التربية الإيمانية وأثرها في بناء الإنسان المستخلف من خلال قصة يوسف عليه السلام
Faith education and its impact on building the human being as successor through the story of Prophet Joseph, peace be upon him
د. حفيظ غياط/ وزارة التربية الوطنية، أكاديمية الرباط، سلا، القنيطرة، المغرب
Pr. Hafid RHIAT/ Ministry of National Education /Kénitra/ Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 91 الصفحة 39.
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى بيان مركزية التربية الإيمانية ضمن مشروع بناء الإنسان المستخلف باعتباره أساس كل نهضة وتقدم وتنمية، وإن أي خلل في إتقان هذا الأساس يكون له عواقبه الوخيمة على البناء التربوي برمته، لأجل ذلك اتجهت جهود المهتمين بالتربية الإسلامية -ضمن برامجهم التربوية- قديما وحديثا إلى العناية ببناء هذا الإنسان المستخلف، وفق رؤية قرآنية يطبعها التكامل والشمول، بناءً يرتكز أساسا على إحكام الجانب الإيماني الذي يربط الخالق بالمخلوق ويصله بوحي السماء، حيث يستمد منه أسباب القوة الدافعة لإعمار الأرض بالخير والعمل الصالح. ولمقاربة هذا الموضوع سعت هذه الدراسة إلى التأكيد على أثر التربية الإيمانية في إعداد هذا النموذج الإنساني القادر على الوفاء بأمانة الاستخلاف، وذلك من خلال القيم الإيمانية المستنبطة من قصة يوسف عليه السلام، باعتباره نموذجاً قرآنياً ناجحاً ساقه القرآن الكريم في معرض التربية والتعليم.
الكلمات المفتاحية: التربية الإيمانية – القيم الإيمانية – بناء الإنسان المستخلف- قصة يوسف.
Abstract:
This study aims to clarify the centrality of faith education within the project of building the human being as successor to ensure renaissance, progress and development. Indeed, any failure to address this foundation will have dire consequences on the entire educational construction. That’s why, those interested in Islamic education have deployed considerable efforts while conceiving their educational programs whether in the past or the present to build this human successor according to the integrative and comprehensive vision of the Quran. The essence of this construction lies in the faith aspect that links the Creator to the creature wherefrom it derives the power to reconstruct and fill the earth with good and righteous deeds. In order to approach this topic, this study seeks to emphasize the impact of faith education in preparing this human model capable of fulfilling the responsibilities and duties of succession, through the faith values deduced from the story of Prophet Joseph, peace be upon him, as a successful Quranic model presented by the Holy Quran in the context of education.
Keywords: faith education – faith values - building the human being as successor – the story of Prophet Joseph.
مقدمة:
يعتبر بناء الإنسان أساس كل بناء حضاري راشد، وشرطا لتحقيق كل أشكال الأمن والسعادة، ونجاحُ هذا البناء المتين القادر على مقاومة كل عوامل الهدم والتدمير عمليةٌ تحتاج إلى إعداد جيد وتخطيط دقيق، لأنها من الصناعات الثقيلة التي تتطلب الجهد الكبير، والوقت الكافي حتى تستوي على سوقها، وتحقق مقاصدها وتخرج ثمارها اليانعة، ولذلك كانت وظيفة جميع الأنبياء والمرسلين ومن سار على دربهم من الدعاة والمربين والمصلحين، من أهم المسؤوليات وأشقها، لأن موضوع اشتغالها هو الإنسان، ذلك المخلوق العجيب التكوين البالغ التعقيد، من هنا ندرك أهمية النجاح في تربية هذا الإنسان، وخطر الفشل في هذه المعركة، فالإنسان وسيلة إما للبناء أو الهدم.
ولكي يَفي هذا الإنسان بمهمته في الوجود على الوجه المطلوب “جاء الخطاب له في القرآن ليبين له منهج عمله، ليسير في طريق الهداية متمثلاً عناصرها، ومحققا شروطها وأركانها لينال ثمرتها…ولشدة اعتناء القرآن بقيمة إعداد الإنسان وبنائه، نراه منذ اللحظة الأولى يُرسي توجيهاته الواضحة الجلية في تجهيز الإنسان وتحفيزه ليكون قادراً على أداء مهمته ورسالته في هذا الوجود”[1]، وتعتبر التربية الإيمانية أساس هذا البناء المتين للإنسان الخليفة، فهي الأصل الأصيل لكل بناء آخر، وإن أي خلل في إتقان هذا الأساس يكون له عواقبه الوخيمة على البناء التربوي برمته، فتجعله واهناً مهدداً بالسقوط في أي لحظة، لأنه أُقيم مغشوشا منقوصا، قال تعالى: (أَفَمَنُ ا۟سِّسَ بُنْيَٰنُهُۥ عَلَىٰ تَقْو۪ىٰ مِنَ اَ۬للَّهِ وَرِضْوَٰنٍ خَيْرٌ اَم مَّنُ ا۟سِّسَ بُنْيَٰنُهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ ه۪ارٖ فَانْهَارَ بِهِۦ فِے ن۪ارِ جَهَنَّمَۖ وَاللَّهُ لَا يَهْدِے اِ۬لْقَوْمَ اَ۬لظَّٰلِمِينَ)[التوبة: 110]، من هنا تظهر أهمية التربية الإيمانية في بناء الإنسان الرباني الموصول بوحي السماء وهداياته، العاصم من الزيغ والانحراف والظلم والضلال والإفساد، وعن هذا الحبل الذي يصل العبد بربه على الدوام، ويُمِده بقوة العطاء، ويزوده بالطاقة الدافعة نحو الفعل الإيجابي، يقول الدكتور محمد الدقور – عند حديثة عن الإعداد التربوي الإيماني والتزكوي- : “وهنا في قوله سبحانه وتعالى في مطلع هذه السورة: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لْمُزَّمِّلُ قُمِ اِ۬ليْلَ إِلَّا قَلِيلاٗ نِّصْفَهُۥٓ أَوُ اُ۟نقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً اَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ اِ۬لْقُرْءَانَ تَرْتِيلاًۖ اِنَّا سَنُلْقِے عَلَيْكَ قَوْلاٗ ثَقِيلاًۖ اِنَّ نَاشِئَةَ اَ۬ليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْـٔاٗ وَأَقْوَمُ قِيلاًۖ اِنَّ لَكَ فِے اِ۬لنَّه۪ارِ سَبْحاٗ طَوِيلاٗۖ) [المزمل: 1-6]، نلاحظ كيفية إعداد العلاقة مع الله سبحانه وبنائها، ونرى كيفية تربية الإنسان المسلم إيماناً وعبادة، وكيفية تزكيته الروحية والقلبية، لتكون هذه أساساً لانطلاقه عبرها إلى أداء رسالته والقيام بدوره المُناط به في الأرض من عمارتها وخلافة الله فيها، ومن شهود حضاري على أممها، ومن تطبيق شرع الله وإقامة صرح الإسلام فيها، فبقيام الليل وترتيل القرآن وتسبيح الله سبحانه ترسخ قيم العبادة لله عز وجل فيتربى الإنسان تربية إيمانية، ويتزكى تزكية روحية، ترتفع به وتبنيه وتُعده للهداية والفلاح في الدنيا والآخرة”[2].
ومن أهم ما تهدف إليه هذه الدراسة :
- ربط المسلم بالأصول الإيمانية القرآنية باعتبارها أساساً لعقيدته، يتحرك بوحي منها لأداء وظيفته الاستخلافية، وتحقيق الغاية من خلقه في هذه الدنيا.
- § تحصين عقيدة الشباب ضد تيارات الإفساد والتغريب، كدعوات الإلحاد المثير للشبهات، وطوفان الانحلال الأخلاقي المهيج للشهوات، والذي يهدف إلى جعل الإنسان عبداً لهواه، فواقع المسلمين اليوم وبخاصة الشباب يواجه تحديا قيمياً معلناً، يفتك بالهوية الإيمانية والأخلاقية للمسلم في زمن التدافع القيمي والتحدي الرقمي الجارف.
- تأكيد دور التربية الإيمانية في تزكية النفوس وطمأنينتها وسعادتها، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن
ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ىٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ) [النحل: 97]. - § بيان أثر عقيدة التوحيد والإيمان في عمارة الحياة على أساس مبدأ الاستخلاف، عوض العزلة والسلبية التي تطبع سلوك طوائف من المسلمين، نتيجة سوء فهم لطبيعة عقيدة التوحيد وروحها القائمة على الإيجابية والإنتاجية، ذلك أن غياب الرسالية والفعالية المطلوبة في سلوك المسلم المعاصر سببها الأساس الخللُ الإيماني تصوراً وعملاً، فبقوة الإيمان يُمكن له في الأرض ويهابه أعداؤه ويقدرونه، وبدون ذلك يهون ويشقى.
- المساهمة في إصلاح الأعطاب السلوكية في كل مجالات الحياة الإنسانية انطلاقا من إصلاح الأساس الإيماني.
- التأكيد على أثر القصص القرآني في تشريب القيم الإيمانية وغرسها من خلال قصة يوسف عليه السلام باعتباره نموذجاً قرآنيا ناجحاً مجسداً للقدوة الحسنة[3].
والسؤال الإشكالي الذي نروم الإجابة عنه هو: كيف يمكن للتربية على القيم الإيمانية أن تساهم في بناء الإنسان المسلم الرسالي المحصن بعقيدته، والقادر على مواجهة تحديات الحياة، والوفاء بأمانة الاستخلاف من خلال ربطه بالنماذج الرسالية التي ساقها القرآن الكريم باعتباره سبيل الخلاص والخروج من كل الأزمات التي تؤرق البشرية وتشقيها، وكيف أن قصة يوسف عليه السلام تقدم لنا مثالاً حياً لهذه النماذج القرآنية الفريدة التي حققت أعلى النجاحات الدنيوية على أساس الإيمان والاستقامة؟
وقد تم الاعتماد في هذا البحث المنهج الاستنباطي، الذي يقوم على استنباط القيم الإيمانية التي تضمنتها قصة يوسف عليه السلام، هذه القيم التي كانت الموجه لكل مواقف هذا النبي الكريم خلال أداء وظيفته الاستخلافية، مما يجعله نموذجا قرآنيا فريداً قابلا للتأسي، وكفيلاً ببناء الإنسان بناءً متيناً يحقق المقاصد العليا للتربية الإسلامية.
وقد تم الاقتصار في هذا البحث على عرض القيم الإيمانية من ضمن القيم الكثيرة التي اسنبطناها من قصة يوسف عليه السلام، ذلك أن المقام لا يتسع لعرض جميعها في مثل هذا المقال، وكذلك لأن القيم الإيمانية أساس لجميع القيم الأخرى، فالإيمان بوحدانية الله تعالى هو القيمة المركزية التي تدور في فلكها باقي القيم الأخرى.
خطة البحث: وسنتناول في هذا البحث موضوع التربية الإيمانية من خلال: مقدمة ومبحثين يتضمن كل منهما عدة مطالب، وخاتمة، كالآتي:
مقدمة: تطرقت لبيان أهمية الموضوع وبيان دواعي اختياره وإشكاليته، وعرض خطته
المبحث الأول: التربية الإيمانية: مفهوما وأهميتها ووسائل غرسها
المبحث الثاني: التربية على القيم الإيمانية من خلال قصة يوسف عليه السلام
خاتمة: لخصت أهم النتائج والتوصيات
المبحث الأول: التربية الإيمانية، مفهوما وأهميتها ووسائل غرسها
المطلب الأول: مفهوم التربية الإيمانية
للوقوف على مفهوم التربية الإيمانية نحتاج إلى تعريف كل من مفهومي التربية والإيمان كما يأتي:
أ-مفهوم التربية: تفيد كلمة التربية لغة: التنمية، يقال: ” رباه، أي: نماه، وربى فُلَانًا أي: غذاه ونشأه، ونمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية، وتربى: تنشأ وتغذى وتثقف”[4]، ومن التعاريف التي عرفت بها التربية أنها” تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا، تقول: ربيت الولد، إذا قويت ملكاته، ونميت قدراته، وهذبت سلوكه حتى يصبح صالحاً في بيئة معينة، وتقول تربى الرجل، إذا أحكَمتْه التجارب، ونشأ نفسه بنفسه”[5]
ب-مفهوم الإيمان: لغة: التصديق، قال ابن فارس: “الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، والآخر التصديق، والمعنيان متدانيان”…”وأما التصديق فقول الله تعالى:(وَمَآ أَنتَ
بِمُومِنٖ لَّنَا) [يوسف: 17] أي: مصدق لنا”[6]، وقال ابن منظور: ” والإِيمانُ ضدُّ الْكُفْرِ، والإِيمان: بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، ضدُّه التَّكْذِيبُ، يُقَالُ: آمَنَ بِهِ قومٌ وكذَّب بِهِ قومٌ”[7]، واصطلاحا: قال الشريف الجرجاني: “الإيمان في اللغة: التصديق بالقلب، وفي الشرع: هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان، وقيل: من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق، ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخل بالشهادة فهو كافر”[8]، وذهب ابن أبي العز في تعريفه إلى القول:” أَنَّهُ تَصْدِيقٌ بِالْجَنَانِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ”[9].
ج-التربية الإيمانية: انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن التربية الإيمانية هي عملية بنائية طويلة ومستمرة، الغرض منها تنشئة المتربي وتكوينه إيمانياً، من خلال كل البرامج والأنشطة الرامية إلى ترسيخ القيم الإيمانية التي جاء بها القرآن الكريم، وربى عليها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من خلال سنته الشريفة وسيرته العملية، بما يجمع بين الاعتقاد القلبي الصحيح والسلوك العملي المترجِم لهذا الإيمان، فلا إيمان في التصور القرآني مقطوعاً عن العمل، قال تعالى: (اِنَّ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ اُ۬لزَّكَوٰةَ لَهُمُۥٓ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَۖ)[البقرة: 276]، وعَنْ سُفْيَان بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ اعْتَصمُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»[10]، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (إِنَّ اَ۬لذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اَ۬للَّهُ ثُمَّ اَ۪سْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ اُ۬لْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ اِ۬لتي كُنتُمْ تُوعَدُونَۖ)[فصلت: 29]، فكل هذه النصوص وغيرها كثير يؤكد لنا أن الإيمان في الإسلام لا يُساق إلا مشفوعاً بالعمل الصالح.
وقد تنبه الدكتور مصدق الجليدي في سياق حديثه عن مسوغات الاهتمام بالتربية الإيمانية إلى أن مفهوم الإيمان في الثقافة الموروثة بجانبيها النظري والعملي قد أصابه قدر كبير من الخلل الذي يجب إصلاحه في البديل التربوي المنشود، ومن مظاهر الخلل أو التحريف أن مفهوم الإيمان الذي يُربى عليه في المؤسسة التعليمية الموروثة كاد أن يقتصر على الغيبيات، دون ربطه بالسلوك والعمل، بينما تتواتر في القرآن الكريم الآيات التي تربط الإيمان بالعمل الصالح، فيقدم لطفل المدارس لائحة بأركان الإيمان وفق المذهب السائد بما يوهم انفصالها عن كل واجب عملي، والحال أن الإيمان بالرسل والكتب السماوية يتضمن ضرورة العمل بما جاء به الرسل في تلك الكتب من معروف والانتهاء عما حذرت منه من منكر، أما طالب الجامعة فيُعلم تعقيدات من علم الكلام انتهت الحاجة إليها…لكونها إنما وُضعت في البدء للذب عن عقيدة التوحيد في وجه المذاهب والديانات المزيغة عنها[11]، ثم دعا بعد ذلك إلى ضرورة تصحيح هذا التوجه المغلوط، وهذا التصور المجانب لحقيقة العقيدة الإسلامية، من خلال تأكيده على مركزية مفهوم الاستخلاف في الأرض كميزان نزن به تصوراتنا للعقيدة والإيمان ونزن به سلوكاتنا وأعمالنا، ذلك أن الوفاء بأمانة الاستخلاف في الأرض وعمارتها بالخير لايتم إلا بدافع إيماني وعقيدة صحيحة حاثة على الفعل الإيجابي، “إن ما نسميه اليوم الحس الحضاري والسلوك المدني وحقوق الإنسان كلها قيم مُشتملة في صلب منظومة الإيمان التوحيدي الحق، ألم ينبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن «إماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان»[12] وهي أدناها؟!”[13]
المطلب الثاني: أهمية التربية الإيمانية
تعد التربية الإيمانية الأساس المتين الذي يقوم عليه بناء الإنسان الرسالي، الذي يَفي بأمانة الاستخلاف وعمارة الدنيا بالخير وتحقيق العبودية الكاملة لله رب العالمين، وبدون إحكام هذا الأساس تفشل عملية البناء التربوي للإنسان فشلا ذريعا، وتخرج للمجتمع نماذج مشوهة فاقدة للتوازن، تائهة لا تدرك الغاية من وجودها، مما يجعلها وسيلة من وسائل الهدم والإفساد.
إن حركة الإنسان في هذه الحياة حركة قاصدة، لا يمكن أن تصدر من فراغ بل عن عقيدة راسخة تُعتبر الموجهَ الأساس لسلوكياته وتصرفاته، والإيمانُ هو أساس العقيدة التي نعتقدها، فلماذا عُد الإيمان أساسا للتربية الإسلامية عموما؟ ولماذا كانت له كل هذه الأهمية؟
مركزية القضية الإيمانية باعتبارها أساساً لكل بناء تربوي متين
إن التربية الإيمانية ذات أهمية بالغة، والحاجة إليها دائمة ومتجددة، باعتبارها قضية مركزية ضمن مشروع بناء الإنسان الخليفة، لذلك كان من أعظم مقاصد بعثة الأنبياء تزكيةُ النفوس وتطهيرها، ورسم الطريق لها لتترقى في مدارج الكمال سعياً لتحصيل سعادتها في العاجل والآجل، ولا سبيل إلى ذلك كله إلا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ىٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ) [النحل: 97]، لذلك ” أولى الأنبياءُ عليهم السلام الإيمانَ بالله تعالى أهمية كبرى، وصار أولَ ما يدعون إليه، وأهم مطلب عندهم، فالإيمان هو القيمة الأعلى والأسمى، تنبثق منها القيم الأخرى، كما ينبثق النور من الشمس، فجماع القيم التربوية الإسلامية تتفرع عن الإيمان بالله تعالى،… ولا يمكن أن تينع وتزهر إلا في ظل الاعتقاد الصادق والإيمان الحقيقي بالله ومراقبته بصفة دائمة، وهذا الشرط وحده هو الكفيل بضمان الحفاظ على المقاصد التي رمت إليها الشريعة الإسلامية”[14]. فقد كانت الدعوة إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له مدار رسالات جميع الأنبياء، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة، يرسخ معاني الإيمان، وأسس الاعتقاد الصحيح في نفوس الناس، حتى إذا استوى هذا البناء الإيماني واستقام، سهُل بعد ذلك كل بناء وتيسر مادام الأساس مكيناً، يقول الدكتور يوسف القرضاوي:” فإن قضية الإيمان ليست أمراً على هامش الوجود، يجوز لنا أن نغفله أو نستخف به، أو ندعه في زوايا النسيان، كيف وهي أمر يتعلق بوجود الإنسان ومصيره؟ بل أجد قضية الإيمان هي أعظم قضية مصيرية بالنظر إلى الإنسان، إنها سعادة الأبد أو شقوته، إنها لجنة أبداً أو لنار أبداً، فكان لزاماً على كل ذي عقل أن يفكر فيها ويطمئن إلى حقيقتها”[15]، وفي إشارة إلى ثمار الإيمان ونتيجته يقول القرضاوي – معقباً على كلام أورده للفيلسوف الرياضي باسكال-: “ونحن نزيد على هذا فنقول: إن الذي يؤمن بالله والدار الآخرة لا يخاطر بدنياه الفانية ليربح آخرته الباقية… كلا، إنه بإيمانه يربح الحياتين معاً، ويفوز بالحُسنيين في الدنيا والآخرة جميعا، وصدق الله العظيم: (مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ اَ۬لدُّنْي۪ا فَعِندَ اَ۬للَّهِ ثَوَابُ اُ۬لدُّنْي۪ا وَالَاخِرَةِۖ)[النساء: 133]، (لِّلذِينَ أَحْسَنُواْ فِے هَٰذِهِ اِ۬لدُّنْي۪ا حَسَنَةٞۖ وَلَدَارُ اُ۬لَاخِرَةِ خَيْرٞۖ وَلَنِعْمَ دَارُ اُ۬لْمُتَّقِينَۖ)[النحل: 30]”[16].
وعن هذه الحاجة الدائمة المتجددة للإيمان المحقِقِ للاطمئنان وسعادة الإنسان يقول ابن تيمية رحمه الله:” واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئا، ليس له نظير فيقاس به؛ لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب؛ وبينهما فروق كثيرة، فإن حقيقة العبد قلبُه وروحُه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها، الله الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره…ولو حصل للعبد لذاتٌ أو سرور بغير الله فلا يدوم ذلك”.[17]
الإيمان بالله فطرة في الإنسان
إن الإيمان بالله تعالى وتوحيده وتحقيق العبودية الكاملة له سبحانه فطرةٌ مركوزة في كل إنسان، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاٗ فِطْرَتَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِے فَطَرَ اَ۬لنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اِ۬للَّهِ ذَٰلِكَ اَ۬لدِّينُ اُ۬لْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 29]، يقول د.علي مدكور: ” لاشك أن الله خلق الإنسان مفطوراً على الإيمان بالله وحب الخير، فالله سبحانه أحسنَ كل شيء خلقه، ويُفهم هذا صراحة من قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا اَ۬لِانسَٰنَ فِےٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٖ ثُمَّ رَدَدْنَٰهُ أَسْفَلَ سَٰفِلِينَ إِلَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمُۥٓ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٖۖ)[التين: 4-6]، فالحقيقة الرئيسية في هذه الآيات هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الناس عليها، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان، والوصول بها إلى كمالها المقدور لها، وهبوط الإنسان وسفوله حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان”[18]، وبعد مناقشة وتفصيل لهذه القضية قال[19]: “فحقيقة التوحيد مركوزة في الفطرة الإنسانية، يخرج بها كل مولود إلى الوجود، فلا يميل عنها إلا أن يُفسِد فطرتَه عاملٌ خارجي عنها، عامل يستغل الاستعداد البشري للهدى والضلال، وهو استعداد كامن تُخرجه إلى حيز الوجود الملابسات والظروف التي ينشأ فيها الإنسان، يوضح هذا صراحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟»[20]، فالإيمان أصل لكل المصالح المستجلبة والمفاسد المستدفعة في العاجل والآجل، وكل خلل يصيب هذا الأصل الأصيل يأتي على البناء كله بالإبطال والهدم، فهو المحفزُ على المسابقة في الخيرات، العاصمُ من الشرور والسيئات، وبه سعادة الإنسان واطمئنانه في الدنيا والآخرة.
المطلب الثالث: وسائل غرس التربية الإيمانية
تنوعت الوسائل والأساليب التربوية التي اعتمدها القرآن الكريم في غرس الإيمان والتربية على قيمه، ومن أبرز هذه الأساليب: أسلوب القصة، “فليست القصة القرآنية-كما يشير إلى ذلك د. عبد الرحمن النحلاوي- عملاً فنياً مطلقاً مجردا عن الأغراض التوجيهية، إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى تحقيق أغراضه الدينية الربانية، فهي إحدى وسائل القرآن الكثيرة لإبلاغ الدعوة الإسلامية وتثبيتها”[21]، ثم قدم بعض الأغراض التي سيقت القصة القرآنية لأجلها، لكي يكون المربي على بينة من هذه الأغراض فيوجه الطلاب بالاستجواب عن كل غرض إلى معرفة هذا الغرض، وتحقيقه في سلوكهم أو في تربية عقولهم ووجدانهم وعواطفهم، ومن أهم هذه الأغراض والمقاصد[22]:
- إثبات الوحي والرسالة، وتحقيق القناعة بأن محمدا صلى الله عليه وسلم، يتلو على قومه هذه القصص من كلام ربه، وأنه رسول الله يبلغ رسالة ربه، والقرآن ينص على هذا الغرض نصاً في مقدمات بعض القصص أو في أواخرها، كقوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اَ۬لْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ اَ۬لْغَٰفِلِينَۖ)[يوسف: 3]، وما جاء في سورة هود: (تِلْكَ مِنَ اَنۢبَآءِ اِ۬لْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا)[هود: 49].
- بيان أن الدين كله من عند الله.
- بيان أن الله ينصر رسله والذين آمنوا، ويرحمهم وينجيهم من المآزق والكروب، من عهد آدم ونوح إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد رب الجميع.
وبعد أن قدم أمثلة ونماذج لقصص الأنبياء، ختم بقوله: ” ثم يخاطب الله مباشرة جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم بقوله: (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمُۥٓ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِۖ)[الأنبياء: 91]، فتبين بهذه الآية الكريمة تقرير الغرض الأصيل من هذا الاستعراض الطويل، وهو أن جميع الأنبياء يدينون دينًا واحدًا، يخضعون لرب واحد يعبدونه وحده لا يشركون به شيئا”[23].
وفي ذات السياق يؤكد سيد أحمد طهطاوي على الدور التربوي الذي تلعبه القصة القرآنية في غرس القيم، يقول: “والقصة القرآنية يمكن أن تكون عملا ً تربويا ً هاما في نشر الاتجاهات والقيم المرغوب فيها، والدعوة إلى الإصلاح، والتحلي بكريم الأخلاق بما لها من أثر عميق وعظيم في نفوس المتعلمين، ولما لها من قدرة على التأثير والتغيير والتوجيه”[24].
مما سبق يتبين لنا أهمية التربية الإيمانية ودورها الكبير في البناء الإيماني، وأثر القصة القرآنية كوسيلة فعالة في تشريب هذه القيم وترسيخها في النفوس، من خلال عرض حي تجسده شخصيات قرآنية حاملة لهذه القيم، وهو ما يتولى المبحث الثاني تأكيده من خلال عرض القيم الإيمانية المستنبطة من قصة يوسف عليه السلام.
المبحث الثاني: التربية على القيم الإيمانية من خلال قصة يوسف عليه السلام
والمقصود بها كل القيم التي تنظم علاقة الإنسان ِبربه، وتحدد صلته به على المستوى العمودي، وترتبط بالتصور والاعتقاد، وقد عرفها أبو العينين بأنها: “تلك القيم المنظمة لعلاقة الإنسان ِبربه، والتي تحدد صلته به” وقد سماها القيم الروحية العقدية[25]، وتعتبر أساساً لكل أصناف القيم التربوية الأخرى، وفيما يأتي عرض لجملة من هذه القيم الإيمانية البانية لعقيدة الإنسان المستخلف، والتي تجلت بوضوح في شخصية يوسف الصديق عليه السلام:
المطلب الأول: قيمة الإخلاص
يوسف العبد المخلص لله رب العالمين: فقد وصفه الله تعالى بقوله: (ا۪نَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا اَ۬لْمُخْلَصِينَۖ) [يوسف: 24]، وكلمة الإخلاص هي كلمة التوحيد، والمخلَصون هم الموحدون، قال ابن القيم -رحمه االله-: “الإخلاص: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة” وقيل: “تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ”[26]، وقيل: “الإخلاص: تصفية الأعمال من الكدورات”[27]، فقد كان يوسف عليه السلام عبداً مخلصا لله رب العالمين، كما أكدته مواقفه المتعددة، ومن ذلك قوله:(مَعَاذَ اَ۬للَّهِۖ)[يوسف: 23] عند مراودة امرأة العزيز له وهما في خَلوة، مجسداً بذلك هذه الصورة الحافلة بمعاني الإخلاص لله تعالى، والارتباط بحبله المتين، فقد كان رده على عَرْضها، حاسماً وصارماً لا يقبل التردد والتفكير، حيث قال: (معاذ الله)، “قال الزجاج: هو مصدر، والمعنى: أعوذ بالله أن أفعل هذا”[28]، وهذا الامتناع الذي لا يقبل المناقشة إنما يكون ثمرة من ثمار الخوف من الله أو من ثمار المحبة أو هما معاً، إنه أثر “فقه المراقبة” الذي يحضر سنداً ودعماً لأولياء الله الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إنه ثمرة من ثمار الإخلاص وحسن الصلة بالخالق العظيم.
المطلب الثاني: قيمة التوحيد ونبذ الشرك
التوحيد إفراد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وجوهر رسالات الأنبياء يدور حول هذه القيمة المركزية، توحيد الله ونبذ الشرك، ومن المواضع التي أشارت إلى هذه القيمة المركزية في قصة يوسف عليه السلام:
1- قيمة الإيمان بوحدانية الله وإخلاص العبادة له سبحانه: قال تعالى:(إِنِّے تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٖ لَّا يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُون وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيَ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَۖ مَا كَانَ
لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَےْءٖۖ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اِ۬للَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى اَ۬لنَّاسِۖ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَشْكُرُون يَٰصَٰحِبَيِ اِ۬لسِّجْنِ ءَآرْبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ اَمِ اِ۬للَّهُ اُ۬لْوَٰحِدُ اُ۬لْقَهَّارُۖ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسْمَآءٗ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اَ۬للَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍۖ اِنِ اِ۬لْحُكْمُ إِلَّا لِلهِۖ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۖ ذَٰلِكَ اَ۬لدِّينُ اُ۬لْقَيِّمُۖ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ)[يوسف: 37-40]، ففي هذا المقطع من القصة، يصور لنا السياق القرآني دعوة يوسف صاحبيه في السجن إلى عقيدة التوحيد الصافية، ونبذ الشرك وعبادة غير الله، متبرئا من عقائد قومه وكفرهم بالله واليوم الآخر، موضحا لهما أن العقيدة التي جاء يبشر بها، هي استمرار لعقيدة جميع الأنبياء من قبله، فهي ملة آبائه وأجداده، “ثم فسر تلك الملة بقوله: (مَا كَانَ لَنَا) أي: ما ينبغي ولا يليق بنا (أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) بل نفرد الله بالتوحيد، ونُخلص له الدين والعبادة”[29]، مقيماً الأدلة العقلية على وحدانية الله بقصد إقناعهما.
2-قيمة الاستعانة بالله: وذلك في قوله سبحانه: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمُۥٓ أَنفُسُكُمُۥٓ أَمْراٗۖ فَصَبْرٞ جَمِيلٞۖ
وَاللَّهُ اُ۬لْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَۖ ) [يوسف: 18]، فالاستعانة بالله أساس التوكل، ودليل صحة الإيمان، وهو اعتراف من العبد الصادق في إيمانه، بأنه لا يستعين إلا بربه، قال سبحانه:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُۖ)[الفاتحة: 4]، وفي حوار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس تربية على عقيدة الاعتماد على العلي القدير وحده سبحانه، حيث قال له: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»[30].
المطلب الثالث: قيمة الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان المسلم بدونها، قال سبحانه:
(مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِے اِ۬لَارْضِ وَلَا فِےٓ أَنفُسِكُمُۥٓ إِلَّا فِے كِتَٰبٖ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآۖ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اَ۬للَّهِ يَسِير)[الحديد:21]، وقوله سبحانه: (سُنَّةَ اَ۬للَّهِ فِے اِ۬لذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُۖ وَكَانَ أَمْرُ اُ۬للَّهِ قَدَراٗ مَّقْدُوراً)[الأحزاب: 38]، وفي حديث جبريل المشهور أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال:” أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[31]، وغيرها من الأحاديث الدالة على هذا الركن العظيم، ومما يدل على هذه القيمة في قصة يوسف:
1-موقف يعقوب عليه السلام عند وصيته لأبنائه: قال تعالى:(وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَادْخُلُواْ مِنَ اَبْوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغْنِے عَنكُم مِّنَ اَ۬للَّهِ مِن شَےْءٍۖ اِنِ اِ۬لْحُكْمُ إِلَّا لِلهِۖ)[يوسف: 67]. فقد أوصى يعقوب عليه السلام أولاده من باب الأخذ بالأسباب، لكن ذكرهم في ذات الوقت أنه لا مفر مما يقضيه الله ويقدره، ” أي: لن أدفع عنكم شيئاً قضاه الله، فإنه إِن شاء أهلككم متفرقين، ومصداقه في الآية التي بعدها ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها، وهي إِرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم”[32]
2-الإيمان بأن الابتلاء والامتحان من طبيعة الحياة الدنيا: حيثنتعلم من قصة يوسف عليه السلام أن الحياة مليئة بالمحن والابتلاءات مما قدره الله تعالى- على يوسف ويعقوب عليهما السلام في هذه القصة- وأن الإنسان معرض فيها للكثير من المنغصات، ولذلك فهي مشوبة بالآلام والمعاناة التي تدخل في دائرة القضاء والقدر الواجب على المؤمن الإيمان به مع الأخذ بالأسباب المشروعة، قال الشاعر[33] واصفاً طبيعة الحياة الدنيا:
طُبِعَـتْ علـى كَــدَرٍ وأنــت تريـدهـا *** صـفــواً مـــن الأقـــذاءِ والأكـــدارِ |
ومـكـلِّـفُ الأيَّـــامِ ضــــدَّ طـبـاعـهـا *** متطـلِّـبٌ فــي الـمــاءِ جَـــذوةَ نـــارِ |
وقد ذكرنا الله تعالى بحقيقة هذه الحياة والغاية من خلقها فقال: (تَبَٰرَكَ اَ۬لذِے بِيَدِهِ اِ۬لْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَےْءٖ قَدِيرٌۖ اِ۬لذِے خَلَقَ اَ۬لْمَوْتَ وَالْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمُۥٓ أَيُّكُمُۥٓ أَحْسَنُ عَمَلاٗۖ وَهُوَ اَ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْغَفُور)[الملك: 1-2].
المطلب الرابع: قيمة الإيمان باليوم الآخر
من القيم الإيمانية التي وردت في القصة: الإيمان باليوم الآخر، وهو من أركان الإيمان الستة، ولا يكون العبد مؤمنا إذا أنكره، قال تعالى على لسان يوسف: (إِنِّے تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٖ لَّا يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُون)[يوسف: 37]، أي: “تركت دين قوم لا يؤمنون بوحدانية الله بل يشركون معه آلهة أخرى، والمراد من تركهم لدينهم أنه لم يدخل فيه أصلاً ليتركه بعد ملابسته، (وَهُم بِالَاخِرَةِ هُمْ كَٰفِرُونَ) أي: لا يؤمنون بالبعث ولا بالثواب والعقاب من الله على أعمالهم يوم الجزاء”[34]، وقال أبو حيان الأندلسي: “وَعَبَّرَ بِتَرَكْتُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِتِلْكَ الْمِلَّةِ قَطُّ، إِجْرَاءٌ لِلتَّرْكِ مَجْرَى التَّجَنُّبِ مِنْ أَوَّلِ حَالَةٍ، وَاسْتِجْلَابًا لَهُمَا لِأَنْ يَتْرُكَا تِلْكَ الْمِلَّةِ الَّتِي كَانَا فِيهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِنِّي تَرَكْتُ تَعْلِيلًا لِمَا قَبْلَهُ أَيْ: عَلَّمَنِي ذَلِكَ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ لِأَنِّي رَفَضْتُ مِلَّةَ أُولَئِكَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهِيَ الْمِلَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ…وَنَبَّهَ عَلَى أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ وَهُمَا: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْإِيمَانُ بِدَارِ الْجَزَاءِ، وَكَرَّرَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ…، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:« وَتَكْرِيرُهُمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خُصُوصًا كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلِتَوْكِيدِ كُفْرِهِمْ بِالْجَزَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْكَبَائِرِ الَّتِي لَا يَرْتَكِبُهَا إِلَّا مَنْ هُوَ كَافِرٌ بِدَارِ الْجَزَاءِ»”[35].
المطلب الخامس: قيمة الإيمان بالغيب
الغيب كل ما غاب عن الإنسان، وما لا يُدركُه حسه، ومعناه شرعا: ما استأثر الله بعلمه، ولم يُطْلع عليه أحداً من خلقه، إلا من ارتضى من رسله، ويقصد بالإيمان بالغيب التصديق الجازم بكل الغيبيات، التي أخبرنا الله ورسوله عنها، دون شك أو تردد، ويشمل الإيمان بالغيب الإيمان بأركان الإيمان الستة، لأنها أصل لما سواها، وأثره في السلوك عظيم، وهو من صفات المتقين، قال سبحانه: (ذَٰلِكَ اَ۬لْكِتَٰبُ لَا رَيْبَۖ فِيهِ هُدىٗ
لِّلْمُتَّقِينَ اَ۬لذِينَ يُومِنُونَ بِالْغَيْبِ)[البقرة: 1-2]، وتُعد قصة يوسف عليه السلام من أنباء الغيب الدالة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم،فبعد نهاية أحداث قصة يوسف، جاء التعقيب على أحداثها من خارجها، خطاباً من الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لبيان الغرض والمقصد من سوق هذه القصة، فقال سبحانه: (ذَٰلِكَ مِنَ اَنۢبَآءِ اِ۬لْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْك وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمُۥٓ إِذَ اَجْمَعُوٓاْ أَمْرَهُمْ
وَهُمْ يَمْكُرُون)[يوسف: 102]، أي أن هذه القصة التي أخبرناك بتفاصيلها، هي من أخبار الغيب، الذي أوحيناه إليك ليكون من الدلائل الشاهدة على صدق نبوتك، وهو نفس الإخبار الذي سبق بداية القصة، مُوجَهاً من الله تعالى إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اَ۬لْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ اَ۬لْغَٰفِلِينَۖ)[يوسف: 3]، فجاءت القصة بين إخبار قبلي وإخبار بعدي، للدلالة على أنها من الغيب الذي أيد الله به رسوله الكريم.
المطلب السادس: قيمة اليقين والثقة بالله
اليقين ضد الشك، وهو الخبر الثابت الواضح الذي لا شك فيه، وفي الاصطلاح هو العلم الحق الثابت الراسخ في القلب رسوخ اعتقاد جازم لا يخالطه شك ولا ظن، ومن علاماته: تفويض المؤمن أمره إلى الله، ثقة بحسن تقديره ورحمته بعباده المؤمنين، وقد تجلى ذلك في ردة فعل يعقوب عليه السلام في أكثر من مناسبة، حيث واجه الأخبار الصادمة بتفويض أمره إلى من بيده الأمر كله، ومما يؤكد ذلك:
1-رجاء يعقوب ويقينه في عودة أولاده: (عَسَى اَ۬للَّهُ أَنْ يَّاتِيَنِے بِهِمْ جَمِيعاًۖ اِنَّهُۥ هُوَ
اَ۬لْعَلِيمُ اُ۬لْحَكِيمُۖ)[يوسف: 83] فرجاء يعقوب عليه السلام في عودة أبنائه الغائبين مصدره قوة يقينه وثقته في الله تعالى.
2-اليقين في قضاء الله تعالى وقدره دليلُ تعلق القلب بالله رب العالمين: فالداعية الرسالي يغتنم كل فرصة للوعظ والتذكير بقيم الحق، كما فعل يعقوب عليه السلام مع أولاده، عندما اغتنم فرصة تحقق وعد الله له، لتذكيرهم بثمار اليقين في الله الذي لا يُخلِف وعدَه، حيث قال لهم: (قَالَ أَلَمَ اَقُل لَّكُمُۥٓ إِنِّيَ أَعْلَمُ مِنَ اَ۬للَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَۖ) [يوسف:96].
3-الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق: فمن القيم الإيمانية التي ينبغي إشاعتها بين الناس، ثقافة الأمل والتفاؤل بأن القادم خير، وأن إحسان الظن بالله من عقيدة المؤمن الموقن بتحقق موعود الله ونصرته لعباده المخلصين، مهما طال الزمن واشتدت المحن، فلا عيش بلا أمل، قال الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ***ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل[36] |
ولذلك كان النهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله، لأنه يتنافى مع مقتضيات الإيمان الصحيح، فقد أوصى يعقوب عليه السلام أولاده بالأمل وعدم اليأس، فقال لهم: (يَٰبَنِيَّ اَ۪ذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِنْ يُّوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ اِ۬للَّهِ إِلَّا اَ۬لْقَوْمُ اُ۬لْكَٰفِرُونَۖ)[يوسف: 87].
4-اليقين بنصر الله لعباده المتقين:قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا اَ۪سْتَيْـَٔسَ اَ۬لرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُواْ
جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُۨجِے مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ اِ۬لْقَوْمِ اِ۬لْمُجْرِمِينَۖ)،[يوسف:110]، إذ من اليقين في الله اعتقاد المؤمن بنصر الله له ولأهل الحق جميعاً، مهما طال الزمن واشتدت المحن والكروب.
المطلب السابع: قيمة الإيمان بعداوة الشيطان لبني آدم
لقد جاء على لسان يعقوب وهو ينصح ابنه يوسف عليهما السلام بكتم رؤياه: ( اِنَّ اَ۬لشَّيْطَٰنَ لِلِانسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞۖ) [يوسف: 5]، فقد كان كيد الإخوة ليوسف بوسوسة النفس الأمارة بالسوء وبإغواء الشيطان الرجيم، وإلى ذلك الإشارة في نهاية القصة، حيث قال يوسف: (وَجَآءَ بِكُم مِّنَ اَ۬لْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ اَ۬لشَّيْطَٰنُ بَيْنِے وَبَيْنَ إِخْوَتِيَۖ) [يوسف: 100]، ومما يؤكد هذه الحقيقة الإيمانية، قوله تعالى: (إِنَّ اَ۬لشَّيْطَٰنَ لَكُمْ عَدُوّٞ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاًۖ)[فاطر: 6]، وفي سياق تحذير إبراهيم لأبيه آزر قال: (يَٰٓأَبَتِ لَا تَعْبُدِ اِ۬لشَّيْطَٰنَۖ إِنَّ اَ۬لشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيّاٗۖ)[مريم: 44]، كل هذا ليُترسخ في اعتقاد المؤمن عداوة الشيطان لله تعالى ولجميع خلقه، فيحذر من غوايته وعداوته.
المطلب الثامن: قيمة التوبة والاستغفار
من القيم الإيمانية التي تربينا عليها قصة يوسف قيمة التوبة، وهي الرجوع عن الذنوب والسيئات والندم على ذلك، ومحو أثرها بفعل الحسنات، قال تعالى: (إِنَّ اَ۬لْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اَ۬لسَّيِّـَٔاتِۖ)[هود: 114]، وفي الحديث: «واتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها»[37]، ومن المواقف التي تشير إلى هذه القيمة الإيمانية:
1-تسويف إخوة يوسف بالتوبة: فقد سَوف إخوة يوسف بالتوبة وهم عازمون على فعل الذنب بإجماعهم على إلقاء أخيهم يوسف في الجب، فقالوا: (وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْماٗ صَٰلِحِينَۖ)[يوسف: 9]، أي: ينفذون فعلتهم الشنيعة، وجريمتهم العظيمة، ثم يتوبون عن ذلك!؟ والتسويف بالتوبة بعد العزم المسبق على المعصية حرام شرعاً، “إن عدداً من الناس يسول لهم الشيطان أعمالهم، فيدعوهم إلى المعصية ويزينها لهم، ويقول لهم: اقترفوها ثم توبوا من بعدها…ولعمري هل يعلم الإنسان ساعة أجله، والله يقول: (وَمَا تَدْرِے نَفْسٞ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداٗۖ وَمَا تَدْرِے نَفْسُۢ بِأَيِّ أَرْضٖ تَمُوتُۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۖ )[لقمان: 33][38].
2-وعد يعقوب أولاده بالاستغفار لهم:(قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا اَ۪سْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٕينَۖ قَالَ سَوْفَ
أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لْغَفُورُ اُ۬لرَّحِيمُۖ)[يوسف: 97-98]، فهذا اعتراف منهم بالخطأ أمام أبيهم يعقوب، ودليل على ندمهم وتوبتهم.
3-استغفار يوسف لإخوته: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُۖ اُ۬لْيَوْمَ يَغْفِرُ اُ۬للَّهُ لَكُمْۖ وَهُوَ أَرْحَمُ اُ۬لرَّٰحِمِينَۖ) [يوسف:92]، فقد “سمح لهم سماحا تاما، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين”[39]
4-توبة إخوة يوسف واعترافهم بالخطأ: (قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدَ اٰثَرَكَ اَ۬للَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٕينَۖ) [يوسف:91]
5-توبة امرَأَة ٱلعَزِيزِ واعترافها بالخطأ عند إدلائها بشهادة الحق: قال تعالى:(قَالَتِ اِ۪مْرَأَتُ اُ۬لْعَزِيزِ اِ۬لَٰنَ حَصْحَصَ اَ۬لْحَقُّ أَنَا رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ اَ۬لصَّٰدِقِينَۖ)[يوسف: 51]، ففي اعترافها تبرئة لساحة المظلوم، لأن اعتراف المدعي دليل على براءة المدعى عليه، وهو ما جسده لنا موقفها عند المحاكمة، حيث بادرت إلى الاعتراف بالذنب، معلنة براءة يوسف وصدقه، وهو سلوك راشد ينم عن يقظة الضمير وصحوته، كما يدل على توبة صاحبه وندمه، فالخطأ من صفات الإنسان الضعيف، والتوبة عنه علامة خير، قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[40]، فلقد أبقى الله باب التوبة مفتوحاً، رحمة بعباده المذنبين ليعودوا إلى جواره مهما كانت ذنوبهم، كما وعدهم بأن يتوب عليهم إذا أحسنوا الأوبة وأخلصوا التوبة، فقال في الحديث القدسي: «…وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً»[41]
المطلب التاسع: قيمة الدعاء والتضرع إلى الله
قال الخطابي: “معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ، وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرٌّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه”[42]، فالدعاء علامة الإيمان الخالص، وبه يكشف البلاء، وتفتح أبواب السماء، ويستجلب العطاء، ومما يدل على هذه القيمة الإيمانية في قصة يوسف:
1-دعاء يوسف ربه بأن يصرف عنه كيد النسوة: فاللجوء إلى الله في الشدائد، والتضرع إليه عند المحن ادعى لاستجابة الدعاء وكشف البلاء، قال تعالى: (أَمَّنْ يُّجِيبُ اُ۬لْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ اُ۬لسُّوٓءَ)[النمل: 62]، فقد وعدنا الله تعالى بالإجابة إذا دعوناه بإخلاص، ولجأنا إلى حماه مفتقرين إلى رحمته، مُظهرين ضعفنا وحاجتنا بين يديه، قال عز وجل: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ أَنتُمُ اُ۬لْفُقَرَآءُ اِ۪لَى اَ۬للَّهِۖ وَاللَّهُ هُوَ اَ۬لْغَنِيُّ اُ۬لْحَمِيدُۖ)[فاطر: 15]، فلا غنى للعبد عن اللجوء إلى ركن الله الآمن، والطمع في رحمته الواسعة، “وفي غمرة الدعاء يجد المتلقي نفسه أمام لفتة إنسانية مبهرة تثير مشاعره، وتربيه على الالتجاء إلى الله في كل الأحوال، مهما كان صلاحه وقوته في مواجهة مغريات الحياة: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّے كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ اَ۬لْجَٰهِلِينَۖ فَاسْتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ ) [يوسف: 33-34]”[43]، فهذا شأن الأنبياء وأهل الإصلاح، اللجوء إلى الله في الرخاء والشدة، موقنين بنصر الله وتأييده لعباده وأوليائه، فـ(اِ۬للَّهُ وَلِيُّ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ اَ۬لظُّلُمَٰتِ إِلَى اَ۬لنُّورِۖ)[البقرة: 256]، تأمل مواقف الأنبياء والمرسلين، وعباد الله المتقين المصلحين، لترى تأييده ونصره لهم في كل حين، وتذكر ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وكيف صَرف عنه سبحانه كيدَ أعدائه، وتأمل إصراره صلى الله عليه وسلم في الدعاء ليلة غزوة بدر –يوم الفرقان- حتى أشفق لحاله صاحبه أبو بكر الصديق، وتذكر نصر الله لرسوله وللمؤمنين على أعداء الله، رغم كثرة عددهم وعدتهم،… فكان الرد سريعاً، والجواب شافيا (فاسْتَجَابَ لَهُۥ رَبُّهُۥ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ) [يوسف: 34]، إنه عز وجل قريب من عباده يسمع أنينهم، ويعلم ما يجيش في صدورهم، فما على العبد إلا الصدقَ في الدعاء، وإحسانَ الظن بالله تعالى، وأنه سبحانه لن يُخيبه وقد حقق الشرط، قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِے عَنِّے فَإِنِّے قَرِيبٌۖ ا۟جِيبُ دَعْوَةَ اَ۬لدَّاعِۦٓ إِذَا دَعَانِۦۖ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِے وَلْيُومِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَۖ ([البقرة: 186].
2-دعاء يعقوب ع.السلام ربه:(قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّے وَحُزْنِيَ إِلَى اَ۬للَّهِۖ وَأَعْلَمُ مِنَ اَ۬للَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَۖ )[يوسف: 86].
3-دعاء يوسف شاكراً ربه على نعمه وأفضاله: قال تعالى: ( رَبِّ قَدَ اٰتَيْتَنِے مِنَ اَ۬لْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِے مِن تَاوِيلِ اِ۬لَاحَادِيثِۖ فَاطِرَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِے اِ۬لدُّنْي۪ا وَالَاخِرَةِ تَوَفَّنِے مُسْلِماٗ وَأَلْحِقْنِے بِالصَّٰلِحِينَۖ )[يوسف: 101] فهذا دعاء الشاكرين المعترفين بفضل الله ومَنِه.
المطلب العاشر: قيمة التوكل على الله
التوكل في الاصطلاح الشرعي: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كما ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى[44]، ومما يشير إلى هذه القيمة الإيمانية في القصة:
1-موقف يوسف مع السجين الناجي:(وَقَالَ لِلذِے ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنْهُمَا اَ۟ذْكُرْنِے عِندَ رَبِّكَۖ)[يوسف: 42]، فالسعي في الأسباب مطلوب شرعا، ولا ينافي التوكلَ على الله، فقد طلب يوسفُ عليه السلام من رفيقه في السجن -عند مغادرته- أن يذكر قصة سجنه ظلما للملك حتى يسعى في خلاصه، فلا إشكال في ذلك مادام القلب متصلا بالله، موقناً بأن الأمر كله بيده سبحانه، فمن تمام التوكل الأخذ بالأسباب، يقول ابن القيم رحمه الله: “وسر التَّوَكُّل وَحَقِيقَته هُوَ اعْتِمَاد الْقلب على الله وَحده فَلَا يضرّهُ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب مَعَ خلو الْقلب من الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا والركون إِلَيْهَا، كَمَا لَا يَنْفَعهُ قَوْله توكلت على الله مَعَ اعْتِمَاده على غَيره وركونه إِلَيْهِ وثقته بِهِ…فَقَوْل العَبْد توكلت على الله مَعَ اعْتِمَاد قلبه على غَيره مثل قَوْله تبتُ إِلَى الله وَهُوَ مصر على مَعْصِيَته “[45]
2-موقف يعقوب مع أولاده: فالتوكل على الله والثقة في حسن تصريفه من صفات المتقين، فقد علمنا يعقوب عليه السلام هذا الدرس من خلال وصيته لأولاده بحسن التوكل على الله تعالى، (اِنِ اِ۬لْحُكْمُ إِلَّا لِلهِۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اِ۬لْمُتَوَكِّلُونَۖ)[يوسف:67]، وإذا رجعنا إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجدناها حافلة بالمواقف التي تؤكد هذه القيمة الإيمانية، ومن ذلك ما أشار إليه قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اَ۪سْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ اِ۬لْخَيْلِۖ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ اَ۬للَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ
لَا تَعْلَمُونَهُمُۖ اُ۬للَّهُ يَعْلَمُهُمْۖ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَےْءٖ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَۖ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اَ۬للَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ) [الأنفال: 60-61]، ففيه “خطاب من الله للمسلمين –في غزوة بدر- بأن يُعِدوا قوتهم بقدر استطاعتهم لإرهاب العدو، ثم يبذلوا جهدهم في تجنب مخاطر الحرب من غير ضعف ولا استكانة، ثم يتوكلوا على الله”[46]، وكذلك موقفه صلى الله عليه وسلم في الإعداد للهجرة من مكة إلى المدينة، وما سبق ذلك من إجراءات تدخل في باب الأخذ بالأسباب الذي لا ينافي التوكل.
المطلب الحادي عشر: قيمة التقوى
التقوى لغة:”الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْيَاءُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ بِغَيْرِهِ…وَالْوِقَايَةُ: مَا يَقِي الشَّيْءَ، وَاتَّقِ اللَّهَ: تَوَقَّهُ، أَي اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ كَالْوِقَايَةِ”[47]، والمقصود بتقوى العبد ربه شرعاً: “أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية من ذلك، وهو فعلُ طاعته واجتنابُ معصيته، ولذلك فهي خشية مستمرة وحذرٌ دائم، وتوقٍ لأشواك الطريق…الذي تتجاذبه أشواك الشهوات والشبهات، وأشواك المخاوف والهواجس ممن لا يملك نفعا ولا ضرا”[48]، ومما يدل على هذه القيمة الإيمانية في القصة:
1-أن التقوى والاستقامة على طريق الدعوة إلى الله، والتحلي بالصبر على الأذى والمحن من المعينات على حصول الفرج وضمان السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا ما نلمسه بجلاء في مواقف يوسف عليه السلام، من قبل دخوله السجن إلى أن توفاه الله تعالى، فعاقبة المتقين الصابرين طيبة، وهو ما عبر عنه يوسف عليه السلام، بعد لقاء إخوته وتعرفه عليهم، حيث قال: (إِنَّهُۥ مَنْ يَّتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ )[يوسف: 90]، فلم يُصِبْه الغرور بما وصل إليه من المجد والمنصب، بل ربط حصول ذلك كله بفضل الله، وأنه من ثمار التقوى، فلا ثبات على المبادئ، ولا تحقق للأهداف العظيمة، ولا نجاح في المشاريع الكبيرة، إلا بالتقوى.
2-أن من ثمار الإيمان والتقوى حصول التمكين وعلو المنزلة: وهو ما أشارت إليه الآيات: (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِے اِ۬لَارْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُۖ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ وَلَأَجْرُ اُ۬لَاخِرَةِ خَيْرٞ لِّلذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَۖ )[يوسف: 56-57]، فقد جاء في معرض الامتنان والتذكير بفضل الله على عباده المؤمنين المتقين، إنها إشارات واضحة لعناية الله الفائقة بعباده المخلَصين، وما ينتظرهم من النصر والتمكين، والرحمة الغامرة في الدنيا والآخرة، جزاء صبرهم ويقينهم وإحسانهم، وتجسيدهم لحقيقة الاستخلاف.
المطلب الثاني عشر: قيمة الإيمان بحقيقة العين
لقد أوصى يعقوب ابنه يوسف بكتمان ما رأى فقال له: (يَٰبُنَيِّ لَا تَقْصُصْ رُءْي۪اكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً) [يوسف: 5]، فعلى العبد اتقاء أثر العين قدر ما يمكن، فكل ذي نعمة محسود،وأنه يحق لمن أنعم الله عليه بنعمة الحرصَ على عدم كشفها لمن يُخاف منه من الأعداء اتقاءَ شره، من باب التحصن ضد الأذى من الكيد والحسد، فعن عبد الله ابنِ عباس، عن النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ»[49]، قال المحقق في شرحه للحديث: “فيه إثبات القدر وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى، وفيه صحة أمر العين وإنها قوية الضرر”[50].
المطلب الثالث عشر: قيمة الوقت
لقد استثمر يوسف عليه السلام أنفس أوقاته في نشر الدعوة إلى الله، وتعلم مهارة إدارة الأموال في قصر العزيز، ولم يجعل سنوات السجن يأساً، وسبباً لإهدار الأوقات، بل عمرها بالطاعة والدعوة إلى الحق، وخاصة مرحلة الشباب التي هي ربيع عمر الإنسان ومرحلة النضج، فكانت عمارتها بالعطاء والمصالح من سمات الإنسان الرسالي الخليفة، فعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»[51] فالمؤمن صاحب رسالة، وهو على وعي دائم بقيمة الوقت والزمن في عمارة دنياه باعتبارها مزرعة لآخرته، فالأعمار وعاءُ الأعمال التي هي محل الحساب، ولذلك حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تضييع أوقاتنا فقال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ»[52]، فالصحة وسيلة العبد للعمل الصالح، والوقت وعاءٌ لهذا العمل، ولقيمة الزمن فقد أقسم الله تعالى به في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، فأقسم سبحانه بالليل والنهار والضحى والعصر والفجر، وما يفيد قيمة الزمن كالشمس والقمر والنجوم والكواكب…، قال سبحانه: (وَهُوَ اَ۬لذِے جَعَلَ اَ۬ليْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةٗ لِّمَنَ اَرَادَ أَنْ يَّذَّكَّرَ أَوَ اَرَادَ شُكُوراٗۖ)[الفرقان: 62]، فالليل والنهار زمن للعمل الصالح والقربات، ومجالٌ للتنافس في الخيرات، ولذلك يندم العبد يوم القيامة ندماً شديداً عن تضييعه للأوقات بلا عائد ينفعه، “ورحم الله الشاعر القائل:
إذا مر بي يومٌ ولم أقتبس هُدى*** أو أستفد علماً فما ذال من عمري |
فالعمر الحقيقي للإنسان لا يقاس بالسنوات التي قضاها منذ الولادة، وإنما يقاس بقدر ما قدم لنفسه وللإسلام من عظائم الأعمال الصالحات”[53]، فالوقت نعمة عظيمة، ومزرعة للأعمال التي تُجنى ثمارها يوم القيامة، ولذلك كان من القيم الإيمانية التي يجب أن يربى النشءُ على احترامها وتقديرها لعمارة الدنيا وِفق مبدأ الاستخلاف.
المطلب الرابع عشر: قيمة الشكر
الشكر هو الثناء على المحسن بما أولاكَهُ من معروف…وفي الاصطلاح: هو ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيماناً، وفي لسانه حمداً وثناءً، وفي جوارحه عبادة وطاعة[54]، والشكر من مقامات الإيمان العالية التي تعكس قوة صلة العبد الشاكر بخالقه المنعم عليه، ومما يدل على تمثل هذه القيمة في القصة:
1-تربية يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام على شكر النعم: قال سبحانه: (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَاوِيلِ اِ۬لَاحَادِيثِۖ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَۖ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٞۖ)[يوسف: 6]، فيعقوب عليه السلام يربي ولده الصغير من خلال هذا الحوار على معرفة صاحب الفضل، المستحق للشكر على نعمه، يربط قلبه بخالقه ومولاه، يخبره بما سيؤول إليه أمره في مستقبل الأيام من علم ورفعة ونبوة، وكلها نعمٌ صاحبُ الفضل فيها هو الله تعالى.
2-امتنان يوسف واعترافه بنعم الله عليه: لقد اجتمع شمل الأسرة بعد فراق سنين، وها هو يوسف يتوجه إلى أبيه يعقوب كما توجه إليه يوم رآى رؤياه، مذكراً إياه بتلك اللحظات التي طواها الزمن، والتي تتحقق الآن وعداً من رب كريم قال تعالى: (وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَاوِيلُ رُءْيٰ۪يَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّے حَقّاٗۖ وَقَدَ اَحْسَنَ بِيَ إِذَ اَخْرَجَنِے مِنَ اَ۬لسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ اَ۬لْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ اَ۬لشَّيْطَٰنُ بَيْنِے وَبَيْنَ إِخْوَتِيَۖ إِنَّ رَبِّے لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۖ اِ۪نَّهُۥ هُوَ اَ۬لْعَلِيمُ اُ۬لْحَكِيمُۖ رَبِّ قَدَ اٰتَيْتَنِے مِنَ اَ۬لْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِے مِن تَاوِيلِ اِ۬لَاحَادِيثِۖ)[يوسف: 100-101]، إنها لحظات حصادٍ لثمار تربية يعقوب لولده الحبيب على شكر النعم، والاعتراف بفضل الله العظيم، فلم يغفلْ يوسفُ -في غمرة المجد والشهرة والمكانة الرفيعة- فضل الله عليه، فدعا دعاء الشاكرين المتواضعين لله رب العالمين.
المطلب الخامس عشر: ذكر الموت على الدوام
وهذا ما جسده يوسف عليه السلام وهو في قمة المجد والعزة، فلم ينس أن الموت نهاية كل حي، فـ (كُلُّ نَفْسٖ ذَآئِقَةُ اُ۬لْمَوْت)[55]، ثم إلى الله المرجع والإياب، ولذلك قال: (رَبِّ قَدَ اٰتَيْتَنِے مِنَ اَ۬لْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِے مِن تَاوِيلِ اِ۬لَاحَادِيثِۖ فَاطِرَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِے اِ۬لدُّنْي۪ا وَالَاخِرَةِ تَوَفَّنِے مُسْلِماٗ وَأَلْحِقْنِے بِالصَّٰلِحِينَۖ)[يوسف: 101]، “تَوَفَّنِي مُسْلِماً قال ابن عباس: يريد: لا تسلبني الإِسلام حتى تتوفاني عليه، وكان ابن عقيل يقول: لم يتمنَّ يوسف الموت، وإِنما سأل أن يموت على صفة، والمعنى: توفني إِذا توفيتني مسلماً، وهذا الصحيح…وقوله تعالى: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ…ألحقني بدرجاتهم”[56]، وقال ابن القيم رحمه الله: “جَمَعتْ هذه الدعوة الإقرار بالتوحيد والاستسلام للرب وإظهار الافتقار إليه، والبراءة من موالاة غيره سبحانه، وكون الوفاة على الإسلام أجل غايات العبد، وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء”[57].
المطلب السادس عشر: قيمة تصديق الرؤيا
رؤيا الأنبياء حق وصدق وهي من الوحي الذي يجب علينا الإيمان به: فهي وحي من الله تعالى يؤيد به رسله وأنبياءه، وأنها تتحقق عندما يشاء الله تعالى، فرؤيا يوسف وإبراهيم ومحمد صلى الله وسلم عليهم جميعاً كلها تحققت وعداً من الله تعالى، وقد وردت الإشارة إلى هذه القيمة الإيمانية في قصة يوسف، في قوله سبحانه: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّے رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباٗ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَۖ رَأَيْتُهُمْ لِے سَٰجِدِينَۖ قَالَ يَٰبُنَيِّ لَا تَقْصُصْ رُءْي۪اكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداًۖ اِنَّ اَ۬لشَّيْطَٰنَ لِلِانسَٰنِ عَدُوّٞ مُّبِينٞۖ)[يوسف: 4-5]، كما أخبرنا الله عز وجل في نهاية القصة عند تحقق هذه الرؤيا فقال: (يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَاوِيلُ رُءْيٰ۪يَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّے حَقّاٗۖ) [يوسف: 100]، فابتدأت القصة بقص يوسف لرؤياه على أبيه يعقوب عليهما السلام، وانتهت بتحققها.
خـاتمة:
ننتهي في ختام هذا البحث إلى جملة من الخلاصات والتوصيات نركزها في الآتي:
أ-الخلاصات والنتائج:
1-إن قضية الإيمان قضية مركزية ومصيرية، وتعتبر قطب الرحى لكل مشروع تربوي يهدف إلى بناء الإنسان الرسالي المستخلف، ونهضة الحضارة الإنسانية الراشدة.
2-إن التربية الإيمانية التي تقوم على ربط المسلم بأصول عقيدة التوحيد، لا يمكن تصورها مفصولة عن أثرها في سلوك الإنسان، وفعاليته في هذه الحياة الدنيا التي هي مزرعة الآخرة، من هنا ندرك الفرق الكبير بين نموذج المؤمن الفعال الذي يعرضه التصور القرآني، وواقع المؤمن المعاصر الذي يعيش بعداً كبيراً عن تمثل قيمه الإيمانية وتجسيدها في الحياة.
3-تأكيد الأهمية القصوى للقصص القرآني وأثره التربوي الكبير، والمتمثل في غرس القيم في نفوس المتربين عن طريق تحققها سلوكا حياً في حياة القدوات التي ساقها القرآن الكريم للعبرة.
4-أن قصة نبي الله يوسف عليه السلام مصدر غني بالقيم التربوية بشتى أصنافها، وقد جسد لنا عليه السلام هذه القيم الإيمانية واقعاً حياً بعيداً عن التجريد الذي عادة ما يطبع الحديث عن قضايا العقيدة والغيبيات.
5-أن النجاح والتمكين والتفوق الذي يحرزه الإنسان في هذه الدنيا الفانية لاقيمة له ولا دوام للذاته إلا إذا كان منطلقه الإيمان بالله والتزام شريعته الهادية إلى سواء السبيل، وأن كل نجاح أو رفعة قامت بعيدة عن منهجه سبحانه، فهي إلى زوال وانقطاع، وهذا ما تعلمناه من قصة يوسف عليه السلام الذي مكن الله له في الأرض على أساس الإيمان وتحقيق مبدأ الاستخلاف.
6-أن الحياة مضمار للتنافس والسباق بين قيم أهل الحق وقيم أهل الباطل، وأن العاقبة في نهاية المطاف لأهل الإيمان وأصحاب المبادئ، مهما طال الزمن واشتدت المحن والكروب.
ب-التوصيات:
ومن بين التوصيات التي ننصح بها كل مهتم بالشأن التربوي:
1-ضرورة اهتمام البحث التربوي -أفراداً ومؤسسات بحثية أكاديمية-بالانكباب على كتاب الله تعالى لاستخلاص كنوزه المكنونة، فهو معين -لا ينضب- للقيم التربوية بكل أصنافها، وفيه أسباب فلاح هذا الإنسان وتزكيته وسعادته، وأمن الحضارة الإنسانية ورقيها، فقد قال عز وجل: (اِنَّ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ يَهْدِے لِلتِے هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ اُ۬لْمُومِنِينَ اَ۬لذِينَ يَعْمَلُونَ اَ۬لصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمُۥٓ أَجْراٗ كَبِيراٗ)[الإسراء: 9].
2-ضرورة اهتمام كل المسؤولين على الشأن التربوي بأهمية التربية الإيمانية وخطر إهمالها أو التقصير فيها، لأن صلاح المجتمع رهين بصلاح الأفراد، وصلاح الأفراد يبدأ ببناء العقيدة الصحيحة، والتربية الإيمانية المتينة، وهو ما جلته سياقات قرآنية كثيرة، هدفت إلى بيان قوة مواقف الشخصية المؤمنة المعتزة بمبادئها، المبشرة برسالتها، والمضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل نصرة دين الحق (مواقف الأنبياء-مؤمن آل فرعون-مؤمن آل ياسين- غلام الأخدود- مواقف كثير من الصحابة…).
3-استحضار مخططي السياسات التربوية في بلادنا الإسلامية لحجم التحديات التي تهدد عقيدة الناشئة وتصوراتها الإيمانية، بما توظفه هذه المؤسسات المعادية للإسلام وقيمه من أساليب متطورة وشديدة التأثير من مكر وتزوير وتدليس وغيرها، لصرف المسلم عن عقيدته إلى اعتناق عقائد فاسدة، أو تركه في دائرة الحيرة والشك.
4-ضرورة مشاركة كل المؤسسات التربوية في المجتمع في تقوية هذا الجانب الإيماني الذي يجعل المواطن مراقبا نفسه مراقبة ذاتية، مستحضرا رقابة مولاه قبل مراقبة الكاميرات ورجال الأمن، لأن التربية القرآنية علمته أن البشر ضعيف، يغفل وينام، وأن الله تعالى (لَا تَاخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوْمٞۖ)[البقرة: 254]، وبذلك يسعد الفرد والمجتمع معاً، إذ عندما يقوم كل فرد بعمله بأمانة ومسؤولية، لا يخشى إلا اللهَ تعالى، فتكثر المصالح وتقل المفاسد كثمرة للاستقامة الجماعية، عندئذ يسود العدل والأمن، ويسعد الإنسان بثمار هذا الإيمان وآثاره المباركة.
قائمة المصادر والمراجع:
1-القرآن الكريم برواية ورش عن نافع، نسخة المدينة بخط عثمان طه، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة -المملكة العربية السعودية-الرابط: https://fonts.qurancomplex.gov.sa/wp02/%D8%AE%D8%B7-%D9%88%D8%B1%D8%B4/
2-الصابوني محمد علي، “صفوة التفاسير”، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة التاسعة، دون تاريخ.
3-السعدي عبد الرحمن بن ناصر، “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، تحقيق: عبد الرحمن اللويحق-مؤسسة الرسالة، ط 1، سنة 2000 م.
4-بن الجوزي جمال الدين أبو الفرج “زاد المسير في علم التفسير”، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي-بيروت، الطبعة الأولى-1422هـ.
5-القرطبي أبو عبد الله، “الجامع لأحكام القرآن”، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش-دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة 2، سنة 1964م.
6-ابن قيم الجوزية، “التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم”، تحقيق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان، دار ومكتبة الهلال – بيروت، الطبعة: الأولى – 1410هـ
7-التوحيدي، أبو حيان الأندلسي، “البحر المحيط في التفسير”، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر-بيروت، الطبعة: 1420هـ،
8- البخاري أبو عبد الله “صحيح الأدب المفرد”، حقق أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق للنشر-ط4، سنة 1997م.
9-البخاري أبو عبد الله “صحيح البخاري”، تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة السلطانية بأمر السلطان عبد الحميد الثاني بالمطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق مصر، 1311 هـ، ثم صَوّرها بعنايته: د. محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة الأولى عام 1422هـ لدى دار طوق النجاة – بيروت، لبنان.
10-مسلم بن الحجاج أبو الحسين، “صحيح مسلم”، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة-سنة: 1955م.
11-البيهقي، “شعب الإيمان”، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد-مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، ط،1، 2003م
12-ابن منظور، محمد أبو الفضل جمال الدين، “لسان العرب”، دار صادر–بيروت، الطبعة: الثالثة-1414هـ.
13-القزويني الرازي أحمد بن فارس “معجم مقاييس اللغة”، تحقيق: عبد السلام محمد هارون-دار الفكر، عام: 1979م.
14-الجرجاني علي بن محمد الشريف، “التعريفات”، دار الكتب العلمية بيروت –لبنان، الطبعة 1 –سنة 1983م.
15-صليبا جميل، “المعجم الفلسفي”، دار الكتاب اللبناني.
16-تأليف مجمع اللغة العربية بالقاهرة:(إبراهيم مصطفى-أحمد الزيات-حامد عبد القادر-محمد النجار)، “المعجم الوسيط”، دار الدعوة.
17-ابن تيمية تقي الدين، “مجموع الفتاوى”، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، السنة: 1995م.
18-ابن قيم الجوزية، “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين” تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي-بيروت
الطبعة 3، سنة 1996م.
19-ابن قيم الجوزية، “الفوائد”، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1973م.
20-الخطابي محمد أبو سليمان، “شأن الدعاء”، دار الثقافة العربية للطباعة والنشر، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، الطبعة: 3، السنة: 1992م.
21-الحنفي ابن أبي العز، “شرح العقيدة الطحاوية”، تحقيق: شعيب الأرنؤوط -عبد الله بن المحسن التركي-مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:10، سنة 1997م.
22-القرضاوي يوسف، “الإيمان والحياة”، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط14-سنة:1988م
23-النحلاوي، عبد الرحمن، “أصول التربية الإسلامية”، دار الفكر، دمشق-سورية ودار الفكر المعاصر، بيروت – لبنان.
24-مدكور علي أحمد، “منهج التربية في التصور الإسلامي”، دار النهضة العربية بيروت،سنة:1990م.
25-الزينمحمد بسام رشدي “مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء”، دار الفكر، دمشق، الطبعة 1، سنة النشر 2000م
26-الدقور سليمان محمد، “القرآن ومعادلات صناعة الإنسان”، منشورات جمعية المحافظة على القرآن الكريم، المملكة الأردنية، ط1، سنة: 2015م.
27-الجليدي مصدق، “المجالات التربوية من منظور الأصالة المبدعة”، دار الكلمة للنشر والتوزيع، القاهرة-مصر، ط7، سنة 2016م.
28-المنجد محمد صالح، “سلسلة أعمال القلوب”، دار الفجر للتراث-القاهرة، الطبعة 2، 2010م
29-طبارة، عفيف عبد الفتاح، “روح القرآن، تفسير سورة يوسف”، طبعة خاصة لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية-طرابلس، السنة:2000م.
30-الناصر سعاد، “بلاغة القص في القرآن الكريم وآفاق التلقي”، سلسلة كتاب الأمة، العدد:169، الطبعة 1، السنة: 1436ه.
31-الهلالي سليم بن عيد، “منهج الأنبياء في تزكية النفوس”، دار ابن عفان-القاهرة ودار ابن القيم بالدمام، الطبعة1، سنة: 2003م
32-باشا حسان شمسي، “همسة في اذن شاب”، دار القلم-دمشق، الطبعة11-سنة2011م
33-المشعلي سليمان بن أحمد بن سليمان، “المضامين التربوية في قصص الأنبياء في سورة هود” بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية تخصص التربية الإسلامية، الموسم الجامعي:1430-1431هـ.
34-بوابة الشعراء: https://poetsgate.com/poet.php?pt=495
35-هذا البيت من قصيدة للشاعر الطغرائي الأصفهاني، عنوانها: لامية العجم، أنظر “موقع: صيد الفوائد” تاريخ الزيارة: 05/03/2022على الرابط: http://www.saaid.net/Doat/hamesabadr/70.htm
[1] – سليمان محمد الدقور، “القرآن ومعادلات صناعة الإنسان”، منشورات جمعية المحافظة على القرآن الكريم، المملكة الأردنية الهاشمية، ط1، سنة: 2015م، ص28 يتصرف.
[2]– المصدر نفسه، ص30-31.
[3]– خشية الإطالة، سنكتفي بالإشارة الموجزة لقصة يوسف، فنستطيع أن نقول بأن قصة نبي الله يوسف عليه السلام مدرسة رائدة تمتلك برنامجا تربويا شاملا لتخريج الإنسان الخليفة الذي يمتلك الكفايات والمهارات المتنوعة التي تؤهله لأداء مهمته في الوجود والنجاح فيها، فهي قصة زاخرة بالقيم البانية للإنسان في شموليته “إذ إن المتدبر فيها يرى على الصعيد الاجتماعي: منطلقاً مهما في إقامة التوازن في العلاقات الأسرية، والقدرة على التكيف في المجتمعات الجديدة على أرض الهجرة، ويرى على الصعيد التربوي: منطلق العفاف والصمود أمام الإغراءات الشيطانية. ويرى على الصعيد الروحي: الصفاء النفسي الناجم عن حسن الصلة بالله تعالى… ويرى على الصعيد الدعوي: القيام بواجب الدعوة إلى الله في ظلمات السجون. ويرى على الصعيد التشريعي: أصول التشريع الجنائي، والتثبت من الأخبار وطُرُق كشف الجريمة من خلال أحداثها وملابساتها. ويرى على الصعيد الاقتصادي: حسن الادخار أيام الرخاء ضمن قواعد علمية مقننة، ليكون ذلك وافيا بالحاجة أيام القحط والجفاف. ويرى على الصعيد السياسي: الصبر في مواجهة المحن، وبناء المملكة الصالحة، والعفو عند المقدرة”، [ينظر: بسام رشدي الزين: “مدرسة الأنبياء”، عبر وأضواء: ص121 -122]، وانطلاقا من هذه اللمحة السريعة نلاحظ تعدد أبعاد الشخصية القرآنية وتكاملها، متجسدة في مواقف يوسف عليه السلام، كنموذج بشري جامع لمواصفات الإنسان الرسالي المجسد لحقيقة الاستخلاف، والقادر على عمارة الأرض وتنميتها، بالعدل والإحسان وفق مراد الله تعالى. ويمكن لمن أراد التوسع بخصوص التعريف بالسورة وظروف نزولها، الرجوع إلى: كتاب: “مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء”، لمحمد بسام رشدي الزين، ص121-122، دار الفكر، دمشق، الطبعة 1، سنة النشر 2000م، و “صفوة التفاسير”، لمحمد علي الصابوني، 2/39، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة التاسعة، دون تاريخ.
[4]– تأليف مجمع اللغة العربية بالقاهرة: إبراهيم مصطفى-أحمد الزيات-حامد عبد القادر-محمد النجار، “المعجم الوسيط” :1/ 326، دار الدعوة.
[5]– جميل صليبا، “المعجم الفلسفي”، دار الكتاب اللبناني، مادة تربية، 1/266.
[6]– أحمد بن فارس القزويني الرازي “معجم مقاييس اللغة”، تحقيق: عبد السلام محمد هارون -دار الفكر، عام: 1979م، مادة (أمن)، 1/133-135 بتصرف.
[7]-ابن منظور، محمد أبو الفضل جمال الدين، “لسان العرب”، دار صادر–بيروت، الطبعة: الثالثة-1414هـ. مادة (أمن)ج13ص21.
[8]– الجرجاني علي بن محمد الشريف، “التعريفات”، دار الكتب العلمية بيروت –لبنان، الطبعة 1 –سنة 1983م، باب الألف، ص40.
[9]-الحنفي ابن أبي العز، “شرح العقيدة الطحاوية”، تحقيق: شعيب الأرنؤوط-عبد الله بن المحسن التركي-مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:10، سنة 1997م، 2/459.
[10]– البيهقي، “شعب الإيمان”، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد-مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، ط،1، 2003م.
[11]-مصدق الجليدي، “المجالات التربوية من منظور الأصالة المبدعة”، دار الكلمة للنشر والتوزيع، القاهرة- مصر، ط.7، سنة 2016م، ص278.
[12]-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – شُعْبَةً؛ أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان” [ينظر“صحيح الأدب المفرد” للإمام البخاري، باب الحياء، رقم الحديث 598]، حقق أحاديثه وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق للنشر والتوزيع-ط.4، سنة 1997م
[13]-مصدق الجليدي، “المجالات التربوية من منظور الأصالة المبدعة”، ص279.
[14]-المشعلي سليمان بن أحمد بن سليمان، “المضامين التربوية في قصص الأنبياء في سورة هود” بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية تخصص التربية الإسلامية، الموسم الجامعي:1430-1431هـ، ص 114.
[15]-ينظر “الإيمان والحياة”، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط14-سنة:1988م، ص5.
[16]– نفس المصدر: ص6
[17]– ينظر “مجموع الفتاوى”، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، السنة: 1995م، 1/24.
[18]– ينظر ” منهج التربية في التصور الإسلامي”، ص140.
[19]– نفس المصدر، ص141
[20]– مسلم بن الحجاج أبو الحسين، “صحيح مسلم”، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة-سنة: 1955م كتاب القدر، بَابُ مَعْنَى كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَحُكْمِ مَوْتِ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ وَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، حديث رقم: 2658.
[21]-ينظر “أصول التربية الإسلامية”، للدكتور عبد الرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق-سورية و دار الفكر المعاصر، بيروت –لبنان، ص238
[22]– ينظر نفس المصدر: 239 بتصرف
[23]– نفس المصدر: ص240.
[24]– ينظر: “المضامين التربوية في سورة هود“، ص113. نقلا عن: “القيم التربوية في القصص القرآني” لسيد أحمد طهطاوي، إشراف: عبد الغني العبود، وأحمد عبد المطلب القـاهرة: دار الفكـر العربي، السنة:1416ه، ص71.
[25]– ينظر: “المضامين التربوية في قصة هود” ص 113، نقلا عن علي خليل أبو العينين “القيم الإسلامية والتربيـة”، المدينـة المنـورة: مكتبـة إبراهيم الحلبي، سنة 1408ه، ص209.
[26]– ابن قيم الجوزية، “مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين” تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي-بيروت
الطبعة 3، سنة 1996م، 2/91
[27]-ينظر “التعريفات”، ص14.
[28]-بن الجوزي جمال الدين أبو الفرج، “زاد المسير في علم التفسير”، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي–بيروت، الطبعة1– سنة 1422هــ، 2/426.
[29]-السعدي عبد الرحمن بن ناصر، “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق-مؤسسة الرسالة، الطبعة 1، سنة 2000 م، ص398.
[30]–مسند الإمام أحمد بن حنبل، مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون-مؤسسة الرسالة-الطبعة 1، 2001م، حديث رقم2763.
[31]-رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، بَابُ معرفة الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامِ، والقَدَرِ وَعَلَامَةِ السَّاعَةِ، رقم الحديث 8.
[32]-ينظر “زاد المسير في علم التفسير”، 2/455.
[33]-هو أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. نشأ في عهد الدولة العباسية، ونقل ابن خلكان عن كتاب مجهول في يوميات مصر خبر مقتله في دار البنود بمصر، وكان يسجن فيها من يراد قتله، وذلك يوم 9 جمادى الأولى 416هـ.
[راجع بوابة الشعراء: https://poetsgate.com/poet.php?pt=495]
[34] -طبارة، عفيف عبد الفتاح، “روح القرآن، تفسير سورة يوسف”، طبعة جمعية الدعوة الإسلامية العالمية-طرابلس، السنة:2000م، ص30.
[35] – ينظر “البحر المحيط في التفسير”، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر-بيروت، الطبعة: 1420هـ، 6/277.
[36]– هذا البيت من قصيدة للشاعر الطغرائي الأصفهاني، عنوانها: لامية العجم، ينظر “موقع: صيد الفوائد” تاريخ الزيارة: 05/03/2022 على الرابط: http://www.saaid.net/Doat/hamesabadr/70.htm
[37]– رواه الترمذي في سننه، كتاب أبواب البر والصلة، بَابُ مَا جَاءَ فِي مُعَاشَرَةِ النَّاسِ، حديث رقم 1987.
[38]-الزين محمد بسام رشدي، “مدرسة الأنبياء: عبر وأضواء”، ص129
[39]-السعدي عبد الرحمن بن ناصر، “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة 1، 1420هـ – 2000م، ص405
[40]-رواه الترمذي في سننه، أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ، حديث رقم 2499، وقال هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وحسنه الألباني.
[41]– رواه مسلم في كتاب: الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، باب: فَضْلِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالى. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه، القاهرة، السنة: 1955 م
[42]– الخطابي، محمد أبو سليمان، “شأن الدعاء”، دار الثقافة العربية للطباعة والنشر، تحقيق: أحمد يوسف الدقاق، الطبعة: 3، السنة: 1992م، ص4.
[43]-الناصر سعاد، “بلاغة القص في القرآن الكريم وآفاق التلقي”، سلسلة كتاب الأمة، العدد:169، الطبعة 1، السنة: 1436ه، ص101.
[44]-المنجد محمد صالح، “سلسلة أعمال القلوب”، دار الفجر للتراث-القاهرة، الطبعة الثانية 2010م، ص214.
[45]– ابن قيم الجوزية، “الفوائد”، دار الكتب العلمية –بيروت، الطبعة: الثانية، 1973م، ص87.
[46]-ينظر، “مدرسة الأنبياء عبر وأضواء”، ص153
[47]– أحمد بن فارس القزويني الرازي، “معجم مقاييس اللغة”، تحقيق: عبد السلام هارون، باب الواو والقاف وما يثلثهما، مادة:(وقى)، -دار الفكر، السنة: 1979م، 6/131.
[48]-الهلالي سليم بن عيد، “منهج الأنبياء في تزكية النفوس”، دار ابن عفان-القاهرة ودار ابن القيم بالدمام، الطبعة1، سنة: 2003م، ص28.
[49]-مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، “صحيح مسلم“، كتاب السلام، بَابُ الطِّبِّ وَالْمَرَضِ وَالرُّقَى، رقم الحديث 2188-تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي -مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ثم صورته دار إحياء التراث العربي ببيروت، سنة1955م.
[50]– نفس المصدر، ورد كلام المحقق بهامش الصفحة عند شرحه لحديث رقم2188.
[51]– محمد بن عيسى الترمذي، “سنن الترمذي”، بَابٌ فِي الْقِيَامَةِ، رقم الحديث 2416 -تحقيق: أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة عوض، مطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، الطبعة 2، سنة1975م. قال الترمذي: هذا حديث غريب، وحسنه الألباني.
[52]-رواه البخاري في صحيحه، في كتاب: الرقاق، في باب: لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ، رقم الحديث 6412-تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة السلطانية بأمر السلطان عبد الحميد الثاني بالمطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق مصر، 1311 هـ، ثم صَوّرها بعنايته: د. محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة الأولى عام 1422 هـ لدى دار طوق النجاة – بيروت.
[53]– راجع د. حسان شمسي باشا، “همسة في اذن شاب”، دار القلم-دمشق، الطبعة11-سنة2011م، ص38-39 بتصرف.
[54]-المنجد، محمد صالح، “سلسلة أعمال القلوب”، دار الفجر للتراث – القاهرة، الطبعة 2 –سنة2010م، ص154 بتصرف.
[55]-سورة العنكبوت:57
[56]–ينظر “زاد المسير في علم التفسير”، 2/475، و “الجامع لأحكام القرآن” للقرطبي، لأبي عبد الله القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش-دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة 2، سنة 1964م، 9/269.
[57]-ينظر ابن قيم الجوزية، “التفسير القيم = تفسير القرآن الكريم لابن القيم”، تحقيق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان، دار ومكتبة الهلال – بيروت، الطبعة: الأولى – 1410هـ، ص331.