مساهمة آليات الرقابة الإدارية المالية في تجويد التدبير العمومي بالمغرب
The Contribution of the Financial Administrative Control Mechanisms to Improving the Public Administration in Morocco
دة. سعيدة الفضاضلة، مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن، جامعة الحسن الأول – المغرب
Dr. Saida Lafdadla, Laboratory for research on Comparative Democratic, Transition, Hassan I University–Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 30 الصفحة 83.
Abstract:
The reform chosen for the management control system is based on granting managers more flexibility in return for greater responsibility, while ensuring a kind of balance between the flexibility granted to them and the degree of their responsibility.
The adoption of a new approach in the field of financial administrative control has clearly imposed itself, in order to reform the regulatory system, which has imposed itself due to internal pressures and coercions and international recommendations, so that Morocco has resorted to foreign expertise offices to measure the performance of its institutions and evaluate their various structures.
The studies that focused on the process of enhancing the managerial efficiency of the interests commanding the exchange have enabled, through a set of mechanisms that must be promoted to achieve the desired.
In this study, we will try to highlight the most important of these mechanisms, which must been sured bthatthey are effectively and effectively applied in order to contribute to improving the public administration, especially the internal control and audit mechanism as a modern method in financial management and the adoption of the evaluation monitoring.
ملخص:
يعد الإصلاح الذي تم اختياره لمنظومة الرقابة الإدارية على أساس منح المدبرين مرونة أكثر مقابل مسؤولية أكبر، مع الحرص على نوع من التوازن بين المرونة الممنوحة لهم ولدرجة مسؤوليتهم.
إن تبني مقترب جديد في مجال الرقابة الإدارية المالية أصبح يفرض نفسه بشكل جلي، وذلك من أجل إصلاح منظومة الرقابية، الذي أصبح يفرض نفسه نظرا لضغوطات والإكراهات الداخلية وتوصيات الدولية، بحيث لجأ المغرب لمكاتب الخبرة الأجنبية لقياس أداء مؤسساته وتقويم هياكلها المختلفة.
وقد مكنت الدراسات التي انصبت على عملية تعزيز الكفاءة التدبيرية للمصالح الآمرة بالصرف، من خلال جملة من الآليات التي يجب النهوض بها لتحقيق المبتغى.
تحاول هذه الدراسة إبراز أهم هذه الآليات التي يجب السهر على تطبيقها بشكل فاعل وفعال ليساهم في تجويد بالتدبير العمومي ونخص بالذكر المراقبة الداخلية وآلية التدقيق كوسيلة حديثة في التدبير المالي واعتماد المراقبة التقييمية.
تقديـــــم:
يقوم الإصلاح الذي تم اختياره لمنظومة الرقابة الإدارية على أساس منح المدبرين مرونة أكثر مقابل مسؤولية أكبر، مع الحرص على نوع من التوازن بين المرونة الممنوحة لهم ولدرجة مسؤوليتهم.
إن تبني مقترب جديد في مجال الرقابة الإدارية المالية أصبح يفرض نفسه بشكل جلي، وذلك من أجل إصلاح منظومة الرقابية، الذي أصبح يفرض نفسه نظرا لضغوطات والإكراهات الداخلية وتوصيات الدولية، بحيث لجأ المغرب لمكاتب الخبرة الأجنبية لقياس أداء مؤسساته وتقويم هياكلها المختلفة، إن الرقابة الداخلية التي تنبني على التدبير الجيد في الوصول الى الأهداف المسطرة، أو الافتحاص الذي يعتبر من المظاهر المتطورة للرقابة الإدارية في المجال المالي، بحيث أبان عن فعالية ونجاعة كبيرتين في القطاع الخاص قبل إدخالها إلى القطاع العام كتعبير عن نقلة نوعية في تجاوز الرقابة التقليدية المتميزة بطابعها الشكلي، ولهذا فإن التدقيق يعتبر من بين آليات إصلاح الرقابة الإدارية ثم نجد المراقبة التقييمية التي تؤسس لفكرة تقييم الأداء وتقييم السياسات العمومية في المجال المالي لمواجهة الإكراهات التي تواجه الرقابة الإدارية، وفي محاولة منها لتحسين فعالية ونجاعة ترشيد النفقات العمومية، يجب النهوض بالكفاءة التدبيرية للمصالح الآمرة بالصرف التي تعتبر حجر الزاوية في نجاح هذا الإصلاح.
وقد مكنت الدراسات التي انصبت على عملية تعزيز الكفاءة التدبيرية للمصالح الآمرة بالصرف، من خلال جملة من الآليات التي يجب النهوض بها لتحقيق المبتغى.
وسنحاول في هذا المبحث إبراز أهم هذه الآليات التي يجب السهر على تطبيقها بشكل فاعل وفعال ليساهم في تجويد بالتدبير العمومي ونخص بالذكر المراقبة الداخلية وآلية التدقيق كوسيلة حديثة في التدبير المالي (المطلب الأول) واعتماد المراقبة التقييمية (المطلب الثاني).
تعد أهمية المراقبة الداخلية في نظام المراقبة التراتبية، نظرا لما تلعبه من أجل التحكم في المخاطر، إذ يشكل التحكم في العمليات المفهوم المحوري الذي تقوم عليه المراقبة الداخلية (الفقرة الأولى)، ثم إن الاهتمام بآلية التدقيق كذلك كأسلوب حديث في تقويم أنظمة التدبير الإداري والمالي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المراقبة الداخلية
تعرف المراقبة الداخلية من قبل جمعية المحاسبين الأمريكيين بأنها تتضمن الخطة التنظيمية وكافة الطرق والمقاييس المتناسقة التي تتبناها المؤسسة لحماية أصولها وضبط الدقة والثقة في بياناتها المحاسبية والارتقاء بالكفاءة الإنتاجية وتشجيع الالتزام بالسياسات الإدارية الموضوعة مقدما[1].
وعرفها أيضا معهد المحاسبين الأمريكي، بأنها: تشمل الخطة التنظيمية وجميع الطرق والمقاييس المنسقة التي تتبناها الوحدة لحماية أصولها ومراجعة بياناتها المالية، ومدى إمكان الاعتماد عليها، والنهوض بالكفاية الإنتاجية، وتشجيع الموظفين على التمسك بسياسة الإدارة العليا[2].
وتعرفها المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمراجعة “أنتوساي” بأنها عملية متكاملة تساهم في وضعها وإنجازها الإدارة والجماعات والأفراد المنتمية لها بغية معالجة المخاطر وتوفير درجة معقولة من الأمان لبلوغ الأهداف المنوطة بها[3].
ونخلص من هذه التعاريف التي أعطيت للمراقبة الداخلية، أنها وبالرغم من اختلافها فإنها تلتقي في اعتبار المراقبة الداخلية صيرورة، أساسها الإدارة والأفراد المنتمون إليها، بحيث تسعى إلى احترام التعليمات وتأمين المستقبل لمؤسسة معينة من خلال التحكم في المخاطر المحدقة بها[4].
بناء عليه، فإن المراقبة الداخلية على مستوى الوحدات الحكومية تقوم على أربعة عناصر أساسية هي:
- أنها تعتبر عملية، وهي تبعا لذلك جزء من الهيكل الإداري ويتزامن تشغيلها مع الإجراءات التنفيذية لنظام العمل، وأنها تتكامل مع كل العمليات التنفيذية للتحقق من الأهداف، بحيث أنه لا يمكن فصل واحد منهما عن الآخر؛
- أنها تتأثر بالمستويات العليا من الإدارة وتتأثر بكافة الأفراد العاملين على كافة المستويات الإدارية في الوحدة؛
- أنها عملية مستمرة ومتطورة فهي تمارس كجزء من المهام اليومية وليست مجرد متابعة تتم بعد إنجاز الأعمال؛
- أنها رقابة تقدم تأكيدا معقولا بتحقيق الأهداف التي توضع من اجل تحقيقها ولا يمكنها تقديم تأكيد مطلق[5].
أولا: أهداف المراقبة الداخلية
تهدف المراقبة الداخلية حسب المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمراجعة على تنفيذ عمليات منظمة تتسم بالاقتصاد، الكفاءة، والفعالية مع الوفاء بمتطلبات المساءلة والالتزام بالقوانين والتعليمات بغية حماية ممتلكات المؤسسة من الضياع وسوء الاستخدام، ولهذا فإن أهداف هذه المراقبة تعتبر مهمة وذلك من خلال:
- السهر على التنفيذ الصارم والدقيق من قبل الكل، لمختلف التعليمات الصادرة بغية بلوغ الأهداف المرسومة؛
- متابعة كل العمليات بدقة مما يساعد على تحقيق المهام والأهداف المنوطة بالإدارة المعنية على أحسن وجه؛
- تساعد أيضا على ضمان جودة ودقة المعلومات المتوفرة عن العمليات التي تقوم بها الإدارة، نظرا للأهمية الخاصة للمعلومة الإدارية، وبالتالي تمكن من اتخاذ القرار الصائب سواء داخل الإدارة او الفاعلون المحيطون بها.
من خلال ما سبق يمكن القول أن الهدف الرئيسي من المراقبة الداخلية هو خضوع العمليات الموازنية الى تنميط وتصنيف علمي يسهل تتبع تطور النفقات العمومية، الأمر الذي يمكن من تبني منهجية تدبيرية لمعالجة المعطيات المالية من خلال الحد من التزايد مستمر في نسبة النفقات العمومية الاستهلاكية الغير المنتجة ومحاربة التبذير المتزايد للنفقات العمومية.
ثانيا: مبادئ المراقبة الداخلية
وبالرجوع إلى أدبيات المراقبة الداخلية يلاحظ أنها اشترطت في إنشاء نظام للمراقبة داخلية واحترام مجموعة من المبادئ الأساسية لتمكينه من أداء دوره بالنجاعة والفعالية المطلوبين ومن أهم هذه المبادئ[6]:
- توفر خطة تنظيمية من خلال هيكل تنظيمي واضح للمؤسسة تظهر فيه العلاقات التسلسلية بين مختلف مكوناتها ويسمح بتحديد المسؤوليات على مختلف المستويات، مع الحرص على عدم تداخل الاختصاصات أو تضاربها وعدم انفراد شخص بعملية من بدايتها إلى نهايتها؛
- اعتماد التوثيق في جميع الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة بما فيها تلك المتعلقة بالمراقبة الداخلية، بهذه الطريقة تؤمن المؤسسة بما فيها تلك المتعلقة بالمراقبة الداخلية، بهذه الطريقة تؤمن الإدارة على تكوين مراجع داخلية تساعدها في مجموعة من الحالات أو المراحل التي تمت، كتسهيل إدماج المعنيين الجدد وتسهيل الافتحاص؛
- الحرص على استقلالية بما يسمح للأنشطة الرقابية بالعمل وفق مقترب يقوم على قراءة نقدية لعمل الإدارة؛
- التقييم الدوري لنظام المراقبة الداخلية للتأكد من صحته ودقته وتحيينه بما يسمح باستيعاب التطورات التي تطرأ على الإدارة ومحيطها؛
- اختيار العناصر البشرية بدقة والحرص على توفرها على المهارات والكفاءات الضرورية ودعمها بالتكوين والتأطير اللازمين.
وتتميز عملية وضع منظومة المراقبة الداخلية بنوع من التعقيد نتيجة للدقة المطلوبة في كل مرحلة من مراحلها بدءا بتحديد المخاطر ووضعها موضع التنفيذ وانتهاء بتقييم المنظومة لرصد سبل تحسينها بالوقوف على المراقبات الواجب إضافتها أو حذفها كما أنها تحتاج إلى مجموعة من الأنظمة المرجعية وقواعد المعطيات كما يبين الرسم البياني التالي:
منظومة المراقبة الداخلية[7]:
وبالرجوع الى تدبير المالية في المغرب وخصوصا في المجال الرقابي تبقى غير واضحة التوجهات من خلال التخطيط بحيث لا يطبعها الوضوح والتنسيق لمعرفة أهداف السياسة المالية العامة، ثم غياب معطيات موضوعية ودقيقة من أجل بلورة مشاريع تحول دون تحقيق النتائج المتوخاة.
إن المجال الرقابة بالمغرب يؤثر على تدبير المالية العمومية، بحيث يبقى هذا الأخير لا يقوم على قواعد واضحة وأسس علمية، فكثيرا من النفقات تتعرض للتلف على جميع المستويات (الدولة الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية)، والحالة التي توجد عليها العديد من المنشآت والمدارس والطرق والمستوصفات … تشهد على ذلك، كما أن الوضعية المالية المفلسة لكثير من المؤسسات العمومية كالقرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للقرض الفلاحي تبين مدى تبذير المال العام وهنا يتبين ضعف نظام المراقبة الداخلية من خلال تجلياتها العملية.
ثالثا: دور المراقبة الداخلية في توفير المعلومات
توضع المراقبة الداخلية من طرف الإدارة المراقبة، وتدخل في نطاق مسؤوليتها، وتعرف هذه المراقبة مجموعة من الإجراءات المتبعة لضمان مستوى أفضل حسب المادة 141 من معايير الانتوساي للمراقبة ما يلي[8]:
- الإنجاز الاقتصادي الكفء، والفعال لأهداف الوحدة؛
- احترام المعايير الخارجية كقوانين وسياسة الإدارية للدولة؛
- المحافظة على الأصول والمعلومات؛
- الوقاية والكشف عن الغش والأخطاء؛
- جودة الوثائق المحاسبية وتقديم المعلومات في الوقت المطلوب والتدبير الموثوق به.
ويتعدى مفهوم المراقبة الداخلية الاعتبارات المحاسبية والمالية الصرفة ويشمل عنصرين أساسيين[9]:
- بيئة المراقبة: يعني الموقف العام والوعي والتصرفات الصادرة عن الأطر العليا والمسيرين العمليين بشأن المراقبة الداخلية وأهميتها داخل الوحدة الإدارية؛
- إجراءات ومساطر المراقبة الداخلية: وهي إجراءات تساهم على هامش محيط، المراقبة الموضوعة من طرف إدارة معينة، في إنجاز الأهداف المسطرة من قبل هذه الأخيرة.
يؤثر محيط المراقبة الذي يمكننا وصفه ب”ثقافة مراقبة منظمة” في فعالية الأنظمة النوعية الخاصة بإجراءات المراقبة الداخلية مثلا، ويمكن لمحيط المراقبة الذي يعرف اهتمام الإدارة بالأنشطة والوظائف المرتبطة بالمراقبة أن يقوم بتقوية وتعزيز الأنظمة النوعية لإجراءات المراقبة الداخلية، ومع ذلك لا تكفي بيئة مراقبة في حد ذاتها رغم مثانتها لضمان فعالية أنظمة إجراءات المراقبة الداخلية، وأن في استطاعة المدقق تقويم خاصية محيط المراقبة التابع للوحدة أو النشاط من خلال فحص الدلائل التي تتوافق مع الممارسات التنظيمية الجيدة للتدبير[10].
يمكن لهذه الإجراءات أن تتضمن تحضير ومراجعة نقط التوافق من طرف الإدارة كتحديد الإجراءات والمسؤوليات التي تهدف إلى فصل المهام الأساسية من خلال تقييد الأصول المالية والمستندات المحاسبية، ويرجع الأمر إلى المدقق الذي يعين ضمن سياق كل مهمة مراقبة فردية، إجراءات المراقبة الداخلية داخل النظام الشمولي الموضوع من طرف المسؤولين على الوحدة الإدارية، والتي تكون مناسبة بالنسبة لأهداف المراقبة.
ثم يسعى المدقق إلى تقدير إدراك الإدارة لأهمية المراقبة الداخلية، وكذا تعهدها بضمان مراقبة ملاءمة للأنشطة، أما حينما يقوم بتقويم إجراءات المراقبة، فإنه يهدف إلى التأكد من الإجراءات الضرورية في موضعها، وأنها تعمل بفعالية وبشكل مستمر ومتماسك[11].
رابعا: أنواع المراقبة
هذه بعض أنواع المراقبة التي بالإمكان أن تعترض عمل المدقق، من خلال تركيزه على وحد منها أو التأليف فيما بينها أثناء تأدية مهامه بعدد كبير من الإدارات[12].
- التنظيم:
يجب على الوحدات الإدارية الخاضعة للمراقبة أن تتوفر على تصميم لتنظيمها يحدد ويخصص المسؤوليات، ويشخص نوع قنوات المعلومات بالنسبة لجميع فروع أنشطة الوحدة بما فيها عمليات المراقبة، كما يجب تحديد وبوضوح تفويض السلط والمسؤوليات كيفما كان نوعها.
- فصل المهام:
يشكل فصل المهام أو المسؤوليات من وسائل المراقبة الأساسية التي تساعد على إنجاز العملية في مجملها، بحيث تقلص من خطر التلاعب والخطأ الصادرين عن قصد وتزيد في رفع من مستوى المراقبة، وتشمل الوظائف التي تستوجب فصلها تلك المتعلقة بإصدار أوامر الصرف، التنفيذ، الحماية، التسجيل، وكذلك عمليات تطوير الأنظمة والعمليات اليومية.
- الترخيص والتأشيرة:
تتطلب جميع قرارات التنفيذ وكذا كل العمليات ترخيصا أو تأشيرة من طرف المسؤول المتخصص، ويجب أن تكون هذه التراخيص دقيقة.
- الموظفون:
يجب وضع بعض الترتيبات للتأكد من أن الموظف يتوفر على قدرات تتناسب مع مختلف مسؤولياته لأن السير الجيد لأي نظام يرتبط بالضرورة وجود الكفاءة، النزاهة واستقامة الموظف الذي يطبقه، لذا تشكل المهارات الاختيار والتكوين إلى جانب المميزات الفردية للأطر عناصر هامة يجب أخذها بعين الاعتبار عند وضع أي نظام مراقبة.
- الإشراف على العمل:
يجب على كل نظام مراقبة داخلي اعتماد وسيلة الإشراف على سير العمل اليومي للعمليات وعلى تسجيلها من قبل مستخدمين مسؤولين.
- التسيير:
يتعلق الأمر بعمليات المراقبة التي يقوم بها الإداريون خارج أوقات سير العمل اليومي العادي، وتضم مراقبة آليات الإشراف العام الذي يمارسه هؤلاء الإداريون، فحص معلومات التسيير ومقارنتها بالميزانيات، وظيفة التدقيق الداخلي وكذا كل إجراء خاص يهم الفحص.
إن المقصود بهذه الأنواع ليس تحقيق الأهداف المسطرة فحسب بلا لابد من قياس كفاءة تحقيق هذه الأهداف، ولذلك يجب التأكد من عدم وجود إسراف أو ضياع للموارد المالية، وعمل على تقليص عناصر الضياع إذا وجدت قدر المستطاع، وباختصار فمراقبة الداخلية تتوخى الوصول إلى الأهداف بالكم والكيف وفي الزمن المحدد مع استخدام الموارد والوسائل الضرورية دونما إسراف مما يساهم في الرفع من جودة التدبير العمومي والحد من عرقلته داخل المنظومة الرقابية[13].
إن تجويد التدبير يستند على ضرورة مراقبة داخلية فعالة تضمن تحقيق المردودية، وتحرص على ملاءمة القرارات المتخذ للظروف المالية، وتهدف أيضا إلى البحث عن أنجع الوسائل وأقلها كلفة من أجل تقييم مردودية وفعالية العمل العمومي.
الفقرة الثانية: التدقيق أو الافتحاص
يرى البعض أن مفهوم التدقيق يعود إلى أصول جد قديمة (مصر الفرعونية، الحضارة اللاتينية)، وقد عرف تطورات هامة خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر ببريطانيا، وابتداءً من القرن التاسع عشر بولايات المتحدة الأمريكية سيشهد تطورا في جوانبه النظرية والتطبيقية[14]، أما البعض الآخر فيرى أن التدقيق كما يصطلح عليه باللاتينية “أوديت” وتعني الإنصات والاستماع، وترجع مهنة الأوديت إلى “الميس دومينيك” في عهد “شارلومان” الفرنسي والملك “إدوارد الأول” الانجليزي[15].
أما في المغرب فإن مصطلح التدقيق لم يتفق حوله كل المختصين لأن بعضهم يستعمل إما كلمة افتحاص أو تدقيق، أو مراجعة، والملاحظة التي تفرض نفسها هو أنه حتى على مستوى الدول العربية بالرغم من الانتماء المشترك لمؤسسة المجموعة العربية للرقابة ليس هناك قاموس محدد حول استعمال تقنيات ومفاهيم الرقابة المالية أو حول التدقيق، لكن المشرع المغربي فصل في هذه النقطة حيث أن الفصل 76 من قانون الشركات المساهمة، ترجم « Audit » بكلمة “تدقيق” رغم أن عددا من الباحثين أو المختصين لا يزالون يستعملون مصطلح رقابة مالية أو افتحاص.
وقد اكتسب التدقيق إشعاعا ونجاحا هاما عكستها فعاليته والصورة المعاصرة والحديثة التي يقدمها، وذلك بفعل أربع عوامل أساسية، ديناميكية المفهوم، المقاربة المتعددة الاختصاص، فعاليته المنهجية وأخيرا الخاصية النقدية في التحليل والمعالجة حتى أصبح يشبه بالفحص الطبي[16].
فالتدقيق هو نتاج لتطور تاريخي، اقتصادي واجتماعي لم يتوقف عن تطوير مناهجه وآلياته منذ بداية القرن الماضي مرورا بالحرب العالمية الثانية، وخصوصا في السنوات الأخيرة حيث عرف تحولات أساسية في الموضوع والمنهج وفي ميادين والمجالات التي يهتم بها ويتدخل فيها، فالتطورات التي عرفها لم تقتصر على مجال القطاع الخاص بل توسع تطبيقه ليشمل القطاع العمومي، وذلك من خلال اعتماد توجه شمولي يستعين بعدة علوم (العلوم القانونية، العلوم الاقتصادية…) وبالتقنيات المعلوماتية في التسيير والتدبير[17].
ويمكن تعريف التدقيق بأنه تحري نقدي يسمح بفحص المعلومات المقدمة من طرف منظمة عمومية كانت أو تنتمي إلى القطاع الخاص، وتقييم الأعمال والنظم المطبقة في عين المكان لأجل ترجمتها وتوظيفها إيجابيا، وهو أيضا تقييم مستقل لمختلف عمليات التسيير والمراقبة الداخلية لمنظمة معينة في القطاع العام أو الخاص، للتأكد من مدى احترام السياسات والمساطر المتبعة، وهل المعايير الموضوعة تم احترامها، وهل تم استعمال الموارد المتاحة بشكل فعال واقتصادي وهل تحققت الأهداف المحددة[18].
وتهدف نظرية التدقيق إلى إدماج هذا الأسلوب في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار مقاربة شاملة ومتعددة الاختصاص، ومع ذلك يجب التميزي بين تصورين أساسيين للتدقيق، الأول وهو تصور كلاسيكي يرتكز على مبادئ المشروعية ومراقبة التسيير ويتميز برؤيته الضيقة للتدقيق سواء تعلق الأمر بالقطاع العمومي أو القطاع الخاص.
أما التصور الثاني فيتجاوز هذه النظرية التقليدية ويعتمد مقاربة شمولية ومتعددة الاختصاص تجعل من التدقيق عنصرا ينخرط في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويساهم بفعالية في مشاريع التغيير[19].
إن فالتدقيق لا يمكن أن يباشر إلا بعد الترخيص لجهة محتضنة بالتحقق والبحث في معلومات تعد وتستعمل من قبل مصلحة إدارية من القطاع العمومي، وذلك للاضطلاع على واقعها الحقيقي، وإعداد تقرير نقدي يبرز نتائج هذا البحث ويقترح حلولا ومقاربات تتوخى الجودة وتبسيط الإجراءات والمساطر قصد تأهيل التدبير الإداري والمالي بهذه المصلحة[20]. ويهدف التدقيق كتقنية تعتمد الأخذ بالمعطيات الداخلية والخارجية للمصلحة المدققة، إلى تحليل مبدأ المخاطرة الذي تعمل في ظله الوحدات الإدارية، وهو يميل إلى المستوى العمومية للتأكد من الآتي[21]:
- إذا كانت الأحكام القانونية المتعلقة بالعمليات موضوع التدقيق قد تم تطبيقها؛
- تقييم درجة الاقتصاد والفعالية في الإدارة وفي استعمال الموارد؛
- تقييم الفعالية التي تتم بها العمليات في المصلحة بناء على الأهداف المرسومة من طرف الدولة والإدارة المعنية.
يتبين من محاولات التعريف السابقة أن أسس وأهداف هذا المفهوم تؤكد على الطبيعة النقدية والشمولية لتقنية الرقابة بواسطة التدقيق والذي يشير إلى كل عمل يستهدف تقويم بنيات المراقبة الداخلية وفق مرجعيات عملية ومهنية دقيقة، من أجل الوقوف على الخلل الذي تعاني منه الإدارة في شتى المجالات من أجل السيطرة عليها والتنبؤ بها[22].
وعلى هذا الأساس وكنتيجة للأخذ بتقنيات التدقيق، ظهرت تفريعات متعددة لتطبيقه الأصلي تأخذ عدة مسميات كالبحث والتحري، وهكذا وإضافة إلى التقسيمات الرئيسية المتمثلة في التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجين نجد أنواع كثيرة للتدقيق، كتدقيق التنظيمي، التدقيق الاستراتيجي، والتدقيق القانوني.
إن التباين الحاصل بين أهداف ونطاق تدخل كل من تقنية الفحص والتدقيق وباقي الوظائف الرقابية من تسجيل بعض نقط التداخل التي تتجه نحو تأكيد التفاعل الإيجابي بينهما الأمر الذي سنحاول تبيانه.
ونظرا لأهمية الأهداف التي يسعى التدقيق إلى تحقيقها، فقد كان من اللازم إدماج التدقيق ضمن الآليات التدبيرية، هدفه الرئيس هو تخفيف الرقابة القبلية وإرساء الرقابة البعدية القائمة على تقييم الأداء والنجاعة، وتجويد التدبير العمومي.
أولا: تمييز الافتحاص أو التدقيق عن بعض المفاهيم الأخرى
نظرا للتداخل الموجود بين التدقيق أو الافتحاص وبعض المفاهيم سنتطرق من خلال البحث عن العلاقة بين الافتحاص والتدقيق وكل من المراقبة الداخلية ومراقبة التسيير:
- الافتحاص أو التدقيق والمراقبة الداخلية:
حققت المفاهيم المرتبطة بالمراقبة الداخلية Le contrôle interne في السنوات الأخيرة امتدادا مهما على مستوى تطبيقاتها في القطاعين العام والخاص، جسدته محاولات تحديد الاصطلاح الدلالي لهذا الاختصاص الرقابي وكذا معاييره، وهو ما سمح بالتجاوز النسبي للغموض الذي كان يكتنف هذا المفهوم في علاقته بعدد من المفاهيم الرقابية الأخرى والتي يوجد ضمنها مفهوم الافتحاص أو التدقيق[23].
قد عرفت هيئة الخبراء المحاسبين بفرنسا المراقبة الداخلية باعتبارها “مجموع الضمانات التي تساهم في التحكم بالمقاولة، فهدفها من جهة تأمين حماية وصيانة وجودة المعلومة l’information، ومن جهة أخرى تطبيق آليات الإدارة والتحفيز على حسن الأداء من حيث التنظيم والمناهج والمساطر الخاصة بكل نشاط من أنشطة المقاولة للإبقاء على دوام هذه الأخيرة”[24]. وتشمل بالنسبة للجنة الاستشارية للمحاسبة بانجلترا(CCA) مجموع أنظمة المراقبة المالية وغيرها الموضوعة من قبل الإدارة من أجل تسيير شؤون المقاولة بكيفية منظمة وفعالة، مع تأمين احترام سياسات التدبير وصيانة الأصول وضمان ما أمكن صحة اكتمال المعلومات المسجلة[25].
ولعل المفهوم الشامل الذي تبنته المحكمة الأوربية للحسابات الذي ينطلق من أن مفهوم المراقبة الداخلية يتعدى الاعتبارات المحاسبية والمالية الصرفة ليشمل عنصرين هما بنية المراقبة ثم الإجراءات والمساطر المتبعة في المراقبة الداخلية كما تطرقنا إلى ذلك في الفقرة الأولى من هذا المطلب، و الذي سبق أن اعتمده مجلس معايير المراجعة التابع للمعهد الأمريكي للمحاسبين العاميين القانونيين بالنسبة للمراقبة الداخلية وذلك حينما وضع معايير لهذا الاختصاص الرقابي سنة 1988 من خلال وضع توصية بعنوان “بنية المراقبة الداخلية”[26].
بناء على المهام الرئيسة للمراقبة الداخلية التي يمكن استخلاصها مما سبق تتضح الحدود الفاصلة بين الافتحاص أو التدقيق والمراقبة الداخلية بحيث يتجلى طابع المسؤولية الشاملة للمراقبة الداخلية داخل إدارة سواء كانت عامة أو خاصة، لتشمل مجموع أنظمة المراقبة المعتمدة من أجل تأهيل مناهج التدبير المالي، الإداري، والبشري وفق معايير التي سبق تبيانها، بينما يعد الافتحاص اختصاصا رقابيا لاحقا يسعى ضمن اختصاصاته إلى تقويم عمليات المراقبة الداخلية للوقوف على نجاعتها ووثوقيتها.
ولا يقتصر التدقيق على تقويم المراقبة الداخلية، بل يستند على نتائجها من أجل إنجاح مهامه الرقابية الموازية، فالمراقب الداخلي يعتبر عونا ومساعدا يهيئ أرضية التدقيق والمحاسبة[27].
وتتجلى هذه المعونة من خلال الدور الذي تقوم به أنظمة المراقبة الداخلية عبر تأكدها المسبق من احترام الجهة الخاضعة للمراقبة للقوانين والمساطر الإجرائية وصحة المعلومات المالية، الأمر الذي سيساعد الفاحص على وضع برنامج العمل الهادف إلى تقويم مناهج التدبير على ضوء الخلاصات التي ينتهي إليها من خلال تقييمه لقوة أو ضعف المراقبة الداخلية[28].
ومن خلال ما سبق فإن الإدارة ملزمة على تتبع نظام المراقبة الداخلية خلال فترات منتظمة وقصيرة بهدف تطوير فعالية هذا النظام، إذ يمكن لهذه الأخيرة أن تعهد بوظيفتها الاشرافية إلى هيئة مراقبة مالية داخلية تتألف من مجموعة من الموظفين الذين يجب أن يكونوا مستقلين عن وظائف إدارة العمليات في المشروع ويمنحون اختصاصا قانونيا دائما وغير محدود في القيام بعمليات التدقيق الداخلي[29].
- الافتحاص أو التدقيق مراقبة التسيير:
يتضح من خلال التحديد المفاهيمي الذي سبق تناوله بخصوص كل من مراقبة التسيير والافتحاص، أن هناك تداخلا نسبيا بين هذين المفهومين، لا يمنع مع ذلك من رصد الفوارق المميزة لكل منهما سواء من حيث التقنيات المستعملة أو التوقيت المعتمد أو حتى الأهداف المرسومة[30].
فإلى جانب التباين على مستوى العمق التاريخي الذي هو في صالح التدقيق، تمتاز مراقبة التسيير بتطبيقاتها المستعملة لبلوغ أقصى درجة من النتائج الربحية باستعمال أقل الإمكانات، أي أن مراقبة التسيير تحصر طريقتها في التقييم من وجهة نظر اقتصادية، تحليلية صرفة عبر اقتصار نشاطها على مقارنة التوقعات بالإنجازات، في حين أن مقاربة التدقيق هي مقاربة شاملة تمتد لجميع جوانب التسيير بما في ذلك المشاكل البشرية[31].
وإذا كان مراقب التسيير يفكر في النتائج، فإن الفاحص يفكر في المساطر المؤدية للنتائج، كما أن المراقب ينتظر المعلومة بينما الفاحص يبحث عنها أينما توجد، وفي حين يؤازر مراقب التسيير المسؤول وينصحه، فإن الفاحص أو المدقق يراقب الإدارة بتفويض من المسؤولين، ولما كان المراقب يضع نظاما إعلاميا داخل المؤسسة، فإن الفاحص يتساءل عن جودة سيولة هذه المعلومات وعن جودة التواصل[32].
وترتيبا على ذلك يبرز أن هناك معيارا يسمح بالتمييز بين مراقبة التسيير والتدقيق (معيار الاستمرارية)، حيث تكتسي تدخلا لفحص طابعا ظرفيا ومتقطع، في حين تنخرط مراقبة التسيير في سياق الاستمرارية باعتبارها وظيفة مندمجة في التسيير وليست خارجة عنه.
لكن رغم هذه الاختلافات فهناك تقارب على مستوى الأهداف النهائية، وتتضح أيضا نقط الاختلاف بين مراقبة التسيير والتدقيق أو الافتحاص في العديد من النقط الأخرى والتي منها[33]:
- كون مراقبة التسيير تتعلل وتستدل بالنتائج Raisonne sur les résultats بينما يستند التدقيق على مسلسل التسيير، وفي الوقت الذي تستعمل فيه مراقبة التسيير المعلومات المنتجة من قبل المسيرين، يذهب المدقق للبحث عن الوقائع ويعلم بها؛
- انطلاقا من الوقائع والمستندات، تعد مقاربة التدقيق مفصلة في حين أن مراقبة التسيير تنطلق من العام إلى الخاص مع الاقتصار على النقط الرئيسة، كما يعتبر تشخيص مكامن الضعف دقيقا ومفصلا في إطار تقرير التدقيق؛
- كون نشاط مراقبة التسيير يتحكم فيه من قبل تقرير الشهري وتحليله، وكذا من قبل أولويات الإدارة العامة التي تعتمد عليها في تدخلاتها الفورية، بينما تعتبر مقاربة التدقيق مقاربة منهجية ومهيكلة وتدريجية، وتكون تحرياته موضوع برنامج عمل وأشغاله مراقبة بانتظام ويتم التصديق عليها مع الخاضعين للتدقيق.
كما تطرح أهمية تمييز مهام التفتيش عن مهام التدقيق باعتباره من المفاهيم الموازية، ويعتبر التفتيش Inspection هو مقارنة الممارسات مع القواعد والتوجيهات المعبر عنها أو الضمنية للإدارة دون تأويل أو البث في قوانينها، بينما يتجلى دور التدقيق في توضيح المشاكل من أجل حلها بهدف تحسين تقنيات التسيير باستمرار[34]، كما يتقاطع مفهوم التدقيق أو الافتحاص مع مفهوم الاستشارة Conseil الذي يتوخى الإتيان بحلول للاختلالات المكتشفة من قبل المدقق، فمهمة الاستشارة الأساسية تتحدد في تنفيذ التوصيات التي انتهى إليها المدقق في نهاية تقييمه إذ بمجرد ما يصبح المشكل واضحا تكون مهمته هي اقتراح وتنفيذ الحل التقني المناسب[35].
ثانيا: أشكال ومراحل الافتحاص أو التدقيق
أضحت عملية الافتحاص تنبني على مقاربة شمولية بالنظر للتطور الوظيفي الذي شهدته، من خلال إعمال معيارين العضوي والوظيفي، ثم التحكم في مجموعة من التطبيقات العملية لإنجاح هذه العملية سواء من حيث المراحل أو التقنيات المستعملة.
- المعيار العضوي والوظيفي في تحديد عملية التدقيق أو الافتحاص:
إن المعيار العضوي يميز بين التدقيق الخارجي والداخلي، في حين أن المعيار الوظيفي يسمح بالوقوف على التدقيق المالي والتدقيق العملياتي.
- المعيار العضوي:
يترتب عن اعتماد المعيار العضوي في تحديد أنواع الافتحاص أو التدقيق، الفصل بين نموذجين أساسيين، أحدهما ذو طابع خارجي والآخر داخلي بحيث يتمتعان معا بسمات مميزة لكل منهما في ارتباط مع الأهداف التي تحكمهما، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض ملامح التداخل التي ينبني عليها في مستويات معينة في التكامل بين الرقابتين[36].
ويهدف التدقيق الخارجي Audit externe في معناه الضيق بشكل خاص إلى التصديق على الحسابات تجاه الأغيار، ذلك أن مراجعة الحسابات هي بمثابة الاختيار الذي يقوم به مهني مستقل إلى مدقق خارج الوحدة الإدارية بغية إبداء رأي معلل حول مشروعية وصدق البيان الختامي، فهي تنتهي بشكل طبيعي عند التصديق على المعلومات المحاسبية[37].
لكن هذا التعريف عرف تطور سواء من حيث المفهوم أو مهام التدقيق الخارجي بعد أن كان منحصرا فقط في التصديق على الحسابات، بحيث أصبح اليوم الحديث عن التدقيق الخارجي من طرف مؤسسات دستورية، وتقوم بافتحاص الخارجي للعديد من المؤسسات العمومية لأنه لم يجد القطاع العام سبيلا آخر غير اقتباس هذه التقنية نتيجة للضغوط المتزايدة عليه لتحسين تدبيره والتحكم بشكل أفضل في نشاطه.
إلى جانب التدقيق الخارجي برز التدقيق الداخلي Audit interne الذي ساهمت في إيجاده مكاتب التدقيق الخارجي التي أضحت في حاجة إلى وحدات رقابية تستند عليها في ظل تنامي المهام المسندة إليها.
يعد التدقيق الداخلي نشاطا ضروريا للتحكم في المخاطر وهو بذلك مكمل للرقابة الداخلية في محاولة للتخفيف من وطء التدقيق الخارجي الذي كان مفروضا، إلى أنه ونتيجة لما ابان عنه من قدرة على الرفع من الجودة والفعالية بالمؤسسة العمومية، كما أن مجال تدخله توسع من افتحاص مالية المؤسسة إلى افتحاص مجالاتها وأنشطتها المختلفة.
وبناء عليه، مكن وصف الافتحاص الداخلي بأنه نشاط دوري تسهر عليه وحدة مستقلة يسعى للتأكد من مستوى التحكم في المخاطر المتعلقة بمجموع الوظائف والنشاطات في إدارة معينة، يتوج بإصدار تقرير يتضمن التقييم المدقق لفعالية الوسائل الرقابية الأخرى ومقترحاته لتحسين الوضع.
يستهدف التدقيق الداخلي ضمان فعالية المراقبة الداخلية بالوقوف على نقط القوة والضعف فيها من خلال التأكد من أن هذه الأخيرة أفلحت في رصد المخاطر ووضعت ميكانيزمات المراقبة اللازمة لتدبير ناجع وفعال لتلك المخاطر، ويهتم التدقيق الداخلي بالعمليات، المساطر، الأنشطة، وهيئات المنظمة بغرض تحقيق جملة من الأهداف[38]:
- هدف المشروعية أو المطابقة حينما يسعى للتأكد من احترام التعليمات؛ المساطر، والأنظمة الجاري بها العمل، حيث عمل المدقق على مقارنة الواقع بالقاعدة المرجعية؛
- هدف الأداء متى استهدف تقييم النتائج وفعالية ونجاعة العمليات والأنشطة أو الهيئات فيعبر المدقق عن رأيه في تطبيق المساطر وجودتها؛
- هدف استراتيجي في الوقت الذي تعمل على تقييم التجانس العام لسياسات واستراتيجيات الإدارة مع محيطها؛
- هدف تدبيري حينما يسعى إلى الوقوف على مدى ملائمة العمليات والبرامج للسياسات الإدارية واستراتيجيتها وتقييم الأهداف المسطرة.
بحكم الوضعية الخاصة للتدقيق الداخلي فإنه يستوجب مراعاة مجموعة من القواعد والضوابط حتى يكتب له النجاح في مهمته وبالرجوع إلى التجارب الدولية في هذا المضمار يلاحظ أن غالبية المهتمين يجمعون على اعتماد المعايير التي أقرتها جمعية المدققين الداخليين (IIA)ومن أهمها[39]:
- تحديد غرض وسلطة ومسؤولية نشاط التدقيق الداخلي بشكل واضح في إطار ميثاق خاص يراعي مبادئ وأخلاقيات المهنة وتتم المصادقة عليه من طرف الإدارة العليا؛
- الاستقلالية والموضوعية بما يمكن المدقق من إنجاز عمله دون انحياز؛
- التوفر على المهارات الضرورية وبدل العناية اللازمة للعمل مع الحرص على التطوير المستمر لهذه المهارات؛
- وضع برنامج لتأكيد وتحسين جودة التدقيق الداخلي؛
- إدارة نشاط التدقيق الداخلي من طرف الرئيس التنفيذي للتدقيق بفعالية لضمان تحقيق قيمة مضافة؛
- وضع خطط مرتكزة على المخاطر وتحديد أولويات التدقيق التي تتم الموافقة عليها من طرف الإدارة العليا؛
- التوفر على الموارد المناسبة والكافية؛
- التحديد الدقيق للإجراءات الموجهة للنشاط؛
- الحرص على إبلاغ الإدارة العليا بشكل دوري بنشاط التدقيق؛
- الاهتمام بتقييم الحكامة وإدارة المخاطر والمراقبة وفق أسلوب منهجي ومنظم؛
- الحرص عند تخطيط مهام التدقيق على تحديد أهداف المهمة ونطاقها وتوقيتها والموارد المخصصة لها؛
- العمل على التحليل والتقييم الدقيقين وتوثيق المعلومات لتحقيق أهداف المهنة؛
- ضرورة تبليغ نتائج التدقيق إلى الأطراف المعنية في الوقت المناسب مع الحرص على تبيان الاستنتاجات المتوصل إليها والتوصيات المقترحة؛
- وضع نظام لمتابعة الإجراءات التصحيحية المتخذة على إثر عمليات التدقيق.
وتختلف المهام والأهداف المسطرة للتدقيق الداخلي عن تلك المتبعة من قبل التدقيق الخارجي من خلال نقط الاختلاف التالية[40]:
- النظام الأساسي فالمدقق الداخلي ينتمي لموظفي الإدارة في حين يعتبر المدقق الخارجي مستقلا من الناحية القانونية؛
- المستفيدون من التدقيق: يعمل المدقق الداخلي لفائدة مسؤولي الإدارة نفسها، بينما يتولى المدقق الخارجي عملية الافتحاص لفائدة جميع الذين هم في حاجة إليها؛
- الهدف من التدقيق: يسعى التدقيق الداخلي إلى تقييم درجة التحكم في أنشطة الوحدة أو الإدارة ويقترح المبادرات الكفيلة بتحسينها، بينما يتوخى التدقيق الخارجي التصديق على الحسابات والنتائج؛
- الاستقلالية: يتمتع المدقق الخارجي باستقلالية قانونية ونظامية، بينما يبقى المدقق الداخلي يعاني من العديد من التقييدات؛
- توقيت التدقيق: ينجز المدققون الخارجيون مهامهم بكيفية متقطعة بينما يعمل المدقق الداخلي بشكل مستمر داخل الإدارة التي ينتمي إليها.
أما بالنسبة لمظاهر التداخل أو التكامل، فإنها تظهر في كون نتائج وأعمال التدقيق الداخلي تكون سندا لدعم التدخلات وأحكام المدققين الخارجيين من خلال تبادل التقارير، واعتماد برمجة مشتركة.
- المعيار الوظيفي:
أسفر التطور التدريجي لوظيفة التدقيق بناء على المعيار الوظيفي الذي يعكس طبيعة ووظيفة الفاحص، عن تنوع مجالات التدخل للمنظمات المهنية المتخصصة في نوعين رئيسيين:
- التدقيق المالي: Audit financier
يعتبر التدقيق المالي تعبيرا عن رأي حول مشروعية وصدق الحسابات السنوية والصورة الأمينة، التي تعكسها هذه الحسابات السنوية في مقابل نتائج عمليات السنوات الماضية وكذا الوضعية المالية مع نهاية كل سنة مالية[41].
فهو يهتم إذن بمدى كون الوثائق المالية للمؤسسة تعكس بصدق ووفاء وضعيتها المالية، وذلك في إطار احترام المبادئ المحاسباتية والمالية المتعارف عليها، والفاحص المالي يقوم في تقريره بقبول أو برفض الكشوفات الحسابية المعروضة على مراقبته ويعطي رأيه الصريح حول مصداقيتها وشفافيتها[42].
وهناك من اعتبر التدقيق المالي بمثابة الفحص الذي يلجأ إليه مهني مختص ومستقل بهدف إبداء رأي معلل حول الوفاء الذي تعكس به الحسابات السنوية للوحدة وضعيتها المالية عند اختتام هذه النتائج المتعلقة بالسنة المالية[43].
ويعد التدقيق المالي من أقدم نماذج التدقيق على اعتبار أن مجال تدخله انحصر منذ بدايته في الفحص المالي والمحاسبي بالنظر لمحدودية انشغالات المقاولة وضعف المنافسة، بالإضافة إلى الحذر الذي أبداه المسيرون بخصوص هذا الاختصاص الرقابي الحديث وتبعاته المالية.
ويبدي المدقق أو الفاحص المالي Auditeur financier رأيه من خلال الاستناد على معايير مضبوطة وهي:
- المبادئ المحاسبية المتعارف عليه ويتعلق الأمر بالمبادئ المحاسبية المشتملة على مجموع التقنيات والنصوص القانونية والتنظيمي وكذا توصيات الهيئات المهنية المختصة.
- معايير التدقيق المعتمدة والمنشورة من قبل المنظمات المهنية للمدققين الماليين الوطنيين أو الدوليين[44].
ولم تعد مهام التدقيق في الإكراهات التي أضحت تواجهها مكونات القطاع الخاص تنحصر فقط في فحص المعلومات المالية والمحاسبية لإبداء رأي حول مشروعية وصدق الحسابات السنوية للوحدة المعينة، بل امتدت لتشمل جوانب أخرى مثل (تنظيمية، قانونية، بشرية، بيئية…) وهو ما كان وراء ظهور تدقيق العملياتي.
- التدقيق العملياتي:
يمكن تعريف الافتحاص العملياتي بمثابة “الفحص المنهجي لأنشطة الوحدة بالنظر لغاياتها وأهدافها بقصد تقييم التنظيم Organisation وإنجازاته عن طريق التحقق من الممارسات غير الفعالة ثم إصدار توصيات لتحسينها”[45]. وهو يطبق كذلك في نظر البعض على جميع الأعمال من دون تفضيل تأثيرها في مسك وعرض الحسابات، ليتجلى إنجازها، وكذا المخاطر التي تحيط بقدرات المقاول أو الوحدة الإدارية في تحديد أهداف ملاءمة وتحقيقها[46].
فالتدقيق العملياتي يتجزأ بشكل عام لمساعدة الإدارة على التحكم في عملياتها والرفع من أداء الوحدة الإدارية، وهذا ما ينجم عنه تنوع كبير على مستوى أهداف المهام المطلوبة من قبل المدبرين، وبشكل ملموس، فإن التدقيق العملياتي يهتم بتنظيم الوحدة أو تسييرها أو هما معا[47]:
- تدقيق التنظيم Audit Organisation ، وهو تقييم للهياكل والمساطر وأنظمة المعلومات، ويشمل أيضا فحص تنظيم المصالح وتحديد الاختصاصات وكذا فحص نظام المراقبة الداخلية وإجراءات العمل وعلاقة الوحدة بفروعها عموديا، أو المنظمات أخرى بشكل أفقي.
- تدقيق التسيير Audit de Gestion الذي يهم تقييم أداء الوحدة، ويشمل أيضا تقييم مناهج وآليات التسيير وإبداء حكم حول ظروف استعمالها.
وعليه، فإن التدقيق وفق المعيار الوظيفي تعكس غنى هذا الاختصاص الرقابي التقييمي على اعتبار أن تدخلاته تنطلق من التصديق على الوثائق المالية والمحاسبية ومن خلال الحسابات السنوية (التدقيق المالي)، وصولا إلى التدقيق شامل لأنشطة الوحدة أو المنظمة سواء في جوانبها التنظيمية، التدبيرية، البشرية، والقانونية… وذلك بغية تشخيص واقع التسيير والأخطار المحتملة، ومن تم إعداد توصيات الكفيلة بتأهيل وتجويد طرق التدبير.
- مراحل الفحص والتدقيق:
يستدعي إنجاز مهمة الفحص أو التدقيق المرور بمجموعة من المراحل واستعمال العديد من التقنيات الهادفة إلى رصد الكفاءة التدبيرية للوحدة الخاضعة لعملية الفحص.
- مراحل الفحص أو التدقيق:
تمر عملية الافتحاص بمجموعة من المراحل المتكاملة فيما بينها والتي تتوخى تشخيص وضعية الوحدة الإدارية المعنية بعملية الفحص وتقييم أدائها، وفي نهاية المطاف تقويم مسارها المستقبلي، ويتعلق الأمر بمراحل تحديد المخاطر Identification des Risques وإعداد مخطط العمل Plan de Travail، فبرنامج العمل Programme de Travail وملف العمل Dossier de Travail، تم تقرير التدقيقRapport D’audit.[48]
وقبل انطلاق عملية الافتحاص أو التدقيق، يتولى الفاحص تحديد المخاطر المحتمل حدوثها على اعتبار أن أي وحدة إدارية كيفما كانت طبيعة نشاطها تواجه بعض المخاطر، فعلى الصعيد المحاسبي والمالي مثلا، تتأتى المخاطر أساسا من كون المعلومات المتوفرة لا تعكس بالشكل المطلوب وثوقية الوضعية المالية الحقيقية للوحدة، بسبب[49]:
- عدم القدرة على تطويق الانحرافات أو تحديدها؛
- قلة المراقبة الهادفة إلى تفادي الأخطاء وإهمال المعلومات؛
- التأخر في معالجة المعلومات؛
- ضعف تقدير الالتزامات المستقبلية.
ويتسنى للفاحص إدراك نوعية المخاطر المحتملة من خلال رصد لواقع الحقيقي للوحدة الإدارية، وكذا المحيط العام الذي تشتغل فيه، ليتمكن بذلك من البت في جميع المخاطر وتقييم أهميتها واحتمالية حدوثها لاسيما أنها ستشكل خلال المراحل اللاحقة لمهمة الفحص الأساس الذي سينبني عليه برنامج العمل من حيث مداه ومستوياته[50].
فالتقدير الموضوعي للمخاطر يعد أساسا لوضع تصور وكذا تنظيم الفحوصات الاختبارية Tests des Vérification من قبل المثقف، فإذا كان الخطر المحتمل من حيث الخطأ مقدر من قبل الفاحص على أنه ضعيف، فإن مساطر التدقيق الهادفة إلى الكشف عن هذه الأخطاء ستكون محدودة بالنتيجة، وعلى العكس من ذلك، فإذا كان الخطر المحتمل متوقعا بنسبة مرتفعة، لن تستجيب مساطر المراقبة المعمول بها لأهداف التدقيق وبالتالي ستكون مساطر التدقيق أكثر أهمية للرفع من احتمال الكشف عن الأخطاء وتحديد كميتها[51]، ومهما يكن فإن الرأي الذي يبديه الفاحص حول المخاطر المحدقة بالوحدة الإدارية الخاضعة للفحص ما هي إلا مرحلة أولية في تحضيره لمخطط العمل.
بعد أن تكون للفاحص رؤية شاملة على الوحدة الإدارية المراد افتحاصها يقوم بتحديد مخطط العمل، تم تحديد نوعية المعلومات التي يجب التركيز عليها وتجميعها وتأكد من وثوقية المعلومات، بحيث يتطلب أن تكون جميع وسائل العمل مكيفة ومنسجمة، وإذا لم يكن الفاحص مستقلا، فإن عملية الافتحاص لن تصل إلى أهدافها.
وبعد أن يتخطى الفاحص مرحلتي تحديد المخاطر المحتملة ووضع مخطط العمل على أساسها، يستعد آنذاك لمرحلة انطلاق مهمة التدقيق والتي لا تقل أهمية على اعتبار أنها تشكل جسرا استراتيجيا لتمرير هذا المخطط بل وإنجاحه طالما أن الفاحص سيعتمد كثيرا في تحرياته على المعلومات التي سيستقيها من الجهات المعنية بعملية الفحص[52].
ويلخص الأمر بمهمة L’odore de Mission مقتضيات هذه المرحلة سواء في شقيها الشكلي والتطبيقي، إذ تتولى الإدارة العامة إرسال هذا الأمر إلى الأشخاص الرئيسيين المعنيين بهذا التدخل، لإخبارهم بتدخل المدققين، وفي الوقت نفسه تذكر هذه الوثيقة الأشخاص موضوع عملية التدقيق بإلزامية مساعدة المدقق في القيام بمهامه من خلال تزويده بالوثائق أو المعلومات التي يحتاج إليها مع الحق في الوصول إلى جميع الأشخاص المعنيين بالمهمة[53].
فالأمر بمهمة على نحو الذي سبق شرحه، قد يكون قصيرا في محتواه من حيث اشتماله على بعض السطور المحددة للأهداف ومجال التطبيق علما بأن هذه الوثيقة لا تعد حصرية بل تترك المجال مفتوحا للمدققين للقيام بتحرياتهم كيفما يشاؤون، كما أن هذا الأمر قد يكون ممتدا في مضمونه إذا لم يكتفي بالإشارة إلى الأهداف ومجال تطبيق مهمة التدقيق، بل كذلك شكليات التدخل والتواريخ والأمكنة والوسائل الواجب استعمالها وحتى تلك التي لا يجب استعمالها[54].
وتظهر أولى ملامح نجاح الفاحص أو المفتحص في مهمته من خلال قدرته على جعل العاملين بمختلف المصالح التي سيتولى فحصها يتفهمون مهمته وينخرطون في إنجاحها من خلال استعدادهم لتزويده بمختلف المعلومات التي يحتاج إليها، مما سيساعده على ذلك بدرجة كبيرة، التوجه الموضوعي لتدخلاته وأحكامه يجب ن لا يقتصر فقط على إبراز مظاهر الضعف والقصور في مناهج التسيير، بل يجب كذلك سرد نقط القوة الأمر الذي يفترض توفر الفاحص على مؤهلات ليست فقط تقنية بالضرورة.
بعد توفر كل الظروف الملائمة المذكورة تنطلق عملية او مهمة الافتحاص من خلال التعريف بالأهداف المتوخاة سواء بالنسبة للإدارة صاحبة مهمة الافتحاص، وبدرجة أقل للأشخاص الخاضعين لعملية التدقيق، ليتم بعد ذلك إعداد برنامج العمل الذي يؤشر للانطلاق مرحلة التحليل المعمق تبدأ بتحليل المراقبة الداخلية، عبر فحص اختبارات الأداء Tests de Performance لاستخراج نقط الضعف والقوة، فهذه المرحلة تمكن تحديد الاختلالات، تم تحديد التحسينات أو البدائل المطلوبة ثم اختيار أكثرها نجاعة[55].
ويوظف الفاحص خلال هذه المرحلة كل مهاراته التقنية لاستغلال المعلومات التي سبق أن حصل عليها خلال المراحل التحضيرية لمهمته عبر اطلاعه على مختلف مكامن الخطر التي سبق الكشف عنها بشكل أولي، ومدى فعالية أجهزة المراقبة الداخلية في القيام بمهامها المتمثلة في توقع التجاوزات وتفاديها على اعتبار أن البيئة الرقابية السليمة تشكل عاملا إيجابيا في تقييم المخاطر التي تحيط بمناهج التسيير.
ويستعين الفاحص كذلك خلال هذه المرحلة بملف العمل Dossier de Travail باعتباره أداة أساسية تمكنه من مراقبة تقدم المهمة وعرض الأدلة التي تدعم خلاصات تقريره حيث يتم ملء هذا الملف بشكل تدريجي خلال فترات المهمة متضمنا العناصر التالية[56]:
- عرض مساطر التي تمت دراستها؛
- خلاصة كل مقابلة مع مسؤولين عن المصالح؛
- تفاصيل التحقيقات المنجزة في كل مرحلة من برنامج التدقيق؛
- الخلاصات التي ينتهي إليها المدقق.
ويجسد تقرير الفحص Rapport d’audit آخر مرحلة من مراحل عملية التدقيق لكونه يعتبر ثمرة للمختلف العمليات التي قام بها المفتحص، بحيث يخلص إلى تكوين العديد من البدائل من خلال التشخيص الذي قام به، ثم من خلال النتائج المحصل عليها ثم وضع خلاصات وأخيرا إعداد توصيات.
ومن خلال ما سبق فإن المدقق يجب أن يكون مستقلا وموضوعيا وذلك من صياغة تقريره كتابيا، يعرض فيه استنتاجه، ويكون واضحا ومفهوما ويتضمن معلومات تتوفر على أدلة الكافية ومناسبة.
نظرا لأهمية التقرير الناتج عن عملية الافتحاص ولكونه هو الجزء الظاهر للعمل الذي ستعتمد عليه الجهة المختصة التي طلبت التدقيق ولهذا يجب على التقرير أن يتضمن ما يلي[57]:
- جزء أول يصف طبيعة الاختبار أو الفحص؛
- جزء ثان يتضمن تقييم للإنجازات السابقة؛
- جزء ثالث يتولى تقييم مساطر التسيير أو التدبير والمراقبة؛
- جزء أخير يحتوي على وصف مفصل لأهم الملاحظات ويحدد مظاهر الاختلالات، وطبيعتها وانعكاساتها مع عرض التوصيات الكفيلة بإيجاد حلول مناسبة لها.
وبالإضافة إلى ذلك، يتم توجيه تقرير إلى الإدارة المفتحصة، ثم إلى المصالح المسؤولة عن الأنشطة التي كانت موضوع عملية التدقيق والذين يحظون بحق الرد Droit de réponse الذي يمارس وفق طريقتين[58]:
- بشكل شفوي وضمني خلال اجتماع الختامي الذي يتم من خلاله استعراض خلاصات مهمة التدقيق، كما يتوفر الخاضع للتدقيق خلال هذا الاجتماع على إمكانية الإقرار بوجهة نظره وتقديم التصحيحات اللازمة إذا تمكن من إقناع المدققين؛
- بشكل كتابي وصريح إذا قبل نشر تقرير الفحص، يكون الخاضع لعملية الفحص مدعوا لإيفاد أجوبته حول التوصيات الصادرة، بحيث يتم إدراج أية إجابة ضمن التقرير.
- تقنية الافتحاص أو التدقيق:
هناك مجموعة من الآليات التي يستعين بها الفاحص في إنجاز مهمته تختلف تبعا للغاية التي تحكم عملية الفحص ونوعيته، لاسيما أنه سبق التطرق إلى التنوع الوظيفي للتدقيق.
وتعتبر المقابلة l’entretien إحدى التقنيات الأكثر استعمالا في عملية الفحص، إذا يضع العمل لائحة الأشخاص الذين يتعين مقابلتهم على اعتبار أن المحادثات تعد وسيلة أساسية دائما في إتمام مهمة الافتحاص فهي تجري إما مع المدبرين أو المسيرين مع العلم أنه يتعين أن يكون عددهم مرتفعا حتى لا تفرض نظرة جزئية أو متحيزة[59].
فالقيام بمقابلة جيدة تتطلب من الفاحص أن يتحلى بالصبر والصرامة مع أحكام تحضيرها بشكل مسبق، ويستدعي ذلك أيضا أن يكون الهدف محددا بدقة لتفادي ضياع وقت المخاطب، فهو يضع أسئلة تستهدف الحصول على معلومة ناجعة لعمله على مستوى الأشخاص العاملين بالإدارة، الذين يتعين احترامهم كيفما كانت مستوياتهم ونقط ضعفهم، لأنهم يقدمون خدمة للفاحص بالجواب على أسئلته.
ومن خلال المقابلات التي يجريها الفاحص مع رؤساء المصالح، فإنه يكون رؤية واضحة حول الأنشطة الإدارة وكيف تقوم بتدبير أمورها، وكذا وضعية العاملين بها مما يجعل منها منطلقا مهما لتحضير الاستمارة Questionnaire باعتبارها تقنية مكملة لتعميق المعرفة بوضعية الإدارة في أفق تقييم المخاطر وتقويمها عبر التوصيات النهائية[60].
فانطلاقا من المقابلات يحصل الفاحص على معرفة بالوضعية الإدارية سواء القانونية، التنظيمية، البشرية، وتطورها والمشاكل السابقة والحالية على مستوى التدبير، والمراقبة وتطور نظام المراقبة الداخلية، وكذا كل المناهج سواء محاسبية أو تدبيرية.
ونجد أن Renard Jacque جزأ الاسثمارات إلى نوعين:
- استمارات الاطلاع Questionnaire de prise connaissance باعتبارها وثائق ستمكن من تجميع المعلومات التي تعد معرفتها ضرورية بالنسبة للفاحص ليتمكن من تحديد مجال تطبيق مهمته وتوقع تنظيم العمل قصد الإعداد للنوع الثاني من الاستمارات المتعلقة بالمراقبة الداخلية Questionnaire de contrôle، هذه الأخيرة يتم وضعها لاحقا عند إعداد برنامج العمل، إذ أن كل سؤال يجب أن يمكن من تحديد نقط المراقبة التي سيتم من خلالها القيام بالاختبارات التي ستسمح بدورها برصد نقط الضعف وإبداء حكم بشأنها[61].
المطلب الثاني: المراقبة التقييمية
تمثل الرقابة التقييمية أسلوب فعالا في المتابعة، من شأنها أن تساهم في تطوير آليات التدبير الجيد داخل النظام المالي المغربي.
تعتبر الرقابة التقييمية من أحدث أساليب الرقابة المالية، حيث بدأ التفكير فيها بعد الحرب العالمية الثانية، مع ازدياد دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وأصبحت رقابة مشروعية غير ذي جدوى، من هنا بدأت المراقبة التقييمية موضع اهتمام.
إن تجليات المراقبة التقييمية سيبرز من خلال بعض النظريات والمفاهيم الرقابية كمراقبة الأداء (الفقرة الأولى) تم تقييم السياسات العمومية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مراقبة الأداء
تمثل مراقبة الأداء فحصا موضوعيا تشخص به السياسات والنظم وإدارة العمليات في الجهات الخاضعة للرقابة، ويقارن من خلاله الإنجاز بالخطط والنتائج بالقواعد، بغية كشف الانحرافات وبيان أسبابها، وذلك في سبيل توجيه الأداء نحو تحقيق كفاءة، اقتصاد وفاعلية أكبر، ذلك أن عمليات رقابة الأداء تهدف إلى التأكد مما يجري أنه وفقا للقرارات والسياسات المرسومة، وأن الأهداف المقررة تتحقق بشكل فعال واقتصادي وبكفاءة عالية وعليه فإن تقويم الأداء يرتكز على ثلاثة قواعد أساسية وهي[62]:
- قاعدة فعالية أداء في تحقيق الأهداف المقررة، وهي التحقيق الفعلي للأهداف وغايات منافع البرامج الحكومية والإدارات العمومية، وذلك من خلال الاستخدام الفعلي لطرق العمل المعتمدة في تنفيذ الخطط والسياسات المقررة ويفترض أن يتم ذلك بأقل التكاليف الاقتصادية المعقولة وضمن المواعيد والمواصفات القياسية المحددة أو المخططة مسبقا.
- قاعدة كفاءة الأداء التشكيلات الإدارية والتنظيمية داخل الإدارة ومدى نجاحهم في تنفيذ الواجبات والأعمال الموكولة إليهم ويقصد بذلك تنفيذ الخطط والسياسات المقررة بخصوص كميات ومستويات المخرجات أو الأهداف لأي إدارة معينة بطريقة نظامية تساهم في تقليل الكلفة إلى الحد الأدنى دون أن تؤثر سلبا على مستوى ونوع الأعمال المنجزة.
- قاعدة الاقتصاد في استخدام الموارد سواء المادية، المالية والبشرية، وتجنب الإنفاق غير الضروري، ويهدف مقياس الاقتصاد إلى تقليص تكاليف الموارد أو إلى استعمال مداخيل الدولة المرصودة لنشاط معين مع مراعاة الجودة.
كما يعتمد مقياس الاقتصاد المطبق في استعمال مداخيل الدولة على معيار التسيير الجيد أو تبذير للموارد ومع أن هذه القواعد يمكن أن تشكل دعامات مستقلة بذاتها ومعتمدة على نفسها بشكل رئيسي، فإن نتائج تقويم الأداء تفترض ارتباط بعضها البعض.
وكما هو الحال بالنسبة لمقاييس الاقتصاد، يجب استعمال نقطة مرجعية لفهم مقياس الكفاية، كالمقارنة بين نسب المدخلات والمخرجات الخاصة بالوحدات المتشابهة من جهة أخرى فإن توافق علاقة التكلفة بالفعالية يستند على كفاية الوحدة الخاضعة للمراقبة، وكذا كفاية نشاط برنامج أو عملية معينة في الحصول على نتائج متوقعة بالمقارنة مع تكاليفها، ولا تشكل العلاقة بين التكلفة والفعالية سوى أحد عناصر الفحص الشمولي للكفاءة الذي بإمكانه أن يشمل كذلك تحليل عناصر أخرى كالفترة التي تم خلالها تسليم المخرجات مقارنة مع الوقت الذي تم فيه رفع الأثر إلى الحد الأقصى[63].
أما قاعدة الفعالية فتمكن من قياس درجة تحقيق الأهداف والعلاقة الموجودة بين الهدف المعلن والتأثير الحقيقي للنشاط من خلال مقارنة النتائج مع الأهداف المسطرة في البرنامج العمومي.
إلا أنه من المناسب أثناء مراقبة الفعالية محاولة تحديد كيفية مساهمة الوسائل المستعملة في تحقيق أهداف البرنامج العمومي، ويتعلق الأمر هنا بالتعريف الحقيقي بمراقبة الفعالية، هذه الأخيرة تتطلب أن تكون النتائج الملحوظة مطابقة بالفعل لنتائج العمل الذي قامت به الوحدة الخاضعة للمراقبة، وذلك وفق أهداف البرنامج وليس لنتائج العوامل الخارجية[64].
وعلى العموم يجب أن تبحث أجهزة المراقبة الإدارية على تحديد المجالات من حيث المردودية ضعيفة، وبالتالي تساعد الجهات الإدارية الخاضعة لمراقبتها على تحسين تدبير الاقتصاد وضمان الكفاية والفعالية[65].
وربما لن تهدف مراقبة الأداء بالضرورة إلى إصدار خلاصات حول القواعد الثلاث: الاقتصاد، الكفاءة والفعالية، إلا أن القيام بتحليل منفصل حول الاقتصاد ونجاعة النشاطات دون الأخذ بعين الاعتبار ولو باختصار فعاليتها، لن يكون مثمرا، والعكس بالعكس، ذلك أنه أثناء القيام بمراقبة الفعالية، يستطيع المراقب أو يراعي الكفاءة والاقتصادية، فيمكن أن تشهد نتائج الوحدة، أو نشاط برنامج أو عملية معينة التأثير المرغوب فيه، لكن يبقى السؤال مطروحا حول استعمال الموارد بشكل اقتصادي وناجع وقد عرف هذا التوجه نجاحا هاما في القطاع العمومي[66].
تختلف أهداف مجموع عمليات مراقبة الأداء حسب البلدان، وهي مسطرة في التشريع الأساسي لجهاز المراقبة، أو منبثقة عن قرار داخلي لهذه الأخيرة، وعلى العموم تبحث أغلب مؤسسات المراقبة عن التوصل إلى أحد هذه الأهداف أو مجموعة منها[67].
- إعطاء الهيئة التشريعية أو سلطة الإعفاء ضمانات موضوعية حول تنفيذ السياسة بشكل اقتصادي ناجع وفعال؛
- إعطاء الهيئة التشريعية أو لسلطة الإعفاء ضمانات موضوعية حول وثوقية المؤشرات أو الوثائق المتعلقة بالمردودية التي قامت بنشرها الوحدات الخاضعة للمراقبة؛
- تحديد المجالات من حيث المردودية، وبالتالي مساعدة الوحدة الخاضعة للمراقبة أو بصفة عامة الإدارة على تحسين تدبير الاقتصاد وضمان الكفاءة والفعالية؛
- تحديد أمثلة “التطبيق الجيد” وعرضها على الإدارة أو الوحدات الخاضعة للمراقبة.
وفي هذه الحالات، لا تهم عمليات مراقبة الأداء أهداف البرامج العامة، بل تفترض فحص الأعمال المنجزة من أجل تصور وتنفيذ وتقييم النتائج هذه البرامج التي يمكن أن تنطوي على فحص ملاءمة المعلومات يفضي إلى قرارات اعتماد البرامج[68].
ولهذا فحص مراقبة الأداء لا يهدف فقط إلى قياس المخرجات بل أيضا النتائج التي حصلت عليها الوحدة وبالتالي فحص التأثيرات الداخلية والخارجية وهذا ما يجسده الرسم الآتي[69]:
الفقرة الثانية: تقييم السياسات العمومية
تتجلى أهمية تقييم السياسات العمومية، في أنها تعمل على تقييم ولو بأثر رجعي التأثير الواقعي للسياسات العمومية من خلال الإنجازات المحققة، وهي مقاربة تعرف انتشارا واسعا في الأنظمة الديمقراطية[70].
وتبقى عملية تقييم السياسات العمومية من الجانب المالي صعبة جدا بالمغرب لعدم توافر كل المعطيات الضرورية حول تأثيرات كل سياسة معينة، ولهذا فإن الأخذ بأهمية آليات وتقنيات السياسة العمومية تبقى ضرورية في ظل الإصلاحات المالية من أجل التدبير الإداري المالي المبني على النتائج.
أولا: مفهوم تقييم السياسات العامة
يمكن تعريف مقترب تقسيم السياسات العمومية أنه مدى قياس الفعالية من أجل تقييم الملاءمة[71].
إن هذا المقترب يجد أهميته المتزايدة في مجال التطبيق، لكونه ينبني على احترام أربعة قواعد أساسية هي: الشمول، النظامية، الدورية الاستقلالية، وتتجسد في أربعة مراحل وهي[72]:
- مرحلة تحليل وجمع المعطيات؛
- مرحلة التحليل النقدي لهذه المعطيات؛
- مرحلة تحديد النتائج؛
- مرحلة الإعلان عن التوصيات والمقترحات لتقويم التقييم.
كما أن أهمية هذا المقترب تعود أيضا إلى اعتماده على عدة مناهج كالتدقيق ورقابة الأداء والتحاليل والأبحاث الأكاديمية المرتبطة بالعلوم الاجتماعية، لذلك فقد اعتبر هو الآخر أسلوب تجاوزيا للأسس التقليدية للرقابة الإدارية المالية، سواء من حيث الأدوات، المناهج أو الأهداف.
وإذا كانت مقاربة تقييم السياسات العمومية قد عرف تطورات هامة في الدول الأنجلوساكسونية، فإنه على العكس من ذلك واجهت عدة صعوبات في الأنظمة الرقابية اللاتينية من أجل تبنيها وتفعيلها، خاصة في فرنسا، وذلك لجملة من اعتبارات سياسية وإدارية، وأيضا للدور الذي تمثله الأجهزة العليا للرقابة في هذه الدول وتزداد الصعوبات المرتبطة بتبني هذا التوجه الرقابي أكثر بالنسبة لوضعية الدول النامية التي تفتقد في الغالب الشروط المادية والبشرية الأولية لإقرار هذا النوع من المراقبة[73].
ثانيا: دور تقييم السياسات العمومية في مجال الرقابة الإدارية المالية
من الأسس الحديثة لتحديث وعصرنة التدبير المالي والرقابي، واعتماد الحكامة المالية الجيدة هو اعتماد أسلوب تقييم السياسات العامة كمقترب وتقنية علمية حديثة لعقلنة وترشيد المالية العمومية، وقد برز هذا المقترب نتيجة للأزمات الاقتصادية، والعجز المالي الذي عرفته ميزانيات العديد من الدول[74].
وإذا كان النظام الرقابي في فرنسا يتميز بارتكازه على الجانب العقابي الردعي، فإن النظام الأنجلوسكسوني يعتمد على التدقيق والتقويم، أي أن المدقق يتحول إلى طبيب للمؤسسة أو الوحدة الإدارية، بحيث أنه يشخص يطبب ولا يعاقب، فهو يتعرف على المشاكل المطروحة.
أما في الدول النامية ومنها المغرب، يبدو أن تفعيل مقترب السياسات العمومية لازال يعترضه العديد من المعيقات في اتجاه تفعيله على أرض الواقع، فالإدارة المغربية تردد حين يتعلق الأمر بتقييم البرامج الخاصة[75]، وأن نتائج البرامج والسياسات العمومية لا تخضع لعملية التقويم بل فقط تقييم يرتكز على ملاحظات عامة وآراء سطحية للفاعلين والمتتبعين.
لهذا يجب تبني هذه المقاربة التقييمية في الدول النامية وخاصة المغرب لأنه في أمس الحاجة إليها لترسيخ أسس الحكامة المالية وقيم الشفافية والمحاسبة.
وبالرغم من أن تطبيق هذا التوجه الرقابي على الجانب المالي بالمغرب، يبقى عملية صعبة بسبب عدم توافر كل المعطيات الضرورية حول تأثيرات كل سياسة محتملة، فإن أهمية الأخذ بآليات وتقنيات مقترب السياسات العمومية تبدو ضرورية في ظل الإصلاحات المباشرة لتأهيل الإداري والمالي.
يساعد تقييم السياسات العمومية السلطات العمومية ليس فقط على المدى القصير والمتوسط، بل أيضا على المدى الطويل، فهذه المنهجية، بإنتاجها لتقييم معين، فإنها تساعد على تشكيل أساس وقاعدة للقرارات التي تهم الاستثمارات والبرامج والسياسات المستقبلية[76].
وتجدر الإشارة إلى اعتماد التقييم كمنهجية في عمليات المراقبة ليست بالعملية السهلة عند تطبيقها على القطاع العام سواء على المستوى الوطني أو المحلي، فلكي يمكن تقييم سياسة عامة يجب أن يتم تحديد الأهداف المراد بلوغها بكل دقة، كما يجب تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، وهذه الشروط غير متوفرة في أغلب الحالات في مجال التدبير العمومي[77].
ولكي تكون عملية التقييم ناجحة وتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها فيجب اعتماد منهجية صارمة في جميع مراحل العملية وذلك من اختيار السياسة موضوع التقييم حتى صياغة المقترحات والتوصيات مرورا بقياس النتائج المحققة ومدى مطابقتها للأهداف المحددة لتلك السياسة.
خاتمة:
انطلاقا مما سبق، يتضح بأن التقييم ظل هامشيا، سواء على المستوى القانوني حيث تم الاقتصار على الإشارة الى تقييم ضمن النصوص المنظمة للرقابة الإدارية، ولم يفرد له إطار قانوني خاص، أما على مستوى الممارسة فظل التقييم همه الأساس هو اعتماد على الوسائل المستعملة وكيفية تدبيرها وليس تقديم اقتراحات وتوصيات بشأن عقلنة وتجويد التدبير العمومي والرفع مردوديته، لهذا وجب العمل على إدماج التقييم ضمن البنيات الداخلية لكل الإدارات أو المؤسسات المراقبة من طرف اجهزه الرقابة لكي تسعى الى اعتماد التدبير المبني على النتائج، الذي يحتل التقييم فيه التقييم مكانة مهمة، بحيث يمكن قياس كل الأعمال والخدمات المنجزة في غياب اساسيات ومكونات آلية التقييم عند تطبيقه في الواقع العملي لهذا فإن السياسة العمومية للتقييم في كل المجالات وخصوصا الجانب المالي بالمغرب تبقى في إطار التشكل.
لائحة المراجع
– سطامبن عبدالعزيز المقرن: “تصميم أنظمة الرقابة الداخلية للقطاع الحكومي، دراسة تحليلية”، ديوان المراقبة العامة المملكة العربية السعودية 1426هـ.
– محمد حمدي محمد البربري:” نحو إطار مقترح لمراجعة حوكمة الشركات في ظل معايير المراجعة المتعارف عليها”, مجلة الرقابة المالية عدد 50, يونيو 2007.
– محكمة الحسابات الأوربية: “مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، المبادئ التوجيهية الأوربية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي للرقابة…”، ترجمة محمد حركات، الطبعة الأولى 2001،
– الهاشمي فاروق: “واقع الممارسة المالية بالخزينة العامة للمملكة المغربية”،.
– سعيد جفري: ” الرقابة المالية المحلية بالمغرب محاولة نقدية في الأسس القانونية ” السياسية، الإدارية والمالية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء 1997/1998.
– إدريس خدري: “الفحص والتدقيق الجهوي”، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد 45-2001،
– نجيب جيري: “المناهج الحديثة وعصرنة دستور المالي بالمغرب نحو تقوية رقابة الحكامة”، مجلة فقه المنازعات الإدارية، العدد 3، 2013.
– محمد حركات: “التدقيق والديمقراطية وعقدة الخواجا”، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 4927 الأربعاء بتاريخ 5 فبراير 1997.
– محمد حيمود: ” إشكالية تقييم التدبير المحلي مقاربة نقدية على ضوء التوجيهات الرقابة الحديثة”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء 2001/2002.
– نجيب جيري: “المناهج الحديثة وعصرنة دستور المالي بالمغرب نحو تقوية رقابة الحكامة”، مجلة فقه المنازعات الإدارية، العدد 3، 2013.
– عيسى عيس: ” المراقبة الإدارية في تنفيذ الميزانية العامة بالمغرب “، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدارالبيضاء 2004/2005.
– مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، المبادئ التوجيهية الأوربية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي، ترجمة محمد حركات المحكمة الأوربية للحسابات 2001،
-محمد سلكي: ” التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية “، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط 2011/2012.
-محمدمجيدي: “دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2006-2007.
– Said Himmti : « Pour une Evaluation de Politique Publique, Cas des Interventions Economiques locals R.M.D double 6 et 7 1997.
– Harakat Mohamed : « Finance publique et droit budgétaire au Maroc », Imprimer el-maarif al jadida, 1er édition 2002.
– Evaluation Politique Publique, Indicateurs de Performance, LOLF réforme de L’etat 2005 , -Conseil De L’Europe : « Le Contrôle Et L’Audit De L’Action Des Collectivités Locales Communes Et Régions D’Europe », Edition du Conseil, Strasbourg, 1999, http:/WWW.vie-publique.fr
– Laurent de Caste lbagac et Vivien jewel « Contrôle Interne ; Pour La Gouvernance Et La Maitrise Des Risques » Lettre N°38, Avril 2009 Meulettes Du Groupe Octobre- Avril 2009.
– Khoudry Driss : « Finances publiques et mangement stratégique » les editionsAl_ahmadiya Casablanca.
– EL gadiI Abdelhamid : « Audit et contrôle de gestion » imprimerie mitaqal magrib, Rabat décembre 1996.
– MouhsinBerrada : « L’audit interne tout simplement » Afrique challenge éditions 2012,
– Babier Bernard : « A quoi sert l’audit financier des services » cahiers français N°248, octobre/décembre 1990.
– KhoudryDriss : « Le guide l’audit communal : l’audit du management locale » edition maghrébines 1er 1998,
– Poisson Michel : « L’Audit : un outil De progrès au service du secteur public » revue administrative N°67.
– Collins (I) Benjellouns ; « L’audit interne : outil de compétitivité », Casablanca édition Toubkal 1994.
[1]– سطام بن عبد العزيز المقرن: “تصميم انظمة الرقابة الداخلية للقطاع الحكومي، دراسة تحليلية”، ديوان المراقبة العامة المملكة العربية السعودية 1426هـ، ص: 11.
[2]– محمد حمدي محمد البربري:” نحو إطار مقترح لمراجعة حوكمة الشركات في ظل معايير المراجعة المتعارف عليها”, مجلة الرقابة المالية عدد 50, يونيو 2007؛ ص: 24.
[3]– سطام بن عبد العزيز المقرن: ن م أ، ص: 10.
[4]– توفيق أدساسي: “المراقبة الإدارية على تنفيذ نفقات الدولة بالمغرب”، م.س، ص: 207
[5]– ن م أ، ص: 208.
[6]– Conseil De L’Europe : « Le Contrôle Et L’Audit De L’Action Des Collectivités Locales Communes Et Régions D’Europe », Edition du Conseil, Strasbourg, 1999, http:/WWW.vie-publique.fr P :17-18.
[7] – Laurent de Caste lbagac et Vivien jewel « Contrôle Interne ; Pour La Gouvernance Et La Maitrise Des Risques » Lettre N°38, Avril 2009 Meulettes Du Groupe Octobre- Avril 2009.
[8]– محكمة الحسابات الأوربية: “مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، المبادئ التوجيهية الأوربية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي للرقابة…”، ترجمة محمد حركات، الطبعة الأولى 2001، ص: 43.
[9]– ن م أ، ص: 44.
[10]– ن م أ، ص: 44.
[11]– ن م أ، ن ص.
[12]– ن م أ، ص: 46-47.
[13]– الهاشمي فاروق: “واقع الممارسة المالية بالخزينة العامة للمملكة المغربية”، م.س، ص: 287.
[14]– سعيد جفري: “الرقابة على المالية المحلية بالمغرب، محاولة نقدية في الأسس القانونية، السياسية، الإدارية والمالية”، م.س، ص: 44.
[15]– إدريس خدري: “الفحص والتدقيق الجهوي”، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد 45-2001، ص: 94.
[16] – Khoudry Driss : « Finances publiques et mangement stratégique » les editionsAl_ahmadiya Casablanca, P : 91-92.
[17] – EL gadiI Abdelhamid : « Audit et contrôle de gestion » imprimerie mitaq al magrib, Rabat décembre 1996, P : 15.
[18]– نجيب جيري: “المناهج الحديثة وعصرنة دستور المالي بالمغرب نحو تقوية رقابة الحكامة”، مجلة فقه المنازعات الإدارية، العدد 3، 2013، ص :167.
[19] – El gadi (A) : « Audit et Contrôle de Gestion », op.cit, P : 65.
[20] – Op. cit, P : 66.
[21]– نجيب جيري: “الرقابة الحديثة وعصرنة الدستور المالي بالمغرب نحو تقوية رقابة الحكامة”، نفس المرجع أعلاه، ص : 168.
[22]– محمد حركات: “التدقيق والديمقراطية وعقدة الخواجا”، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 4927 الأربعاء بتاريخ 5 فبراير 1997.
[23]– محمد حيمود: “إشكالية تقييم التدبير المحلي مقاربة نقدية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة”، م.س، ص: 303.
[24] – Carlier B, Ruprich C, : « Guide de la gestion : guide de la gestion locale organisation, évaluation contrôle » berrgerLevraul 1998, P : 134.
[25] – Op.cit, P : 134.
[26]– محمد حيمود: “إشكالية تقييم التدبير المحلي، مقاربة نقدية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة”، ن م أ، ص:305.
[27]– إدريس خدري أورده محمد حيمود: ن م أ، ص:307.
[28]– محمد حيمود: ن م أ، ص: 307.
[29]– ن م أ، ص: 307-308.
[30]– ن م أ، ص: 308.
[31] – Harakat (M) : « Le droit du contrôle supérieur des finances publiques au maroc » editionbabel, Rabat 1992, P: 51.
[32]– نجيب جيري: “المناهج الرقابية وعصرنة الدستور المالي: نحو تقوية رقابة الحكامة”، ن م أ، ص: 174.
[33] – Allegre (o), Schik (p) : « A quoi sert l’audit ? audit et management », cahairs français N°248, octobre /décembre 1990, P : 13.
أورده محمد حيمود: “إشكالية تقييم التدبير المحلي، مقاربة نقدة على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة”، ن م أ، ص : 309-310.
[34]– ن م أ، ص : 310.
[35]– ن م أ، ن ص.
[36]– ن م أ، ص : 311.
[37] – Harakat Mohamed, op.cit, P : 60-61.
[38] – MouhsinBerrada : « L’audit interne tout simplement » Afrique challenge éditions 2012, P:30.
[39]– جمعية المدققين الداخليين، المعايير الدولية المهنية لممارسة التدقيق الداخلي، ص: 14.
[40] – Bernard Jacque : « Théorie et pratique de L’audit », paris les éditions d’organisation 1994, P : 66-67-68.
[41]– Babier Bernard : « A quoi sert l’audit financier des services » cahiers français N°248, octobre/décembre 1990, P : 16.
[42] – Khoudry Driss : « Le guide l’audit communal : l’audit du management locale » édition maghrébines 1er 1998, P : 180.
أورده محمد حيمود: “إشكالية التقييم التدبير المحلي”نم. أ، ص : 315.
[43] – El-gadi Abdelhamid : « Audit et contrôle de gestion » op.cit, P : 16.
[44]– Khoudry Driss : op.cit, P: 130.
[45] – Poisson Michel : « L’Audit : un outil De progrès au service du secteur public » revue administrative N°67, P : 36.
[46] – El gadi (A) ; op.cit, P : 76
أورده محمد حيمود: م.س، ص : 316.
[47] – El gadiAbdelhamid : op.cit, P : 79.
[48]– محمد حيمود: ن م أ، ص: 318.
[49] – Collins (I) Benjellouns ; « L’audit interne : outil de compétitivité », casablanca édition toubkal 1994, p : 125.
أورده محمود حيمود: ن م أ، ص: 319.
[50]– محمود حيمود: ن م أ ، ص: 319.
[51]– محمود حيمود: ن م أ، ص: 319.
[52]– محمود حيمود: ن م أ ، ص : 320.
[53]– ن م أ، ص : 321.
[54] – BERNARD J. : « Théorie et pratique de l’audit interne », op.cit, P : 201-203.
[55] – Idem, P : 202.
[56] – KhoudryDriss. Op.cit, P: 112.
[57]– المحكمة الأوربية للحسابات، مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، م.س، ص: 179.
ينظر : KhoudryDriss : op.cit, P: 170.
[58] – Renard (J) : op.cit, P: 249.
[59]– أورده محمد حيمود: م.س، ص: 325.
[60]– محمد حيمود: م.س، ص: 326.
[61] – Renard Jacque, op.cit, p: 134.
[62]– عيسى عيس: “المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية بالمغرب”، م.س، ص: 235-236.
[63]– نجيب جيري: “الرقابة المالية بالمغرب”، م.س، ص: 211.
[64]– نجيب جيري: ن م أ، ص: 211.
[65]– مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، المبادئ التوجيهية الأوربية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي، ترجمة محمد حركات، المحكمة الأوربية للحسابات 2001، م.س، ص: 121.
[66]– نجيب جيري: ن م أ، ص: 212.
[67]– مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، المبادئ التوجيهية الأوربية المتعلقة بتطبيق معايير الأنتوساي، ترجمة محمد حركات المحكمة الأوربية للحسابات 2001، م.س، ص: 120.
[68]– ن م أ، ن ص.
[69]– ن م أ، ص: 122.
[70] – Harakat Mohamed : « Finance publique et droit budgétaire au maroc », Imprimer el-maarifaljadida, 1er édition 2002, P: 150.
[71] – Evaluation Politique Publique, Indicateurs de Performance, LOLF réforme de L’etat 2005, P :1.
[72]– نجيب جيري: “الرقابة المالية بالمغرب”، م.س، ص : 212.
[73]– ن م أ، ن ص.
[74]– محمد سلكي: “التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية”، م.س، ص : 388.
[75] – SaidHimmti : « Pour une Evaluation de Politique Publique, Cas des Intervention Economiquestocals R.M.D double 6 et 7 1997, P : 123.
أورده محمد سلكي: م.س، ص : 389.
[76] – INTOSAI : Lignes directrices pour la mise en œuvre des normes de vérification de résultats normes et lignes directrices relatives a la vérification de résultats basées sur les normes de contrôle et l’expérience pratique de L’INTOSAI/ www.intosai.org2005, P:24.
– أورده محمد مجيدي: “دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2006-2007، ص: 281.
[77]– محمد مجيدي: ن م أ، ن ص.ذ