من تجارب التّعليم عن بُعد بالمغرب: بين إكراهات الواقع وتحديّات المستقبل
From the experiences of Distance education in Morocco: between the compulsions of reality and the challenges of the future.
أ.د. عطاء الله بن أحمد الأزمي/المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدار البيضاء- سطات؛ المغرب
Pr. ATA-ALLAH ben Ahmed ELAZAMI / Regional Center for Education and Training Professions, Casablanca
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 82 الصفحة 115.
Abstract :
At the end of the 20th century and the early beginnings of the 21st century, Morocco have witnessed various types of education, such as traditional education or archaic education, and modern or formal education. And the methods of teaching and training were, at their turn, adopting first of all, traditional or stereotypical methods, which soon began to take on the character of modernization and contemporaneity… However, the technological revolution that the world has known, and the dawn of the digital age, has brought rapid transformations, which affected various aspects of educational life, and at various levels of schooling, from pre-school education, or so-called kindergarten, primary school, to higher education in universities, colleges, institutes, research centres, and vocational training, going through secondary school.
During this phase, Morocco has experimented several programs for distance education and training, with the intention of integrating media and communication technology into the educational and training system, such as the program “جيني“ (Genie) , which has been launched since the 1990s by a directory linked to the Ministry of Education, Vocational Training, Higher Education and Scientific Research, under the same name:directory“جيني“ (Genie),all in parallel with multiple reforms that have influenced the educational landscape In Morocco since independence (1956) until now. The most prominent of these were in the last two decades: The National Charter for Education and Training (1999), forums of reform, and the emergency program or scheme (2009), and the Strategic Vision (2015-2030) and Law Framework 51.17 related to the educational, training and scientific research system (2017).
Then to what extent has Morocco been able to develop its experience in digitizing educational resources, preparing human resources and appropriate infrastructures, to popularize education and training remotely in its educational and training system? And how did Morocco employ modern technologies to keep up with the different developments and to envision the future?
Based on this central question, the key issues that we will present in this research will address the following themes:
- Distance education: concepts, types and approaches.
- Experiences of distance learning in Morocco.
- The elements of distance learning, its characteristics and its challenges.
Keywords: Distance Education – Education and Training – Program “جيني “(Genie)- Media Technology and Communication –Digitization
ملخص:شهد المغرب منذ نهاية القرن العشرين والبدايات الأولى من القرن الحادي والعشرين، أنماطا متعددة من التعليم، من قبيل التعليم التقليدي أو التعليم العتيق، والتعليم العصري أو النظامي. وكانت طرق التلقين والتعليم والتدريس والتكوين.. بدورها، بدءا، طرقا تقليدية أو نمطية، سرعان ما بدأت تتخذ طابع العصرنة والتحديث.. إلا أن الثورة التكنولوجية التي عرفها العالم، وبزوغ فجر عصر الرقمنة، أحدث تحولات متسارعة، همت مختلف مناحي الحياة التعليمية التعلمية، وبمختلف المستويات الدراسية، انطلاقا من ما قبل التعليم المدرسي، أو ما يصطلح على تسميته برياض الأطفال أو التعليم الأولي، وبالابتدائي، إلى التعليم العالي بالجامعات والكليات والمعاهد ومراكز البحث والتكوين والتكوين المهني، مرورا بالثانويين الإعدادي والتأهيلي.
وقد عرف المغرب، خلال هذه المرحلة، تجريب العديد من البرامج للتعليم والتكوين عن بعد، قصد إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية والتعليمية والتكوينية، من قبيل برنامج “جيني”(Génie) ، والذي أطلقته منذ تسعينات القرن الماضي، مديرية تابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي تحمل الاسم نفسه : مديرية برنامج “جيني”(Génie) (تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم)، حيث تم ذلك كله بموازاة إصلاحات متعددة طالت المشهد التعليمي بالمغرب منذ الاستقلال (1956) إلى الآن، كان من أبرزها في العشريتين الأخيرتين: الميثاق الوطني للتربية والتكوين(1999)، ومنتديات الإصلاح، والبرنامج أو المخطط الاستعجال ي(2009)، والرؤية الاستراتيجية(2015 – 2030)، والقانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (2017).
فإلى أي حد استطاع المغرب تطوير تجربته في رقمنة الموارد التعليمية، وإعداد الموارد البشرية والبنيات التحتية الملائمة، لتعميم التعليم والتكوين عن بعد بمنظومته التربوية والتكوينية؟ وكيف وظف التكنولوجيات الرقمية الحديثة لمواكبة مختلف التطورات، واستشراف المستقبل؟
انطلاقا من هذا السؤال المحوري، ستتناول الورقة التي سنقدمها في بحثنا هذا، المحاور الآتية:
- التعليم عن بعد: مفاهيم وأنواع ومقاربات.
- تجارب التعليم عن بعد بالمغرب.
- مقومات التعليم عن بعد وخصيصاته وتحدياته.
الكلمات المفتاحية: التعليم عن بعد – التربية والتكوين – برنامج (génie)”جيني”: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم– الرقمنة.
مقدمة:
ينطوي التعليم عن بعد على تعدد المفاهيم والأشكال، وتنوع المحددات والتعريفات، واختلاف زوايا النظر إليه. لكن، يكاد يجمع أغلب الممارسين للتعليم عن بعد، أو المهتمين به، على أنه قد ظهر منذ مدة نتيجة عوامل عدة، أبرزها التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتزايد المطرد لأعداد الراغبين في التعليم والتعلم أمام محدودية المقاعد الدراسية عبر العالم، والتغييرات الجوهرية التي أحدثتها العولمة على منظوماتنا التربوية والتعليمية والتكوينية، وبزوغ عصر الرقمنة الذي أحدث طفرة نوعية وثورة هائلة على مستوى تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصال والتواصل، ونقل المعلومات.
إذن، فلا جدال في كون مختلف هاته الوسائل التكنولوجية الحديثة، قد فتحت آفاقا رحبة لاستحداث صيغ متجددة في طرائق التعليم والتعلم، انطلقت من رقمنات )’Digitalisations) متعددة، طالت مجالات الإدارة والخدمات والصحة والبحث العلمي والاقتصاد والإعلام، وشملت الآن مختلف مجالات التعليم والتربية والتكوين.
أولا- التعليم عن بعد: مفاهيم وأنواع ومقاربات:
لقد ألفينا، من خلال الاطلاع على تعاريف متنوعة ومختلفة، مسميات متعددة وسمت ما يطلق عليه “التعليم عن بعد”، من بينها: التعليم غير الحضوري، التعليم التفاعلي، التعليم الرقمي، التعليم الذاتي، التعليم المفتوح أو المنفتح، التعليم عن بعد، التعليم عبر التطبيقات والمنصات الرقمية،…إلخ.
ويطلق التعليم عن بعد على أنماط من التعليم التي لا تتم حضوريا، ويقصد به([1]):
- أي نظام للتدريس والتعليم والتكوين، يكون فيه المتعلم والمتكون بعيدا عن مدرسته أو مؤسسته لمعظم الفترات التي يدرس فيها.
- عملية تبليغ الخدمات التعليمية إلى الفئات المستهدفة التي يتعذر عليها الوصول إليها، أو الحضور الشخصي إلى المؤسسات التعليمية والجامعية ومراكز التكوين.
- نمط من التعليم يعتمد وسائل تكنولوجية مختلفة تضم مواد مطبوعة وبثا مباشرا، إما عبر الإذاعة والمرناة، والحاسوب، والهاتف المحمول، والأشرطة السمعية البصرية..إلخ .
وتقترح اليونسكو تعريفا للتعليم عن بعد، مفاده أنه ذلك التعليم المنظم للوسائط المطبوعة وغير المطبوعة، التي تكون معدة إعدادا جيدا، من أجل جسر الانفصال بين المتعلمين والمعلمين، وتوفير الدعم للمتعلمين في دراستهم. إن التعليم عن بعد: “يقوم على استقلالية المتعلم بقدر ممكن من المواجهة وجها لوجه مع المعلم، وبأكبر قدر من المواد التعلمية القابلة للتعليم الفردي، والمنتجة لتبسيط التعليم، والمتضمنة درجة عالية من الجودة، والتي ترسل بوسائل إعلامية([2])“.
ويرتبط التعليم عن بعد بمفاهيم يسوقها أحد الباحثين وفق الآتي:
– “التعليم عن بعد (Distance Learning): هو نقل العلم من مراكز تجمعه في عواصم الدول إلى مدنها البعيدة التي لا تتوفر فيها وسائل وسائط المعرفة الضخمة والمتخصصة…
– التعليم الإلكتروني (Electronic Learning): ويطلق عليها أيضا E-Learning، هو أحد طرق التعليم عن بعد ((Distance Learning التي اتبعتها الدول الغربية منذ فترة وطورتها من خلال الشبكة العنقودية (World web Wide)، وقامت بعض الدول العربية بتبنيها، فهذه الطريقة تساهم في بناء الأفراد، فمن خلالها يتعلم الأميون أو ربات البيوت أو العاملون حسب ظروفهم وأوقاتهم وفق جداول زمنية([3])“.
– (LMS): هو نظام يضم خدمات خاصة بالمحتوى التعليمي الإلكتروني، يمنح الطلاب والمعلمين والمشرفين إمكانية الدخول له. من هذه الخدمات صلاحيات الدخول طبقا للمستوى الممنوح للمستخدم، التحكم بالمحتوى والتعديل فيه، أدوات للتواصل، وجود مجموعات للطلاب، محادثة حية، متابعة لأداء الطلاب إلخ…
SCORM-: ترمز هذه الأحرف إلى Sharable Content Objectif Reference Model))، وهو عبارة عن بروتوكول قياسي أساسي للتواصل بين المادة التعليمية المفردة ونظام تسيير التعليم (LMS)…
– المجتمعات الافتراضية: فهي مجموعات ثقافية تنشأ عند التقاء مجموعة من الأشخاص بعضهم ببعض في الفضاء المعلوماتي([4])“.
ويسوق الباحث نفسه تعريفات متعددة، استقاها من مراجع مختلفة، منها:
– “تلك العملية التعليمية التي يكون فيها الطالب مفصولا أو بعيدا عن الأستاذ بمسافة جغرافية يتم عادة سدها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة”.
– “نظام تعليمي غير تقليدي، يمكن الدارس من التحصيل العلمي، والاستفادة من العملية التعليمية بكافة جوانبها دون الانتقال إلى موقع الدراسة، ويمكن المحاضرين من إيصال معلومات ومناقشاته للمتلقين دون الانتقال إليهم، كما أنه سيسمح للدارس أن يختار برنامجه التعليمي بما يتفق مع ظروف عمله، والتدريب المناسب والمتاح لديه للتعليم، دون الحاجة إلى الانقطاع عن العمل أو التخلي عن الارتباطات الاجتماعية”؛
– “نقل برنامج تعليمي من موضعه في حرم مؤسسة تعليمية ما إلى أماكن متفرقة جغرافيا، ويهدف إلى جذب طلاب لا يستطيعون تحت الظروف العادية الاستمرار في برنامج تعليمي تقليدي”.
“هو تعليم جماهيري، يقوم على فلسفة تؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليمية المتاحة، بمعنى أنه تعليم مفتوح لجميع الفئات، لا يتقيد بوقت وفئة من المتعلمين، ولا يقتصر على مستوى أو نوع معين من التعليم، فهو يتناسب وطبيعة حاجات المجتمع وأفراده وطموحاتهم وتطوير مهنهم([5])“.
وخلاف ما يعتقده بعض من كون التعليم عن بعد قد اعتمد، أو يعتمد فقط على التكنولوجيات البيداغوجية الحديثة، عبر شبكة الأنترنيت والأقمار الصناعية، فإنه يستخدم وسائل تعليمية عن بعد أخرى، من بين أنموذجاتها:
أ. وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة: ومنها شبكة المعلوميات (الشابكة أو الأنترنيت)، والأقمار الصناعية، إذ عرف مجال التعليم والتعلم اتساعا متسارعا، بموازاة تطور هذه التكنولوجيات التواصلية الحديثة، ليشمل عددا هائلا من تطبيقات الحواسيب ووسائط الاتصال الرقمية الحديثة، التي ساهمت في تطور تقنيات تقديم المنتج التربوي، وبروز طرائق وأساليب مستحدثة للتعلم عن بعد، عملت على تلبية الحاجات المتزايدة للمدرسين والمكونين والباحثين والمتعلمين على حد سواء، تحقيقا لمبدأ “التعليم للجميع”.
ب. المرناة (التلفزيون): عد المرناة (التلفزيون) وسيلة عملية وناجعة لتحقيق نسب عالية من التعليم عن بعد، سواء تعلق الأمر بالتعليم النظامي أو غير النظامي، من خلال إعداد الوزارات والمؤسسات الوصية على قطاع التعليم والتربية والتكوين لجملة من البرانم والبرامج والموارد الرقمية، يتم بثها بقنوات تلفزية عمومية موجهة للفئات المستهدفة بمختلف الأسلاك التعليمية، وفي جميع الشعب والمسالك والمواد والوحدات والمجزوءات، وكذا للكبار، في ما يعرف بـــــ “تعليم الكبار”، أو محاربة الأمية. ومن أنموذجات ذلك بالمغرب القناة الأولى، والقناة المغربية، والقناة الرابعة الثقافية، والقناة الأمازيغية.
ت. الإذاعة: تعد الإذاعة، ومنها المدرسية، من أبرز وسائل التعلم عن بعد، خصوصا في عقود سابقة، وحتى راهنا، فقد أثبتت البرامج الإذاعية المتعددة والمتنوعة، في عديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فاعليتها ونجاعتها في إنجاح الدروس النظامية وغير النظامية، وبرامج محو الأمية وتعليم الكبار، وكسر طوق العزلة عن المتعلمين بالمناطق النائية، خصوصا القروية منها وبالمناطق الوعرة والصعبة الولوج، وتتعدى البرامج التعليمية ما هو مدرسي محض إلى ما هو توجيهي، وتوعوي.
تركيب:
نخلص، من خلال التحديدات والتعريفات المختلفة للتعليم عن بعد، إلى أن هناك خيطا ناظما بينها جميعا، يتمثل في كون مختلف أنواع التعليم التي يمكنها أن تعوض التعليم الحضوري المباشر والحي، أو التقليدي المتعارف عليه عالميا، وتتم – غالبا – بواسطة الرقمنة أو عالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، بأشكالها وأنواعها المتعددة، يمكننا موضعتها في مجال التعليم عن بعد بشكل عام، بغض النظر عن المميزات أو الخصيصات التي تتفاوت من نوع إلى آخر، ومن فئة إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد آخر.
ثانيا- تجارب التعليم عن بعد بالمغرب:
يعد التعليم عن بعد (à distance) أو التعليم الرقمي (Digital) ظاهرة غير جديدة في عالمنا اليوم، إذ ظهر منذ خمسينات القرن الماضي، ارتباطا بالطفرة التكنولوجية الحديثة، خصوصا بالدول التي واكبت التحولات الرقمية المتسارعة، ونقلتها من عالم المال والأعمال والاقتصاد والاتصال والمواصلات والصورة.. وغيرها، إلى مجال التعليم.
ولم يشذ المغرب عن القاعدة، مغاربيا وعربيا وإقليميا ودوليا، حيث كان سباقا إلى اعتماد التكنولوجيا الحديثة من خلال برامج وطنية راهنت على تزويد جميع مؤسساته الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ومنها التعليمية والجامعية، بوسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من حواسيب ولوحات الكترونية وبرانم ومسطحات، مما ساعد على نقل المغرب من الأنماط التقليدية للتعليم إلى عالم الرقمنة والموارد الرقمية، التي ساهمت منذ عقود، وخصوصا مع تداعيات جائحة كوفيد 19، أو ما يصطلح عليه بالفيروس التاجي، في تغيير أنماط التعليم والتعلمات، وجعلها مسايرة للتحولات المتسارعة، ومواكبة للحاجات الملحة التي فرضتها مجموعة من التدابير الإدارية والصحية الاحترازية التي أقرتها الدولة المغربية للحد من انتشار هذا الوباء الذي عم العالم بأسره، وفرضتها – سابقا – فئات من المجتمع التي تتعذر عليها الاستفادة من التعليم التقليدي والحضوري، لأسباب ودواع بنيوية وجغرافية ومادية واجتماعية وسوسيوثقافية..إلخ..
- حضور التعليم عن بعد بالقوانين والمرجعيات التربوية:
تضمنت مجموعة من القوانين والمرجعيات والمواثيق التربوية بالمغرب([6])إشارات ضمنية أو واضحة للتعليم عن بعد، في سياق تحديث التعليم وعصرنته، من أبرزها: الدستور الجديد للمملكة المغربية، الذي صوت عليه المغاربة في استفتاء تاريخي بتاريخ 01 يوليوز 2011، إذ من بين ما جاء في الفصل 31:
“تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل السبل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: (- …………….)
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛”
ثم الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، الصادر عن اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، الذي حدد ثلاثة أبعاد مستقبلية للتكنولوجيا في المدرسة المغربية، ومن ضمنها الاستعانة بالتعليم عن بعد في مستوى الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي في المناطق المعزولة، ومعالجة بعض حالات صعوبة التمدرس والتكوين المستمر، والسعي أيضا إلى تحقيق تكافؤ الفرص، بالاستفادة من مصادر المعلومات وبنوك المعطيات، وشبكات التواصل، مما يسهم، بأقل تكلفة، في حل مشكلة الندرة والتوزيع غير المتساوي للخزانات والوثائق المرجعية، فالتعليم عن بعد يعالج حالات التعثر الدراسي لمن يعانون العزلة أو البعد عن المدرسة، ويحقق تكافؤ فرص الحصول على مصادر المعلومات والمعرفة.
واستكمل المخطط أو البرنامج الاستعجالي (2009 – 2012)، هذا النهج بمعالجة برمجة تعميم استفادة المؤسسات التعليمية في إطار برنامج (génie) “جيني”، ودعمت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ذلك، بإصدار أربع مذكرات لإدماج التقنيات الحديثة في التعليم، الأولى تتعلق بإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المؤسسات التعليمية سنة 2009، والثانية يتعلق موضوعها بمباراة وطنية حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ميدان التربية والتكوين سنة 2011، والثالثة في شأن نشر تتبع التواصل حول الدلائل البيداغوجية لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم سنة 2013، والرابعة تتعلق بنشر منشورات إخبارية وقرص مدمج في مجال إدماج تكنولوجيا المعلومات سنة 2013.
كما نصت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015- 2030)، في الفقرة الرابعة من الدعامة التاسعة عشرة على ضرورة التعزيز التدريجي لصيغ التعليم الحضوري، بالتعليم عن بعد، عبر اعتماد برامج ووسائط رقمية. وتفاعلية، وتكوين مكتبات وموارد تربوية إلكترونية. وأكدت الفقرة العاشرة من الدعامة نفسها على تنويع أنماط للتعليم والتكوين، خصوصا في المستويات العليا من التعليم (التعليم عن بعد، التعليم مدى الحياة)، بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الراغبين في تغيير مكتسباتهم أو تعميقها، أو التصديق عليها، بالحصول على شهادات مطابقة لخبراتهم.
وتفعيلا لتوصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وتحويل مقتضياتها إلى اختيارات كبرى ملزمة للجميع، تم إصدار قانون خاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، رقم: 17-51، شرع في تنفيذه في 19 غشت 2019، ليؤكد على المنحى نفسه في المادة: 33، التي نصت إحدى فقراتها على تنمية التعليم عن بعد وتطويره، في حين أشارت المادة: 48 من القانون نفسه إلى ضرورة تمويل تعميم التعليم عن بعد.
من هنا، يمكن القول بأن المغرب قد تبنى استراتيجية تكنولوجية وطنية حكومية للمغرب الرقمي (E-Governement) على غرار: المغرب الأخضر في المجال الفلاحي والبيئي، والمغرب الأزرق في مجال البيئة البحرية والمائية، حيث تسهر لجنة للقيادة، يرأسها رئيس الحكومة، وتضم في عضويتها مجموعة من الوزراء، من بينهم وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، على تفعيل هاته الاستراتيجية التكنولوجية التي تمت دسترتها ومأسستها، عبر مؤسسات عمومية متخصصة أنشئت لهذا الغرض، من قبيل: المختبر الوطني للموارد الرقمية، والمركز المغربي الكوري للتكوين في تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم… حيث تم تنويع الاستعمالات البيداغوجية الرقمية، وإنتاج العديد من الموارد الرقمية، وإعداد دراسة وطنية حولها، وتكوين الخبراء، وتحيين مجزوءات التكوين ذات الصلة، حيث كان المغرب سباقا، منذ 2015، إلى إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم في مناهج التعليم الابتدائي، وباقي الأسلاك التعليمية لاحقا، كما حاز المغرب الجائزة الأولى بباريس، خلال المسابقة الدولية التي نظمتها اليونسكو حول: “الاستراتيجيات التكنولوجية”، بمشاركة دول أوروبية وأسيوية وأفريقية، وتكونت لجنة التحكيم – حينها – من حكام ينتمون للقارات الخمس(حكم من كل قارة).
وتزامنا مع إعلان حالة الطوارئ الصحية عشية تسجيل الحالات الأولى للإصابة بفيروس كوفيد19، شهر مارس 2020، أصدرت الوزارة الوصية المذكرة رقم: 20- 271، الخاصة باستعمال مسطحة “تيمز” للتعليم عن بعد، من أجل تفعيل خطة الاستمرارية البيداغوجية، عبر إنشاء واستضافة الأقسام الافتراضية المسندة للأساتذة.
- برنامج (génie)”جيني” (تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم) أنموذجا:
تجسيدا للإرادة الوطنية، وترجمتها على أرض الواقع، والخاصة بتعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، تم إحداث مديرية بوزارة التربية الوطنية، وهي مديرية برنامج “جيني”، منذ سنة 2006. وهي المكلفة ببرنامج تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم بالمغرب (جيني)، وهو أحد المشاريع المهيكلة للورش الوطني الرقمي بالمغرب، الذي يهدف إلى([7]):
– جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات محركا للتنمية البشرية.
– جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مصدرا للإنتاجية، وقيمة مضافة لباقي القطاعات الاقتصادية، وللإدارة العمومية.
جعل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أحد دعامات الاقتصاد.
– جعل المغرب في قلب المنظومة التكنولوجية الجهوية.
وفي السياق ذاته، تم إحداث مختبر وطني للموارد الرقمية، وكذا إنشاء البوابة الرقمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي، وتتضمن:
– خدمات مديرية (génie) “جيني”.
– الولوج إلى مكتبة الموارد البيداغوجية الرقمية الحرة المقتناة من لدن الوزارة.
– المصادقة على الموارد البيداغوجية الرقمية.
– مساطر المشاركة في المباريات الدولية الخاصة بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم (TICE).
– الاستفادة من التكوينات الإشهادية لفائدة الأطر التربوية ولفائدة تلاميذ وتلميذات الجذع في مجال ((MCE تكنولوجيا المشترك للمعلومات والاتصال في التعليم (Mos élèves).
– الاستفادة من مسطحة الدعم التربوي لفائدة التلاميذ (Telmid tice)، بالإضافة إلى (TaalimTice).
وقد اختتمت المرحلة الأولى من تنفيذ برنامج جيني في أواخر شهر يوليوز 2007، بتجهيز ما لا يقل عن 2000 مؤسسة تعليمية بقاعات متعددة الوسائط، وتكوين ما يناهز 50000 مدرسا، وكذا إنتاج واستعمال العديد من الموارد الرقمية في إطار إنتاجات المدرسين المجددين، وأخرى في إطار برامج تجريبية مع شراكات دولية..
وضمانا لتحسين العرض المقدم من لدن برنامج جيني إلى المنظومة التربوية، فقد تم تحيين الاستراتيجية المعتمدة منذ نهاية سنة 2008، حيث تم التركيز على نمط التجهيز، وهندسة التكوين، وكذا الأولويات في مجال اقتناء الموارد الرقمية لضمان بلوغ هدفين أساسيين:
– تحسين جودة التعلمات والإنماء المهني للمدرسين.
– تطوير المهارات المرتبطة بتكنلوجيا المعلومات والاتصالات لدى المتعلمين.
ومنه، تمت إعادة جدولة البرنامج على مدى خمس سنوات، أي من 2009 إلى 2013، كما تم تعزيز الاستراتيجية الوطنية بمحورين استراتيجيين جديدين:
– قيادة البرنامج.
– تطوير استعمالات تكنلوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، والذي هم منظومة التربية والتكوين في الجانب المتعلق بإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم.
كما حددت الورشات الكبرى للبرنامج حسب خطة عمل محكمة وشفافة، وكذلك الأمر بالنسبة للمشاريع المكونة للبرنامج، والموارد المالية اللازمة لتحقيق الأهداف المتوخاة خلال الفترة الممتدة من 2009 الى 2013، حيث تموقع برنامج(génie ) في قلب البرنامج الاستعجالي الذي يعد نفسا جديدا للإصلاح التربوي بالمغرب، وذلك تحت اسم المشروع E1P10، وقد جسد بذلك الاستراتيجية الوطنية من أجل تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي، وأسهم في تحسين جودة التعلمات، عبر تعميم الأداة المعلوماتية بمختلف استعمالاتها داخل المدرسة المغربية، منذ 2013 وما بعدها.
وإجمالا، تؤكد الإحصاءات المحينة الآتية)[8](، إلى حدود سنة 2020، والتي تعكس، في جانب منها، تفعيل اتفاقية الشراكة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني وشركة Microsoft، من أجل التكوينات الإشهادية (Microsoft Office Specialist) (MOS)، لفائدة الأطر التربوية والإدارية، وكذلك: (Microsoft Certified Educator) لفائدة الأطر التربوية فقط بالوزارة، ما ذهبنا إليه :
أ- في ما يتعلق بإنتاج الموارد الرقمية:
فقد تم لحد الآن، إنتاج ما يفوق 10000 مورد رقمي، موطن على بوابتي: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، وبوابة التعلم عن بعد تلميذ tice (http://www.taalmitice.ma
ومنصة المتعلّم (TICE (men.gov.ma).
ب- تعزيز المهارات المهنية للأطر التربوية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم عبر نظام التكوين عن بعد:
تم توفير تكوينات عبر منصة التكوين عن بعد:
-3044 مستفيد من تكوين “ComPracTICE ” على المستويين المركزي والجهوي.
– 35 125 مستفيد من تكوين “MOOC GENIE”.
– تكوين 78414 إطار تربوي عن بعد في إطار الاستمرارية البيداغوجية.
ت- مواكبة الأطر التربوية من خلال توفير تكوينات إشهادية في المعلوميات وفي مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم:
– تكوين وإشهاد 43515 إطار تربوي في (MOS)، وإشهاد 1300 من الأطر التربوية في (MCE) (سنة 2017).
– تكوين وإشهاد 19071 إطار تربوي في MOS (سنة 2018).
– تأطير وإشهاد 3517 من الأطر التربوية في (MOS)، وإشهاد 136 من الأطر التربوية في (MCE) (سنة 2019).
– تكوين وإشهاد 6768 من الأطر التربوية عن بعد في (MOS) في إطار الاستمرارية البيداغوجية (سنة 2020).
ث- بلورة مجزوءة تكوينية حول التدريس وتدبير التعلمات موجهة للأطر التربوية:
– تحيين وإصدار نسخ منقحة لمصوغات التكوين (PDP-TICE, TICE & VS, TBI) مصممة على ضوء المعايير الجديدة للكفاءات لليونسكو UNESCO. – إعداد مجزوءة تكوينية موجهة للأطر التربوية حول إدماج ت.م. إ في التعليم خاصة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين (CRMEF).
– إعداد منهاج خاص بالمعلوميات والبرمجة موجه لطلبة الإجازة المهنية في علوم التربية.
– المشاركة في إعداد مجزوءة تكوينية موجهة للأطر التربوية حول تدبير التعلمات والتعليم عن بعد على منصة(e-takwine).
ج- التجهيزات والوسائل والحقائب الرقمية والصيانة:
– استكمال تجهيز مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي بقاعات متعددة الوسائط (SMM)؛
– تم تجهيز 2838 مؤسسة بقاعة متعددة الوسائط(SMM)، وحقيبة متعددة الوسائط (VMM) مرتبطة بشبكة الأنترنيت.
– تم تجهيز المؤسسات الفرعية بحقائب متعددة الوسائط (VMM).
– 6500 مؤسسة ابتدائية مجهزة بحقائب متعددة الوسائط.
– تم تجهيز 3247 مدرسة فرعية.
– ربط المؤسسات التعليمية بشبكة الإنترنت مع خدمة التصفية.
– ربط 8784 مؤسسة تعليمية بشبكة الأنترنيت.
– تجهيز المؤسسات التعليمية بحاسوب ومسلاط (عاكس) في كل قاعة، في إطار مشروع تجريبي.
– تجهيز 30 مؤسسة، وتحديث تجهيزات جيني، وتحديث تجهيزات 7033 حاسوب.
– تفعيل برنامج للصيانة من أجل الوقاية والإصلاح بشكل فعال.
– إصلاح حوالي 80% من حواسيب القاعات متعددة الوسائط.
– صيانة وإصلاح لفائدة 188مؤسسة.
– تم تشييد وبناء 3029 من القاعات المتعددة الوسائط، وفق الآتي:
1252 بالتعليم الابتدائي – 759 بالتعليم الثانوي الإعدادي – 854 بالتعليم الثانوي التأهيلي – 164 بمراكز التكوين.
طبعا، واجه هذا المشروع والبرنامج الوطني الطموح بعضا من الإكراهات، من بينها عدم تعميمه على المؤسسات التعليمية كلها، حيث لا تتوفر بعض منها على قاعات متعددة الوسائط، وغير مرتبطة بشبكة الأنترنيت، خاصة الموجودة بالعالم القروي، إذ يظل إكراه التغطية بالأنترنت ومستوى الصبيب أحد التحديات التي تواجهها المنظومة التربوية التكوينية ، مثل العديد من دول العالم، لكن بتعاضد مختلف الفاعلين والمتدخلين، بما فيهم شركات الاتصالات الخاصة، يمكن ربح الرهان، والوصول إلى تعميم هاته الخدمات على مستوى جميع تراب المملكة المغربية.
ويبقى الهدف الأساس هو: إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، كونه مشروع ورش وطني كبير، يمتد إلى جميع المجالات الاجتماعية والتربوية، بما فيها الأسرة والمدرسة، حيث أصبح من الضروري المضي في طريق إدماج هذه التكنولوجيا الرقمية وتعميمها في المنظومة التربوية التعليمية والتكوينية.
ثالثا: مقومات التعليم عن بعد وخصيصاته وتحدياته:
تأسيسا على ما انتهينا إليه في المحورين الأول والثاني، يمكننا تحديد مجموعة من المقومات والخصيصات المميزة للتعليم عن بعد، فضلا عن التحديات التي يواجهها راهنا ومستقبلا. فالتعليم عن بعد اعتمد بداية لإعطاء فرص أكبر للذين تعذر عليهم مواكبة دراساتهم بشكل حضوري لأسباب متعددة، منها: انشغالهم بالعمل، وصعوبة جمعهم بين الدراسة الحضورية والعمل، أو لوجودهم بمناطق نائية أو وعرة، أو لظروف طبيعية وتضاريسية ومناخية، أو بسبب الهدر والتسرب المدرسيين اللذين يدفعان عددا من التلاميذ إلى اللجوء إلى التربية غير النظامية، وعن بعد، أو لظروف وبائية، مثلما حدث مع جائحة كوفيد19(الفيروس التاجي)، التي حالت دون متابعة أكثر من 750 مليون تلميذ وطالب حول العالم لدراستهم الحضورية بمؤسساتهم التعليمية وجامعاتهم ومراكز تكوينهم، في ظل الحجر الصحي والتدابير الاحترازية التي اتخذتها مختلف الدول والبلدان. وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها بلادنا، على غرار باقي بلدان العالم، جراء انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وتداعياته المحتملة، وضمانا للاستمرارية البيداغوجية وفق مضامين: بلاغات الوزارة الوصية، والمذكرة الوزارية رقم 20/237 بتاريخ 18 مارس 2020، بشأن تدبير المرحلة الاستثنائية الناتجة عن مخاطر تفشي وباء كورونا المستجد أو كوفيد19، تم اعتماد التعليم عن بعد بمختلف المؤسسات التعليمية، كما تم إعداد عشرات المئات من الموارد الرقمية لهذا الغرض، سواء من لدن الوزارة الوصية، أو من لدن السيدات والسادة الأستاذات والأساتذة.
وقد أفرزت التجارب المختلفة والمتنوعة التي بلورها التعليم عن بعد، مقومات وخصيصات عدة، يمكن إجمالها في الآتي:
أ. خيارات تعليم وتعلم ذات سرعة وفاعلية: إذ باستطاعة المدرس والمتعلم معا اختيار الأوقات الملائمة والفضاءات الافتراضية والمنصات والتطبيقات المناسبة، والأكثر جاهزية ومردودية.
ب. التعليم الجماعي المنظم: حيث يسمح التعليم عن بعد بتعليم جماعي منظم، وفق تعاقد مسبق يراعي مختلف الضوابط والمعايير المتبعة عبر المنصات الافتراضية.
ت. منصات افتراضية مهنية وآمنة: يسمح تعدد التطبيقات والمنصات الافتراضية وتنوعها، جراء التطور الهائل والإقبال المتزايد على التعليم عن بعد، بتجريب أو اختيار الأكثر مهنية وأمانا منها، وبرزت هنا منصات افتراضية أنشأتها وزارة التربية الوطنية، سواء لفائدة المتعلمين تتضمن مختلف الموارد الرقمية للدروس المقررة بجميع المستويات الدراسية، أو تلك التي يشتغل عبرها الأساتذة مع تلامذتهم وطلبتهم، مع توفرها على قدر عال من المهنية والحرفية والأمان (على سبيل المثال لا الحصر: منصة ميكروسوفت تيمز (Microsoft teams).
ث. التعلم الذاتي: يتيح التعليم عن بعد عبر المنصات المشار إليها وغيرها، إمكانات عملية وكبيرة للتعلم الذاتي، وبشكل فردي، حيث يمكن للمتعلم إعادة قراءة الدروس، والاستماع إلى الشروحات، والتدرب على التمارين، والتعلم في أي وقت، على مدار اليوم.
ج. منظم ومتحكم فيه: إضافة إلى التفاعل غير المباشر (افتراضيا) الذي يتم في التعليم عن بعد، فإنه يتميز بتنظيم عالي الجودة، وبدرجة كبيرة من التحكم، تجعل النسب الإيجابية لمردوديته مرتفعة.
ح. زيادة عدد فرص التعلم: إذ بالإمكان أن يستفيد منه في وقت واحد، أكثر من العدد المحتمل حضوريا.
خ. ملائم لمختلف التعلمات ومحقق لتكافؤ الفرص: من بين أهم خصيصات التعليم عن بعد، أنه يلائم مختلف التخصصات والتعلمات والمناهج والموارد الرقمية، كما أنه يحقق تكافؤ الفرص في الولوج والمشاركة، رغم محدودية الاستفادة أحيانا، عندما يتعلق الأمر بمتعلمين تعاني أسرهم من الهشاشة، حيث مشاكل الوسائل المادية، والشابكة، والصبيب…إلخ.
طبعا، هناك خصيصات متعددة يطول ذكرها، لكن ذلك لا ينفي وجود العديد من التحديات التي رافقت ظهور التعليم عن بعد وتطوره، راهنا ومستقبلا، تتطلب مواجهتها توحيد الجهود وتعاضدها، والعمل على تقليص الفجوة بين المستفيدين منه. ومن بين هذه التحديات:
أ. صعوبة تعميم البنيات التحتية والتجهيزات الرقمية الخاصة بأجرأة التعليم عن بعد بالمؤسسات التعليمية والجامعية.
ب. محدودية توفر الأسر على الأجهزة الالكترونية والرقمية المساعدة على الاستفادة الأمثل من التعليم عن بعد؛
ت. عجز بعض الأسر عن توفير الربط بالشابكة، أو ضعف الأنترنيت، وعدم القدرة على تأدية مصاريف الصبيب.
ث. تكوين المدرسين والمتعلمين والآباء والأمهات أو الأولياء على كيفيات توظيف التعليم عن بعد، سواء تدريسا، أو تعلما، أو تتبعا.
ج. صياغة دليل عملي وتوجيهي موحد للتعليم عن بعد، يتضمن مختلف الإجراءات والتدابير وأساليب العمل.
نتائج وخلاصات:
أظهرت النتائج التي توصلنا إليها من خلال بحثنا الموسوم بـــ “من تجارب التعليم عن بعد بالمغرب: بين إكراهات الواقع وتحديات المستقبل”، أن المغرب قد تمكن فعلا من تطوير تجربته في رقمنة الموارد التعليمية، وإعداد الموارد البشرية والبنيات التحتية الملائمة، لتعميم التعليم والتكوين عن بعد بمنظومته التربوية والتكوينية، كما استطاع توظيف مختلف أنماط التكنولوجيات الحديثة لمواكبة مختلف التطورات المتسارعة، واستشراف المستقبل، سواء تعلق الأمر بالتعليم والتكوين، أو بتمهير موارده البشرية، وجعلها مؤهلة لمسايرة مختلف التحولات الرقمية.
من هنا، يمكن القول بأن تجارب التعليم عن بعد بالمغرب كانت استباقية واستشرافية في الآن نفسه، وهو ما جعله، في ظل تداعيات جائحة كوفيد 19، قادرا على إنجاح تجربة التعليم عن بعد، في حدودها المعقولة والمقبولة، رغم مختلف المعيقات والتحديات، حيث عمل على:
– مضاعفة التجهيزات الرقمية لأجرأة التعليم عن بعد بالمؤسسات التعليمية والجامعية.
– الحد من انعدام تكافؤ الفرص بين الأسر، سواء في الحصول على الأجهزة الالكترونية والرقمية، أو الولوج إلى المنصات الرقمية المعدة خصيصا للتعليم عن بعد.
– تقديم مساعدات تقنية مباشرة، خصوصا بالعالم القروي، للتخفيف من مظاهر الهشاشة.
– تخصيص برنامج للتكوين المستمر لفائدة المدرسين، لتأهيلهم للتوظيف الأمثل للتعليم عن بعد.
وفي هذا السياق، نرى العناصر الآتية قادرة على الإسهام في تضييق الفجوات وتطوير التجارب:
- العمل على تبادل التجارب والخبرات محليا، وبين الدول العربية في مجال التعليم عن بعد.
- رسملة التجارب العربية الناجحة وترصيدها، وتقاسمها.
- برمجة تكوينات مشتركة بين مختلف الفاعلين في مجال التعليم عن بعد، بالدول العربية، بشكل تناوبي.
- إيلاء عناية خاصة للموارد البشرية بالوطن العربي، وربطها بالتكوين والتكوين المستمر، لجعلها مؤهلة بشكل أكثر نجاعة، وخصوصا في مجال رقمنة الإدارات والخدمات.
- العمل على صياغة دليل عملي وتوجيهي موحد للتعليم عن بعد، يتضمن مختلف الإجراءات والتدابير وأساليب العمل، يمثل لوحة القيادة العامة المشتركة، مع مراعاة الخصيصات المحلية.
قائمة المراجع :
- الباعمراني (إبراهيم): “إصلاح منظومة التربية والتكوين: التحولات والرهانات”، (إعداد)، منشورات صدى التضامن، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2020.
- رمزي (أحمد عبد الحي): “التعليم عن بعد في الوطن العربي وتحديات القرن الحادي والعشرين”، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1، القاهرة(2010).
- الفرجاني(عبد العظيم): “التكنولوجيا وتطوير التعليم”، طبعة 2002.
- دستور المملكة المغربية(01 يوليوز 2011).
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين.
- التقرير التركيبي للبرنامج الاستعجالي (2009 – 2012)، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي.
- الرؤية الاستراتيجية (2015 – 2030)؛ المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
- القانون الإطار 51.17 (2017)….
- موقع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي: men.gov.ma
- موقع مديرية برنامج “جيني”: genie@men.gov.ma
[1] – “إصلاح منظومة التربية والتكوين: التحولات والرهانات”، إعداد: إبراهيم الباعمراني، منشورات صدى التضامن، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2020، ص: 25.
[2] – عبد العظيم الفرجاني:”التكنولوجيا وتطوير التعليم”، طبعة 2002.
[3] -رمزي أحمد عبد الحي، “التعليم عن بعد في الوطن العربي وتحديات القرن الحادي والعشرين”، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1، القاهرة (2010)، ص: 67.
[4] – المرجع نفسه، ص: 68.
[5] – نفسه، ص: 69.
[6] – نقصد بهاته القوانين والمرجعيات: دستور المملكة المغربية (01 يوليوز 2011)؛ الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)؛ المخطط أو البرنامج الاستعجالي (ا2009 – 2012 / التقرير التركيبي)؛ الرؤية الاستراتيجية (2015 – 2030)؛ القانون الإطار 51.17 (2017)..
[7] – موقع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي: www.men.gov.ma
[8] – تم تحيينها مباشرة من مديرية جيني بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.