
المقامات الأندلسية بين المحاكاة والتجديد
THE ANDALUSIAN MAQAMAS BETWEEN SIMULATION AND RENOVATION “
د.سعيد الشرعي ـ جامعة الرباط ـ المغرب
Said CHARAIـ University of Med 5th.Rabat ـ Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 65 الصفحة 95.
“… لقد سار الأدب الأندلسي في تطوره على سنن تطوره في المشرق في تأثر بدأ كبيرا، ثم صار يضمحل مع مرور الزمن لتتكون للشخصية الأندلسية سماتها الخاصة، ولا أدل على ذلك من قول ابن خلدون: إن أهل الأندلس يتشبهون بالمشارقة في عهد الأمويين والعباسيين، وليس بعد ذلك” -عبد الحليم حسين الهروط- النثر الفني عند لسان الدين بن الخطيب: 244
bstract :
The literature production of andalusian “maqamah” is limited between 5th and 9th century AH. Some andalusian wrriters folowed the type of orientalists (Hamadhani and Haariri particularly), but many of them reappeared by going out by “maqamah” to other literature genres such as the letter (Rissala) and the journey (Rihla) as they have removed the charity and the compelexity of their “maqamah”.
On the one hand the “maqamah” relate to the vecu of the Andalusians, to their daily worries. And on the other hand, it was the desire for competition with the orient, and confirmation of self, and the affirmation of specificity and recognition of its privacy.
We conclude to the banning of a set of judgments including “a literature without childhood”, wich stripped the Andalusian literature of all privacy.
THE LITERATURE OF MAQAMA/ ANDALUSIA/ SIMULATION/ RENOVATION/ INTERACTION
ملخص:
إن النتاج المقامي الأندلسي محصور ما بين القرن 5 و9هـ، وإن من المقاميين الأندلسيين من حاكى المشارقة (الهمذاني والحريري أساسا)، لكن منهم من جدد وخرج بالمقامة الأندلسية إلى ما يشبه الرسالة، وهو انحراف مبكر عن مسار المقامة المشرقية عرفته الأندلس منذ عهدها الأول بالمقامات. من باقي أشكال ذلك الانحراف نسجل ارتباط المقامة الأندلسية بالرحلة، وخدمتها لأغراض شعرية (المدح مثلا)، وخلوها التام من الكدية (باستثناء ما تعرض له السرقسطي في مقاماته)، والتزام طول الحجم والإطناب، والارتباط بالبيئة المحلية، والخلو من التعقيد الغوي، واستحداث موضوعات مقامية جديدة (سياسية – بلدانية). إذن، لم يكن التصنع اللفظي- والتقيد بالأساليب الأدبية الشائعة آنذاك – السبب الداعي لنشأة فن المقامة بالأندلس، بقدر ما كان هو الارتباط بالواقع وبالهموم اليومية للأندلسي من جهة، والرغبة في المنافسة والمعارضة والتفوق وإثبات الذات الأندلسية والإقرار لها بخصوصيتها وتفردها من جهة ثانية. من هنا، نسبية حقيقة تأثر المقامة الأندلسية بالمقامة المشرقية،وانتفاء مجموعة من النعوت التي تجرد الأدب الأندلسي من كل خصوصية ومن ذلك: اعتباره كما للسترة العربية، أو أنه أدب بلا طفولة، أو كونه لا يعدو أن يكون صوتا خافتا للمشرق.
الكلمات المفاتيح:أدب المقامة – الأندلس – المحاكاة– التجديد– التفاعل.
مقـدمــــة:
يعد نعت الأدب الأندلسي بكونه امتدادا للأدب المشرقي العربي – وضمنه وسم المقامات الأندلسية بكونها صورة باهتة للمقامات المشرقية – إشكالا حقيقيا ينطلق إلى حد كبير من الفهم العام الذي يؤطر تصورنا لفن المقامة وعلاقتها بالمجتمع، وينتهي بنا إلى مساءلة المقامة الأندلسية في ذاتها. وبمعنى آخر، إذا كنا نتصور المقامات سجلا تاريخيا، ونفهمها على أنها مرآة حقيقية تعكس تناقضات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية للمجتمعات البشرية، فإن ما يترتب عن هذا الفهم هو الإقرار بضرورة التصاق المقامة الأندلسية بواقعها الاجتماعي والتعبير عن أحواله؛ وهو فهم يفضي إلى التفكير فيها من حيث كونها ابتداعا وتجديدا وخصوصية واستقلالية وتميزا، ومن حيث درجة التصاقها بواقع المجتمع الأندلسي. فالواضح أن هاجسنا الأول والأخير، هو إثبات ما في النتاج المقامي الأندلسي من خصوصية، والاعتراف بتميزه وابتداعه؛ ذلك أن مفاهيم من قبيل: “المقامة الأندلسية”، والمقامة في الأندلس”، وأندلس المقامة”، “وأندلسية المقامة” تصبح مفاهيم مشروعة الدلالات؛ تتراوح ما بين الدلالة على أدب إقليمي خاص، والدلالة على جنس أدبي له حضور حقيقي ومتميز في بلاد الأندلس، والدلالة على بلاد لها إنتاج مقامي معترف به ومقاميون رواد، والدلالة على أنها مقامات تعبر عن خصوصيات واقعها الأندلسي.
إن للمقامات قيمة أدبية وتاريخية واجتماعية عالية، فهي وثيقة مهمة تصور سمات عصرها. إنها تؤرخ لمجتمعها في لحظة من لحظات تشكله وتحوله ممتطية السرد في التعبير عن الواقع وتمثيله والتمرد عليه لتعديله وتغييره عبر أشكال متعددة من النقد البناء، والهدم (معتقدات بالية) والبناء (قيم جديدة ). وهذه القيمة العالية هي ما يجعلنا نتجاوز النظر إلى فن المقامة على أنه مجرد حديقة لغوية أدبية باعثة على المتعة البلاغية إلى النظر إليه بوصفه خطابا سرديا إدانيا يروم الإصلاح. ومن هنا التركيز على مضمون المقامات الأندلسية عوض الاحتفاء بإيقاعها، وذلك خلافا لما نهجته أغلب الدراسات المتخذة من أدب المقامة موضوعا لها.
- نسبية تأثر المقامة الأندلسية بالمقامة المشرقية العربية:
اتخذت المقامة الأندلسية شكلا خاصا بها منذ البوادر الأولى لنشأتها، إذ برزت الخصوصية فيها بجلاء بدءا من أوائل القرن 5هـ/10م لتتعمق أكثر لدى مقاميي القرن 8هـ/14م، فالإبداع الأدبي الأندلسي عامة لم يخل من محاكاة – أكثر منها تقليدا- وهو ما أهله للتجديد، ذلك أن الأدباء الأندلسيين تمثلوا الشعر المشرقي العربي جيدا فعارضوه واستحدثوا فنون شعرية جديدة (الموشحات والأزجال – شعر الاستغاثة أو الاستنجاد)، كما أنهم تمثلوا النثر المشرقي فحاكوا فن المقامة وعارضوه مستحدثين موضوعات مقامية جديدة غير مسبوقة (المقامات السياسية – المقامات البلدانية)، فهم في مجاراتهم للمشارقة لم يقفوا عند الموضوعات المقامية التقليدية وحسب ، وإنما قلصوا موضوعات ووسعوا أخرى، ومن ذلك الكدية التي قلت لحد الانعدام في النتاج المقامي الأندلسي.
الواضح أنه قد ظهرت بوادر جد مبكرة للخروج عن نهج المقامة المشرقية، ولهذا، فالقول بالمحاكاة في المقامات الأندلسية يكتنف تجديدا لا مجال لإنكاره، ذلك أن مقلدي الهمذاني([1]) أمثال: أبو حفص بن شهيد([2])– أبو المطرف عبد الرحمان بن فتوح([3])– أبو محمد مالك القرطبي([4])–ابن شرف([5])-أبو الوليد ([6]) المعلم– الفتح بن خاقان([7])– أبو حفص بن برد الأصغر([8])، لم يتعرضوا للكدية([9]) في مقاماتهم– ما عدا بن المعلم -، وأسقط بعضهم الشخصيتين الخياليتين (الراوي – البطل) من المقامة التي صارت تؤدى على لسان كاتبها، كما أنهم أطنبوا وأطالوا في حجم المقالة:
فمقامة ابن شهيد (ت 426 هـ) المصدرة بمقدمة في فن الكتابة والمثبتة بالذخيرة([10])، أقرب ما تكون إلى وصف رحلة أو نزهة، وهي طويلة قال عنها ابن بسام: “وله مقامة حذفت بعض فصولها لطولها”([11]) ، كما أنها تخلو من الكدية.
مقامة ابن فتوح فتدور حول النقد الأدبي بالأندلس والتغزل بالمذكر، لم يستتر مؤلفها وراء شخصية وهمية، كما أنه حدد الزمان والمكان ذاكرا سنة 430هـ، وذلك خلافا لتقاليد المقامة المشرقية، ومقامته مثبتة في الذخيرة([12]).
أما مقامة القرطبي فهي في المدح، وهي طويلة مثبتة في الذخيرة([13]). قال ابن بسام: “اقتضبتها لطولها، وسقت بعض فصولها”([14]) ،ومع أن ابن بسام أعمل مقصه فيها بالحذف والاقتضاب، فإنها جاءت في اثنتي عشرة صفحة من مطبوع الذخيرة.
لابن شرف القيرواني له مقامتان في الذخيرة([15])، الأولى نقدية طويلة تشبه المقامة القريضية للهمذاني، راويها أبو ريان الصلت بن السكت، والثانية ماجنة راويها الجرجاني، والواضح أن المقامتين معا تخلوان من الكدية.
أما مقامة المعلم فقد أوردها ابن بسام تحت عنوان: فصول من مقامة([16]) وهو ما يعني أنه لم يوردها كاملة وموضوعها هو الاستجداء الأدبي، ويرجح إحسان عباس أنه قالها في مدح المعتضد ويشبهها برسالة ابن زديون الهزلية. أما المقامة القرطبية لمنسوبة للفتح بن خاقان فماجنة مغلفة بالهجاء والتعريض بعلماء قرطبة( ابن السيد البطليوسي تحديدا )، وهناك من ينسبها لأبي الخصال. ومن المؤسف أن تتعرض المقامة لمساوئ الأدباء الأندلسيين عوض ذكر محاسنهم، وأما المقامة النخلية لابن برد الأصغر فموضوعها الحديث عن النخلة وأوصافها، وبعض ما قيل فيها من أشعار، وقد كان هو الراوي فيها.
إن هذا الانحراف المبكر للمقامة الأندلسية عن تقاليد المقامة الهمذانية يجعل من تأثر المقامة الأندلسية بالمقامة المشرقية حقيقة نسبية غير مطلقة، وهو ما يضفي على المقامة الأندلسية خصوصية وتميزا عن نظيرتها المشرقية. وهذا الابتداع المبكر لم يسلم منه كذلك المقاميون الأندلسيون المتأثرون بالحريري([17]) (عصر المرابطين 464-541هـ/ق6هـ-12م) أمثال: أبو الخصال([18]) (540هـ)، والسرقسطي([19]) (ت536هـ)، والوهراني([20]) (ت575هـ)، والوادي آشي([21]) (ت553هـ).
أبو الخصال وإن كان قد عارض الحريري بمقامته([22]) المشهورة بالقرطبية، فإنه قد خالفه في طولها وفي رغبة الراوية التحايل على البطل، لكنه فشل وكان البطل أذكى منه، وهي نهاية غير مألوفة لدى الهمداني أو الحريري، ثم إن ما يميزها هو أن أبا الخصال أكثر فيها من شعره الخاص.
أما السرقسطي وهو الذي أقر في تصدير مقاماته الخمسين([23]) بتأثره بالحريري، فالواقع أنه تأثر كذلك بالهمذاني دون أن يصرح بذلك، إذ أن بعض مقاماته خلت من المقدمة والخاتمة متفقا بذلك مع الهمذاني، ومختلفا عن الحريري الذي تبدأ مقاماته بمقدمة وتنتهي بخاتمة. من معالم الخصوصية لديه: إقلاله من التعرض للكدية – انفصال عنصر الحيلة لديه عن عنصر الكدية([24])– تغاضيه عن تسمية بعض مقاماته([25])-إهماله ذكر الرواية تماما في بعض المقامات كالمقامة الحادي عشرة، إذ جاءت وكأنها معطوفة على المقامة السابقة عليها، وأما الوهراني فصاحب ثلاث مقامات تعليمية أخلاقية تنفر من التكلف ومن الكدية والاستجداء، وأما الوادي آشي فصاحب مقامة مدحية([26]) في القائد المغربي عبد الله بن ميمون يذكر فيها شجاعته في الحروب البحرية، وغيرها له مقامة مدحية أخرى في القاضي عياض (ت 455 هـ) تسميها المصادر دون أن تثبت متنها.
إن هذا الخروج عن الأصول الفنية للمقامة الحريرية والمسبوق بانحراف مبكر عن تقاليد المقامة الهمذانية، قد مهد الطريق لبروز مقاميين أندلسيين مجددين (مقاميو الأندلس الصغرى 635-897هـ / 8-9 هـ/14 و15م) من أمثال: ابن المرابع([27])– لسان الدين بن الخطيب([28])– والفقيه عمر الزجال([29]).
ابن المرابع (ت 750هـ) في مقامة العيد أطنب وأطال لدرجة أن ابن الخطيب – في إحاطته – حذف قصيدة المدح آخرها. فمن سماتها الطول وكذا الأسلوب الشعبي، فالراوي أقرب لغة وأسلوبا إلى الرواة في السوق مما يجعل القارئ يشعر كأنه يستمع إلى المقامة بدلا من أنه يقرأها، فالمقامة تعكس الحياة الحقيقية لأحد الأسواق العامة بغرناطة. وموضوع المقامة هو العيد، وإن كان الهدف منها استجداء أضحية العيد.
أما لسان الدين بن الخطيب (ت 776هـ) فإن جانب الابتداع عنده أبرز من جانب الاتباع، إذ انتفت الكدية تماما من مقاماته، كما أنه جعل لكل مقامة راوية لم يسمه، وأبدع مقامات رحلية ومقامات سياسية ومقامات بلدانية، فكان أول من كتب في هذا الصنف من المقامات في أدبنا العربي في المشرق والغرب الإسلامي. له مقامة في السياسة تبلغ خمس عشرة صفحة أجرى الحوار فيها بين الخليفة هارون الرشيد وحكيم فارسي (تحدث ابن الخطيب بلسانه)، وهي ذات طرح سياسي إصلاحي يذكرنا ببرنامج ابن المقفع الذي طوع الأدب لخدمة السياسة أوائل العصر العباسي. فالجديد أن يتجه الوعظ في المقامات، من ما هو اجتماعي إلى ما هو سياسي، كما أن له مقامات انتقادية مثل (قطع الفلاة بأخبار الولاة)، ومقامات بلدانية مثل: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، ومقامة المفاخرة بين مالقة وسلا.
أما الأديب الفقيه عمر صاحب الأزجال، فله نونية طويلة وطأ لها بنثر، وهي مقامة ساسانية نصها مثبت في النفح،([30]) ماجنة محفوظة عند العامة مرفوضة عند الخاصة، وأولها: “يا عماد السالكين ومحط رجال المستفيدين والمتبركين…”([31])، وقد أثبتها المقري لأنها من الهزليات التي تقع لكثير من الأئمة على سبيل الإحماض يعنون بها غالبا لإظهار البلاغة والاقتدار كما فعل الحريري وغير واحد. ومن أبدع ما صدر عنه مقامة في أمر الوباء([32]) ،وأولها: “إلى حمراء الملك وقلعته ومقر العز ومنعته…”، وآخرها: “وكتب بتاريخ ربيع الآخر عام 844. انتهت المقامة” ([33]) ،وهي كلها في الاحتجاج على إبقاء السلطان في مكان قد فشا فيه الوباء، وتزيين الرحلة له إلى مالقة، وموضوعها كما هو باد جديد مرتبط بالبيئة الأندلسية المحلية.
أما ما يعد بذورا للاتباع والتقليد والمحاكاة والتأثر في المقامات الأندلسية فإنه محدد ومحدود، ومن ذلك أن ابن شرف القيرواني كتب مقامة نقدية تشبه المقامة القريضية للهمذاني من حيث النقد الأدبي والمفاضلة بين الشعراء (جاهليين وإسلاميين) دون أن يتعرض للشعراء الأندلسيين، وهنا مكمن اتباعيته، ثم إن القرطبي في مقامته المدحية لم يكن مبدعا فيما قدمه من مضامين لأنه استلبها من سابقيه، وهو في هذا كذلك متبع لا مبتدع، أما الفتح بن خاقان صاحب المقامة القرطبية فقد نسجها على غرار المقامة المشرقية من حيث أن بطلها المتخيل يحمل اسم “علي بن هشام”،و أما أبو الخصال فتظهر ملامح الاتباعية عنده في اتكائه على الحريري متبنيا أسماء شخصيتيه الخياليتين، إذ اتخذ الحارث بن همام وأبا زيد السروجي بطلين لمقامته،وأما الأزدي في مقامة العيد فقد كان مبدعا في ربط المقامة بالواقع الأندلسي(سوق غرناطة)،لكنه كان متبعا في موضوعها المرتبط بالكدية والاسترزاق واستجداء أضحية العيد.
أول ما يطالعنا ونحن نحاول رصد مظاهر الاتباعية في المقامات اللزومية، هو أسماء الشخصيات الأساسية، ذلك أن اسم راوية الحريري هو (الحارث بن همام)، وراوية السرقسطي هو (المنذر بن حمام)، إذ جاءت كلمة (حمام) على وزن (همام)، وكذلك البطل عند السرقسطي هو (السائب بن تمام)، على وزن (الحارث بن همام)، كما أن السرقسطي قد عرض لظاهرة الكدية في ثلاث عشرة مقامة من مقاماته، فكان مقلدا لسابقيه، ولم يكن راصدا لظاهرة اجتماعية موجودة فعليا في بيئته الأندلسية، وقد لاحظنا أن المقامات التي عاصرت السرقسطي أو سبقته خالية منها، فيكون تعرض السرقسطي للكدية مجرد تقليد فني لا غير، بل إنه سار في اتباعيته بعيدا عندما صور البلدان والمدن التي صورها المشارقة في مقاماتهم (الحجاز – اليمن – عدن…)، في حين كان الحري به أن يصور لنا مدن البلاد الأندلسية، فلو فعل لكانت مقاماته مرآة صادقة تعكس لنا صورا حية عن الحياة الأندلسية، لكنه تمادى في اتباعيته وأطنب.
إذن، فقد توزع المقاميون ضمن ثلاث فئات (المتأثرون بالهمذاني-المتأثرون بالحريري – المجددون)، ولعل كل فئة من المقاميين تمثل مرحلة أساسية من مراحل ارتقاء الأدب الأندلسي، وهي المراحل الثلاث عينها التي تناولها قاسم الحسيني في مقاله “المؤثرات الثقافية في القصيدة الشعرية الأندلسية”([34]) بكثير من الدقة وبعد النظر، إذ وصف المرحلة الأولى بالاستهلاكية (من بداية الفتح الإسلامي حتى عصر الإمارة)، ونعت المرحلة الثانية بالتأسيسية (عصر الولاة والخلافة والانفتاح على المشرق والإنتاج الفاعل)، ووسم المرحلة الثالثة بالإنتاجية وبناء الشخصية الثقافية الأندلسية.
من هنا، نسبية تأثر المقامة الأندلسية بالمقامة المشرقية، ذلك أن تاريخها لم يكن كله تقليدا، وإنما انحصرت المحاكاة كما التقليد في مرحلة التلمذة دون أن تتعداها، ذلك أن المقامات السرقسطية – على سبيل المثال – بما وصلت إليه من نضج واكتمال عبرت أحسن تعبير عن المرحلة الثانية من مسيرة الأدب الأندلسي أي مرحلة الندية، فقد جعل السرقسطي من مقامات الحريري مجالا للمعارضة وإثبات تفوق الذات الأندلسية، في حين شكلت المقامات التي تلت القرن السادس للهجرة عناوين للاتجاه التجديدي أي المرحلة الثالثة وهي مرحلة الأستاذية، إذ اختلفت المقامة الأندلسية عن المقامة المشرقية من حيث البناء الفني (حذف الراوي – درجة الطول والحجم – الميل إلى الرسالة…)، وكذا من حيث المضمون (استحداث موضوعات جديدة غير مسبوقة)، وطبيعي أن تتأكد ملامح الأستاذية قياسا على الموقع الجغرافي للبلاد الأندلسية ونهل الآداب الأوروبية من أدبها، ذلك أن المقامة شكلت الإرهاصات الأولى لظهور القصة والرواية بمعناهما الحديث في الأدب الأوروبي.
2- معالم التجديد في المقامات الأندلسية:
(2-1) – التداخل مع الرسالة:[35]
تتداخل المقامات الأندلسية مع أدب الرسائل لحد الالتباس أحيانا، إذ تفقد العقدة والراوية والبطل، وتصبح على لسان كاتبها، وتفتقر بعضها إلى العناصر الدرامية، ذلك أننا “نجد ثلاث مقامات لابن شهيد في كتاب الذخيرة، وهي بالرسائل أشبه “[36] ،كما أن ابن شرف القيرواني في مقامته الطويلة ” لم يعارض بديع الزمان الهمذاني، لأنه لم يتقيد بالقوالب التي وضعها الهمذاني في مقاماته، ولا تقوم على الكدية والشحاذة الأدبية أيضا، وقد ركز على كتابة حديث أدبي، فهي بذلك ليست مقامة، وإنما هي رسالة نقدية”[37] ،ومقامته تشبه “المقامة القريضية” لبديع الزمان الهـمذاني مـن حـيث النقد والمفاضلة بين الشعراء، لكنه لم يلتزم بالخصائص العامة المحددة للمقامات[38].
ثم إن المقامة المدحية لابن مالك القرطبي في ابن صمادح صاحب “المرية” “لا يجمعها بالمقامة غير الاسم لخلوها من تقاليدها، و لذا فهي أقرب شبها بالرسالة، و ألفاظها لا تخلو من الغريب، ومعانيها منتزعة من الشعراء والكتاب السابقين، ثم أعيدت صياغتها في أسلوب لا يرقى إلى أساليب أصحاب المقامات السابقة”،[39] فقد اقتربت المقامة الأندلسية من الرسالة، وهي بذلك الاقتراب ابتعدت عن مقومات المقامة المشرقية (بطل- راو- عقدة …). وقد تنبه إلى ذلك عدد مهم من الباحثين أبرزهم إحسان عباس، إذ رأى أن المقامة في الأندلس “قد انسلخت من قضية الكدية والحيلة التي واكبت المقامة منذ ظهورها وكانت إحدى مستلزماتها، وهو ما يشهد عليه النتاج المقامي الأندلسي، ما عدا ما وجدناه للسرقسطي”[40]، وتعليل ذلك أن المجتمع الأندلسي كان متشددا في تعامله مع ظاهرة التسول خلافا للمجتمع المشرقي، إذ لم يوجد سائل في الأندلس كما ذكر المقري[41] إلا وكان له عذر، أما القادر السائل على العمل فيسب ويشتم ويهان، فجاءت المقامة الأندلسية متماشية مع قيم المجتمع الأندلسي، ولأجل هـذا انـسلخت المقامة الأندلسية عن الكدية، وصارت أشبه برسالة يقدمها شخص بين يدى أمير يرجوه ويستجديه، “فقد أدى التباس المقامة بالرسالة أن أصبحت تؤدي مهمتها ففقدت العقدة وفقدت الشخصيتين الخياليتين فيها[42]، وأصبحت على لسان كاتبها، وإذا لم تكن قصة لرحلة فقدت العناصر الدرامية جملة”[43].
أما مقامات ابن الخطيب فهي أشبه بالمقالة كما نفهمها اليوم، وكما كتبها، فلقد حدث تداخل بين فن المقامة وفن الرسالة الأندلسيين، لذا فقدت المقامة الشخصيتين الخياليتين “الراوي والبطل”، وفقدت العقدة، فأدى ذلك إلى إسقاط العنصر الدرامي من المقامة. هذا التداخل “يرجع في الأصل إلى الغاية الأدبية أو الاجتماعية التي كانت تهدف إلى تحقيقها المقامة، وذلك ما أفضى بالمقامة إلى أن تؤدي بعض الموضوعات الشعرية كالمدح أو الغزل مثلا”[44]، ولعل الأصل فيه يعود إلى لا مبالاة الأندلسيين بالقصة أو البناء الفني للمقامة، و انصرافهم إلى إظهار البراعة في التعبير اللفظي مع الحفاظ على عنصري الإقناع و الإمتاع. إن مرد التداخل راجع كذلك إلى طبيعة المقامة بوصفها نمطا أدبيا يحتوي ويختزل عدة أجناس أدبية، يتقاطع معها في جانب الوصف بوصفه خطا عاما (فن الرسالة بصفة خاصة).
(2-2)- الارتباط بأدب الرحلات:[45]
تزخر المقامات بالتعدد المكاني لمواقع الأحداث فيها، فالظاهر أن الانتقال والرحلة بين الأماكن دافعه الاستجداء، ولكن باطنه انتقاد الشتات الذي حصل للدولة الإسلامية، كما أن فيه دعوة لرد الاعتبار للأدباء في زمن طغى فيه اللهاث في طلب المال على كل ما دونه،”فمقامة ابن شهيد مجرد مشاهدات وملاحظات، وهي أقرب إلى وصف رحلة له وصفا أدبيا طريفا، إذ أن موضوعها يدور حول قصة رحلة قام بها”،[46] وملخصها بعد مقدمته عن صنعة الكتابة وقيمتها، تعريجه على منزل بدوي أراد إكرامه بذبح ديك، لكن الديك انتصب خطيبا لائما إياهم على إنكار الجميل، إلا أن ذلك لم يمنع صاحبه من ذبحه. في فصل آخر نراه قد وصل إلى قرية جميلة وصف جمالها وجمال غلمانها و نسائها، ” وهكذا يصف أبو حفص قصة رحلته، وما يشاهده في قالب النظم والنثر، ولا نرى أية رموز أرادها صاحبها، ولا نتبين خلال قراءتها مفهوما آخر إلا وصف الرحلة التي قام بها، ولا تتخذ مقامته شكل المقامة عند بديع الزمان الهمذاني”.[47]
أما من برع في إدخال مقاماته في باب أدب الرحلات ،فهو ابن الخطيب بمقاماته البلدانية، وهذا متأت من حب الأندلسيين للرحلة على اختلاف أغراضها و دوافعها (الحج، العلم …)، إذ صورت تلك المقامات ما تمخض عن تلك الرحلات من أحداث ومفارقات[48] ،فقد كتب في هذا اللون ثلاث مقامات سار فيها على نهج الرحلة في سرد أحداثها، وتتبع مساراتها، وقد طغى عليها الجانب الجغرافي الوصفي، إذ صور جغرافيا الأندلس والمغرب تصويرا دقيقا:
- مقامة خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف: رحلة تعود إلى سنة 748 هـ، تخص المدن الأندلسية والعادات الاجتماعية لأهلها، “وقد كانت رحلة رسمية قام بها سلطان غرناطة أبو الحجاج يوسف بن نصر(733-755هـ) ومعه وزيره ابن الخطيب لتفقد أحوال الثغور الشرقية لمملكة غرناطة[49].
- مقامة البلدان أو معيار الاختيار في ذكر المعاهد و الديار[50]: أقامها على مجلسين، أولهما لمدن أندلسية، وثانيهما لمدن مغربية، وتخلل ذلك ذكر محاسن وعيوب كل مدينة.
ج- مقامة غير مسماة: وهي عبارة عن رحلة داخل عدوة المغرب ، وصف مدنها وأماكنها، وسجل مخاطباته مع مشاهيرها وأعيانها[51]،وقد وردت المقامة في كتابه (نفاضة الجراب في علالة الاغتراب)، وصف ابن الخطيب فيها رحلته مع أسرة محمد الخامس الغني بالله عائدين من المغرب إلى غرناطة “،وهي رحلة ناقصة غير كاملة، إذ أنه يبدأ وبدون مقدمات بالصعود إلى جبل هنتاتة (فرع من قبائل مصمودة)، فلا شك أن بداية هذه الرحلة تقع في الجزء الأول المفقود من هذا الكتاب”[52].
(2-3)- خدمتها لأغراض شعرية:
ومن ذلك مقامة أبي محمد بن مالك القرطبي – سبق التعرض لها – في مدح ابن صُمادح، إذ وجدناه فيها يمعن في مدحه، فيصفه بمختلف النعوت من: سماحة، وعلم، وندى، وكمال، وصفاء خلق، ووفاء بالوعد، ووقار، وطهر، وطيب أصل، ونقاء عرض، شافعا كل ذلك بالدعاء له، وبالاعتذار عن عدم خروجه معه إلى لحرب، ولا توجد في المقامة معالم بارزة للخصوصية، لأن صاحبها كما أشرنا سالفا استل معانيها من الأدباء السابقين ولم يقدم جديدا، “وإنما اكتفى بتقويم معاني من سبقه من الأدباء، كما أن موضوعها في المدح التهويلي ينقص حظها من طرافة الموضوعات فيه”[53].
من ذلك كذلك المقامة القرطبية المنسوبة إلى الفتح بن خاقان فقد دارت كلها حول الذم بوصفه غرضا شعريا تم توظيفه في النثر. ومن هذا الضرب كذلك – ودائما في إطار التمثيل لا الحصر – مقامة محارب بن محمد الوادي آشي في مدح القائد عبد الله بن ميمون، وقد سبقت الإشارة إليها.
من المهم جدا التذكير بأن المقاميين الأندلسيين لم يحفلوا بإيراد أشعار غيرهم في مقاماتهم، وإنما أوردوا شعرا خاصا بهم من نظمهم وإبداعهم، وهنا مكمن الفرق بين المقامة الأندلسية والمقامة المشرقية.
(2-4)- الخلو من الكدية:
من أبرز خصائص المقامة الأندلسية، خلوها من عنصر الكدية خلوا ملفتا للنظر، خلا ما وجدناه في مقامات السرقسطي (مثلا المقامات: 3-4-5-6-30-31)، ومن ذلك أن ذكرنا أننا ” نجد ثلاث مقامات لابن شهيد في كتاب الذخيرة، وهي أشبه بالرسائل مما بالمقامات، ولا تقوم على الكدية والشحاذة الأدبية”[54] ،وأن ابن شرف القيرواني لم يقم مقامته – شبه الرسالة – على الكدية. الواقع أن كل المقامات الأندلسية لا تقوم على الكدية ما عدا المقامات السرقسطية، وهنا مكمن الخصوصية، والالتصاق بالواقع، والتعبير عنه، ” فقد نظر الأندلسي إلى عادة التسول المستشرية في المشرق واستقبحها واستهجنها لأنها تؤدي بصاحبها للذل والمهانة، ومن تم كره الأندلسي التسول، والاستجداء حرصا على أنفته وسموه، وتوقا إلى تحقيق مثاله”[55] ،فالأندلسيون يمتنعون عن التصدق على المحتاج لا سيما إذا كان قادرا على العمل ويهينوه، ولذلك خلت الأندلس مـن ظاهرة التسول، فأهل الأندلس لم يرضوا بتفشي التسول بينهم، وهم الذين سعوا منذ البداية إلى تكوين شخصية مستقلة عن المشرق ومتميزة لا يعتريها نقص ولا ضياع.
إن الأندلس لم تخل من الفوارق الطبقية ومن الفقر. فالمصادر التاريخية والأدبية الأندلسية لم تغفل التطرق للطبقية الاجتماعية التي ربما كانت سببا من أسباب ضياع الأندلس، فالمجتمع الأندلسي لم يكن مثاليا لا مكان فيه لفقير أو معوز، “وقد تعرض المراكشي في بيانه المغرب إلى المجاعة العظيمة التيحلت بقرطبة سنة 353 هـ/974 م، وتكفل الحكم بضعفائها ومساكينها، وأجرى نفقاته عليهم … وكثير من الشعراء لم يبلغوا حد الشهرة لأنهم كانوا فقراء، فلم يتسن لهم الاتصال بالبلاط. ومن ذلك أن الشاعر ابن فضل بن شرف عندما قدم على بلاط المعتصم بن صمادح في “المرية”، كان في ثياب رثة أثارت ضحك رجال البلاط حتى تساءلوا من أية صحراء هو قادم”.[56]
الواقع الاجتماعي في العصر الأندلسي لا يختلف عن واقع مثيله المشرقي، فقد تعايش الغنى والفقر، إذ الترف في البيئات الحاكمة، والحرمان في البيئات الشعبية. بون شاسع بين معيشة معدمة ومعيشة مترفة، وهذا البون هو الذي يولد الثورة على الواقع المؤلم والمتفكك، وما المقامات إلا شكل من أشكال هذه الثورة الاجتماعية، تكشف المعضلات والآفات وعيوب الزمان، مشكلة سجلا تاريخيا حيا للعصر الذي كتبت فيه.
إن الأندلسيين قد عرفوا بخوفهم من ذل السؤال والتعرض للإهانة بسببه، ولذلك عرفوا بأنهم أهل حسن تدبير، وهو ما جعل عنصر الكدية يقترب من الاختفاء “فقد حرص القوم وهم في بيئة ليست عربية أصلا، على أن يظهروا بكل ما يخلو من النقص والعيب، أو يحط من أقدراهم”.[57]
(2-5) طول الحجم والإطناب:
وهذه ظاهرة لا تحتاج منا لكثير من التوقف عندها لتبيانها، فقد ألفنا خلال تعاملنا مع الذخيرة أن نلفي ابـن بسام يعمل مقصه في غير ما مقامة عازيا ذلك لشدة الإسهاب والإطناب فيها، آملا أن يحظى بثقة القارئ فيما حذف، ومن تلك المقامات نذكر: مقامة ابن شرف (أعلام الكلام) ،إذ وصفها ابن بسام بالطول لكنه لم يعبه عليها– مقامة “معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار”لابن الخطيب– مقامة شروط الوزارة لابن الخطيب– مقامة ابن شهيد– مقامة القرطبي – مقامة ابن المعلم…
ليست كل المقامات التي أطنب القول فيها مستحسنة الإطناب، فقد يبلغ حد الإسفاف الذي تضيع معه وحدة الموضوع وتركيز القارئ، وقد يرجع ذلك الإطناب الملحوظ في المقامات الأندلسية إلى تعدد أغراضها، ومن ذلك مثلا المقامة العاشرة من مقامات السرقسطي وهي غير مسماة، “جاءت على شكل وحدات مستقلة يجمعها رباط المقامة، ففيها مصطلحات لغوية وأعلام لغة، ثم يأتي ذكر بني ساسان، ثم غزل بالمذكر، ثم قصيدة في وصف الصيف”.[58]
مثال المقامات التي شحت معلوماتها مقارنة مع مخزونها اللفظي نذكر المقامات البلدانية[59]،ذلك أن الإسفاف يضر بالمادة العلمية و يعرضها للاضطراب والتشويش.
(2-6)-الارتباط بالبيئة المحلية:
أورد ابن بسام في ذخيرته مقامة لعبد الرحمان بن فتوح بوصفها حديثا من أحاديثه، ولم يسمها مقامة. وهي تدور حول النقد الأدبي، وهو نقد يدور حول شعراء أندلسيينولم تدر حول شعراء مشارقة. كذلك فعل قبله ابن شرف القيرواني في مقامته القائمة على النقد الأدبي كذلك، إذ ذكر فيها الشعراء ومراتبهم في الجاهلية والإسلام والعصر العباسي، وإن كانت له في مقامته بعض من ملامح الخصوصية، فلأنه تناول بعض شعراء الأندلس.[60]
لقد برز لدى الأندلسيين لون من المقامات تتميز بسيادة العنصر البحري، وذلك نظرا للطبيعة التي جُعلت عليها بلاد الأندلس، إذ حباها الله تعالى بالمياه من ثلاث جهات. وقد لاحظ بعض الدارسين أن “الطابع الاجتماعي في المقامة الأندلسية يبرز أكثر منه في المقامة المشرقية، للارتباط الوثيق بين المقامة والواقع الاجتماعي، فكانت صورة لذلك الواقع”.[61]
(2-7)- الخلو من التعقيد اللغوي:
يتفاوت أسلوب المقامة وفق الغرض الذي تؤديه، و يظهر هذا عند المقامي الواحد عند تطرقه إلى أكثر من موضوع، فالسرقسطي مثلا– بوصفه المقامي الأندلسي الأول بحكم عدد مقالاته– اشتهر بأسلوبه الذي تأنى في صنعه، وألزم نفسه فيه ما لا يلزم، إذ نجد ذلك في أغلب مقاماته، فألفاظه تبدو صعبة في حديثه مثلا عن الصحراء، لكنها ترق في حديثه عن الوعظ.
من المقامات التي أحسن مؤلفها اختيار الألفاظ التي يوحي جرسها بمعانيها : مقامة أبي محمد بن مالك القرطبي في مدح ابن صمادح، قال: “لا تسمع إلا همهمة و صهيلا، وقعقعة وصليلا، فَخِلتُ الأرضَ تميل مميلا والجبال تكون كتيبا … مهيلا، لا تعلم … أزئير ليوث بآجام؟ أم قعقعة رعد في ازدحام غمام؟” [62]، “فأوحت الألفاظ القوية الجرس بجو المعركة المليء بالصدام والقراع، فكان البناء الصوتي لها موحيا بالمعنى… واستطاع أن يدعمه برسم الصور الفنية”.[63]
ذكر عبد العزيز عتيق في معرض حديثه عن المقامة السياسية للسان الدين بن الخطيب: “وأسلوبه، كما نرى من هذا النموذج[64]، يتميز بالسهولة و السلاسة، وقد اعتمد فيه على التزام نوعين من البديع هما: السجع والجناس الناقص”.[65]
وذكر قصي عدنان سعيد الحسيني في حديثه عن مقامة محمد الوادي آشي في مدح ابن ميمون : “فيها صور جميلة أفاد الوادي آشي من القرآن الكريم كثيرا، واستطاع أن يبدع بأسلوب رفيع ألوانا من الأوصاف التي ترسم صورا سمعية وبصرية تثير الإعجاب”.[66]
عموما فقد تميزت المقامة الأندلسية بسهولة ألفاظها ودقة معانيها ما عدا ما وجدناه في جزء من مقامات السرقسطي من وعورة في الألفاظ وتعمق في اللغة.
(2-8)-استحداث موضوعات مقامية جديدة:
- المقامات السياسية: وهو نوع نشأ بالأندلس في القرن الثامن للهجرة، ولا جذور له بالمشرق، ومبتكرها هو لسان الدين بن الخطيب، وله فيها مقامتان:
-المقامة السياسية ،وهي حوار بين هارون الرشيد وحكيم فارسي (هو ابن الخطيب نفسه)، وقد صنفها بعض الدارسين ضمن المقامات الوعظية، “فالمقامة إنما تكشف عن غاية وعظية شبيهة بتلك التي رأيناها من قبل في مقامات ابن قتيبة”[67] ،فقد “ذكر فيها لسان الدين خلاصة تجربته وآرائه في السياسة والحكمة وإدارة الدول…وتكاد تقترب وصاياه من المدينة الفاضلة”[68].
– وأما المقامة الثانية، فهي “الإشارة إلى أدب الوزارة في السياسة”[69]، وقد تضمنت كل ما يتعلـق بهذا المـنصب من مسؤوليات، وواجبات، ومميزات، “وقد جعل الحوار فيها جاريا على ألسنة الحيوانات بادئا إياها بالدعاء لله تعالى وطلب العون لمن يأخذ برتبة وزير، ثم يقدم له جملة من النصائح والوصايا”[70] ،ولعل إيلاء ابن الخطيب الأهمية لمنصب الوزير راجع إلى أنه كان وزيرا للأمير أبي الحجاج يوسف بن نصر أمير غرناطة.
أما غير ابن الخطيب ممن تناول السياسة وإدارة الحكم وسياسة القضاء، فنمثل بالسرقسطي في ثلاث مقامات:
- في المقامة الثالث عشرة: رسم فيها صورة القاضي العالم بأطوار البلاغة و ألوان البديع.
- في المقامة السادس والثلاثين: وهي النونية، رسم فيها صورة قاض عادل يسمع للطرفين.
- في المقامة السابع والعشرين:وهي مقامة القاضي، رسم فيها صورة القضاة المرتشين ومساعديهم الذين يعملون تحت أيديهم. وهي حادة في معانيها على المسامع، تنبو عنها الطباع لعدم مجاراتها للذوق العام والأخلاق الفاضلة.[71]
- المقامات البلدانية: وهو نوع مقامي ثان غير مسبوق في المشرق، يصف فيه المقامي المدن وخصائصها وصفاتها المميزة لها عن باقي المدن، “ورائد هذا اللون هو أبو بحر صفوان بن ادريس التجيبي (ت 598 هـ)، الذي أنشأ مقامة خاطب بها الأمير الموحدي عبد الرحمان بن السلطان يوسف بن عبد المؤمن. حيث جعل راوي المقامة وبطلها مدن الأندلس نفسها وكان بهذا رائدا أيضا ومجددا”[72]،والمدن التي وردت فيهـا هي : اشبـيلية، وقرطبة، وغرناطة، ومرسية، وكانت متفاخرة بما اشتهرت به، وسادت على باقي حواضر الأندلس وحواضر المشرق.
توسع في هذا النوع بعد قرن ونصف ابن الخطيب الذي أعمل قلمه فيه، وقدم لنا معلومات جغرافية تمزج بين التاريخ والسياسة والاجتماع، وله فيه أربع مقامات :
- الأولى : جعلها داخل حدود مدينة غرناطة وهي “خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف”.
- الثانية : تدور أحداثها في المغرب، وهي غير مسماة.
- الثالثة : مفاخرة بين مدينتين، الأولى أندلسية وهي (مالقة)، والثانية مغربية وهي (سلا)[73].
- الرابعة : وهي “معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار”، وتقوم هذه المقامة على مجلسين : أحدهما يتعلق بمدن الأندلس جغرافيا واجتماعيا، مقسمة على ثلاثين مدينة (مالقة – غرناطة – رندة – المرية…)، والآخر يتعلق بمدن المغرب، وقد أغرق في وصف تسع عشرة مدينة (فاس – مراكش – سجلماسة – سلا … )، “فجعل الصغيرة كبيرة في نظر قارئها، ولربما فعل ذلك ليرد جميل ضيافته إلى أمراء المغرب فقد أنشأها وهو في بلاد المغرب”[74]، إذ يذكر أنه استقر في سلا سنة 760 هـ[75].
- خــاتمــــــة:
إن المقامة الأندلسية في مراحلها المبكرة قد انحرفت عن تقاليد المقامة المشرقية العربية، وهو انحراف لا ينفي بعضا من ملامح اتباعية للمشرق لم تكن قط مطلقة بقدر ما كانت اتباعية نسبية، تحكمت فيها طبيعة الشخصية الأندلسية الميالة للإبداع والتميز والمعارضة والتحدي والتفوق، وذلك في علاقتها بالمشرق. إنها علاقة طبعها الحنين والاحتذاء مرة، وطبعها الصراع والمعارضة والمنافسة مرات أخرى، كما طبعها التفوق الأندلسي على المشرق لدرجة التأثير الذي لا تعترف به عادة الكتابات المشرقية، ولدرجة الأستاذية على أدب أوروبا، فالأندلس في بداياتها احتاجت المشرق، وأوروبا احتاجت الأندلس وهو ما حقق لها النهضة، فالثقافات الإنسانية تعمل في حوار واحتكاك، في تأثر وتأثير، فتتولد حضارات إنسانية مشتركة منطوية على أدب كوني يطمس كل الحدود الإقليمية بين آداب الأمم والشعوب.
لا أدب أفضل من أدب، فالتفاعل هو قدر الآداب، والأدب الأندلسي وإن تفاعل مع الأدب المشرقي العربي فقد ظل محافظا على خصوصيته واستقلاليته وتأصيله، ولذلك فمن اليسير التمييز فيه بين ما هو محلي خاص يستقل فيه بذاته،مما
هو مشرقي ،أي إنساني مشترك، فالمقامة الأندلسية شكلت ثورة أدبية حقيقية في النثر العربي شكلا ومضمونا، وهي ثورة تمخضت عن ثورات اجتماعية أشعل ويشعل فتيلها صراع سرمدي بين الخير والشر.
– بيبليوغرافيا –
- أولا: المصادر
- المخطوطة:
- ابن خاقان (أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله، ت 535 هـ). قلائد العقيان. د.ت. ( مخطوط مصنف بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط تحت عدد: A03322).
- المطبوعة:
- ابن بسام (أبو الحسن علي الشنتريني، ت 542هـ) ، “الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة”، تحقيق: سالم مصطفى البدري، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1998، الجزء 1- 3-4.
- ابن بشكوال (أبو القاسم خلف عبد الملك، ت 578 هـ /1183 م)، “الصلة في تاريخ أئمة الأندلس”، تحقيق: إبراهيم الأبياري، القاهرة: دار الكتب المصري، الطبعة الأولى، 1998 م، الجزء الثالث.
- ابن الخطيب (لسان الدين ت 776هـ):أ-ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب. تحقيق: محمد عبد الله عنان. المجلد2. منشورات مكتبة الخانجي. القاهرة. ط: 1981.
ب-نفاضة الجراب في علالة الاغتراب. تعليق: أحمد مختار العبادي. دار النشر المغربية. الدار البيضاء. د.ت.
- ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، ت 681هــ)، “وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان”، تحقيق: إحسان عباس، بيروت: دار صادر، طبعة 1975 م (ثمان مجلدات).
- السرقسطي (أبو الطاهر محمد بن يوسف التميمي)،“المقامات اللزومية”، تحقيق: حسن الوراكلي، الأردن : عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع وجدارا، الطبعة الثانية، 2006.
- الشريشي (أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن القيسي)، “شرح مقامات الحريري”، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، المؤسسة العربية الحديثة للنشر والتوزيع، د.ت، الجزء الأول.
- عبد الحميد (محمد محيي الدين)، “شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني”، بيروت: دار الكتب العلمية، طبعة 1979.
- المقري (أحمد بن محمد التلمساني):أ-أزهار الرياض في أخبار عياض، منشورات صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة، ط 1978.
ب-“نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب”، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر، طبعة 1968، الجزء التاسع.
- ثانيا: المـراجـع
- أبو غزالة (ضاهر)، “الإنسان الأندلسي بين واقعه العربي وما طمح إليه”، بيروت: دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2001 م.
- بن رمضان (صالح)، “الرسائل الأدبية ودورها في تطوير النثر العربي القديم”، بيروت: منشورات دار الفارابي، الطبعة الثانية، 2007 م.
- الحسيني (قصي عدنان سعيد)، “فن المقامات بالأندلس، نشأته وتطوره وسماته”، عمان، الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1999.
- حليفي (شعيب)، “الرحلة في الأدب العربي، التجنيس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل”، رؤية للنشر والتوزيع، طبعة 2006 م.
- خريوش (حسين يوسف )، ” ابن بسام وكتابه الذخيرة”، عمان: دار الفكر للنشر والتوزيع، طبعة 1984 م.
- الداية (محمد رضوان)،”تاريخ النقد الأدبي في الأندلس”، بيروت: منشورات مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1993 م.
- صفدر (فرح ناز علي)، “المقامة بين الأدب العربي والأدب الفارسي”، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 2011 م.
- العبادي (أحمد المختار). مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس. منشورات مؤسسة شباب الجامعة. الإسكندرية. ط: 1983.
- عباس (إحسان)، ” تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين”، دار الشروق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الإصدار الثالث، 2011 م.
- عتيق (عبد العزيز)، “الأدب العربي في الأندلس”، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1976 م.
- عوض (يوسف نور)، “فن المقامات بين المشرق والمغرب”، مكة المكرمة: منشورات مكتبة الطالب الجامعي، الطبعة الثانية، 1986م.
- فروخ (عمر)، “تاريخ الأدب العربي في المغرب والأندلس عصر المرابطين والموحدين”، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، 1982 م، الجزء الخامس.
- محفوظ (محمد). برنامج الوادي آشي. دار الغرب الإسلامي. أثينا- اليونان. ط1: 1980.
- الهروط (عبد الحليم حسين)، “النثر الفني عند لسان الدين بن الخطيب”، عمان، الأردن: دار جرير للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2006 م.
- ياغي (عبد الرحمن)، “رأي في المقامات”، الأردن: دار الفكر والنشر والتوزيع، طبعة 1985 م.
- ثـالثـا: المجـلات
- قاسم الحسيني. (المؤثرات الثقافية في القصيدة الشعرية الأندلسية). (مجلة كلية الآداب بالرباط). مطبعة النجاح. الدار البيضاء. العدد 2008.28. (ص 123-151).
([1])– “هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني، ولد في 358هـ، نشأ بهمذان إحدى مدن فارس الشمالية، ودرس العربية والأدب، ثم غادرها سنة 380هـ إلى جرجان ومنها إلى نيسابور 382هـ وبها أملى مقاماته… عاجلته المنية وهو في سن الأربعين سنة 398هـ”. (شرح مقامات بديع الزمان الهمداني. محمد محيي الدين عبد الحميد. ص7). “وقيل إنه دفن قبل تمام وفاه، إذ أصابه الفالج فظن أهله ميتا” (رأي في المقامات. عبد الرحمن ياغي. ص 58).
([2])– “أبو عامر أحمد بن أبي مروان عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين الأعلى أحمد بن عبد الملك بن عمر بن محمد بن عيسى بن شهيد الأشجعي القرطبي. ولد سنة 382هـ/992م. من مؤلفاته: التوابع والزوابع – حانوت عطار، وغير ذلك. توفي سنة 426هـ/1035م”. (ابن خلكان، وفيات الأعيان. مجلد 1. ص 116).
رسالة التوابع والزوابع ما هي إلا تأثر من ابن شهيد بالهمذاني الذي استغل فكرة شياطين الشعراء واستخرج منها مقامته الإبليسية، فخلفه في ذلك ابن شهيد وأبو العلاء في القرن الخامس فألف كل منها رحلته في ما وراء عالمنا (ما وراء الطبيعة).
([3])– “أبو المطرف عبد الرحمان بن فتوح، وكان يعرف أيضا بابن صاحب الأسفيريا. كان صديقا لأبي حفص بن برد الأصغر… كان قاضيا للخليفة هشام بن الحكم في قرطبة، ورواية ثبتا ومؤلفا في الأدب وتراجم الرجال. توفي 407هـ “(الذخيرة. ج1. هامش المحقق. ص 480).
([4])– “أبو محمد بن مالك القرطبي، كان فردا من أفراد الشعر والكتاب، وبحرا من بحور المعارف والآداب. له مقامة أدارها على مديح المعتصم بن صمادح أمير المرية” (الذخيرة. ابن بسام. مجلد 1. ص 563). وينظر في ترجمته أيضا: (تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين. إحسان عباس. ص 311-312).
([5])– “كان أبو عبد الله محمد بن شرف بالقيروان،… أحد من نظم قلائد الآداب، وجمع أشتات الصواب، وتلاعب بالمنظوم والموزون. له عدة تآليف منها: كتاب أعلام الكلام –أبكار الأفكار، وله مقامات. توفي سنة 460هـ (1067م” (ابن بسام، الذخيرة، ج4، ص 104).
“أمضى معظم حياته خارج الأندلس ثم دخلها واتصل ببني عباد” (تاريخ النقد الأدبي بالأندلس. محمد رضوان الداية. ص 359).
([6])– “أبو الوليد محمد بن عبد العزيز بن المعلم، ممن لاح نجمه في سماء اشبيلية، فقد كان وزيرا للمعتضد بن عباد. قال فيه ابن بسام: ممن شهر بالإحسان في صناعة النظم والنثر. (الذخيرة. ج2. ص 67).
([7])– “أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان القيسي الأصل، له عدة تصانيف منها: قلائد العقيان جمع فيه من شعراء العرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأعذب عبارة، وله أيضا كتاب مطمح الأنفس… توفي قتيلا سنة 535 وقيل 529 بمدينة مراكش في الفندق. ويقال إن الذي أشار بقتله أمير المسلمين أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين أخو أبي إسحاق إبراهيم الذي ألف له أبو نصر كتاب قلائد العقيان وقد ذكره في خطبة الكتاب، (مختصر ترجمة المصنف المذكورة في قلائد العقيان. المقدمة. ص5)
([8])– “الوزير أبو حفص أحمد بن محمد بن أحمد بن برد المتوفى سنة 428هـ، وهو من كتاب ديوان الإنشاء في دولة العامريين. قال عنه ابن بسام: “كان أبو حفص أحمد بن برد الأصغر في وقته فلك البلاغة الدائر، ومثلها السائر، نفث فيها بسحره، وأقام من أودها بناصع نظمه وبارع نثره… كان جده أبو حفص أحمد الأكبر واسطة السلك، وقطب رحى الملك بالحضرة العظمى بقرطبة (الذخيرة. ج 1،. ص 302)
([9])– “الكدية: “من كدى إذا سأل واستعطى الناس فهو مكد، والكدية حرفة السائل الملحاح، وأصل معنى الكدية في اللغة الشدة من الدهر. وقد برزت في عصر الهمداني بروزا قويا، ذلك أن الفقر بسط ظلاله على سواد الشعب وعلى كثير من خاصته فهذه الأوضاع أدت إلى ظهور طبقة من المكدين والمتسولين، وتميزت فيها جماعة اتسمت بالذكاء والتوسع في الحيلة وهي طائفة الساسانيين المعروفون ببني ساسان أو الغجر… “. وقد عدد البيهقي في كتابه (المحاسن والمساوئ) بعض حيلهم”. (فن المقامات بين المشرق والمغرب. يوسف نور عوض. ص 89).
([10])-ابن بسام. الذخيرة. ج 1. ص 419-427.
([15])– نفسه. ص 120-128 (المقامة الأولى، وأولها: جاريت أبا الريان…)، ص128-129 (المقامة الثانية، وأولها: حدثني الجرجاني…).
([17])– “هو الرئيس أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري منسوبا إلى صناعة الحرير أو بيعه، ولد سنة 446هـ بالمشان وهي قرية قرب البصرة… عين صاحب الخبر بالبصرة إلى أن مات سنة 556 هـ فتوارث المنصب أولاده من بعده”. (شرح مقامات الحريري. محمد أبو الفضل إبراهيم. ج 1. ص 13).
([18])– أبو عبد الله بن أبي الخصال (465-540هـ)، عرف بمعارضته للحريري وتأثره به، ولم يختلف معه سوى في طول المقامة، وكذا إكثاره فيها من شعره الخاص، قال عنه ابن بسام: “ذو الوزارتين الكاتب محمد بن مسعود أبو عبد الله بن أبي الخصال حامل لواء النباهة، له أدب يزخر، ومذهب يباهي به ويفخر… متقدم في اللغة والآداب والكتابة والخطابة والشعر، توفي سنة 540ه مقتولا (الذخيرة. ج3. ص 511-512). وينظر في ترجمته بغية الملتمس ص113، وقلائد العقيان ص 174.
([19])– “هو أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني القرطبي السرقسطي المعروف بالاشتركوني أو الاشتركوبي، ولد في سرقسطة ثم كان مسكنه في قرطبة وسبتة سنة 509هـ. لحقته زمانة سنة 536هـ توفي منها”. (تاريخ الأدب العربي. عمر فروخ. ج 5. ص 237). وينظر في ترجمته (الصلة. ابن بشكوال.ج 3. ص 853).
([20])– “محمد بن محزر بن محمد أبو عبد الله الوهراني، منشئ من أكابر الظرفاء، أصله من وهران، أقام زمنا في دمشق. له تصانيف منها: الرسائل – رفقة عن مساجد دمشق – المنامات”. (ابن خلكان. وفيان الأعيان. ج 1. ص 518) .
([21])– الوادي أشي بالهمزة بعدها شين معجمة، نسبة إلى وادي آش بالأندلس، من كورة ألبيرة… والوادي آشي هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن أحمد بن ابراهيم بن حسان القيسي، ويلقب بابن جابر اختصارا، وبصاحب الرحلتين لرحلته مرتين إلى المشرق. ولد في سنة 673هـ/1274م، قرأ القرآن على أبي جعفر بن الزيات بفاس. دخل الجزائر والمغرب الأقصى والأندلس، وفي هذه الأقطار أخذ عنه جماعة من أهلها كابن خلدون ولسان الدين بن الخطيب. توفي بتونس في الطاعون العام سنة 749هـ/1338م. (برنامج الوادي آشي. محمد محفوظ. ص 9-13-20).
([22])– ورد ذكر أبي الخصال في المجلد الثالث من الذخيرة دون أن يورد ابن بسام مقامته. ص 511.
([23])– تعرف مقاماته بالمقامات اللزومية نسبة إلى اللزوميات كما أتاها المعري في ديوانه، كما تعرق بالمقامات السرقسطية نسبة إلى صاحبها أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي.
([24])– المقامات بالأرقام هي: 8-11-13-16-17-18-28-29-32-33-35.
([25])– تغاضى عن تسمية 32 مقامة، ولم يسم سوى 18 مقامة فقط.
([26])– والوادي آشي أندلسي الأصل، تونسي المولد والقرار، وهو غير ابن جابر الوادي آشي الهراوي النحوي الأعمى (ت780هـ).
([27])– هو أبو محمد عبد الله بن ابراهيم الأزدي المعروف بابن المرابع (ت 750هـ)، أديب غرناطي له مقامة ساسانية كتبها إلى حاكم مالقة أبي سعد فرج بن نصر يستجديه أضحية العيد.
([28])– هو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني المعروف بابن الخطيب (ت 776هـ)، استنبت موضوعات مقامية جديدة غير معروفة قبله، ومتماشية مع الخصوصيات المحلية لبيئته وعصره. له ثمان مقامات، مما يجعله إلى جانب السرقسطي (صاحب 50 مقامة) أحد المتفرغين للمقامة خلافا لسواهما من المقاميين الأندلسيين ممن اكتفوا بإنشاء مقامة أو مقامتين. وللإشارة فالمجلد الخامس من نفح الطيب يشكل القسم الثاني من النفح وهو في التعريف بلسان الدين، وهو من 8 أبواب.
([29])– الفقيه أبو عمر الزجال (ت 844هـ)، يعرف أيضا بعمر المالقي، وله مقامة ساسانية سماها “تسريح النضال إلى مقاتل الفصال)، وهي عبارة عن قصيدة نونية طويلة من 83 بيتا. وقد ذكر له المقري في (أزهار الرياض) مقامة أخرى في أمر الوباء تحت السلطان على الرحلة إلى مالقة والخروج من مكان تفشي الوباء.
([30])– نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. المقري التلمساني. مجلد 5 (ص 40-46). وينظر نصها في: “أزهار الرياض في أخبار عياض” للمؤلف نفسه. ج 1. (ص116-124).
([31])– أزهار الرياض. ج.1. ص 117.
([32])– المصدر نفسه. ص 125-132.
([34])– قاسم الحسيني. (المؤثرات الثقافية في القصيدة الشعرية الأندلسية). (مجلة كلية الآداب بالرباط). مطبعة النجاح. الدار البيضاء. العدد 2008.28. (ص 123-151). ص 126.
[35]– تعد الرسائل إحدى فنون النثر التي قد يتخللها شعر من نظم المترسل أو من نظم غيره، والرسائل متنوعة. وقد وضع النقاد أربعة أقسام للرسائل:
- الرسائل الديوانية أو هي السياسية والسلطانية والرسمية.
- الرسائل الإخوانية وهي الرسائل الاجتماعية و المكاتبات والمراجعات والرسائل الشخصية الخاصة، فهي عدة أنواع منها : التهاني – التعازي – التهادي – التشوق – الاعتذار – الاستعطاف – العتاب.
- الرسائل الدينية: أو هي الرسائل الوعظية والتربوية والجدلية.
- الرسائل الأدبية : تدخل في هذا القسم تلك الرسائل التي عدها النقاد أدبية وتسمى كذلك الإنشائية، ومنها تتفرع الرسائل الوصفية والهجائية والمدحية.
( للتوسع ينظر: الرسائل الأدبية ودورها في تطوير النثر العربي القديم. صالح بن رمضان. ص 63.)
[36] المقامة بين الأدب العربي والأدب الفارسي. فرح ناز علي صفدر. ص 78.
[37]المرجع نفسه. ص 80.
[38]– تنتظم فن المقامة خصائص ملازمة وهي: وحدة الحدث والموضوع – وحدة البطل والرواية – وحدة المكان والزمان – وحدة الشكل اللغوي والأسلوبي – وحدة الغاية والوظيفة.
[39] الأدب العربي في الأندلس. عبد العزيز عتيق. ص 494.
[40]تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين. إحسان عباس. ص 308
[41] للتوسع ينظر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. أحمد بن محمد التلمساني. تحقيق إحسان عباس. ج9.
[42] مقامة العيد :قام فيها الأزدي بدور البطل والراوية معا.
[43] تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين.مرجع سابق. ص 308.
[44] ابن بسام وكتابه الذخيرة. حسين يوسف خريوش. ص 215.
[45] “الرحلة هي إحدى الأشكال الكبرى الأم للأدب … تمزج التسجيلات الوصفية و الإنسانية التعليمية بالحكائية والتسجيلية … فتحقق الرحلة نصا سرديا يتراوح بين قطبي الواقعي والخيالي بأسلوب يسجل ويصف رحلة انتقال السارد/المؤلف من فضاء إلى آخر داخلي أو خارجي على المستوى الفعلي، أو انتقال ذهني متخيل في الماضي أو المستقبل دنيويا أو أخرويا … وهي في كل الحالات تجربة يحياها الرحالة من أجل هدف فردي أو جماعي لغاية تحقيق منفعة مادية أو روحية”. (الرحلة في الأدب العربي، التجنيس، آليات الكتابة، خطاب المتخيل.شعيب حليفي. ص. 16).
[46] المقامة بين الأدب العربي والأدب الفارسي. مرجع سابق. ص 78.
[47]نفس المرجع. ص 79.
[48] فن المقامات بالأندلس، نشأته، وتطوره وسماته. قصي عدنان سعيد الحسيني. ص 139
[49] مشاهدات لسان الدين بن الخطيب في بلاد المغرب والأندلس. أحمد مختار العبادي. ص 7.
وينظر نص المقامة في “ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب”. لسان الدين بن الخطيب. تحقيق: محمد عبد الله عنان. ص 248 – 270.
[50] وقع يوسف نور عوض صاحب كتاب “فن المقامات بين المشرق والمغرب” في خلط عندما جعل مقامة (وصف البلدان) مقامة مستقلة عن مقامة (معيار الاختيار في ذكر المعاهد و الديار)، والواقع أنهما معا مقامة واحدة ذات اسمين مختلفين. (قال بين أيدينا ثلاث مقامات : السياسة – وصف البلدان – معيار الاختيار. ص 323) ،ونص المقامة مثبت بريحانة الكتاب. ص279 – 316.
[51] للتوسع ينظر : النثر الفني عند لسان الدين بن الخطيب.عبد الحليم حسين الهروط. ص 85 إلى 103.
[52] نفاضة الجراب في علالة الاغتراب. لسان الدين بن الخطيب. ص 10.
[53] تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف وللمرابطين. مرجع سابق.ص 249.
[54] المقامة بين الأدب العربي والأدب الفارسي .مرجع سابق. ص 78.
[55] الإنسان الأندلسي بين واقعه العربي وما طمح إليه. ضاهر أبو غزالة. ص 202.
[56] نفس المرجع. ص 162.
ختم أبو غزالة فصله بقوله : ” ملاحظة أخيرة في هذا الصدد، و هي أن شعب الأندلس، و الأموال الأندلسية، تبدو كأنها ملك لشخص واحد هو صاحب الدولة …” ص 164. وقد جاء ذلك في سياق حديثه عن الناصر الذي سخر الشعب في بناء منية “الزهراء”، و أنفق عليها الأموال الكثيرة من إيراد الدولة التي لا تعود فائدتها إلا على شخصه، وهي رمز للطموح الفردي لا للطموح الجماعي.
[57] الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين. مرجع سابق.ص.344.
[58] فن المقامات الأندلسية نشأته و تطوره وسماته. مرجع سابق. ص 141.
[59] ومنها كذلك مقامة ابن أبي الخصال، فهي طويلة جرب فيها منشئها وصف عدة مقامات (بيت – منظر ريفي – حانة – وصف اليوم…)، أي أنها نحت منحى تعدد الأغراض في المقامة الواحدة.
[60] ذكر ابن شرف في مقامته القريضية : امرئ القيس والبحتري، وذكر من الأندلسيين ابن عبد ربه.
[61] فن المقامات بالأندلس.نشأته وتطوره وسماته. مرجع سابق. ص 114.
ومما لاحظه هذا المؤلف أيضا على المقامة الأندلسية : “ضعف الباعث التعليمي فيها و قوته في المقامة المشرقية – اختفاء النفس القصصي في قسم من المقامات الأندلسية وظهوره في معظمها، فالنفس القصصي يختفي مثلا في مقامات ابن الخطيب السياسية و البلدانية. و ذلك في مقابل مقامة العيد للأزدي أو مقامة ابن شرف القيرواني أو مقامات السرقسطي، إذ حافظت كلها على الطابع القصصي للمقامة حفاظا يكاد يكون تاما” ص 142-143.
[62] الذخيرة. ج1. ابن بسام الشنتريني. ص 467 (المقامة من ص 463 إلى 470).
[63] فن المقامات بالأندلس نشأته و تطوره و سماته. مرجع سابق. ص 86.
[64] يقصد النموذج الذي ساقه من مقامة ابن الخطيب، ومنه: “فقال الملك: أجملت ففصل، وبريت فنصل، وكلت فأوصل، وأنثر الحب لمن يحوصل، وأقسم السياسة فنونا، واجعل لكل لقب قانونا، وأبدأ بالرعية، وشروطها المرعية”. (الأدب العربي في الأندلس. مرجع سابق. ص 497).
[65]المرجع السابق. ص 497.
[66]المرجع نفسه. ص 88.
[67] فن المقامات بالأندلس نشأته و تطوره و سماته. مرجع سابق. ص44.
[68] النثر الفني عن لسان الدين بن الخطيب. مرجع سابق. ص 99.
[69] ينظر نصها بريحانة الكتاب. ص 335 – 354. وتنظر المقامة السياسية بالمصدر نفسه. ص 316 – 334.
[70] فن المقامات بالأندلس، نشأته، وتطوره، وسماته. مرجع سابق. ص 45.
[71] ينظر المقامات اللزومية : ص 174-175 – 176 – 177.
[72] فن المقامات بالأندلس، نشأته، وتطوره، وسماته. مرجع سابق. ص 49
[73] ورد نصها بـ ” ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب”. ص 355 وما بعدها. وينظر في نصها كذلك “مشاهدات لسان الدين بن الخطيب”. ص 57- 66.
[74]المرجع السابق. ص 52.
[75] ولربما فعل ذلك لأنه كان قد فضل مالقة في مقامته (مفاخرة بين مالقة وسلا)، فلربما قاده حرجه من نفسه إلى استدراك هفوته تجاه العدوة المغربية، ذلك أنه تسرع لما صدر عن عرقية وعصبية إقليمية لا تليق ببلده المضيف (المغرب) ولا باسمه، لكنها عموما عصبية تتماشى وعصبية الأندلسيين وبخاصة السرقسطي في مقامته البربرية، والتي خصصتها بالدراسة في مقال لي بعنوان (عداوة العدوتين: المقامة البربرية أنموذجا).