الحق النقابي بين الحماية القانونية والقضائية
Le droit syndical entre la protection juridique et judiciaire
د. بلطرش مياسة Dr. Belatrech Myasa (جامعة الجزائر01)
مقال منشور في مجلة جيل حقووق الإنسان العدد 42 الصفحة 81.
Résumé :
Le droit syndical est d’une grande importance qui le distingue aux niveaux international et national. La liberté d’association et d’affiliation syndicale font partie des droits fondamentaux stipulés par les normes internationales et confirmés par les lois et législations nationales.
L’émergence des syndicats est attribuée au mouvement syndical britannique qui a surgi entre la fin du XVIIIe et le début du XIXe siècle. Ainsi, ce droit d’affiliation syndicale est inscrit dans les normes internationales et a été consacré dans la Déclaration universelle des droits de l’homme promulguée le 10 décembre 1948.
En Algérie, ce droit fait partie des droits fondamentaux inscrits constitutionnellement depuis l’Independence, et a été consacré dans l’article 70 de l’amendement constitutionnel de 2020, qui reconnait de nouveau ce droit à tous les citoyens.
Ainsi l’objet de cette communication se rapporte à la protection juridique et judiciaire dont bénéficie ce droit, la problématique s’inscrira autour de la définition du concept du droit syndical et en quoi consiste la protection dont il bénéficie ?
ملخص:
يكتسي موضوع الحق النقابي أهمية بالغة تميّزه على المستوى الدولي والوطني، فحرية تأسيس النقابات والانتماء النقابي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها الوثائق الدولية وأكدتها القوانين والتشريعات الوطنية.
ويرجع الفضل في ظهور النقابات إلى الحركة النقابية البريطانية التي نشأت بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. بحيث، ترسخ هذا حق الانتماء النقابي في الوثائق الدولية وتم تكريسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948.
ويعد الحق النقابي في الجزائر من الحقوق الأساسية المكرّسة دستورياً منذ الاستقلال وتم التأكيد عليه مجددا في المادة 70 من التعديل الدستوري الأخير لعام 2020، وذلك بالاعتراف بهذا الحق لجميع المواطنين.
ولما كان الموضوع معالجة الحماية القانونية والقضائية التي يتمتع بها هذا الحق، فكانت الإشكالية إذن ما هو مفهوم الحق النقابي؟ وفيما تتجلى هذه الحماية التي يتمتع بها؟
مقدمة
تعتبر حرية تأسيس النقابات والانتماء النقابي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها مختلف الوثائق الدولية وأكدت عليها القوانين والتشريعات الوطنية.
ويرجع الفضل في ظهور النقابات إلى الحركة النقابية البريطانية التي نشأت بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. بحيث، ثم ترسخ هذا الحق ليتم تكريسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 ، حيث نصت الفقرة الرابعة من المادة 20 منه: ” لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في إدارة الشؤون الخاصة للبلاد”. أما الفقرة 2 من المادة 23 من نفس الإعلان فتؤكد أن ” لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته”.
كما نصت المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية الصادر في 16/12/1966 على أنه ” تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي : أ-حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها ، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية …(….) جـ – حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية ، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون….”
وفي الجزائر، يكتسي موضوع الحق النقابي أهمية بالغة تميّزه على المستوى الدولي والوطني، ذلك أن الحركة النقابية الجزائرية ظهرت تحت وصاية ورعاية الحركة النقابية الفرنسية لمدة طويلة، فهي منبثقة بالتالي من الحركة النقابية الفرنسية. فكانت في عهد الاستعمار مرتبطة ارتباط وثيقا بالكونفدرالية العامة للعمل الفرنسية CGT التي تأسست في فرنسا عام 1895 واستمر الارتباط بها الى غاية سنة 1956. خلال هذه الفترة، كان العمال الجزائريون يشتغلون بأعمال تتميز بالهشاشة وعدم الاستقرار والأجر القليل والتمييز بينهم والعمال الأوروبيين إلى غير ذلك من المشاكل في العمل وفي الحياة الاجتماعية، كما أنه لم يسمح بظهور أي نوع من النشاط وتم منع العمال الجزائريين بإنشاء نقابة أو جمعية أو المطالبة بأي حق سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فكان الجزائريون محرومين من الحق النقابي.
فعند تأسيس الاتحاد النقابي للعمال الجزائريين UGTA في 16 فيفري 1956 من طرف مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية، حينها انفصلت واستقلت الحركة النقابية الجزائرية عن النقابة الفرنسية. فكان يعتبر الاتحاد العام للعمال الجزائريين منذ نشوئه تحت قيادة عيسات إيدير في خضم حرب التحرير، أول تنظيم نقابي مستقل يهدف الى تجنيد العمال الجزائريين والعمل على انهاء الاستغلال الفاحش للعمال الجزائريين الذي ساد خلال الفترة الاستعمارية.
فكان مهامه مرتبط بالحركة الوطنية والنضال الوطني ضد النظام الاستعماري القائم في الجزائر، بالتالي كان للحركة النقابية الجزائرية لها نشأة ثورية ، كان الاتحاد العام للعمال الجزائر يقوم بنشاطات عديدة تتمثل في الاضرابات والتظاهرات في الشوارع كإضراب عام 1956 من أجل إطلاق سراح النقابيين المسجونين، وفي عام 1957 ، شن إضرابا مفتوحا ليؤكد فيه دعمه لجبهة التحرير الوطني. ويستنتج مما قيل سابقا ، أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين لعب دورا حيويا ونشطا أثناء حرب التحرير من خلال تجنيد العمال أثناء مختلف الاضرابات وخاصة اضراب الثمانية أيام، وكذلك المشاركة الفعلية في الثورة التحريرية والمشاركة في سياسة وديبلوماسية جبهة التحرير في الخارج.
بعد الاستقلال وبعد استعادة العامل لكرامته ومكانته الاجتماعية، ظلت النقابة جزء من السلطة من خلال هيمنة الحزب الواحد صاحب السلطة في الدولة و أصبح دور الاتحاد العام للعمال الجزائريين على الساحة السياسية والتوجهات الاقتصادية أقل فأقل. و بفضل نضالها أثناء الاستعمار، اكتسبت شرعية وجودها من مساهمتها في الثورة التحريرية، وتأكّد لها الحق النقابي بصورة رسمية بموجب الاتفاق المؤرخ في 20 ديسمبر1962 بين الاتحاد والحزب يتضّمن الاعتراف والاستقلالية وبالحق النقابي للعمال.
ومع نهاية الثمانينات عاشت الجزائر أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، وضرورة تبني إصلاحات تجلت في صدور دستور 23 فيفيري 1989 الذي كرس التعددية السياسية والنقابية والقضاء نهائيا على مبدأ الحزب الواحد والنقابة الواحدة والاتجاه الاشتراكي الذي كان متبعا في ظل دستور 1963 كما تم النص عليه في المادتين 39 و 54 اللتان تضمنا مبدأ حرية القيام بالإضراب، مما أدى إلى نهاية هيمنة الاتحاد العام للعمال الجزائريين على العمل النقابي في الجزائر، وظهور نقابات مستقلة في مختلف القطاعات، وخلق ديناميكية جديدة. في هذا الاطار صدر قانون 90/14 بتاريخ 02 فيفري 1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي والذي كرس الحق في تكوين المنظمات النقابية بكل حرية وممارسة العمل النقابي لاسيما المادة 2 منه .و بحسب هذا القانون، تتميز النقابات باستقلاليتها عن الاحزاب أو أي جهة سياسية أخرى.
بالتالي ، أصبح الحق النقابي في الجزائر من الحقوق الأساسية المكرّسة دستورياً تضمنته المادة 53 من دستور سنة 1989 ليشمل هذا الحق العمال والموظفين على حدّ سواء، وجعل من مبدأ الحرية النقابية مبدأ عاماً مطلقاً. كرس هذا الحق في التعديل الدستوري لعام 2020في المادة 70 بالاعتراف بهذا الحق لجميع المواطنين ، والحق في الإضراب طبقا للمادة 71 من نفس التعديل الدستوري بشرط أن يمارس في إطار القانون.
وعليه فلقد اكتست حرية الانتماء النقابي في القانون الجزائري حماية قانونية وقضائية ، فما هو مفهوم الحق النقابي ؟ وفيما تتجلى هذه الحماية التي يتمتع بها ؟
لمعالجة هذه الإشكالية، ستتضمن هذه الدراسة مبحثين أساسيين هما :
المبحث الأول- مفهوم الحق النقابي
المبحث الثاني – الحماية التي يتمتع بها الحق النقابي
المبحث الأول : مفهوم الحق النقابي
لقد شكّل موضوع الحق النقابي محور اهتمام المنظمات الدولیة والسلطات العامة في مختلف الدول المعاصرة التي أحاطته بعدّة أحكام وقواعد أصبحت تكوّن مع مرور الزمن ما یعرف الیوم بمبدأ الحریة النقابیة، ومبدأ الحق النقابي، وذلك بواسطة المواثيق الدولية والدساتير والقوانین الداخلية. هذا ولتحديد مفهوم الحق النقابي ، سيتم احاطة المطلب الأول بطرح مجموعة من التعريفات الفقهية التي حاولت تحديد عناصره (المطلب الأول: تعريف الحق النقابي) ثم التطرق الى النصوص التشريعية التي عالجته (المطلب الثاني: التكريس التشريعي للحق النقابي).
المطلب الأول: تعريف الحق النقابي
قبل التعرض للنصوص التشريعية الوطنية ، تجدر الإشارة الى ان حرية الانتماء النقابي أقرته مختلف أحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية ومن ذلك على سبيل المثال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر 10/12/1948 بموجب المادة 20 منه التي تنص على أن ” لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما”،كما تنص المادة 23 من نفس الإعلان على أن ” لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه”.
اذن ، یعتبر الحق النقابي من الحقوق المعترف بها على المستوى الدولي ویعتبر هذا الحق حقا فردیا للعمال یمارس جماعیا في إطار تنظیم نقابي یهدف للدفاع عن المصالح المشتركة للعمال سواء كانوا هؤلاء العمال ینشطون في مهنة واحدة أو عدة مهن متقاربة، كما یقصد بالحق النقابي أیضا حق كل مواطن تتوفر فیه الشروط القانونیة أن یؤسس نقابة كما له الحق في الانضمام أو الامتناع عن الانضمام إلیها.
بالتالي، يقوم العمل النقابي على فكرة اجتماع أعضاء النقابات معًا لنقاش المستجدات أو أي مشكلات يواجهونها العمال، ومن القضايا التي يتناولها العمل النقابي: الأجور، والمعاشات التقاعدية، والسلامة في العمل، والمعاملة غير العادلة.
فالهدف إذن من إنشاء العمل النقابي حماية العمال من بيئات العمل الشاق وظروف العمل الخطرة والدفاع عن حقوقهم ومنع تعرضهم للظلم أو عدم المساواة، ومع تزايد العضوية في النقابات على مر السنين، انتشر تأثيرها في جميع مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة.
فالنقابة تعرف في المجتمعات سواء الرأسمالية أو المجتمعات الاشتراكية سابقا وفي الفكر الإسلامي على أنها ظاهرة اجتماعية تستمد خصوصيتها من خصوصية المجتمع الذي تنتمي إليه، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال استيراد نموذج نقابي جاهز، وتطبيقه في مجتمع يختلف من حيث نظمه التي تتقاطع مع النسيج المجتمعي. بالتالي فالنقابة في الجزائر تحمل هذه الخصوصية التي تستمدها من الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي من جهة والإطار التشريعي الذي تتحرك ضمنه من جهة أخرى.
إصطلاحا ، تعرف النقابة على حد تعبير الأستاذ جبران مسعود علي معتبرا إياها “إن مصدر النقابة هو نقب وتعني تجمع العمال أو أصحاب المهنة الواحدة أو غيرهم، في هيئات منظمة للدفاع عن الواحدة أو غيرهم في هيئات منظمة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشتركة”1.
كما تعرف بأنها “جمعية تهدف إلى الدفاع عن مصالح أعضائها وتمثيل مهنتهم، وهي مجموعة أفراد يمارسون مهنة معينة، يتفقون فيما بينهم على بذل نشاطهم وجزء من مواردهم، على وجه دائم ومنظم، لتمثيل مهنتهم والدفاع عنها وحماية مصالحهم وتحسين أحوالهم”2.
عرفها الأستاذ محمد أحمد إسماعيل معتبرا أنها تلك المنظمة التي تعتبر الأساس الذي يرتكز عليه في علاقات العمل الجماعية، والتي تتكون بطريقة حرة من جماعة من العمال تمارس نشاطا مهنيا، بقصد الدفاع عن مصالح أعضائها، وتمثيلهم وترقية أحوالهم والتعبير عن إرادتهم على الصعيد المهني والوطني بالمنازعات والمساهمة3.
وما تجدر الإشارة اليها هو أن مصطلح “النقابات العمالیة “من المصطلحات حدیثة النشأة نسبیا ،وبالضبط في بدایات النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ حیث كانت المصطلحات المستخدمة هي: “اتحادات الصناع أو “جمعیات الحرفة “trade clubs” ” أو “أندیة الحرفة cambinatians of journeymen بالمیاومة حیث أن هذه التنظیمات لم تكن نقابات عمالیة بمعناها ،”friendly socities” “أو “جمعیات الصداقة الشامل في وقتنا الحاضر ولكنها كانت تعتبر من بین الإرهاصات التي أدت إلى تشكیل نقابات عمالیة- بهذا المصطلح الحدیث- ، وفي الثلاثینیات من القرن التاسع عشر كان مصطلح النقابات یعني “اتحادات أو “اتحادات العمال من حرف متباینة” ومن ثم نشأ ، ” unions of working class” الطبقة العاملة مصطلح “النقابات العمالیة” وبالضبط في الربع الأخیر من القرن التاسع العشر وأصبح هو المصطلح ( المعترف به في القوامیس والمعاجم والكتب…الخ. (
یعرفها الأستاذ سیدني ویبز بأنها “منظمة دائمة من العمال الأجراء تهدف إلى تحسین ظروف العمل وصیانة العمال من الأخطار التي تداهمهم داخل وخارج العمل”.
يستنتج مما سبق أن النقابة عبارة على انضمام مجموعة من العمال إلى نوع محدد من المنظمات، بغرض تحسين ظروف عملهم، وكذلك لتعزيز المصالح المشتركة بينهم. وتُسمى النقابة أيضاً بـ”الاتحاد النقابي”، أو “نقابة العمال”. من بين مهامها : حل القضايا والمشاكل في مكان العمل وكل ما يخص الأجور والرواتب وساعات العمل والتقاعد والتأمين الصحي والإجازات المرضية والصحة والسلامة في مكان العمل وغيرها من القضايا المتعلقة بالعمل. فهي منظمة جماهيرية يكوّنها ويؤسسها العمال أو ينضموا اليها بإرادتهم الحرة بدون تصريح، ودون تدخل من أى جهة كانت، تهدف إلى تمثيل مصالح العمال في المفاوضات التي تجري مع أصحاب العمل، حول الأجور وساعات وظروف العمل (شروط وظروف العمل)، وغالباً ما تكون مرتبطة بقطاع أو صناعة محددة (غزل ونسيج أو كيماويات أو هندسية .. إلخ).وتمتع النقابة بالشخصية الاعتبارية المستقلة حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المنوطة بها، فلها كيان وشخصية مستقلة عن غيرها ومن امثلة ذلك: أن يكون للنقابة حق المفاوضة الجماعية مع صاحب العمل دون تدخل من النقابة العامة، كما يكون للمنظمة النقابية حق التقاضى دفاعا عن حقوقها ومصالحها والمصالح الجماعية لأعضائها والناشئة عن علاقات العمل.
وتهدف النقابة الى رعاية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم المقررة قانونا، بالاضافة الى تحسين الحالة المادية والاجتماعية للعمال، وتقوم النقابة الى جانب ذلك بتمثيل العمال فى الأمور المتعلقة بشؤونهم في بيئة العمل.
تسعى المنظمات النقابية العمالية لحماية الحقوق المشروعة لأعضائها، والدفاع عن مصالحهم المشتركة، وتحسين شروط وظروف العمل، وتعمل على وجه الخصوص على تحقيق الأغراض التالية: نشر الوعى النقابى بما يكفل تدعيم التنظيم النقابى وتحقيق أهدافه، ورفع المستوى الثقافى للعمال عن طريق الدورات التثقيفية والنشر والاعلام وممارسة الحق فى تنظيم الإضراب السلمى عن العمل وفقا للضوابط التى تنظمها لوائح نظمها الاساسية وغيرها من الأغراض.
وبالرجوع للتشریع الجزائري نجده أنه لم ینص على أي تعریف للحق النقابي على غرار بعض التشریعات المقارنة. فاكتفى بذكر بعض عناصره بأنه تنظيم يعتمد على انخراط حر وإرادي طبقا للمادة 3 من القانون 90/14 الصادر في 02/07/1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، هدفه الدفاع عن مصالح مادية ومعنوية طبقا للمادة 2 من نفس القانون، يشمل العمال والمستخدمين في نشاط واحد أو مهنة واحدة، ويتمتع هؤلاء بحرية الانضمام الفردي الى جمعيات سياسية لكن لا يمكنهم القيام بالعمل السياسي طبقا للمادة 5 من نفس القانون.
المطلب الثاني: التكريس التشريعي للحق النقابي
لقد أعطى المؤسس الدستوري الجزائري أهمية كبرى للحق النقابي وأدمجه ضمن الحقوق الأساسية للمواطن حيث نص عليها في كل الدساتير الجزائرية منذ 1963 إلى الآن بموجب التعديل الدستوري لعام 2020في المادة 70 منه بالنص على ما يلي “الحق النقابي معترف به لجميع المواطنين”.
لقد صادقت الجزائر على مجموعة من الاتفاقيات في مجال الحق النقابي سواء كانت هذه الاتفاقيات لها صلة مباشرة بالحق النقابي أو صلة غیر مباشرة، فمن بین الاتفاقیات ذات الصلة المباشرة نذكر:
الاتفاقیة الدولیة رقم 87 المتعلقة بالحربة النقابية وحمایة حق التنظيم النقابي والاتفاقیة رقم 98 المتعلقة بالتنظیم النقابي والمفاوضات الجماعیة والإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/12/1948.
فقد تبنت الاتفاقیة الدولیة رقم 87 السالفة الذكر مجموعة من الضمانات منها: حمایة الحریة النقابیة على المستوى الفردي بإقرار حق العمال وأرباب العمل دون أي تمییز في تكوین النقابات وحقهم في الانضمام إلیها، حق نقابات العمال وأرباب العمل في إعداد لوائح نظامها الأساسي والقواعد الإداریة الخاصة بها وانتخاب الممثلین بحریة تامّة، عدم جواز حل أو وقف نشاط نقابة العمال وأرباب العمل من طرف السلطات الإداریة، وحق النقابة . في اكتساب الشخصیة المعنویة .
أمّا الاتفاقیة رقم 98 السالفة الذكر التي تتكون من 16 مادّة نصت في مجملها على أهمیة تكریس الحمایة للعمّال ضد أي تمییز من شأنه أن یخرق الحق في الحریة النقابیة في تكوین النقابات والانضمام إلیها بمحض اختیارهم وعدم المساس بالحق في العمل …
بالنسبة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فإنه تم الاعتراف لأول مرة بحقوق الإنسان كمسؤولیة عالمیة إذانا بعهد جدید من التزام الدول بحریات وحقوق الإنسان ویتمحور حول المساواة بین جمیع البشر وأنّه لكل شخص الحق في الانضمام الى نقابة طبقا للمادة 23 من الإعلان.
على المستوى الإقليمي، بعد استقلال الجزائر وخلال المرحلة الاشتراكية، لم یكن یعترف بالحق النقابي بمعناه الثابت في المواثیق الدولیة والاتفاقیات الصادرة عن منظمات العمل الدولیة ذلك أن كل القوانین والأوامر التي صدرت في هذه المرحلة لم تكن تعترف بالحق والحریة النقابیة.
وأخیرا، جاءت مرحلة استقلالیة المؤسسات في التسییر وظهور ما یعرف بالمؤسسة العمومیة الاقتصادیة وخضوعها لقواعد القانون التجاري إلى غایة صدور قوانین جدیدة منذ ومن بین هذه القوانین: قانون 90/14 الصادر في 02 يونيو 1990 المتعلق بكبفيات ممارسة الحق النقابي (جريدة رسمية رقم 23)، الذي يعتبر أول قانون نقابي تعددي في الجزائر يسمح للعمال والموظفين على حدّ سواء بتأسيس عدّة نقابات بلغ عددها في شهر مارس 2018 إلى 64 نقابة موزعة عبر القطاعات المختلفة.
حيث خول المشرع الجزائري في إطار قانون 90/14 بمقتضى المادة 03 منه كل العمال الأجراء والمستخدمین حق تأسیس تنظيمات نقابیة والانخراط فیها إنخراطا حرا وإرادي ، وإسنادا لذلك یظهر جلیا أن الحق النقابي قد أصبح مكفولا ومقررا لجمیع فئات العمال بما في ذلك عمال القطاع العمومي ذلك ما أكدته المادة 35 من الأمر 06/03 الصادر في 15 يوليو 2006 (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 46) المتضمن القانون الأساسي العام للوظیفة العمومیة والقانون 90/11 الصادر في 21/04/1990 المتعلق بعلاقات العمل (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 17) حيث نظم هذا القانون العلاقات الجماعية للعمال ومكن في هذا الصدد المنظمة النقابیة من دور مهیمن حیث منحها المشرع حقا امتیازیا في إبرام الاتفاقات والاتفاقیات الجماعیة كما اعترف للنقابة التمثیلیة ممارسة الحق النقابي طبقا للمادة 5 والتفاوض الاجتماعي والمشاركة في الهيئة المستخدمة والحق في الضمان الاجتماعي والوقاية الصحية والامن وطب العمل والحق في الراحة والمساهمة في الوقاية من نزعات العمل وتسويتها وحق اللجوء الى الإضراب.
أما القانون 90/02 الصادر في 06/02/1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الاضراب (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 6) فقد نص على الحق في الإضراب في الباب الثالث في المادة 24 منه كوسیلة لحل نزاعات العمل الجماعیة والذي یعتبر دوره كآلیة لممارسة الحق النقابي إضافة إلى المفاوضات الجماعیة، حیث خول في هذا الإطار المنظمة النقابیة الدور المهیمن فیه.
وتجدر الإشارة الى أنه منذ صدور قانون ممارسة الحق النقابي في عام 1990 ظهرت إلى الوجود عدد كبير من النقابات وفي كل والمجلس الوطني للتعليم العالي (S.N.A.P.A.P.) القطاعات مثل النقابة الوطنية المستقلة لعمال الادارة العمومية ونقابة الطيارين وتقنيي الملاحة الجوية الجزائرية (S.A.T.E.F.) والنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين (C.N.E.S.) والنقابة الوطنية لموظفي الصحة (C.N.A.P.E.S.T.) والمجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي (S.P.L.A) والنقابة الوطنية للنقل (S.N.P.N.C.A.) والنقابة الوطنية لعمال النقل الجوي التجاري الجزائري (S.N.P.S.P.) العمومية إلى غيرها من (S.T.T) ونقابة عمال النسيج (S.N.J.A.) والنقابة الوطنية للصحفيين الجزائريين (S.N.T.A.) الجوي النقابات، حيث توجد قائمة رسمية نشرتها وزارة العمل والضمان الاجتماعي تحتوي على ست وستين ( 66 ) منظمة نقابية، لكن 30 نقابة فقط استجابت لدعوة الوزارة المعنية لاستيفاء الشروط القانونية للاعتماد الرسمي ، و 17 منها فقط أنهت كل الاجراءات المطلوبة.
المبحث الثاني : الحماية التي يتمتع بها الحق النقابي
يكون الحق النقابي قائما ومعترفا به دوليا و وطنيا وبذلك تفرض عليه حماية وسن القوانين والتشريعات تعزز تلك الحماية الممنوحة للحق النقابي بكامل من الضمانات القانونية ، وتكرس لها آليات على المستويين الوطني والدولي وتكون تلك الآليات عملية تطبيقية وتضع قواعد محل الإلزام في مواجهة التعسف الذي سيطرأ على الحق النقابي. وعليه سنتطرق في دراستنا للمبحث الثاني إلى حماية الحق النقابي من الناحية القانونية )المطلب الأول( وحماية الحق النقابي من الناحية القضائية )المطلب الثاني(
المطلب الأول: الحماية القانونية التي يتمتع بها الحق النقابي
باعتبار أن ممارسة الحق النقابي حق دستوري معترف به لجمیع المواطنین طبقا للمادة 70 من التعديل الدستوري لعام 2020. فلا یجوز بالتالي لأحد أن بمارس أی تمییز ضد أحد العمال بسبب نشاطاته النقابیة، ولقد أقر المشرع جملة من الضمانات التي تعزز احترام الحریة النقابیة، وذلك في الفصل الثالث من المادة 50 الى غاية المادة 57 من القانون 90/14 الصادر في 02 يونيو 1990 تحت عنوان “الحمایة” بالإضافة إلى الإقرار الضمني للضمانات التي أرستها الاتفاقیة الدولیة رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 9 يوليه 1948 في دورته الحادية والثلاثين. ومن بين الضمانات :
– مبدأ المساواة وعدم التمییز، بما أن الأحكام والمبادئ الدستوریة في كافة الدول ومن بینها الجزائر تحتل الصدارة فيسلم التشریع الوطني وهي بذلك تشكل المصدر الأول للقوانین المنظمة لمختلف الأنشطة الوطنیة والحقوق والحریات العامة بما فیها الحریة النقابیة، فقد نص المشرع على أن كل الناس سواسیة أمام القانون، كما تقرر هذا المبدأ في القانون 90/14 الذي يقضي بحضر التمييز بين العمال بسبب نشاطاتهم النقابية طبقا للمادة 50 من القانون السالف الذكر، بالإضافة الى منع الضغط عليهم أو تهديدهم بسبب نشاطتهم النقابية وفق المادة 51.
ونستشف من هذا أن المشرع الجزائري حاول توفیر أكبر قدر من الضمانات للعمال على مختلف حالاتهم القانونیة، وقام بحظر التمییز بین العمال بسبب نشاطاتهم النقابیة، وبذلك یكون قد واكب الضمانات المنصوص علیها في الاتفاقیة رقم 98 المتعلقة بحق التنظیم النقابي والمفاوضات الجماعیة.
– مبدأ الاستقلالیة، نصت علیه المادة 05 من القانون 90/02 بتعزيز مبدأ استقلالیة النقابة في مواجهة رب العمل وكذا المادة 53. فالأساس الدستوري لتبنى هذا المبدأ هو أن المنظمة النقابیة تجسد مصالح وحقوق أعضائها وتعمل على خدمتهم، لهذا یجب أن یمارس أعضائها علیها المراقبة والمحاسبة باعتبارهم أصحاب الحق الأصیل في أسباب وجود المنظمة وغایاتها وهم أفضل من یحدد مصالحها ویحافظ علیه.
حتى یتحقق للمنظمة قیامها بأدوارها طبقا لمصالح وإ رادة أعضائها وحدهم یجب أن تكون مستقلة وأن لا تخضع إلا لإرادة أعضائها وأن تتجنب الوقوع تحت هیمنة أیة مصالح أو حسابات خارجیة سواء كانت من أصحاب العمل أو من الحكومة أو الأحزاب السیاسیة أو من أیة تنظیمات أخرى، وتبرز أهم مظاهر استقلالیة المنظمة النقابیة في الاستقلال المالي فبدون تلك الاستقلالیة یستحیل على المنظمة النقابیة ممارسة الحریة النقابیة بكل مظاهرها.
بالنسبة للحماية المقررة للمندوبين النقابيين، لقد نصت جل الدساتیر العربیة والعالمیة على كفالة الحریات الفردیة ونص بعضها على حریة تكوین النقابات كإحدى الحریات الأساسیة، الأمر الذي تعتبر معه حمایة العامل من أي اضطهاد من جانب الدولة نتیجة لممارسته نشاطه النقابي طبقا للأنظمة والقوانین وهو أمر مقرر ومتفق علیه مع مبادئ الحریات النقابیة.
وفیما یتعلق بمدى كفالة الحق النقابي، فإن القوانین الدولیة كرست حمایة للممثلین النقابیین من تسلط رب العمل، فمن الحالات التي یتعسف فیها رب العمل ضد العامل هو فصله من عمله لأسباب وبواعث نقابیة، حیث تشكل هذه الحالة خطورة على مستقبل العامل المهني من جهة، واعتداء على مبدأ الحریة النقابیة للعمل النقابي من جهة أخرى.
لقد جاء المشرع الجزائري بتفصیل محكم للحمایة القانونیة المقررة للعمال النقابيين حیث قرر حمایة كاملة لهم، وذلك في نص المادة 28 من قانون الوظیفة العامة بموجب الأمر 06/03 والمادتين 53 و56 من القانون رقم 90/14. فلا يجوز للمستخدم أن يسلط على أي مندوب نقابي بسبب نشاطاته النقابية عقوبة العزل أو التحويل أو عقوبة تأديبية كيفما كان نوعها. ويعد كل عزل لمندوب نقابي خرقا لأحكام قانون 90/14 وباطلا وعديم الأثر. ويعاد ادماج المعني بالأمر في منصب عمله وترد اليه حقوقه بناء على طلب مفتش العمل وبمجرد ما يثبت هذا الأخير المخالفة.
وأبعد من ذلك فقد مكّن المشرّع المندوبین النقابیین الاستفادة من هذه الحمایة طول السنة التي تلي انتهاء مهامهم ولم یغفل المشرّع عن مرحلة ما قبل التشغیل حرصا منه على حریة الممثل النقابي في مزاولة نشاطه النقابي .
كما حاول المشرع تكريس الحق النقابي من خلال إرساء جملة من الضمانات التي جاءت بها مختلف القوانين سواء القوانين ذات الصلة المباشرة أو غير المباشر، فمنح حماية للمندوب النقابي لضمان سير الحق النقابي من خلال إعطاء الحق باستعمال وسائل قانونية متمثلة في الحق في الإضراب والحق في المفاوضة الجماعية.
– بالنسبة للمفاوضة الجماعية ، إن استعمال وسيلة للتحاور الجماعي كإحدى الوسائل الهامة لإيجاد حلول في النزاعات القائمة بين المستخدم و المستخدم في شتى المجالات خدمة لمصالحهم و تحقيقا لأهدافهم الرئيسية المحددة وفقا للقانون 90/14 المعدل والمتمم والمتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي.
– أما الإضراب ، فهو الآخر وسيلة هامة لحل الخلافات والنزاعات القائمة بين طرفي العمل الجماعية تتجسد في توقف عن مزاولة العمل لخضوع أصحاب العمل لتلبية مطالبهم الاجتماعية،
غير أنهم إذا قام العامل بإرادته المنفردة بتوقف عن العمل فيعتبر غير مشروع، أضحى الإضراب حق مكرس دستوريا مثله مثل بقية الحقوق السياسية والمدنية …
أكد عليه المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري لعام 2020 بموجب المادة 71 منه على أن ” الحق في الإضراب معترف به و يمارس في إطار القانون .
يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق، أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني والأمن، أو في جميع الخدمات والأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع”.
ويعد الحق في الإضراب حق مشمول في الحق النقابي تطبيقا لهذه النصوص التشريعية السالفة، فقد قام المشرع الجزائري بإصدار القانون90/02 الصادر في 06/02/1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها وممارسة حق الإضراب، فنصت مختلف قواعده على تنظيم حق الإضراب وحمايته من التعسف ، وحماية لحق الإضراب فإن القانون منح حماية للعامل المضرب مثلما تحمي حقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية لكن تبقى ممارسته مرهونة لمبدي احترام العمال و تنظيمات النقابية لما ينظمه القانون 90/02 من شروط وكيفيات.
إذ تتمثل مظاهر الحماية في حضر أي استخلاف للعمال المضربين من قبل صاحب العمل طوال مدة الإضراب مهما كان شكل وهدف الاستخلاف، سواء بتوظيف عمال آخرين أو تحويل عمال وحدة أو ورشة أخرى إلى الورشة أو الوحدة التي يقوم فيها الإضراب، وهذا ما جاء بموجب المادة 32 التي تنص على أن القانون يحمي حق الإضراب الذي يمارس مع احترام القانون.
ولا يقلع الإضراب الذي شرع فيه حسب هذه الشروط علاقة العمل.
ويوقف الاضراب اثار علاقة العمل طوال مدة التوقف الجماعي عن العمل ما عدا فيها اتفق عليه طرفا الخلاف بواسطة اتفاقيات وعقود يوقعونها. كما يمنع أي تعيين للعمال عن طريق التوظيف أو غيره قصد استخلاف العمال المضربين، ماعدا حالات التسخير الذي تأمر به السلطات الإدارية أو إذا رفض العمال تنفيذ الالتزامات الناجمة عن ضمان القدر الأدنى من الخدمة المنصوص عليه في المادتين 39 و40 من القانون 90/02.
المطلب الثاني: الحماية القضائية التي يتمتع بها الحق النقابي
يعد القضاء السلطة المستقلة المختصة بالفصل في القضايا وفق قواعد قانونية ومبادئ المساواة بين الأطراف. أما في المسائل الاجتماعية فهو التنظيم القضائي المختص بالفصل في المنازعات التي تشوب بين العمال من جهة وأصحاب العمل، بعيدا عن الأحكام التعسفية والتجاوزات طبقا للمادة 140 من التعديل الدستوري لعام 2020،لضمان حماية الحقوق الأساسية والحريات طبقا للمادة 139 من التعديل الدستوري بما فيها حقوق العمال المنتهكة من طرف المستخدم بتطبيق عقوبات على مخالفتها. حيث يختص القاضي الاجتماعي طبقا للمادة 500 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في دميع النزاعات المتعلقة بالحق النقابي كما يختص بالفصل في المنازعات انتخاب مندوبي العمال وتلك المتعلقة بممارسة حق الاضراب وتلك المتعلقة بالاتفاقيات الجماعية ، وكل الخلافات الفردية للعمل والناجمة عن تنفيد أو توقيف أو قطع علاقة العمل وبإلغاء العقوبات التأديبية التي قررها المستخدم ضد العامل دون تطبيق الإجراءات التأديبية و/ أو الاتفاقيات الجماعية طبقا للمادتين 20 و21 من القانون 90/04 الصادر في 06/11/1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية للعمل ( الصادر في الجريدة الرسيمة رقم 6). ولقد تم تحديد تشكيلة القضاء الاجتماعي وفقا للمادة 08 من القانون السالف الذكر وتعد المحاكم الاجتماعية محاكم مهنية تتكون من قاض رئيس ومساعدين طبقا لما ينص عليه تشريع العمل طبقا للمادة 502 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
سعى المشرع الجزائري تجسيد خصوصية أحكام قانون العمل لحماية حقوق العمال من تعسف المستخدمين بإخضاع إجراءات خاصة استلهمت قواعده من واقع العمل القضائي خاصة في مجال التسريح نتيجة لأثاره ،إذ تتجلى طبيعته بخروج قواعده الإجرائية وشروط رفع الدعوى وأثار أحكامه بعد الرقابة على التسريح نجد أن المندوب النقابي خصه بحكم خاص عن تسريحه تعسفيا.
-فبالنسبة للقضاء الاجتماعي، سعى المشرع الجزائري بحماية الطرف الضعيف في علاقة العمل من خلال وضعه إجراءات التقاضي بالأخذ بعين الاعتبار حال العامل حماية له خصوصا فيما يتعلق بالتسريح فتميزت المنازعة الاجتماعية بالسرعة في الفصل فيها والسير في الإجراءات المتتالية .
-بالنسبة للاختصاص المانع والحصري للقاضي الاجتماعي، طبقا للمادة 500 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، بحيث تضمنت هذه المادة المنازعات التي يفصل فيها القاضي الاجتماعي دون سواه . فهذه المنازعات لا يمكن أن يختص بها قاضي آخر.
-بالنسبة لميزة القضاء الاجتماعي خضوعه لإجراء المصالحة طبق لأحكام المادة 26 وما يليها من القانون 90/04 ، فإنه يجب على المتقاضين المتخاصمين اللجوء إلى إجراء المصالحة قبل المرور للتقاضي بحيث يتوقف قبول الدعوى على إجراء المصالحة أمام مفتشية العمل المثبت بمحضر توجد مكاتب المصالحة على مستوى مفتشية العمل المختصة إقليميا ضمن دائرة اختصاص المحكمة الاجتماعية مكتب المصالحة باعتباره المختص بالفصل في النزاع طبقا للمادة 36 من القانون السالف الذكر، وفي حالة صدور اتفاق صلح عن هيئة وساطة أوجد المشرع الجزائري ضمانات لتنفيذه آلا وهي الغرامات التهديدية ليكرس الحل المتواصل إليه خارج القضاء.
-بالنسبة لميزة القضاء الاجتماعي أنه قضاء استعجالي، فهو يتميز بطابع السرعة ، بتحديد أول جلسة للنظر في الدعوى خلال 15 يوم من تاريخ رفعها طبقا لنص المادة 505 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بتسجيل الدعوى القضائية بمكتب أمانة ضبط المحكمة، على خلاف القضايا العادية التي تبرمج خلال مدة 20 يوم على الأقل، كما تتجلى السرعة في القضاء الاستعجالي بإلزام المشرع الجزائري هذا الأخير بالفصل في الدعوى في أقرب الأجال طبقا للمادة 505 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
-بالنسبة لمجال رقابة القاضي الاجتماعي على التسريح التعسفي، يقوم القاضي الاجتماعي ببسط رقابته على صحة التسريح التأديبي بالنظر في صحة الشروط الإجرائية و في مراقبة صحة الشروط الموضوعية. بالنسبة للأولى، يقوم القاضي الاجتماعي بمراقبة مدى الصحة القانونية للسلطة المؤهلة لتوقيع الجزاء ومدى احترام حقوق الدفاع وعدم الجمع بين العقوبة التأديبية والجزائية، ومدى احترام مهام توقيع الجزاء التأديبي.
-بالنسبة لرقابة القاضي الاجتماعي لصحة الإجراءات، فتنظر مثلا المحاكم الاجتماعية في الدعاوى ابتدائيا و نهائيا التي تكون محل مطالبة العمال بإلغاء العقوبة التأديبية المتخذة من طرف المستخدم دون تطبيق الإجراءات وهذا بموجب المادة 21 من القانون 90/04.
كما يراقب القاضي الاجتماعي النظام الداخلي للهيئة المستخدمة وما تتضمنه من إجراءات تأديبية.
بالنسبة للرقابة القضائية على ضمان حقوق الدفاع، يقوم القاضي بالنظر في مدى صحة الضمانات الإجرائية لحقوق الدفاع الممنوحة للعامل، المتابع بارتكاب خطا جسيم فيبدأ بإعلامه ويليه استدعائه بعامل أخر وتبليغه كتابيا بالتسريح. فيما يخص المندوب النقابي فعلى القاضي التأكد من إعلام المنظمة النقابية الذي يعد إلزاميا والتي جاءت به المادة 54 من القانون 90/14 .
بالنسبة للرقابة على مبدأ عدم الجمع بين الجزاءات التأديبية، لقد استقر القضاء الاجتماعي على عدم الجمع بين عقوبتين تأديبيتين للعامل المرتكب للخطأ باعتباره مخالفا للمبادئ القانونية العامة طبقا لقرار المحكمة العليا الصادر في1992/01/29.
-بالنسبة لرقابة القاضي على مهلة توقيع الجزاء، فسلطة المستخدم مقيدة في اتخاذ إجراءات التأديب والقانون 90 /11 المتضمن علاقات العمل لم ينص على مدة التقادم لتوقيع العقوبة عن الخطأ المرتكب.
بالنسبة للرقابة القضائية على الشروط الموضوعية ، وردت الأخطاء الجسيمة في نص المادة 73 مكرر 1 من القانون 91/28 المعدل والمتمم للقانون 90/04 الصادر في 21/12/1991 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل ( الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68) الذي نص على الأخطاء الجسيمة التي يحتمل عنها التسريح بدون مهلة وبدون علاوات مثلا .
– إذا رفض العامل بدون عذر مقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية أو التي قد تلحق أضرارا بالمؤسسة والصادرة من السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية للسلطة.
– إذا أفشى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا وطرق الصنع والتنظيم أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة إلا إذا أذنت السلطة السلمية بها أو أجازها القانون.
– إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا لأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال-إذا قام بأعمال عنف. –
إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والألات والأدوات والمواد الأولية والاشياء الأخرى التي لها عالقة بالعمل
– إذا رفض تنفيذ أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به.
– إذا تناول الكحول أو والمخدرات داخل أماكن العمل.
تنصب هذه الحالة عل الرقابة على الوصف أو التكييف الذي يعطيه المستخدم للخطأ فيتحقق القاضي من مدى تناسب الخطأ المرتكب مع العقوبة و التأكد من الظروف ودرجة خطورة الأضرار الناتجة عن المؤسسة و سيرة العامل المهنية إلى غاية ارتكاب الخطأ و بذلك تعد ضمانة كبيرة في يد العامل، وللقاضي السلطة الرقابية في تحديد الخطأ ووصفه وتكييفه إن لم ينص عليه في النظام الداخلي.
الخاتمة
من بين المشاكل والعراقيل التي قد تعيق ممارسة الحق النقابي: عدم تمثيلية القيادات النقابية للقاعدة العمالية و يعود ذلك لعدة عوامل منها انتماء القيادات لمجالات و مسارات مهنية و مستويات مهارية مختلفة عن القاعدة، وصول القيادات إلى المناصب القيادية من خلال عمليات انتخابية شكلية لا ديمقراطية يتم خلالها تجاوز القواعد الرسمية و اللجوء إلى منظومة العلاقات غير الرسمية، حيث تلعب مقاييس : الجهوية، المحاباة، رأس المال العلائقي، المحسوبية،… دورا كبيرا و تجعل من القيادات فئة متميزة، و تقود في ذات الوقت إلى تكوين بيروقراطية نقابية. الى جانب ذلك عدم توفر المهارات اللازمة لدى غالبية القيادات المحلية لتمثيل العمال و تسيير التنظيم بفعالية، بسبب غياب التكوين والملتقيات التي تمكن الـقيادات والممثلين النقابيين من اكتساب الخبرة والمهارة اللازمتين لتمثيل القاعدة العريضة والمحافظة على مصالحها، وهو ما أدى إلى اللجوء إلى أساليب غير رسمية في التعامل مع الأجهزة و الأطراف الخارجية. وكذا في تسيير الـمـفاوضة وتمثيل العمال، الشيء الذي فتح المجال واسعا أمام نمط التسيير البيروقراطي، كما يقود إلى تكوين فئة أو أقلية متميزة من الاطارات النقابية بفعل امتلاكها رأسمالا علائقيا. كذلك من بين المشاكل ضعف التماسك الداخلي وغياب التنسيق والانسجام بين الهياكل المحلية، نظرا للتوترات والصراعات الداخلية الناجـمــة عــن اخـتــلاف رؤى ومطامح الفئات والهيئات المختلفة.
فالعمل النقابي الناجح، هو الذي يقوم على أسس وقواعد نضالية وخطة عمل كفاحية، واستراتيجية عملية تنسجم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمتغيرات والمستجدات التي تعيشها الطبقة العاملة.إن التفكير في بدائل أخرى للحوار والتشاور وفرز قواعد قانونية جديدة تحمي وتكرس الحق النقابي في ظل تزايد دور القطاع الخاص الوطني والأجنبي في بلادنا، أصبح أكثر من ضرورة بالنسبة لمستقبل الأفراد سواء كانوا عمالا أو أجراء أو أصحاب عمل أو شباب يبحث عن مواطن الشغل، وعليه نرى ضرورة اقراح ما يلي: إلغاء إجراء التصريح المسبق والاكتفاء بإيداع الأوراق القانونية للنقابة حتى تصبح كيانا قانونيا كما هو الحال في فرنسا، إلغاء شرط اكتساب الجنسية الجزائرية من عشر سنوات لإنشاء نقابة وتقييدها بفترة معقولة، تشجيع البحث الجامعي في مجال التشريع الاجتماعي وتحفيز فتح الفضـــــــــــاء الجامعي للمتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين أسوة بما يقوم به المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي يخصص سنويا موضوعا يخص علاقات العمل ومنظومة التشريع الاجتماعي ويقدم إقتراحات، تشجيع العمل المشترك بين المنظمات النقابية للعمال، فصل العلاقة بين التمثيل النقابي وتسيير الخدمات الاجتماعية وجعل هذه الأخيرة تخضع لمنظومة تسيير مستقلة وبم ا رقبة السلطات العمومي وهذا مرهون بوجود كوادر نقابية مؤهلة وقادرة على تحقيق الأهداف، بعيداً عن أية نزعات ومصالح ضيقة حزبية… وخاصة عندما تكون على أسس ديمقراطية، وتقوم على مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر، والتقبل ورحابة الصدر واستيعاب الاجتهادات والأفكار في طرق وأساليب العمل النقابي، ورفض الخلافات التي لا ترتبط بالعمل النقابي، سواء الشخصية أو غيرها، التي تُنشئ صراعات في التنظيم النقابي، والتي تنعكس سلباً على أداء العمل النقابي، وتضعف قدرة الحركة النقابية على تحقيق أهدافها بالوصول إلى النتائج المتوخاة،
إن استقلال نشاط النقابة يجب أن يكون بعيدا عن تأثيرات النظام السائد في الدولة، وأنه تكريسا لحق العمال في الدفاع عن مصالحهم عرف المجتمع الدولي ما يسمى بالحرية النقابية والتي تعني حرية أفراد كل مهنة في تكوين نقابات تتمتع باستقلال تام بداية من تكوينها وادا رتها حتى انتهاء عضوية العمال بها أو حلها، وهذا المبدأ كما أ رينا يكتسي أهمية خاصة في التشريع النقابي ويعتبر مظهرا من مظاهر الحماية لذا عنيت بها منظمة العمل الدولية فخصصت لتقريرها وتأكيدها اتفاقيات وأنشأت بشأنها جهازا خاصا ملحقا بالهيئة الدولية للرقابة على احترام هذه الحرية في تشريعات وأنظمة الدول المختلفة.
وفيما يخص الحل القضائي نرى أن المشرع الجزائري كان جد حريص على هذا المبدأ، إذ وفر الحماية اللازمة للمنظمات النقابية خوفا من تعسف السلطات الإدارية، هذا لا يعني نشاط النقابة خارج القانون، وبالتالي يكون الحل القضائي هو الأمثل للطرفين بمعنى يحمي النقابة من التعسف وتباشر نشاطاتها كما ينبغي، وكذلك يتسنى للجهة الإدارية متابعة المنظمات النقابية بصفة قانونية.
قائمة المراجع :
أولا –الاتفاقيات الدولية
-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948.
– العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية الصادر في 16/12/1966.
– الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالتنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية والإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/12/1948.
ثانيا- النصوص القانونية الداخلية
–التعديل الدستوري لعام 2020 الصادر في أول نوفمبر 2020.
– قانون 90/14 بتاريخ 02 فيفري 1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي.
– القانون 90/11 الصادر في 21/04/1990 المتعلق بعلاقات العمل (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 17).
– القانون 90/02 الصادر في 06/02/1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الاضراب (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 6).
– القانون 90/04 الصادر في 06/11/1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية للعمل ( الصادر في الجريدة الرسيمة رقم 6).
– قانون 98/08 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
– القانون 91/28 المعدل والمتمم للقانون 90/04 الصادر في 21/12/1991 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 68).
– الأمر 06/03 الصادر في 15 يوليو 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظیفة العمومیة (الصادر في الجريدة الرسمية رقم 46).
ثالثا : الكتب
. – بورزيق خيرة، الحق النقابي بين قانون العمل في الج ا زئر والاتفاقيات الدولية للعمل، مذكرة لنيل شهادة ماستر، تخصص قانون اجتماعي، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الطاهر مولاي، سعيدة 2014، ص16.
– محمد أحمد إسماعيل، مبدأ الحرية النقابية لمنظمات العمل، دار النهضة العربية ، د س ن ، ص . 1
رابعا :المذكرات
— مناصرية سميحة، الحرية النقابية في الجزائر، مذكرة لنيل شهادة ماجستير، تخصص قانون دستوري، كلية الحقوق، جامعة الحاج لخضر، باتنة ، 2012 ، ص8.