الأمثال الشعبية و دورها في تشكيل هوية شخوص الحكاية: رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة “أنموذجا”
Proverbs and their role in shaping the identity of the characters of the story:
The novel of “The Wind of the South by Abdul Hamid Bin Haddouka” as a model
الأستاذ:د بكري هشام / المركز الجامعي: صالحي أحمد –النعامة- ( الجزائر )
Dr.Bekri HICHAM , Professor/ University center Salhi Ahmad – Naama- (Algeria)
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 66 الصفحة 31.
ملخص:
تروم هذه الدراسة البحث في خبايا الأمثال الشعبية التي تتموضع في ثنايا الخطاب و المحكي في رواية ريح الجنوب، لعبد الحميد بن هدوقة. انطلاقا من الأهمية التي اكتستها هذه الأمثال الموظفة توظيفا استيطيقيا و فنيا، منحت النص بعدا دلاليا ثرا، و تراكما معرفيا، أبان عن أبعاد سوسيولوجية، و سوسيو-ثقافية، و إيديولوجية، تجاوزت حدود الملفوظ، فجمعت بين بنيات لغوية، و بنيات اجتماعية و ثقافية، انجر عنها دلالات عدة استوقفتنا في سياق القراءة.
كلمات مفتاحية: الأمثال الشعبية، اللغة العامية، السرد، الحكاية، الخطاب، الشخوص، الثقافة، الإيديولوجيا، الدلالة، دلالة الفضاء.
Abstract:
This study aims to identify hidden proverbs from popular proverbs that exist in the folds of discourse and narration in the novel of “The Winds of the South” by Abdel Hamid Bin Hadouka. Based on the significance of these acquired proverbs, using aesthetic and artistic use, they gave the text a rich semantic dimension and an accumulation of knowledge that showed social, cultural and ideological dimensions. It transcended the boundaries of pronunciation, thus integrating linguistic structures with social and cultural structures. Several implications of this, attract our attention during reading.
Key words: proverbs, colloquial, narration, tale, discourse, persons, culture, ideology, space significance.
المثل الشعبي: تشييد الواقع و إنتاج المعنى
تشتغل الدراسات النقدية الحديثة انشغالا معرفيا جادا بتوظيفات اللغة في متن الخطاب باعتباره المكون الرئيس للحكاية ومادتها وقيمتها التي تحدد مقصديتها. وعليه فإن تمظهرات اللغة بمستوياتها المتعددة – وهنا نقصد بالمستويات: الاستعمالات المختلفة للغة التي يتداخل فيها الفصيح بالعامي، والعامي بالفصيح، والتي تشي بمنظور وظيفي يحيل إلى دلالات مختلفة، تتجاوز مستوى تركيب الجملة السردية من مستواها الأفقي إلى مستوى أشمل و أعم في أشكالها العمودية التي تسهم بشكل أو بآخر في توليد التخييل الحكائي، وتفجر الإطار العام للقصة بالأحداث التي تعبر عن وعي المؤلف و وعي المجتمع، إذا ما اعتبرنا أن النص معطى اجتماعي بالدرجة الأولى، وذلك وفق المنظور السوسيولوجي البحث. وعليه نستشف من هذا التماثل في المستويات( خاصة بين الفصحى و العامية) سماته الثقافية والاجتماعية، وقيم الحياة والمعيشي، المبتذل والمتميز، الفردي والجماعي، والتي بدورها تقودنا إلى الاستطيقا المنشودة: داخل نص- خارج نص.
إن مفهوم اللغة داخل النص، بإطاراتها المحددة لسرديتها و إنتاجياتها للمعنى الواسع، تجعل الحكاية متعلقة بأشكالها الأدبية التي تساعد الناقد على إدراك التجربة الواقعية أو المتخيلة، أو على ضوء هذه التنويعات التي تنتجها اللغة.
ومن هنا نحسب أن توظيف العامية كمستوى من هذه المستويات بما تحمله من موروث شعبي و ثقافي وسوسيو ثقافي، هو من قبيل التعبير عن الانتماء و الانتساب، واحترا م خصوصية البيئة التي أطرت النص وأحاطته بسياقاته المختلفة، فالمؤلف قبل أن يكون مبدعا، هو إنسان ابن بيئته ويتكلم بلغته بما تحمله من خصائص ومضامين تتفرد بها عن غيرها. ف “العلاقة بين الرواية ولغتها علاقة انتماء بديهية وإن تعددت روافدها الثقافية والتعبيرية بالاقتباس أو التحويل أو المزج، فهوية الرواية هوية اللغة التي كتبت بها”[1].
فاللغة هي مادة الرواية، وعندما نحقق هويتها، نحقق كذلك هوية الرواية التي تعبر عن خصوصيات المجتمع الذي نشأت فيه. فيغدو توظيف الأشكال العامية بهذا المفهوم ضرورة و ليس عبثا أو توظيفا مجانيا، ينتهي بانتهاء الموقف أو السياق الذي وظفت من أجله، و إنما يتعداه إلى طرح مشروع ثقافي و رصيد معرفي، يحمل إرثا لسانيا ونفسيا واجتماعيا و تاريخيا يبحث في حدود الذات وخبايا الإنسان، وخوالج النفس المتحدثة التي تكشف بشكل أو بآخر عن محيطه و بيئته، عاداته و تقاليده و ثقافته. و لذلك يلجأ الكاتب إلى هذه الصيغ العامية حتى تستوفي الحكاية حقها من كل الأشكال الأدبية التي تكمل بعضها البعض. و من ثم فإن استنطاق الموروث الشعبي من الكلام اليومي المتداول و الأغاني الشعبية و الأقوال المحكية و الأمثال الدارجة على ألسنة العامة، غالبا ما يكون لها حضورا دالا في سياق تداعيات الشخوص، الأفضية و الأزمنة، بما يضفي على السياق عمقه الدلالي الذي يتناسب مع الإيقاع العام للأحداث. و هكذا ما ينفك الكاتب يُفَعِّل أدواته عبر لجوئه المتواتر لمثل هذه الاستعمالات التي يتخذها أداة للكشف عن رؤية الإنسان الشعبي لواقعه المعيش، مما يضفي على ملفوظ الشخوص نوعا من الألفة والعفوية. و لكنها في الوقت ذاته، هي ليست استئناس بالمحكي، أو مجموعة من المقولات التي تفقد عمقها و دلالتها لحظة القول، و إنما هي خطاب جاد يعبر عن رؤية أو (رؤية للعالم)، و “الرؤيا هي القدرة على الكشف و الخلق وإزالة ماحجبته عنا الألفة و العادة”.[2]
و عليه فإن توظيف اللسان العامي في الحكاية خاصة في شقه المتعلق بالأمثال الشعبية، يعد مزية تثري المدونة و سرودها، و تمنحها دلالات إضافية، و طاقات أسلوبية و بلاغية تستحضر جانبا من جوانب الثقافة الشعبية و التي تكسب الحدث طابعه الخاص و المتفرد. فليست الرواية بما تتضمنه من خطاب “رسما للمشاهد كما وقعت، أو إعادة للحكاية مثلما حكيت، بل تجاوزتها إلى ما يسمح بتشكيل عناصر الواقع في سياق نصي مفارق يحقق لذة القارئ، تزامنا مع نمو لذة المتخيل النصي. و عبر النّبش في مخزون الخطاب السردي و التّتبع لمحافله الإبداعية، القصصية منها و الروائيّة، كانت لنا وقفة مع الرّؤيا التي تركت بصمتها ووشمها على جسد الخطاب وأضافت نكهة جديدة…و التي ساهمت في نسج علاقات دلالية غير مألوفة، لأن حركية المعرفة تساؤّل وتجاوز وكشف و تثوير، كما ساهمت هذه الرؤيا في خلق صور سردية لها كيانها المكثّف للطاقة الدلالية والجمالية” .[3]
وضمن هذا المعطى توسلنا في دراستنا هذه الموسومة ب: الأمثال الشعبية و دورها في تشكيل هوية شخوص الحكاية: برواية ريح الجنوب لصاحبها عبد الحميد بن هدوقة، على اعتبار أنها ثرَّة بالمقبوسات و الأمثال الشعبية، خاصة و أن البيئة الحاضنة لهذه المأثورات كانت مناسبة للمادة الشعبية المذكورة فيها، فأحداث القصة تدور في فضاء ريفي أحاط بشخوصها، ففــرض مشترطــاته و مقتضياته بمــا يحملـــه مـن خصــائص علــى بنــاء الحــــــــوار الــداخـلي ( المونولوج )، أو الحوار البيني حسب السياق، فاستوجب ذلك حضور أشكال تعبيرية تنم عن خصوصية الفرد المتأثر بحيثيات المكان. فكان أحد هذه الأشكال: الأمثال الشعبية و التي كانت تصدر من أفواه قائليها بلسان عامي في الغالب، أو بلسان هجين بين الفصيح و العامي أو العامي المهذب. و لا مشاحة في أن بن هدوقة نفسه تعمد توظيف هذه الأمثال في نصه، و هو لا ييتوانى عن الإفصاح بذلك، مبينا علة التوظيف، إذ يقول: “أوردت المثل، وذكرت السياق الذي يقال فيه ، ولاحظت مدلوله الأخلاقي والاجتماعي كلما بدا لي ذلك ضروريا ، ثم أتيت بمثل أو أمثال مشابهة له ، أو أشعار ، تؤيد رؤية صاحب المثل ، وتبين اشتراكه مع غيره في تلك الرؤية ، خاتما الشرح والتعليق بالجانب اللغوي ، عندما أرى ذلك مناسبا ، أو ضروريا ، كما لم أغفل القصص المتعلقة بالأمثال ، سواء لأهميتها الاجتماعية والحضارية ، أم لطرافتها وأسلوبها إذا كانت من القصص القديمة. والغرض من ذلك هو إعطاء الكتاب صبغة أدبية ، تحبب القارئ في مطالعته ، وتمكنه من الدخول إلى عالم الأدب الشعبي والأدب العربي القديم.”[4]
المحكي الشعبي و تجلياته في الشخوص و المكان:
لقد ساهمت الأمثال الشعبية في امتلاء شخوص حكاية رواية الجنوب، خاصة العجوز رحمة، و التي كانت تعبر عن كيان إنساني و شعوري و معجمي يتعدى حدود المكان الضيق إلى رحابة الثقافة الرسمية و غير الرسمية، “فالمثل فوق كونه خلاصة لتجارب إنسانية طويلة، وفوق جماله اللفظي وبلاغته، فهو صورة مباشرة لأحوال المجتمع المتداول فيه”[5]. فكانت تحتفي بشكل أو بآخر بالذاكرة و الوجدان الجمعي و الأدب الشفهي، فها هي ذي تقول: “ناكلو فالقوت و نستناو فالموت”[6]. فهذا المثل على بساطته لم يقم دعائم شخصية كانت من دعامات الحكاية فحسب، بل شكلت افتتاحيتها، و طرحت نظرة استشرافية صادقت النهاية و وافقتها، فكانت تأسيا و سندا فنيا لها. فلا عجب أن يطالها الموت بوقار في مشهد يحيلنا إلى قولها الأول الذي كان يشبه الحكمة: “ناكلو فالقوت و نستناو فالموت” مثلما طال الموت شخوصا فاعلة أخرى. فلم يكن ليصدر هذا المثل الشعبي، و يَتَخضب بالحكمة إلا لتتحقق نبوءته في النهاية، خاصة و أن رحمة القائلة، كانت معروفة بحسن البصيرة عند أهل القرية، فهي ” لا تكذب و لا تنافق، و إن تحدثت تحدثت صدقا”[7].
و من جانب آخر فإن إسقاط هذا المثل على الحيز الذي أطر الحكاية كان مناسبا لهذا المقام، فكان انعكاسا للحياة البسيطة التي كان يعيشها جل أهل القرية. فهو لا يعبر عن رأي فردي، و إنما رأي جمعي سيطرت عليه فكرة تحصيل القوت ليس إلا، و ذلك في انتظار قدر الموت. و لذلك جاء هذا المثل على لسان رحمة بصيغة الجمع لا صيغة الفرد، و كأنه صدر بألسنة أهل الجماعة في قرية “تدشن المقابر بدل المعامل”[8].
و هكذا يتمثل المتلقي هذا المثل الشعبي تمثلا فنيا دراميا، كونه غطَّى مساحة الحكاية كما سبق و أن أشرنا إلى ذلك آنفا، و من جانب آخر يتمثله تمثلا فلسفيا عقديا، فهذه الحكمة الشعبية تلخص موضوعا فكريا شغل بال الفلاسفة و المفكرين، فكان هذا المثل في ثنايا هذه القصة من الأهمية بما كان، إذ لم ينحصر ذكره في باب القول الذي يسد فراغا أو فجوة ينتهي بانتهاء الحديث. فالحياة التي يحياها أهل القرية تشبه الموت. إما موتا إكلينيكيا جسديا، بسب الظروف و المسوغات التي كانت تحيط بالمكان، مثلما طال عابد بن القاضي و ابنته زوليخة ورحمة صاحبة القول نفسها، أو موتا معنويا، كان يسلب بهجة الحياة و أنسها من دون أن يسلب الروح، فأحاق برابح و نفيسة التي عاشت عيشة ضنكة بسبب المعترضات التي واجهتهما أثناء سير الأحداث تصاعديا، و إن كاد يفعل ذلك و يطالهما حقا. فالأول نجا بأعجوبة من طعنة عابد بن القاضي، والثانية نجت من الموت انتحارا. فلا غرو أن يصدر الخطاب إذن ممن توفيت، و تتوجه به إلى من كاد أن يموت، أو مات هما و غما بفعل الواقع المعيش والأحداث التي فرضت نفسها من دون هوادة على العشير. ففعلا كان الكل “يستنى فالموت”، بكل ما يحمله هذا المثل الشعبي من معنى القدر والغبن و الشقاء. و لذلك يخترق أسماع مالك شيخ القرية قول أحد الأصدقاء: “دع الموت يبكي ضحاياه، إن حاجة الأحياء إليك تفوق حاجة الأموات”.[9] في حوار تصدره مشهد القبر. “فالطريق الموصلة إلى المقبرة هي الوحيدة التي لا تكثر فيها الانعراجات و الصعود و الهبوط في هذه القرية! و المكان الذي تقع فيه المقبرة أحسن موقع، اعتدالا و انشراحا”[10].
و على أساس هذا المنظور، نستنتج أن رحمة و نفيسة امتلأتا بهذا المثل امتلاء فنيا و حسيا، فسارا على نهجه، أو كمن فرض منطقه عليهما من البداية إلى النهاية: القائل و المستمع، فلم تقله الحكيمة العجوز اعتباطا، و إنما قالته استشرافا للأحداث التي وقعت فيما بعد. إنه انعكاس لواقع الحياة، و واقع الحكاية. و في هذا الخضم كان يفكر شباب الريف في “حياة أخرى غير التي عرفتها القرية. حياة تقوم على العجلة و المحرك لا على الأقدام والفأس…”[11].
و في ظل هذه الأحداث المتنامية نحو التراجيديا، يلجأ الكاتب إلى تقنية الهروب من راهن اللحظة المشحون بالصراع، و الإفلات من بؤرة النزاع في رغبة منه إلى الانعتاق من الواقع المفعم بالسوداوية، فيقحم شخصية لا دور لها في الحكاية إقحاما، و من دون مبررات سوى أنها تقول مثلا شعبيا ليكسر به الصورة القاتمة التي فرضت سلطانها على الأحداث، فيعبر في لحظة فارقة بقوله: ” إذا شبعت الكرش تقول للراس غني”[12].
و كأنه يريد بهذا الإقحام أن ينتشل الموقف كله من رتابة المشاهد المتوالية. و لذلك هَبَّ الجميع هبة واحدة في مقام هذا المقال إلى الرقص و الغناء بمجرد أن قال القائل هذا المثل الشعبي. و ذلك من منطلق أن الحكاية كانت تحتاج إلى من يفك وفاقها مع الدراما المتصاعدة، لاسترجاع قليلا مما ضاع أو سيضيع. و لذلك دبَّ هذا المثل الشعبي بما يحمله من معاني تراثية و شعبية، الفرح في النفوس و جعلها تجنح إلى اللهو و المرح على أنغام المزمار وتصفيق الحضور. وعليه فإن هذا المثل لم يقف عند حدود الذكر العابر، بل تعداه إلى التأثير النفسي و الذهني إن على مستوى الشخوص الورقية -بحسب تعبير رولان بارث- و إن على مستوى المتلقي و الذي يكون قد اكتفى بقتامة الصورة المقدمة له.
وضمن هذا المعطى نحسب أن هذا المثل الشعبي بالذات جاء تعقيبا على المثل السالف الذكر، فإذا كان الأول ” ناكلو فالقوت و نستناو فالموت” يعبر عن الحتمية و القدرية، فإن الثاني: ” إذا شبعت الكرش تقول للراس غني” جاء ليشير إلى حظ الشخص من الدنيا في مقابل الإيمان بالقدر. خاصة و أن جلّ الأمثلة التي توسطتهما تجنح إلى معنى المثل الأول و الذي يميل إلى الجدية والصرامة، بل و إلى السوداوية على حساب معنى المثل الثاني، و الذي كان قصده من وراء الذكر: المرح و الفرح و الترويح عن النفس. فكان محطة لكسر رتابة الأحداث و مأساتها، حتى و إن كان ذكرا عارضا لم يقف عنده السارد كثيرا. و لكنه كان مهما في ثنايا المواقف التي كانت تتوالى في اتجاه تراجيدي محض، ليقول شيئا من فرح أو غبطة أملتها الضرورة الفنية التي كانت تنتصر لمفهوم انعكاس الواقع الذي يجمع بين البهجة و الشقاء، كما هي الحياة تماما. و إن كان سير الأحداث يجنح دائما إلى التراجيديا. فكانت الأمثال الشعبية هي خير من يعبر عن هذا الواقع.
أما فاتحة الأمثال التي جاءت على لسان رحمة في ثنايا هذه القصة فكان: “ما يدري بالمزود غير اللي نضرب بيه”[13]، فلقد أبان هذا المثل عن حكمة الخالة رحمة، و ذلك في معرض الحوار الذي دار بين هذه الأخيرة و نفيسة. فلقد تعمد الكاتب أن يقدم هذه “الرحمة” على أساس من الحكمة و الوقار، فلم يجد -بدا في رأينا- أفضل من هذا المثل الشعبي الذي يعكس حصافة قائله و حسن تدبيره. فإذا كان هذا القول التراثي يفصح عن الألم الذي لا يحس به إلا من ذاق مرارته، فإنه في المقابل يفصح عن الدراية و المعرفة و الخبرة التي تتولد بفعل الدُرْبَة المريرة، و التجربة المصحوبة بالألم.
لقد احتوى هذا المثل الشعبي شخصية الخالة رحمة بما مرَّ و ما سيمر عليها. فهي تبدو من الوهلة الأولى متزنة في أفعالها، حكيمة في أقوالها.. حكمة اكتسبتها بفعل الممارسة الطويلة في هذه الحياة ” فحكاياتها و ما تحمله، و ما ترويه من أمثال و طرف، و صفاء روحها و قناعتها، كل ذلك يجعل نفيسة تحبها، و يجعل جميع من يعرفعا يحبها و يبجلها”[14].
لقد عبّر هذا المثل الشعبي عن نباهة رحمة و فطنتها، بل و كان مسوغا لتقديمها في ثوب العالم بخبايا الرسوم ” و كانت الرسوم سوداء من صبغة أعدتها، هي لا تزول مهما قدمت الآنية و استعملت. وكان رابح ينظر بإمعان وإعجاب ما تكشف له العجوز من خبايا الرسوم و رموزها. و لاحظ رسما يشبه إطار الغربال أو الطبل و في وسطه شكل منجل فسألها عن مدلوله مشيرا بإصبعه له…فتنهدت العجوز بعد أن أمعنت مليا في الرسم: هذا يا بني العام الذي باع فيه الحاج صالح رأسه على القرية”[15].
بخلاف مستواها التعليمي الذي لا يسمح لها بذلك، فهي لا تعرف القراءة و لا الكتابة. فهذا المثل أعطاها شرعية، و نوعا من المصداقية التي ستجعل المتلقي يتقبل فكرة التفاسير و الشروح التي تقدمها الأمية رحمة بمُكْنَة العارف، الماهر بشؤون الرسوم و فك الرموز، و لولا هذه النظرة الاستباقية التي أحاطت برحمة الأمية من خلال قولها لذلك المثل الذي جعلها حكيمة، متمرسة عَلَّمَها الزمن، لاعتقد القارئ أن عبد الحميد بن هدوقة تلبس شخصية رحمة و تحدث بلسان هو ليس لسانها. إذ لا يمكن لمن هو في مثل مستوى هذه الشخصية في الحكاية، أن تقدم شروحا تكاد تكون أكاديمية لا يقدمها إلا مثقف متخصص بمجال النقد و نقد الفن. فلقد شكل هذا المثل “مفارقة زمنية سردية تتجه إلى الأمام بعكس الاسترجاع، و هو تصوير مستقبلي لحدث سردي سيأتي مفصلا فيما بعد، إذ يقوم الراوي باستباق الحدث الرئيسي في السرد بأحداث أولية تمهد للآتي و تومئ للقارئ بالتنبؤ و استشراف ما يمكن حدوثه، أو يشير الراوي بإشارة زمنية أولية تعلن صراحة عن حدث ما سوف يقع في السرد”[16].
و من هذا المنطلق تعد رحمة تاريخ القرية و أنسها، و امتدادا لحاضرها، فلا غرو أن يقدم الكاتب هذه الشخصية على أساس أنها حكيمة حتى و لو كانت أمية. و دعامة هذه الحكمة التي بررت علمها بشؤون الحياة و اطلاعها بثقافة الفنون، هي المأثورات و الأقوال الشعبية..” قامت العجوز من مكانها بعد أن أزاحت القدر عن النار و اتجهت إلى زاوية مظلمة بالبيت فأخذت آنيتين، إحداهما صحفة كبيرة تشبه القصعة القديمة، و الأخرى عبارة عن صحن صغير جديد مازال علك الطاقة ( اللوبان ) الذي تطلي به الأواني بعد إخراجها من الفرن لامعا عليه، و قربت الصحفة، وقالت: انظر هذا الرسم هو السنة القاحلة، أرأيت. إنها سوق الزرع بلا سنابل. و هذا الشكل هو (ريح التركة)، أرأيت هذه الشمس المظلمة التي لها مخالب. هي المرض يا بني و هي الموت الذي خرب بيوتنا”[17]
وفي هذا السياق جاءت الأمثال الشعبية الأخرى على لسان رحمة، لتقلب الموازين من كونها امرأة بسيطة ساذجة يؤطرها فضاء ريفي بسيط ( خاصة كما قدمها السارد في البداية)، إلى امرأة ناضجة رصينة لا تقول إلا رأيا سديدا.
لقد جاءت الأمثال الشعبية في رواية ريح الجنوب ضمن ثنايا الخطاب الذي يحتاج إلى التأويل. فتحديد المسافة بين مستوى اللغة و مستوى الخطاب في الرواية يحيلنا إلى تحديد مسارات اللغة، و هي تنحو نحو الاستنجاد بالقاموس العامي، كآلية من آليات التجريب و التوثيق و التوظيف الجمالي، و التي تسهم في خلق تعدد فضائي و صوتي و مشهدي ضمن هذه المقامات التداولية التي تنتقل بين هذين القاموسين، و التي تجعلنا في الأخير نعيد القراءة بين هذا و ذاك، و فهمنا لطريقة كل واحد منها و صياغتها، و هذا ما يتجسد فعلا في رواية ريح الجنوب.
و من جانب آخر، احترم الكاتب الخاصية اللغوية المحلية للفرد القروي من خلال توظيف الأمثال الشعبية التي عكست هوية المنطقة، من قبيل المثل الشعبي الذي ورد في خضم السرد: “إضرب امرأتك دائما، فإن لم تكن تعرف لماذا فهي تعرف”[18]، فالمرأة تحتل مكانة ثانية في أعراف البدويين و القرويين، ” فهي في حياة العامة بين الرجال مضرب الأمثال الساخرة القاسية، التي تجعل منها مخلوقا حقيرا، يوصف بالجبن و الغدر و الخيانة. فالرجل إذا تحدث عن زوجته لرجل آخر قال: زوجتي حاشاك. أو إذا غضب فشتم من أغضبه قائلا: يا وجه المرأة ، أو آخذك كالمرأة، أو إذا مازح شخصا آخر أوصاه ضاربا له المثل الشائع: اضرب امرأتك دائما، فإن لم تكن أنت تعرف لماذا، فهي تعرف”[19] .
و بخلاف الأمثلة الشعبية الأخرى التي وردت على ألسنة شخوص الحكاية، فإن هذا القول (إضرب امرأتك دائما، فإن لم تكن تعرف لماذا فهي تعرف) ورد على لسان السارد في معرض الحديث عن المرأة المغبونة في فضاء ذكوري بامتياز، لا يعترف بحقوق الانثى و لا كرامتها. إنه اعتراف صريح بهذا الغبن و الإقصاء باستعمال تقنية الرؤية من الخلف. فهو يشي بعنوان تنضيدي آخر للعنوان الرئيس من خلال هذا المقوال الذي يغطي مساحة الرواية من بدايتها إلى نهايتها، فهو يلخص مسار شخصية نفيسة البطلة التي وأدتها الظروف، و قتلت أحلامها بسبب رياح الجنوب التي عصفت بآمالها و طموحاتها. فكان هذا المثل تفسيرا لكل ما تعرضت له نفيسة في مسارها الذي اتسم بالقمع المعنوي قبل المادي.
و في ظل سيطرة الفضاء الريفي على المشهد الحكائي، ببساطته و سذاجته ورد مثل يعكس أصالة هذا المحيط و مورده الأساس المتمثل في الأرض على لسان قائله، كما كان يردد أبو الطاهر عن الطاهر مصدر الفخر و الاعتزاز و الغبطة، فكان أهلا لتشبيهه بالأرض رمز العطاء و السخاء، فكان يقول بمناسبة و غير مناسبة “الولد الصالح مثل الأرض الصالحة إن لم تربحك الربح الكثير فلن تخسرك”[20]. و في نهاية المطاف، تلقفت الأرض الصالحة روح رحمة المرأة الصالحة، بعدما انتظرتها كما ورد على لسانها بالضبط، حينما قالت المثل الشعبي الذي أفصحت فيه على أن الموت في انتظار الجميع، مثلما كان ينتظرها غير بعيد عن الزمن الذي بدر فيه خطابها الملء بالحكمة. فهذه التربة الصالحة بقدر بساطتها و كرمها إلا أنها ترصد الأنفس، كما ترصد الأحداث و تترقبها تباعا لتجعل لها نهاية. نهاية الأرواح التي تمهد رويدا، رويدا لنهاية الحكاية. و لكي يستوعب النص الحكائي حكايته، كان لابد من أن يضع حدا لشخوص القصة حتى يدرك خاتمته، و مآله الذي كان يجب أن يصل إليه من دون زخم في الشخوص. فكانت القصة أرضا تستنى ( تنتظر ) موت هؤلاء لتحقق قدرها في النهاية. مثلما يأتي القدر على الحياة.
لقد استعان هذا النص الحكائي بالأمثلة الشعبية لتلعب دورا في إثراء المعنى و “الميل إلى الرمز و التلميح دون التصريح و الكناية دون الإفصاح”[21] التقريري الفج، و الابتعاد أحيانا عن الأكاديمية الفنية في فضاء كان يستوجب أن يجنح بين الفينة و الأخرى إلى المثل الشعبي ليعبر عن لسان أهل المنطقة. و لعل هذا ما جعل خيرة (أم البطلة) في موقف نفسي ظهر فيه التباين العلمي و الثقافي والفكري بينها و بين ابنتها نفيسة إلى أن تُصرح بما يجول في خاطرها، و تعبر عن انزعاجها مما آلت إليه العلاقة: أم- بنت، أو بنت- أم، بمثل شعبي بسيط لخص ضيق القائل و معاناته. فأبانت خيرة بعقلية الفرد البسيط المرتبط بعاداته و تقاليده عن إطارين معرفيين متفاوتين، فقالت محكيا شعبيا بسيطا بدون مدركات معرفية مسبقة: جرح الكبد لا يضر إلا صاحبه[22]. فعبَّر هذا المثل عن انتماء الأم لهذا الفضاء الذي يشتمل على مقولات شعبية من هذا القبيل، و في المقابل أبان عن ألمها النفسي و عدم رضاها للفصلة التي ما فتئت تكبر بين البنت المتعلمة تعليما أكاديميا، و بين الفضاء الريفي الذي طالما احتواها و يحتويها الآن جسدا لا فكرا. “فمنذ أن عادت من الجزائر و هي لا هم لها إلا الكتب و الغناء أو البكاء أحيانا كالمجنونة”.[23]
لقد قالت خيرة بلسان الأم ما قالت لتبدي انزعاجا و ألما لا يشعر به إلا من ذاق ويلاته. فكان هذا المقوال خير معبر للحظة النفسية العصيبة التي تمر بها العلاقة الأسرية في أسمى روابطها. أم- بنت.
إن المثل المنقول على لسان القائل لم يلخص الحالة الشعورية للأم فحسب، و إنما أشار بالبنان أيضا إلى الدوامة التي دخلت فيها نفيسة ( البنت ) بسبب مستجدات الحاضر، و ضيق المكان الذي لم يعد يسع طموح البنت المتمردة، و أفق تفكيرها و تصوراتها التي تعدت عـادات الــقرية و تقــالــيدها المــفروضة في إطارها الضيق. فهو يعبر –أيضا- عن وجدان نفيسة المقهور من غير أن يقوله لسانها. فكان محل تبئير لأفعالها و تداعيتها و محاوراتها النفسية. بل إن دعائم القصة تقوم على: جرح الكبد لا يضر إلا صاحبه، أو بالأحرى يضر نفيسة.
لقد كانت نفيسة باعثا في قول والدتها لهذا المثل من حيث كونها المخاطب إليه، أو المعنية بالخطـاب، فمـن جهة، هـي من كــانت علــة الجـرح و مسوغــا للألـم الــذي شعـر به المخاطب ( الأم)، ومن جهة أخرى فإن معاني هذا المثل تكاد تنطبق عليها، فهي من تمثلت تداعيات هذا المثل و عاشت انعكاساته، فكانت كمن قالت المثل أو اقتفت أثاره أكثر من القائل نفسه، فإذا اغتاظت الأم من جرح كبدها، فإن استياء البنت في حد ذاته كان أعمق و أغور. إن بؤرة هذا المثل تكمن في أنه جمع قائل المثل مع المعني به، أو المشار إليه بالقصد من وراء القول، فشملهما بالتعبير عن نفسيتهما، فالأم مغتاضة من ابنتها نفيسة فعبرت عن امتعاضها: بجرح الكبد. و نفيسة البنت مغتاظة من الظروف التي تحيط بها، فعبر مثل (جرح الكبد) عن آلامها من غير أن يتفوه بها لسانها، و لكنه يتحقق في ما حدث و يحدث لها بكل معانيه. فالأم تعيش جرحا بسبب البنت، و البنت تعيش جراحا بسبب ما تؤمن به الأم و ما يؤمن به أغلب شخوص هذا الفضاء الريفي.
و هكذا تأسست فاتحة الرواية على الجرح و الألم الذي بدأ من شكوى الأم من ابنتها. فكانت حيلة من الكاتب ليوجه عين القارئ إلى سبب يستحق التركيز. فلم يجد خيرا من ذلك المثل الشعبي ليعبر عن تأفف الأم، فيغدو ألما عظيما في عين المتلقي، و يشير بطريقة مباشرة إلى ضرورة تتبع مسار شخصية أنثى تتمرد على الأم أولا، و الأعراف ثانيا، في فضاء يصعب فيه التمرد. فنستقبل هذه الشخصية على هذا الأساس. فإذا ماتتبعنا دربها وجدنا أن المثل الذي قيل من أجلها، ينطبق عليها و كأنها هي القائلة، بل و تشعر نفيسة بجرح الكبد أكثر من قائلة المثل نفسها بسبب الحياة القروية التي تجعل من الأرض و الجاه و المال و البنون في مرتبة أعلى و أجل من المرأة. “فهي لم تجد أي نقطة للمقارنة بين هذه الحياة الساذجة البسيطة التي يحياها أهلها و كل سكان القرية، وبين الحياة الحضرية المعقدة التي عاشت منها قليلا لدى خالتها بالجزائر و قرأت عنها كثيرا في الكتب والقصص السينمائية..أين هذه الحياة …إنها لا تفكر في أن تتزوج بالبادية و تحيا فيها حياتها”[24].
و عليه جمع هذا المثل المتكلم و المقصود بالخطاب، و ذلك لسبب فني محض يجعلنا نلتفت إلى من كان يجب أن نقتفي أثره بعد أن نأخذ من الشخصية الثانوية (الأم) ما كان يجب أخذه منها، فلا تظهر بعد ذلك إلا في لحظات فارقة، و كأنها خلقت لتقول ما يحيلنا إلى الشخصية البطل… فسارت نفيسة على خطى ذلك الألم و ما وشى به المقوال الشعبي من معاني كانت مناسبة للموقف الدرامي الذي وسم الحكاية.
لقد خدم هذا الصراع: الحبكة و غذَّ أحداثها، و صعد بها إلى الذروة. و البداية في رأينا كانت من الحوار الذي دار بين المرأة المسنة رحمة و الأم خيرة، و ذلك حينما تحدثتا عن جموح نفيسة، و تغير طباعها بعد عودتها من الجزائر العاصمة أين كانت تدرس بالجامعة. فكان هذا الحوار تصديرا لما سيجري لاحقا، فكل ما سيدور من أحداث كان دعامته ما قيل بين المتحدثتين عن تمرد البنت، بداية من رفضها تقديم يد المساعدة من أجل خدمة البيت، و انتهاء بإمساكها عن تأدية واجب الصلاة. إن جِدَّة هذا المثل في الحوار تكمن في كونه مَثَّل العضد الذي سيعطي للقارئ العنصر الأساس الذي ستبنى عليه الحكاية. و حتى يجعل الكاتب من نشوز البنت أمرا جللا في القصة، استعان بلسان الأم لتعبر عن امتعاضها من نفور البنت، ذلك لأنه إذا صدر من أقرب الأقرباء فهذا يعني أن الأمر جسيم. و أن هذا التمرد سيكون له تبعات مؤثرة في الأحداث.
ثم كان لا بد من أن يبدي فردا من أفراد العائلة رفضا و شجبا مما تفعله نفيسة حتى يكون ما تقوم به البنت منافيا لتقاليد القرية و أعرافها، فيغدو ذلك في ذهن القارئ خرقا للعرف. فلا غرو أن يأتي المثل بعدما قدمت القصة بطلتها في ثوب الساخطة، الماقتة مما يجري في محيطها. “حتى النوم لا استطيع أن أنام ليتني لو نمت حتى تنقضي هذه الشهور..كل شيء هنا يحرم الخروج. حتى الشمس. لكن أي فائدة في الخروج إلى الخراب؟ أظن أن القنابل الذرية التي يتحدثون عنها لا تستطيع أن تجعل مكانا أشد خرابا من هذه القرية..الصمت، الصمت، أكاد أجن من هذا الصمت. قد تكون يقظة الموتى في أجداثهم تشبه يقظتي هذه. جدران أربعة و سقف من خشب وصمت، أكاد أختنق من هذا السكون”.[25]
و من هذا المنظور استوفى الغلاف (غلاف الرواية) أيضا، معنى المثل السالف الذكر، فكان بيئة حاضنة له و بامتياز. فصورة المرأة التي تتصدر واجهة الحكاية نخالها نفيسة، و هي تتخذ وضعية تلخص المثل المذكور. فنفيسة منكفئة على نفسها أمام بيت مهترئ و هي مكسورة الملامح. لا يأبه بها أحد، وسط فضاء ريفي بسيط لم يعد أنموذجا رحبا و مناسبا يلبي حاجياتها الثقافية التي تجاوزتها بمعرفتها و اطلاعها، و رحلتها إلى الجزائر العاصمة.
فرضت أحداث القصة نفسها على الغلاف، فارتسمت معاني جرح الكبد كما قيل على ملامح المرأة، فانطبع الأسى على كل تفصيلة من تفاصيل جسدها المكروب، و عليه تجسدت دلالة هذا المثل على الواجهة إيذانا بتصاعد دراما الحدث نحو آفاق لا حدود لها..
إن المكونات الثقافية التي اكتسبتها نفيسة جعلتها تعيش فصلة مع الحيز الذي لم يعد أنموذجا يستوعب طموحها و جموحها، و من أجل ذلك، جعل الكاتب فضاءه فضاء سوداويا قاتما، و مجحفا، فضاق بشخوصه جميعا، ليلقي بحمولته و قتامته على المشهد برمته، و على هذا الأساس تصدر المنزل واجهة الغلاف ليشير إلى الأصل الذي نشأت فيه نفيسة. “فالبيت هو ركننا في العالم، إنه كما قيل مرارا، كوننا الأول، كون حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى”[26]. و لذلك لم يتخط بن هدوقة الاستهلال الذي كان يجب أن يشير إليه في الغلاف، فانصرف إلى الأصل الذي ترعرت فيه نفيسة، فصوَّر منزلا مهترئا يدل على سذاجة الريف و بساطته. إن الإشارة إلى المكان كان مهما، و ذلك حتى ترتبط الصورة جيدا في ذهن المتلقي، فتغدو الأحداث بعد ذلك في المتن مؤسسة على الفضاء، مهد الحكاية و دعامة سرودها، و لذلك جاء الغلاف موافقا للمتون و ليس مخالفا لها، فانتشرت معاني الصورة في النص منذ الوهلة الأولى، و بادرت إلى توثيقها من دون أن تتوان عن التصريح بذلك، فالحيز برمته كان عنصرا فاعلا في دفع أحداث الحكاية، و تصدر المشهد قبل الشخوص الفاعلين. فما فتئ يشكل الخلفية التي تستوعب المشهد، حتى يلقي بضلاله مرة أخرى و يحشر نفسه كذات فاعلة في كل ما يحدث. فبقدر ما يحضر المكان، بقدر ما تتشابك الأحداث وتتغذى بالدراما و السوداوية، لتذهب في الأخير إلى ما تريد أن تصل إليه.
و لذلك في الوقت الذي يشعر فيه القارئ بالانفصال الذي كان من الممكن أن يحدث بين البطلة و المكان، بفعل محاولة هروبها منه. تتمسك القصة مرة أخرى بفضائها، فكان يبسط هيمنته على كل التفاصيل، فما انفك ينسحب رويدا، رويدا لصالح مكان آخر غير القرية، حتى عاد مرة أخرى و احتوى نفيسة، حينما جعل لها ركنا قصيا، توارت فيه عن الأنظار لمدة من الزمن. فيعلن عن نفسه و يوثق حضوره على أساس مادي يفرض طوقه على شخوص الحكاية خاصة البطلة، و يأبى أن يتخلى عنها لصالح مكان آخر يختلف عنه في التفاصيل، فتؤثر في الحبكة بما لا يخدم توجه القصة.
و عليه تبدأ الأحداث من الريف و تنتهي إليه. فكان خديما للنص و متورطا بشكل صريح وعلني في بناء الدلالة، فشكَّل محور التصور الايديولوجي الذي تأسست عليه الحكاية، انطلاقا من الهيمنة التي بسطها على جميع المستويات: النفسية و الاجتماعية و الثقافية. و كأنه لا يوجد حرية في نطاق المكان و سلطته التي تقلص الاختيارات إلى أدنى مستوياتها.[27] حتى أن القارئ “لا يكاد يحس مرة واحدة، أنه يقرأ شيئا على هامش الهدف الذي حدده المؤلف لروايته، و هو هدف تحديد حالة القرية و الريف اجتماعيا و نفسيا في صدق و واقعية”[28]. و لذلك قالت نفيسة قولا يكاد يشبه المثل و هي تتحدث عن الريف لتعبر عن سوداويته و نزقه و دوره في تقييد أدوارها في الحياة: ” كل شيء يحرِّم الخروج، حتى الشمس”.[29]
لقد أخذ هذا القول صبغة المثل، أو هو قول شعبي تخضب بلسان فصيح. فهو يحاكي القول العامي: ” وين (أين) ما تطلش الشمس” دلالة على صعوبة المكان من الناحية المادية و المعنوية. فالحيز المشار إليه بالبنان يتبوأ مكانة من يصادر الحرية، و يستولي على الأبدان فكرا و جسدا، فلا نساء تطاهلن شمس الحرية في هذه القرية.
لقد كان هذا القول بما يحمله من معنى، علامة فارقة من الانتقال بين مكانين يختلفان في كل شيء. فضاء الذاكرة الذي لم تعد تنتمي إليه إلا في وجدانها، و تتماهى فيه عبر سريرتها، فتستذكر شيئا من دراستها، حريتها و انطلاقها بالجزائر العاصمة، و فضاء يكتنفها و يستهلك أيامها، و لا يود أبدا أن يمنحها شيئا مما منحتها المدينة و المدنية من استقلالية و حرية. فهذا القول يكشف عن سجلات الذات و نمط عيشها في هذا الحيز الذكوري، الذي يقصي المرأة و يضعها على هامش الحياة، بطريقة مباشرة، تقريرية، و تسجيلية، حتى تصل الصورة واضحة بــدون إبهــام أو عجمــة. فقوام الحكــاية يكمن في النزق الذي يمارسه الريف على الحلقة الأضعف في معادلة: رجل_ امرأة. وعلى هذا الأساس جاء هذا التصريح ليرسم خريطة الحكاية من البداية بدون التباس. فلا يكون ذلك من قبيل التمويه الذي يجعل القارئ يترقب تغييرا في مسار القصة. و لكن البطلة جعلته قولا فصلا، و بثت فيه من البداية، فلا مجال لانتظار ما يعكس أفق القارئ و توقعه، في سبيل تعاطف قد يعقده من الوهلة الأولى، أو أمل يعززه من أجل أن يفك المكان قليلا أو كثيرا من قيوده على نفيسة.
و من هذا المنظور تولى هذا القول مسؤولية التبشير و الإعلان عما سيكون عليه هذا المكان، بكل ما يحمله من حيثيات، تجعله قاسيا و ظالما بما فيه من الكفاية التي تصنع منه حدثا. و اختصر من البداية كل الصفات التي جعلت الريف يصادر الشمس. فماذا بعد مصادرة الشمس؟ .
و هكذا تحدد طرفا الصراع مباشرة بعد قول نفيسة الجلل، و تجلت قيمة الفضاء من الوهلة الأولى، لا من الناحية الطوبوغرافية فقط، و إنما من حيث القيمة التي تجشمها من الوهلة الأولى، بوصفه مكانا دخل في صراع أو في فصلة ( فصلة معنوية ) مع الذات البطلة.
و ضمن هذا المعطى، تجلت قيمة الفضاء القروي بحضوره المكثف، و بوصفه دلالة انبثقت منه دلالات أخرى. و نحسب أن الذي جعل حضوره طاغيا هو الإبانة التي صدرت من المبالغة التي جعلت القرية حصنا يعاند طموحات الشابة، و يقف عائقا أمام أحلامها.
إن أهمية هذا القول الشعبي تكمن في كونه أعطى تكثيفا دلاليا و فائضا معنويا، منح صورة مبالغا فيها، كان من الواجب أن يقدمها القاص بهذه الصفة حتى تتأصل من البداية فكرة أهمية المكان و تأثيره في الإنجاز الدرامي للحكاية. و لقد تكفل -في رأينا- هذا المقوال على صغر حجمه، بتحقيق مقاصد الخطاب و تقديم ما سيكون عليه المكان في سطوته على الأحداث و الشخوص، ووفق هذا التحديد “يغدو البحث في فضاء النص غير منفصل عن البحث في الفضاء بصفته مقولة حكائية. إنه يتداخل مع مختلف عمليات إدراكه و تمثله، و كل ذلك يساهم في تدقيق الرؤية الفضائية المقدمة من خلال العمل الحكائي..و يتحدد هذا الفضاء من خلال عملية تخطيب المادة الحكائية، و تقديمها من خلال خطاب معيين.”[30]
إن البنى الشكلية للأمثال الشعبية على الرغم من أنها بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها شكلت قواما سرديا، و عضدا حكائيا استشرت معانيه في كل الأحداث السابقة و اللاحقة. فأدت الأمثال الشعبية وظيفة “هندسة الأجزاء و بنائها و ربطها ببعضها، بهدف الوصول إلى تحقيق تأثيرات فنية و انفعالية معينة”[31]. و هكذا بدت هذه الأمثال مصدرا هاما في إثراء التجربة الإنسانية و الرمزية، خاصة و أنها جمعت بين الإيجاز و التكثيف، فألفيناها ترتفع إلى مرحلة الشمول، و تقارب حركة الحياة و تجارب الناس[32]، و هكذا أفاد النص من هذا التهجين الثقافي الذي شكل بؤرا ثقافية، ارتقت بالخطاب من مستوى لساني مباشر إلى مستوى إنساني و إيديولوجي، يحاول إعادة الإنتاج الأدبي و الروائي، ضمن معطيات جمالية تغني البعد العلاماتي، “فالمادة التي سيكون علينا مواجهتها، في حيادها الأول، هي على العموم عبارة عن ركام من الأحداث داخل فضاء الخطاب، و من هنا يبرز مشروع وصف الأحداث الخطابية كأفق للبحث في الوحدات التي تتشكل فيه”.[33] فاللغة ليست “إسقاط مباشر على مستوى اللغة لموقف معين، أو مجموعة من التمثيلات، أو مجرد إشراك لعدد من العناصر و القواعد اللسانية”[34].. و إنما هي آلية من آليات التجريب التي “تنقل الخطاب الروائي من معيارية النثر إلى انزياحية الشعر فيمنحها إمكانات قرائية متعددة”[35]. هذا من جهة، و من جهة أخرى فإنها تأخذ على عاتقها معاني جديدة لا تكف عن طرح مشروع لغوي يتبنى سجلا شعبيا هو من الأهمية بما كان. و على هذا المنوال “تتكشف الأحداث، و تتضح البيئة، ويتعرف القارئ على طبيعة التجربة التي يعبر عنها الكاتب”[36].
فلا غرابة، أن يتوسل عبد الحميد بن هدوقة – إذن- بهذا الرصيد الثقافي، و يتكأ على قاموس لغوي ينطلق منه، ليوافق الواقع، و يبتكر عوالم جديدة، و عناصر لغوية تستوعب الشخوص، المكان و الزمان، و ينفتح على إمكانات اللغة التي تستوعب كل أشكال السرود، فما يقوله الأدب في إطاره الشعبي من معاني قد لا يقوله الأدب الرسمي. فالعامية أو اللهجة هي كيان ثقافي يتبنى أطرا زمانية و مكانية و إيديولوجية تشي بما لا تشي به نظيرتها اللغة الرسمية دائما، فتتبنى تقنيات تكشف عن أنظمة فنية قائمة بذاتها. و إذا كانت اللغة المكتوبة فاقدة للحياة من منظور أفلاطون مقارنة بالمنطوقة، فإن اللغة في رواية ريح الجنوب اكتست بالحياة، لأنها احترمت المقام و السياق و الشخص الذي قال أمثاله في الوقت الذي كان يجب أن يقول فيه ذلك، فنتج عن القول منجزات أدبية و فنية، شكلت موضوعا عرَّج إلى ما وراء اللغة البسيطة أو الساذجة التي تستوعب بذور الوعي الأكاديمي، الفلسفي، بصبغة شعبية، مثلما جاد به لسان الحكيمة رحمة في الرواية، بقولها: ناكلو فالقوت، و نستناو فالموت. “ذلك أن النص الروائي و الأدبي عامة مزدوج الشفرة أو التسنين، لأنه يحقق ائتلافا بين المادة النسقية التي تمثلها اللغة الطبيعية، و المادة الخارجة عن النسق، والخارج-لغوية و التي تتمثل في السنن الثقافية و المعايير الاتفاقية و التقاليد الأدبية الموروثة أو المكرسة”[37].
فلا جرم أن تنفتح الرواية إذن على هذه الأشكال العامية التي تحاول أن تتسلل بين ثنايا المحكي، “فالرواية صياغة بنائية مميزة، و الخطاب الروائي لا يمكن أن يتحدد بالحكاية فحسب، بل بما يتضمن من لغة تحوي أكثر من الحكاية و أبعد من زمانها و مكانها و من أحداثها وشخصياتها. الرواية ليست لها لبنات أخرى تقيم منها عالمها غير الكلمات”.[38]
الخاتمة:
لقد تجلت أهمية الأمثال الشعبية في كونها خلقت اتجاها لغويا و معرفيا، عبَّر عن منظومة فكرية و اجتماعية، تعدت حدود استحضار الموروث الشعبي، من أجل الإبلاغ أو الإخبار. فكانت عتبة من العتبات التي أعطت للرواية توازنها اللغوي الذي كان لا بد من إدراجها في فضاء يستدعي هذه الكينونة اللغوية، و التي منحت القارئ بنية نصية دالة، و وظائف جمالية. فكانت نصوصا حاضنة للنص المحكي في حد ذاته، و اتخذت مكانة “القوى التي تصنع المعنى”[39] التي تتوجه إلى القارئ الضمني حسب تعبير فولفانغ آيزر،[40] قبل القارئ العادي، على اعتبار أنها تعالج مواقف الحياة التي تمثل فلسفة الفرد و الجماعة.
قائمة المصادر و المراجع:
* عبد الحميد بن هدوقة، ريح الجنوب، دار القصبة للنشر، الجزائر، دط، 2012.
المراجع:
المراجع المترجمة:
1_ أرسطو، فن الشعر، ت إبراهيم حمادة، مكتبة انجلو المصرية، القاهرة، 1983.
2_ آيزر فولفانغ، آفاق نقد استجابة القارئ في كتاب نظرية الأدب “القراءة، الفهم، التأويل، نصوص مترجمة، دار الآمان، المغرب، ط1، 2004.
3_ بول كلافال، المكان و السلطة، ت عبد الأمير شمس الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت، ط1.
4_ س رفندران، البنيوية التكوينية “تطورات النقد الأدبي”، ت خالدة حامد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، بغداد، 2002.
5_ غاستون باشلار، جمالية المكان، ت غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، لبنان، ط2، 1984.
6_ ميشال فوكو، حفريات المعرفة، ت سالم يغوت، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1987.
المراجع العربية:
1_ ثريا العسيلي، أدب عبد الرحمن الشرقاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995.
2_ حفيظة أحمد، بنية الخطاب في الرواية النسائية الفلسطينية، منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، فلسطين، ط1، 2007.
3_ سعيد يقطين، قال الراوي ” البنيات الحكائية في السيرة الشعبية”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 1997.
4_ صفية بن زينة، توظيف العامية في النصوص الروائية رواية ذاكرة الماء، لواسيني الأعرج نموذجا، مجلة الكلم، مختبر اللهجات و معالجة الكلام، جامعة وهران، ع 07، ديسمبر 2018.
5_ عبد الفتاح عثمان، بناء الرواية ” دراسة في الرواية المصرية”، مكتبة الشباب المنيرة، القاهرة، 1982.
6_ عبد الحميد بن هدوقة، أمثال جزائرية “أمثال متداولة في قرية الحمراء ولاية برج بوعريريج”، الجزائر، 1992.
7_ فائز الداية، جماليات الأسلوب “الصورة الفنية في الأدب العربي”، دار الفكر، دمشق، ط2، 1966.
8_ قطوس بسام، مقاربة نصية في الأدب الفلسطيني الحديث، دار الشروق، عمان، 2000.
9_ محمد مصايف، الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية و الالتزام، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر، 1983.
10_ نبيل حلمي شاكر، أمثالنا الشعبية، خطوات للنشر و التوزيع، سوريا، ط1، 2004.
11_ يمنى العيد، فن الرواية العربية، دار الآداب، بيروت، ط1، 1998.
المجلات:
_ الأخضر بن السايح، من المعنى إلى الرؤيا- في الخطاب السردي المعاصر-، مجلة الأثر، عدد خاص ” أشغال الملتقى الوطني الأول حول اللسانيات و الرواية، جامعة الأغواط، 22/23 فيفري، 2012.
[1] يمنى العيد، فن الرواية العربية، دار الآداب، بيروت، ط1، 1998، ص54.
[2] الأخضر بن السايح، من المعنى إلى الرؤيا- في الخطاب السردي المعاصر-، مجلة الأثر، عدد خاص ” أشغال الملتقى الوطني الأول حول اللسانيات و الرواية، جامعة الأغواط، 22/23 فيفري، 2012، ص 45.
[3] الأخضر بن السايح، من المعنى إلى الرؤيا- في الخطاب السردي المعاصر-، مجلة الأثر، ص 45.
[4] عبد الحميد بن هدوقة، أمثال جزائرية “أمثال متداولة في قرية الحمراء ولاية برج بوعريريج”، الجزائر، 1992، ص 9.
[5] المرجع نفسه 13.
[6] عبد الحميد بن هدوقة، ريح الجنوب، دار القصبة للنشر، الجزائر، دط، 2012، ص 17.
[7] الرواية، ص 77.
[8] الرواية، ص 74.
[9] الرواية، ص 66.
[10] الرواية، ص 21.
[11] الرواية، ص 51.
[12] الرواية، ص 67.
[13] الرواية، ص 16
[14] الرواية، ص 16
[15] الرواية، ص 152
[16] حفيظة أحمد، بنية الخطاب في الرواية النسائية الفلسطينية، منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، فلسطين، ط1، 2007 ص 240
[17] الرواية، ص 151
[18] الرواية، ص 239
[19] الرواية، ص 239
[20] الرواية، ص 86
[21] نبيل حلمي شاكر، أمثالنا الشعبية، خطوات للنشر و التوزيع، سوريا، ط1، 2004، ص، 9
[22] الرواية، ص 31
[23] الرواية، ص 31
[24] الرواية، ص 37-38
[25] الرواية، ص 6
[26] غاستون باشلار، جمالية المكان، ت غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، لبنان، ط2، 1984، ص 36
[27] ينظر بول كلافال، المكان و السلطة، ت عبد الأمير شمس الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت، ط1، ص 13
[28] محمد مصايف، الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية و الالتزام، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر، 1983، ص 15
[29] الرواية، ص 6
[30] سعيد يقطين، قال الراوي ” البنيات الحكائية في السيرة الشعبية”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 1997، ص 297
[31] أرسطو، فن الشعر، ت إبراهيم حمادة، مكتبة انجلو المصرية، القاهرة، 1983، ص 54
[32] ينظر فائز الداية، جماليات الأسلوب “الصورة الفنية في الالأدب العربي”، دار الفكر، دمشق، ط2، 1966، ص 190
[33] ميشال فوكو، حفريات المعرفة، ت سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2، 1987، ص 26
[34] المرجع نفسه، ص 92
[35] قطوس بسام، مقاربة نصية في الأدب الفلسطيني الحديث، دار الشروق، عمان، 2000، ص 160
[36] عبد الفتاح عثمان، بناء الرواية ” دراسة في الرواية المصرية”، مكتبة الشباب المنيرة، القاهرة، 1982، ص 199
[37] صفية بن زينة، توظيف العامية في النصوص الروائية رواية ذاكرة الماء، لواسيني الأعرج نموذجا، مجلة الكلم، مختبر اللهجات و معالجة الكلام، جامعة وهران، ع 07، ديسمبر 2018، ص 09-10
[38] ثريا العسيلي، أدب عبد الرحمن الشرقاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995، ص 287
[39] س رفندران، البنيوية التكوينية “تطورات النقد الأدبي”، ت خالدة حامد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، بغداد، 2002، ص 70
[40] آيزر فولفانغ، آفاق نقد استجابة القارئ في كتاب نظرية الأدب “القراءة، الفهم، التأويل، نصوص مترجمة، دار الآمان، المغرب، ط1، 2004، ص71. …و لذلك فإن دور القارئ الضمني يجب أن يكون نقطة الارتكاز لبنيات النص التي تستدعي استجابة.