
مقال نشر بالعدد الثاني من مجلة جيل حقوق الإنسان ص 71 للباحثة طاوسي فاطنة/ السنة الأولى ماجستير- تخصص: حقوق الإنسان و الحريات العامة/ جامعة ورقلة
للاطلاع على العدد الكامل اضغط على غلاف المجلة:
مقدمة :
تعتبر مسألة حماية البيئة قضية محلية إقليمية أكثر منها قضية مركزية وذلك نظرا لقرب الهيئات المحلية من الواقع وخصوصيات مكونات البيئة التي تتميز بها ،حيث تختلف هذه المكونات بين الولايات والبلديات الساحلية عن الولايات والبلديات الداخلية والصحراوية ، ونظرا لأن موضوع حماية البيئة تحكمه مجموعة من القوانين العامة والخاصة ،التي تتدخل في عمليات تطبيقها عدة هيئات ، فإنه من الطبيعي أن يكون لهذه الهيئات امتداد جهوي ومحلي على مستوى الولايات والبلديات تحت تسميات ومهام مختلفة ،حيث تلعب هذه الهيئات دور المنسق الفعال والعملي بين مختلف المتعاملين في مجال البيئة ،وتعتبر البلدية والولاية هما المؤسستان الرئيسيتان في مسألة حماية البيئة نظرا للدور المؤثر الذي ينتظر أن تؤديانه في هذا المجال بحكم قربهما من المواطن وإدراك مسؤوليها أكثر من أي جهاز آخر طبيعة المشاكل البيئية التي يعانيها السكان ، وفي الجزائر ،يعتبر دستور 1996 حسب المادة 15 منه ،أن الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية والولاية ، و أن البلدية هي الجماعة القاعدية ، وهذا ما يعكس صورة حية للامركزية الإدارية ، وقد أسندت التشريعات لكليهما عدة صلاحيات ومهام في مجال حماية البيئة ، بحيث تقوم بتنفيذها وفق النصوص القانونية الصادرة في هذا الشأن ،وتبعا للوسائل البشرية والإمكانيات المادية المهيأة لهذا الغرض ، وعليه فحق لي أن أتساءل عن : مدى فعالية و آثار جهود الجماعات المحلية في حل المشكلات المرتبطة بالبيئة ؟ ويتفرع عن هذا التساؤل ،تساؤلات فرعية تتمثل في :
ماهي صلاحيات تدخل الجماعات المحلية في مجال الحفاظ على البيئة و المكرسة بمختلف التشريعات الجزائرية ؟ وإلى أي حد يمتد النطاق الذي تعمل في إطاره هذه الجماعات بغية حماية البيئة ؟
المبحث الأول: دور الولاية في الحفاظ على البيئة
تتعدد الهيئات العاملة في مجال حماية البيئة وأهمها الولاية التي تعتبر جماعة عمومية إقليمية تشكل مقاطعة إدارية للدولة ، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ، ولمعرفة الدور الذي تلعبه الولاية كهيئة لامركزية في حماية البيئة ومجالات تدخلها في هذا الميدان على المستوى المحلي ،فإنه ينبغي دراسة الصلاحيات التي تمارسها سواء بموجب قانون الولاية 90/09 أم بموجب القوانين المتعلقة بالبيئة .
المطلب الأول : اختصاصات الولاية المتعلقة بحماية البيئة في قانون الولاية
تعتبر الولاية هيئة إدارية تتربع على جزء من إقليم الدولة ولها اختصاصات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، وللولاية هيئتان هما : الوالي و المجلس الشعبي الولائي وهو مجلس منتخب يعد هيئة المداولة في الولاية، أيضا للولاية إدارة توضع تحت الإدارة السلمية للوالي وتكلف بتنفيذ مداولات المجلس الشعبي الولائي وقرارات الحكومة ، ويتولى الوالي التنسيق العام للإدارة،حيث يمثل بذلك السلطة التنفيذية على مستوى الولاية وهو الممثل المباشر كذلك لكل وزارة إذ يقوم بتنفيذ القوانين في إطار الامتداد الاقليمي للولاية[1]، والولاية مكلفة بموجب القانون 90/09 وقوانين سابقة بصلاحيات تندرج ضمن المفهوم العام لحماية البيئة منها مايلي :
الفرع الأول : صلاحيات الولاية من خلال قوانين الولاية السابقة لقانون الولاية 90/09
وتظهر من خلال مايلي:
أولا:قانون الولاية رقم 69/38 لسنة 1969 : وقد حمل مؤشرات توحي ببداية اهتمام السلطات العمومية بقضايا حماية البيئة على الصعيد المحلي حيث أسند للولاية بعض الصلاحيات منها : أنه طبقا للمواد 74 و 75 و 76 أصبح المجلس الشعبي الولائي: يشرع في كل نشاط يمكن أن يساعد على استثمار الأراضي الخالية وحماية التربة واستصلاحها،يشجع التجديد الفلاحي ويسهل تهيئة المساحات الفلاحية ويتخذ كل مبادرة لمكافحة أخطار الفيضانات ،يشرع في جميع أشغال التهيئة والإصلاحات الصحية والتصريف بقصد المساهمة في الحماية الاقتصادية للولاية ، يشجع ويسهل كل عملية للتشجير في تراب الولاية ،يشرع في كل عمل يرمي إلى تأمين حماية الغابات وتوسيعها تسهيل إنتاج مشاتل الغابات ، ومنه فالمشرع كرس الأطر العامة لحماية البيئة بصفة عرضية بمناسبة تحديد اختصاصات الولاية .[2]
ثانيا: قانون الولاية رقم 81/02 : ويعتبر تعديلا للقانون المذكور سابقا ونلاحظ أن الصلاحيات المنوطة بالولاية والمتعلقة بحماية البيئة هي ذاتها في كل من القانونين، وقد اعتمد المشرع على سياسة الإرجاء حيث نصت المادة 172 مكرر منه على أن تحديد اختصاصات الولاية بالنسبة لكل قطاع يصدر بمرسوم ،فتم إصدار نصوص تنظيمية لاحقة [3]منها:
أ/ المرسوم التنفيذي رقم 87/143 الذي يحدد قواعد تصنيف الحظائر الوطنية والمحميات الطبيعية ويضبط كيفياتها ،وأكدت الم 3 منه على أنه يمكن لأي شخص أن يطلب من الوالي فتح دعوى لتصنيف حظيرة أو محمية طبيعية بتراب البلديات.
ب/ المرسوم التنفيذي رقم88/149 الذي يضبط التنظيم المطبق على المنشآت المصنفة ويحدد قائمتها ،وتنص الم3منه على ضرورة حصول أي منشأة واردة بالقائمة على الترخيص أو التصريح من قبل الوزير المكلف بحماية البيئة والوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي حسب حجمها ومستوى التلوث.
ج/ إلى جانب تلك المراسيم ،يعتبر أهم قانون صدر لتكريس دور الجماعات المحلية في حماية البيئة القانون رقم 83/03 المتعلق بحماية البيئة ، والذي نص على أن المجموعات المحلية تمثل المؤسسات الرئيسية لتطبيق تدابير حماية البيئة وتحدد كيفية مشاركتها بموجب نصوص تشريعية أوتنظيمية.[4]
الفرع الثاني:صلاحيات الولاية في ظل قانون الولاية رقم 90/09 :
وقد صدر سنة 1990 ومنح صلاحيات أوسع للولاية في مجال حماية البيئة ،وهو ما أكدته الم 58 منه بالنص على أن اختصاصات المجلس الشعبي الولائي بصفة عامة تشمل أعمال التنمية وتهيئة إقليم الولاية وحماية البيئة وترقية فصائلها النوعية،كما نص على اختصاصات تتعلق بحماية البيئة يقوم بها المجلس الشعبي الولائي منها :مشاركته في تحديد مخطط التهيئة العمرانية ومراقبة تنفيذه ، تجسيد كل العمليات التي ترمي إلى حماية وتوسيع الأراضي الفلاحية ،تشجيع تدابير الوقاية من الكوارث و الآفات الطبيعية ،يتخذ كافة الإجراءات ضد أخطار الفيضانات والجفاف ،يبادر بكل عمل يرمي إلى تنمية الأملاك الغابية كالتشجير وحماية التربة ،مكافحة الأوبئة في مجال الصحة الحيوانية ، يسهر على تطبيق أعمال الوقاية الصحية [5].
أما بالنسبة للوالي فلم يتعرض قانون الولاية إلى تحديد اختصاصات له في مجال البيئة ،لكن أشارت الم 96 على أنه مسؤول على المحافظة على النظام والسكينة العامة والسلامة هذه الخيرة التي تشمل سلامة البيئة ،كما نصت الم 83 و84 على أنه ملزم بمتابعة وتنفيذ قرارات المجلس الولائي بما فيها المتعلقة بحماية البيئة ، وعليه فنلاحظ أن الصلاحيات الواردة في هذا القانون جسدت بصورة جلية الاهتمام بحماية البيئة.[6]
المطلب الثاني : اختصاصات الولاية في قوانين البيئة
الولاية مكلفة في نصوص قانونية أخرى بصلاحيات أيضا تندرج ضمن المفهوم العام لحماية البيئة ومنها :
الفرع الأول : صلاحيات الولاية في ظل قانون رقم 03/10لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة:
وقد أسند للولاية بعض الصلاحيات المتعلقة بالمحافظة على البيئة وعناصرها الطبيعية والصناعية، و منها : تلقي الولاية كل معلومة تتعلق بعناصر البيئة والتي من شأنها التأثير على الصحة العمومية من قبل أي شخص بحوزته معلومات بهذا الخصوص ،تسليم الوالي لرخص إقامة المنشآت المصنفة وذلك تبعا لأهميتها وحسب الأخطار التي تنجر عنها ،ويخول أيضا للوالي رفض تسليم الرخصة إذا ما تبين أن نشاط المنشأة مضر بالبيئة ،كما يؤكد نفس القانون على أنه يشترط لتسليم الوالي الرخصة ضرورة إخضاع صاحب المنشأة لتقدير دراسة التأثير ولتحقيق عمومي ودراسة تتعلق بالانعكاسات المحتملة للمشروع ، وإذا نجمت أخطار من استغلال منشأة غير مصنفة يعذر الوالي المختص إقليميا صاحب المنشأة ويحدد له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأضرار المثبتة بناء على تقرير من مصالح البيئة ،وإذا لم يمتثل المستغل في الأجل المحدد يأمر الوالي بوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة[7] ، أيضا أكد هذا القانون على أنه يتلقى الوالي محاضر حول العقوبات المتعلقة بالمؤسسة المصنفة والممارسات ضد البيئة ،ويحرر تلك المحاضر ضباط الشرطة القضائية ومفتشو البيئة في نسختين إحداهما ترسل لوكيل الجمهورية والأخرى للوالي وذلك لإحاطته علما بأي مساس بالبيئة ليتخذ ما يراه ضروريا في إطار صلاحياته القانونية .[8]
الفرع الثاني : صلاحيات الولاية في القوانين المتصلة بحماية البيئة:
يظهر دور الولاية في حماية البيئة أساسا في قوانين خاصة بحماية عنصر من عناصر البيئة منها مايلي :
أولا : دور الولاية في حماية البيئة الطبيعية : أي حماية مختلف عناصر البيئة الطبيعية وتتمثل في :
1. المحافظة على موارد المياه :وهو ما أكدت عليه كل من قانون المياه رقم 2/12 والمرسوم التنفيذي رقم 93/164 خاصة الم 5 من هذا الأخير أكدت على أنه للوالي صلاحيات التدخل ومنع الاستحمام بسبب حدوث تلوث ،أيضا طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 94/279 المتضمن مكافحة تلوث البحر و إحداث مخططات استعجاليه لذلك تم التأكيد على أن الوالي يرأس لجنة ” تل البحر الولائية” التي تتولى مكافحة كل أشكال التلوث البحري [9].
2. حماية الهواء من التلوث : أسندت الم 9 من المرسوم التنفيذي رقم 06/02 المؤرخ في 7/1/2006 للوالي صلاحية اتخاذ كل التدابير التي تهدف إلى حماية صحة الإنسان والبيئة والمتعلقة بالحد من النشاطات الملوثة .[10]
3. حماية التربة والتنوع البيولوجي : حيث تسعى الولاية المعنية لمنع التربة من الانجراف والتصحر باتخاذ التدابير الكفيلة بتحقيق ذلك للمحافظة في نفس الوقت على الكائنات الحية كالنبات والحيوان ،وقد صدر أول قانون يتعلق بحماية الثروة الغابية سنة 1984 ،ثم عدل بالقانون رقم 91/12 المتضمن النظام العام للغابات الذي أكد أن الولاية تتخذ كل إجراءات الحماية لكي تضمن دوام الثروة الغابية ، ثم جاء المرسوم 87/47 الذي ينظم وينسق الأعمال في مجال مكافحة حرائق الغابات ليؤكد مجددا في الم 7 منه على اتخاذ الوالي لقرار يضمنه مخطط مكافحة النيران التي تندلع في غابات الولاية [11]، وحفاظا على الثروة الحيوانية أوكل المرسوم التنفيذي رقم 07/227 إلى الوالي المختص إقليميا المصادقة على رخصة الصيد التي تعدها السلطات الأجنبية للصيادين الأجانب لممارسة الصيد السياحي وبالتالي فهذا الإجراء يهدف إلى حماية الأصناف الحيوانية من الانقراض ،كما أن الولاية تتولى تدعيم الأعمال المتعلقة بتهيئة الحظائر الحيوانية .[12]
ثانيا : دور الولاية في حماية البيئة الحضرية:منحت النصوص القانونية عدة صلاحيات تتعلق بالتهيئة والتعمير للمجلس الشعبي الولائي والوالي حيث تهدف هذه الصلاحيات لحماية الوسط الذي يعيش فيه المواطن من مختلف أشكال التلوث والتهدم [13]منها:
أ/ مجال التهيئة العمرانية :يضبط نشاط التهيئة العمرانية في الولاية عدد من النصوص القانونية يأتي في مقدمتها القانون 90/29 المتعلق بالتهيئة والتعمير والذي يرمي إلى احترام القواعد العامة للتهيئة والتعمير مع مراعاة دواعي الحفاظ على البيئة[14] ،وقد خول عدة صلاحيات للوالي منها :الم27:نصت على مصادقة الوالي على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير ،الم 65 اشترطت موافقة الوالي على تسليم رئيس المجلس الشعبي البلدي لرخصة البناء أو رخصة التجزئة لكن فقط في حالة غياب مخطط شغل الأراضي ،وللوالي تسليم الرخصة المتعلقة بالمنشآت المنجزة لحساب الدولة وهياكلها ،،أيضا بإمكان الوالي زيارة البنايات الجاري تشييدها في أي وقت وإجراء التحقيقات التي يعتبرها مفيدة وله حق طلب إبلاغه في كل وقت بالمستندات التقنية المتعلقة بالبناء،واستكمالا لصلاحيات الوالي أتبع قانون 90/29 بمراسيم تنظيمية منها :المرسوم رقم 91/175 الذي يحدد الشروط التي يجب احترامها في ميدان البناء، والمرسوم رقم 91/176 الذي يحدد كيفيات تحضير شهادة التعمير ورخص البناء أو الهدم .[15]
ب/ الحفاظ على الصحة العمومية : خول المشرع للوالي اختصاصات هامة في مجال الوقاية من التلوث والحفاظ على الصحة العمومية منها مثلا ما ورد في قانون الصحة رقم 85/05 حيث يتوجب على الجماعات المحلية ضرورة تطبيق الإجراءات الرامية لضمان المقاييس الصحية في كل أماكن الحياة ،كما يرأس الوالي اللجان المتخصصة في متابعة الأمراض الوبائية ذات التصريح الإجباري والتي أغلبها أمراض متنقلة بواسطة المياه ،حيث تجتمع اللجنة الولائية للأمراض المتنقلة بواسطة المياه ،مرة في الأسبوع ويرأسها الوالي وتتكفل بوضع برنامج عمل سنوي وقائي ضد هذه الأمراض ، ورغم الآليات والتدابير المتخذة من الدولة للوقاية من هذه الأمراض فلازالت الجزائر تسجل سنويا حالات لأمراض مختلفة مصدرها بالأساس الأمراض المنقولة بالمياه .[16]
ج / الوقاية من الكوارث الطبيعية : بما أن الوقاية من الكوارث الطبيعية تحمل أخطارا كبيرة ومؤثرة على جميع عناصر البيئة فقد أقر القانون 04/20 المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في الم9 منه بضرورة إشراك الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات المحلية بتنفيذ منظومة الوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث وتشمل الأخطار الكبرى في المنظومة الجزائرية مجموعة من الكوارث على رأسها الزلازل والفيضانات وحرائق الغابات ،وجميع أشكال التلوث البيئي ،والأخطار المتصلة بصحة الانسان .[17]
د/حماية التراث:بصفة عامة الولاية في مجال حماية التراث لها صلاحيات واسعة تقضي بالمحافظة على هذا التراث وتضمن تطوره في المناطق التابعة لها ، كما تنص على ذلك الم 1 من المرسوم رقم 81/328 المؤرخ في 26/12/1981 ،بينما تنص الم 5 منه أن الولاية تتولى اقتراح وتصنيف الآثار التاريخية والأماكن الثقافية والطبيعية وتسجيلها وتحافظ عليها .[18]
ومنه انطلاقا مما سبق ذكره ،يتضح أن الولاية تمتلك عدة مقومات للنهوض بمقتضيات حماية البيئة وتنفيذها على أرض الواقع ،وتعد النصوص المتعلقة بقطاع التهيئة والتعمير سندا داعما لها في هذا الاتجاه بحكم الصلاحيات الواسعة التي منحتها لسلطات الولاية لفرض هذه المقتضيات على المؤسسات العمومية والخاصة وعلى المواطنين ،وذلك بهدف احترام مقاييس البناء ومواصفاته وقواعده ،وبغرض مراعاة كل الأطراف لحقوق البيئة وحفاظهم على الطبيعة .[19]
المبحث الثاني : دور البلدية في حماية البيئة
ونتعرض في هذا المبحث لمجالات تدخل البلدية في ميدان حماية البيئة في الجزائر وهذا حتما لا يمكن أن يتحقق إلا بمعرفة الصلاحيات المخولة للبلدية بموجب قانونها الأساسي وهو القانون البلدي ،أو تلك المخولة بموجب بعض النصوص القانونية الأخرى ذات الصلة بحماية البيئة أو أحد عناصرها :
المطلب الأول : اختصاصات البلدية المتعلقة بحماية البيئة في القانون البلدي:
تعد البلدية اللبنة الأساسية في التنظيم الاداري الجزائري ،لهذا فإنها تتمتع بجملة من الوظائف والاختصاصات المختلفة على المستوى المحلي [20]أبرزها تلك المتعلقة بميدان حماية البيئة ومنها :
الفرع الأول : صلاحيات البلدية المتعلقة بحماية البيئة من خلال قوانين البلدية السابقة لقانون البلدية90/08:
وتتمثل فيما يلي:
أولا :اختصاصاتها في القانون البلدي لسنة 1967:بالرجوع لنص الأمر 67/24 المتضمن القانون البلدي يتضح أن أغلب نصوصه موجهة إلى بعث التنمية للبلديات[21] لذلك فالبلدية تعمل على القيام بمجموعة من المهام التي تؤدي إلى حماية البيئة والتي تمس الميادين التالية : بعث عملية التجهيز والإنعاش الاقتصادي من خلال وضع برنامج خاص بالتجهيز المحلي في حدود الامكانات المتوفرة لدى المجلس البلدي[22] ،تشجيع التنمية الفلاحية داخل إقليم البلدية وذلك بالمبادرات التي يتخذها المجلس البلدي في ظل هذا القانون كالحث على إحداث تعاونيات خاصة بالإنتاج والتسويق ، دعم التنمية الصناعية وتنمية الصناعة التقليدية حيث يقوم المجلس البلدي بتسهيل كل مبادرة تهدف إلى تحسين مستوى التنمية الصناعية في تراب البلدية العمل على ترقية السياحة وتنميتها داخل البلدية وذلك بالمحافظة على المعالم التاريخية والاستثمار فيها ، الإشراف والمساهمة في قطاع السكن والسكان فالمجلس البلدي يضع مخططا خاصا بالعمران داخل البلدية ، تدعيم وبعث الانعاش الثقافي والاجتماعي إذ يمكن للمجلس البلدي أن يقوم بأعمال التجهيز الاجتماعي للبلدية بقصد الوقاية والعلاج لبلوغ أفضل الشروط الصحية ،تنشيط فكرة الحماية المدنية فلقد مكن المشرع في هذا المجال البلدية من اتخاذ تدابير بهدف تنمية روح التضامن بين السكان وتكوينهم للمساهمة في حالة وقوع كوارث .[23]ومنه فأحكام القانون البلدي سنة 1967 لاسيما الباب الأول من الكتاب الثاني تمحورت حول النهوض بالبلديات في الجزائر وضمنيا تبنت فكرة حماية البيئة في إطار المقصد العام ومنه فحماية البيئة في ظل هذا القانون جاءت بصفة غير مباشرة .[24] ثانيا: اختصاصاتها في القانون البلد ي رقم 81/09 المعدل لقانون 1967: وقد حافظ هذا التعديل على أغلب اختصاصات البلدية المرتبطة بحماية البيئة كما أنه كان أكثر وضوحا في توجهه نحو المحافظة على البيئة ،عندما خول للبلدية صلاحيات جديدة لاسيما نص الم 139مكرر 1 التي تنص ” يشارك المجلس الشعبي البلدي ،في كل عمل يرمي إلى حماية المحيط وتحسينه عبر تراب البلدية ” ،وبشكل عام فإن القانون 81/09 أسند للمجالس الشعبية البلدية القيام بعدة أعمال تعتبر إسهامات في تدعيم سياسة حماية البيئة منها ما يتعلق بحماية الآثار والمواقع الطبيعية والتاريخية وصيانة المتاحف ،بالإضافة إلى السهر على نظافة المحيط لضمان الصحة العمومية ،وله أن يتخذ كل إجراء مناسب في عدة مجالات [25]منها : توزيع المياه ،صرف المياه الوسخة ، مكافحة ناقلات الأمراض المعدية ، أيضا للمجلس البلدي مهام في إطار حماية الطابع الجمالي للعمران داخل إقليم البلدية ومنه فبعد التمعن في هذه الاختصاصات [26] ،يتبين بوضوح أنها كلها تعتبر صورا من صور حماية البيئة إما بوصف وقائي أو تدخلي علاجي.[27]
الفرع الثاني :صلاحيات البلدية في ظل قانون البلدية رقم 90/08:
لقد أولى المشرع عناية خاصة بحماية البيئة كما يظهر من أحكام نص القانون 90/08 حيث أعطى صلاحيات تتعلق بحماية البيئة لكل من :
أولا/صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي :والمنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الثاني ومنها :المحافظة على النظام والأمن العموميين والنظافة العامة ،اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية وجميع التدابير الوقائية لضمان سلامة الأشخاص والأموال في الأماكن العمومية التي يمكن أن يحصل فيها أي حادث أو حريق ،القضاء على الحيوانات الضالة والمؤذية ،العمل على احترام المقاييس والتعليمات المتعلقة بالبناء والتعمير ،تسليم رخص البناء والهدم ،ورخص إقامة التجزئات العقارية ،اتخاذ كل التدابير الضرورية و الاحتياطات اللازمة لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها .[28]
ثانيا/ صلاحيات المجلس الشعبي البلدي في ميدان حماية البيئة: وقد وردت في أحكام الباب الثالث وتتمثل في :التهيئة والتنمية المحلية بحيث تقوم البلدية بإعداد مخططاتها التنموية وتصادق عليها وتعمل على تنفيذها ،التعمير والهياكل الأساسية والتجهيز كالعمل على التزود بوسائل التعمير واحترام تخصيصات الأراضي المعدة للبناء أو للزراعة ،التعليم الأساسي وما قبل المدرسي فانتشار العلم والمعرفة يعتبر عاملا هاما يساعد في ترقية حماية البيئة ،الأجهزة الاجتماعية والجماعية :كإنجاز الهياكل الصحية والمساجد والمدارس القرآنية لأن لأحكام القرآن دور كبير في التأثير على الجميع في الدعوة للمحافظة على البيئة .[29]
تعمل البلدية على توفير السكن وتشجيع الجمعيات على مساعدتها في الحفاظ على العقارات ،حفظ الصحة والنظافة والمحيط حيث تتدخل البلدية مثلا في توزيع المياه الصالحة للشرب ومكافحة الأمراض المعدية وتسهر على نظافة الأغذية و المؤسسات ، كما تتكفل البلدية بإنشاء المساحات الخضراء ،وبالتالي فهذا القانون أبدى حماية أوفر للبيئة . [30]
المطلب الثاني : اختصاصات البلدية في قوانين البيئة
تعتبر البلدية الجهاز القاعدي الأول المعني بحماية البيئة لذلك مكنها المشرع من عدة صلاحيات تستطيع بموجبها فرض احترام البيئة ويظهر ذلك من خلال ما يلي :
الفرع الأول : اختصاصات البلدية في قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة “قانون رقم 03/10”:
تسليم الرخص من قبل رئيس المجلس الشعبي البلدي بالنسبة للمنشآت المصنفة في الحالات التي يتطلبها القانون ، تلقي التصريح بالمنشآت التي لا تتطلب إقامتها دراسة مدى التأثير ولا موجز التأثير ،إبداء البلدية رأيها والذي يؤخذ به بعد الأخذ برأي الوزارات المعنية قبل تسليم الرخص بالنسبة للمنشآت التي قد تلحق أضرارا بالبيئة تتسبب في أخطار على الصحة والنظافة العموميتين أو تتسبب في المساس بنظافة الجو [31]، كما يختص رئيس البلدية حسب الم 111 بمهام البحث ومعاينة المخالفات المرتكبة خلافا لأحكام هذا القانون ، ومنه أهم ما يلاحظ على القانون 03/10 اعتماده على أسلوب الإحالة للنصوص التنظيمية إلا أن المشرع قد نص في المادة 113 على أنه يجب أن تنشر النصوص التنظيمية الخاصة بهذا القانون في أجل لا يتعدى 24 شهرا من صدور هذا القانون .[32]
الفرع الثاني : اختصاصات البلدية في القوانين ذات الصلة بحماية البيئة أو أحد عناصرها:
ومن أهم هذه القوانين نذكر:
اولا : الاختصاصات المرتبطة بحماية البيئة الواردة في قانون حماية الصحة وترقيتها : يعتبر قانون حماية الصحة وترقيتها رقم 85/05 المؤرخ في 16/2/1985 من أبرز القوانين التي تساهم بشكل فعال في حماية البيئة ،وقد أناط المشرع للبلدية مهام عديدة بموجبه تدخل ضمن مفهوم حماية البيئة نذكر منها :اتخاذ البلدية لكافة الإجراءات المناسبة لتطبيق تدابير النظافة ومحاربة الأمراض الوبائية ومكافحة تلوث المحيط ،تتولى تطبيق الإجراءات التي تهدف إلى ضمان احترام القواعد والمقاييس الصحية في جميع أماكن الحياة ،تشارك في حملات وأعمال الوقاية من الأمراض المعدية والآفات الاجتماعية التي تنظمها الهياكل الصحية ومستخدميها إلى جانب السلطات العمومية الأخرى ،تشارك في تمويل برنامج الوقاية والنظافة والتربية الصحية ،[33]بل يجوز لمصالح الصحة أن تطلب من البلدية المساهمة في تمويل الإنجازات ذات الطابع الصحي ، يبادر رئيس المجلس البلدي في الوقت المناسب باتخاذ التدابير الملائمة عند ظهور الوباء والقضاء على أسباب ظهور الأمراض في مصدرها الأصلي ، كما يبادر رئيس المجلس الشعبي البلدي بوضع أي مريض عقلي رهن الملاحظة بمصلحة طبية متخصصة وهذا حماية للمجتمع من الأخطار التي قد يسببها هذا المريض ،كما كلف طبقا للم 144 بزيارة مصالح الأمراض العقلية مرتين في السنة على الأقل لتحسين أحوال المرضى فيها . وفي الأخير استنتج أن للبلدية صلاحيات معتبرة لها أثر كبير في حماية الصحة وترقيتها وأثر أكبر في حماية البيئة بصفة عامة .[34]
ثانيا :اختصاصاتها في قانون تسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها : “قانون 01/19” : ويكتسي هذا القانون أهمية بالغة في ميدان حماية البيئة لأنه يهدف حسب الم 1 منه إلى إزالة مشكلة انتشار النفايات التي أصبحت من المصادر الأولى للتلوث البيئي[35]،وللبلدية صلاحيات تضطلع بها بموجب هذا القانون منها : تقوم بإنشاء مخطط بلدي لتسيير النفايات المنزلية وما شابهها بحيث يشتمل هذا المخطط على جرد كميات النفايات وخصائصها ،كما يتضمن جرد وتحديد مواقع المنشآت المتخصصة بمعالجة هذه النفايات المتواجدة على تراب البلدية ،تتحمل البلدية مسؤولية تسيير النفايات المنزلية وما في حكمها استنادا للم 32 من هذا القانون ، وعلى ضوء ذلك فإنها ملزمة بتنظيم الخدمة العمومية الخاصة بجمع هذه النفايات المنزلية وما شابهها ، وقد خول المشرع للبلدية حق إسناد هذه المهام المرتبطة بجمع النفايات إلى أحد الأشخاص سواء كان خاضعا للقانون العام أم الخاص ،وفقا لدفتر شروط نموذجي وهذا حسب مفهوم الم 33 من قانون 01/19 ،تمنح الرخص للمنشآت الخاصة بمعالجة النفايات الهامدة الواقعة على تراب البلدية قبل البدء في العمل ،تبادر بالقيام بكل إجراء من أجل إقامة وتهيئة وتسيير مواقع التفريغ المخصصة لاحتواء النفايات الهامدة طبقا للم 38 من القانون 01/19 .[36]
الخاتمة
وفي الأخير أؤكد أهمية الأعمال التي تقوم بها الجماعات المحلية والدور الكبير المناط لها في هذا الشأن ، إلا أن أي إخلال أو تهاون أو لامبالاة من شأنه أن يؤدي إلى أضرار بيئية لا يمكن تفاديها عند عدم التدخل في الوقت المناسب ،بل أحيانا قد يصعب التحكم فيها هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب عدم تجاهل الصعوبات التي تواجه الجماعات الإقليمية في أداء مهامها والتي تأتي في مقدمتها قلة الإمكانيات المادية وعدم توفر الوسائل البشرية المتخصصة التي تسهر على تسيير أعمال ونشاطات حماية البيئة ، حتى و إن وجدت فغياب التكوين المتخصص يجعل من هذه الطاقات البشرية المتوفرة غير فعالة وغير متحكمة في تسيير الشؤون ذات الصلة بالمحافظة على البيئة ،كما أن الهيئات الإقليمية بوجه عام لا تتمتع بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية ،بل إن كل السلطات الهامة تبقى بيد الجهات المركزية وهذا مايجعل السلطات المحلية عاجزة عن اتخاذ أي قرار أو خطوة في مسألة معينة ، دون أن ننسى غياب الوعي البيئي لدى المجتمع مما يزيد في صعوبة مهمة الجماعات المحلية في الحفاظ على البيئة .
[1]رمضان عبد المجيد ،دور الجماعات المحلية في مجال حماية البيئة ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير حقوق ،جامعة ورقلة ،2011،ص95.
[2]خنتاش عبد الحق ، مجال تدخل الهيئات اللامركزية في حماية البيئة في الجزائر ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير حقوق ،جامعة ورقلة ،2011،ص43.
[3]بن أحمد عبد المنعم ،الوسائل القانونيةالإدارية لحماية البيئة في الجزائر ،رسالة دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق،بن عكنون ،جامعة الجزائر،2009،ص172.
[4]رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق ،ص 96.
[5]المرجع نفسه،ص ص 96/97
[6]عمار عوابدي ،القانون الإداري :النظام الإداري،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،ط3،2005،ص 70
[7]رمضان عبد المجيد ، المرجع السابق ،ص 98
[8]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ،ص 44
[9]محمد لموسخ ، دور الجماعات المحلية في حماية البيئة ،الملتقى الدولي الخامس حول دور ومكانة الجماعات المحلية في الدول المغاربية ،3_4ماي 2009،مجلة الاجتهاد القضائي ،جامعة محمد خيضر ، بسكرة ،ص 149.
[10]علي سعيدان ،حماية البيئة في القانون الجزائري، دار الخلدونية ،الجزائر ،ط1،2008، ص 259.
[11]نصر الدين هنوني ،الوسائل القانونية والمؤسساتية لحماية الغابات في الجزائر ،مطبوعات الديوان الوطني للأشغال التربوية ،الجزائر ،2001،ص179.
[12]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ،ص47.
[13]محمد لموسخ ، المرجع السابق ،ص 150.
[16]وناس يحي،دليل المنتخب المحلي لحماية البيئة ،دار الغرب ،وهران ،2003 ، ص 68
[17]نصر الدين هنوني ،المرجع السابق ، ص 183
[18]علي سعيدان ،المرجع السابق ،ص 253
[19]رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق ،ص 102
[20]عمار عوابدي ، المرجع السابق ،ص 190.
[21]محمد الصغير بعلي ،القانون الإداري : التنظيم الإداري،دار العلوم ،عنابة ،2004 ، ص 157.
[22]عمار عوابدي ،المرجع السابق ،ص 194.
[23]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ، ص ص 50/51.
[24]رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق ،ص 105.
[25]بن أحمد عبد المنعم ، المرجع السابق ، ص 180.
[26]على سعيدان ،المرجع السابق ، ص 249.
[27]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ،ص 56.
[28]وناس يحي ، المرجع السابق ،ص 73.
[29]محمد الصغير بعلي ، المرجع السابق ، ،ص 159.
[30]رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق ،ص 107.
[31]علي سعيدان ،المرجع السابق ،ص 239.
[32]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ،ص 109.
[33]وناس يحي ،المرجع السابق ،ص ص 74/75.
[34]خنتاش عبد الحق ،المرجع السابق ،ص 60 /61.
[35]رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق ،ص110
[36]علي سعيدان ،المرجع السابق ، ص 245