها وجدت الزاوية “[1]،ليكون موضوع الرواية متجدّدا تجدّد الأنفاس في رحلتها الذاتية المعتقدية، والتي يتغير طعمها بمجرّد الدّخول إلى الخلوة وعوالم الحضرة التي توفره لها الزوايا؛ فالرواية قد أوجدت “الزاوية”كفضاء رمزي/دلالي قد وُظّف لرسم حجم وقيمة “الزاوية” في بلد بحجم الجزائر؛”فهناك فضل لبعض الزوايا البسيطة المتواضعة التي كانت متناثرة كالنجوم في قمر الجبال الشاهقة وفي أقصى الصحراء المترامية الأطراف وكانت تعمل في صمت وخفاء تُعدّ الجيل القرآني داخل تلك القلاع المغلقة”[2]، مغلقة على الأعين إلاّ أنها مفتوحة على العالم بأسرار العلوم، فاتحة بابها لكلّ طارق أو مريد،فلا تزال الجهود مبذولة لتتمكّن الجزائر من ترسيخ هويتها الإسلامية والقيم العادلة؛فبفضل الإسلام استطاعت الجزائر طرد غول استدماري بحجم فرنسا،وبفضل الإسلام كانت الشهادة عنوانا لحياة كلّ شاب جزائري أبى أن يموت فداء للبلاد والعباد تحت راية الجهاد،وبفضل الإسلام حافظ الجزائري على لسانه من التعجيم ؛بل إنّه – الجزائري -قد حارب العجم بأعجميتهم فأبدع على وزن أبجديتهم أعمالا روائية بأنامل من طينة محمد ديب وآسيا جبّار ولقنّهم حتّى” الظاهرة القرآنية” خدمة للإنسانية جميعا؛إلاّ أنّ راهن الإسلام في عالم الألفية الثالثة قد شابه بعض المدلسين ممّن زادوا وزايدوا على الدّين وابتدعوا فيه أشكالا وألوانا فابتعدوا وجعلوا أنفسهم والصّراع في لبّ الحياة والقضية،فتجلّت تداعيات التدليس جليّة في أنماط التطرّف الدّيني المستغلّ لحجم الفراغ الرهيب للإنسان المعاصر المكبّل بالقيود؛فيكون استغلال الفرد ومغنطته ليصبح أداة يُقذف بها كلُّ من لا يخطبُ وُدّهم إذ ينل سخطهم ،فلهم سلطة التكفير كما العفو والغفران ؛ولما كانت الرواية تأشيرة سفر لملامسة وقائع تستعصي على المشاهدة/المعايشة فذلك بفضل سلطة اللغة التي أتاحت لها فرص اللعب على أوتار الأزمنة والأمكنة لتخدش وتخربش وتنعش العقول من خلال قلبها السّردي القادر على جمع جميع المعارف بجموع القرّاء؛حيث”ماكان للرواية لتحتلّ هذه المكانة من الإهتمام داخل حقول الإبداع الأدبي والفني والثقافة العربية المعاصرة بوجه عام لولا الإنجازات الهامّة التي حقّقتها على مستويات عدة تشمل القصة والخطاب والنص معا،وترتبط ارتباطا وثيقا بنبض الإيقاع الداخلي للحياة العربية في أبسط صورها وأعقد تجلياّتها،فحملت بذلك أحاسيس الإنسان العربي وانفعالاته وانشغالاته بقضاياه اليومية والمصيرية في مجالات السياسة والاجتماع.”[3]
دقّت رواية”قضاة الشرف”بحروفها على نموذج السلطة الدينية بالعوالم التي استطاع الكاتب تصويرها؛وذلك بحديثه عن تجاذبات الأفراد الحياتية في”زاوية سيدي أحمد الجبلي” كصورة تخييلية مصغرة لمجتمع كبير في واحدة من أوجه صراعاته على السّلطة؛سلطة على الرغم من رمزيتها إلاّ أنّ هذه الرمزية تفوح منها نسائم القداسة والقوّة.
أما عن الشهوة وتوظيفاتها في عوالم الرواية باعتباره واحدا من الضرورات الحياتية والفنية التي لا يمكن إبعاد ملامحه عن ساحات التواجد،ولكونها غريزة فطرية تشترك الإنسانية جميعها في استنشادها شرعا أو طمعا فتكون السلطة والأرض/المال والمرأة عناوين الولع؛ فتتراءى أشكال التصريح بالرغبة وخطورة أن يكون الدين وسيلة للزواج بالسّلطة والمرأة معا.
لم يكن اعتماد الرواية على العصب الدّيني لسيرورة حيثياتها سوى لكون الدّين أهمّ بوصلة للحياة وبه ومنه وفيه تلتقي الذوات والأفراد والمجتمعات ؛كما أن سلطتي الدّين: العقلية والوجدانية تسمحان له بأن يتقمّر كلّ السلطات، إلاّ أنّ صاحب السلطة الدينية- وهو المعني في الرواية السردية- يبقى نموذجا تخييليا لا يقبل التعميم حتى وإن صوّرته حروف الرواية قد جانب الحقّ والصّواب في طريقة حصوله على السلطة وفي أقواله وسلوكياته التي تنضح وتفضح تعطّشه للسلطة لغايات تتملّكه :”جدّي يحتضر..أبي عند رأسه ينتظر موته ليرث عمامته البيضاء وبرنوسه المصنوع من الوبر وسبحة خضراء مكية،ويعتلي عرش الحضرة.
أبي يستهويه الجلوس على عرش الطريقة،هو الوريث الوحيد لزاوية سيدي أحمد الجبلي.”[4]
عندما يحتضر الجدّ فذلك يعني انتهاء فترة حكم/سلطة رمزية وبوادر قيام أخرى تتخذ من الدّين وسيلة لاعتلاء عرش الحضرة واكتساب السلطة؛بمعنى”إنّ السلطة الدينية تعني –في كلمات بسيطة ودقيقة-أن يدّعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحقّ الإنفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره،وذلك فيما يتعلق بشؤون الدين أو بأمور الدنيا..وسواء في ذلك أن يكون هذا الإدعاء من قبل فرد ،يتولى منصبا دينيا أو منصبا سياسيا،وسيان كذلك أصدرت هذه الدعوى من فرد أو من مؤسسة فكرية أو سياسية.”[5]
فتمّ تصوير “الأب”/الوريث(الحاج محمد) رغم وحدته ورغم عدم وجود منافس له على كرسي عرش الزاوية شغوفا منتظرا أن ينتقل إليه إرث شرف مستمد من الدّين ليصبح صاحب الحضرة والطريقة.
بغرض التأكيد على الدّين وعلى ما يوفّره من سلطة رمزية لحاملها فقد جنّد بن منصور روايته بواحد وعشرين شخصية روائية منها الناطقة ومنها الصامتة،منها من عاشت ومنها من ماتت ومنها من استحقت أن تموت زيادة على حضور الروائي في روايته مرتديا ثوب المتكلم”أنا” المتنقلة من النقيض إلى النقيض: من صاحب للحضرة متمتّع بهيبتها إلى مبعد عنها فحاملها بالنيابة وانتهاء بنفيه من الزاوية؛من القرية”جبالة”إلى المدينة”وهران” ،من الصّحوة إلى السّكر، ومن الرّضى إلى العقوق عبر “تقنية الفلاش باك”التي تلعب بالزمان والمكان فعبر الحديث والاسترجاع الفني يسافر القارئ عبر الرواية مكتشفا “قضاة الشرف” كمنتوج روائي عربي يُعرّف الأشياء بأضدادها لتكون الحروف السردية موثقة لكلّ الموروثات المجتمعية بقيمها وخصوصياتها التي تتبنى إحقاق الحقّ وتسعى لترسيخ مبادئ العدالة مما أصبغ به عبد الوهاب بن منصور عنوان روايته التي جمعت في كلمتين حملتا وجهين متلازمين: قضاة/شرف فلا قضاة بلا شرف ولا شرف بلا قضاة؛ إذ يُعدّ القاضي صمام الأمان للمحافظة على أمن النّاس وتصريف أحوالهم ؛فالقضاة جمع “قاضي :وهو من عيّن من قبل السلطات للفصل في الدعاوى والخصومات إذ السلطان لا يستطيع أن يقوم بكلّ هذا”[6]؛ فيفوّض الحاكم/السلطان/الشيخ من يتولى عنه أمور الرّعية لتكون له سلطة الحكم بما حكم القضاء،حيث” جاء لفظ القضاء في اللغة بمعنى الحكم،والقضاء على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه وكلّ ما أُحكم عمله أو أُتمّ أو خُتم أو أُدى أداء أو أُوجب أو أُعلم أو أُنفذ أو أُمضي فقد قضي.والحكم يأتي بمعنى العلم والفقه والقضاء بالعدل وهو مصدر حكم يحكم.والقضاء يفتقر إلى هذه المعاني الواردة في الحكم من علم وفقه وعدل،فهما إذا متقاربان وكلّ منهما مفسّر للآخر.”[7] فمهما تعددت التوصيفات إلاّ أنّ الغرض الأسمى للقضاء أو الحكم هو تحقيق الحقوق ومحاربة الجور بمختلف تلوّناته؛ “ولعظم شأن العدل في دحض الظلم وأنّهما ضدّان لا يجتمعان وردا في آية واحدة بأمر ونهي.قال تعالى:”إنَّ اللهَ يَأمُرُ بالعَدْل وَالإحْسَان وَإيتَاء ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَن الفَحْشَاء والُمُنْكَر وَالبَغْي يَعظُكُم لَعلَّكُم تَذَكَّرُونَ”(سورة النحل الآية90) “[8] ؛فيُستشفّ إذن من الشقّ الأول من العنوان قضاة أن الكاتب يروم العدل وينشده غاية للوجود الإنساني لا الروائي فحسب من خلال حذفه “ال”الخاصة بالتعريف فوردت “قضاة”نكرة لأنها تختصّ فئة دون أخرى و مجالا دون آخر وأشخاصا ناكرين لذواتهم مجنّدين لخدمة غيرهم،وهذا ما يفضي إليه اقتران الشرف بقضاة التي توسم وتتوسّم في القاضي معاني النّبل وأبجديات الشّرف؛”وتفيد قواميس اللغة العربية أنّ كلمة شرف تدلّ على عدّة معان هي:
1.الحسب بالآباء،يقال شرف يشرف شرفاً،فهو شريف والجمع أشراف،والشرف والمجد لا يكونان إلاّ بالآباء،ويقال رجل شريف،ورجل ماجد،أي له آباء متقدّمون في الشرف،والشرف مصدر الشريف من النّاس،وشريف وأشراف مثل نصير وأنصار،والجمع شرفاء،وأشراف،وقد شرف بالضمّ فهو شريف”[9]؛كما يمكن أن يدلّ الشرف من ضمن ما يعني على:
“2.العلوّ والرفعة،فالشين والرّاء والفاء أصل يدلّ على علوّ،وارتفاع،فالشرف العلوّ،والشريف الرجل العالي،ورجل شريف من قوم أشراف “[10]؛ فتتبدّى من خلال العتبة النصية الأولى للرواية طبيعة قضاة الشرف المعنيين بالمدارسة وهم أبطال الرواية الرئيسيين من(جدّ- أب – حفيد )،شيوخ الزاوية وأصحاب الحكمة الذين يعتبرون قضاة الشرف وحولهم كان موضوع الرواية التي لم تُوظّف رمزية الزاوية إلا للتّأكيد على دورها في المجتمع العربي عموما والمجتمع الجزائري على وجه التحديد.
يستهلّ “بن منصور”روايته برسم إهداء لصديقه المغتال بختي بن عودة*[11] ، فالكاتب من بداية الرواية يمنح القارئ عتبة نصية يستشرف من عليائها ذلك التيار الحداثي الجارف الداعي لتحكيم العقول وفسح المجال لها لتتساءل وتحلل ماذا ورد؟ وماذا يمكن أن يرد؟ وما تجدّد؟وما ينبغي أن يتجدّد؟ من خلال وفاء أخوي ترجمه الروائي في شكل إهداء لقامة عقلية جزائرية تساءلت عن الواقع بين التراث والحداثة التي تستلزم المغامرة بالقفز في عوالم الأسئلة والحقائق،فتساءلت قليلا ثمّ ماتت؛شخصية كتب عنها الصحفي والروائي والشاعر احميدة عياشي قائلا:” ..لم يكن بختي بن عودة مجرد أكاديمي،كان أكاديميا،كان صحفيا لامعا وناقدا أدبيا وفيلسوفا من جيلنا،جيل عزالدين ميهوبي وبوزيد حرزالله وبوزيد بومدين وعادل صياد وعبدالله عبداللاوي ومحمد بوزيان وفوق كل هذا كان طفلا يحمل في رأسه يوتوبيا فاضلة وفي قلبه شعلة قدسية من عالم الجنة..كان لا يخشى الموت،ولا يخشى السلطة ولا رجال اللحظة الزائلين.كان يقدس القراءة ويهيم عشقا بالكتابة،وكان يحب وحبه كان شراهة”[12]؛كلمات تعُرّف بنموذج المثقف النقدي الذي يبحث فصل الحقيقة عن الوهم ،كما يتجلى من خلالها نور وحجم العلاقة الإنسانية التي جمعت هواة الثقافة النقدية بشخصية بختي بن عودة الحداثية الرافضة لكلّ أشكال التزمت والتخندق في غياهب الماضي والتقوقع في شراك الأفكار الظلامية الإقصائية التي تجعل من العقل خاملا لا مسائلا،إذ”كتب بختي بن عودة معرّفا الحداثة:”لحظة فكرية تخالف أهواء الهوية المطلقة وتراهن على العقلنة.حداثة تخرج الفرد من الفردانية إلى المواطنة،من السحري إلى الواقعي لتجعله مالكا للمصير والأصيل بوعي معاكس للمؤسسة “.
ربما كانت هذه الإشارة الدالة إلى الحاجة إلى الحداثة بما هي تحرير للفرد من الإطلاق وتعبيراته وتكريس للعقلنة بوصفها اطراحا للتفسير الغيبي والخرافي للأشياء والظواهر هي التي عجلت بنهايته المأساوية.”[13]
تخبر نهاية بختي بن عودة التساؤلية عن مرحلة ظلامية عاشتها الجزائر تحت نير تطرف مسّ الأفكار فسبّب الدّمار المادي والبشري لاتزال جراحاتها تدمي والعيون تكفكف دمعها؛ فتتبدّى خيوط الرواية شيئا فشيئا إذ يلي الإهداء مدخل كتب فيه بن منصور معلنا بقاء عشق حياة الأسئلة التي ترفض البقاء في التاريخ المحنط والماضي المقولب،تلك المهتمة بالسؤال في السؤال في كلّ الأزمنة فيقول:” ليس مهمّا من أين أجيء..المهمّ هو إلى أين أذهب..”[14].
بين “أجيء” و”أذهب” يتنقّل بنا الروائي الجزائري داخل عوالم السؤال في السؤال من خلال شخوص روائية وأمكنة ليس مهمّا من أين جاءت؟أَمِن الحقيقة أم من الخيال؟ المهمّ عنده عنوان الذهاب ؟واختيار طريق الصّواب(أجيء/أذهب)؛وأحداث جعلت وهران وجها لوجه مع الزاوية؛ومشاهد سردية متجددة تجدّد الأسئلة حول الذات وعلاقاتها مع الله ومع المجتمع ،هذه الذات الباحثة عن السلطة والمرتدية لعباءة الدين،التاركة لروح الأفكار،الرافضة لأشكال القرار،المتشبّثة بالقشور،المهملة للثمار .
فتتجلى معالم السلطة الدينية في الرواية من خلال كلّ ما يجمع ويوحي بسلطة تستمد نبضاتها الكينونية/الوجودية من الدّين فلربّما شكّل فضاء الزواية بما يحمله من دلالات رمزا على قوّة الدّين المادّية والمعنوية وعدم وجود أيّ سلطة تقف في وجه قداسته النورانية.
السّلطة مثلما هي قوّة ظاهرة تعدّ قوّة باطنة تكوّنت بعد أن اجتمعت قواعد بنائها وتشكّلها؛ولتسلّم مقاليد العرش/السلطة كان لابدّ من شروط أبانت عنها حروف”قضاة الشرف” فتجلـــــّت في :
1 – الحكمة :
تعتبر أوّل الشروط وأهمّها؛إذ لاسبيل لسلطة دونها فهي إذن وإيذان بالقبول،فما هي الحكمة؟ما شكلها؟كيف يمكن الحصول عليها؟تساؤلات كثيرة في عبق العالم الصوفي الذي يُشعّ من ثنايا الزوايا فيصّور الكاتب بحروفه قلق السلطة وقلق الحصول عليها قائلا:”جدي لم يسلّم بعد الحكمة إلى أبي،أخي محمد الأكبر الذي كان إلى جواره خرج يدعوني للوقوف أمامه،استغربت الأمر،وأمي طلبت مني ألاّ أدخل،لكن أخي ألحّ عليّ أن أدخل عليه،لآنّه يحتضر.لما دخلت،وجدت أبي يهمس كلاما في أذن جدي لم أتبينه.حين رآني جدي،أبعد أبي بيده اليمنى،ثمّ سلّمها لي لأقترب منه.لم يكن يلزمني كثير من الوقت لأفهم الذي يحدث،أبي لم يعجبه الأمر،فخرج غاضبا يلعن الذرية والزمن.جدتي خرجت وراءه مسرعة،وأعادته إلى الغرفة ليشهد على تسليم الحكمة لابنه(أنا).”[15]
وسط مشهد دراماتيكي يجمع الموت بالحياة والسخط بالرضى والدّهشة بالمعرفة؛فالجدّ يحتضر والأب ينتظر والإبن محمد الأكبر قد أدرك ما يجري حوله،وأنّ الجدّ بامتناعه عن تقديم الحكمة له أو لأبيه فذلك دليل عدم رضاه عليهم لتبوّأ عرش الحضرة فكان له أن قام بإدخال الأخ الأصغر”الكاتب” الذي اعترف بحضوره أجواء انتقال السلطة بقول”أنا”؛فينقل لنا الكاتب مراسيم انتقال الحكمة لأنا كانت جاهلة ولم يلزمها وقت كبير لتصبح عارفة،”الأنا”التي اجتمعت مع الجدّ والأب والأخ والأمّ والجدّة،فقط العائلة الحاكمة:ستّ شخوص روائية هي من حضرت أحداث قفز الحكمة من الماضي إلى المستقبل لأن الحاضر لم ينل الرضى؛لأنّه لم يكن في مستوى الرضى لنيل الحكمة:”جدّي بصق في فمي،وقرأ بعضا من التمائم والأوراد،ثمّ علق السبحة الخضراء المكية على عنقي “[16].
أول إجراء قام به الجدّ وهو يوشك أن يودّع الدنيا بعد أن أزاح ابنه”الحاج محمّد” عن قربه وتسليم يده اليمنى للحفيد وتأكيد رغبته في منح شرف حضرته وسلطته لحفيده “الكاتب/السارد/المتكلم”وقيامه-الجدّ(صاحب الزاوية)-ببصق لعابه في فم حفيده بدلالة الإيمان باحتواء هذا اللعاب الممنوح على منحة البركة والحكمة؛إذ يحفل الجانب الأسطوري/الخارق بمشاهد عديدة تقدّسها موروثات ثقافتنا الشعبية الحافلة بأكثر من احتفال نجد بعضه يتغنى بالبركات بصحبة القصبة والبندير كما الغيطة في أحايين كثيرة:”..وكان سيد الحفل أبي،يرقص حتى الصباح،لا يعرف الراحة حين يسمع المزمار أو”القصبة”.”[17]
لماذا يقترن منح البركة “بالبصق”أو”بالنفخ” كما العملية المصاحبة للنفس؟ مثلما فعل الجدّ في الرواية محلّ البحث؟
إنّ الإجابة تهون وتبرز ساطعة طالما “يجد النفخ الطقوسي استمراريته داخل المتخيل الديني،الكتابي .فيسوع كان يعالج العمى بلعابه ورجل أبي بكر الصدّيق التي لدغتها إحدى الزواحف بغار حراء شفيت بفضل بصق النبي “[18]،ممّا يضفي صبغة القداسة والفعالية على عملية”البصق” خصوصا وأنّ من استخدمها من طينة الأنبياء ؛كما تستدعي الإجابة أيضا استدعاء التراث لثرائه واحتفائه بالطقوس البركاتية؛فذاك معسر يريد بركة في رزقه،وتلك عانس تريد بركة الزواج،وهذه عاقر تريد بركة الإنجاب،فتتعدّد متطلبات الناس بتعدد حاجاتهم ورغباتهم في تعويض النقص الموجود لديهم تحت مسعى الحصول على البركة/المنحة الإلهية،فيكون اللجوء إلى المؤسسات الدينية ممثلة في بعض الزوايا باعتبار كينونتها الرمزية ذات الحمولة الدينية المقدّسة المؤثرة في النفس البشرية المهزوزة؛تلك الواقعة تحت صدمة/محنة الابتلاءات،خصوصا وأنّ هذه النفس المتضمّنة فجورها وتقواها تحمل وجهين دلاليين: “فالنفس في العربية تدلّ على النفخ والنفس مثلما تدلّ على النفس AME وتحيل على إلهام inspiration الشاعر حيث يقال نفس الشاعر والنفس الشعري souffle poétique ” [19] ؛ فيكون الحصول على نفخة أو بصقة من الشيخ بمثابة ولادة جديدة إذ “مع إنسان البركة،قد يقترن النفس بآلة من الآلات،كالغيطة مثلا،ليكون مؤاده الإستعادة الرمزية لمتخيل الولادة القدسية،وقد يقترن اللّعاب ليكون مؤاده إيصال ونقل أسرار البركة المعالجة.لايحيل لعاب البركة على ماء الجسد،مثلما هو عليه الأمر في الحب،بل على الطبيعة الغامضة التي ظلّت تميّز النفخ والبصق “[20]؛إذ يقول إدمون “دوتي بهذا الخصوص إن النفخ souffle والبصق مبدأين حياتيين.لذلك يتمكن البصق من نقل البركة “[21]؛ فتتجلى صبغة القداسة وإعلان ميلاد جديد مغاير لما سبقه بمجرد البصق المتضمن شكل نفخ أيضا ؛ولربما تزداد حجم الدهشة عندما نعرف أنّ بصقة واحدة لها من السّحر ما تخبر به المرء عن أصله وفصول وراثته القريبة والبعيدة” DNA “؛ أما الإجراء الثاني الذي يلي ما قام به الجدّ من بصق هو قراءة بعض من التمائم والأوراد تمهيدا لولادة الحفيد صاحب الحضرة المنتظر مما يؤكد بأنّ هناك علاقة بين النفخ والكلمة إذ “لايخرج فعل النفخ في الآيات التي تذكره عن وضعه المزدوج،فهو إما نفخ للريح المدمّرة أو هو نفخ للبذرة الخالقة،وفي حالته الأخيرة هاته يعرف النفخ نوعا من الإزدواج الخاص:إنه نفخ للروح وهو كلمة ألقى بها الله(وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون).(سورة آل عمران).(يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحقّ.إنّما عيسى بن مريم رسول وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله).(سورة النساء).يشير هذا الإزدواج بين الكلمة ونفخ الروح توترا رمزيا عرفه المتخيل الأسطوري والديني على السواء بين الولادة من الفم والولادة من الفرج “[22].
أمور غامضة تحمل أسرارها نفخة أو بصقة تأخذ صاحبها في رحلة بين الأمكنة والأزمنة وتتقلّب المعطيات بمقتضاها من حال إلى حال؛فتتخطى المعقول كتأكيد على عظيم القدرة الإلهية وعظمة الخالق؛ كما يبقى استخدام البصق سواء علميا أو ميثولوجيا دليلا على ذات بشرية متكوّنة من ذوات متعدّدة ؛هذه الذات البشرية التي اجتهدت ولا تزال باحثة عن الحكمة بمعناها الظاهري والباطني متوشّحة أمل المعرفة المفضية عقلا وروحا ووجدانا إلى القرب من الله وتحقيق وإدراك معنى العبودية والإستخلاف في الأرض بعد أن قرّر عزّ وجلّ ذلك؛مما يحيلنا إلى عالم التصوّف العربي الإسلامي”فما رآه البيروني،مثلا،من أنّ لفظة تصوّف مشتقّة من المقطع الثاني للفظة فلسفة في اليونانية philo-Sophia،ويعني (الحكمة)،يمكن أن يكون قد أسهم في منح الكلمة وضوحا أو تأكيدا يدعم دلالة التصوف فيها.”[23]
إذ ينشد الصوفي الحكمة فلسفة لوجوده الحاضر الغائب أملا في تحصيل خيراتها؛فهي معرفة وإدراك،كما أنّ بحر الحكمة لا يمكن ركوبه إلاّ بمجاهدة الذّات وتطويرها روحيا؛”والصوفية فرسان هذا الميدان وأبطاله بلا منازع،فالصوفي الحقيقي هو الذي يهتمّ بتصفية نفسه،وتزكيتها،ومجاهدتها للإنتقال من النّفس الأمّارة إلى اللوّامة فالمطمئنّة فالراضية فالمرضية،وهو الذي يحارب هواه،ويلجم شهوته المنحرفة،ويتخلّى عن عاداته السيئة،وهو الذي يتبرّأ من حوله وقوّته،ويفوّض أموره لخالقه،متشوّقا لمحبّته سبحانه ومحبّة حبيبه صلى الله عليه وسلم ومحبّة الصّالحين من عباد الله،وهمّه الوحيد الفوز برضا الله تعالى،إذ هدفه الأسمى:”إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي”[24].
الإستقامة في النهج الربّاني هي طريق الحكمة المنشودة عند الصوفية أمّا الإنحراف فهو عنوان من لا حكمة له ولا نهج؛ليكون الّدين إما وسيلة لإبتغاء مرضاة الرّبّ المعبود حقّ عبادته أو يكون وسيلة تربّب العبد الذي اتخذ إلهه هواه:
“مات جدي…أبي يقف عند الباب يمنع خروجنا من الغرفة قبل تسوية الوضع،فهمت ما يقصد: الحكمة .”[25]
تحرّك الأب العملي لغرض الحصول على السلطة بدأ بمجرّد أن مات الجدّ حتّى حاصر جميع من في الغرفة مانعا إياهم من المغادرة لكن المعني الأكبر بعملية الإنقلاب على الحكم هو الحفيد/الكاتب الذي فهم هذه المرّة أن الأب لا يعرف الهزل في أمور السلطة وهو مجبر لا مخير على تسليم الحكمة/السلطة؛فلم تدم على الكاتب برهة من الزمن حتّى تقلّب مركزه كتقلّب السماء في عزّ الخريف فقد كان جوّه مشمسا”عشق المرأة المدينة ؛الأنثى/وهران”،ثمّ جاءت سحب تسليم الحكمة لتمطر السماء بصقة جعلت شمس انقلاب هادئ وسلس تسطع في سماء الحفيد الذي أدرك أن الحكم الذي ما وصل إليه إلا بعد أن تخطى جيلا بكامله(الماضى /المسقبل)وهو ما يعتبر إجحافا في حقّ الحاضر ؛ولابدّ من إعادة الحكم لدورته الزمنية ليصل حظّ السلطة إلى الأب.
“أبي يلبس البرنوس الأبيض،وعلى عنقه علق السبحة المكية،بعد أن بصقت في فمه.كان ذلك بالنسبة لي لعبة،مجرد لعبة..”[26]
يحاول الكاتب أن ينقل الأجواء المكهربة التي حفل بها تسليم عرش الزاوية إلى جوّ آخر ينفي تماما حصول أيّ شيء أمامه؛وبأنه كان يلعب وأنّ اللعبة تتجدّد وتتعدّد ولا تتبدّد ليكون البرنوس والسبحة والبصقة مجرّد ديكور للعبة تلعبها جميع أفراد العائلة كلّما كان هنالك موعد مع موت لشيخ.
2 – المبايعة :
يشكّل مفهوم البيعة والمبايعة في التاريخ الإنساني والإسلامي بالتحديد دلالة عظيمة تنساب منها كلّ معاني العهود والمواثيق وما يشوب عقدها من بنود والتزامات مادية ومعنوية وجب التقيّد بها وعدم الخروج عنها ولعلّ أهمّ نماذج البيعة باعتبارها إجراءا أخلاقيا قبل مادية تجسيده ما حصل مع رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع مطلع بعثته السّماوية ؛بل”إنّ الأنبياء لا يكافحون بمرتزقة يحملون السيف في أيديهم،وإنّما يحاربون برجال يستبطنون الإيمان والشرف في قلوبهم وسلوكهم.وهذا ما تنضح به الكلمات والوصايا والخطب التي وعاها التاريخ في بيعتي العقبة الصغرى والكبرى “[27].
ألا وإنّ للبيعة ذلك الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين فذاك الّذي سعى الروائي الجزائري بن منصور إلى توظيفه سردا ورمزا؛ليضع القارئ في أجواء تتمازج بين قداسة العهد ودنس نكثه،وليكون المتلقي/المثقف مسجلا للحظات استلام السلطة وتقديم الولاءات.
“شجرة الخروب العظيمة تشهد مبايعة أهل جبالة لأبي الغوث”سيدي محمد”،لم أكن أعرف أنّ المبايعة تتمّ بتقبيل الجبهة والكتف،أبي كان يبتسم،دائم الإبتسام،وكثير الإلتفاف نحوي،كنت أقف جواره،وعلى يمينه،ينظر إليّ،ثمّ يمرر كفيه على عينيه،عرفت أنه يمسح دموعا،أنا أعرف أبي في داخله،بنظراته تلك كان يقول لي:”ولد الكلبة ،أراد أن يحرمني منها”..وأقول بداخلي:”لا يهمك أنّك صرتا غوثا،بل المهمّ أنك صرت مهمّا وصاحب الحضرة،وإليك ترجع الأمور،وتفعل ما تشاء “[28]
صورة سردية مشهدية لمبايعة أحد الصوفيين”الغوث”في قرية جبالة والذي كاد يحرم من بهرج الزعامة لولا تجريده لابنه منها والصراع بين الحقّ والباطل،بين التسلّط والإذعان،بين الحياة والموت يلقي بضبابه من خلال حوار مونولوجي داخلي بين صاحب سلطة ومجرّد منها؛إلاّ أنّ سكوت المحروم عن حقّه وبقاءه إلى يمين حارمه له من الدلالة ما يفيد تجنّب الثورة أو المقاومة كإحالة أخرى لرجاحة عقل عليّ كرّم الله وجهه في صراع البيعة مع الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان؛وكذلك لأنّ قاعدة من ليس معي فهو ضدّي تفتح أبواب المحاكمات في وجه كلّ مخالف أو خارج عن الطاّعة؛”ألم يقل أبي أن هذه الشجرة هي شجرة مباركة،لأن تحتها تمت مبايعة عبد المؤمن بن علي أميرا على الدولة الموحدية،وتحتها جلد الخارجين عليه،وكادوا يغتالوه،لولا رفيقه البجائي الذي جاء معه من مدينة بجاية،فنام مكانه تلك الليلة فقتلوه.وتحت هذه الشجرة تمّت محاكمتي،كما تمّت محاكمة المسيردية وأحمد ولد المقدّم بوستة،..”[29]
تتجلى رمزية الشجرة التي يُتبرّك بها في احتواء فضائها الدلالي على كلّ التّداعيات المحيطة بالعالم من أمور الحياة والموت؛فهي المحتضنة لمراسيم تقديم البيعة والولاءات، وتحتها أيضا يعاقب الخارجون عن السلطة،الكافرون بشرعيتها؛فتحمل الشجرة رمز الإزدواجية التي تجعل منها مكانا للثواب والعقاب؛للدخول في الطاعة أو الخروج عنها،فكان بتوظيف الشجرة كمكان والمبايعة كإجراء عملي يُشهر/يعلن استلام السلطة والموافقة عليه من المحكومين،فحلّقت الرواية بين الدين والتاريخ،والدّين والسياسة.
3 – العلـــــــــم :
تتجلى مكانة العلم ومجالات استخداماته لدى السلطة الدينية في صفحات الرواية علىى صورتين متماثلتين:
الأولى ترى في العلم أو في “القرآن”على الخصوص نصوصا حرفية خالية من إعمال العقل والحيوية على مستوى الفهم والإدراك اللازمين،فتكون الصورة نمطية لحياة رتيبة أبت أن تفكر،وفضلت البقاء تكرّر ،وتعيش في ما يسرّ :”جدي،الذي بلغ عدد نسائه تسعا،يؤكد أنه فعل ذلك اقتداء برسول الله،وأنّ له في كل جماع حسنة.وأنا طفل ،كنت أتخيل الملائكة وهي تكتب حسنات جدي وهو ينكح نساءه.حتى فقيه الجامع،سيدي حمزة،وافق على كلام جدي،وأكده في خطبه وحلقاته،فقط لأنه كان يحلم بإحدى عماتي.”[30]
تتبيّن في الرواية ملامح علم الظاهر منه الإتباع لنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم ،إلاّ أنّ السرائر تخفي ما هو أعظم ،فشتّان بين العلم الدنيوي الذي يبتغي عرض الدنيا ومتاعها وبين علم الدّين الملمّ بحقائق الأمور ومدركاتها،وشتّان بين علم خالص جاعل من روح القرآن شرعة ونبراسا وبين علم يحصر الدين في تعدد النساء والولع بهنّ، ومدارسة أحكام العلاقة الزوجية باعتبار النساء حرثا ولاشيء غير ذلك؛فيكون الدّين محتفيا بالزواج فقط:
“ايه،يا سيدي حمزة حفل زواجك لن أنساه أبدا،حضره كلّ فقهاء جبالة ومسيردة وبني واسين،قضوا سبعة كاملة يقرأون القرآن”[31]
يصوّر الكاتب راهن الحال في جمود فهم الدّين لدى شريحة جعلت من القرآن الكريم شكلا ظاهريا يٌقرأ في المواسم والأعراس وفي المآتم وعلى رؤوس الأموات،لتكون”قضاة الشرف”من الروايات التي انسابت حروفها موثقة لمرحلة جمود كبيرة عرفتها مجتمعاتنا العربية ببقائها مشلولة مغلولة في مواجهة تسارع زمني ومعرفي رهيب يفرض معرفة الذات واستثمار المعرفة قولا وحالا وعملا ؛إذ”كيف يشقى المسلمون وعندهم القرآن الذي أسعد سلفهم؟أم كيف يتفرقون ويضلون وعندهم الكتاب الذي جمع أولهم على التقوى؟فلو أنّهم اتبعوا القرآن وأقاموا القرآن لما سخر منهم الزمان وأنزلهم منزلة الضعة والهوان.ولكن الأولين آمنوا فأمنوا،واتبعوا فارتفعوا.ونحن…فقد آمنّا إيمانا معلولا،واتبعنا اتباعا مدخولا.وكلّ يجني عواقب ما زرع”[32]
فالأكيد أنّ قراءة القرآن عمل مبارك إذ أنّ أول كلمة وحي من السماء قد وردت على صيغة أمر إلهي بالقراءة “إقرأ”؛مع شرط التدبّر ،إذ أنّ واجب استيعابه والعمل بأبجديات تعاليمه هو مَن صَنع للأولين سعادتهم وللآخرين تعاستهم التي تُفسّر بابتعادهم عن فهم القرآن واستكناه مضامين أسراره السّارية على البشرية منذ نزوله ولغاية رفعه، فهو كبير على أن يحبس في رفوف المساجد أو أن يزيّن المكتبات،وهو كبير على أن يحصره مجال من المجالات،وكبير قرآن ربّ العالمين على يُصنّف في بوتقة التراث لأنه كبير على الأزمنة وعلى الأمكنة وعلى كلّ العقول المترسبة في غياهب الحرفية التلقينية العنعنية والأسطورية التي اهتمت بالقشرة ونسيت
الثمار؛وكبير على من يجعل منه وسيلة لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها.
“ايه،يا سيدي حمزة؟يا فقيه جبالة،هل تعرف أنّ زواجك من عمّتي فتيحة باطل؟إنّك لم توف مهر زواجك منها..ألم يكن اتفاقك مع جدّي أن أكمل حفظ القرآن كمهر لعمّتي؟حتّى جدّي لم يكن يهمّه أن أحفظ القرآن،لأنّ عينه كانت على خالتك”خيرة”الهجالة،وقد تزوّجها بعد شهرين من زواجك من ابنته “.[33]
البطلان المترتب عن الزواج بين فقيه “جبالة”و العمّة”فتيحة”مردّه القاعدة الفقهية التي تقول بأنّ ما بُني على باطل فهو باطل إذ بناء الزواج قد كان مهره تحفيظ القرآن للحفيد إلاّ أنّ الفقيه أخلّ بالعهد ولم يُسمع صوتٌ للجدّ مما يؤكّد استغلال الدين بصورة براغماتية يجسّدها كلٌّ من”الفقيه حمزة”و”الجدّ” أيضا بصورة ميكيافيلية تشي بواقع عربي مأزوم نقض العهد فأضاع المجد .
أما الصورة الثانية لتجليات العلم فهي تلك العزائم الراغبة في التفكر والتدبر في الجوهر والمظهر معا الداعية إلى إعادة القراءات وتجديد التصورات التي بقيت حبيسة إرث لا غنيمة حرث،فيقول بن منصور:”حكاية لم تنته بعد..قال الفقيه، فيما قال،إنّ إبليس خدع أمنا حواء،فأكلت التفاحة المحرمة خطأ،فعاقبها الله،فأخرجها من الجنة،فسألت الفقيه:-ألم تقل لنا أنّ الله لا يعاقب إلاّ من تعمّد الخطأ،فلماذا يعاقبها إن أكلت التفاحة من غير عمد؟ بصق الفقيه على وجهي،وضرب مؤخرتي بعود من الزبوج حتى احمرّت.فلم أعد إلى الجامع،وكنت يومها قد ختمت جزء”يس” .[34]
إن التفكير موجب للعقاب وللبصق على الوجه؛يصوّر الكاتب أن من يتجرّأ على السؤال بعقلنة منطقية في مواطن العلم الشرعي المشجع بدوره على التأويل وعلى البحث عن دقائق الأمور بتمفصلات سيروراتها التّساؤليّة،فتكون هنالك فرصة لتغيير طعم الحياة بتغير أنماط السؤال وتشجيع المتسائلين ودفعهم على التساؤل إلا أن الكاتب يصوّر نفسه وهو يهان ويطرد بمجرّد أن سأل عند مرتبة السورة التي تقرأ على الأموات رمزا على موت أسئلته في مهد ولادتها .
صورة أخرى لتجلّيات العلم تتمرأى في ما حدث في الزاوية من حديث الخال مولود”وقد أنسى حديثه ذاك الفقيه سيدي حمزة أن يؤذن لصلاة العشاء،فلم يتفطن لها إلا بعد فوات وقتها،فقام للمحراب يلعن إبليس ويخزي الشيطان بصوت مرتفع،حتى أن الحضور اتبعوه في ذلك وأخذوا ينظرون إلى خالي نظرة ازدراء،كأنه هو المسؤول عن ارتكابهم هذه المعصية الجماعية،لكن خالي الذي تحقن الدم في وجهه قام للفقيه و سأله عن أول أمر أنزله الله في القرآن،فأجابه سيدي حمزة بأن الله أول ما أمرنا أمرنا بالعلم،وسكت. فابتسم خالي وتفحص وجوه الحاضرين وقال لهم:-أرأيتهم؟هذا فقيهكم يعرف أن العلم أسبق من أمر الصلاة،ومع ذلك قام بلعن إبليس وبخزي الشيطان،كأنه اقترف ذنبا،إن إبليس نفسه لا يريدكم أن تتعلموا،ويفضل جمودكم في العبادات فقط..”[35]
يقدّم الكاتب رمزية عرفان وإمتنان لشريحة هامة ومحورية من شرائح المجتمع الجزائري التي قدّمت بطريقتها الخاصة أرواحها فداء للجزائر من خلال تقديمه شخصية المجاهد المثقف”الخال مولود” الثائر على فرنسا والثائر على الجمود الفكري والبشري الذي خلّفته وراءها،يصوّره الكاتب عالما بالظاهر والباطن ؛بالأمس قد حمل السلاح واليوم /الحاضر لسانه وقلمه هما أداتا الكفاح فيقول الروائي عن الخال مولود “..حتى أنا زرته مرتين،وفوجئت بكيفية ترتيبه لأثاثه القليل،لكن ما أدهشني وأعجبني في نفس الوقت كثرة الكتب التي كان يملكها ويقرأها،إضافة إلى كراسات وأوراق مصطفة في أناقة،كان يدوّن فيها أفكاره وشهادته،كما قال لي.”[36]
إن خصلة التأويل التي تحلّت بها شخصية”الخال مولود” يعتبرها الكاتب نتاج أناقة معرفية اكتسبها الخال نظير غوصه بين الكتب وذلك بمنهجية مدروسة،أتاحت له صفاء الإدراك المفضي لكتابة الشهادات للتأريخ على اللحظة ؛رغم كثرة الكتب والشِّعَب،مما استدعى الدهشة والإعجاب؛فبعد رؤية العالَم/المقام الذي يأوي الخال”غار تامزرت” أدرك الكاتب منبت المقال الذي لا يقنع بما هو كائن بل يتطلّع أبعد من ذلك غاية؛”على هذا النحو،يغدو التأويل بمثابة حركة منهجية هي أميل أن تكون شاملة كلّ قطاعات المعرفة خصوصا في الدراسات الإجتماعية والثقافية والنفسية إلخ.وهذا بالضبط،ما قطفت ثماره الحركة الصوفية الإسلامية،حين رفعت إلى الصدارة حقّها في أن”تعيش” النص الإسلامي كتجربة فريدة،بعد أن أخذ روّادها يسعون إلى التحرّر من قيود عملية جديدة راحت تتصاعد عمقا وسطحا،وهي تفقيه وتقعيد الدين الجديد بأسسه وفروعه وما بينهما،وذلك على أيدي فقهاء تمسّكوا بحرفية القرآن،وأطاحوا ب”روحانيته” “.[37]
بين ضدّين افترقا في ماهيتهما واجتمعا في حضرة العلم ينشدانه كلّ بنداءه؛أراد بن منصور جمع نوعي المعرفة والترميز لدورهما: الأولى: تلك التي تبدو متاحة/ظاهرة وجليّة، والثانية هي من الله وهبة/غائبة؛ فيعيش الروائي تدرّج المستويات المعرفية لشخوصه الروائية واختلاف أنماطها الفكرية والحياتية بين عالم بالظاهر وعالم بالباطن،بين راغب في السلطة ومبعد عنها،تتبدى حروف رواية تحتفي بالعلم النقي والصّريح وتأمل علم العلم ؛إذ وتلخّص لبّه وفق المنظور الروائي السردي ماقاله الكاتب”على ساحل الغزوات نزل الأنبياء،استراحوا وأكلوا،فرفض النبي يوشع العودة مع رفيقيه،وفضّل البقاء في هذه الأرض -تقول جدّتي-فركب النبي موسى وصاحبه الخضر مركبهما،ونسيا غذاءهما على الشاطئ،فكان غداءهما بركة وخيرا عمّ الأرض-تضيف جدتي وقد أخذ صوتها يتغير-والنبي يوشع ،بقي هنا إلى أن مات،ودفن بقمّة لالا ستي”في مواجهة البحر.[38]
تتبوّأ الغزوات أقصى غرب الجزائر فتبدو في الرواية مطلّة على البحر الأبيض المتوسّط مستقبلة ثلاثة من أعلم النّاس هم:نبي الله موسى وعبد من أعبد عباد الله العالمين سيدنا الخضر عليه السلام والغلام الذي مال الكاتب مع بعض الروايات التاريخية التي أسمت الغلام”سيدنا يوشع”؛وجعلت من شاطئ سيدنا يوشع بندرومة الجزائر محتفظا إلى اليوم باسم النبي تقديسا للمكان ووفاءا لمن أراد البقاء فاستحقّ الخلود في الذاكرة والذّكر والإرتقاء حتّى ولو ميّتا؛إلا أنّ موطن الرمزية يكمن في إشارة الروائي لقصة المعرفة اللّدنية التي كان سيّدنا الخضر أهلا لها وعارفا بأسبابها رغبة في توضيح جوهر المعرفة للعالمين؛”ثمّ إنّ موسى عليه السلام لمّاّ كملت مرتبته في علم الشريعة:بعثه الله إلى هذا العالِم ليعلم موسى عليه السلام أن كمال الدرجة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتطلّع على حقائق الأمور “[39] ؛فيغدو المتعلّم عالما بأبجديات عبودته التي ترتقي والعلم جنبا إلى جنب،كما أنّ دلالة البحث عن العلم بالعلم الذي ورد في الكتاب العزيز الّذي أخبر عن باطن العلم وظاهره؛في رواية عربية في الألفية الثالثة يصبغ قيمة جمالية لحروف تستبطن أسرارها المستغلقة في عالم متفتّح.
4 – الشرف/الأصول :
يتجلّى المنبت /الأصل الكريم والإنتساب إلى أولي الشرف ممّن انتسبت عروق أجدادهم بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كأحد الشروط الواجب توفرها في صاحب السّلطة الدينية؛شيخ الزاوية في رواية الحال،فالإنتماء البيولوجي له وزنه في معادلة السلطة الزاوية:
“عدت إلى الزاوية،كان أبي يروي حكاية أجداده الأشراف.بصوته المبحوح،يتحدث،يسأل،يبتسم،ثمّ يجيب على أسئلته المختلفة..”[40]،سلطة يقول عنها الروائي أنها تمنح لمالكها :قاضي الشرف مرتبة أن يكون الخصم والحكم في آن؛فلا صوت يعلو على صوته الذي جعله الروائي مبحوحا لأن فاقد الشيء لا يعطيه فسلطته مغتصبة وناقصة في عين الكاتب فقط،إلاّ أنّها كاملة في عيون الغير من المبايعين من أهل القرية الذين منحوا السمع والطاعة لمبحوح حائز بحكم أصله الشريف على امتياز السلطة التي تسمح له وحده بالكلام:يتحدّث-يسأل-يجيب؛يعزف شيخ الزاوية على وتر الكلام منفردا لأن انتماءه الشريف في نظر الجميع هو من جعل منه غوثا؛الغوث المدعوم بأسرار الأولياء وبركات الأنبياء؛فيقول الكاتب عن أهل الشرف ولوازمه:
“حليمة الساحلية،الشريفة،تزوجها جدي لأنها شريفة،سليلة الأنبياء والأولياء الصالحين.في كل جبالة ينادونها “الفقيرة الساحلية”،هي صاحبة الحضرة،تعرف البحر وتعشقه،البحر الذي جاء عن طريقه النبي “يوشع”وهو غلام لدى النبي موسىى وصاحبه الخضر..علىى ساحل الغزوات نزل الأنبياء..”[41]
في عوالم الزاوية يلزم الشّرف لتبوّأ السلطة والمرأة أيضا؛فكما أن نيل السلطة محكوم بشرف الحاكم وأصله الثابت،فالزواج أيضا محكوم بالأصل الشريف ولولاه يبطل ولا يتمّ الزواج إلاّ بنقاء العرق والنسب.
ليشير الروائي بأن السّلطة تُعنى بالشرف وتتغنّى بصفائه،إذ أنّ الشرف ميزة الأنبياء والعارفين؛ليكون القارئ بين الحضرة والبحر والثلاثة علماء يلفّهم ضباب؛ويجمعهم خيط الأسرار.
5 – رؤية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء الصالحين :
يتجلّى شرط رؤية الرسول الكريم كأحد الشروط الواقفة لتمام تجلّي السّلطة الدينية ونفاذ قوّتها المستمدّة من فضاء”الزاوية”الروائي والدلالي؛فتغدو رؤية الرسول الكريم تأشيرة قبول الشيخ صاحب الحضرة في رحلته نحو امتلاك السّلطة؛”إنّها لحظة الكشف الربّاني كما ينعتها الصوفية التي تعبر بالمريد نحو إعتلاء مقام المشيخة “[42] ؛كشوف لا يراها إلاّ من تنوّر بنور العلم والمحبّة الإلهية المحمّدية:
“أخذ أبي يقص رؤياه على المريدين والفقراء،وقال ،فيما قال،أن رسول الله جاءه ومعه جمع من الأولياء الصالحين،وعرف كثيرا منهم..وقد عزوه في أبيه..وباركوا حضرتهم..كان الفقراء يستمعون في صمت،على وجوههم تظهر علامات الفرح،ينهي أبي حديث رؤياه بالصلاة على النبي والتسليم لأجداده الأولياء الصالحين” .[43]
يعدّ المريدون والفقراء أهل الزّاوية وشعبها؛فهم الباحثون عن كلّ أنواع الصّلة بالله؛وبحبيب الله محمد ،إذ تغتبط وجوههم بذكره ويبدون التسليم لكلّ الكلام؛إذ لا اعتراض في مثل هذا المقام:”بعدصلاة العصر،ولما كان أهل جبالة والمعزّون يتأهبون لدفن جدّي،وقف أبي على منبر الجامع،وأبلغهم أنّه قرر تأجيل الدّفن إلى ظهر الغد.تساءل بعض الحاضرين..لكن أبي قال أنه فعل ذلك بطلب من أجداده الأولياء الذين جاءوه لتقديم التعازي،ولم يكتف بذلك،بل أضاف أنّ أجداده أمروه أن يدفن أباه في يوم الغد عند الظهر،وسيكونون في استقبال روحه “[44]
كيف جاء الأولياء إلى شيخ الزّاوية؟هل يقظة أو ومناما ؟ماهي الخصوصيات التي أهّلته لرؤية الرّسول الكريم وأولياء الله الصّالحين ؟
هل صحيح أنّه رآى ما رآى أم أنّها أوهام وطقوس الحصول على السّلطة ؟هل صحيح أنّ الأرواح تتنقّل وتعيش وتأمر أيضا؟.
يسافر القارئ إلى عوالم معرفية متعددة تجعل من الرواية سببا في اختراق عوالم روحية تجوب أعماق عقيدتنا الإسلامية وتؤكد إمكانية حصول رؤى ومكاشفات لمن حباهم الله بأسرار علمها؛”ثمّ نجد ابن تيمية يطلق على هذه الخوارق العلمية الواقعة للأولياء اسم المعجزات-متأسّيا في ذلك بالإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ويعتدّ منها ما وقع في قصّة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام فيقول”(وأمّا المعجزات الّتي لغير الأنبياء(من باب الكشف والعلم):فمثل قول عمر في قصّة سارية،وإخبار أبي بكر بأنّ ببطن زوجته أنثى،وإخبار عمر بمن يخرج من ولده فيكون عادلا،وقصة صاحب موسى في علمه بحال الغلام) “.[45]
يشهد تاريخ الإسلام والمسلمين على كرامات أتيحت لمن صدقوا الله وعاشوا محبّته ونجواه؛فغدا المستحيل بأيدي العارفين ممكنا،كما تتوقّف عجلات التّفكير وتعجز التفاسير عن توضيح أسرار أودعها الله في عباد/علماء اصطفاهم بعلمه وعظيم قدرته.
6 – الحقيقة بين الوعي واللاوعي:
تشكّل الحضرة عالم الإنسان الصّوفي الخالص حيث يتّخذ من فنّ الذكر عصب اللقاء بالله في الله؛وهو أمر يعرض الكاتب تفاصيل مشاهده الروحانية:”فارتفعت الأصوات مكبرة،وأعلن عن بداية الحضرة التي ستنتهي غدا مع الفجر.كانت الزاوية تشهد لحظات التجلّي والخشوع في جوّ تعطره رائحة الجاوي والزنجبيل.الفقراء يصطفون في شكل حلقة يتوسطها أبي،يتراقصون،رؤوسهم تتحرك من الخلف إلى الأمام في تناسق عجيب مع أرجلهم وإيقاعات الطبول،يرددون في صوت واحد
– “الله حيّ..الله حيّ..حيّ..حيّ..حيّ..حيّ..الله حيّ..”[46]
تتجلى طقوس :”ليلة الحضرة”؛كــــلَيلة مباركة،ليلة هي في عوالم الصوفية زمن لتنقية دنس البواطن؛أمّا في الرواية فهي حفل يستظهر ذكرا إلاّ أنّ حقيقته:تسليم السّلطة لمن يتوسّط”الحلقة”؛ليلة الحضرة هي نظر الصّوفي فرصة لارتقاء النفوس وسفرتها سفرة مناجاة وعشق لذات الله حتّى مطلع الفجر؛فيعرض الكاتب مراحلها:بدءا بالتكبير”الله أكبر”وتأثير هاتين الكلمتين في النّفوس رهبة ورغبة؛ولتكون الحواس جميعها مصطفة مثلما اصطف الحاضرون مشكّلين”حلقة”:دائرة،مربع أو مستطيل؛وأنوفهم تستنشق بخورا وعطورا؛تراهم يتراقصون بأجسادهم مدّا وجزرا،لينطلق قطار رحلتهم مستحييا:”كان الإيقاع بطيئا،عباءات تهتز في تثاقل،كأنها تخاف هروب الأجساد التي بداخلها،أبي وسط الحلقة كان يهتف :
– “هو..هو..هو..هو..”
تبعته الحلقة،تغير الإيقاع،صار سريعا،كان العرق يغمر الوجوه،العباءات تهتز بسرعة،الأجساد محمومة،الرؤوس تنحني إلى الأمام،ترتفع بسرعة،سقط أبي وسط الحلقة..واصل الفقراء هتافاتهم: “هو..هو..الله حي..الله حيّ” [47]
تتمرأى تقاليد الحضرة من خلال الرواية بمشاهد الرؤوس المنحنية والمرتفعة،كما بحجم الضغط الناجم عن المجهود الحركي والفكري والروحي الذي يقوم به من حضر الحضرة؛إلاّ أنّ لذّة السّقوط كانت طبعا لصاحب الحضرة/الأب بالنسبة للكاتب،حيث كان له موعد مع التجلّيات النّورانية الّتي تقع بغيبوبة “الغوث” واستفاقته منها؛تلاها شرب الشّاي جرعة واحدة ،ثمّ تكون بعدها قصّ الرؤيا لتختم الحضرة بأطباق الكسكسي بعد أن عاد الجميع من رحلة الحضرة.
تروي الرواية أجواء من اصطفوا حول حلقتهم ذاكرين ومهلّلين ومكبّرين؛ ،فتراهم غارقين في بحر موجه الذّكر وشاطئه عشق للذّات الإلهيّة،فيصبح العقل والقلب والروح في اللاوعي؛ تصوّرهم الحروف السردية للحظات كأنّهم سكارى وماهم بسكارى”كما يرشح عن تلك المشابهة:أنّ استهلاك الخمر بالنسبة للخمار الماجن يؤدّي إلى غيبته عن وعيه بالضرورة،وبالمقابل فإنّ ذوق المحبّة الإلهيّة،ومكاشفة الصّوفي للتّجلّيات النورانية،ومعرفته بالحقائق الوهبيّة يؤدّي إلى غيبته عمّا سوى الحضرة،كما يقول أحد المتصوّفة العارفين:(إنّ عند القوم المعرفة توجب غيبة العبد عن نفسه،لإستيلاء ذكر الحقّ سبحانه عليه فلا يشهد غير الله عزّ وجلّ)..”[48]؛ممّا يجعل الصّوفي خارج دوائر الذّات والعيون فتتجلّى أمامه حقائق ودقائق تتخفّى على غيره؛إذ صوّرت الرواية تجلّي الرّسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لشيخ الحضرة معزّيا إيّاه ومباركا دخوله عالم الأولياء والصّالحين أمّا الإبن/الكاتب فانتهى أمره بالنفي من القرية كجزاء إقصائي لا معلّل ليجد نفسه في وهران الباهية وليغيب هو أيضا:”أملأ كأسي ثمّ أشربها جرعة واحدة،أشعر بشيء من الراحة.
-أراك صرت تتلذّذ الخمر،وقد كنت في خطبك تحرّمها وتعدّ الشّاربين من الملعونين.
-كان ذلك في جبالة “[49]
في حوار الكاتب مع صديقه النّادل المنفي الآخر”أحمد ولد المقدّم بوستة” تبرز مفارقات التّحوّل من القرية المنزوية إلى المدينة الملتوية،من السلطة إلى النّفي ومن التّحريم إلى الإستمتاع،من الصّوفية إلى الطّرقية..من الوعي والصّحوة إلى الغفوة والسّكرة.
رسمت الخمرة مكانا في حضرة بن منصور توثيقا لحضورها في عالم الصّوفية العجيب بعلمه والغريب بالدّخلاء عليه من الطرقية المضلّلة الساعية لامتلاك مزايا السلطة.
السّلطة الدّينية وثقافة الإمتلاك :
يهوى الكاتب القفز على الحواجز التي تمنع الفرد من ممارسة حقّه في المعرفة والنقد والسؤال فهو بتصويره لعوالم الصّوفية بحضرتهم
ولطرق تسليم وأخذ السلطة يروم التّأكيد على أنّ سحر السّلطة المصبوغة بلمسة دينيّة لها مريدوها ومستعملوها كما أنّ للدّين أولياؤه ومعتنقيه؛بيد أنّ من يسعى بالدّين للسّلطة جدير به فهم أبجديات الدّين والوعي به والعمل بتعاليمه استنشادا لخير البلاد والعباد لا أن يكون الدّين وسيلة للإمتلاك.
- امتلاك السلطة /الحكم :
تبقى طريقة امتلاك مفاتيح السلطة التي رسمها الروائي بن منصور مثيرة للسؤال عن خطورة/ تبعات وارتدادات انحراف رجل الدّين الظاهري ذو الثقافة الظاهرية القائمة على الإستحواذ على سلطة يفعل لأجل الفوز بسحرها الزئبقي الأفاعيل وبالتالي سقوطه في غياهب عتمة السلطة التي يقرّ الكاتب بأنها لن تفيده في شيء طالما أنّ طريقة حصوله عليها لم تكن بعين الرضى/القبول ولا عن أهلية واستحقاق ؛كما تتبادر نسائم غد مشرق رغم الإختناق الذي يحيا به مثقف عاجز عن الفعل ومحروم من التصديق تحت سماء ظلامية الأفق “..نوارة،أريدك،ابتسمي فقط،علمتني قراءة الإبتسامة،لا أحب أن تدنسك أيدي الآخرين،أعرف أنّ أمي ستصفعني وأبي سيضحك مني ويكتب لي “حرز” الصرع والجنون،أعرف أنّ حرزه لا يفيد في شيء لأنّه لم يتسلّم الحكمة،اغتصبها،أخذها عنوة،صار صاحب الحضرة الآمر الناهي في عرش جبالة،إنك لا تعرفين ذلك،حتى لو أخبرتك به فلن تصدّقيني،ولن يصدّقني أحد .”[50]؛فيرسم عبدالوهاب بن منصور صاحب الحضرة الحقيقي محروما من حقّه في إعتلاء عرش الطريقة،كما جعل المغتصب لهذه السلطة أقرب الناس إليه”الأب” الذي لم يتقبّل طريقة انتقال السلطة لابنه، فكان عليه أن يوجد الحلّ الذي يجعل منه شيخ الزاوية:”صبر أبي لم يدم طويلا،اقرب مني..هادئا،ولم يبتسم كعادته،مدّ يده إلى السّبحة التي في عنقي،أخذها،بقيت جامدا أنظر إليه..”[51]
الأخذ بالقوّة هي سمة المغتصب للسلطة،ليكون الأب ممارسا للسلطة الأبوية التي لا تجوز بموجبها مخالفة ما تراه مناسبا وقد رأت شخصية الأب أنّ هناك إجحافا في حقّها مما دفعه إلى تتبّع أسلوب الأخذ عوض الرضى وهو أخذ ممنهج وواع بشروط ومفاتيح امتلاك السلطة الدينية التي بفضلها يمكن له ممارسة المشيخة،مهما كانت الوسائل والطرق الموصلة إليها:
“شعرت أنّ في ابتسامته خداعا،فلم أبتسم،أدرت وجهي أهمُّ بالخروج،أمسكني من ذراعي،وأعاد رسم ابتسامته قائلا:
– لم ننته بعد.لم أفهم قصده،فبقيت أنظر إليه متعجّبا،اقترب منّي وتساءل:
– والبصاق ؟ ظللت أنظر إليه.- عليك أن تعيد بصاق جدّك،أفهمت ؟ “[52]
قيام “الأب” بأخذ السبحة من عنق الإبن،ومسكه لذراعه،ومنعه من الخروج إستنشادا لإعادة بصقة الجدّ الّتي حوّلت مسارها نحو الحفيد؛كلّها أفعال استقواء على الآخر تشي بالراغب في امتلاك السلطة،تفضحه وتفضح الراغبين في السلطة للتسلّط لا غير .
لم يكن الدّين أبدا وسيلة للإمتلاك ولا للتسلط ،إلاّ أنّ الكاتب بعمله الروائي يحيلنا إلى فئة دخيلة في مجتمعاتنا العربية قد جعلت من الدّين الإسلامي بحكم قداسته وسيلة تبلغ به غاياتها وهي لا تجد حرجا في تبرير أفعالها التي يمشهدها الكاتب في حديثه عن أبيه” الذي كان يقول أن الله أكرمنا بالعقل،ولكن العقل وحده لا ينفع،علينا-يضيف- أن نملك العقل والدهاء، عقل الإمام علي بن أبي طالب ودهاء معاوية،لأنّ الدين وحده لم يعد ينفع المسلمين.ويرى أن معاوية أخذ الخلافة من علي فقط لأنه رجل سياسي،حتى خالي مولود كان يوافقه في ذلك ويقولك”علينا أن نبعد الدين عن السياسة”،لكن أبي كان يلجأ للدين ويعطيه صبغة سياسية،فقط،من أجل بقائه على العرش،الذي أخذه مني،ثم طردني من جبالة لألجأ إلى وهران..”[53]
تتمرأى طرق التفكير الخاصة بهؤلاء العاشقين للسلطة من خلال إدراكهم أنّ ملكتي:العقل والدهاء باستطاعتهما تسريع وتيرة بلوغ السلطة وما الإستشهاد بما حدث بين الإمام علي كرّم الله وجهه والصحابي معاوية بن أبي سفيان إلا استدعاء للتّاريخ ووقوف على حال الأمة الإسلامية بالتأكيد على استمرار صور الصّراع على السّلطة،بل إنّ الروائي يحذّر من الوقوع في شراك الفتنة ومن المتاجرين باسم الدّين الإسلامي الّذين يتّخذونه معولا بأيديهم يستقوون به على غيرهم ويطردون/يقصون كلّ من يرى عكس رؤاهم من ساحات الوجود؛فيصوّر الرّوائي تعاظم القوى المستبدّة برأيها إلاّ أنّ هذه القوى نفسها تبقى بحاجة لمن ينفض عنها غبار الإحتقار ويلبسها ثوب الوقار،فتكون مسيرتهم في رحلة السلطة برغم ما فيها من مطبّات محتاجة لمن يدعمهم ؛”..فقط جدّتي اعترضت على ذلك،وقامت بعد دفن جدّي،بجمع حوائجها.خاف أبي أن تغادره وتغادر جبالة،استلطفها وقبّل رأسها ويديها،أكّدت له أنها ستعود بعد موسم مولاي الأمير عبدالقادر”،أبي قال أنّه سيرحل معها لحضور الموسم.جدّتي لم تمانع، رحّبت بفكرته..[54].
ممارسة الإستقواء على الآخر أمر غير مرغوب فيه،كما أنّ الإستحواذ على السلطة واغتصابها توجب الإعتراض وهو ما قامت به الجدّة”حليمة الساحلية”رمز المرأة الشريفة والنسب الشريف التي جهرت بمعارضتها لما قام به ابنها وأبدت رغبتها في هجر المكان بجمعها لمتاعها متأهّبة للرّحيل،إلاّ أنّ رحيلها عن القرية يبعث على التساؤل الذي تفوح منه رائحة السّخط والإحتقان ؛فرحيل الجدّة إشارة للجميع على أنّ من يمتلك السّلطة لا يمتلك الرضى وهو أمر تفطّن له”الحاج محمد” الذي لعب على أمواج العواطف من خلال سياسات الإستلطاف وتقبيل الأيدي والرأس،كما أنّه كان متأكدا بأنّ رحيل “الأمّ”معناه رحيل سلطته المعنوية والمادّية التي ما فتئت تبدأ أيضا، مما دفعه لمرافقتها للموسم الدّيني حتى يتسنّى له إرجاعها معه مُرجعا معها هيبتها وسلطتها الرمزية كزوجة لشيخ الحضرة الهالك وأمّ لشيخها المالك.
“جدّتي كانت تريد أن أذهب معهما،لكنّ أبي قال أنّي سأخلفه على العرش إلى حين عودته،أعرف يريد إرضائي وإرضاء جدّتي..”[55]؛ ليكون الرضى حجر الزاوية في تولّي الملك/الحكم، فلا سلطة ولا سيطرة بلا حيازة الرضى والقبول مما حتّم على الأب إعمال سلطتي :العقل والدهاء؛ إذ أنّ “التنافس أو الصراع من أجل السيطرة،في المجال السياسي بتعبير موسكا،هو ما سيؤدي إلى ابتكار كلّ طرف لأساليب تساعده على السيطرة،واحتكار السلطة.”[56]
معنى ذلك أن الرجل السياسي لابدّ له أن يكون مطّلعا على مستلزمات السّيطرة الّتي لا تكون لعامة النّاس بل أنّها تختصّ نخبتهم كما قال بذلك “جايتانو موسكا”[57] حيث لا مجال للخطأ في أبجدية السّلطة؛وكلّ فعل أو قول يكون محسوب الجوانب والعواقب،ممّا يجعل من مريد السلطة صانع فرادته عن عموم المجتمع، فيكون شخصا نخبويا مختلفا إذ “تقترن النخبة بالقوة، والجاه،والنسب، والوراثة، والنفوذ،والعلم،والدين،والسلطة،والمجد،والشهرة،والتميّز الإجتماعي الخارق…ومن ثمّ،يحيلنا مفهوم النخبة على الأفضلية والإنتقاء والتميّز والأرستقراطية.كما تعني النخبة،الإصطفاء،الإختيار والتفوّق على الآخرين “[58]
وبالرغم من أنّ الشخصية الروائية “الأب” لم تُصطفى من طرف أبيها إلاّ أنّ زادها التسلّطي قد أهّلها لتبوّأ السّلطة وسط باحة الصّراع ؛حيث امتلك كلّ الأساليب التي جعلته متحكّما في الصّراع وصاحب السّلطة الحاكمة؛حيث “من أساليب الصراع السياسي،كما يعرضهاDuverger : القوة،الطاقة،الحيلة،الجرأة،والخدعة في كثير من الأحيان.في هذا الجرد نكتشف وجها الإله جانوس،أو وجها الصراع،الذي أفضى إلى تضمين السياسة معنى العنف،أو تحميلها مالا تحتمل،أو باعتبار ما يفرزه الواقع،ما نراه،وما نعيشه رجاتاليوم،وجهان متناقضان،لا يمكن الجمع بينهما،لكنهما اجتمعا،أو هو زواج بالإكراه،والغصب “[59].
أما الزواج بالإكراه فيتجلّى في الطريقة التي انتهى بها الصراع الذي كان دائرا بين”الزّاوية”ورابح ولد الطاهر البغدادي؛قائد الحملة ضدّ العرش والذي كان متخّذا من”كهف أغبالو”والشباب المهمّش من الزّاوية أدواتا تمرّدية سرعان ما أفُلت روحها بأفول القائد المنتهي به المطاف كزوج لنوّارة على نفقة الزاوية وبمباركتها.
أمّا الزّواج بالغصب فمثّل رمزيّته الخال ميلود”..الذي كان رفيق أبي أيام الثورة وقائده،والذي اعتصم بغار تامزرت وحيدا بعد سنوات قليلة من الإستقلال احتجاجا-أو هروبا- على بعض ممارسات رجال السلطة،خاصة التصفيات الجسدية التي صارت تهدد كلّ من خالفهم في الرأي،فخالي لا يخرج من غاره إلاّ يوما واحدا من كلّ سنة..”[60]
عرفت الثورة الجزائرية منعرجات مأساوية كادت أن تطفئ لهيبها،والكاتب يجعل الأزمنة مختلفة واقعا إلاّ أنّ المآسي واحدة؛فخاله “ميلود”واحد من ضحايا الإقصاء الذي جعله يهرب من عيون السلطات؛لتكون رمزية الغار دليلا على عدم رضاه بالعالم الخارجي وانكفاؤه على الذات المتأمّلة في نواميس الحياة،والذي انتهى به المطاف إلى حبل المشنقة،حاله حال قدور الكابران.
ب. امتلاك الأرض :
يطرح الكاتب علاقة الزاوية بالسلطة الحاكمة من خلال التعريج للحقبة التي تلت استقلال الجزائر وما حصل للأراضي التي كانت ملكا لشيخ الزّاوية ونزعت منه في إطار سياسة الدولة آنذاك:”لكن بعد سنوات قليلة سيفاجأ بقرارات تأميم أراضيه رغم تدخلات أبي وقدور الكابران،فكاد جدّي يجنّ لذلك،ولم يجد أمامه سوى أبي ليسبّه قائلا له أن من أجل هذا حاربتم وكافحتم؟ثمّ يضيف متسائلا:كيف تأخذون أرضي وتعطونها غيري؟ولمن؟للحركى وأبنائهم؟وكان قد استفاد من أراضي جدّي الكثير من الفلاحين،،فيهم حركي وابن أخيه أحمد التراري،وهذا ما جعل أبي يعيد تدخلاته أمام السلطات، إلى أن استرجعها بعد أربع سنوات .[61]
أثمرت جهود استرجاع الأرض بعد عدول السلطات عن قرار انتزاع الملكية التي كانت قبل أربع سنوات قد قرّرته؛فأعادت لشيخ الزاوية أرضه؛ “..حينها كتب جدّي يحرم فيها بناته من ميراث الأراضي عدا جدّتي،التي تستفيد عند وفاته من ثمن الفوائد،وكانت حجته أنّ أبي هو الذي استرجعها فهي ملك له..[62]
تتغير قسمات المواريث كما تختلّ الموازين المجتمعية زمن العمل خارج إطار الشّرعة الإسلامية التي تأتي قصد تسهيل الأمور الحياتية لا لتعقيدها وحرمان أصحاب الحقوق من حقوقهم؛فيغدوا قضاة الشرف عاملين بما هوت أنفسهم؛مؤمنين ببعض الكتاب ومتجاهلين لبّه ومعناه متجلببين بحجج واهية بعيدة هي عن الإسلام،وهي عن التّصوّف أبعد؛”هاهنا بالضبط يبرز التعريف الذي قدمه سمنون المحب،حين سئل عن التصوّف،وكان قد توفّي قبل عام297ه،فقال:إنّ التصوّف هو* أن لا تملك شيئا،وأن لا يملكك شيء*.أما أبو الحسن النوري(توفي295ه) فقد لامس مسألة الملك والتملّك بصيغة تقترب من تلك.وتلتقي في بنيتها الحاسمة.والنوري هو ابن المرحلة ذاتها،التي عاشها سمنون؛وهذا ما يشي به موقفه،الذي يفصح عن نفسه بأنّ الصوفية*لما تركوا كلّ ما سوى الحقّ،صاروا لا مالكين ولا مملوكين* “[63].
إذا كانت عظمة المسلمين في دينهم،وإذا كانت حكمة العلماء في علمهم،فإنّ شرف الأفراد والمجتمعات يستوجب الإلتزام بعناوين الأمريات الإلهية قلبا وقالبا،وعالم الصّوفيين بلا أملاك ولا امتلاك إذ أنّ أساسه الزّهد عن الدّنيا بالتحرّر من أغلالها،والعمل بما يجعل المرء يرتقي مراتب العبودية سالكا مسالك النّاجين،أمّا الطرقية فأساسها اللعب على الآخر بالضّحك على العقول واكتناز الثّروة.
ج .امتلاك العرض :
تبقى الرواية واحدة من الوسائل التي تتيح لنا التقاط نبضات الواقع والمجتمع معا في ظلّ الموجات المعرفية الهائلة لاستكناه مخلّفات التجارب الإنسانية في شكل السرد الروائي الذي يبحث ويستنطق اللا محكي والمسكوت عنه ،فمثلما يحدث الإبتهاج بصور سردية تمشهد العشق وتمجّد له هنالك أخرى مختلفة تستبطن القلق؛ولها أسلوبها الذي يطرح على بساط المثاقفة إبداعات تهتمّ بإنسانية الإنسان وتوثّق تقلباّت أياّمه بحروف اللغة وبين ثناياها مع العوالم التي يحيا فيها ومعها ولأجلها هذا الإنسان.
فغدت الروايات تشترك كلها في التطرق للمرأة باعتبار سلطتها كمّا وكيفا،مادّيا ومعنويا على الآخر /الرجل الذي تضطرب أمواج لغته وحركته بقدر أمواج بحر المرأة الذي يحجّ إليه الجميع دون تصنيف ولا تكليف لتبقى علاقة الرجل الشرقي بالمرأة تحت مجهر السؤال؛فهل هو الزّواج وحده محدد أصل وفصل العلاقة بين الرجل والمرأة؟؛”ألم يقل جدّي وصهره الفقيه:لكم في النّكاح أجر؟”[64]
ليبقى الممرّ الوحيد لعلاقات إنسانية إسلامية تحفل بالشرف وتقّدّس له وأيّة علاقة أخرى خارج هذا الإطار فهي أمر قميء.
لايوجد أي كلام فوق كلام شيخ الزاوية فهو أدرى وأعلم بما يخفى عن الإدراك وبما يستعصى عن الفهم”فقيه الجامع حاول مرة واحدة أن يعترض على كلام أبي حين قال:-المال والبنون زينة الحياة الدنيا..و أضاف : – والمرأة الجميلة !
لكنّ أبي أقنعه أنّ هذا الكلام سمعه في المسجد الحرام،وهو الذي يحجّ ويعتمر كلّ سنة.[65]
موقع الدين باعتباره حائزا على سلطة معنوية فعالة التأثير في عقول ووجدانيات المجتمعات المتدينة يتيح لممثل السلطة الدينية أن يحوز قوة التأثير هذه ليسكت الجميع لأنه ليس هنالك عاقل يتجرأ على الدين وأهله إلاّ أنّ عبدالوهاب بن منصور يصوّب كلماته نحو أولئك المزيفين من المستمتعين بمزايا سلطة الدين ؛الراغبين في تملّك الحياة بكلّ ما فيها من ملذّات وشهوات فقد:”قالت له ذات يوم قائظ عند العين الكبيرة،بعد أن راودها عن نفسها:
-يا الحاج محمد ،أنت في مقام جدّي..وأضافت بلهجة ساخرة : -أو أنّك نسيت نفسك..إنّي أصغر من ابنتك زليخة.واختفت بين الأحراش.أبي أكل يومها أصابعه..”[66] ؛بين الزواج والاعوجاج يصور لنا الروائي الحالة المزدوجة لصاحب السلطة الدينية المزيّف القابع بين المظهر الورع والقلب الجشع؛بين رؤيته المتصحرّة للمرأة وتعطّشه لها سواء عن طريق الرّابطة الشّرعية”الزواج” أو بطرق أخرى لا تليق بمقام المتعففين العالمين،ليبقى المؤكّد أنّ صلاح الأمم من صلاح علمائها وعفّة الأمم من عفّة أخيارها البائعين لدنياهم، المستترين عن الأعين في نجواهم .
تبقى الحياة متناقضة بتناقض الإنسان فهي بهية ببهائه ،آمنة بأمنه وأمانه؛مرتعدة باضطرابه ورواية”قضاة الشرف” ترصد تذبذب الذوات داخل الذات الواحدة ؛إلاّ أنّ الفرق فيها يكمن في طبيعة الذات المعنية بالمساءلة محلّ البحث وهي ذات صاحب السلطة الدينية أو شيخ الحضرة أو شيخ الزاوية الذي لم يتعب ويغتصب العرش ليطعن في قداسة موقعه ويحرم من سؤل هواه
“هذه الطفلة المسيردية كانت تعرف كيف تجعل أبي يلهث حين يراها،وهو يعترف أنها المرأة الوحيدة التي لم ينلها في جبالة.[67]
تصوّر “قضاة الشرف” رجلا عنيدا مولوعا بالنساء؛فيصوّره الكاتب”يلهث”لحيوانيته التي تهيج بالأخص على من يتمنّعن عن الإنصياع لنزواته التي لم تنل الرّفض إلاّ مع”الطفلة المسيردية” التي لم تأته طوعا بل كرها :
“-غير ممكن..لماذا؟لأنّ أمّك تكرهها،لكنّ أباك يحبّها،ثمّ هل تظنّ أنّه يتنازل هكذا عنها وهو العنيد الذي لاينسى أبدا؟كلّ ما حدث كان أبوك قد درسه ووضع له خطة.والحقيقة أنّه وصل إلى ما كان يريد.-هل تقصد أنّه..
– نعم(يقاطعني ثمّ يستطرد بصوت خجول كأنّه لايرغب في قول ذلك ) : – وأين؟ في الزاوية (ثمّ يقهقه)..[68]؛فلا قداسة العلم ولا المكان،ولا سنين العمر ولا أي إنسان كان رادعا أمام شهوانية الشيخ الذي أصرّ الكاتب على تصويره إسما على غير مسمّى في روايته السردية/ التخييلية،وكشفه لغيوم سلطة تمتّع صاحبها باسم الدّين بما شاء من الشّهوات :السّلطة والمال والنساء لإبراز إنسانية البشر وتفاوتهم في العلم والحكم والبصر؛كما حاول تعريف القارئ بعالم الزاوية الجامع بين المقدّس الإسلامي والمدنّس البشري في رحلات تطهير النفوس وترقيتها روحيا وفكريا وسلوكيا : “-اسمع يا بني..هناك بعض القواعد التي يجب أن نتقيد بها نحن أهل الحضرة وورثة العرش،فحياتنا مهما كانت فهي من أجل الناس،وزواجنا أيضا تحكمه عادات وتقاليد لا نستطيع أن نخرج عنها..ونوارة طفلة جميلة لكنها ليست من الأشراف..وأنت يا بني عاقل ولا ترضى لنا العار..[69]
ساهم الكاتب في منح القارئ رحلة نحو عالم الصّوفية المتشعب بالطقوس والعلوم النورانية التي تصفو بالصّفوة نحو حقائق تختصّهم لذاتهم وعلمهم؛غير أنّ تقلّبات الزّمن ومواجع التاريخ أخرج للواقع زبد الطرقية التي تُظهر نقاء بيد أنّها تُضمر جفاء لكلّ من وعى حقيقة ركوبهم موجة الدّين الإسلامي البعيد عمّا يدّعون،فتطرفّوا عن جوهر نهجه بقيامهم بما يخدم مصالح ذواتهم التسلّطية وتشويه صورة الإسلام الحقيقية؛ولأن الإسلام دين كبير على أن يتطرّف يبقى المصطلح الذي ينسب التطرّف للإسلام تجنّ صارخ على كماله المتجلّي في كتاب الله وسنة نبيّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والرّاسخون في العلم .
كما ساهمت الرواية وستبقى بوسائلها اللغوية والجمالية ولودة مستولدة للدلالات والرموز في رحلتي التوثيق والفكر لمجتمعات إنسانية تسارعت أجيالها وتشابهت أحلامها ومواطن أحزانها.
المصادر والمراجع :
01.الرواية المصدر: عبد الوهاب بن منصور،”رواية قضاة الشّرف”،منشورات إتّحاد الكتّاب الجزائريّين،ط1 ،2001
02.العلامة محمد البشير الإبراهيمي،”الطّرق الصّوفية مقتطفات من تصدير نشرة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين”،مكتبة وتسجيلات الغرباءالأثرية،الجزائر،ط1،2008
03.احميدة عياشي،”باريكاد: بختي بن عودة..حرام أن نتنكّر له يا ناس”،يوميّة الحياة الجزائرية،العدد453،السنة الثانية، 26ماي2015
04.د جميل حمداوي،”سوسيولوجيا النخب،النخبة المغربية أنموذجا”،شبكة الألوكة،ط1 ،2015
05.د جودة محمد أبو اليزيد المهدي،”المعالم الصّوفية في قصّة سيّدنا موسى عليه السّلام”،سلسلة كتب التصوّف الإسلامي،الكتاب24،دط،دبلد
06.سعيد يقطين،”قضايا الرّواية العربية الجديدة الوجود والحدود”،منشورات الإختلاف،الجزئر،ط1 ،2012
07.صلاح بوسريف،”العنف السياسي بين السّيف والميزان”،القدس العربي،العدد7453، 05يونيو2013
08.صلاح مؤيد العقبي،”الطّرق الصّوفية والزّوايا بالجزائر،تاريخها ونشاطها،دار البراق،لبنان،دط،2002
09.د طيب تيزيني،”التّصوف العربي الإسلامي،فرادة في الحضور الوجودي والإستحقاق القيمي”،منشورات الهيئة العامّة السّورية للكتاب،دمشق،ط1 ،2011
10.د عبد الرّحمن إبراهيم عبد العزيز الحميضي،”القضاء ونظامه في الكتاب والسنّة”،جامعة أمّ القرى،ط1،1989
11.عبد المنعم الشنتوف،”18عاما على اغتيال بختي بن عودة:مديح الحداثة”،القدس العربي العدد7453، السنة الخامسة والعشرون،05يونيو2013
12.د علي أبو البصل،”جرائم الشّرف،دراسة فقهية مقارنة”،شبكة الألوكة،دط،2013
- د محمد أحمد درنيقة،”صفحات من جهاد الصّوفية والزّهّاد”،جروس برس،لبنان،ط1 ،1994
- 1 محمّد الغزالي،”مقالات الشّيخ محمّد الغزالي في مجلّة الوعي الإسلامي”،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،الكويت،الإصـــــــــــــــــــــدار 12،2010
15 د محمد عمارة،”الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية”،دار الشروق،القاهرة،ط1 ،1988
16 أد.مختار حبار،”شعر أبي مدين التلمساني الرؤيا والتّشكيل دراسة”،منشورات إتحاد الكتاب العرب،دمشق،دط،2002،
17 .د نور الدين الزّاهي،”المقدّس الإسلامي”،دار توبقال للنشر،المغرب،ط1 ،2005
- .د نور الدين الزّاهي،”المقدّس والمجتمع”،إفريقيا الشرق،المغرب،دط،2011
[1] صلاح مؤيد العقبي،”الطرق الصوفية والزوايا بالجزائر،تاريخها ونشاطها،دار البراق،لبنان،دط،2002،ص301
[2] المرجع نفسه،ص300
[3] سعيد يقطين،”قضايا الرواية العربية الجديدة الوجود والحدود”،منشورات الإختلاف،الجزئر،ط1 ،2012 ،ص91
[4] عبد الوهاب بن منصور،رواية قضاة الشرف،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،ط1 ،2001 ،ص15
[5] د محمد عمارة،”الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية”،دار الشروق،القاهرة،ط1 ،1988 ،ص14
[6] د عبدالرحمن إبراهيم عبدالعزيز الحميضي،”القضاء ونظامه في الكتاب والسنة”،جامعة أم القرى،ط1 ،1989 ،ص44
[7] المرجع السابق،ص23
[8] المرجع نفسه،ص62
[9] د علي أبو البصل،”جرائم الشرف،دراسة فقهية مقارنة”،شبكة الألوكة،دط،2013
[10] المرجع نفسه،ص11
[11] ولد في 28أوت1961بوهران/توفي في22ماي1995 له:أطروحة دكتوراه في النقد الحديث”ظاهرة الكتابة في النقد الجديد،مقاربة تأويلية،الخطيبي نموذجا”وله أيضا”رنين الحداثة1999عن منشورات الاختلاف.
[12] احميدة عياشي،”باريكاد بختي بن عودة..حرام أن نتنكر له ياناس”،يومية الحياة الجزائرية،العدد453،السنة الثانية،ص21
[13] عبد المنعم الشنتوف،”18عاما على اغتيال بختي بن عودة:مديح الحداثة”،القدس العربي العدد7453،السنة الخامسة والعشرون،ص11
[14] عبدالوهاب بن منصور،”رواية قضاة الشرف”،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،الجزائر،ط1، 2001 ،ص05
[15] عبدالوهاب بن منصور،رواية قضاة الشرف،ص16
[16] المصدر السابق،ص 16
[17] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف” ،ص11
[18] نورالدين الزاهي،”المقدس الإسلامي”،دار توبقال للنشر،المغرب،ط1 ،2005،ص73
[19] المرجع نفسه،ص68
[20] المرجع نفسه،ص71
[21] المرجع نفسه،ص71
[22] المرجع السابق،ص74.73
[23] د طيب تيزيني،”التصوف العربي الإسلامي،فرادة في الحضور الوجودي والإستحقاق القيمي”،منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب،دمشق،ط1 ،2011 ،ص104.103
[24] د محمد أحمد درنيقة،”صفحات من جهاد الصوفية والزّهّاد”،جروس برس،لبنان،ط1 ،1994 ،ص10
[25] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص16
[26] المصدر نفسه،ص18
[27] محمّد الغزالي،”مقالات الشيخ محمّد الغزالي في مجلة الوعي الإسلامي”،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،الكويت،الإصدار 12 ، 2010 ،ص31
[28] عبدالوهاب بن منصور،”رواية قضاة الشرف”،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،الجزائر،ط1، 2001، ص19
[29] المصدر نفسه،ص71.70
[30] المصدر السابق،ص10
[31] المصدر نفسه،ص11
[32] العلامة محمد البشير الإبراهيمي،”الطرق الصوفية مقتطفات من تصدير نشرة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”،مكتبة وتسجيلات الغرباء الأثرية،الجزائر،ط1، 2008 ،ص 16
[33] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص11
[34] المصدر السابق،ص10
[35] عبدالوهاب بن منصور،رواية قضاة الشرف،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،ط 1 ، 2001 ،ص68.67.
[36] المصدر نفسه،ص61
[37] د طيب تيزيني،”التصوف العربي الإسلامي،فرادة في الحضور الوجودي والإستحقاق القيمي”،ص120.119
[38] عبدالوهاب بن منصور،قضاة الشرف،ص20
[39] د جودة محمد أبو اليزيد المهدي،”المعالم الصوفية في قصة سيدنا موسى عليه السلام”،سلسلة كتب التصوّف الإسلامي،الكتاب24،دط،دبلد،ص44
[40] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص26.25
[41] المصدر نفسه،ص20.19.
[42] د نورالدين الزّاهي،”المقدّس والمجتمع”،إفريقيا الشرق،المغرب،دط،2011،ص149
[43]عبدالوهاب بن منصور،رواية قضاة الشرف،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،ط 1 ،2001،ص24
[44] المصدر نفسه ،ص23.22
[45] د جودة محمد أبو اليزيد المهدي،”المعالم الصوفية في قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام”،ص25
[46] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص23
[47] المصدر السابق،ص23.
[48]أد.مختارحبار،”شعر أبي مدين التلمساني الرؤيا والتّشكيل دراسة”،منشورات إتحاد الكتاب العرب،دمشق،دط،2002،ص100
[49] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”ص34
[50]عبدالوهاب بن منصور،رواية قضاة الشرف،منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين،الجزائر،ط1 ،2001 ،ص28.27
[51] المصدر نفسه،ص17
[52] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص18
[53] المصدر نفسه،ص70
[54] المصدر السابق،ص28
[55] المصدر نفسه،ص28
[56] صلاح بوسريف،”العنف السياسي بين السيف والميزان”،القدس العربي،العدد7453، 05يونيو2013 ،ص 10
[57] ولد في01 أبريل1858ببليرم-إيطاليا-وتوفي في 08نوفمبر1941بروما،إيطاليا،بروفسور في الحقوق،صحفي وفيلسوف متخصص في العلوم السياسية.
[58] د جميل حمداوي،”سوسيولوجيا النخب،النخبة المغربية أنموذجا”،شبكة الألوكة،ط1 ،2015،ص04
[59] صلاح بوسريف،”العنف السياسي بين السيف والميزان”،ص10
[60] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص61.60
[61] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف”،ص58
[62] المصدر نفسه ،ص58
[63] د طيب تيزيني،”التصوف العربي الإسلامي،فرادة في الحضور الوجداني والإستحقاق القيمي”،ص 105
[64] عبدالوهاب بن منصور،”قضاة الشرف” ،ص11
[65] المصدر السابق،ص12
[66] المصدر نفسه،ص13
[67] المصدر نفسه،ص13
[68] المصدر السابق،ص36
[69] المصدر نفسه ،ص50