تفعيل آليات الإدارة الالكترونية كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة
Activating electronic administration mécanisms as a contribution to sustnaible devellopement
الأستاذ رافيق بن مرسلي (جامعة أمحمد بوقرة، بومرداس، الجزائر)
Rafik Benmorsli, University of A’mhamed Bougerra, Boumerdes, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 31 الصفحة 33.
ملخص:
يعتبر تقريب الإدارة من المواطن وتسهيل حصوله على خدماتها عاملا فعالا لتحقيق التنمية المستدامة، فالإدارة هي التي تحرك عجلة التنمية في الدولة، الأمر الذي دفع الدول إلى التفكير في تبني استراتيجية الإدارة الالكترونية لمحاربة الفساد الإداري، وبالتالي أصبح التوجه نحو الإدارة الالكترونية يمثل توجها عالميا .
إن مشروع الإدارة الالكترونية يتطلب وجود مستوى عالي من البنية التحتية لتامين التواصل و نقل المعلومات بين المؤسسات الإدارية و بين المؤسسات والمواطن من جهة أخرى، في حين أن التنمية المستدامة أصبحت مطلبا عالميا حيث أن تحقيقها غاية تسعى لها كل دول العالم.
الكلمات المفتاحية: الادارة الالكترونية، التنمية المستدامة، الفعالية الادارية.
Résumé:
L’ approximation de l’administration du citoyen et de faciliter l’obtention du facteur de services efficaces pour parvenir à un développement durable, l’administration est entraîné par la roue de développement du pays, ce qui incite les États à envisager d’adopter la gestion électronique de stratégie de lutte contre la corruption administrative, et devient ainsi la tendance à la gestion électronique représente une tendance mondiale.
Le projet de gestion électronique exige un haut niveau de l’infrastructure pour assurer la communication et le transfert d’informations entre les institutions administratives et entre les institutions et les citoyens d’autre part, alors que le développement durable est devenu une demande mondiale comme les cherchant très réalisables tous les pays du monde.
Mots Clés: Administration électronique, développement durable efficacité administrative.
مقدمة
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تقدم علمي تكنولوجي حديث في تطوير أساليب العمل الإداري كما أتاح الفرصة لتحسين وسائل الاتصال الإداري والتي من شانها أن توفر المناخ الإداري الفعال الذي يساعد على اختصار الوقت والجهد، بفعل ذلك فقد تأثرت الإدارات المعاصرة وتغيرت هياكلها ومعاملاتها ومعايير أدائها وأمتد نطاق خدماتها إلى خارج المواقيت الرسمية سعيا منها لإنجاز معاملاتها متعدية حدود الزمـان والمكان وصولا إلى خدمات تتسم بالسرعة والشفافية.
تبرز أهمية هذا العمل من خلال الجدل الفكري العميق بشأن أداء الإدارة العامة في عصر العولمة وما تتعرض له من ضغوطات داخلية وخارجية خاصة من طرف القطاع الخاص إضافة لكون الإدارة العامة تشكل الركيزة الأساسية للدولة والمجتمع والنظام السياسي بصفة عامة من خلال عملها على تحقيق التنمية المستدامة.
إن التحول التنموي بكل معانيه الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والحضارية يستوجب السرعة و الدقة والاتصال، وتبسيط إجراءات إدارية و تحسين علاقة الفرد بالدولة، وفي هذا الإطار يعتبر تقريب الإدارة من المواطن وتسهيل حصوله على خدماتها عاملا فعالا لتحقيق التنمية المستدامة، فالإدارة هي التي تحرك عجلة التنمية في الدولة، الأمر الذي دفع الجزائر إلى التفكير في تبني استراتيجية الإدارة الالكترونية لمحاربة الفساد الإداري، وبالتالي أصبح التوجه نحو الإدارة الالكترونية يمثل توجها عالميا.
إشكالية الدراسة: انطلاقا من الأهمية البالغة للإدارة الإلكترونية في وقتنا المعاصر والإشكالات المرتبطة بها، فإنّ ذلك يقودنا نحو البحث العميق من أجل تفكيكها ومعرفة علاقتها بالتنمية المستدامة ، ومن أجل معالجة حري بنا طرح إشكالية على الشكل التالي: كيف تساهم آليات الادارة الالكترونية في تحقيق التنمية المستدامة المأمولة؟
فرضيات الدراسة: للإجابة عن إشكالية الدراسة سنحاول اختبار الفرضية المركزية التالية: تعتبر توافر آليات الادارة الالكترونية شرطا أساسيا في تحقيق التنمية المستدامة في العصر الحالي في ظل تطور المتغيرات البيئية المحيطة.
من اجل معالجة الموضوع تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور أساسية:
– الأهمية التنظيمية لأسلوب الادارة الالكترونية في ظل المتغيرات البيئية.
– الأهمية المجتمعية للتنمية المستدامة وأبعادها.
– تحقيق التنمية المستدامة: أي دور للإدارة الالكترونية؟
أولا – الأهمية التنظيمية لأسلوب الادارة الالكترونية في ظل المتغيرات البيئية.
لقد غيرت الثورة الرقمية المتمثلة في المعلومات والاتصالات التي يشهدها العالم الآن الكثير من المفاهيم الإدارية، فنجد أن معظم الدول المتقدمة تقنيا أصبحت تعتمد اعتمادا أساسيا في عملها على نظم المعلومات، وإدخال هذه التقنية في معظم الأجهزة الحكومية والخاصة، وعلى الأخص في الأجهزة الإدارية التي تقوم بتقديم الخدمات العامة للمواطنين، ومعظم تلك الأجهزة لها اتصال مباشر من خلال شبكات الحاسب، وقد أدركت مختلف بلدان العالم الثالث بما فيها الدول العربية أهمية نظم المعلومات، ودخلت الكثير منها بدرجات متفاوتة هذا المجال لكي تشارك في مجال الاستفادة العلمية والاقتصادية والعمرانية.
يعتقد الكثير من الأفراد أن مفاهيم الإدارة الالكترونية و بدايتها بدأت مع انتشار الانترنت في منتصف التسعينيات إلا أن الأصح هو القول أن تاريخ التطبيقات الإدارية يعود إلى عقود قبل ذلك وان تحول العمل الإداري إلى عمل يعتمد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات و انتشاره حدث بفضل انتشار الانترنت وكان الهدف الأول هو خدمة الزبون، إضافة إلى رفع الكفاءة الداخلية التجارية أي بتدفق المعلومات و إبرام الصفقات الالكترونية فيما يخص السلع والخدمات، و تمتد إلى العلاقة فيما بين المؤسسات و الإدارات وطبعا المبادلات بين الأفراد والمؤسسات التي تستعمل مختلف وسائل الاتصالات الرقمية، والتي من بينها الانترنت وشبكة المعلوماتية[1].
لقد حظي مفهوم الإدارة الالكترونية بمجموعة من التعاريف، حيث عرفت الإدارة الالكترونية بأنها:
” استثمار إمكانات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و تطبيقاتها لدعم الوظائف الإدارية المختلفة على مستوى المؤسسة ككل من الداخل، وتسيير علاقاتها الخارجية بالمؤسسات الأخرى و المستفيدين من خدماتها”[1]
هناك من يعرفها بأنها: مصطلح إداري يقصد به مجموعة من العمليات التنظيمية التي تربط بين المستفيد و مصادر المعلومات بواسطة وسائل الكترونية لتحقيق أهداف المنظمة من تخطيط و إنتاج وتشغيل و متابعة و تطوير[1].
تتجلى أهمية الإدارة الإلكترونية في قدرتها على مواكبة التطور الهائل في مجال تطبيق تقنيات ونظم المعلومات، وما يرافقها من انبثاق ما يمكن تسميته بالثورة المعلوماتية أو ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فضلا عن ذلك تمثل الإدارة الإلكترونية نوعا من الاستجابة القوية لتحديات القرن الواحد والعشرين، الذي تختصر العولمة والفضاء الرقمي، واقتصاديات المعلومات والمعرفة، وثورة الانترنت وشبكة المعلومات العالمية كل متغيراته وحركة اتجاهاته[1].
للإدارة الإلكترونية أهمية كبيرة تبرز في:
– تحسين فاعلية الأداء واتخاذ القرار من خلال إتاحة المعلومات والبيانات لمن أرادها، وتسهيل الحصول عليها من خلال تواجدها على الشبكة الداخلية وإمكانية الحصول عليها بأقل مجهود من خلال وسائل البحث الآلي المتوفرة.
– المرونة في عمل الموظف، إذ يمكن له الدخول بسهولة إلى الشبكة الداخلية من أي مكان قد يتواجد فيه، للقيام بالعمل في الوقت والمكان الذي يرغب فيه.
– سهولة عقد الاجتماعات عن بعد بين الإدارات المتباعدة جغرافيا، وهو الأمر الذي يسهل من حل المشكلات ويسهل كذلك من عملية اتخاذ القرارات خاصة في الحالات الطارئة.
– سهولة وسرعة وصول التعليمات والمعاملات الإدارية للموظفين والمستفيدين من الخدمات والمراقبين كذلك وسهولة حفظ البيانات والمعلومات وحمايتها من الكوارث والعوامل الطبيعية، كون أن الإدارة الإلكترونية لا تعتمد على الأوراق والأرشيف التقليدي، الذي يسهل تلفه وضياعه في الكوارث الطبيعية، وإنما كل نشاطاتها ووظائفها تتم بطريقة إلكترونية، وهي أكثر أمنا لحفظ وحماية المعلومات.
– تعمل الإدارة الإلكترونية على تصعيد مستوى الاتصال والارتباط بين الإدارات الحكومية، فضلا عن تحسين مستوى الاتصال بين الأفراد و المرؤوسين في هذه الإدارات ، و بذلك سيتم تحسين العمليات و نظم العمل فيها، و يلي ذلك تحسين مستوى سرعة و رشادة صنع القرار، و ذلك بسبب التدفق السريع للمعلومات وسهولة الوصول إلى قواعد البيانات، ناهيك عن سهولة استخدام نظم دعم القرارات و أدواتها التحليلية ، وتحليل المشكلات المعقدة وابتكار حلول عقلانية بصددها، كما تكمن أهمية الإدارة الإلكترونية في كونها تحقق مبدأ المساءلة و الشفافية و النزاهة الإدارية[1].
وبالتالي فإن اهتمام العالم المتزايد باستخدام تقنيات المعلومات الإدارية لم يأتي من فراغ، بل بسبب الأهمية البالغة لها، ولهذا بدأت الدول تتسارع لتبني نمط الإدارة الإلكترونية، وتتضح لنا هذه الأهمية من خلال ما يلي[1]:
– تبسيط الإجراءات داخل الإدارات وهذا ينعكس بصورة إيجابية على مستوى الخدمات التي تقدم إلى المواطنين، كما تكون نوعية هذه الخدمات أكثر جودة.
– اختصار وقت تنفيذ وإنجاز المعاملات الإدارية المختلفة.
– الدقة والموضوعية في العمليات المختلفة التي تقوم بها الإدارة.
– الإدارة الإلكترونية تؤدي إلى تحويل الأيدي العاملة الزائدة عن الحاجة، إلى أيدي عاملة لها دور أساسي في تنفيذ معاملات الإدارة، عن طريق إعادة التأهيل لغرض مواكبة التطورات الجديدة التي طرأت على الإدارة، والاستغناء عن الموظفين الغير أكفاء وغير قادرين على التكيف مع الوضع الجديد.
– إن تقديم الخدمات من خلال الإدارة الإلكترونية، يزيد كفاءة أداء الجهاز الإداري على اعتبار أن خدمات هذه الإدارة تمتاز بجودة عالية، كمالا يضيع الجهد والوقت والتكاليف دون أي عائد، بل تتم الاستفادة من الطاقات البشرية للموظفين وتجنيدها لاستغلال باقي الموارد المالية والمادية بدلا من المجهود المبذول في الأعمال اليدوية المجهدة.
– إن المزايا التي تقدمها الإدارة الإلكترونية تخفف الضغط على الإدارة وتوفر الوقت، من خلال برمجة جميع القرارات الواضحة التنفيذ، دون الرجوع إلى المدير المختص في كل عملية يقوم بها الموظف، والتخلص من النظام اليدوي في الحصول على المعلومات التي غالبا ما تكون ناقصة.
– الإدارة الإلكترونية تتيح مشاركة المواطن للإدارة، عن طريق استطلاع أراء المواطنين ووجهات نظرهم حول مخرجات تلك الإدارة، بمعنى أنه بطريقة أو بأخرى يتم مشاركة المواطنين في القرارات التي تتخذها الإدارة عن طريق التغذية العكسية التي تتلقاها منهم حول مخرجاتها. ومنه فإن الإدارة الإلكترونية تحدث نقلة في العلاقة بين الإدارة والمستفيدين منها، وبداخل الإدارة وكافة مستوياتها وبين الموظفين أنفسهم وبين المستويات المتعددة في الإدارة، وفي نمط الإشراف والقيادة، يسهم في تحقيق ما تصبو إليه كافة الإدارات العامة، من جودة الخدمات وحسن استغلال مواردها والعدالة في تعاملها مع المستفيدين ويرفع درجة رضا المواطنين عن الإدارة العامة.
– الإدارة الإلكترونية تساهم في خلق الثقة بين الإدارة والمواطنين، والتي تعتبر شرط أساسي لإقامة الحكم الراشد. فالتقنيات التكنولوجية الحديثة التي تقوم عليها الإدارة الإلكترونية تساعد في تفعيل الشفافية والرقابة والمساءلة، وتكرس مبادئ الديمقراطية، وتحد من الفساد بكل أشكاله، وبالتالي تعزيز الثقة بين الإدارة والمواطنين[1].
من خلال ما سبق يمكن القول إن أهمية الإدارة الإلكترونية تتحقق من خلال إدراك حقيقة أن عالم اليوم و مستجداته، أصبح يحكم على المجتمع بأنه متقدم إذا كان يتميز بوجود ثلاثة شروط أساسية وهي المساءلة والشفافية والحكم الصالح، وهذه تمثل مزايا الإدارة الإلكترونية، وهذه الأخيرة جاءت كأحد العلاجات الواقية من انتشار الفساد من جانب، والعمل على منعه من جانب آخر، كما أن مقتضيات الإصلاح الإداري تلزم الإدارات العامة بنمط الشفافية و الوضوح في منهج عملها وأن تتيح جدية وصول المعلومات عما تقوم به من أعمال للمواطنين و ليس فقط استجابة لطلباتهم بل بمبادرات منها[1].
ثانيا- الأهمية المجتمعية للتنمية المستدامة وأبعادها.
في هذا العنصر انتقلنا لمفهوم التنمية المستدامة بنفس المنهجية المتبعة في تحديد المتغير الأول، حيث نتطرق لتعريف التنمية المستدامة وخصائصها، بإتباع التطور التاريخي وإدراج الأبعاد والأهداف وكذا آليات تحقيقها إضافة إلى معوقات تطبيقها.
1 – مفهوم وخصائص التنمية المستدامة.
أ- مفهوم التنمية المستدامة:
تعددت التعاريف المقدمة للتنمية المستدامة، لكن أكثرها رواجا ذلك الذي جاء في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، على أنها تنمية تستجيب لحاجات الحاضر دون المخاطرة بقدرة الأجيال المستقبلية على إشباع حاجياتها.
حسب نفس التقرير فإنها تمثل كل الإجراءات والعمليات المتناسقة و المتجانسة اللازمة لتغيير استغلال الموارد، اتجاهات الاستثمار توجهات التنمية التكنولوجية و التغيرات المؤسسية بما يضمن إشباع الحاجات الإنسانية الحالية و المستقبلية[1].
هناك من يعرفها على أنها: محاولة الحد من التعارض الذي يؤدي إلى تدهور البيئة عن طريق إيجاد وسيلة لإحداث تكامل بين البيئة و الاقتصاد[1].
مما سبق يمكن تعريف التنمية المستدامة إجرائيا على أنها تلك التنمية التي تلبي حاجات الجيل الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتها، وهي تلك التنمية التي تحقق التوازن بين النظام البيئي والاقتصادي والاجتماعي، حيث تساهم بتحقيق اكبر قدر من النمو في كل نظام.
ب – خصائص التنمية المستدامة:
من خلال ما سبق يمكن استخلاص بعض خصائص التنمية المستدامة كما يلي[1]:
– هي تنمية تمثل ظاهرة جيلية، أي أنها عملية تتحول من جيل لأخر، و هذا يعني أن التنمية المستدامة لابد أن تحدث عبر فترة زمنية لا تقل عن جيلين، و تراعي حق الأجيال القادمة ومساواتها مع حقوق الأجيال الحاضرة.
– هي تنمية تحدث في مستويات عدة، عالمي، محلي و مع ذلك فان ما يعتبر مستداما على المستوى الوطني يسبب بالضرورة أن يكون على المستوى المحلي.
– هي تنمية تراعي الحفاظ على القيم الاجتماعية و الاستقرار النفسي و الروحي للفرد والمجتمع.
– هي تنمية متكاملة تقوم على التنسيق و التكامل بين سياسات الاستخدام الموارد واتجاهات الاستثمار والاختيار التكنولوجي والشكل المؤسسي مما يجعلها جميعا تعمل بتفاهم و انتظام.
– استخدام التكنولوجيا لا تدمر البيئة وتفسدها، وهذا من خلال اختيار الوسائل التقنية.
هناك خصائص أخرى تتمثل في[1]:
– الإنتاجية: هي من الشروط الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
– الاستمرارية: تهدف إلى تجديد و صيانة الموارد.
– العقلانية: في استخدام الموارد الطبيعية المتجددة و الزائلة بما يضمن مصالح الأجيال الحالية والمستقبلية.
– التوازن: تكرس التوازن البيئي بالحفاظ على سلامة الحياة الطبيعية وإنتاج ثروات متجددة واستخدام عادل للثروة عبر نوع من التكامل في صناعة القرارات لأي نشاط تنموي.
– التكاملية: بين جميع الأبعاد الاقتصادية والسياسة و الاجتماعية و البيئية .
– العالمية: فهي ذات بعد كوكبي و تمثل انشغال عالمي يتطلب حلولا و تمويلا عالميا مشاركة وشراكة بين الفواعل الدوليين والمحليين.
– الإنصاف: حصول كل إنسان على نسبة عالية من ثروات المجتمع وطاقاته، أي إنصاف داخل نفس الجيل وبين الأمم والأجيال.
2- التطور التاريخي لمفهوم التنمية المستدامة.
منذ نهاية الخمسينات وحتى بداية العقد السابع من القرن العشرون ظهرت التحذيرات الأولى بخطورة التلوث لفتح المجال أمام زيادة الاهتمام و الوعي بضرورة وضح حد للنمو الاقتصادي، كما أن الأزمة البترولية لعامي 1973 و 1980 كان لها الدور الحاسم في ضرورة إيجاد بدائل طاقوية جديدة.
تميزت هذه المرحلة بزيادة الوعي بان استغلال الموارد الطبيعية كالبترول و الاورانيوم بنفس الوتيرة الحلية يؤدي إلى نضوبها ومع مرور الوقت تقل مساهمتها في تحقيق النمو الاقتصادي و على هذا الأساس فان دول العالم الثالث هي المتضرر الأكبر لأنها تعتمد بدرجة أولى في مداخليها على هذه الموارد لتحقيق التنمية، ولا يمكنها أن تستمر بلا نهاية في الاعتماد على هذه الموارد غير القابلة للتجدد.
في عام 1972 انعقد مؤتمر الأمم المتحدة في ستوكهولم لمناقشة العلاقة بين البيئة والتنمية، حيث أكد على ضرورة حماية البيئة و أن ذلك يكتسي أهمية كبيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث[1].
لقد ساد الاعتقاد لدى الجميع أن الاهتمام بالنمو يؤدي إلى الإضرار بالبيئة و العكس عندما يتعلق الأمر بتطبيق السياسات البيئية فان ذلك يقلص من مستويات النمو الاقتصادي، إلا أن بروز مفهوم التنمية المستدامة أدى إلى التوفيق بين المفهومين وذلك بتطبيق أراء و أفكار مبنية على مراعاتهما في أن واحد دون التفريط في أي واحد منهما، ومن هنا ظهر ما يعرف بالاستدامة، و يتضح أن التنمية المراد تحقيقها تقوم على مبدأ الاستدامة[1].
شهدت فترة الثمانينات زيادة الاهتمام بتصاعد عدد الفقراء و تدهور الأوضاع البيئية ووجود رابط بينهما، فطرح منهج التنمية المستدامة للمحافظة على الموارد البيئية للأجيال التي ستقطن العالم مستقبلا و تنمية الموارد البشرية و تلبية الحاجات الأساسية نحو الأفضل، فانشات الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1983 المفوضية العالمية للبيئة والتنمية، وأقرت الجمعية العامة في 11 ديسمبر 1987 تقريرها النهائي مستقبلنا المشترك الذي اقر بان الأبعاد البيئية للسياسة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار و في نفس الوقت الأبعاد الأخرى كالاقتصاد الطاقة و الزراعة…..الخ.
رغم أهمية ما جاء في تقرير الاستراتيجية العالمية لحماية الطبيعة، فان مفهوم التنمية المستدامة وجد اكبر سند له في كتاب تقرير مستقبلنا المشترك كجزء من التقرير النهائي للمفوضية العالمية للبيئة و التنمية، و كان صدور هذا الكتاب بمثابة البروز الحقيق للتنمية المستدامة، فالتقرير هو الأول من نوعه الذي يعني أن التنمية المستدامة هي قضية أخلاقية وإنسانية بقدر ما هي قضية تنموية وبيئية، و هي قضية مصيرية مستقبلية بقدر ما هي قضية تتطلب الاهتمام.
كما يساهم كتاب مستقبلنا المشترك في توضيح و تحديد معنى التنمية المستدامة ، وساهم في عقد لقاءات مكثفة لخبراء التنمية وعلماء البيئة لتطوير الأسس و مبادئ التنمية المستدامة.
لقد تبنت الأمم المتحدة ما جاء في التقرير بخصوص التنمية المستدامة، و أوصت المنظمات الحكومية و غير الحكومية و جميع الهيئات المهتمة بالتنمية باستخدام التنمية المستدامة في كافة برامجها التي تهدف لتحسين المستوى المعيشي في جميع الدول النامية والمتقدمة.
قد كانت التنمية المستدامة هي المفهوم الرئيسي لمؤتمر قمة الأرض الذي انعقد سنة 1992 في ريو ديجانيرو الذي صدرت عنه وثيقة الأجندة 21، هذه الوثيقة حددت المعايير الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية لكيفية تحقيق التنمية المستدامة كبديل تنموي للبشرية لمواجهة احتياجات وتحديات القرن 21، كما أن قمة الأرض الثانية التي عقدت في شهر جويلية 2002 في جوهانسبورغ، عقدت تحت شعار القمة العالمية للتنمية المستدامة[1].
3-أهداف وأبعاد التنمية المستدامة.
-أهداف التنمية المستدامة: تسعى التنمية المستدامة من خلال آلياتها و أجهزتها إلى تحقيق عدة أهداف منها:
-تحسين القدرة الوطنية على إدارة الموارد الطبيعية إدارة واعية رشيدة لتحقيق حياة أفضل لكافة فئات المجتمع.
-احترام البيئة الطبيعية من خلال تنظيم العلاقة بين الأنشطة البشرية وعناصر البيئة وعدم الأضرار بها، إضافة إلى تعزيز الوعي البيئي للسكان وتنمية إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه المشكلات البيئية .
-ضمان إدراج التخطيط البيئي في كافة مراحل التخطيط الإنمائي، من اجل تحقيق الاستغلال الرشيد الواعي للموارد الطبيعية للحيلولة دون استنزافه أو تدميرها.
-ربط التكنولوجيا الحديثة بما يخدم أهداف المجتمع وجمع ما يكفي من البيانات الأساسية ذات الطابع البيئي للسماح بإجراء تخطيط إنمائي سليم.
-التركيز بوجه خاص على الأنظمة المعرضة للأخطار سواء كانت أراضي زراعية معرضة للتصحر ومعرضة للتلوث، أو مصادر مياه معرضة للتصحر، أو نموا عمرانيا عشوائيا[1].
– القضاء على الفقر بجميع أشكاله، بما ذلك الفقر المدقع على مدار السنوات 15 المقبلة، من اجل التمتع بمستوى أساسي من فوائد المعيشة و الرفاهية الاجتماعية.
– معالجة جودة و استدامة الموارد المائية، لكن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب تطوير التعاون الدولي والحصول على دعم المجتمعات المحلية لتحسين إدارة المياه و الصرف الصحي.
– تسعى لتعزيز زيادة الفرص الحصول على خدمات الطاقة و زيادة استخدام الطلقة المتجددة بما في ذلك تعزيز التعاون الدولي وتنمية البنية التحتية لطاقة تكنولوجية نظيفة.
– تعزيز و تطوير البنية التحتية للتصنيع و الابتكار، و يمكن تحقيق ذلك من خلال التكنولوجيا وتحسين التقنية الدولية، و زيادة فرص الحصول على تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات[1].
إضافة إلى وجود مجموعة أخرى من الأهداف تكمن عموما في:
– تحقيق نوعية حياة أفضل للسكان: من خلال عمليات تخطيط و تنفيذ السياسات التنموية لتحسين نوعية حياة السكان في المجتمع اقتصاديا و اجتماعيا و نفسيا، عن طريق التركيز على الجوانب النوعية للنمو وليس الكمية.
– احترام البيئة الطبيعية: التنمية المستدامة ترتكز على العلاقات بين نشاطات السكان و البيئة وتتعامل مع النظم الطبيعية ومحتواها على أنها أساس حياة الإنسان، أنها تنمية تستوعب العلاقة الحساسة بين البيئة الطبيعية والبيئة المبنية، وتعمل على تطوير هذه العلاقة لتصبح علاقة تكامل وانسجام.
– تحقيق استغلال عقلاني للموارد: تتعامل التنمية المستدامة مع الموارد الطبيعية على أنها موارد محدودة، لذلك تحول دون استنزافها أو تدميرها، وتعمل على استخدامها و توظيفها بشكل عقلاني.
3- أبعاد التنمية المستدامة:
يمثل مفهوم التنمية المستدامة أبعادا متعددة، و يمكن الإشارة إلى أربع أبعاد و هي[1]:
– أبعاد اقتصادية: تتجلى هذه الأبعاد من خلال تلبية الحاجات و المتطلبات المادية للفرد عن طريق الإنتاج و الاستهلاك، حيث تختلف بين البلدان المتقدمة و النامية، و يمكن حصرها فيما يلي:
أ- حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية: تشير الإحصائيات أن استغلال الدول الصناعية للموارد الطبيعية يمثل إضعاف ما تستخدمه الدول النامية على مستوى نصيب الفرد فالولايات المتحدة الأمريكية تستهلك من الطاقة الناجمة عن النفط و الغاز و الفحم أكثر من الهند بـ 33 مرة، فالتنمية في الدول المتقدمة تتلخص في إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات الاستهلاك المبددة للطاقة و الموارد الطبيعية.
ب- مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث و معالجته: أدى الاستهلاك المتراكم للموارد الطبيعية كالمحروقات للدول الصناعية في الماضي إلى تسببها في مشكلات التلوث العالمي لذا تقع عليها المسئولية الكاملة في معالجتها مادامت تكتسب الموارد المالية والتقنية و البشرية الكفيلة بذلك.
ج- تقليص تبعية البلدان النامية: هناك جانب يربط بين الدول الغنية و الفقيرة و له تأثير على تحقيق التنمية المستدامة، ذلك انه بالقدر الذي ينخفض فيه استهلاك الموارد الطبيعية في الدول الصناعية يتباطأ نمو صادرات هذه المنتجات في الدول النامية.
د- المساواة في توزيع الموارد: تعتبر الوسيلة الناجعة للتخفيف من عبئ الفقر وتحسين مستويات المعيشة، أصبحت من مسئوليات الدول الغنية والفقيرة، كما تعتبر هذه الوسيلة غاية في حد ذاتها، وتتمثل في جعل فرص الحصول على الموارد والمنتجات والخدمات فيما بين جميع الأفراد داخل المجتمع اقرب إلى المساواة.
– أبعاد بشرية: يسعى هذا البعد إلى استقرار النمو الديمغرافي ووقف النزوح إلى المدن، و تحقيق اكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية في تحقيق التنمية، و ذلك من خلال النقاط التالية[1]:
أ- تثبيت النمو الديمغرافي: حيث أن هذا الأمر يكتسي أهمية بالغة، ليس لأنه يستحيل نمو السكان لفترة طويلة بنفس المعدلات الحالية فقط و إنما النمو السريع يسبب ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات.
ب- الاستخدام الكامل للموارد البشرية: إن التنمية المستدامة تعني إعادة تخصيص الموارد بما يضمن الوفاء بالاحتياجات البشرية الأساسية، بمعنى تحقيق الرفاه الاجتماعي و حماية التنوع الثقافي و الاستثمار في رأس المال البشري.
ج- الأسلوب الديمقراطي والمشاركة في الحكم: على المستوى السياسي يشكل اعتماد النمط الديمقراطي و توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات و الحكم بما يعزز ثقة الأفراد بأهمية دورهم القاعدة الأساسية للتنمية البشرية المستدامة في المستقبل.
– أبعاد بيئية: تتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والاستخدام الأمثل لها على أساس مستديم والتنبؤ لما قد يحدث للنظم البيئية من جراء التنمية، حيث تتمثل الأبعاد البيئية فيما يلي[1]:
– حماية الموارد الطبيعية: من مواد غذائية نباتية و حيوانية لتلبية حاجات السكان.
– حماية المياه: بحماية المجاري السطحية كالبحيرات و المياه الجوفية و تحسين نوعية الماء.
– حماية المناخ من الاحتباس الحراري: تعتبر مشكلة الاحتباس الحراري إحدى المشاكل الرئيسية التي باتت تؤرق العالم المتقدم والمتخلف على حد سواء، نتيجة النشاط الإنساني المفرط مما أدى إلى تلوث الغلاف الجوي، من خلال إتلاف الأراضي والنهب المستمر للغابات التي تعد العامل الأساسي في الحفاظ على التوازن البيئي و الايكولوجي لاستمرار الإنسان على سطح الأرض.
– أبعاد تكنولوجية: يمكن إجمالها في النقاط التالية[1]:
أ- استعمال تكنولوجيا أنظف في المرافق الصناعية: ذلك أن تدفق النفايات خاصة في الدول النامية تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقد إلى الكفاءة أو لعملية التبديد و لا تخضع للرقابة إلى حد كبير.
ب- المحروقات والاحتباس الحراري: يتم استخراج المحروقات و إحراقها و طرح نفاياتها داخل البيئة، فتصبح بذلك مصدرا رئيسيا لتلوث الهواء في المناطق العمرانية و الاحتباس الحراري يهدد تغير المناخ، فالتنمية المستدامة ترمي إلى الحد من المعدل العالمي لزيادة انبعاث الغازات الحرارية.
نشير إلى وجود ارتباط وثيق بين هذه الأبعاد المختلفة و الإجراءات التي تتخذ في إحداها من شانها تعزيز الأهداف في بعضها الأخر.
4- آليات ومقومات تحقيق التنمية المستدامة:
تتعدد آليات و مقومات تفعيل التنمية المستدامة أن على المستوى الوطني أو المستوى المحلي، و يمكن تفصيل ذلك كما يلي:
– تثبيت نمو السكان بما يفرضه من ضغوط جادة على الموارد الطبيعية بما يعيق التنمية إضافة إلى تصحيح اختلال توزيع السكان بين الريف و الحضر.
– عقلنة استخدام الأراضي الزراعية، مكافحة التصحر و محاربة انقراض الأنواع البيولوجية وتنظيم الرعي.
– ترشيد استغلال الموارد و الأخذ في الحسبان قاعدة المخرجات، أي تكوين مخلفات لا تتعدى قدرة استيعاب الأرض لها حاليا ومستقبلا، و قاعدة المدخلات لاستعمال مصادر طبيعية متجددة.
– التحول نحو تكنولوجيا أنظف و أكفأ تقلل من استهلاك الطاقة إلى حد أدنى، كما تفرز ملوثات اقل وتعمل على دمج البيئة في المشاريع الاقتصادية و صناعة القرار[1].
لإرساء مفهوم التنمية المستدامة لابد من توفر مجموعة من المقومات التي تشكل مرتكزات التنمية المستدامة أهمها ما يلي[1]:
أ- تلبية الحاجات الإنسانية للسكان: الوظيفة الأساسية للتنمية المستدامة هي إعادة توجيه الموارد بما يضمن الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمجتمع و تحسين مستوى معيشتهم، و يتطلب ذلك تامين مستوى سكاني مستديم.
ب- الإدارة البيئية السليمة: لا يمكن تلبية احتياجات الحاضر دون إخلال بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها، ما لم توجد إدارة قادرة على ضمان استمرارية الاستفادة من الموارد الطبيعية دون إهدار في إطار القيود البيئية.
ج- الاقتصاد البيئي: يعتبر الاقتصاد الجهاز العصبي للتفاعلات بين البيئة والتنمية، لذلك فان التنمية المستدامة تعتمد على مدى النجاح في الموازنة بين النظام الاقتصادي والنظام البيئي.
د- التكنولوجيا السليمة بيئيا: تتعارض التنمية المستدامة مع تكنولوجيا مضرة بالبيئة، وعليه لتحقيق التنمية المستدامة لابد من إعادة توجيه التكنولوجيا المستخدمة مما يجعلها أكثر ملائمة للبيئة، وذات استخدام اقل للموارد والطاقة، وتولد قدر اقل من التلوث.
لذلك يتعين على الدول النامية أن تستورد تكنولوجيا نظيفة ملائمة لبيئتها المحلية، وإن تعمل باستمرار على تطوير قدراتها الذاتية، و بالتالي تؤمن القدرة على تطوير و إنتاج تكنولوجيا أنظف.
ثالثا – تحقيق التنمية المستدامة: أي دور للإدارة الالكترونية؟
إن الإدارة هي الآلية التي تحرك عجلة التنمية في المجتمع، وفي ظل التطورات العالمية والتقدم التكنولوجي ظهرت الإدارة الالكترونية كمشروع كبير لتحديث الإدارة، باعتبارها عامل محفز للتنمية المستدامة.
1- الإدارة الالكترونية والتنمية المستدامة:
لقد نمت الأدبيات التي أكدت على تزايد أهمية الدور الإنمائي الذي تضطلع به الإدارة العامة وفق منهجية منضبطة تساهم في تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة، بعد مظاهر قصور وإخفاق الإدارة التقليدية في تحقيق الفعالية والكفاءة المطلوبين، والسير باتجاه تطبيق الإدارة الالكترونية كوسيلة لحل المشكلات العامة.
انطلاقا من الأساس الذي يرى أن الإدارة العامة تعنى في مقام أول بحل تلك المشكلات وتحقيق الأهداف الأساسية المعلنة وذلك في شكل التنمية المستدامة تغذي مختلف نواحي الحياة فيه، فيحدث التطوير والارتقاء للأجيال الحالية و اللاحقة.
في معرض الجدل التاريخي الذي قام حول دور الإدارة الجيدة في تحقيق التنمية المستدامة داخل المجتمع يمكن النظر إلى الاهتمامات الأدبية المتنامية بقضايا التنمية الاقتصادية، حيث أنها كانت المفهوم الأكثر شيوعا خلال تلك الفترة، و لم تحتل التنمية الإدارية و قضاياها أي مكانة في كتابات رواد تلك الحقبة من أمثال جون مينار كينز و غيره، الذين كان اهتمامهم منصبا أساسا على القضايا الاقتصادية و دورها في إحداث التنمية المستدامة، و تم الحديث عن الإدارة بأنها تمثل احد عناصر العملية الاقتصادية ونظرا لوجود الحلقة المفقودة في آلية تحقيق التنمية المستدامة والتي أغفلها الجانب الاقتصادي، فقد أدت كتابات بعض رواد الفكر الإداري أمثال الأمريكي فريديريك تايلور و الفرنسي هنري فايول إلى بروز الحديث عن دراسة الدور الأساسي الذي تلعبه الإدارة في تحقيق التنمية المستدامة، و من هنا ظهر البعد الجديد للنظر إلى عملية التنمية المستدامة من منطلق إداري، و قد تجلى هذا البعد من خلال مظاهر تحول أساسية وفق النظرة الحديثة لدور الإدارة الالكترونية في إحداث التنمية المستدامة كالأتي[1]:
– الدعوة إلى التركيز على الدور الحاسم للإدارة الالكترونية في إحداث التنمية المستدامة في المجتمع ككل من خلال منظور الإدارة الرشيدة: لقد شملت النظرة الجديدة للإدارة التطور كذلك إلى دور الإدارة في تحقيق التنمية من خلال تعريف عملية الإدارة نفسها، فلم يعد ينظر إلى الإدارة على أنها عملية انجاز الأعمال عن طريق الآخرين، و إنما أعيدت صياغة تعريفها لتشير إلى أن الإدارة في المستوى الكلي للمجتمع تعني عملية التحكم في الموارد المتاحة في مجتمع ما و ذلك قصد تقديم مستوى معيشي معين.
فالإدارة داخل الدولة تهيئ البيئة السياسية و القانونية المساعدة على إحداث التنمية، فيما يعمل القطاع الخاص على خلق فرص العمل و تحقيق الدخل لأفراد المجتمع.
فقد حددت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط التنمية في تقرير لها حول موضوع أصدرته عام 1992 بعنوان التخفيف من الفقر والتنمية المستدامة أهداف متعددة وخصائص الإدارة الرشيدة المتصلة لإحداث التنمية المستدامة وفق الأتي:
– وجود نظام سياسي منفتح يسمح لكافة شرائح المجتمع أن تعبر عن أرائها بحرية في ظل السيادة التامة للقوانين السارية.
– وجود أسس لضبط تصرفات الجهاز الإداري التنفيذي، ووجود جهاز تشريعي فعال، و كذلك خطوط واضحة لمسار عملية المساءلة، بدءا بالمسئولين السياسيين و حتى درجات السلم الإداري.
– المقدرة على القيام بالتخطيط المالي الجيد في أمور المجتمع و ضبط نفقاته و التقييم السليم لأداء وحدات القطاع العام.
من بين متطلبات التنمية المستدامة نجد الجانب الالكتروني من خلال[1]:
– استعمال تكنولوجيات أنظف في كل المجالات لاسيما في المناطق الصناعية خصوصا في الدول النامية.
– تكثيف أنشطة البحث و التطوير من خلال استعمال تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات واعتماد أساليب و طرق قابلة للاستدامة.
– تتطلب التنمية المستدامة تعزيز تكوين قدرات في العلوم و التكنولوجيا لرفع المستوى العلمي و المعرفي.
2- الإدارة الالكترونية كعامل محفز للتنمية المستدامة:
بفضل تكنولوجيا المعلومات تتسارع وتتعزز جميع ركائز التنمية المستدامة الثلاثة: التنمية الاقتصادية والاندماج الاجتماعي وحماية البيئة، و يعترف للدور الحيوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعامل محفز للتنمية في نص الهدف الإنمائي المستدام الذي يفيد بان انتشار تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات والتوصيل البيئي العالمي ينطويان على إمكانات عظيمة للتعجيل بالتقدم البشري وسد الفجوة الرقمية لتطوير مجتمعات المعرفة.
تسهل تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات النفاذ إلى المعلومات الأساسية، إذ تمتلك الخدمات الصحية المتنقلة القدرة الكاملة على تحقيق فوائد لا تصدق على امتداد النظام البيئي العالمي للرعاية الصحية.
إن الإلمام بأساسيات تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات مطلوب على نحو متزايد في جميع القطاعات في البلدان النامية والمتقدمة، كما تدعم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المساواة بين الجنسين، وتوفر كذلك وسيلة للنفاذ إلى الخدمات المبتكرة كما يمكن لتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات أن تساعد على إنهاء الجوع من خلال جهود جموع المصادر والتكنولوجيات الجديدة التي توفر أهم المعلومات للمزارعين تمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بشان منتجاتهم.
تمتلك تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات القدرة على تغيير الطريقة التي تتعامل فيها مع عالمنا فتجعله أكثر استدامة في طبيعته، فتتحسن كافة استخدامات الطاقة من خلال التكنولوجيا بتوخي السبل الأسلم بيئيا في توليد الطاقة و استهلاكها، و سيتعاظم دور التكنولوجيا في إدارة البنية التحتية المحلية، كما تتميز تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات بأهمية خاصة في مجال الإدارة الذكية للمياه، إذ تسهل قياس إمدادات المياه و مراقبتها.
من العوامل الجوهرية أيضا مراقبة التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، جمع البيانات و تشاطرها فتتسنى مراقبة تغير المناخ على نحو أفضل، من خلال خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل خدمات الأرصاد الجوية، إذ تحسن التنبؤ وتقد المعلومات في الوقت المناسب لأنظمة الإنذار المبكر، ويمكن لبيانات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تحلل الاتجاهات في التنوع البيولوجي وتطور النظام البيئي مما يساعد على تخطيط خدمات التخفيف من اجل حماية الأنظمة البيئية واستدامة استخدامها[1].
بما أن الإدارة الالكترونية هي تطبيق التكنولوجيا في تقديم الخدمات العامة فيمكن استنتاج العلاقة بينها و بين التنمية المستدامة من خلال عامل التكنولوجيا، فنجد من بين أهداف التنمية المستدامة ربط التكنولوجيا الحديثة بأهداف المجتمع، حيث تحاول التنمية المستدامة توظيف التكنولوجيا الحديثة بما يخدم أهداف المجتمع، وذلك من خلال توعية السكان بالتقنيات المختلفة في المجال التنموي و كيفية الاستخدام المتاح و الجيد منها في تحسين نوعية الحياة.
أخيرا يمكن القول أن للإدارة الالكترونية دور مهم م متميز ومتزايد في تحقيق التنمية المستدامة من خلال ما توفره من خدمات الكترونية سريعة في مختلف القطاعات.
الخاتمة:
الإدارة الإلكترونية هي إدارة الشؤون العامة بشفافية عالية،عن طريق وسائل إلكترونية لتحقيق أهداف إدارية، سياسية، اجتماعية واقتصادية، والتخلص من الأعمال الروتينية والمركزية الشديدة، وتبسيط الإجراءات الإدارية وتيسير النظام البيروقراطي أمام المواطنين من خلال إيصال الخدمات لهم بشكل سريع وعادل في إطار من النزاهة والمساءلة.
الإدارة الإلكترونية منهج حديث يقوم على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ظهر عموما مع التطور التقني والثورة المعلوماتية حيث يتميز هذا المنهج الحديث بمميزات وخصائص تميزه عن غيره من المناهج، كما أن الإدارة الإلكترونية كأسلوب إداري حديث تقوم على مبادئ وأسس مغايرة تماما لتلك التي تقوم عليها الإدارة التقليدية، وتحظى بأهمية بالغة خاصة بالنسبة للإدارات العامة نظرا للدور المهم والحساس المَنوط بها، ألا وهو تنفيذ السياسات العامة للدولة استجابة لمتطلبات المواطنين.
قامة المراجع:
أولا: باللغة العربية.
1- الكتب.
– السالمي علاء عبد الرزاق ، الإدارة الإلكترونية ،عمان: دار وائل للنشر والتوزيع، 2008.
– سعد غالب ياسين، الإدارة الإلكترونية وآفاق تطبيقاتها العربية، الرياض: معهد الإدارة العامة للطباعة والنشر، 2005.
2- المجلات.
– مجلة المنصور، سحر قدوري، الإدارة الالكترونية و إمكانيتها في تحقيق الجودة الشاملة، العدد 14، 2010، ص 160.
– مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا، الرفاعي سحر قدوري ، ” الحكومة الإلكترونية وسبل تطبيقها: مدخل استراتيجي” ، ع.07(د.ت.ن).
– مجلة أبحاث اقتصادية و ادارية، زرمان كريم ، التنمية المستدامة في الجزائر من خلال برنامج الإنعاش الاقتصادي 2001-2009، ، العدد 07، المركز الجامعي لخنشلة، 2010.
– مجلة ديالي، حسون عبد الله… و آخرون، التنمية المستدامة: المفهوم و العناصر و الأبعاد، العدد 67، 2015.
3- الملتقيات.
– أديب عبد السلام ، أبعاد التنمية المستدامة، مداخلة في الاجتماع السنوي لنقابة المهندسين الزراعيين التابعة للاتحاد المغربي ، المغرب، 2002.
– التويجري محمد بن إبراهيم أحمد ، ” الحكومة الإلكترونية مدخل لأداء متميز” ورقة بحث قدمت في المؤتمر العلمي الدولي حول: ” الأداء المتميز للمنظمات والحكومات”، جامعة ورقلة، 09،08 مارس 2005.
– العايب عبد الرحمان و بقة الشريف، التنمية المستدامة و التحديات الجديدة المطروحة أمام المؤسسات الاقتصادية مع الإشارة للوضع الراهن في الجزائر، مداخلة قدمت في المؤتمر العلمي الدولي، جامعة فرحات عباس سطيف، 2008، ص 04.
-المجلس الأعلى للتعليم، التنمية المستدامة، (مؤتمر القمة للعالمي للتنمية المستدامة، جوهانسبرغ،)2002.
– بعيرة مصطفى ابو بكر و بعيرة انس ابو بكر ، لا تنمية مستدامة بدون إدارة قوامة، مؤتمر التنمية المستدامة في ليبيا، جامعة قريونس، د.س.ن.
– شنيني حسين ، البرلمان الالكتروني و الديمقراطية الالكترونية كإفرازات للإدارة الالكترونية، ورقة بحث قدمت في الملتقى العلمي الدولي حول الحكومة الالكترونية و دورها في إنجاح الخطط التنموية، جامعة مستغانم، د.س.ن.
– شريف كامل شاهين، الإدارة الالكترونية وتطبيقاتها في مؤسسات التعليم العالي و البحث العلمي، المؤتمر العالمي الأول للإدارة الالكترونية في المجتمع الجماهيري، القاهرة، 2010.
4- الرسائل الجامعية.
– بن لعبيدي مفيدة ،الحكم الموسع آلية للتنمية المستدامة في الجزائر، ترشيد الإدارة المحلية مدخلا،( أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية ،تخصص تنظيمات سياسية وإدارية، جامعة باتنة،2015).
– خامرة الطاهر ، المسئولية البيئية و لاجتماعية: مدخل لمساهمة المؤسسة الاقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة، ( مذكرة ماجيستر في العلوم الاقتصادية، جامعة ورقلة، 2007).
5- المواقع الالكترونية.
– المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية، البيئة والتنمية المستدامة https://hrdiscussion.com/hr10618.html
ثانيا: باللغة الأجنبية.
1- Livres.
– BET Burgkmair, Economie du développement durable,( Belgique: de Buëch édition,2007).
2- Revues.
– observatoire technologique, Christine AÏDONIDIS et Giorgio PAULETTO, “e- Administration : enjeux et facteurs clés de succès” , v.1.0 (23 avril2007).
3- Rapports.
– nations unies, rapport sur les objectifs de développement durable, New York, 2016.
4- الرسائل الجامعية.
– بن لعبيدي مفيدة ،الحكم الموسع آلية للتنمية المستدامة في الجزائر،ترشيد الإدارة المحلية مدخلا،(أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية ،تخصص تنظيمات سياسية و إدارية، جامعة باتنة،2015).
– خامرة الطاهر ، المسئولية البيئية و لاجتماعية: مدخل لمساهمة المؤسسة الاقتصادية في تحقيق التنمية المستدامة، ( مذكرة ماجيستر في العلوم الاقتصادية، جامعة ورقلة، 2007).
5- المواقع الالكترونية.
– المنتدى العربي لإدارة الموارد البشرية، البيئة والتنمية المستدامة https://hrdiscussion.com/hr10618.html
ثانيا: باللغة الأجنبية.
1- Livres.
– BET Burgkmair, Economie du développement durable,( Belgique: de Buëch édition,2007).
2- Revues.
– observatoire technologique, Christine AÏDONIDIS et Giorgio PAULETTO, “e- Administration : enjeux et facteurs clés de succès” , v.1.0 (23 avril2007).
3- Rapports.
– nations unies, rapport sur les objectifs de développement durable, New York, 2016