الحق في التعليم والتّكوين المهني والمتواصل
The right to education and vocational and continuing training
Dr Arous Meriem الدكتورة عروس مريم
جامعة التكوين المتواصل – مركز بن عكنون – الجزائر
مقال منشور في كتاب أعمال الملتقى الدولي حول حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية الصفحة 127.
ملخص:
أٌعترف بالحق في التّعليم والتّكوين المهني والمتواصل على نطاق واسع وطورته عدد من الصكوك المعيارية الدولية التي وضعتها الأمم المتحدة، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم.
وأعيد التأكيد عليه في المعاهدات الأخرى التي تغطي فئات محددة (النساء والفتيات والمعوقين والمهاجرين واللاجئين والسكان الأصليين، الخ) ، هذا وقد أدرج في مختلف المعاهدات الإقليمية، وكُفل كحق في الغالبية العظمى من الدساتير الوطنية، فهو عنصر أساسي لتحقيق السلام الدّائم والتنمية المستدامة، لكونه أداة قوية في تطوير الإمكانات الكاملة للجميع وتعزيز الرفاهية الفردية والجماعية.
كلمات مفتاحية: الحق في التعليم، التكوين المهني، التكوين المتواصل، التنمية المستدامة.
Abstract
The right to education and vocational and continuing education has been widely recognized and developed by a number of international normative instruments established by the United Nations, including the International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, the Convention on the Rights of the Child and the UNESCO Convention against Discrimination in Education.
It has been reaffirmed in other treaties covering specific groups (women, girls, disabled people, migrants, refugees, indigenous people, etc.), this has been incorporated into various regional treaties, and enshrined as a right in the vast majority of national constitutions, it is an essential element for achieving lasting peace and sustainable development, as a tool Strong in developing the full potential of everyone and promoting individual and collective well-being.
Key words: the right to education, vocational training, continuing training, sustainable development.
مقدمة:
يعد الحق في التعليم واحدًا من أهم حقوق الانسان الذي حرصت القوانين الوضعية والتشريعات المقارنة على ضمان حمايته، سواء وقت السلم أو في النزاعات المسلحة، وحتى في السجون، لكون هذا الحق من الركائز المهمة لبناء المجتمع واحداث التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيه.
حيث يستجدي كل من الأفراد والمجتمع نفعا من الحق في التعليم، فهو حق أساسي للتنمية البشرية والتطوير الاجتماعي والاقتصادي هو حق يستمد منه القوة، وينتشل الفئات المهمشة من الفقر، ويساهم في التنمية الكاملة لشخصية الإنسان.
فالتعليم ليس منحة للفرد وليس فضلاً من أحد عليه، بل هو أحد حقوق الإنسان، ولا يمكن اعتبار الحق في التعليم والتكوين امتيازا يمنح له بل هو واجب على الدولة، إذ عملت الدول وبجهود طويلة على إقرار هذا الحق من ضمن حقوق الإنسان الكثيرة ، وما يميز هذا الحق أهمية في الحاضر والمستقبل لأنه أساس بناء المجتمع الذي يتطور ويتقدم بالعلم، كذلك تأثيره في القضاء على البطالة والجهل والجريمة والتأكيد على التعايش والسلام والبناء والتقدم، كونه أحد مقومات التنمية البشرية.
كما يعتبر التكوين بالمفهوم العام والتكوين المهني خاصة إحدى الرهانات الأساسية ومن المرتكزات الضرورية لاكتساب الكفاءات المهنية، وازدادت أهميته مع مطلع القرن العشرين خاصة في الاقتصاديات المتطورة وحتى في البلدان النامية، والجزائر كغيرها من هذه الدول الحديثة الاستقلال والتي لازالت ترغب في الخروج من دائرة التخلف والدخول في بوتقة العولمة من باب اللحاق في أسرع وقت ممكن بركب الدول المتطورة وخاصة التطور الاقتصادي بإعطاء أهمية كبيرة لكل المنظومات التي تهدف إلى تطوير الفرد وجعله مؤهلاً وقادرًا على مواجهة التحديات التي يفرضها التطور العلمي والتكنلوجي أو ما يسمى بالعولمة، فمواكبة هذا الاتجاه الجديد لا يكون إلا ببناء القدرات الفردية وفق برامج تكوينية حديثة.
فقد مر كل من قطاع التعليم وقطاع التكوين المهني في الجزائر بحقب زمنية منذ الاستقلال أين كانا يشكلان إحدى الدعامات الأساسية في القطاع الاقتصادي، دون إغفال قيمته الاجتماعية في تلك الفترة، لكنه غيب دوره في فترات كبيرة خاصة وأنه لم يحظ بالأهمية البالغة التي حظي بها نظام التعليم الذي شهد تطورا كبيرا، ما قلل من قيمة التكوين المهني الاجتماعية والاقتصادية، أما عن القيمة الاجتماعية فتلك النظرة الدونية في المجتمع ومكانته في التراتبية الاجتماعية ضف إلى ذلك ارتباطه المباشر بنظام التعليم واستقباله إلا لمخلفاته من الفئات الأقل حظا أو المقصات من نظام التعليم، خاصة وأن هذا الأخير شهد ويشهد إصلاحات وتغيرات كبيرة بخضوعه الكامل لسلطة الدولة ما جعله يحظى بالقدر الكبير من الاهتمام من طرف الدولة والسياسات العمومية .
هذا الاهتمام الكبير الذي حظي به نظام التعليم في الجزائر والإصلاحات المتتالية خاصة الإصلاح التربوي الأخير سنة 2008 بإدخال التعليم بالممارسة (المقاربة بالكفاءات)، كان بمثابة الصدمة التي تلقاها قطاع التكوين المهني باستقباله لأعداد كبيرة من التلاميذ قدرة سنة 2008 أي سنة تعميق الإصلاحات بـِ 500000 تلميذ تخلى عن الدراسة، خاصة وأن هذه الأخيرة تعاني من نقص التعليم القاعدي، ما وضع قطاع التكوين المهني بين تحديين، أي بين إعادة تأهيل هذه المخرجات من الأفراد وبين تحسين قابليتهم للتشغيل في سوق العمل، في ظل النقص الكبير في التنمية والتنظيم الذي يعاني منه هذا القطاع.
أهمية الموضوع
تكمن أهمية هذه الورقة البحثية في الدّور الذي يلعبه الحق في التّعليم والتكوين في تحقيق التنمية المستدامة، وادراك الافراد لدوره الاساسي في بناء مجتمعات مستدامة قادرة على الصّمود، لأنّه يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأخرى، وفي ضمان توفير تعليم جيّد في جميع المستويات (الطفولة المبكرة) والتعليم الابتدائي والثانوي والجامعي والتّعليم عن بعد، وكذا التكوني المهني والمتواصل، وهذا نتيجة الجهود التي بذلت من أجل التعليم والحق فيه ضمن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
الاشكالية:
لما كانت حقوق الإنسان، ومن بينها الحق في التعليم والتّكوين المهني والمتواصل، محلاً لإهتمام المجتمع الوطني والدولي ومقارباته، تأسيساً وتأصيلاً ودعوة لدول العالم لإستدماجه في دساتيرها وتشريعاتها وخططها وبرامجها التنموية، فهل كانت استجابات الدول كبيرة وبذلت الكثير من الجهود باعتباره حقا لمواطنيها وإن تفاوتت فيما بينها في مفهوم هذا الحق ونطاقه؟
المنهج المتبع:
لمعالجة هذا الموضوع اتبعنا كل من المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن حتى يتسع لنا الاطلاع وكذا الإلمام بالنصوص الدستورية والتشريعية حول الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل، وتحليلها، وابراز مضمون هذا الحق في المجتمع الدولي وبرامجه التنموية، سنقسم هذه الدراسة إلى مبحثين:
المبحث الاول: واقع الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل في الدساتير والتشريعات المقارنة
إنّ الحق في التعليم والتكوين شغل إجماعًا كبيراً في الدساتير الوطنية وبين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بحيث أن غالبية النصوص والمواد التي تتعلق بهذا الحق لم تلقى أية معارضة أو تحفظ يذكر من قبل الدول المصادقة عليها، بل غالبا ما كانت تحصد الإجماع الدولي على خلاف باقي الحقوق الأخرى، إيمانًا منهم بأن الاستثمار في هذا المجال مربحا للغاية ويعود بالنفع العميم للوطن ويحقق له النماء والتقدم والازدهار[1] .
المطلب الأول: تكريس الحق في التعليم والتكوين في الدساتير والتشريعات الدولية لحقوق الإنسان
إن معظم الدول العربية قد ضمنت دساتيرها ليس فقط نصوصاً وأحكاماً واضحة وصريحة تتعلق بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية،حيث تمثل الشرعة الدولية مجوع القواعد والمبادئ التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.[2]
ويمكن القول أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948[3] ( رغم عدم الزاميته من الناحية القانونية) أشار بشكل صريح إلى (الحق في التعليم) إذ نصت المادة 26لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم، ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا، ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم، ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم”.. فيما أوجبت الفقرة الثانية من المادة 26 أن يكون للتعليم والتكوين (هدف وغاية) إذ يجب أن يستهدف التعليم التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذلك غاية التعليم فيما يفهم من النص أن يعزِّز التعليم التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام. وقد بينت الفقرة الثالثة من المادة حق الآباء، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.
فيما اشارت المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 إلى الحق في التعليم واقرار الدول الأطراف بالعهد بهذا الحق لكل فرد كذلك وجوب توجيه التعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والكرامة وتوطيد احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
هذا وقد أوجبت أن يستهدف الحق في التعليم والتكوين تمكين الأفراد المتعلمين من توثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الدين وان يتجه بما تقوم به الأمم المتحدة من جهود لصيانة السلم.
ولضمان إعمال هذا النص فقد بينت المادة 13/2 من العهد ضمانات الممارسة التامة لهذا الحق وهي جعل التعليم إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع وتعمم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه ويشمل التقني والمهني وجعله متاحا أيضا للجميع وجعل التعليم حق متاحا للجميع على قدم المساواة بالكفاءة وبالوسائل المناسبة لذلك فضلا عن تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلى أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية.
وبالنسبة لحرية اختيار المدارس الخاصة بالتعليم فقد أشارت المادة (13/3) على إعطاء الحرية للآباء والأوصياء عند وجودهم في الاختيار في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة الطرف، وبتامين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
كما أن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على ضمان الدولة لكل شخص حقه في التعليم مع ضمان مبدأ المجانية بقولها: ” لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم مجانا على الأقل في مرحلته الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الأساسي إلزاميا، وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم “، يقابلها في دستور الجزائر لسنة 2020 [4]المطروح على الاستفتاء الشعبي بتاريخ اول نوفمبر 2020 في المادة 65.
– الحق في التعليم مضمون
– التعليم العمومي مجاني حسب الشروط التي يحددها القانون
– التعليم الاساسي اجباري
– تنظم الدولة المنظومة التعليمية الوطنية
– تسهر الدولة على التساوي في الالتحاق بالتعلم و التكوين المهني
كما أقر القانون رقم 08-04 المؤرخ في 23 يناير، المتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية، من خلال مواده 10، 11، 12، 13و14 الحق في التعليم.[5]
المطلب الثاني: الحق في التعليم والتكوين لتحقيق التنمية المستدامة
وضعت الأمم المتحدة سبعة عشر هدفا لإنقاذ العالم من الممكن تحقيق كل هدف من تلك الأهداف عام 2030[6] ، ويمثل الحق في التعليم والتكوين الهدف الرابع من تلكم الأهداف إذ يشكل الحصول على تعليم جيد الأساس الذي يرتكز عليه تحسين حياة الناس وتحقيق التنمية المستدامة، وبتيسير الحصول على التعليم الشامل، يمكن تزويد المجتمعات المحلية بالأدوات اللازمة لتطوير حلول مبتكرة تساعد في حل مشاكل العالم الكبرى.
وتشير الاحصائيات عام 2021 الى أنه ” ما يزال 258 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس؛ وهناك 617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة والكتابة والقيام بعمليات الحساب الأساسية”.[7]
كما يشكل التكوين المهني في الدول المتطورة إحدى الدعامات الأساسية الكبرى سواء في المجتمع حيث يعبر عن حرية الاختيار على المستوى الفردي والجماعي ما يمنحه قيمة اجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى مساهمته الكبيرة في قطاع الانتاج إضافة إلى استقلاليته عن القطاعات الأخرى، هذا الذي لم تستوعبه الكثير من الدول،[8] و مواجهة لهذا الإبهام الحاصل في مفهوم التكوين المهني وجهت منظمة العمل الدولية في ستينيات العقد الماضي الدعوة لعقد مؤتمر حول هذا الموضوع والذي عقد في تونس “حيث بادرت تونس بترجمته إلى التكوين المهني وثم توزيع المسؤولية على عدة وزارات فاحتضنت وزارات الشؤون الاجتماعية بحالات المتسربين من التعليم الابتدائي وتكفلت وزارتي التربية والتعليم بمن التحقوا بالتعليم الإعدادي ولم يكملوا التعليم به وهكذا انشأت وزارة الشؤون الاجتماعية إدارة خاصة بالتكوين المهني[9].
ولقد أسيئ فهم التكوين وضيق مفهومه فاعتبر مجرد أعمال يقوم بها أو يؤديها المكون أو مجرد تطبيقات ميدانية روتينية ومجموعة من المهارات اليدوية، كما اعتبره البعض الآخر كمرادف لمصطلحات مثل التأهيل، التمهين التدريب…الخ، لكن التكوين كمفهوم فهو أعم و أشمل يهتم بالدرجة الأولى بنقل المعارف واكتساب سلوكيات متعلقة بنشاط معين، بل أبعد من هذا فهو يساهم في رفع القدرة على التفكير والتعريف بتقنيات ومداخل التسيير الحديثة من جهة ومن جهة أخرى التعريف بالمستجدات والتغيرات الحاصلة في المحيط بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فحسب (1978) Jardilier”فإن التكوين هو عملية تقوم بنقل مجموعة مترابطة من المعارف والمهارات تؤدي بالفرد إلى تغيير عام يسمح له بالقيام بوظائف متعددة”[10]
أمّا في الجزائر وكغيرها من الدول النامية فلم يحظى التعليم وخاصة التكوين المهني بالأهمية الكبيرة التي كانت تحظى بها المنظومات الأخرى إلا في السنوات الأولى التي تلت الاستقلال أين كان يشكل إحدى الدعامات الأساسية في القطاع الاقتصادي، لكنه غيب دوره لفترة طويلة شهدت في المقابل تطورا كميا كبيرا لنظام التعليم ما قلل من قيمته الاجتماعية والاقتصادية، لكن مع بداية الألفيات (2003) أعيد رد الاعتبار للتكوين المهني إذ أصبح من الضروري تنميته لتلبية احتياجات سوق العمل من يد عاملة مؤهلة قادرة على مواكبة التغييرات الحاصلة، لكن رغم هذه الهيكلة والتحديث الذي شهده قطاع التكوين المهني إلا أنه لا زال يعاني من التبعية لنظام التعليم العام بل ويمثل وعاء لمخلفات هذا الأخير.[11]
المبحث الثاني: ممارسة الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل بين الحق والانتهاك
إنّ الحق في التعليم والتكوين يشكل حقا إنسانيًا أصيلاً، ومع ذلك فإن هذا الحق يعترضه الكثير من الإشكاليات العملية خصوصًا الدول النامية التي يتناقض فيها الواقع مع ما يتم تسجيله ضمن السجلات الرسمية للدولة ، ولكن يظل ما يقارب 57مليون طفل خارج المدارس[12]، فضلا عن ذلك أثرت النزاعات المسلحة الدولية أو غير ذات الطابع الدولي على هذا الحق بشكل أدى إلى تراجع الاستفادة منه، آذ يعيش في المناطق التي تعاني من النزاعات نسبة كبيرة من الأطفال الذين هم في سن المرحلة الابتدائية ولم يلتحقوا بالمدارس، أي أن هؤلاء اقرب إلى الأمية منهم إلى التعليم، وهم مسجلين كونهم حصلوا على الحق في التعليم، دون الاستفادة من هدفه وغايته الأساسية في المجتمع.
المطلب الأول: ضمانات الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل
عادة ما تتمثل هذه الضمانات في جملة من النصوص والأحكام القانونية الدستورية، والآليات العملية التي تكفل احترام وتطبيق حقوق وحريات الإنسان، والحقيقة كم هي عديدة الضمانات التي تكفلها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية، وكذا الدساتير الوطنية بغية حماية حقوق الإنسان، ومن بينها بطبيعة الحال الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل، موضع بحثنا هذا، ولعله مما يلفت النظر بصدد هذه الضمانات أنها ليست فقط متداخلة مع بعضها البعض، بل قد يتداخل بعضها مع مفهوم الحقوق والحريات ذاته من ناحية، ومع بعض الآليات المستخدمة لتوفير الحماية اللازمة لهذا الحق من ناحية أخرى.
غير أنّ الأهم من ذلك أن تحديد هذه الضمانات والنص عليها في المواثيق والإعلانات والعهود والدساتير يعتبر أمرًا مهمًا وضروريًا، إذ بدون ذلك يصبح الحق في التعليم والتكوين المقرر للأفراد مجرد تعهدات أو نصوص نظرية، أي مجرد حبر على ورق لا قيمة لها من الناحية العملية، ويمكن القول أنه بقدر ما تكون الحقوق والحريات – طبعًا بما في ذلك الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل – أكثر وضوحًا وتحديدًا بقدر ما تكون درجة احترام الدول صاحبة الدساتير المتضمنة لها.
فالعبرة دائمًا بتوافر الضمانات اللازمة لحماية الحقوق والحريات، وبمدى التزام السلطات الحاكمة بهذه الضمانات وتقيدها بها أكثر منه بمدى شمول دساتير الدول للنصوص والأحكام المتعلقة بهذه الحقوق والحريات.
وتتمثل أقوى الضمانات لحماية حقوق الإنسان بصفة عامة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية بصفة خاصة في خضوع الدولة نفسها للقانون، وإلا فلا مجال على الإطلاق للحديث عن أية حقوق للإنسان. ويعزى ذلك في المقام الأول إلى وجود قضاء مستقل يلجأ إليه من انتهكت حقوقه.
المطلب الثاني: انتهاكات الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل والإجراءات الواجب اتخاذها لحماية هذا الحق
قد تحدث انتهاكات للحق في التعليم والتكوين في حين أن الغالبية العظمى من الدول صادقت على المعاهدات الدولية التي تعترف بالحق في التعليم، لا يزال الملايين في جميع أنحاء العالم محرومون منه نظرًا لنقص الموارد والقدرة والإرادة السياسية، ولا تزال هناك بلدان لم تدمج الحق في التعليم في الدستور الوطني أو توفر الأطر التشريعية والإدارية لضمان إعمال الحق في التعليم وتطبيقه في الواقع العملي، يصنف معظم الأطفال والبالغين الذين لا يتمتعون بالحق في التعليم كاملا ضمن أكثر الفئات حرمانا وتهميشا في المجتمع والتي غالبا ما همشت في السياسات الوطنية.[13]
ويشمل الحق في التعليم والتكوين العديد من الاعتبارات والاجراءات، والمتطلبات المباشرة وغير المباشرة، ومنها: [14]
يجب أن توفر الدولة البنية التعليمية من مؤسسات وبرامج لجميع الأفراد، بحيث تكون مجهزة بكامل المواد والمرافق اللازمة لكلا الجنسين، وذلك لضمان سير عملها بسلاسة وفعالية كبيرة؛ مثل المباني المدرسية، ومعدات الدراسة، والقرطاسية، وتوفير المعلمين والإداريين ذات الكفاءة العالية، بالإضافة إلى الالتزام بالقواعد والمعايير الصحية.
توفر إمكانية الالتحاق لجميع الأفراد، حيث يجب أن تكون المؤسسات التعليمية في متناول الجميع وخاصة للفئات الضعيفة، من غير التعرض لأي عنصرية أو تمييز بناءً على العرق، أو الظروف الاقتصادية، أو الجنس، أو مكان الإقامة أو غيرها، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم بناء المدارس في مواقع آمنة وقريبة من المجتمعات المحلية بعيداً عن المناطق النائية، وتوفير وسائل مواصلات للالتحاق بها، ولا بد أيضاً من المطالبة بأن يكون التعليم مجانياً في مراحله كافة، وتوفير إمكانية الالتحاق بغض النظر عن الوضع المادي.
يجب أن تتماشى المناهج الدراسية وأساليب التدريس مع قدرات الطلاب وإمكانيات الآباء، حيث يعتمد ذلك على الأهداف الأكاديمية الشاملة، والمعايير التعليمية التي تحددها كل من المؤسسات والدولة.
يجب أن يكون التعليم مرناً، بحيث يستطيع التكيف مع احتياجات المجتمع المتغيرة مثل التكنولوجيا، بالإضافة إلى الاستجابة لمطالب واحتياجات الطلاب الاجتماعية، والثقافية، واحترام التنوع.
خاتمة:
بعد التطرق إلى كل المساهمات الفعلية والاستراتيجيات المعمول بها لتحديث التكوين والتعليم المهنيين وإعطائه أهمية كبيرة، ورد الاعتبار له باعتباره من المنافذ الناجحة للاستثمار في المورد البشري واستغلال الطاقات البشرية بصفتها نوع من أنواع رأس المال، تبقى الإشكالية المطروحة والحلقة الأهم هي نقص التمويل، وهو الشيء ذاته الذي كان يعاني منه قطاع التكوين المهني قبل سنوات الإصلاح. من جهة أخرى تبقى نظرة المجتمع للتكوين المهني من العوامل التي ساعدت على فقدانه للقيمة الاجتماعية التي يحظى بها التعليم العام باعتبار التكوين المهني القطاع الثالث من المنظومة التربوية. إذا فلا يمكن بأي حال من الأحوال خلق القيمة الاقتصادية للتكوين المهني ما لم نمنحه قيمة اجتماعية التي تجعله ينافس التعليم العام. فتطوير التكوين المهني وتحديثه لا يكمن في المنشآت القاعدية والبرامج بل يرقى إلى مستويات أكبر من ذلك.
التوصيات
- رفع مستوى الوعي حول الحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل، فإذا عرف الأفراد حقوقهم فيكون لهم القدرة على استحقاقها.
- مراقبة إعمال الحق في التعليم وتقديم تقارير منتظمة عن الحرمان والانتهاكات
- المناصرة وإطلاق حملات من أجل الإعمال الكامل للحق في التعليم والتكوين المهني والمتواصل.
- التماس سبل الانتصاف عندما يحدث انتهاك للحق في التعليم.
- مراقبة إعمال هذا الحق عبر تكثيف النشاطات التي من هدفها القضاء على أية حالات من شانها الهروب من المدارس أو التطبيق غير السليم للتعليم في المدارس والابتعاد عن أية أساليب تواجه التعليم وخصوصا الابتدائي.
- تطبيق مبدا المساواة في التعليم والتكوين للقضاء على أي تمييز قد يؤدي الى الحرمان من هذا الحق او الاستبعاد من المشاركة في هذا الحق الانساني الذي اشارت الى التشريعات الدولية والداخلية.
- إطلاق الحملات والتوعية الاجتماعية داخل الدول هدفها بيان وتوضيح هذا الحق وهدفه وغايته وتأثيره الحاضر والمستقبل في بناء البلاد.
- رفع مستوى الوعي لدى المجتمعات، هدفها الارتقاء بالتعليم وتشجيع الأطفال على التعليم وتوفير الأجواء اللازمة باعتبارها واجبا على الدولة والمجتمع توفيرها وحقا للأطفال والأفراد عموما.
- التأكيد على مدى تحقيق التعليم لهدفه وغايته، فمن حيث الهدف فان التعليم سيكون قادرا على تقليل مستوى الجهل والجريمة داخل الدول، ومن حيث الغاية، فان غاية التعليم تحقيق مستوى افضل للمجتمع من خلال التنمية المستدامة والسلام والامن .
- التواصل العلمي والمعرفي من خلال التعليم الالكتروني ( التعليم في ظل الطوارئ) لإعمال حق الافراد في الوصول الى حقهم الانساني حتى زوال خطر الجائحة وعودة الحياة الى طبيعتها.
قائمة المصادر والمراجع:
- النصوص القانونية
- دستور الجزائر لسنة 2020 المطروح على الاستفتاء الشعبي بتاريخ اول نوفمبر 2020 الصادر بالمرسوم الرئاسي 20/442 المؤرخ في 30 ديسمبر 2020، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 82، المؤرخة في30/12/2020.
- القانون رقم 08-04 المؤرخ في 23 يناير2008، المتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية.
- المواثيق والاتفاقيات الدولية
- المواثيق الدولية لعام 1966 حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- اتفاقية 1979 حول محو كل أشكال التّمييز ضد النساء.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ: 3 كانون الثاني/يناير 1976
- الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948.
- الكتب باللغة العربية:
– إيمان محمود دسوقي عويضة، المشكلات التي تواجه أعضاء جماعة التكوين المهني ودور خدمة الجماعة في مواجهتها، دار الوفاء، ط 1، 2011.
- الكتب باللغة الاجنبية:
– Dominique Pouchard, Christiane Lagabrielle et SaniaLaberon, Validation des acquis de l’expérience, une dynamique professionnelle ? Univ bordeaux, rapport de recherche, Mars 2011
- المقالات:
- محمد أنور زهراوي، أ.د. بوشعور رضية، التكوين المهني في الجزائر: الواقع والتحديات، جامعة تلمسان، مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 54
- نجاة بوعريب، حق المرأة في التعليم بين اتفاقية سيداو والتشريع والواقع المغربيان، دراسة مقارنة، جامعة ابن زهر أكادير، المملكة المغربية، مجلة جيل الدراسات المقارنة، 2022، العدد .12
- المواقع الإلكترونية
- الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة: التعليم، على موقع الانترنت: https://ar.unesco.org/gem-report/node/1346
2. الحق في التعليم الحق في التعليم وتحقيق التنمية المستدامة، 2021، على موقع الانترنت: https://wp.academi.com.sa/2021/12/13/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AF/
- الحق في التعليم”، الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اطّلع عليه بتاريخ 25/6/2021. بتصرّف.
- [1] الحق في التعليم، على موقع الانترنت: https://www.right-to-education.org/ar/page-0
[1]نجاة بوعريب، حق المرأة في التعليم بين اتفاقية سيداو والتشريع والواقع المغربيان، دراسة مقارنة، جامعة ابن زهر أكادير، المملكة المغربية، مجلة جيل الدراسات المقارنة، 2022، العدد 12 الصفحة 95.
[2]العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، تاريخ بدء النفاذ: 3 كانون الثاني/يناير 1976، وفقا للمادة 27
[3]الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة أشبه بخارطة طريق عالمية للحرية والمساواة – يحمي حقوق كل شخص في كل مكان. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تتفق فيها البلدان على الحريات والحقوق التي تستحق الحماية العالمية كي يعيش كل شخص حياته متمتعاً بالحرية والمساواة والكرامة، وقد اعتُمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل هيئة الأمم المتحدة التي أُنشئت حديثاً في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948 .
[4]دستور الجزائر لسنة 2020 المطروح على الاستفتاء الشعبي بتاريخ اول نوفمبر 2020 الصادر بالمرسوم الرئاسي 20/442 المؤرخ في 30 ديسمبر 2020، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 82، المؤرخة في30/12/2020.
[5]القانون رقم 08-04 المؤرخ في 23 يناير2008، المتضمن القانون التوجيهي للتربية الوطنية، وثيقة قانونية تتضمن المحاور الكبرى لتسيير التربية وأهم القواعد والأسس التي سترتكز عليها مستقبلا وهو بمثابة تشريع التربية الوطنية مما يحتوي على نصوص تنظيمية وتطبيقية من مراسيم وقرارات وتعليمات، تمّت المصادقة عليها من طرف المجلس الشعبي الوطني في 23يناير2008 ويضم هذا القانون سبعة أبواب
المادة 10: تضمن الدولة الحق في التعليم لكل جزائرية وجزائري دون تمييز قائم على الجنس أو الوضع الاجتماعي أو الجغرافي.
المادة 11:يتجسد الحق في التعليم بتعميم التعليم الأساسي وضمان تكافؤ الفرص في ما يخص ظروف التمدرس ومواصلة الدراسة بعد التعليم الأساسي.
المادة 12:التعليم إجباري لجميع الفتيات والفتيان البالغين من العمر ست (6) سنوات إلى ست عشرة (16) سنة كاملة.
غير أنه يمكن تمديد مدة التمدرس الإلزامي بسنتين (2) للتلاميذ المعوقين كلما كانت حالتهم تبرر ذلك.
يقابلها معاهدة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ديسمبر 2006، في نص الفقرة د ” حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الدعم اللازم في نطاق نظام التعليم العام لتيسير حصولهم على تعليم فعال “
[6]Building peace in the minds of men and women
الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة: التعليم، على موقع الانترنت: https://ar.unesco.org/gem-report/node/1346
[7]يقترن إطار التنمية المستدامة بـإعلان إنشيون الذي اعتمده زهاء 600 1 مشارك في المنتدى العالمي للتعليم الذي عُقد في إنشيون بجمهورية كوريا في أيار/مايو 2015. ويجسِّد هذا الإعلان التزام البلدان وأوساط التعليم العالمية التزاماً صارماً بخطة تعليم واحدة شاملة. ويبيِّن إطار العمل في مجال التعليم لعام 2030، الذي اعتمده ممثلون لزهاء 180 دولة عضواً في اليونسكو في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، السبيل إلى ترجمة الالتزامات العالمية في مجال التعليم إلى سياسة وممارسة له على المستوى القطري والمستوى الإقليمي والمستوى العالمي.
[8] محمد أنور زهراوي، أ.د. بوشعور رضية،التكوين المهني في الجزائر: الواقع والتحديات، جامعة تلمسان، مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 54الصفحة 19.
[9]إيمان محمود دسوقي عويضة، المشكلات التي تواجه أعضاء جماعة التكوين المهني ودور خدمة الجماعة في مواجهتها، دار الوفاء، ط 1، 2011، ص 36.
[10] Dominique Pouchard, Christiane Lagabrielle et SaniaLaberon, Validation des acquis de l’expérience, une dynamique professionnelle ? Univ bordeaux, rapport de recherche, Mars 2011, p 13.
[11]زهراوي، محمد أنور، بوشعور، رضية، التكوين المهني في الجزائر: الواقع والتحديات ، مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية، مركز جيل البحث العلمي، المجلد عدد 54، 2019، ص19.
[12]الحق في التعليم الحق في التعليم وتحقيق التنمية المستدامة، 2021، على موقع الانترنت: https://wp.academi.com.sa/2021/12/13/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-
[13] الحق في التعليم، على موقع الانترنت: https://www.right-to-education.org/ar/page-0
[14]الحق في التعليم”، الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اطّلع عليه بتاريخ 25/6/2021. بتصرّف.