
بتاريخ 3 فبراير 2023، أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ندوة علمية افتراضية تحت إشراف رئيسته الأستاذة الدكتورة سرور طالبي، وبإدارة رئيسة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية د.غزلان هاشمي، تكريما لعضو لجنة التحكيم الباحث المغربي البروفيسور عبد الرحمن إكيدر، نظير جهوده المبذولة في المجلة، حيث تمت فيها مناقشة كتابه الموسوم بـ “التعليق عند عبد القاهر الجرجاني دراسة في التماسك النصي“، وحاضر فيها كل من د.فيصل أبو الطفيل ، ود.رضوان كعية، ود.محمد المعروفي من المغرب.
افتتحت الأستاذة سرور الجلسة مرحبة بالمحتفى به وبالسادة الأساتذة المحاضرين وبالحضور، مؤكدة على أن هذه الندوات تقام احتفاء بمنجزات أسرة المجلة وتكريما لجهودهم الكبيرة في المجلة، ثم أحالت الكلمة إلى رئيسة الجلسة التي رحبت بدورها بالحضور وعلى رأسهم المحتفى به والمحاضرين وكذلك أ.د. محمد جواد البدراني من العراق والأستاذ أحمد الحاج من العراق وأ.د. آمنة بلعلى ود. محمد جلاط من الجزائر، حيث أثنت على جهود البروفيسور إكيدر النوعية وعلى تعاونه الدائم وحرصه على الإسهام في التحكيم بهمة عالية وهو ماجعله من أنشط وأهم المحكمين حسب وصفها.
ثم أحيلت الكلمة إلى البروفيسور عبد الرحمن إكيدر والذي قدم ملخصا حول كتابه بين فيه أن العديد من الدراسات العربية الحديثة اتجهت إلى “دراسة المنجز اللغوي والبلاغي في التراث العربي من زوايا تحليلية عدة، تهدف إلى الكشف عن حداثة ذلك المنجز؛ وقد أعادت بعض هذه الدراسات قراءة نصوص هذا التراث من منظور لساني نصي، فتراوحت بين إقرار وجود وعي مبكر بطرق اشتغال اللغة والانتباه إلى البعد التواصلي والتداولي في تحليلات النحاة والبلاغيين والنقاد العرب، أو نفي هذا الوعي، وبين دعوة إلى مزيد من البحث من أجل استكشاف هذا التراث والبوح بمكنوناته وأسراره. فقد فطن البلاغيون العرب إلى أهمية العلاقات النحوية والدلالية التي تجمع بين وحدات النص الجزئية لتشكل وحدة متكاملة تشدها خاصية التماسك، واعتبروا أن مزية النظم تقتضي ضرورة انتظام المعاني وتلاحم أجزاء الكلام واتصاله وحسن سبكه، وخلوه من أود التأليف والبناء وتنافر الأطرار”.
الباحث حاول من هذا الجانب من خلال الكشف عما تختزنه نصوص عبد القاهر الجرجاني (471 هـ/ 1078 م) من أبعاد ودلالات تشي ـ حسب قوله ـ “باستحضار النص باعتباره بنية للتحليل تتجاوز حدود المفردات وحدود الجملة الواحدة، وتبرز أهمية السياق الكلي الذي تتعدد فيه الجمل وتترابط وفق سنن وقوانين آخذ بعضها برقاب بعض، وذلك من خلال التركيز على مفهوم لم ينل ما يستحقه من العناية الكافية من قبل الباحثين، فقد كانت الإشارة لمفهوم “التعليق” إشارة عابرة ضمن دراستهم لنظرية النظم، خالية من التعمق في جذور هذه الفكرة واستدراج خباياها المتحجبة من مكامنها”.
بعد السياحة المعرفية التي حاول فيها الدكتور عبد الرحمن الإحاطة بمحاور الكتاب وإشكالياته،أحالت د.غزلان الكلمة إلى د. فيصل أبو الطفيل من جامعة المولى سليمان بني ملال/المغرب والذي قدم مداخلة تحت عنوان “النص المتماسك وبناء المعنى قراءة في كتاب “التعليق عند القاهر الجرجاني دراسة في التماسك النصي”.، وقد حاول في قراءته المستفيضة الإحاطة بمحتويات الكتاب ،وبين أن مدخل قراءته سيكون من خلال مايدل عليه عنوان المداخلة “النص المتماسك وبناء المعنى” ،هذا و وضح أنه ركز على مضامين الفصل الرابع:التعليق والوحدة الدلالية من خلال تسليط الضوء على التعليق مع إيراد نماذج وأمثلة أوردها الكاتب نفسه .
بين د.فيصل أن الباحث سلط الضوء “على مفهوم “التعليق” عند عبد القاهر الجرجاني، إذ يعد هذا المصطلح الأساس والمرتكز الذي تنبني عليه نظريته في النظم، وهذا ما يدفع للبحث عن ماهية “التعليق” في اللغة والاصطلاح، وتتبع معانيه في المكتبة النحوية القديمة، بدءا بأبي بشر سيبويه، وأبي علي الفارسي، وأبي الفتح ابن جني، حيث ارتبط “التعليق” عندهم بصحة تأليف الكلام. إضافة إلى كشف المستويات المعرفية التي اعتمدها الجرجاني في بنائه لهذا المفهوم وتأصيله من نحو وبلاغة وعلم كلام. كما أثار الباحث مسألة تلقي مفهوم “التعليق” عند علماء اللغة والبلاغة المحدثين. مبرزا كذلك دور التعليق في في تشكل الوحدة الدلالية من خلال تضافر المعاني الجزئية المشكلة للنص، وهو ما عبّر عنه عبد القاهر ب”محصول التعلق””.
قدم د. رضوان كعية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مراكش آسفي/المغرب مداخلة موسومة بـ” النقد الأدبي والقراءة المنتجة، قراءة في كتاب “التعليق عند عبد القاهر الجرجاني دراسة في التماسك النصي”.
ساءل فيها هذا الكتاب والذي حاول فيه المؤلف تقديم قراءة جديدة مخالفة للقراءات السابقة للتراث البلاغي والأدبي ،حيث كانت قراءته مجاوزة للشرح والتفصيل ،وهو مايجعلها قراءة خلاقة ومبدعة ومنتجة ـ حسب رأيه ـ ،تتأسس على وعي نظري بموضوعها بشكل يمكنها من خلق توازن بين جهاز قراءة التراث وأجهزة النقد العربي المعاصر ،وقدرة كذلك على القراءة التطبيقية من خلال التسلح بعدة معرفية وآليات نقدية جديدة ، من خلال الكشف عن دور “التعليق” في التماسك النصي وذلك برصد مجموعة من الظواهر اللغوية التي قرأها جل الدارسين في إطارها النحوي، وحصروها في علاقتها بتماسك الجملة، ومن هذه الظواهر :الإحالة والحذف والوصل والفصل…
أما د. محمد المعروفي من جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء عين الشق/المغرب فقدم مداخلة تحت عنوان ” قضايا السياق في كتاب “التعليق عند عبد القاهر الجرجاني دراسة في التماسك النصي”، من التفكير البلاغي إلى النسق اللساني التداولي”.
ركز فيها على الفصل الخامس الموسوم بـ”التعليق ودراسة سياق النص “، ووضح فيها أن الباحث تطرق” إلى دور “التعليق” المتمثل في مراعاة أحوال الكلمات وصحة تعلق بعضها ببعض وتوخيها لمعاني النحو وقوانينه مما يجعل الكلمات تنتظم وفق نسق محدد ومناسبة للسياق والمقام الذي تذكر فيه، وبذلك تترابط أجزاء النص ويرتبط أوله بآخره محيلا على معنى، ومبنيا على الوحدة الدلالية التي هي “محصول التعلق”. لقد أدرك الجرجاني ضرورة السياق كشرط من شروط البلاغة والقول الفصيح، وباعتباره أيضا أداة إجرائية في تحديد المعنى، وهذا ما يجعل البحث يسعى إلى كشف دور “التعليق” في تحديد سياق النص بدءا بتحديد دوره في دلالة الكلمة في السياق وانتهاء بالكشف عن دوره في تحديد دلالة النص برمته من خلال سلسلة من التعالقات. وذلك من خلال تتبع القضايا الآتية : سياق الموقف والسياق اللغوي – العلاقات السياقية – التعلق بالأدوات – التعليق السياقي ومعنى المعنى”.
بعد مداخلات السادة الأساتذة فتح باب النقاش أمام الحضور، وقد كانت التساؤلات التي طرحها كل من الأستاذة الدكتورة آمنة بلعلى والأستاذ أحمد الحاج في مجملها تدور حول مقاربة منجز عبد القاهر الجرجاني بالدراسات الحديثة والنظريات اللسانيّة وحدود التماثل والتشابه. وكذا التساؤل عما يقابل مفهوم التعليق بمفاهيم الدرس اللغوي الغربي بأبعادها التركيبية والدلالية والتداولية، وهل كان الجرجاني مستحضرا كل من السياق الخارجي وعنصر الثقافة في كتابيه الدلائل والأسرار. إضافة إلى ضرورة البحث والحفر في التراث العربي لأن ما يضمره أكثر مما يظهره مع إمكانية استنباط نظريات عربية خالصة.
