منهجية محمود محمد طه في كتابيه خطوة نحو الزواج في الإسلام، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية: “دراسة مقارنة”
The methodology of Mahmoud Muhammad Taha in his two books A Step Toward Marriage in Islam, and the Development of Personal Status Law: A Comparative Study
د. إسماعيل صديق عثمان إسماعيل – عبدالإله كنه محجوب، جامعة بحري، السودان.
Dr.. Ismail Seddik Osman Ismail – Abdelilah Kanna Mahjoub, University of Bahri, Sudan.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 13 الصفحة 11.
مستخلص:
في هذا البحث الموسوم ب (منهجية محمود محمد طه في كتابيه خطوة نحو الزواج في الإسلام وتطوير شريعة الأحوال الشخصية)، نتناول أحد أهم كتب محمود بجانب كتابيه الرسالة الثانية من الإسلام ورسالة الصلاة، وهو كتاب تطوير الأحوال الشخصية، وقد جعل محمود في هذا الكتاب للزواج صيغتين أحداهما في الحقيقة والأخرى في الشريعة. استقصي الباحثان مصادر محمود محمد طه التي استند عليها في كتابيه تطوير شريعة الأحوال الشخصية وخطوة نحو الزواج. ووقفاً على أوجه الاختلافات والتماثلات بين آراء محمود محمد طه في مسائل الأحوال الشخصية وما ورد في كتب الفقه الإسلامي، ومدى موافقة محمود أو مخالفته لها، فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية عند محمود محمد طه ( الزواج، الطلاق، المساواة بين الرجل والمرأة، …).ثم ختمنا بنماذج من أوجه الاختلافات والتماثلات بين آراء محمود محمد طه والمذاهب الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية.
اختلف محمود محمد طه في المنهج الفكري عن كل المجددين الذين يرون إمكانية كفالة حقوق المرأة باجتهادات جديدة في الشريعة الإسلامية، بينما يرى محمود ان لا مساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة لأن الشريعة فيها تعدد الزوجات وتمنح المرأة نصف ميراث الرجل وتجعل الرجل قواماً على المرأة، ولذلك فان نصوص الشريعة عند محمود منسوخة وتمثل ما يسميه (نصوص الفروع) التي كانت صالحة للتطبيق في ظروف القرن السابع الميلادي في مقابل (نصوص الأصول) الصالحة للتطبيق الآن، ففي الزواج يقول: محمود( والأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للـرجل في الزواج، فالرجل كله للمرأة كلها، بلا مهر يدفعه، ولا طلاق يقع بينهما، والأصل في الإسلام ديمومة العلاقة الزوجية بين الزوجين…) وفي الطلاق يرى محمود محمد طه ان الطلاق حق أصيل للمرأة وهي مساوية للرجل فيه حيث يقول:( الطلاق حـق، في أصل الدين، للنساء، كما هو للرجال.) وقد خالف محمود محمد طه كتب الفقه الإسلامي في تشريع قوامة الرجل على المرأة في الإسلام، وانها ليست أصلاً وانما الأصل المساواة، وتشريع تعدد الزوجات في الاسلام ليس أصلاً؛ وانما الأصل الزوجة الواحدة للزوج الواحد، وكذلك تشريع الطلاق فهو عنده ليس أصلا في الإسلام؛ وإنما هو تشريع انتقال مما يجعل الطلاق أمراً غير مشروع. أما ما يخص تعدد الزوجات فذهب إلى أن شريعة الأصول تمـنع التعـدد، في معنى ما تطالب بالعـدل.. والعدل يستحيل بين زوجتين؛ دع عنك أربعا. من أهم النتائج التي توصل اليها الباحثان: أن كتاب تطوير الأحوال الشخصية ليست به منهجية واضحة ولا تطوير يحل مشكلات اليوم. ولقد صمم الكتاب ليمنع الطلاق وتعدد الزوجات، ويلغي المهر ويجعل النفقة شراكة بين الأزواج. لكنه لم يفصل في هذه القضايا كما فعل الفقه الموروث، ولم يلتفت الى المشكلات التي يمكن أن تنجم من أحكامه هذه، كما أنه لم يُعر قضايا المواريث أي اهتمام رغم أنها تقع ضمن قوانين الأحوال الشخصية. وقد اتبع الباحثان المنهج الوصفي التحليلي من خلال اسلوبي الاستنباط والاستقراء وكذلك المنهج المقارن للوصول لمراميهما.
الكلمات المفتاحية: محمود محمد طه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية، الدين والمجتمع.
تقـــــديـــــــــم:
العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما في الحياة- وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي-،ومن مقاصد هذا التكامل الموافق للفطرة البشرية: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)([1])، والحقوق عند المسلمين لا يقررها الرجل ولا المرأة إنما يقررها الله جل وعلا خالقهما، الذي قال:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)([2])، وبذلك فإن وجد حيف في الحقوق وإهمال في أداء الواجبات من طرف تجاه آخر؛ فهو نتيجة لانحراف عن الدين، وجهل بأحكامه وضعف إيمان بالله سبحانه وتعالى، ومما يكسب هذا الموضوع أهمية خاصة ما يقع فيه كثير من الناس من الإخلال بهذه القضية إفراطا أو تفريطاً. مما أوجب ضرورة الوقوف علي ما يتعلق بأحوال الأسرة في كتابي تطوير شريعة الأحوال الشخصية وخطوة نحو الزواج في الإسلام لمحمود محمد طه؛ ومقارنته بما في القرآن والسنة النبوية المطهرة والنظر الفاحص في المواضيع المرتبطة بموضوع الأسرة. وبِما يوضِّح الحقيقة الشَّرعيَّة، ويبيِّن مدى موافقة ومخالفة محمود محمد طه في كتابيه مع الفقه الإسلامي. والحق إن من مقاصد الدين التي عليها مدار تعاليمه – أوامره ونواهيه – هي صيانة الفرد، ومنحه الحرية التامة التي لا تتصادم مع مصالح الآخرين، وأنه لما بعث عليه الصلاة والسلام، هدم الجاهلية وظُلمها للمرأة وأخرج للعالم من النساء المحتشمات والدينّات والعاقلات، والمتعلمات، والمربيات.
مشكلة البحث: يري الباحثان أنه لابد من معرفة بعض الأسئلة والمنطلقات التي يجب الرجوع إليها والصدور عنها للولوج في هذا البحث وهي:-
- هل طور محمود محمد طه في شريعة الأحوال الشخصية؟ وعلى ماذا استند في كتابه خطوة نحو الزواج في الإسلام؟ وماهية منهجيته؟
- ما أهمية القضايا التي تناولها محمود في كتابه شريعة الأحوال الشخصية؟ ما هو رأيه في الطلاق ، وتعدد الزوجات، وماهي ضرورة تناول كتابيه ومقارنتهما بما ورد في الفقه الإسلامي؟.
هذه الأسئلة وغيرها وما يمكن أن ينجم عنها من إجابات قد تكون قي شكل مقاربات أو استنتاجات أو حقائق ستمثل مشكلة هذا البحث.
منهج البحث: ولتحقيق المرامي التي يسعى إليها الباحثان سيتبعان المنهج الوصفي التحليلي من خلال اسلوبي الاستنباط والاستقراء، وكذلك المنهج المقارن.
هيكل البحث:
- المبحث الأول: محمود محمد طه المولد والتعليم ومصادر المعرفة.
- المبحث الثاني: شريعة الأحوال الشخصية عند محمود محمد طه ( الزواج، الطلاق، المساواة بين الرجل والمرأة).
- المبحث الثالث: مساواة المرأة بالرجل وعقد الزواج، مقدماته؛ وشروط صحته ونفاده وأحكامه في الفقه الإسلامي.
- المبحث الرابع: الطلاق وآثاره.
- المبحث الخامس: نماذج من أوجه الاختلافات والتماثلات بين آراء محمود محمد طه والمذاهب الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية.
المبحث الأول: محمود محمد طه المولد والتعليم ومصادر المعرفة
ولد محمود في مدينة رفاعة بوسط السودان حوالي عام 1909م « بدأ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة »([3]).أتم محمود دراسته النظامية ثم انتقل إلى الخرطوم ( بعد إتمامه دراسته الوسطى برفاعة انتقل محمود في العام 1932م إلى الخرطوم عاصمة السودان) درس المساحة في كلية غردون «تخرج الأستاذ محمود في قسم المساحة بكلية غردون في العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية، والتي كانت رئاستها بمدينة عطبرة»([4]). ظهر اهتمامه بالشؤون الإسلامية عام 1945م عندما قرر مع عدد من أصحابه تأسيس الحزب الجمهوري السوداني، في 26 أكتوبر، وهو من أوائل الأحزاب السودانية التي نادت باستقلال السودان وتحوّله إلى دولة جمهورية. ([5])
عالم بدون شبكة عنكبوتية (Internet) لا يمكن تصوره، هذا ما يقوله جيل القرن الحادي والعشرين. ولم يكن السودان بكل تأكيد “حتى العام 1985م” يعرف شيئاً اسمه الشبكة العنكبوتية. وبالتالي لم يكن متاحاً للأستاذ أن يفيد من هذا المصدر المعرفي المهم، ولم يدرس محمود في معاهد دينية متخصصة وليست له إجازة منها. كذلك لم يؤثر عن محمود أنه اتخذ له شيخًا كما فعل كبار مشايخ الصوفية أو رجال الدين عبر التاريخ الإسلامي. إذن ماهي مصادر المعرفة لدى محمود ؟! لم يتبق أمامه إلا الكتاب الورقي الذي ظل المصدر الرئيس للمعرفة عنده، وأبلغ دليل على ذلك رسالة محمود للشيخ محمد الأمين الجعلي والتي شكلت كتاب «من دقائق حقائق الدين» كله: «لقد وصلني الكتاب المذكور أعلاه، وهو كتاب قيم، ولم يتفق لي أن رأيته من قبل، ولم أسمع به، وأنا على ذلك مأذون منك في الاحتفاظ به.. فجزاك الله عن صديقك القديم كل خير..»([6])
لكن هنالك مصدر معرفة أشار إليه محمود في كتابه (الرسالة الثانية) وإن لم ينسبه لنفسه صراحةً. هذا المصدر هو الفهم عن الله «من رسول الرسالة الثانية ؟ هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..». قال هو رجلٌ «بصيغة النكرة»، ولعل هذا “أي الفهم عن الله” يكشف محاولة تسويغ إفراغ القرآن مما يعطيه ظاهره ومن قواعد اللغة العربية في بعض تفسيرات محمود، رغم أن محمود كان قد ألزم نفسه من قبل بالالتزام بقواعد اللغة العربية وظاهر القرآن «وهذا ما يحكيه ظاهر القرآن الذي تعطينا إياه اللغة العربية»([7]).«أني لم ابن شيئًا من أمري على كشف يخالف ظاهر النص»([8]).وأنه بذلك يفتح الباب لفوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها بأية حال، ولا يمكن التنبؤ بما ينتج عنها من مشاكل في كل مناحي الحياة. لكن كيف يكون التحقق من أن الله قد آتى هذا الرجل «أو قل هذه المرأة» الفهم عنه، وكيف أنه قد أُذن له في الكلام؟. والاعتماد فقط علي( ﱡوَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(282)ﱠ البقرة – مدنية، لا تفيد لأن الله يعلم من السباكة حتى علوم الفضاء. من هنا يتضح لنا أن تعليم محمود ومسيرته المهنية كانت في غالبها دراسة أكاديمية بحتة وكانت مهنته مهندساً حسب تأهيله الأكاديمي، النزعة الدينية لم تكن قد ظهرت حتى نهاية هذه المرحلة من حياته.
الواضح أن محمود قد ثأثر في بدايات حركته الفكرية بالمدرسة الصوفية، والصوفية الفلسفية على وجه التحديد؛ فقد طبعت هذه المدرسة بطابعها كل كتابات محمود وزودته بتلك العبارات الغائمة والجمل ذات الدلالات الفضفاضة غير المحددة وطغت منهجيتها على اتجاه فكره ونظرياته ومصطلحاته التي تكررت في كتبه المختلفة ! والحقيقة التي يجب أن تسجل هي براعته في استخدامها وكأنه صاحبها ومبدعها الأول! مع ملاحظة أنه يكررها في الكتاب الواحد عدة مرات ناهيك عن الكتب المختلفة مع الإسهاب في الحديث. ونجد أن محمود يرفض المنهج التقليدي بمسلماته وتقديساته ويعتبره من خلال كتبه لا يمثل أساسا لبناء مشروعه، فهو تجميدي ثابت حسب رؤيته، والواضح أن محمود يعتقد أنه يمتلك مشروعاً فكريا يغاير المشاريع الفكرية الأخرى، عبر عنه في مقدمة كتابه الرسالة الثانية الطبعة الرابعة وأن مشروعه هذا للمتأمل لم يولد من فراغ، فهو متأثر بمناهج سبقته، ويظهر ذلك في تعاطيه مع القرآن الكريم من زاوية المكي والمدني ومن الزاوية التأملية، دون الرجوع لكتب من سبقه وهو غير متخصص. كما يدعي أن مشروعه هو الوحيد القادر على تغيير المجتمع ويصور نفسه كمنقذ ومحرر وأن ما جاء به هو جديد – رغم استنساخه وجمعه للكثير من أفكار من سبقوه – وكثيرا ما يستخف بالمفكرين لعدم قدرتهم على فهم ما جاء به ويصفهم بعدم المواكبة! وكذلك تجدر الإشارة إلى أن لمحمود نزعة صوفية متجذرة، مع ما يصاحب التصوف من شطحات فكرية يصعب فهمها! ويستعمل محمود كلمات متعارف عليها بين الفقهاء ورجال المسلمين والمثقفين والعامة، ولكنه يعطيها معناً خاصًا. وهو ما يخلق سوء التفاهم بينه وبين معارضيه. فهم يفهمون كلامه كما متعارف بينهم، بينما هو لا يعني ما يعنون.(([9]
المبحث الثاني:
شريعة الأحوال الشخصية عند محمود محمد طه( الزواج، الطلاق، المساواة بين الرجل والمرأة)
المطلب الأول: كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية والزواج في شريعة الجمهوريين (شريعة الأصول)
يهدي محمود محمد طه كتابه (تطوير شريعة الأحوال الشخصية) إلي النساء إلى أكبر من استضعف في الأرض، فيقول: (الإهداء … إلي أكبر من استضعف في الأرض، ولا يزال … إلي النساء ، ثم إلي سواد الرجال وإلي الأطفال … بشراكم اليوم فإن موعود الله قد أظلكم (ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)([10]) ثم يقول في مقدمة هذا الكتاب بعد ذكر الآيات القرآنية في الشهادة والميراث، ثم يعقب عليها بثناء للقرآن وعدله، علي سبيل التعمية والاستدراج ليجهز عليها بأقبح أنواع الذم والعدوان – وأن هذه الآيات التي وصفت النساء بالقصور عن مساواة الرجال في الشهادة أو عدم مساواتهم في الميراث بأنه عدل يناسب القاصر وهو العدل الذي يبرره (حكم الوقت ) (فقد كانت المرأة في القرن السابع قاصرة عن شأو الرجال وليس القصور ضربة لا زب وإنما هو مرحلة تقطع مع الزمن والصيرورة إلى الرشد حتم).([11]) والسؤال للمؤلف محمود من أين له العلم بأن الله شرع شرعه مؤقتاً؟ وأنزل أحكام دينه طارئة على عباده، وأن محمداً الذى أرسله الله رحمة للعالمين بشريعته السمحة ودينه الخاتم إنما جاء بحكم الوقت لأهل القرن السابع فقط ([12]).
يعتبر كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية من أهم كتب محمود؛ وقد جاء الكتاب استجابة لوعد قطعه على نفسه في خاتمة كتاب خطوة نحو الزواج في الإسلام (وإنما موعدكم مع ذلك كتابنا القادم عن: تطوير شريعة الأحوال الشخصية في الإسلام)([13])، لكن الكتاب صدر بدون عبارة “في الإسلام”. وكتاب خطوة نحو الزواج في الإسلام يقع في ثماني صفحات فقط وهو يشبه إلى حد كبير الرسائل الصغير ذات الموضوع الواحد، وكانت المنهجية في بنية الكتاب جيدة من حيث تناوله لموضوع واحد، وهو موضوع الزواج “بدايته وإنهاؤه” وحاول أن يبسط إجراءات الزواج (هذه الخطوات ما هي إلا عودة للشريعة الإسلامية في بساطتها التي بعد عنها الناس، مجاراة للمظاهر الفارغة الجوفاء ..) ص 4. لقد حاول إلزام الناس بهذه البساطة حيث ضيق على الناس واسعا (دخول العروسين ببعضهما، بنفس ملابسهما القديمة، في حجرة مؤثثة بالأثاث القديم، ومفروشة بالفرش القديم، الموجود بالمنزل..) ص 4. وحدد المهر بعملة لا يجدها الناس اليوم (العقد على مهر قدره جنيه واحد) ص 4. وأراد أن يحمي عش الزوجية (فإننا نرى أن حماية عش الزوجية تقع على مستويين: مستوى التربية ومستوى القانون ..) ص 5. وجعل أهم النقاط في أهداف التربية هي (أسس إختيار الشريك والتواؤم بين الزوجين واكتساب حسن الخلق وحفظ العشرة) (بتصرف ص 5). ولما جاء لمستوى القانون وضع عدة شروط وأوجب إثباتها في عقد الزواج ( يجب أن تكون العصمة بيد المرأة، يشترط ألا يقع الطلاق إلا بعد أن يرفع الأمر إلى حكمين عدلين وأن ينص في العقد أنه لا يصح تعدد الزوجات إلا لضرورة قصوى) بتصرف ص 6 – 7. الشيء الملفت للنظر أن محمود إستدل في مسألة وضع العصمة بيد المرأة بكتاب الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم الشرعية المصرية والسودانية والمجالس الحسبية”([14]) لمؤلفه الأستاذ محمد مصطفى سرحان. رغم أن محمودا لا يرجع في أبحاثه لأي مرجع وهذه من الحالات نادر الحدوث.
صدر كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية في ديسمبر 1971م، أي بعد ما يقارب العام من وعده في كتاب خطوة نحو الزواج في الإسلام الذي صدر في يناير 1971م. من المفترض أن تكون منهجية بنية الكتاب اللاحق أفضل من السابق؛ إلا أن العكس من ذلك قد حدث. جاء كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية الطبعة الثالثة 1979م في 95 صفحة، منها 12 صفحة عبارة عن مقدمتي الطبعتين الأولتين. ثم جاءت توطئة البحث في 46 صفحة (صفحة 13 – 85) وبالمقابل كانت صفحات الكتاب نفسه “أي البحث” حوالي 22 صفحة أي ما يعادل حوالي 48% من التوطئة، أخيراً جاءت الخاتمة في حوالي 11 صفحة أي حوالي 50% من صفحات البحث أو الكتاب. إن عدم التناسق بين حجم البحث أو الكتاب وتوطئته وخاتمته لهو خطأ منهجي كبير يضعف من قيمة الكتاب لدى أي قارئ له حد معقول من الاطلاع، وقد اعترف محمود بذلك في خاتمة التوطئة (هذه توطئة البحث قد طالت … ولم يكن من طولها بد .. لأنها إنما أريد بها إلى إعداد المسرح الذي تتحرك فيه صور القوانين المتطورة) ص 57.
تناول محمود في التوطئة موضوعات شتى لتهيئة القارئ حتى يستوعب ما سيرد من أفكار في الكتاب أو البحث كما يسميه، على الرغم من أنه لا توجد به أياً من خصائص البحث وسماته. لقد تناولت التوطئة من ضمن ما تناولت نشأة الإنسان والضمير والمجتمع والإسلام. كما أنها تناولت قانوني الغاب والإنسان، وكل هذه الموضوعات تناولها محمود في كتاباته السابقة، خاصة كتاب الرسالة الثانية من الإسلام. ولكن أهم وأخطر موضوع هو إعادة تناول آيات الأصول وآيات الفروع ليصل بها إلى أحكام يقصدها بغض النظر عن المنهجية والمنطق (قلنا: إن الآيات المكية هي آيات الأصول، وإن الآيات المدنية هي آيات الفروع..) ص 40. لأن بها تتم كرامة الأحياء (لا كرامة لمطلق حي على هذا الكوكب، إلا ببعث أصول الإسلام .. إلا ببعث آيات الأصول التي كانت منسوخة، ونسخ آيات الفروع التي كانت ناسخة في القرن السابع..) ص 58. وقد فصل محمود ذلك في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام (ولقد جاء القرآن مقسمًا بين الإيمان والإسلام، في معنى ما جاء إنزاله مقسمًا بين مدني ومكي.»([15]) «والاختلاف بين المكي والمدني ليس اختلاف مكان النزول ولا اختلاف زمان النزول»([16]) «إنما هو مستوى المخاطبين. فيأيها الذين آمنوا خاصة بأمة معينة. ويأيها الناس فيها شمول لكل الناس.»([17]). لكن السؤال المهم الذي لم تجب عليه فرضية آيات أصول مكية وفروع مدنية هو من هو أول من قال أن هذا قرآن مكي وهذا قرآن مدني؟ وما هي مكانته في الدين من حيث الألوهية والرسالة أو النبوة؟ القرآن والسنة لم يذكرا موضوع المكي والمدني ذلك البتة.
إن مصطلح تطوير التي جاء في هذا الكتاب: ( كتاب جديد في بابه، ذلك بأنه يتناول الشريعة السلفية بالتطوير، فيرتفع بها من نص كان عمدتها في القرن السابع، حين نزل القرآن ، وشرع التشريع، إلى نص اعتبر يومئذ مرجأ إلى وقته لأنه أكبر من ذلك الوقت)([18]) ولم يكن جديداً هذا المصطلح، أو تفرد به محمود، لقد حاوله من قبل أناس عملوا في مجال قوانين الأحوال الشخصية القائم على المذهب الحنفي في مصر مثلاً، وقد واجهتهم مشكلات شكلية وموضوعية أوردها الأمام محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية (ولكن تطبيق المذهب الحنفي وحده في مصر قد صحبه أمران ضج بالشكوى منهما ذوو الفكر في مصر: أحدهما شكلي، وثانيهما موضوعي)([19]) (فأما الشكلي فهو أن القضاة كانوا يعتمدون في أقضيتهم على قانون غير مسطور لم تدون مواده)([20]) و(أما العيب الموضوعي فهو أن العمل بمذهب أبي حنيفة قد كشف عن مسائل ليس في الأخذ بها ما يتفق مع روح العصر). وراح الإمام يعدد اللجان ومشاريع القوانين في عدد من السنوات، وجاءت من بعد ذلك جهود كثيرة وهي مستمرة حتى الآن في كثير من الدول الإسلامية. المشكل في اسم الكتاب هو عدم وجود مصطلح باسم شريعة الأحوال الشخصية. لقد كان موجودا على الأوراق الرسمية قانون ومحاكم الأحوال الشخصية، وكانت هذه المحاكم تسمى بالمحاكم الشرعية وقضاتها بالقضاة الشرعيين، وهذه ثقافة شعبية ومصطلح شعبي، ولكن الأستاذ دمج الاسمين وخرج بهذا المصطلح.
أصدر محمود كتيبًا باسم «خطوة نحو الزواج في الإسلام». وقد بنى محمود أفكاره على خلفية تجربة واحدة فقط أسماها« زيجة جمهورية» تمت يوم 11 ديسمبر 1970م في حي الموردة – أم درمان. ومنها وضع ست نقاط لتحقيق مثل هذه الزيجة في المستقبل.
- اختيار الطرفين لبعضهما عن رضى وقبول من كليهما..
- فترة خطوبة قصيرة يرتبط الطرفان عقبها بعقد زواج شرعي. ويلاحظ أن الخطبة ليست سوى إخطار الزوج أهل الزوجة نيته الاقتران بها. وليس فيها أي أثر للتقاليد الجوفاء.. والتكاليف الكثيرة المعروفة.
- العقد على مهر قدره جنيه واحد قال النبي صل الله عليه وسلم: «أخير النساء أحسنهن وجوهًا، وأقلهن مهورًا» وقال صل الله عليه وسلم: «من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير زواجها وتيسير رحمها».
تقليل المهور يرغب فيه كل الناس، لكن التحديد فيه شيء من العنت.
- تسليم الزوج زوجته والزوجة زوجها، على حد سواء، في نفس ليلة العقد.
- دخول العروسين ببعضهما، بنفس ملابسهما القديمة، في حجرة مؤثثة بالأثاث القديم، ومفروشة بالفرش القديم، الموجود بالمنزل..
وهنا محمود يضيق واسعًا ماذا لوكان الزوج قادرًا على أن يكون له بيته الخاص به، وأثاثه وفرشه «مما يقدر عليه» بدون مشقة؟.
- قيام الزوج بالصرف على منزله، والزوجة بإدارة بيتها، منذ صباح اليوم التالي للزواج.
هذا شيء طبيعي، لكن ماذا لو كان الزوج يقدر على الاستمتاع بإجازة شهر يقضيه في أي مكان جميل؟. لا يمكن إجبار الناس على الفقر والشظف والكآبة وهم قادرون على الفرح. هذه النقاط الست من الممكن أن تكون موجهات أو مقترحات، حتى لا تثقل العادات المرذولة كاهل الفقراء من الأمة. ولا يمكن أن تكون ملزمة في درجة التشريعات الإلهية أو الهدي النبوي أو نفاذ القانون. هذا ما أشار إليه محمود بقوله: «وأول ما ينبغي ملاحظته أن السعادة لا تنبني على القانون، إنما تنبني على المعرفة بطبائع الناس»([21]). ما ينبغي ملاحظته هو أن محمودًا أطلق أحكامة تلك بما استوحاه من تجربة محدودة «زيجة في حي الموردة».
لكنّ محمودًا أقحم القانون في حالتين من الحالات الست أعلاه «تعدد الزوجات والطلاق» لو أصابتا نفاذ القانون لأصبحت الحياة صعبة «فإننا نرى أن حماية عش الزوجية تقع على مستويين: مستوى التربية ومستوى القانون»([22]). وكانت هذه الحماية بسبب قلة المهر «كما ذكرنا، فإن تقليل المهر المادي يعني إنه لابد من ترجمته إلى شروط كرامة للمرأة وهذه الشروط تثبت في وثيقة تعاقد الزواج، وتلزم الطرفين قضاءً، لحماية هذا الزواج بسيط التكاليف من الاستهتار»([23]). وكانت لمحمود ثلاثة شروط:-
أ. «يجب أن تكون العصمة بيد المرأة، كما هي بيد الرجل، ولا يستأثر بها أحدهما.. ولا يهولن أحد هذا الكلام، فإنه جائز شرعًا، ومعمول به قضاء» .
ب. «يشترط ألا يقع الطلاق إلا بعد أن يرفع الأمر إلى حكمين عدلين»([24]).
ج. «ينص في العقد أنه لا يصح تعدد الزوجات إلا لضرورة قصوى»([25]).
الشرط الأول جائز ( ويرى أبوحنيفة وأبو يوسف: أن المرأة العاقلة البالغة لها الحق في مباشرة العقد لنفسها. بكرًا كانت أو ثيبًا»([26]). ثم قال « وليس لوليها العاصب حق الاعتراض عليها، إلا إذا زوجت نفسها من غير كفء أو كان مهرها أقل من مهر المثل»([27]). تحدث الأحناف عن حق المرأة في تزويج نفسها قبل مئات السنين «واستدل جمهور الأحناف بما يأتي:-قوله تعالى:(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٢٣٢– مدنية) وأيضاً (البقرة 230.) ففي هاتين الآيتين إسناد الزواج إلى المرأة. والأصل أن يكون الفاعل الحقيقي. ثم إنها تستقل بعقد البيع وغيره من العقود فمن حقها أن تستقل بعقد زواجها، إذ لا فرق بين عقد وعقد… وعقد الزواج وإن كان لأوليائها حق فيه فهو لم يلغ، إذ أعتبر في حالة ما إذا أساءت التصرف، وتزوجت من غير كفء، إذ إن سوء تصرفها يلحق عاره أولياءها. قالوا: وأحاديث اشتراط الولاية في الزواج تحمل على ناقصة الأهلية، كأن تكون صغيرة، أو مجنونة… وتخصيص العام، وقصره على بعض أفراده بالقياس جائز عند كثير من أهل الأصول»([28]).ولكنّ محمودًا يريد أن يعطيه قوة نفاذ شرائع الإله وحدوده، وهو ممكن إذا أرادت الزوجة ذلك وهي حرة فيما تشترط.
الشرط الثاني هو أحد أوجه التفريق بين الزوجين وليس الوجه الوحيد، وكان الفقهاء دومًا يحاولون تضيق فرص الطلاق (اختلفت آراء العلماء في حكم الطلاق، والأصح من هذه الآراء، رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، وهم الأحناف والحنابلة. واستدلوا بقول الرسول صل الله عليه وسلم «لعن الله كل ذواقٍ، مطلاق»([29]). ولم يكن من بين محاولاتهم أطر الناس على وجه واحد من أحكام الطلاق. أما الشرط الثالث فللمرأة أن تشرط لنفسها ذلك برضا الزوج ( لكن للمرأة أن تشرط ما هو مباح مثل أن تشترط أن يجعل الرجل عصمتها بيدها أو ألا يتزوج عليها). قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» رواه الشيخان.([30])
المطلب الثاني: الزواج في الحقيقة
جعل محمود للزواج صيغتين أحداهما في الحقيقة؛ والأخرى في الشريعة «هناك زواج في «الحقيقة».. وهناك زواج في «الشريعة».. فأما، في «الحقيقة» فإن زوجتك هي صنو نفسك. هي شقيقة نفسك.. هي انبثاق نفسك عنك خارجك.. وهي، بذلك، جماع آيات الآفاق لك.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:( سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ﱠ([31]).
الآية 53 من سورة فصلت – مكية. ومحمود الذي ساوى الرجل والمرأة في الشهادة والميراث والطلاق، هنا يخاطب الناس خطابًا ذكوريًا. فإن كان هنالك من انبثاق فكان لابد له أن يكون «الذكر» قد انبثق عن «الأنثى» قال تعالى:( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف: ١٨٩ – مكية).» هنا الخلق من نفس واحدة ﱠ ثم الجعل وهو تغيير الوظيفة أي انبثق عنها زوجها، وحتى الآن لا تحديد لأنثى أو ذكر. ثم جاءت الأفعال لتدل على الذكورة أي هذا المنبثق الذي هو ذكر، ثم دلت على الأنوثة، أي الأصل المنبثق عنه أي الذكر تغشى الأنثى، فكان الحمل “عند الأنثى” نتيجة لهذا الغشيانﱡ فأثقلت الأنثى عندما وقفا الاثنان ذكرًا وأنثى يدعوان الله (لئن آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) من الوضع المقلوب – بخلاف الآية أعلاه – الذي جعل الأنثى هي انبثاق عن الرجل، انطلق محمود ليبني معاني ضخمة وخطيرة على أساس الفرض الذي افترضه «وما يقال، في هذا المستوى، عن موضع الزوجة من الزوج، يقال عن موضع الزوج من الله.. فالزوجة هي أول تنزل من الوحدانية الحادثة إلى الثنائية.. هذه هي الزوجة في «الحقيقة»: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ([32]). والنفس الواحدة هي آدم الإنسان الكامل « ففي هذا المقام فإن النفس الواحدة هي نفس آدم، الإنسان الكامل، الذي أقيم مقام الخلافة»([33]). وهي زوج الله « وهذه النفس الواحدة هي، في أول الأمر، وفي بدء التنزل، نفس الله، تبارك وتعالى – هي الذات القديمة – التي منها تنزلت الذات الحادثة، وتلك هي الإنسان الكامل «الحقيقة المحمدية».. والإنسان الكامل هو أول قابل لتجليات أنوار الذات القديمة – الذات الإلهية – وهو، من ثم، زوجها.. وإنما كان الإنسان الكامل زوج الله لأنه قام في مقام العبودية..» ([34]). كل هذا الكلام بني على استنتاج خاطئ هو انبثاق الذكر عن الأنثى، وعن فهم خاطئ عن وجود شيء اسمه الزوجة، والقرآن لا يتحدث عن زوجة بل يتحدث عن زوج وزوجين وأزواج ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)(النساء: ٢٠ – مدنية) (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (هود: ٤٠ – مكية) ولا تمييز بين الذكر والأنثى في مسألة الزوج، أنظر (الشورى: ٥٠ – مكية) وفي معجم مقاييس اللغة «زوج الزاء والواو والجيم أصل يدل على مقارنة شيء لشيء. من ذلك [الزوج زوج المرأة. والمرأة] زوج بعلها»([35]). وهو ما عليه القرآن ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (هود: ٧٢ – مكية). أما زوجة فهي لغة رديئة «وزوجةٌ لغةٌ رديئةٌ»([36]). والقرآن ليس به اعوجاج لغة (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر: ٢٨ – مكية). هذا الاستنتاج الخاطئ، والفهم الخاطئ، لا يقبلان على أساس الفهم عن الله في القرآن.
من هنا انطلقت سلسة من الأخطاء المنهجية عند محمود « ومقام العبودية مقام انفعال، في حين أن مقام الربوبية مقام فعل.. فالرب فاعل، والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه، هو، من الذات.. فهي منفعلة، وهو فاعل.. وهذا هو، في الحقيقة، مستوى العلاقة «الجنسية» بين الرجل والمرأة»([37]). قال محمود «فهي منفعلة، وهو فاعل» فإذا أعيد ترتيب الجملة لتكون « فهو فاعل، وهي منفعلة» فإن المعنى واحد. في الجملة التي سبقت هذه الجملة قال محمود «فالرب فاعل، والعبد منفعل» ونضع بعدها الجملة المعدلة « فهو فاعل، وهي منفعلة» ونرى ما هي العلاقة في هذه الجمل. هذه العلاقة فصلها محمود « ومن أجل شرف هذه العلاقة «الجنسية» الذي حاولنا تبيينه في الأسطر السابقة وقع شديد الحرص عليها في الدين.. وهي أكبر مظهر للحياة في مجال تعبيرها عن وجودها»([38]). لم يترك محمود الحيرة تكتنف الناس وبين العلاقة بين الإنسان الكامل والذات القديمة «أي الإلهية» «وحين يكون إنجاب الذرية هو نتيجة العلاقة «الجنسية» بيننا وبين نسائنا: «وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً»، تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها – الإنسان الكامل – المعارف اللدنية..» ([39]). ونتيجة هذه العلاقة المبهمة بينهما يكون علمًا لدنيًا يغمر العبد « وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين – الذات الإلهية، والإنسان الكامل – ينبث العلم اللدني، في فيض يغمر العبد العالم من جميع أقطاره»([40]). ومن هذا الوضع صار الوضع بين الرجال والنساء «ومن هذا العلم.. اللدني رجال، ونساء، فهذا الوضع بين الذات الإلهية، والإنسان الكامل – انفعال العبودية بالربوبية – هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء –انفعال الأنوثة بالذكورة.. وهو ما يسمى عندنا، بالعلاقة «الجنسية»([41]). وهكذا منذ أن بدأ محمود في فلسفة الخلق، وتنزلاتها، والانبثاق، والإنسان الكامل، والذات القديمة، سارت الأمور لتنتهي بهذه العلاقة « الجنسية».
هكذا نجد أن كل ما بذله محمود من تعابير فلسفية حول الزواج في الحقيقة كان بعيدًا كل البعد عن المنهجية، وفيه مفاهيم مغلوطة عن انبثاق «من» عن «من»، وجعله الأنثى أن تتنزل «أي تنبثق» عن الذكر دون دليل، ومن ثم القفز بالذكر لمرحلة الإنسان الكامل، تاركًا الأنثى المسكينة وراء ظهره، تسأل نفسها لماذا انبثقت عن هذا الكائن الأناني؟.
المطلب الثالث: الزواج في شريعة الأصول
عرَّف محمود هذا الضرب من الزواج « ويمكن تعريف الزواج هنا بأنه شراكة بين شريكين متكافئين، ومتساويين في الحقوق، والواجبات، لا تقع فيه وصاية من الرجل على المرأة، ولا من المرأة على الرجل»([42]). هنا أصبح الزواج شراكة، وانتفت الوصاية. لماذا يصر محمود على تكرار هذه الكلمة؟ كلمة «الوصية» وردت في القرآن في المواريث ووصية الموت. وصايا الله للناس لم يكن منها في القرآن شيء يخص وصاية الرجل على المرأة. من أين أصاب محمودًا هذا الوسواس -أي- وصاية الرجل على المرأة؟. يقول محمود: «وصاية النبي على الأمة بمقتضى آية الشورى.. ووصاية الرجال على النساء بمقتضى آية القوامة»([43]). عندما يقصر فهم محمود عن إدراك معاني ظاهر القرآن واللغة، فإنه يقوم بتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة. ثم يمضي في التعريف قائلًا: « فليس هناك وصاية على أيهما في هذه الشراكة إلا بوصاية يفرضها على كليهما القانون الدستوري»([44]). بمعنى لو أن الدين أو الفقه فرضا الوصاية على كليهما فهي مرفوضة، لكن لو فرضها قانون دستوري فهي مقبولة. ثم أضاف قائلًا: «هما يملكان الدخول في هذه الشراكة بالأصالة عن نفسيهما، وبمطلق اختيارهما، ولهما الحق «المتساوي» في الخروج عنها..» ([45]). عندما يسمى الفراق بين الأزواج فض شركة فإنه مقبول، أما الطلاق ليس مقبولًا. لأن فض الشراكة دون مشاكل نفسية « فيكون فض الشراكة، من غير أن يترك مرارة، ولا عداء.. فيمارس حق الطلاق في سعة أفق، وطيبة نفس»([46]). ما الذي جاء بكلمة الطلاق هنا؟، إنه يتكلم عن فض شراكة. هكذا يمضي أزواج الأمس بعد فض الشراكة في سرور وحبور لإقامة شراكات جديدة « ليدخل كل من الشريكين في تجربة جديدة، مع شريك جديد، عسى أن يهتدي بهذه التجربة الجديدة لصنوه الحق، أو إلى قريب منه»([47]).لكن بعد ظهور أمة الإسلام من رحم الغيب، فلن تكون هناك حاجة للطلاق «فلا تكون، يومئذ، بهما حاجة إلى ممارسة حق الطلاق، وإنما هو الوفاق، والمحبة، والسعادة..»([48]).
بنظرة لما طرحه محمود من تطوير لشريعة الأحوال الشخصية يتضح أنها تتلخص في الآتي:
- محاولات فلسفية قامت على أسس ومفاهيم مغلوطة.
- حرية الرجل والمرأة في اختيار الشريك. وهذا كفله القرآن والسنة، ولم يأت محمود بجديد، سوى أنه صوب نقدًا لعوامل وعادات اجتماعية– سودانية – صرفة، مثل الخطبة والمغالاة في المهور، وصورها على أنها الدين. واقتبس الحل من تجربة سودانية صرفة «زيجة جمهورية في حي الموردة».
لفقهاء المسلمين منذ مئات السنين باع طويل في التناول المنهجي في الاستدلال من نصوص الكتاب والسنة، ولبعضهم آراء جريئة سبقت ما كان عليه العلماء في ذلك الزمان. مسألة أحوال الأسرة أي ما يعرف في القانون «بقانون الأحوال الشخصية كانت أكثر تفصيلًا في الفقه التقليدي» لمقابلة كل حاجات الناس، وكانت كذلك أكثر مرونة ومنهجية مما لدى محمود في كتابه الموسوم «تطوير شريعة الأحوال الشخصية».
ما هو التطوير عند محمود ؟ لقد وافق بعض الاختيارات الفقهية المعروفة منذ قرون، وصوب سهام نقده لبعض العادات الاجتماعية «السودانية على وجه الخصوص» التي توهم أنها من الدين، وقد منع الطلاق وتعدد الزوجات دون دليل أو قرينة. لم يهتم محمود بقسم مهم من قانون الأحوال الشخصية ألا وهو الميراث.
مصطلح شريعة:
وردت كلمة شريعة مرة واحدة في القرآن ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، (18،الجاثية – مكية) الشريعة هنا هي أحكام وحي الله، التي لا تتبع أحكام بني إسرائيل في توراتهم، ولا الأهواء خارج التوراة بمختلف مسمياتها (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) (الشورى – مكية)، والحق الإنجيل بالتوراة ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ … وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) (المائدة – مدنية) الشريعة عند محمود أقل من السنة التي سيصلها البشر بتطورهم من الشريعة («ثم بفضل تطور المجتمع البشري خلال هذه المدة الطويلة، مما جعله مستعدًا لتفهم التشريع المتطور من الشريعة إلى السنة..»([49]). وقد شرع الله للبشرية من الدين من لدن نوح إلى الرسالة الخاتمة (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) (الشورى – مكية)(الشورى:13)
متن الكتاب تناول الزواج في الحقيقة مقابل الزواج في الشريعة، وبنفس الطريقة جعل الزواج في شريعة الأصول مقابل الزواج في شريعة الفروع. وقد بنى هذه الصيغ على فرضية وجود قرآنين منفصلين مكي ومدني، وهي فرضية لا يعرف قائلها ولا حصر آياتها حصراً دقيقاً موثوقاً لا يتطرق إليه الشك ولا الجدل ولا الخلاف. ثم تناول الطلاق ورفض كل الآيات التي تحدثت عنه ذلك عندما تحدث عن حق النساء في الطلاق، بحجة أنها آيات فروع مدنية (ويجب أن يكون واضحاً، فإن حق النساء في الطلاق لا يلتمس في نصوص آيات الطلاق .. ذلك بأن جميع هذه الآيات إنما هي آيات مدنية .. وهي من ثم، فروع وفروع القرآن هي عمدة شريعة الرسالة الأولى .. في حين عمدة شريعة الرسالة الثانية إنما هي أصول القرآن …)([50]) ولكنه لا يتوانى في الاستدلال بالقرآن المدني وتأويله لصالح قناعاته، ففي سبيل منع تعدد الزوجات جعل من القرآن المدني جزءاً من الأصول وقولاً حاسماً (وفي هذه الأصول فإن قوله (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) يصبح قولاً حاسماً في النهي عن التعدد)([51]). وهذه هي الآية 3 من سورة النساء المدنية التابعة لقرآن الفروع حسب محمود محمد طه.
عموماً الكتاب ليست به منهجية واضحة ولا تطوير يحل مشكلات اليوم. لقد صمم الكتاب ليمنع الطلاق وتعدد الزوجات، ويلغي المهر ويجعل النفقة شراكة بين الأزواج. لكنه لم يفصل في هذه القضايا كما فعل الفقه الموروث، ولم يلتفت الى المشكلات التي يمكن أن تنجم من أحكامه هذه، خاصة في ظل مرحلة الانتقال من هذا المجتمع إلى مجتمع أمة الإسلام التي ما تزال في رحم الغيب «الزواج في هذه الشريعة، هو حظ العارفين، الذين يتسامون به إلى مستويات لا تدخلها معهم شريعة الطلاق.. لا لأنهم يمنعونها، بالطبع، ولكن لأنهم لا يحتاجونها»([52]). لكن يمكن للطلاق أن يمثل فرصة ثانية لأن المشكلة بدأت من صعوبة الاختيار «مثلنا في ذلك يقرب منه الأعمى الذي يجلس وبين يديه «خوابير» بعضها مربع، وبعضها مستطيل. وبعضها مثلث، وبعضها مبروم، وبعضها نصف دائرة، وبعضها قطاعات دائرة على أحجام مختلفة، وأمامه سطح عليه «أخرام» يناسب كل منها «خابورًا» من «الخوابير» التي بين يديه. فهو يحاول أن يضع «الخابور» المناسب في «الخرم» المناسب فيتفق له ذلك حينًا، ويعييه أحيانًا، بل قد يعجز عجزًا تامًا عن التوفيق التام بين «الخابور» و«الخرم». وفي الحق، أن هذا المثل لا ينطبق تمام الانطباق على حالة اختيارنا الزوجة. بل أن الأعمى، في هذا المثل، أقرب إلى التوفيق والتسديد من أحدنا وهو يمارس تجربة الاختيار هذه. فإذا أخطأ أحدنا فوضع «خابورًا» نصف دائري في «خرم» مربع، مثلًا، فإنه يحتاج إلى فرصة ثانية ليعيد التجربة من جديد. وإنما شرع الطلاق ليعطينا هذه الفرصة الثانية»([53]).. لكن الطلاق يكون ميسوراً ومقبولاً في ظل القانون الدستوري حين يسمى فض الشراكة لأنها بدون وصاية «فليس هناك وصاية على أيهما في هذه الشراكة إلا بوصاية يفرضها على كليهما القانون الدستوري»([54]). «هما يملكان الدخول في هذه الشراكة بالأصالة عن نفسيهما، وبمطلق اختيارهما، ولهما الحق «المتساوي» في الخروج عنها..» ([55]). «فيكون فض الشراكة، من غير أن يترك مرارة، ولا عداء.. فيمارس حق الطلاق في سعة أفق، وطيبة نفس»([56]).
المبحث الثالث:
مساواة المرأة بالرجل وعقد الزواج؛ مقدماته وشروط صحته ونفاده وأحكامه في الفقه الإسلامي.
المطلب الأول: مساواة المرأة بالرجل.
ساوى الله (جل جلاله) في كتابه العزيز بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة، فأخبرنا سبحانه بوحدة الأصل الإنساني الذي خلق منه الرجال والنساء في غير ما موضع من القرآن الكريم ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الذي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) النساء :أية رقم 1 ، وغيرها من الآيات، كما ساوى ربنا عز وجل بين الرجل والمرأة في أصل العبودية له وحده لا شريك له ؛ وكذلك في التكاليف الشرعية، ولم يفضل جنسًا على آخر، بل جعل مقياس التفضيل والتكريم والتميز هو التقوى والصلاح، قال تعالى) : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات:13. ويتساوى الرجال والنساء بل الإنسانية كلها مع جميع من خلق الله في أصل العبودية ، قال تعالى:(إِن كُلُّ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا) مريم أية رقم 93 . وقد ساوى الله كذلك بين الرجال والنساء في أصل التكاليف الشرعية بامتثال الأوامر والامتناع عن النواهي، والثواب والعقاب على فعلها وتركها، يقول تعالى:( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) غافر أية رقم 40، وأيضا ساوى ربنا تبارك وتعالى بينهما – الرجل والمرأة – في أصل الحقوق والواجبات ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة :228، وقال تعالى: ( لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) سورة النساء أية رقم 7، ولم تقتصر نصوص الشرع الشريف على المساواة في أصل التكليف فقط، أو أصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدت ذلك الأمر إلى التوصية بالمرأة؛ فأوصت الشريعة الرجال بهن خيرًا وأن يتعاملوا معهن بالمعروف في أكثر من موضع في القرآن الكريم . قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء :19. والكثير من الآيات التي تحمل هذا المعنى.
وفي مسألة كفالة الإسلام لحقوق المرأة يقول مارسيل بوازار ؛ والفضل ما شهدت به الأعداء :
“.. أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد صل الله عليه وسلم أنها حامية حمى حقوق المرأة”([57]) .. ولا ريب في ذلك حيث الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بمن خلق وهو الأعلم بشئونهم . ونذكر في هذا الصدد عدة نماذج منها:
أولا: الاستقلال الفكري للمرأة
من أهم المميزات التي منحها الإسلام للمرأة، أن الإسلام احترم الاستقلال الفكري للمرأة، واحترم علمها وبيعتها ووجهة نظرها .. فيقول الله تعالى في القرآن :(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن)([58]) “والآية تشير – بجانب ما فيها من أحكام- إلى ما كانت تستمتع به المرأة من استقلال فكري وكيان أدبي محترم”([59]) في عهد محمد صل الله عليه وسلم.
تقول اللادي ايفلين كوبولد “لم تكن النساء [المسلمات] متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة”([60])..
ثانيا: حقوق المرأة في أمور الزواج
جعل الإسلامُ حقاً للمرأة في حرية اختيار زوجها، وفي حديث أبي هريرة رضى لله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن”، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: “أن تسكت”([61]).. ” وأتبع صل الله عليه وسلم ذلك بأن منح المرأة حق المطالبة بالطلاق إن لم يوف الرجل بواجباته الزوجية “([62]) ، وهو حق آخر للمرأة، يساعدها في دخول حياة زوجية جديدة أكثر توفيقاً ونجاحاً إذا تعذرت الحياة مع الزوج الأول ..هذا إلى جانب الحقوق الزوجية الأخرى مثل حقها في الصداق ( المهر)، وحقها في الخلع، وحقها في النفقة، فقد أوجب الإسلام على الزوج أن ينفق على زوجته مع حسن معاملته لها، وفي هذا سأل أحد الناس النبي صل الله عليه وسلم فقال عن حقوق الزوجة : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال ” أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت … ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت “([63]) .. وعلى الرجل بما اختص به من صفة الرجولة، وقوة الجلد، وبسطة واتساع الحيلة، أن يلي رعايتها، فهو بذلك وليها، يحوطها بقوته، ويذود عنها بدمه، وينفق عليها من كسب يده، ذلك ما قرره الله تعالى بقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ([64])[
ثالثاٍ : حقوق المرأة خلال العشرة الزوجية
قررت الشريعة الإسلامية للمرأة جملة من الحقوق- قمة في العدل والإنصاف -، فللمرأة خلال قيام العشرة الزوجية حقوقها المشروعة، ومتى أخل زوجها بشيء من تلك الحقوق كان لها المطالبة بحقوقها عبر القضاء.
ومن أنواع المطالبات التي يمكن للمرأة المطالبة بها قضاءً:
* المطالبة بالصداق أو ما بقي منه.
* المطالبة بإنفاذ الشروط التي اشترطتها الزوجة عند العقد.
* المطالبة بإحسان العشرة فيما لو أساء الزوج عشرتها.
* المطالبة بحق السكن فيما لو منعها الزوج من هذا الحق أو أخل به.
* المطالبة بالنفقة.
وإذا امتنع الزوج عن بذلها فإن للزوجة رفع الدعوى أمام المحكمة المختصة – المحاكم الشرعية -للمطالبة بها وفق الإجراءات المنظمة لذلك. وللزوجة أيضاً رفع الدعوى في حال تضررها بسبب تعليقها أو هجرها. كما لها المطالبة بفسخ النكاح عند تعذر تحقيق المصالح المرجوة في الزواج والتي بينتها الشريعة .
ومن ذلك أيضا حقوقها عند انتهاء العشرة الزوجية ومنها: وثيقة الطلاق لها أهميتها، والمطلَّقة أحق باستلام هذه الوثيقة حال إثبات الطلاق، يمكن توثيق الشروط بين الزوجين عند الطلاق على عوض. وإسقاط اسم المطلقة من دفتر عائلة زوجها الذي طلقها وفي هذا حماية لحق الزوجة المطلقة ومنع لاستغلال اسمها في بعض الأغراض. وكذلك الحقُّ في حضانة الأبناء والبنات عند الطلاق.
رابعاً: حقوق العشرة بالمعروف وامتناع العنف اللفظي والبدنية
لابد أن نعلم أن الحقوق عند المسلمين لم يقررها الرجل ولا المرأة إنما قررها الله اللطيف الخبير، الذي قال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف(189)، فإن وجد في واقع المسلمين حيف في الحقوق من طرف تجاه آخر؛ فهو نتيجة لانحراف المسلمين عن دينهم، وجهلهم بأحكامه وضعف إيمانهم بربهم؛ أو بسبب تحكيم القوانين الوضعية فيهم، أو بسبب تحكم الأعراف والتقاليد المخالفة للشرع في أحوالهم. والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما – وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي- ومن مقاصد هذا التكامل: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21)، ولفظ السكن لا يوجد أبلغ منه في اللغة العربية، وربما لا يوجد – كذلك – في لغات أخرى، فهو يعني جملة من المعاني منها : الأمن، والراحة، والطمأنينة، والأنس، وهو ما ينعكس إيجاباً عليهما وعلى أولادهما، ومن ثم على المجتمع كافة.
المطلب الثاني : مسؤولية الرجل والمرأة في بناء الأسرة .
جاء في الآية 34 من سورة النساء: “الرّجالُ قَوّامونَ على النساءِ بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم…”.”الرجال قوّامون على النساء” والقوّام: هو من يكثرُ من القيام، ومن هنا نقول:” فلان صوّامٌ قوّامٌ”، أي كثير الصيام كثير القيام. وعليه فإنّ من أهم وظائف الرجال الأساسيّة كثرة القيام على شؤون النساء. واللافت هنا أنّ الصيغة هي صيغة تقرير مُشْعِرةٌ بأنّ الأمر قانون فطري. “بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض”: الكثير من أهل التفسير يذهبون إلى أنّ المعنى هنا يرادف قولَنا: بما فضّلهُم عليهنّ. وهذا مذهب تدعو إليه الأفكار المُسبقة لدى الكثيرين والمتعلقة بنظرتهم الخاصّة إلى المرأة. أمّا النّص القرآني فهو في غاية الوضوح، حيث يقول سبحانه وتعالى: “بما فَضّل اللهُ بَعضَهُم على بعض”، فالرجل مُفضّل على المرأة، والمرأة مفضّلة على الرجل. ومعلوم أنّ الفضل في اللغة هو الزيادة. ولا شك أنّ لدى الرجل زيادة شاءها الخالق الحكيم لتتناسب مع وظيفته. ولدى المرأة زيادة تتناسب مع وظيفتها. وعليه لا نستطيع أن نُفاضل بين الرجل والمرأة حتى نُحدّد الوظيفة. تماماً كما هو الأمر في الطبيب والمهندس، فإذا كان المطلوب بناء بيت فالمهندس أفضل، والطبيب أفضل لمعالجة الأمراض… وهكذا. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن يُكثِر الرجالُ من القيام على شؤون النساء؟! والجواب هو : أنّ الفضل الفطري لدى الرجال اقتضى واجباً عليهم تجاه النساء، وفضل النساء اقتضى حقاً لهنّ على الرجال، ففضل الرجل أنتج واجباً، وفضل المرأة أنتج حقاً. ولا شك أنّ بعض جوانب فضل الرجل الفطريّة (زيادته) جعلته الأقدر على الكسب في الواقع الاقتصادي. أمّا فضل المرأة فقد أعاق قدرتها على الكسب. لذا فقد أنتج فضل الرجل في هذا الجانب واجباً، في حين أنتج فضل المرأة حقاً. وبناءً على ذلك كان الرجل هو الأكثر قياماً على شؤون المرأة، لما أنتجه فضلُهُ من واجبات، ولما أنتج فضل المرأة لها من حقوق. والحق أنّ القيام بالواجب يُنتج حقاً يُكافِئ القيام بهذا الواجب، وأنّ كل وظيفة في المجتمع يقابلها من الحقوق ما يكافئها ويساعد على القيام بها، فرئيس الدولة، مثلاً، هو أعظم الناس مسئوليّة وبالتالي هو الأعظم حقاً. وبقدر تحمّلِه للمسئولية يقابله الناس بمردود من الحقوق تساعده على القيام بوظيفته. والشُرَطيّ هو صاحب مسئوليّة تَفرضُ له حقوقاً تساعده على القيام بواجبه، ومن هنا نجد أنّ طاعته من قِبل الجماهير هي من الفروض الاجتماعيّة. وفي الوقت الذي يشعر فيه الناس بتفريطه وتقصيره بواجبه فسيقابلونه بالعصيان والرفض والاحتقار. أمّا الطاعة والقبول والاحترام فلأولئك الذين يُخْلِصون ويقومون بواجبهم خير قيام.
وإذا كان الرجل قوّاماً يؤدّي واجباته ويمارس وظيفته، فلا بد أن يُقابل ذلك ما يُكافئه من الحقوق. والعجيب أنّ معنى القِوامة عند الكثيرين يُرادف معنى الحق الذي هو للرجل على المرأة، في حين أنّ معنى القِوامة في اللغة يشير بوضوح إلى الواجب الذي هو على الرجل تجاه المرأة، أي أنّه حق المرأة وليس حق الرجل. أمّا حق الرجل فهو الأثر المترتِّب على قيامه بواجبه، وهو المردود المتوقّع نتيجة القيام بالوظيفة.([65]) فالقوامة إذن تعني خدمة الرجل للمرأة ليس قهرها.
تقوم الحياة الزوجية على أساس احترام الحقوق والواجبات ، وبالرغم من الدور الفاعل للحب والمودَّة في تعزيز العلاقات الزوجية ، إلاَّ أنَّ مسألة احترام الحقوق تحظى بأهمية فائقة في مضمار العلاقات بين الزوجين ، فقد يواجه الزوجان – مثلاً – تنوعاً واختلافاً واسعاً في الأذواق والمشارب والأهواء . فاحترام ورعاية الحقوق الزوجية هو واجب شرعي- وليس تطوعا – يتوجب الالتزام به ، إضافة إلى آثاره الإيجابية في إشاعة الدفء والحب في أجواء الأسرة . وإن ما يدعو إلى الأسف حقاً أن يتجاهل الرجل والمرأة تلك الحقوق الإلهية ، وإهمال واجباتهما تجاه بعضهما البعض مما يؤدي إلى نسف الحياة المستقرة . كما يجب النظر إلى أن مسألة زعامة الأسرة ليست امتيازاً في نظر الإسلام بقدر ما هي مسؤولية تعني إدارة الأسرة وقيادتها في الطريق الصائب، حيث يتبلور دور العقل والكياسة والتجربة في شؤون الحياة ، إضافة إلى عناصر التضحية والإيثار والصبر . وأن توزيع الواجبات في الأسرة مسألة يشير إليها الإسلام ويؤكد عليها ، بعد أن يأخذ بنظر الاعتبار قابليات كل من الزوجين واستعداداتهما الفطرية . وهنا نرى رسول الله صل الله عليه وسلم يسند شؤون المنزل وإدارته إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، بينما يوكِّل الأعمال خارج المنزل إلى زوجها الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .فالإحساس المتقابل بمسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض له أثره الكبير في رسم صورة واقعية للحياة ، تساعدهما على السير بثبات واستقامة نحو الهدف المنشود ألا وهو الأسرة السعيدة الراضية.
المطلب الثالث : حول تعدد الزوجات([66])
على الرُّغم من أنّ تعدد الزوجات هو ظاهرة هامشيّة في مجتمعنا الإسلامي، إلا أنّ الحديث حولها يجعلها تبدو وكأنّها قضيّة ملحة ذات آثار عميقة. وهذا يدل على أنّ هناك قطاعات، وعلى وجه الخصوص النسائيّة منها، تتعامل مع القضايا الاجتماعيّة بعيداً عن منطق الأولويات، بحيث تُضخِّم الصغائر، وتُقدِّم الأمور الأقل أهميّة على ما هو أهم. وقد يرجع ذلك إلى مستوى الوعي وإلى التقليد الأعمى للأمم الغربيّة. ونحن هنا، نهدف إلى لفت الانتباه إلى أمور ينبغي أن تكون حاضرة في الذهن عند مناقشة قضيّة تعدد الزوجات:
أولاً: الأحكام الشرعيّة هي: الواجب، المندوب، الحرام، المكروه، والمباح. وتعدد الزوجات في الإسلام هو من المباحات. وقد ظنّ البعض أنّ فعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، في هذا المجال يدل على أنّ التعدد هو سنّة يُستحب فعلها، وهذا خطأ، لأنّ الرسول ، صلى الله عليه وسلم، يفعل الفرض والمندوب والمباح، ولم يقم دليل على الفرضيّة أو الندب، بل لقد قام الدليل على الإباحة.
ثانياً: عدم تَقبُّل الزوجة لأن يُعدد زوجها، وإعلان سخطها لذلك، لا يعتبر اعتراضاً على حكم الله تعالى، لأننا مخيّرون بين فعل المباح أو تركه، وتقبّله أو رفضه، ولكننا لم نُخيّر في تغيير حكمه، فالتعدد مباح، وهذا لا يمنع أن يختلف الموقف من هذا المباح من عصر إلى عصر، أو من مجتمع إلى مجتمع.
ثالثاً: في الوضع الطبيعي لأي مجتمع بشري نجد أنّ نسبة النساء تعادل نسبة الرجال تقريباً أي 50%، وهذا يعني أنّ التعدد سيبقى ظاهرة هامشيّة، لأنّه حتى يتمكّن كلّ رجل من أن يتزوّج امرأتين لا بد أن تكون نسبة النساء تُقارب 66% من المجتمع. وحتى يتمكن كل رجل من أن يتزوّج من أربع نساء لا بد أن تكون نسبة النساء 80%.
رابعاً: الغالبيّة العُظمى من المجتمعات المعاصرة، وعلى وجه الخصوص المجتمعات الغربيّة، تُمارس التعدد على نطاق واسع، وتشذ المجتمعات الإسلاميّة فلا تمارسه إلا نادراً. ويرجع ذلك إلى أسباب منها الضوابط التي شرعها الإسلام. أما المجتمعات غير الإسلاميّة فقد أصبح التعدد فيها قاعدة وعدم التعدد هو الاستثناء، وذلك لأسباب منها: إباحة الزنا عند تراضي الطرفين. وعدم وجود قانون يمنع العلاقات الجنسيّة خارج العلاقة الزوجيّة. ثم أجواء الانفتاح والتحرر الجنسي، والتي تشكل قوة ضاغطة تدفع الرجل ليستجيب لنوازعه الفطريّة، بحيث تصبح العفّة أمراً شاذاً، بل ظاهرة مرضيّة. والغريب أن القوانين التي تَحظر التعدد المنضبط تبيح التعدد غير المنضبط في الغرب.
هذه بعض الملاحظات التي ينبغي أن تكون في عقل كل من يريد أن يبحث قضيّة تعدد الزوجات، وإننا لنعجب من منطق أولئك الذين يتساءلون عن تعدد الزوجات في الإسلام ويتحدّثون بإعجاب عن موقف الحضارة الغربيّة من التعدد ويتعامون عن واقع التعدد فيها. والأعجب من ذلك منطق بعض المدافعين عن الإسلام الذين يُجهدون أنفسهم في تبرير التعدد، فيزعمون أنّ التعدد شرّع لأجل حالات خاصّة، ويحاول بعضهم تأويل النصوص ليقيّد إباحة التعدد وليحصره في حالات استثنائيّة. كل ذلك رغبة منهم في استرضاء الفكر العلماني. ولا شك أنّه موقف مؤسف، لأنّه يحمل في طياته التناقض العجيب، ثم هو موقف يُعلن عن تهافت صاحبه، وفقدانه للثقة بالذات الحضاريّة، وشعوره بالدونيّة. وهم لا شك يعلمون أنّ مجتمعنا لا يمارس التعدد إلا نادراً، وأنّ هذه الممارسة تُعتبر صماماً من صمّامات كثيرة تحفظ توازن مجتمعنا. نقول: قد ينجح هؤلاء في استصدار قوانين لتقييد أو حظر التعدد، ولكنّهم سيجدون أنفسهم ملزمين بإصدار القوانين لإباحة الزنا والعلاقات غير المشروعة، متعللين بالحرية الشخصيّة، التي لا تصلح في منطقهم لتسويغ التعدد المنضبط، ولكنها تصلح لتسويغ التعدد غير المنضبط!! وأبلغ مثال على تناقض المنطق العلماني ما ينص عليه القانون الإسرائيلي، حيث يحظر تعدد الزوجات حتى على المسلمين، ولكنّه في المقابل يجيز للرجل أن يُسجّل في بطاقته عدداً غير محدود من النساء كرفيقات. وتبرير ذلك عندهم أنّ تسجيل أولاد الرفيقة، غير الزوجة، يجعلهم من الوارثين لوالدهم الذي لم يتزوج أمّهم…!!
المبحث الرابع: الطلاق وآثاره
أولا : تعريف الطلاق: الطلاق لغة : الإرسال ورفع القيد والمفارقة.([67]) ، وإن كان العرف يخص الطلاق برفع القيد المعنوي، والأطلاق برفع القيد الحسي([68]).
الطلاق في الاصطلاح :
عرفه ابن عرفة بقوله : ” صفة حكمية ترفع متعة الزوج بزوجته ” ، كما عرفه القرطبي بأنه : ” حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة “([69]). أما بعض الأحناف فيعرفون الطلاق بأنه: ” حل رابطة الزوجية الصحيحة من جانب الزوج بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه في الحال أو المآل “([70]). ويبدوا أن تعريف الأحناف للطلاق أدق وأشمل ، ذلك أنه يستغرق الطلاق بنوعيه: الرجعي والبائن . فعبارة ” الحال أو المآل ” تفيد انتهاء العلاقة الزوجية حالا كما في الطلاق البائن، أو مآلا كما في الطلاق الرجعي، حيث تبقى الرابطة الزوجية في هذا النوع الأخير قائمة حكميا، لا تنتهي جميع آثارها بمجرد التلفظ بالطلاق، فيحق للزوج مراجعة زوجته مادامت العدة قائمة.
ثانيا : مشروعية الطلاق وحكمه
إن الزواج شرع ليكون عقدا أبديا ، ولا ينتهي إلا استثناء عندما تقتضيه الضرورة القصوى، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج بالمعاشرة بالمعروف ، واستحضار الرحمة والمودة في نظرة كل منهم للآخر ” وعاشروهن بالمعروف “([71]). غير أنه قد لا تستمر هذه المودة والرحمة إلى الأبد ، فينحرف الزواج عن المغزى الذي شرع من أجله ، وتصبح الحياة الزوجية جحيما على طرفيها ، وعلى الأطفال إن وجدوا. وشرَّع الله في الكتاب لأحكام الطلاق، وأكد على أن المعروف وعدم الإضرار هو كلمة السر في صلاح أي مجتمع ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢٣١).
والتفريق بين المرء وزوجه من الكبائر الموبقة، وإذا كان الزوج يحرم عليه إضرار امرأته بالطلاق بلا عذر، فكذلك لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بلا عذر موجب. وقد جاء فيما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: ” أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة”. ومفهوم الحديث : أنها إذا طلبت الطلاق من بأس وبسبب، فلا إثم عليها.
جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته أن الفقهاء اختلفوا في حكم الطلاق من حيث المبدأ، فبعض الفقهاء رآه جائزا ، وبعضهم منعه إلا لمسوغ يقتضيه، وبعض الفقهاء ربط الحكم بالسبب، ففي بعض الحالات يكون محظورا، وفي بعضها يكون واجبا، وفي بعضها يكون مكروها، وفي بعضها يكون مستحبا. ونسوق هنا ما جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي([72]):
حكم الطلاق:
ذهب الحنفية على المذهب: إلى أن إيقاع الطلاق مباح لإطلاق الآيات، مثل قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:1/65] {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء} [البقرة:236/2] ولأنه صلّى الله عليه وسلم طلق حفصة، لا لريبة (أي ظن الفاحشة) ولا كبر، وكذا فعله الصحابة، والحسن بن علي رضي الله عنهما استكثر النكاح والطلاق. وأما حديث «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» فالمراد بالحلال: ما ليس فعله بلازم، ويشمل المباح والمندوب والواجب والمكروه، وقال ابن عابدين: إن كونه مبغوضاً لا ينافي كونه حلالاً، فإن الحلال بهذا المعنى يشمل المكروه، وهو مبغوض. وقال الكمال بن الهمام: الأصح حظر الطلاق أي منعه، إلا لحاجة كريبة وكبر. ورجح ابن عابدين هذا الرأي، وليست الحاجة مختصة بالكبر والريبة، بل هي أعم. وذكر الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): أن الطلاق من حيث هو جائز، والأولى عدم ارتكابه، لما فيه من قطع الأ لُفة إلا لعارض، وتعتريه الأحكام الأربعة من حرمة، وكراهة، ووجوب، وندب، والأصل أنه خلاف الأولى.
فيكون حراماً: كما لو علم أنه إن طلق زوجته وقع في الزنا لتعلقه بها، أو لعدم قدرته على زواج غيرها، ويحرم الطلاق البدعي وهو الواقع في الحيض ونحوه كالنفاس وطهر وطئ فيه. ويكون مكروهاً: كما لو كان له رغبة في الزواج، أو يرجو به نسلاً ولم يقطعه بقاء الزوجة عن عبادة واجبة، ولم يخش زناً إذا فارقها. ويكره الطلاق من غير حاجة إليه، للحديث السابق عن ابن عمر: «أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق» . ويكون واجباً: كما لو علم أن بقاء الزوجة يوقعه في محرم من نفقة أو غيرها. ويجب طلاق المولي (حالف يمين الإيلاء) بعد انتظار أربعة أشهر من حلفه إذا لم يفئ ، أي يطأ. ويكون الطلاق مندوباً أو مستحباً: إذا كانت المرأة بذيِّة اللسان يخاف منها الوقوع في الحرام لو استمرت عنده. ويستحب الطلاق في الجملة لتفريط الزوجة في حقوق الله الواجبة، مثل الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها على تلك الحقوق. ويستحب الطلاق أيضاً في حال مخالفة المرأة من شقاق وغيره ليزيل الضرر، أو إذا كانت غير عفيفة، فلا ينبغي له إمساكها؛ لأن فيه نقصاً لدينه، ولا يأمن إفسادها فراشه، وإلحاقها به ولداً من غيره. ويستحب الطلاق أيضاً لتضرر الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره.
المطلب الثاني :طلاق المرأة نفسها
وفي مسألة مدى جواز طلاق المرأة نفسها، فقد توصل الفقهاء إلى ما يلي:
أولاً: أن الطلاق من حيث الأساس حق أعطاه الإسلام للرجل.
ثانياً: يمكن أن تطلق المرأة نفسها إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج أو إذا فوضها زوجها بذلك بعد العقد.
ثالثاً: يمكن للمرأة أن تخالع زوجها إذا رغبت في ذلك أمام القاضي الذي يجب عليه أن يبذل كل جهد ممكن للإصلاح بينهما، فإن يئس قضى بالخلع.
رابعاً: يمكن للمرأة أن تتفق مع زوجها على الطلاق ضمن أي شروط مشروعة يتراضيان عليها.
خامساً: يمكن للمرأة أن تطلب من القاضي التفريق بسبب الضرر المعتبر شرعاً، وله أن يحكم بذلك إذا أثبتت الزوجة ادعاءها، وبعد أن يبذل جهده في الإصلاح بين الزوجين كما أمر الله تعالى، وخاصة اختيار حكمين يساعدانه في هذه المهمة.
المبحث الخامس: نماذج من أوجه الاختلافات والتماثلات بين آراء محمود محمد طه والمذاهب الفقهية في مسائل الأحوال الشخصية
أراد محمود تأكيد ان كتابه تطوير الأحوال الشخصية ( جديد في بابه)([73]) و أنه: ( يحقق أغراض الدين بأكثر مما حققته الشريعة السلفية)([74]) ولذلك جاء بتخريجات ليس لها وجود في مذاهب الفقه الإسلامي كلها وذهب إلى ان نهاية “خطوة نحو الزواج” زواج بالله و اتحاد معه، نهاية يتم اثناءها “التضحية” بالأخر الذي استنفذ اغراضه.
محمود محمد طه هنا يختلف في المنهج الفكري عن كل المجددين – إذا جاز أن نسميه مجدداً- الذين يرون إمكانية كفالة حقوق المرأة باجتهادات جديدة في الشريعة الإسلامية، بينما يرى محمود أن لا مساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة؛ لان الشريعة فيها تعدد الزوجات وتمنح المرأة نصف ميراث الرجل وتجعل الرجل قواما على المرأة، ولذلك فان نصوص الشريعة عند محمود منسوخة وتمثل ما يسميه (نصوص الفروع) التي كانت صالحة للتطبيق في ظروف القرن السابع الميلادي في مقابل (نصوص الأصول) الصالحة للتطبيق الآن، ولعل غرابة هذا الحديث تعود لغرابة الفكرة التي بدأت كما تبين ذلك مقدمة كتاب الرسالة الثانية ([75]) يقول محمود «إن عنوانه الغريب مقصود …. ونحن نعلم أن المحتوى الذى أنبتت عليه المحاضرة غريب … غريب على الشريعة الإسلامية… ولكنه ليس غريبًا على الإسلام وهو إنما لم يقل من قبل لأن وقته لم يجئ.. وإنما جاء الآن.. والغرابة في الدين مدعاة لصحته.. أكثر مما هي مدعاة خطأ..»([76]). فغرابة ما تقدم هو مدعاة للصحة! ففي الزواج يقول محمود: (والأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للـرجل في الزواج، فالرجل كله للمرأة كلها، بلا مهر يدفعه، ولا طلاق يقع بينهما، والأصل في الإسلام ديمومة العلاقة الزوجية بين الزوجين، ذلك بأن زوجتـك إنما هي صُنْو نفسك. هي انبثاق نفسك عنك خارجك. هي جماع آيـات الآفاق لك في مقابلة نفسك، على فحوى آية: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”سورة فصلت، الآية: 53. ) ويقول (ومن حسن الترشيد للزوجات إعدادهن ليبلغن مرتبة النضج التي بها يشاركن أزواجهن في حقـوق، وواجبات الزوجية، مشاركة الأكفاء. ومن حقـوق، وواجبات، الزوجية، الدخول فيها بكامل الاختيار، والخروج منها بكامل الاختيار أيضاً). وهذا الحديث يصب في: «إنه من الخطـأ الشنيع أن يظـن إنسان أن الشريعـة الإسلامية في القـرن السابع تصلح بكل تفاصيلها للتطبيق في القـرن العشرين، ذلك أن اختلاف مستوى مجتمـع القرن السابع عن مستوى مجتمـع القرن العشرين أمر لا يقبل المقارنة ولا يحتاج العارف ليفصِّـل فيه تفصيلًا»([77]).
في الطلاق يرى محمود محمد طه ان الطلاق حق أصيل للمرأة وهي مساوية للرجل فيه حيث يقول:( الطلاق حـق، في أصل الدين، للنساء، كما هو للرجال. ولكن حق النساء، في الشريعة، في المـرحلة، قد ائتمن عليه الرجـال، ولقد ذهـل عن هذه الحقيقة علماء الإسلام، لما ذهلـوا عن أن الشريعة السلفية إنما هي مرحلية، وليست الكلمة الأخيرة، التي يريدها الدين).
ان آية الآيات في مستقبل المرأة في القرآن قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف .. وللرجال عليهن درجة) والمعروف هو العرف الذي تواضع عليه الناس ما لم يتعارض مع مراد الدين من تسيير الخلق الى الله على بصيرة وأما قوله (وللرجال عليهن درجة) فلا يعني أن مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة وانما يعني أن على قمة هرم الكمال البشري رجلا تليه امرأة هي قرينته تكاد تتخطى بذلك كل من عداه من الرجال.. وأس الرجاء في الآية ان الطريق بها أنفتح للمرأة ليتطور حقها… وحريتها في المجتمع بتطوير مسئولياتها وواجباتها في الحياة العامة والحياة الخاصة وذلك تطور لا يحده حد على الأطلاق.
فتشريع قوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليس أصلاً، وانما الأصل المساواة وتشريع تعدد الزوجات في الاسلام ليس أصلا وانما الأصل الزوجة الواحدة للزوج الواحد؛ ومثل هذا يقال عن المهر في الزواج فانه يمثل ثمن شراء المرأة حين كانت تسبى أو تختطف أو تشترى، وانما الأصل في الإسلام التكافؤ بين المرأة والرجل في إنشاء عش الزوجية (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) فهذه إشارة بالغة الرفعة في تصوير التكافؤ بين المرأة والرجل في الشراكة في الحياة الزوجية.
تعدد الزوجات ليس أصلًا في الإسلام:
(لا مـراء! فإن شريعة الأصول تمـنع التعـدد، في معنى ما تطالب بالعـدل.. والعدل يستحيل بين زوجتين.. دع عنك أربعا.. وإنما جاء تعدد الزوجات في شريعة الفروع، حيث كانت هي صاحبة الوقت، في القرن السابع.. ولم تكن حكمة التشريع، يومئذ، لتسمح بشريعة الأصول.. ذلك بأنها فوق طاقة المجتمع، وفوق حاجته، أيضاً.. ولا تستقيم حكمة بوضعها هذا الموضع.. ولقد اعتبرت شريعة الأصول مدخرة ليومها، ولقد جاء هذا اليوم بمجيء مجتمعنا هذا الكوكبي الذي يسعى لإقامة الحكومة العالمية التي تقوم على الدستور الإنساني، وتنظم علائقها بالقانون الدستوري..)([78]) … فإن قوله: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) يصبح قولا حاسماً في النهي عن التعدد.. ذلك لأن العدل في مستوى الأصول سينتقل من كونه عدلا في القسمة، كما كان في مستوى الفروع، ليصبح عدلا في ميل القلوب.. ولا مشاحة في أن القلب لن يعدل في ميله بين اثنين.. فلم يبق إلا واحـدة..([79])
وهكذا منع محمود تعدد الزوجات والمهر والطلاق في فقرة واحدة «والأصل في الإسلام أن المرأة كفاءة للرجل في الزواج، فالرجل كله للمرأة كلها، بلا مهر يدفعه، ولا طلاق يقع بينهما. ويلتمس منع التعدد في قوله تعالى: فإن خفتم الأ تعدلوا فواحدة ،ويلتمس منع الطلاق في قولة المعصوم «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» والإشارة اللطيفة إلى أن ما يبغضه الله لابد مانعه، حين يصير المنع ممكنًا، وعمليًا. فإن الله بالغ أمره.»([80]). وهنا منع محمود تعدد الزوجات بدليل قائم على الخوف ومحمود في أدبياته يحارب الخوف «والخوف، من حيث هو، الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك، ولن تتم كمالات الرجولة للرجل وهو خائف، ولا تتم كمالات الأنوثة للأنثى وهي خائفة، في أي مستوى من الخوف، وفي أي لون من ألوانه، فالكمال في السلامة من الخوف.»([81]). إذن بزوال الخوف تزول فتوى محمود «ولن يتم تحرير الفرد من جميع صور الخوف الموروث إلا بالعلم»([82]). وهذا هو عصر العلم. محمود لم يكمل الآيات أعلاه ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء: ٣- مدنية) مثنى وثلاث غير اثنين وثلاثة، مثنى تعني اثنين في آن واحد، وكذلك ثلاث ورباع. والأمر مربوط بالعدل، وليس المقصود بالعدل هنا المساواة المطلقة كما في المعادلات الرياضية، وقد وضحت الآية التالية هذا العدل( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: ١٢٩ – مدنية). فلا يميل الرجل فيجعل منها كالمعلقة، لا هي مطلقة حرة في اختيار عيشها، ولا هي زوجة لها حقوقها. وكان هنالك حل في الآية التالية مباشرة (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) (النساء: 130 – مدنية) فإذا تعذرت الحياة فإن الفراق أفضل، لكن الفراق يصطدم بمنع الطلاق عند محمود، وهنا القرآن المدني أكثر مرونة من صاحب الرسالة الثانية. لقد منع محمود الطلاق بحديث «أبغض الحلال» وهو حديث مرسل لا يحتج به في مثل هذه الأمور الخطيرة. لعل محمود تأثر بالأنجيل المحرف في ذلك «31. وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. 32. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي». متَّى الإصحاح 5. من هنا منعت الكنيسة الطلاق وربما أعجب محمود بذلك ونقله للإسلام، والله أعلم.
لعل أخطر ما ذهب إليه محمود هو قطعه أن الله سيحرم في المستقبل ما هو يكرهه « والإشارة اللطيفة إلى أن ما يبغضه الله لابد مانعه، حين يصير المنع ممكنًا، وعمليًا. فإن الله بالغ أمره.»([83]). ولمثل هذه الأقوال قال القرآن ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٨٠ – مدنية) المشكلة العويصة أن محمودًا جعل الله يبغض الطلاق من حديث غير صحيحﱡ ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل: ١١٦ – مكية).
وتعدد الزوجات من تشريعات الإسلام يقول تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء: ٣ – مدنية) والطلاق تشريع إسلامي قال تعالى(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: ٢٢٩ – مدنية) والحق أن القول بأن الأصل عدم التعدد هو قول يعارضه النص القرآني والعكس هو الصحيح التعدد أصل وزواج الواحدة فرع أنظر الآية ( فإن خفتم الأ تعدلوا فواحدة) الأمر بنكاح الواحدة جاء مشروطًا بالخوف من عدم العدل. إذن المفهوم من ذلك إن الأصل هو التعدد لمن رجح عنده العدل – والعدل المقصود هنا ليس العدل الشامل- «الموزون بميزان الذهب» لما يملك وما لا يملك فهو غير مستطاع لأحد. حيث جاءت الآية:( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: ١٢٩– مدنية)، جاءت هذه الآية لتفسر العدل المشروط للتعدد وهو العدل الذي نقدر عليه. كما يؤكد أصل التعدد أن المصطفى صل الله عليه وسلم قد عدد وكذلك أصحابه عددوا على نسائهم.
الطلاق ليس أصلًا في الإسلام
تحت هذا العنوان يجد القارئ حديث غير منطقي. يقول محمود «والأصل في الإسلام ديمومة العلاقة الزوجية بين الزوجين»([84]). لم يأت بدليل. يمكن أن يكون ذلك من مقاصد الإسلام ولكنه ليس أصلًا فيه. ثم بدأت الفلسفة الخاصة بمحمود : «ذلك بأن زوجتك إنما هي صنو نفسك. هي انبثاق نفسك عنك خارجك. هي جماع آيات الآفاق لك في مقابلة نفسك، على فحوى آية سنريهم آياتنا في الأفاق ﱠ ولكننا لا نملك النور الذي به نختار في الزواج نصفنا الآخر، اختيارا صحيحًا»([85]). إلى آخره …. والآية 53 من سورة فصلت – مكية. ما علاقة الآية بهذا الانبثاق؟. ثم ضرب مثل الأعمى والخوابير والأخرام([86]).. !! تناول محمود الطلاق ورفض كل الآيات التي تحدثت عنه ذلك عندما تحدث عن حق النساء في الطلاق، بحجة أنها آيات فروع مدنية ([87]).
ولما كانت –عند محمود محمد طه ([88])– مرحلة الوصاية في الإسلام (وصاية النبي على الأمة بمقتضى آية الشورى.. ووصاية الرجال على النساء بمقتضى آية القوامة) مرحلة انتقال، سببها قصور الأمة عامة، وقصور النساء، بخاصة، عن شأو المسئولية.. والمراد منها أن تتهيأ فترة انتقال، خلالها يرشد الأوصياء القصر، حتى يبرزوا إلى مقام رشدهم، وعزهم.. حيث يكونون مسئولين عن حسن تصرفهم أمام القانون.. كانت حقوق القصر أمانة عند الأوصياء.. مثل النساء، في ذلك، مثل الأيتام.. قال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى …..) والقرينة بين اليتامى وبين النساء هي السر في قرنهن بهم في قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى، وثلاث، ورباع.. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.. ذلك أدنى ألا تعولوا..).. ولقد قال في موضع آخر: (وآتوا اليتامى أموالهم) وكنى بالمال عن جميع الحقوق، وأهمها حقهم على الأوصياء في النصح، والتربية، والترشيد.. وقال:(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة).. وكنى بالصدقات عن جميع الحقوق التي لهن، على الأوصياء، من النصح، والتربية، والترشيد.. والأوصياء هنا هم الأزواج.. ومن حسن الترشيد للزوجات إعدادهن ليبلغن مرتبة النضج التي بها يشاركن أزواجهن في حقـوق، وواجبات الزوجية، مشاركة الأكفاء.. ومن حقـوق، وواجبات، الزوجية، الدخول فيها بكامل الاختيار.. والخروج منها بكامل الاختيار أيضا.. وهذا هو الطلاق.. فالطلاق حـق، في أصل الدين، للنساء، كما هو للرجال.. ولكن حق النساء، في الشريعة، في المـرحلة، قد ائتمن عليه الرجـال.. ولقد ذهـل عن هذه الحقيقة علماء الإسلام، لما ذهلـوا عن أن الشريعة السلفية إنما هي مرحلية، وليست الكلمة الأخيرة، التي يريدها الدين..(!) وتعليقنا هنا أن التَّشريع الإسلامي قد أثبت القوامة الشرعيَّة للرَّجل بضوابطها الشَّرعية، قال الله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ([89]) وقد تحدثنا عنها في غير هذا الموضع.
الخاتمة
إن كتابي خطوة نحو الزواج في الإسلام وتطوير شريعة الأحوال الشخصية ليجسدان بكل وضوح الضعف المعرفي والمنهجي عند محمود، التي تشي أن محمودًا كان ذا إطلاع في اتجاهات عدة، لكنها لم تشتمل الاطلاع على التراث الفقهي الإسلامي، لو اطلع محمود على فقه المذاهب الأربعة كحد أدنى لقدم رؤية نقدية محكمة ولما وقع في مثل هذه الأخطاء الكارثية في فرع من علوم الدين قتله الفقهاء بحثًا.
وقد ظهرت لنا بوضوح هذه النتائج:
- بنظرة لما طرحه محمود من تطوير لشريعة الأحوال الشخصية يتضح أنها تتلخص في الآتي:
- محاولات فلسفية قامت على أسس ومفاهيم مغلوطة.
- حرية الرجل والمرأة في اختيار الشريك. وهذا كفله القرآن ولم يأت بجديد سوى أنه صوب نقدًا لعوامل وعادات اجتماعية– سودانية – صرفة، مثل الخطبة والمغالاة في المهور، وصورها على أنها الدين. واقتبس الحل من تجربة سودانية صرفة «زيجة جمهورية في حي الموردة».
* رفض مسألة الولي. * النفقة.* الطلاق.* تعدد الزوجات.
- التطوير عند محمود؛ وافق بعض الاختيارات الفقهية المعروفة منذ قرون، وصوب سهام نقده لبعض العادات الاجتماعية «السودانية على وجه الخصوص» التي توهم أنها من الدين، وقد منع الطلاق وتعدد الزوجات دون دليل أو قرينة.
- العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما في الحياة – وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي-، ومن مقاصد هذا التكامل الموافق للفطرة البشرية: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)([90])، والحقوق عند المسلمين لا يقررها الرجل ولا المرأة إنما يقررها الله جل وعلا خالقهما، الذي قال:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)([91])، وبذلك فإن وجد في واقع بعض البلاد الإسلامية حيف في الحقوق وإهمال في أداء الواجبات من طرف تجاه آخر؛ فهو نتيجة لانحراف عن الدين، وجهل بأحكامه وضعف إيمان بالله سبحانه وتعالى.
- التَّشريع الإسلامي قد أثبت القوامة الشرعيَّة للرَّجل بضوابطها الشَّرعية، قال الله تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ([92])، وهذه القوامة من تَمام نعمة الله تعالى عليْنا، فَّهي ملائمة ومناسبة لكلٍّ من الرَّجُل والمرأة، وما فطرنا الله عليه من صفات جبلّية، ومن استعدادات فطريَّة. ولا تعني بحال من الأحوال إلغاء شخصية الزوجة وإهدار إرادتها أو طمس معالم المودة والألفة في الأسرة. بل هي لإدارة هذه المؤسسة – الأسرة – المهمة وصيانتها وحمايتها.
- من أعلى القيم التي رعتها الشريعة الإسلاميَّة قيمة المحافظة على الحياة الأسرية والزوجية. وحديث القرآن الكريم عن المرأة يدور على حفظ حقوقها والنهي عن ظلمها، واحترام ذاتها ورأيها، بل يدعوا إلى حسن التعامل معها، وملاطفتها.
- لا فرق عند الله بين الرجل والمرأة إنسانيا وحقوقياً وعلمياً وأخلاقيا وإيمانيا إلا فيما يتعلق بخصوصية (جنس الأنثى) وتكوينها الذي بدونه لا يكتمل العالم.
- وافق محمود الأحناف فيما ذهبوا قبل مئات السنين. «ويرى أبوحنيفة وأبو يوسف: أن المرأة العاقلة البالغة لها الحق في مباشرة العقد لنفسها. بكرًا كانت أو ثيبًا»([93]). ثم قال «وليس لوليها العاصب حق الاعتراض عليها، إلا إذا زوجت نفسها من غير كفء أو كان مهرها أقل من مهر المثل»([94]).
- جعل محمود للزواج صيغتين أحداهما في الحقيقة والأخرى في الشريعة «هناك زواج في «الحقيقة».. وهناك زواج في «الشريعة»… وهذا ليس له أصل في أصول الدين وبدعة ليس لها أس تقوم عليه. ونجد أن كل ما بذله محمود من تعابير فلسفية حول الزواج في الحقيقة كان بعيدًا كل البعد عن المنهجية، وفيه مفاهيم مغلوطة..
- محمود محمد طه يختلف في المنهج الفكري عن كل المجددين الذين يرون إمكانية كفالة حقوق المرأة باجتهادات جديدة في الشريعة الإسلامية، بينما يرى محمود ان لا مساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة لان الشريعة فيها تعدد الزوجات وتمنح المرأة نصف ميراث الرجل وتجعل الرجل قواما على المرأة، ولذلك فان نصوص الشريعة عند محمود منسوخة وتمثل ما يسميه (نصوص الفروع) التي كانت صالحة للتطبيق في ظروف القرن السابع الميلادي في مقابل (نصوص الأصول) الصالحة للتطبيق الآن.
- تشريع قوامة الرجل على المرأة في الإسلام ليس أصلا وانما الأصل المساواة وتشريع تعدد الزوجات في الاسلام ليس أصلا وانما الأصل الزوجة الواحدة للزوج الواحد.
- وتشريع الطلاق ليس أصلا في الإسلام وإنما هو تشريع انتقال يسير مجتمعا اسلاميا ناقصا الى مجتمع اسلامي ناضج يكون اختيار الزوجين فيه لبعضهما اختيارا ناضجا وموفقا مما يجعل الطلاق أمرا غير مشروع ولقد أشار المعصوم الى ذلك أبلغ اشارة حين قال (أبغض الحلال الى الله الطلاق) وبلاغة الإشارة في أن ما يبغضه الله لن يلبث أن يزول.
- شريعة الأصول – حسب تسميته- تمـنع التعـدد، في معنى ما تطالب بالعـدل.. والعدل يستحيل بين زوجتين.. دع عنك أربعا.. وإنما جاء تعدد الزوجات في شريعة الفروع، حيث كانت هي صاحبة الوقت، في القرن السابع.. ولم تكن حكمة التشريع، يومئذ، لتسمح بشريعة الأصول..!
- محمود محمد طه تناول الزواج في الحقيقة مقابل الزواج في الشريعة، وبنفس الطريقة جعل الزواج في شريعة الأصول مقابل الزواج في شريعة الفروع. وقد بنى هذه الصيغ على فرضية وجود قرآنين منفصلين مكي ومدني، وهي فرضية لا يعرف قائلها ولا حصر آياتها حصراً دقيقاً موثوقاً لا يتطرق إليه الشك ولا الجدل ولا الخلاف.
- الكتاب ليست به منهجية واضحة ولا تطوير يحل مشكلات اليوم. لقد صمم الكتاب ليمنع الطلاق وتعدد الزوجات، ويلغي المهر ويجعل النفقة شراكة بين الأزواج. لكنه لم يفصل في هذه القضايا كما فعل الفقه الموروث، ولم يلتفت الى المشكلات التي يمكن أن تنجم من أحكامه هذه.
المراجع:
- القرآن الكريم.
- أبو مالك كمال بن السيد سالم ، فقه السنة للنساء.. المكتبة التوفيقية. القاهرة. 2000م.
- أحمد بن فارس الرازي، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر،ج1. 1979م.
- الفقه المالكي في ثوبه الجديد ، الجزء الرابع : فقه الأحوال الشخصية كتاب الطلاق ، الطبعة الأولى 2003 م ، دار البشير.
- بسام جرار، نظرات في كتاب الله الحكيم، مركز نون للدراسات القرآنية، البيرة، فلسطين، ط1، 2004م
- لمحات من حياة الأستاذ محمود محمد طه. إصدارات مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي.
- وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها) ، الناشر: دار الفكر – سوريَّة – دمشق، الطبعة: الرَّابعة المنقَّحة.
- محمد الكشبور ، الواضح في شرح مدونة الأسرة انحلال ميثاق الزوجية ، الطبعة الثالثة 2015 ، مطبعة النجاح الجديدة .
- محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- محمد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990م.
- محمد مصطفى سرحان، “الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم الشرعية المصرية والسودانية والمجالس الحسبية.
- محمد مصطفى شلبي ، أحكام الأسرة في الإسلام دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون ، الطبعة الرابعة 1983 ، الدار الجامعية للطباعة والنشر.
- محمود محمد طه ، من دقائق حقائق الدين، مايو 1981.
- محمود محمد طه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية،الطبعة الثالثة، 1399هـ .
- مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، دار الفكر، بيروت، لبنان، (ب.ت).
- مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1961م
- نور الدين عتر، ماذا عن المرأة، دار الفكر، دمشق، 1979م
- يوسف القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1996م
شبكة الإنترنت: https://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=23&chapter_id=1
([3])- لمحات من حياة الأستاذ محمود محمد طه. إصدارات مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي ص 1.
([5])- المصدر نفسه، نفس الصفحة.
([6]) من دقائق حقائق الدين، محمود محمد طه. مايو 1981. ص 12.
[9] – فكر محمود محمد طه ومنهجه وآراؤه، دراسة تحليله نقدية، د. الباقر وآخرون، مطبوعات المركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة، الخرطوم، ص9.
[10] – محمود محمد طه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية، الطبعة الثالثة، 1399هـ ص 2،
[11] -المصدر نفسه ص 4.
[12] – محمود محمد طه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية ، المصدر نفسه، نفس الصفحة.
[13] – خطوة نحو الزواج في الإسلام، ص 7.
[14] – الأستاذ محمد مصطفى سرحان، “الأحوال الشخصية حسب المعمول به في المحاكم الشرعية المصرية والسودانية والمجالس الحسبية (بتصرف ص 5).
([15]) – الرسالة الثانية، مرجع سابق ص 109
([17]) – المصدر نفسه نفس الصفحة.
([18]) – تطوير شريعة الأحوال الشخصية، ص 60.
([19])- الأحوال الشخصية. الإمام محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي ط 2. 1950 ص 8.
([20]) – المصدر نفسه نفسه ، ص9
([21])- خطوة نحو الزواج في الإسلام، ص4.
([23])- المصدر نفسه، نفس الصفحة
([24])- خطوة نحو الزواج في الإسلام، المصدر نفسه، ص6.
([26]) – فقه السنة، السيد سابق، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1977م، ص 113.
([27]) -المصدر نفسه نفس الصفحة.
([30]) – فقه السنة للنساء، أبو مالك كمال بن السيد سالم. المكتبة التوفيقية. القاهرة. 2000م. ص 437.
([31]) – تطوير شريعة الأحوال الشخصية. مرجع سابق. ص 59.
([32]) – تطوير شريعة الأحوال الشخصية، مرجع المصدر نفسه نفس الصفحة.
([35])- معجم مقاييس اللغة، ص 392.
([36])- مفردات ألفاظ القرآن. الراغب الأصفهاني. ذوي القربى. ط 6. 1431هـ. ص 384.
([37])- تطوير شريعة الأحوال الشخصية، مرجع سابق ص 59.
([40])- تطوير شريعة الأحوال الشخصية، مرجع المصدر نفسه نفس الصفحة.
([41])- المصدر نفسه نفس الصفحة.
([43])تطوير شريعة الأحوال الشخصية، مرجع سابق، ص 75.
([47]) المصدر نفسه نفس الصفحة.
([49])- الرسالة الثانية، ص 110.
([50]) – تطويرشريعة الأحوال الشخصية، ص 76.
[51])) – تطوير شريعة الأحوال الشخصية، ص 78
([53])- الرسالة الثانية، مرجع سابق ص 130.
([55])- المصدر نفسه نفس الصفحة.
([56])- تطوير شريعة الأحوال الشخصية، مرجع سابق ص 67.
[57]– مارسيل بوازار : إنسانية الإسلام ، ص 140.
[58]– سورة الممتحنة: الآية 10
[59]– محمد الغزالي : فقه السيرة، ص 260.
[60]– اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص 28
[61]– البخاري، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، برقم ( 4843).
[62]– آتيين دينيه : محمد رسول الله ، 328-329 .
[63]– رواه الترمذي ،كتاب النكاح، باب في حق المرأة على زوجها برقم 2142 .
[64]– سورة البقرة: الآية 228
[65]– نظرات في كتاب الله الحكيم، بسام جرار، ص58-60، مركز نون للدراسات القرآنية، البيرة، فلسطين، ط1، 2004م
[66]– للمتابعة والاستزادة راجع : ملامح المجتمع المسلم، يوسف القرضاوي، ص385- 398، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1996م و المرأة بين الفقه والقانون، مصطفى السباعي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1961م وماذا عن المرأة، نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، 1979م
[67] – التعريفات ص : 183 ، أورده محمد بشير الشقفة ، الفقه المالكي في ثوبه الجديد ، الجزء الرابع : فقه الأحوال الشخصية كتاب الطلاق ، الطبعة الأولى 2003 م ، دار البشير ص : 54
[68] – محمد مصطفى شلبي ، أحكام الأسرة في الإسلام دراسة مقارنة بين فقه المذاهب السنية والمذهب الجعفري والقانون ، الطبعة الرابعة 1983 ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، ص : 491
[69] – أورده محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة _ انحلال ميثاق الزوجية _ الطبعة الثالثة 2015 ، مطبعة النجاح الجديدة ، ص : 28
[70] – محمد مصطفى شلبي ، مرجع سابق ، ص : 491
[71] – سورة النساء الآية 19
[72] -الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها)، المؤلف: أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق – كلّيَّة الشَّريعة، الناشر: دار الفكر – سوريَّة – دمشق، الطبعة: الرَّابعة المنقَّحة المعدَّلة بالنِّسبة لما سبقها ،عدد الأجزاء: 10
[73] – تطوير شريعة الأحوال الشخصية، سابق، ص 6.
[74] – المصدر نفسه ، ص 7.
([75])- الإسلام برسالته الأولى ، مرجع سابق ص 3.
([76])- المصدر نفسه، ص 37 – 38.
([77])- الرسالة الثانية من الإسلام، مرجع سابق ص8.
([78]) – https://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=23&chapter_id=11
([79]) – https://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=23&chapter_id=11
([80])- الرسالة الثانية، مرجع سابق ص 127- 128.
([82])- المصدر نفسه نفس الصفحة.
([83])- الرسالة الثانية، مرجع سابق ص 128.
([84]) الرسالة الثانية، مرجع سابق ص 129.
([85]) المصدر نفسه، ص 129 – 130.
([86]) المصدر نفسه نفس الصفحة 130.
([87]) – تطوير شريعة الأحوال ص 76.
([88])- https://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=23&chapter_id=11