
الجالية العربية في المانيا: مستقبل الدور وحدود التأثير
The Arab Community in Germany: The Future of Role and the Limits of Influence
أ.م امجد زين العابدين طعمة
مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية – الجامعة المستنصرية / العراق-بغداد
Amjad Z. Taama
Mustansiriyah Center for Arab and International Studies – Mustansiriyah University/ Iraq
ورقة علمية منشورة في كتاب أعمال مؤتمر إشكاليات الهجرة و اللجوء في الوطن العربي الصفحة 95.
Abstract:
The study aims to explain the situation of the Arab community in Germany, to discuss the future of its economic, political and social role, and to diagnose the determinants and constraints, which stand in front of its performance of a more influential and effective role, with future scenarios for what this role will lead to.
In light of the increasing number of Arab immigrants to Germany, and the increasing challenges they face, with the rise in terrorist attacks against European countries, many of which were attributed to Arab or Muslim immigrants, or from citizens of immigrant background, which increased hostility and lack of acceptance, All this was accompanied by the increasing popularity of some extreme right-wing populist parties, such as the Alternative Party, which managed, for the first time, to reach the German parliament.
The study is based on the hypothesis that “the Arab community will not be able, at least in the coming period, to achieve something mentioned in influencing German policy in general, in the absence of clear visions and goals, but in the event that some conditions are met and some failures are overcome, It will have increasing future impacts on it.”
Key words: Arab community, Germany, role, right-wing parties, immigration, asylum
الملخص:
تهدف الدراسة الى تسليط الضوء على الجالية العربية في المانيا، وبحث مستقبل دورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بناءً على تشخيص المحددات والمعوقات، التي تقف امام اداءها لدور أكثر تأثيراً وفاعلية في البلد الذي تتواجد فيه، مع وضع تصورات مستقبلية، لما سيؤول اليه هذا الدور.
وفي ضوء تزايد عدد المهاجرين العرب في المانيا، وتصاعد مستوى التحديات، التي يواجهونها، مع ارتفاع الخط البياني للهجمات الإرهابية، التي تعرضت لها أكثر من دولة أوروبية، والتي نسب الكثير منها لمهاجرين عرب او مسلمين، او من المواطنين ذوي الأصول المهاجرة، الامر الذي زاد بشكل او باخر من مستوى العداء وعدم القبول بهم، مترافقاً ذلك كله، مع تصاعد شعبية بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، كحزب البديل، الذي شكل نقلة نوعية في السياسة الألمانية، عندما تمكن، ولأول مرة، من الحصول على مقاعد في البرلمان الألماني.
وتنطلق الدراسة من فرضية مفادها، “بان الجالية العربية، وفي ظل عدم وضوح الرؤيا والاهداف ووحدة المواقف، لن تستطيع، على الأقل، خلال الفترة القريبة القادمة من تحقيق شيء يذكر في إيجاد مساحة للتأثير بالسياسة الألمانية بصورة عامة، ولكنها وفي حال تحقيق بعض الشروط وتجاوز بعض الإخفاقات، سيكون لها تأثيرات مستقبلية متزايدة فيه”.
الكلمات المفتاحية: الجالية العربية، المانيا، الدور، الأحزاب اليمينية، الهجرة، اللجوء
المقدمة:
يتواجد في الدول الغربية عامةً وألمانيا بخاصة، عدد غير قليل من المهاجرين العرب والمسلمين، والذين جاءوا اليها عبر طرق شتى، الشرعية منها او غير الشرعية، وقد أدت الازمات والصراعات، التي شهدتها بعض مناطق العالم المضطربة، الى حدوث موجات هجرة غير شرعية كبيرة، هرباً من الظروف الغير طبيعية التي تواجهها، كما حصل في موجة الهجرة، التي تعرضت لها أوروبا، على أثر سيطرة تنظيم “داعش” على أراضي شاسعة من منطقة الشرق الأوسط عام 2014.
وفي ضوء تزايد عدد المهاجرين العرب في المانيا، وتصاعد مستوى التحديات، التي يواجهونها، مع ارتفاع الخط البياني للهجمات الإرهابية، التي تعرضت لها أكثر من دولة أوروبية، والتي نسب الكثير منها لمهاجرين عرب او مسلمين، او من المواطنين ذوي الأصول المهاجرة، الامر الذي زاد بشكل او باخر من مستوى العداء وعدم القبول بهم، مترافقاً ذلك كله، مع تصاعد شعبية بعض الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة، كحزب البديل من اجل المانيا، الذي شكل نقلة نوعية في السياسة الألمانية، عندما تمكن، ولأول مرة، من الحصول على مقاعد في البرلمان الألماني.
سنحاول في هذه الدراسة، تسليط الضوء على الجالية العربية في المانيا، وبحث مستقبل دورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بناءً على تشخيص المحددات والمعوقات، التي تقف امام اداءها لدور أكثر تأثيراً وفاعلية في البلد الذي تتواجد فيه، مع وضع تصورات مستقبلية، لما سيؤول اليه هذا الدور، في ضوء المعطيات والمؤشرات التي تقدمها الدراسة.
وتنطلق الدراسة من فرضية مفادها، “بان الجالية العربية، وفي ظل عدم وضوح الرؤيا والاهداف ووحدة المواقف، لن تستطيع، على الأقل، خلال الفترة القريبة القادمة من تحقيق شيء يذكر في إيجاد مساحة للتأثير بالسياسة الألمانية بصورة عامة، ولكنها وفي حال تحقيق بعض الشروط وتجاوز بعض الإخفاقات، سيكون لها تأثيرات مستقبلية متزايدة فيه”.
ولإثبات هذه الفرضية، ستحاول الدراسة الإجابة عن سؤال مركزي يتمثل في، هل ان الجالية العربية الموجودة في المانيا، وفي ضوء تزايد اعدادها خلال الآونة الأخيرة، قادرة على ان تؤدي ادواراً مؤثرة وفاعلة في السياسة الألمانية، سواء في حكومات الولايات، او في الحكومة الاتحادية، مع وجود العديد من معوقات ومحددات اداءها لهذا الدور.
ولغرض احاطة الموضوع بكل جوانبه، فقد تم تقسيم الدراسة الى ثلاثة محاور، الأول سيتناول العرب في المانيا: مدخل تاريخي، والمحور الثاني سيكون مخصصاً لواقع الجالية العربية في المانيا، فيما سيخصص المحور الثالث والأخير لوضع رؤية مستقبلية لحدود الدور والتأثير للجالية العربية في المانيا.
اولاً: العرب في المانيا: مدخل تاريخي
تشير الكثير من الدراسات، الى ان تاريخ هجرة العرب الى القارة الأوروبية في العصور الحديثة، يعود الى نهايات القرن التاسع عشر، مقتصراً على عدة مئات من دول المغرب العربي، الذين قرروا الهجرة الى فرنسا، فيما شكلت اعداد المهاجرين من دول المشرق العربي باتجاه بريطانيا، اعداداً اقل، لا سيما من دول (فلسطين، اليمن والعراق)، وبنسب اقل من الليبيين المهاجرين الى إيطاليا، لكن هذا الوضع شهد تغيرات عدة، بدءاً من الحرب العالمية الثانية وما تبعها من ترتيبات، الامر الذي أدى الى زيادة تدفق المهاجرين العرب الى الدول الأوروبية عامة و الشطر الغربي من المانيا بخاصة، بناءً على حاجتها الكبيرة للأيدي العاملة الرخيصة، لإعادة اعمار المدن والمنشآت التي دمرتها الحرب العالمية الثانية[1].
وتميزت الجالية العربية، التي تزايد عددها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، على أثر التحاق عدد من عوائل المهاجرين الأوائل بها، بانها مرتبطة ببلدانها، وبالأحداث والقضايا السياسية والأمنية التي تشهدها، أكثر من ارتباطها بتلك المتعلقة بمكان تواجدها الجديد، وفي مقدمة ذلك، كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، مع حدوث بعض التغيرات المتباينة في اهتمامات الجالية، وفق المتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية من خلافات، فضلاً عن عدم اهتمامهم بتنظيم وضعهم ووجودهم في اطر ومؤسسات معنية بذلك[2].
وتوزعت أسباب تزايد اعداد المهاجرين العرب الى أوروبا وألمانيا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، الى أسباب اقتصادية اولاً، ومن بعد ذلك سياسية وامنية وغيرها، فضلاً عن كونها احدى اهم افرازات الفجوة التنموية الكبيرة بين دول الشمال والجنوب، مما أدى الى ظهور أجيال جديدة منهم، لكن المشاكل التي عانى منها الجيل الأول من المهاجرين، ظلت شاخصة في الأجيال الأخرى، من قبيل ضعف الاندماج الثقافي والسياسي في المجتمعات الحاضنة لهم، والتعقيدات الأخرى المتعلقة بأوضاع كل بلد او جالية على حدة، او مشاكل أخرى، تتعلق بتنامي ظواهر اجتماعية ودينية مثل الاغتراب والتطرف والإرهاب، او تلك المتعلقة بردود أفعال المجتمعات المستضيفة وتصاعد حدة الرفض للقادمين الجدد، او انعكاس بعض الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وبدرجة اقل السياسية، التي تعانيها بلدان المهجر[3].
وينقسم المهاجرون العرب الى أصناف عدة، الصنف الأول، هم الذين يمثلون المهاجرون الشرعيون (القانونيون)، والذين يقيمون او يعملون في بلدان المهجر بصورة قانونية، ويحملون الوثائق الرسمية، التي تتيح لهم البقاء والاستقرار فيها، وفق الإطار القانوني الرسمي لكل دولة على حدة، ومنهم من جاء الى أوروبا وألمانيا بالتحديد، بموجب عقود عمل رسمية مبرمة بين حكومات البلدان المستضيفة وبلدان المهاجرين انفسهم، او من خلال مؤسسات معنية بهذا الشأن، اما النوع الثاني، فهم المهاجرون غير الشرعيون، ومنهم من اتى لبلدان المهجر بصورة قانونية عبر تأشيرة رسمية، ومن ثم بقي فيها ورفض المغادرة، حتى بعد انتهاء فترة السماح الخاصة بتأشيرته، ومنهم من وصل الى بلدان المهجر بطرق غير شرعية وغير قانونية، لأسباب عدة (سياسية، اقتصادية وإنسانية)، او لأسباب تتعلق بالظروف غير الطبيعية التي تعيشها بلدانهم الاصلية من قبيل الكوارث او الحروب، ومن ثم يتم النظر في أوضاعهم وتقوم السلطات بتنظيم وضعهم القانوني في البلدان المستضيفة، او رفض طلباتهم وابعادهم، وازداد عدد هذا النوع من المهاجرين في الفترات الزمنية الاخيرة[4].
فيما يقسم الكاتب مصطفى عبد الغني في كتابه عرب أوروبا.. الواقع والمستقبل، المهاجرين العرب المقيمين فيها الى ثلاث شرائح، بدءاً بشريحة العمال والكسبة، الذين يمتازون بالضعف الثقافي واللغوي والميل نحو العزلة وعدم الاندماج في المجتمعات الحاضنة لهم، والشريحة الثانية، فتضم الكفاءات من ذوي الشهادات والاختصاصات المختلفة والطلبة المقيمين، وهي التي جاءت الى أوروبا بعد شريحة العمال، وكان لها جهود واضحة في التقارب المجتمعي وانشاء بعض المؤسسات والجمعيات والمراكز الخاصة بتنظيم أمور الجاليات وترتيب أوضاعها، لاسيما انها تمتاز بمستويات ثقافية عالية، أسهمت بشكل او باخر في التأثير بالأجيال الجديدة، وفق مفاهيم جديدة تراعي وتزاوج بين تأثير كل من المجتمعات الاصلية والمستضيفة، فيما تشكل الشريحة الثالثة، تلك الأجيال الجديدة والمتأخرة، والتي ولدت ونشأت في البلدان الأوروبية وتأثرت بشكل او باخر بالحضارة والثقافة الأوروبية، ويحمل اغلبهم جنسيات الدول التي يعيشون فيها [5].
كما تم قبول مجموعات أخرى من القادمين العرب، لأسباب سياسية بحتة، ومنحتهم الحكومة الألمانية حق اللجوء السياسي وفق القانون الوطني واتفاقية جنيف المتعلقة بوضع اللاجئين، او بالتنسيق مع المنظمات والمؤسسات الدولية، مثل منظمة الهجرة الدولية IOM، فيما تم استقبال البعض الاخر من العمال والفنيين المؤهلين والمدربين بشكل عالي، وفق مراسيم خاصة، لكل حالة على حدة[6].
وبعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 أيلول / سبتمبر 2001، أصبحت القضايا المتعلقة بالهجرة والمهاجرين، تحظى باهتمام أكبر من قبل حكومات الدول المستضيفة للمهاجرين، ودخلت ضمن البنود الرئيسة في مختلف المؤتمرات والقمم الدولية والإقليمية، على أثر الإجراءات المختلفة المسارات التي اتخذتها تلك الجهات، بناءً على الاتهامات التي طالت المهاجرين العرب والمسلمين، ومسؤوليتهم عن تلك الهجمات وغيرها، مما زاد من تأثيرات الهاجس الأمني والمخاوف تجاه العرب والمسلمين، وبدأت الدول الغربية بتطبيق سياسات جديدة وصارمة تجاههم، وسعت لتقليل اعداد المهاجرين الواصلين اليها والمقيمين فيها، وتم اقرار بعض التشريعات والقوانين، التي اثرت بالتالي على وضعهم في هذه البلدان[7].
وتوزعت الآراء تجاه شريحة المهاجرين في أوروبا، بين أكثرية تمثل طبقة الأحزاب ذات الفكر اليساري الليبرالي، والداعمة للمهاجرين، بناءً على ما تؤمن به هذه الطبقة بالأساس من مبادئ إنسانية والدفاع عن حقوق وقيم الحرية والمساواة، وتوفير متطلبات العيش الكريم، وفق الاتفاقيات الدولية والدساتير الوطنية، فيما تمثل الطبقة الثانية، والتي تزايد مؤيدوها في الآونة الأخيرة، الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة والحركات المناهضة للمهاجرين والرافضة بالأصل استقبالهم ولوجودهم في هذه البلدان، وترى فيهم شكل من التهديدات الأمنية والارهابية، فضلاً عن محاولة ربطهم، بأغلب المشاكل الاقتصادية والديمغرافية والأمنية، التي تعاني منها البلدان الأوروبية، وقد ازداد قبول هذه الأفكار وازدادت شعبية الحركات بعد تفاقم ازمة المهاجرين بعد عام 2015[8].
وهكذا، فان الجالية العربية في أوروبا وألمانيا بالتحديد، مثلت انعكاساً لحال المجتمعات العربية ذاتها، وشكلت مكوناً بشرياً غير متجانس نوعاً ما، لا من حيث الانتماء الجغرافي او القومي، ولا من حيث الاهلية العلمية والمهنية، ولا حتى بالتركيبة العمرية والسنية، ولكن المراحل المتقدمة لتزايد اعداد الواصلين منهم الى بلدان المهجر، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، أشرت اهتمامهم العالي بقضايا مجتمعاتهم الاصلية، وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وضعفاً في الاندماج في الحراك المجتمعي والسياسي للبلدان المستضيفة، على الرغم من حصول الكثير منهم على جنسيات تلك البلدان، مع ظهور بعض الخلافات المتأتية من خلافات بلدانهم الاصلية، او تلك الخلافات القومية والمذهبية، الامر الذي انعكس بالمجمل على بروز التقاطعات داخل هذه المجتمعات ومن ثم ضعف او انعدام تأثير هذه الجاليات على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأوروبي[9].
فيما أشر المتابعون لشؤون المهاجرون كذلك، تصاعداً ملحوظاً للدافع والانتماء الديني (المائل للتطرف احياناً)، لدى شريحة المهاجرين، وصولاً الى ما يشبه الاستقطاب الديني، لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالتركيبة الثقافية والدينية لهم، او تلك المتعلقة بردود الفعل المجابهة لبعض التصرفات اليمينية المتطرفة، مع ظهور بعض الجماعات الدينية عامة والمتطرفة بخاصة، وتزايد مقبوليتها لدى هذه الفئات، مع وجود بعض العوامل الأخرى المتعلقة بواقع البلدان الاصلية للمهاجرين، وما تعرضت او تتعرض له من احداث وقضايا مصيرية، وتدخلات البلدان الغربية، والتي تصل الى حد التدخل العسكري، مما فسر ظهور هذه الجماعات وازدياد مقبوليتها لدى شريحة اللاجئين، والذي انعكس بالمجمل على مسائل الاندماج والتطرف والإرهاب، وردود الفعل المضادة، بتصاعد المد اليميني المتطرف اتجاه الجالية العربية، وتقويض عملية التعاطف المجتمعي مع مختلف القضايا المتعلقة بهذا المجتمع، بحجج شتى[10].
في المحصلة، فمن الواضح بان المشهد السياسي الأوروبي والألماني، افتقد نوعاً ما لتأثير الجالية العربية الواضح في رسم معالمه، وذلك للأسباب الانفة الذكر، فيما اخذ الدور والتأثير تصاعداً واضحاً فيما يتعلق بالمشهد الاقتصادي، لما تحقق في الآونة الأخيرة، بفضل سياسات الاندماج والتأهيل، التي انتهجتها الحكومة الالمانية، فضلاً عن الجهود التي بذلت من قبل اللاجئين أنفسهم او المؤسسات او الجمعيات المعنية بترتيب امورهم، مما انعكس بشكل إيجابي وواضح على دورهم فيما يتعلق بهذا المجال المهم.
ثانياً: واقع الجالية العربية في المانيا
شهد عامي 2015-2016، تدفقاً كبيراً للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين لأوروبا وألمانيا، من بعض مناطق الشرق الأوسط وافريقيا، الامر الذي اثار موجةً من المخاوف والكراهية للقادمين الجدد في هذه البلدان، واستفز حكوماتها، التي أقدم بعضها على اغلاق حدودها، لمنع موجات المهاجرين من اجتياح أراضيها، كما أدى هذا التدفق الكبير، الى احداث تغييرات واضحة على خارطة انتشار المهاجرين، وخصوصاً المسلمين منهم في أوروبا، ليرتفع عدد المسلمين المتواجدين فيها من 16 مليون مسلم عام 2010 الى 25 مليون عام 2016، حظيت المانيا بحصة الأسد من هذا العدد، وجاءت بالمرتبة الثانية بعد فرنسا في استقبالها للمهاجرين المسلمين بمختلف جنسياتهم[11]، وبين عامي 2010-2016، ارتفع عدد المسلمين الذين يعيشون في المانيا من 3.3 مليون (4.1% من عدد السكان)، الى ما يقارب 5 ملايين (6.1%)، وفي نفس الفترة، قبلت المانيا 670000 لاجئ، يشكل المسلمون حوالي 86% منهم[12].
وعلى أثر اكتظاظ اعداد الواصلين الى المانيا، وتفاقم المشاكل الإنسانية التي واجهتهم، اتخذت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، قراراً مهماً، بإزالة اهم حاجز قانوني امام اللاجئين، والذي يفرض عليهم تقديم طلب اللجوء في بلدان وصولهم الأولى، مما يضاعف من معاناتهم، لان هناك تباين في تعامل البلدان مع قضاياهم، ومع تقديمها التسهيلات للقادمين الجدد، ومطالبتها لمواطنيها بتحمل المسؤولية وتصريحها الشهير “يمكننا القيام بذلك”، لتشهد المانيا في ذلك الوقت، تقديم حوالي 1.4 مليون شخص، طلبات للحصول على لجوء[13].
وطورت الحكومة الألمانية سلسلة من الأنظمة، في محاولة منها لدمج اللاجئين بصورة عملية في المجتمع، بغض النظر عن الطريقة التي وصلوا بها الى البلاد، اذ تقوم السلطات الفدرالية بتوزيع عادل لجميع اللاجئين في انحاء الولايات الألمانية الست عشر، وذلك باستخدام حساب عائدات الضرائب وعدد السكان في الولايات كل على حدة، كما تختلف التجارب بين كل منها اعتماداً على السياسة التي تنتهجها او عدد السكان[14].
فيما تعاني الجاليات العربية والمهاجرين في بلدان المهجر من العديد من المشاكل، وبالمقابل، فان حكومات بلدان المهجر، تواجه، هي الأخرى، مجموعة من التحديات والاشكالات المتعلقة بترتيب أوضاع هذه المجموعات السكانية، من قبيل الاندماج والتعليم والتأهيل ومكافحة الجريمة والتطرف والإرهاب وغيرها، الامر الذي فرض عليها وضع استراتيجيات وخطط طويلة الأمد، لمواجهة هذه التحديات وتجاوزها.
وعلى الرغم من ان المشاكل، التي تواجه المهاجرين واللاجئين في البلدان الأوروبية ليست على نمط واحد بالمجمل، وتختلف من بلد لآخر، حسب القوانين التي تحكمه، ونظرة المجتمع المحلي الى هذه الشريحة، لكن هناك أمور أساسية ومشتركة، تتلخص بالآتي:
1- الاندماج وأزمة الهوية: تعد قضية الاندماج من القضايا التي حظيت باهتمام الكثير من المختصين بقضايا الهجرة والمهاجرين، وعلى الرغم من حداثة تناوله والاهتمام به، الا انه اخذ يحظى باهتمام الكثير من الحكومات والمنظمات، نظراً لتصاعد حدة المشكلات المتعلقة بتزايد عدد المهاجرين المتواجدين فيها، الامر الذي تطلب إيجاد اليات محددة لإدراك هذه الإشكالات اولاً، ومن ثم الاستجابة لها، ومنها ما يتعلق بالحواجز اللغوية، والعزلة المجتمعية، وعدم الإحساس بالأمان المجتمعي، مما انعكس سلباً على المستوى التعليمي والتأهيلي لللاجئين، وتقويض احتمالية اندماجهم بالمجتمع، ومن ثم توظيفهم[15].
فقد شخص المتابعون لشؤون المهاجرين بان اعداد غير قليلة من المهاجرين، لا زالوا مترددين بين كل من العزلة، للمحافظة على المفاهيم التي جاء بها من بلده الأصلي، وبين ان يندمج في مجتمعه الجديد، والخوف من ان يؤدي ذلك الى فقدانه جزء مهم مفاهيمه وتقاليده الموروثة، لصالح تلك المستجدة، وقد لوحظ، بان الكثير من هؤلاء، عادةً ما يميلون الى العزلة وعدم الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، مع محاولة إيجاد بعض الكيانات المنعزلة والمنفصلة عن المجتمع الحاضن، وهو ما شكل بالتالي ضغطاً على جهود الحكومات الأوروبية في تطبيق خططها حول الاندماج[16].
وتهدف الحكومة الألمانية، بعد دخول قانون جذب العمالة الأجنبية التخصصية، حيز التنفيذ، مطلع اذار من عام 2020، الى تشجيع الاندماج قبل الهجرة، وفي هذا الصدد، فقد اكدت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج انيته فيدمان ماوتس، بان الحكومة ستعمل على هذا الامر خلال المراحل القادمة، تزامناً مع إقرارها لخطة العمل القومية للاندماج، والتي تسعى من خلالها لجعل البلاد جاذبة للعمالة الأجنبية التخصصية، والعمل على حث المهاجرين على الاطلاع بتفاصيل الحياة في المانيا[17].
وفيما يتعلق بأعداد المستفيدين من برامج الادماج، فقد ذكر المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء في المانيا، بان أكثر من مليون مهاجراً ولاجئاً، انخرطوا في دورات الاندماج وتعلم اللغة للفترة 2015-2019، نصف هذا الرقم ينحدر من بلدان (سوريا، العراق، الصومال، ارتيريا وايران)[18]، وتعمل الحكومة الألمانية، سواءً من خلال جهد مؤسساتها المعنية بشؤون الاندماج او بالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية او المجتمع المدني، على تشجيع الاندماج وتطوير الياته، ومن بين هذه المشاريع يبرز المشروع الذي اعلن عنه وزير الداخلية هورست زيهوفر، تحت اسم (مساجد من اجل الاندماج)، والذي يوفر دعماً للمساجد يصل الى نحو 7 مليون يورو، من اجل اشراك الجهات الفاعلة في المجتمع، ومن بينها المساجد، في إنجاح هذه العملية المهمة[19].
وتأتي هذه الإجراءات وغيرها، ضمن استراتيجية الحكومة الألمانية في مواجهة التحديات التي تواجهها، فيما يتعلق بوضع المهاجرين اليها، وإقرارها لبعض القوانين المتعلقة باندماج المهاجرين وضمان حقوقهم وواجباتهم عام 2016، والذي كان يهدف الى تقسيم اللاجئين، حسب المستشارة ميركل، “بين الذين يمكن لهم البقاء في البلاد، وبين الذين لا يملكون مثل هذه الفرصة، عادةً ان الهدف الرئيس للقانون، يركز على ادماج اكبر عدد من اللاجئين المؤهلين في سوق العمل”[20].
2- الاستقطاب الديني والتطرف
تشير الاحصائيات الرسمية، بان اكثر من أربعة ملايين مسلم ومن مختلف الجنسيات، يعيشون في المانيا، وينشط فيها عدد غير قليل من المنظمات والجمعيات الإسلامية الناشطة في مجالات متعددة، منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي او في تدريس علوم القران واللغة، ومعظمها ينضوي تحت لواء المجلس الأعلى للمسلمين في المانيا، والذي يتولى مسؤولية التنسيق بين مختلف الجمعيات والحوار بينها، فضلاً عن العمل مع الجمعيات، للإشراف على المساجد المتواجدة في مختلف الولايات الألمانية، وقد القت احداث 11 أيلول/سبتمبر بظلالها على الجاليات الإسلامية في المانيا، بعد ان اشارت أصابع الاتهام، الى ان بعض المتورطين بالهجمات، من المسلمين، الذين كانوا يقيمون في المانيا[21].
ويثير موضوع التطرف الديني، قلقاً متزايداً لدى مختلف الجهات السياسية والأمنية، بعد ان اخذت نشاطات بعض التنظيمات والجماعات المرتبطة بالإرهاب، او تلك المرتبطة بالإسلام السياسي بالتنامي، فضلاً عن تصاعد اعداد المنتمين الى الجماعات المتطرفة، وارتفاع حدة الهجمات الإرهابية التي تعرض لها أكثر من بلد أوروبي، ومن بينها المانيا، وتدرج أجهزة الامن الألمانية أكثر من 800 شخص ضمن قوائم لإرهابيين محتملين، يتواجد من بينهم 450 شخص في المانيا، فيما غادرها اخرون الى بلدان اخرى في الشرق الأوسط وافريقيا، هرباً من الملاحقة القضائية، الو للقتال ضمن صفوف الجماعات المتطرفة المسلحة[22].
وعلى اثر ذلك، فقد اتخذت الحكومة الألمانية إجراءات عدة لتقويض اثار هذا التحدي المتزايد، ومنها ما يتعلق بالإجراءات الأمنية والاستخباراتية في مراقبة البؤر المحتملة للتطرف، وتعديل بعض القوانين المتعلقة بالإرهاب[23]، فضلاً عن تخصيصها، لمبلغ 116 مليون يورو في ميزانيتها السنوية لبرامج، الهدف منها، تقديم الدعم لمشاريع تحصين الشباب المسلم من مخاطر التطرف الديني، وحسب وزيرة الاسرة الألمانية كاترينا بارلي، “فان الحكومة عازمة على تفعيل برامج الوقاية من التطرف اليميني واليساري والإسلامي ومواجهة العنصرية والعنف، عادةً ذلك استثماراً ناجحاً، وسيؤدي بالتالي الى تحسين الوضع الأمني بالمجمل، مشددةً على ضرورة العمل مع المؤسسات الإسلامية المعتدلة في برامج التأهيل والوقاية”[24].
3- تصاعد المد اليميني الشعبوي
لم تكن مسألة معاداة المهاجرين واللاجئين جديدة على المجتمعات الغربية[25]، ولكنها استشرت وزادت بعد احداث 11 أيلول / سبتمبر 2001، وما تلاها من تصاعد لموجات من الهجمات الارهابية والمتطرفة، والتي أسست لمفاهيم جديدة ومستحدثة منها ما يعرف ب(الاسلامفوبيا)[26] وغيرها، فيما أدت انتشار ما يعرف بثورات الربيع العربي، الى صياغة ظروف أكثر تعقيداً، لاسيما مع ظهور تنظيم “داعش”، وتمكنه من احتلال أراضي شاسعة من منطقة الشرق الأوسط منتصف عام 2014، وتسبب هذه الأوضاع وغيرها بموجات هائلة من الهجرة الى أوروبا من مناطق الصراع، مع تصاعد في حدة العمليات الإرهابية التي استهدفت اكثر من دولة، ومن بينها المانيا[27].
وتتحد رؤى وأفكار اغلب مؤيدي الفكر اليميني المتطرف، تحت مبادئ الحفاظ على التقاليد والثقافات الأوروبية، وتضع برامج عملها لتحجيم دور المهاجرين واللاجئين في مجتمعاتها، انطلاقاً من هذا المبدأ، ورغم انخفاض اعداد المهاجرين القادمين لأوروبا وألمانيا خلال الأعوام الثلاث الماضية، سعى زعماء الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة في مختلف دول الاتحاد الأوروبي الى استخدام القضايا المتعلقة بالهجرة، ومحاولة ربطها بالإرهاب والتطرف وطمس الهوية، لإذكاء مخاوف مجتمعاتها وحشد دعمها في الانتخابات، لكنها غالباً ما كانت تصطدم بسياسات الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية، والأحزاب الليبرالية، وموقفها الأخلاقي والإنساني الثابت من هذه القضية[28].
ومن اهم الأحزاب الألمانية التي تتبنى الفكر اليميني الشعبوي المتطرف، يأتي حزب البديل من اجل المانيا AFD، الذي استطاع، ولأول مرة، الوصول الى مبنى البرلمان الألماني(البوندستاغ) والحصول على 13% من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2017، مستغلاً ازمة اللجوء وتصاعد حدة الكراهية للأجانب[29]، ويحظى الحزب حالياً، بتأييد متزايد من قبل الناخبين، ويحرز تقدماً في انتخابات الولايات لعام 2019، ومنها ولاية تورنتجن، التي أطاحت بزعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي انغريت كرامب كارنباور، والتي كانت تعد، الى وقت قريب، خليفة ميركل في زعامة الحزب[30].
كما تتواجد على الساحة الألمانية العديد من الحركات الشعبية المناهضة للأجانب بصورة عامة، ومنها حركة بيغيدا، وهي اختصار لـما يعرف ب”أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”، هي حركة ألمانية مناهضة للمهاجرين والمسلمين بصورة عامة، برزت في نهايات عام 2014 وتصاعدت أنشطتها بعد ان دعت قياداتها الى تظاهرة حاشدة رافضة لوجود المهاجرين، وشارك فيها ما يقارب 17 الف شخص، وهناك بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات المانية مستقلة، تذهب بان اكثر من 13% من الالمان يؤيدون افكار الحركة بشكل عام[31].
وقد سجلت أجهزة الامن الألمانية 627 اعتداءً على اللاجئين وطالبي اللجوء في المانيا عام 2018، فضلاً عن 77 اعتداء على مراكز استقبال وايواء اللاجئين، في الوقت ذاته فقد شهدت مدينة كيمنتس الألمانية مظاهرات كراهية شهدت اعمال عنف واعتداءات على اللاجئين، استغلتها أحزاب اليمين المتطرف، على اثر مزاعم مقتل الماني على يد اثنين من الرعايا الأجانب، وفي عام 2018 كذلك، ادان القضاء في مدينة دريسدن ثمانية اشخاص ينتمون الى جماعة يمينية متطرفة، بتهمة الإرهاب والقتل العمد، في هجمات استهدفت مراكز إيواء للاجئين وعدد من السياسيين المحليين الداعمين لسياسات الهجرة في وقت سابق من عام 2015[32].
وفي هذا السياق، فقد أشارت نتائج استطلاع للرأي اجراه موقع شبيغل اونلاين الألماني ونشرته مؤسسة فريدريش ايبرت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 2019، والتي أوضحت ارتفاع نسبة الرافضين للاجئين عموماً، مقارنةً بعام 2016، وصنفت نصف عدد المشاركين ضمن الذين لديهم تحفظات على طالبي اللجوء، كما ذهبت نتائج الاستطلاع، الى ان هناك انتشار غير مسبوق للمواقف السلبية تجاه طلبي اللجوء والمهاجرين، فضلاً عن تجذر المواقف والتصرفات الشعبوية اليمينية لدى فئات واسعة من الالمان، ويرى العديد من المختصين بشؤون اللاجئين، بانه ينبغي التعامل الدقيق مع هذه النتائج، التي لا تعني بالضرورة، ان نصف الشعب الألماني يتبنى أفكار اليمين المتطرف، لكن الواضح، بان هناك تخوف واستياء لدى فئة من الالمان من موضوع اللاجئين، مما يحتم أهمية تحليل أسبابه ووضع الحلول المنطقية له، وهناك أسباب عدة للتخوف، منها ما يتعلق باختلاف الثقافات، ودور الاعلام السلبي، فضلاً عن مسؤولية اللاجئين انفسهم، وتورط بعضهم في هجمات إرهابية او جرائم جنائية وعدم الالتزام بالقوانين[33].
وعلى الرغم من ان المانيا حققت الكثير في مجال ادماج المهاجرين واللاجئين في منظومتها المجتمعية السياسية والاقتصادية، الى ان هناك الكثير من حالات الاستهداف العنصري الذي طال هذه الشريحة عامة، او بعض أعضائها من الذين كان لهم حضوراً واضحاً في المشهد، فقضية لاعب المنتخب الألماني من الأصول التركية مسعود اوزيل، واعتزاله اللعب بسبب شعوره بالتمييز لازالت حاضرة، فضلاً عن معاناة بعض الذين يعملون في المجال السياسي، من الجهات اليمينية، التي تطالب بإعادتهم الى بلدانهم وتخليص المانيا منهم، الا ان ذلك لم يكن مانعاً في حصول 37 شخص من أصول اجنبية على عضوية البرلمان الألماني من اصل 631، في اخر انتخابات برلمانية جرت عام 2017 [34].
وعلى هذا الأساس، فان الجالية العربية في المانيا، تعيش اليوم واقعاً، فرضته بعض المحددات المتعلقة بتعامل ورؤية المجتمع الألماني لهم، وما شهده ذلك من انقسام واضح بين أطراف مرحبة بقدومهم ووجودهم وضرورة دمجهم ضمن المجتمع الواحد، وبين اطاف أخرى، تعدهم سبباً للمشاكل والأزمات المختلفة المسارات، التي تمر بها البلاد، مما قوض بعضاً من دور وتأثير الجالية، لا سيما في الجانب السياسي منه، اذ انه ومقارنةً بالدول الأوروبية الأخرى، فان السياسيون من ذوي الأصول العربية في الساحة السياسية الألمانية قليلون جداً.
ففي الأعوام الأخيرة، شغل عدد من السياسيين ذوي الأصول العربية، مناصب حكومية وحزبية محدودة، منهم، اليمني الأصل طارق الوزير، والذي شغل منصب نائب رئيس وزراء ولاية هيسن ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين، الفلسطيني الأصل رائد صالح، فيما ترشح عدد معدود اخر من السياسيين العرب في الانتخابات البرلمانية للولايات الالمانية، منهم حكيم غزالي مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن مدينة دوسلدورف، وهو من أصول مغربية، فيما ينشط سياسي اخر من أصول عراقية وهو مصطفى العمار، تم انتخابه عضواً في مجلس إدارة الحزب المسيحي الديمقراطي بولاية بادن فورتمبيرغ، ليكون اول عربي ومسلم يتولى هذا المنصب في المانيا[35].
ويرجع عدد من المهتمين بشؤون اللاجئين، ضعف اهتمام العرب المتواجدين في المانيا بالشأن السياسي، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، الى أسباب عدة، من أهمها، غياب الثقافة السياسية، لانشغال اغلبهم بالعمل والمعيشة، او التخوف المرتبط بأسباب تتعلق بالاندماج الثقافي واللغوي، او ما يتعلق بما ورثته هذه الجالية، من مجتمعاتها الاصلية، من انعدام للثقة بأهمية العمل السياسي بصورة عامة، مما قلل من حظوظ وتأثير الجالية العربية، سواءً بالترشح او المشاركة في الانتخابات، ومع تزايد عدد الجالية العربية في المانيا، حاول العديد من السياسيين الالمان التحرك على هذه الجالية وكسب ودها، لاسيما ان ما يقارب 1.5 مليون ناخب منهم يحق له التصويت، مما يشكل فرصة سانحة لدعم مشاركة فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية[36].
ثالثاً: رؤية مستقبلية لحدود الدور والتأثير للجالية العربية في المانيا:
في غضون سنوات قليلة، وبعد موجة الهجرة الكبيرة التي اجتاحت الدول الأوروبية عامي 2015-2016، ازداد عدد الجالية العربية المقيمة في المانيا بشكل مضطرد، وأصبحت الجالية السورية تمثل ثالث أكبر مجموعة من الأجانب، الذين يعيشون في هذا البلد الاوروبي، بعد كل من الجاليتين التركية والبولندية، اذ ينتشر، وحسب الاحصائيات الرسمية، أكثر من 700 ألف سوري بين سكان المانيا البالغ عددهم حوالي 82 مليون نسمة[37]، ويحتل السوريون المرتبة الأولى من طلبات اللجوء عام 2016 بنسبة 36.9%، والعراقيون بالمرتبة الثالثة بنسبة 13.3%[38].
وتبذل جميع الأطراف الألمانية المعنية، (الحكومة الفدرالية، حكومات الولايات والمدن، الحكومات المحلية ومنظمات المجتمع المدني)، على دمج اللاجئين ضمن المجتمع المحلي الألماني، وجعلهم عناصر فاعلة ضمن القوة العاملة والمنتجة فيه، وهو من الأمور المهمة والضرورية بالنسبة للألمان، وذلك بسبب النقص الكبير في عدد العمالة في مختلف انحاءها، وفي هذا الصدد، فقد بدأت العديد من المؤسسات الحكومية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني التطوعية وغير الربحية، مشاريع ومبادرات جديدة ومتواصلة لمساعدة المهاجرين واللاجئين في عملية الاندماج[39].
في المقابل، فهناك العديد من الأطراف داخل المانيا، سواءً من الطبقة السياسية او من مؤسسات المجتمع المدني، او من المواطنين، من الذين يرفضون تقديم تسهيلات للمهاجرين غير الشرعيين، ويعملون بالضد من سياسات ميركل المرحبة باللاجئين، فضلاً عن الخلافات داخل الحكومة الألمانية الائتلافية، حول مقاربتها بخصوص اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوربي عامةً، ولكنه وعلى الرغم من ذلك، استمرت حكومة ميركل في أداء دور قيادي واضح فيما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين، فقد استقبلت المانيا 4600 لاجئ عام 2018 و5600 لاجئ عام 2019، واعادت توطينهم، كمساهمة منها في برنامج الاتحاد، كما وافقت الحكومة الألمانية في تموز /يوليو من عام 2018 على استقبال 300 لاجئ تم اجلائهم من ليبيا[40].
وفي المقابل، تبرز هناك العديد من المعوقات التي تحد من الاندماج المجتمعي للمهاجرين في المانيا، منها ما تتعلق بالقوانين والتعليمات الخاصة بالحكومة الفدرالية او تلك المتعلقة بحكومات الولايات، او تلك المتعلقة باللاجئين أنفسهم، وعدم رغبتهم في الانخراط ببرامج الاندماج والتأهيل الموضوعة سلفاً، او عدم قناعتهم بجدواها، في ظل ما يواجهونه من صعوبات، منها ما يتعلق بسياسات لم الشمل او إيجاد فرص العمل، فضلاً عن تلك المتعلقة بشعور الاغتراب او العزلة المجتمعية، كما ان نسبة كبيرة منهم، تجد صعوبة في فهم تقاليد المجتمع الألماني، وتقبل قواعده وطريقة معيشته.
علاوةً على تصاعد شعبية الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة، في مختلف انحاء العالم وأوروبا، وكذلك المانيا، التي استطاع فيها حزب البديل اليميني، الحصول على أصوات اهلته لان يصبح ثالث كتلة في البرلمان الألماني، ولأول مرة في تاريخه، كما تصاعدت في الآونة الأخيرة، تشكيل جماعات يمينية متطرفة مناهضة للمهاجرين واللاجئين، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة الألمانية في الحد من تنامي نشاطاتها في بث الكراهية والعداء داخل المجتمع، فقد اعتقلت الشرطة الألمانية عام 2019، مجوعة تتألف من 12 شخص، يشتبه في انهم شكلوا منظمة يمينية متطرفة، تهدف الى تنفيذ هجمات تستهدف طالبي اللجوء والمهاجرين، فضلاً عن السياسيين الداعمين لمطالب المهاجرين، اذ اثبتت التحقيقات، التي اجراها المدعي العام الاتحادي، بان تلك المجموعة عزمت على القيام بهجمات مسلحة، لزعزعة النظام الديمقراطي، والتماسك الاجتماعي لألمانيا، ومحاولة تدميره في نهاية المطاف، لغرض تهيئة الظروف لقيام حرب أهلية، وحسب التقديرات التي قدمتها وكالة الاستخبارات الألمانية، بان هناك حوالي 24.100 متطرف يميني، يحتمل ان يكون نصفهم من الذين يشجعون العنف[41].
وتبرز اهم المخاوف التي عبر عنها الالمان، من منتقدي سياسة الباب المفتوح[42]، التي انتهجتها حكومة ميركل، هو ان تقديم الدعم للاجئين والمهاجرين سيكلف الالمان الكثير، وسيشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد الألماني، مع التركيز على عدم اندماج الكثير من المهاجرين في المجتمع وعدم قدرتهم على التأقلم مع الظروف الجديد، مما يجعلهم يشكلون عبئاً مضاعفاً، مع تصاعد نسب البطالة بين اللاجئين، بنسبة 40.5%[43].
وتضيف الهجرة غير الشرعية بصورة عامة ضغوطات على الاقتصاد، وتترتب معها اعباءً على الموازنة العامة نتيجة التكلفة العالية لاستقبال وتأهيل وتوطين المهاجرين، وفي هذا الصدد فقد ارتفعت النفقات الفدرالية الألمانية لاستقبال التدفق العالي من طالبي اللجوء، لتبلغ عام 2018 مبلغ 20.8 مليار يورو، وهو ما يشكل نسبة 6% من مجمل الميزانية الفدرالية، وبانخفاض طفيف عن المبلغ الذي تم تخصيصه عام 2017 والبالغ 21.2 مليار يورو[44].
لحين اعداد هذه الدراسة، فان الكثير من المخاوف والشبهات التي اثارها المعارضون لسياسات ميركل إزاء المهاجرين، لم تكن مبررة او حقيقية، لا سيما ما يتعلق منها بموضوع انخراط المهاجرين بأعمال إرهابية، وزيادة في معدلاتها بسببهم، وربطها بزيادة عدادهم، حيث دلت الاحصائيات على عدم وجود ربط واقعي بينها، فضلاً عن الاتهامات الأخرى المتعلقة بتعطيل الاقتصاد، فحجم الاقتصاد الالماني، وحسب اخر الاحصائيات، تجاوز 4 تريليون دولار، وهو الأكبر بين الاقتصادات الأوروبية، والرابع على الصعيد العالمي، وتحتل المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للسلع في العالم بعد الصين والولايات المتحدة[45].
وفي دراسة أعدها المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين، بان حوالي 35% من المهاجرين الذين وصلوا الى المانيا عام 2015، حصلوا على عمل بحلول تشرين الأول / أكتوبر 2018، مقارنة ب 20% في العام 2017، وأشارت الدراسة كذلك، الى العديد من اللاجئين نجحوا بالعثور على عمل ووظيفة، على الرغم من بعض الصعوبات المتعلقة باللغة والافتقار الى المؤهلات والقدرات المهنية الرسمية، والتي تعد، غالباً، مهمة وضرورية لتأمين عمل في المانيا[46].
كما اشارت نفس الدراسة كذلك، الى بعض الأرقام المفاجئة، منها ان أكثر من 50% من اللاجئين يعملون في وظائف ماهرة، والتي تتطلب عادةً، شهادات تدريب مهني او شهادات اعلى، حيث اشارت الأرقام التي قدمتها الدوائر الرسمية الألمانية بان هناك فقط 20% من اللاجئين يحملون مثل هذه الشهادات، فضلاً عن انخفاض معدلات التقدم بالسن والبطالة، الى ادنى معدلاتها منذ إعادة توحيد المانيا 1990، الامر الذي يمكن ان يقلل نسبياً من مخاوف نقص العمال المؤهلين، اذ اظهر مسح حديث أجرته غرفة التجارة والصناعة الألمانية DIHK، لأكثر من 23000 شركة المانية، ان ما يقارب من نصف هذا العدد، غير قادر على ملء الوظائف الشاغرة لديها على المدى الطويل، لأنها لا تستطيع العثور على موظفين مناسبين[47].
وعلى الصعيد ذاته، فان العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ومنها غرفة التجارة والصناعة الألمانية، التي عملت الى جانب وزارة الاقتصاد الفدرالية، لإنشاء شبكة تضم اكثر من 2000 شركة، بما فيها تلك المتوسطة والصغيرة، وذلك لمساعدة اللاجئين على الاندماج ضمن القوى القادرة على العمل والإنتاج في المجتمع الألماني، وأبدت العديد من الشركات الألمانية المهمة، استعدادها لاستثمار الوقت والمال، وتجاوز بعض العوائق البيروقراطية والتغلب على الاختلافات الثقافية، فيما نفذت العديد من المنظمات غير الربحية برامج خاصة لمساعدة اللاجئين في هذا المجال[48].
كما تم اللجوء الى أسلوب 3+2، بدءاً من عام 2016، والذي يسمح لطالبي اللجوء المرفوضين بإكمال برنامج تدريبي لمدة ثلاث سنوات ومواصلة العمل في نفس الشركة لمدة عامين، مما يخلق استقراراً أكثر لأرباب العمل، وفائدة مجزية للاجئين، من خلال حصولهم على تصريح إقامة دائمي في نهاية الخمس سنوات، على الرغم من عدم أهليتهم للحصول على اللجوء، الامر الذي عالج مشكلة مهمة تتعلق بترحيل طالي اللجوء المنخرطين في برامج التأهيل، اذا ما تم رفض طلبات اللجوء الخاصة بهم[49].
ولكنه، وعلى الرغم من النتائج التي حققتها برامج تأهيل اللاجئين، الى ان المانيا، لا زالت تنفق عليهم وعلى البرامج الخاصة بهم بصورة عامة، أكثر مما تجنيه منهم على شكل ضرائب ومساهمات اجتماعية وغيره، لكن اخر الدراسات التي صدرت عن المعهد البريطاني للبحوث الاقتصادية، توقع ان تتحول مساهماتهم الى الايجاب، بحلول عام 2021 فصاعداً، بعد انجاز بعض المشاريع الخاصة بدمج وتأهيل اللاجئين.
واستناداً على ما سبق، فان المانيان تعد من أكثر الدول استقبالاً للمهاجرين خلال الآونة الأخيرة، وتعرضت حكومتها الى العديد من الضغوطات السياسية والاقتصادية على أثر ذلك، لان عملية دمج هذا العدد الكبير من اللاجئين في المجتمع الألماني، يتطلب رصد أموال، اثرت بشكل او باخر على الوضع الاقتصاد، الا انه، وعلى الرغم من هذه التكلفة العالية، الا انه من الممكن ان يجلب فوائد اقتصادية عالية، لألمانيا، في ظل معاناة المجتمع، من تقدم السن، الى جانب الاثار السياسية الأخرى المهمة، التي افرزتها عملية استقبال اللاجئين، وفتح الحدود امامهم، والصعود السريع لحزب البديل من اجل المانيا، الامر الذي زاد كذلك من مزاج الشعبوية المعادية للمهاجرين، في المانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى[50].
الا ان مؤشرات نجاح الجهود الألمانية في تجاوز ازمة اللاجئين، والنتائج التي حققتها الحكومة الفدرالية وباقي المؤسسات المعنية بهذا الملف، فضلاً عن الدراسات واستطلاعات الرأي، التي اكدت وبشكل واضح الى الفوائد التي ستجنيها المانيا اقتصادياً ومجتمعياً من المهاجرين واللاجئين، ستكون اكثر من الذي بذلته خلال مرحلة الدمج وإعادة التأهيل، وان نجاح هذه التجربة، سيكون كفيلاً بجعلها نموذجاً يمكن ان يحتذى به في بعض الدول التي تعاني من نفس المشاكل المجتمعية الألمانية، فضلاً عن تجاوز بعض الإشكالات الأخرى المتعلقة برهاب وكراهية الأجانب، وتحجيم الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة.
الى جانب معالجة المشكلة الكبيرة المتعلقة بالشيخوخة السريعة للمجتمع الألماني، ونقص الايدي العاملة الماهرة في مختلف انحاء البلاد، يمكن ان يسهم بالمحافظة على ازدهار سوق العمل الألماني وتحقيق الفوائد الاقتصادية التي يمكن ان تدفع باتجاه تحقيق نمو اقتصادي عالي، كما ان نجاح تجربة الاندماج يمكن ان يقلل من مدفوعات الحكومة الألمانية فيما يخص هذا الملف، ويزيد بالتالي من عائدات الضرائب، ويقلل من مصاريف المعونات الاجتماعية.
وعلى هذا الأساس، فان استقبال ودعم المانيا الواضح لاستقبال اللاجئين ومن ثم توطينهم وتأهيلهم، يعود لأسباب عدة، في مقدمتها ما يتعلق بالعامل الأخلاقي والإنساني، الذي يعد واحداً من اهم محددات السياسة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، ودعمها المتواصل للقضايا المتعلقة بحقوق الانسان وكفالة حرية الانتقال من بلد لآخر، فضلاً عن الأسباب الأخرى المتعلقة بالبراغماتية الاقتصادية، بغية معالجة بعض المشاكل المستعصية التي يعاني منها الاقتصاد الألماني، من نقص الايدي العاملة الشابة والمؤهلة لإدارة النشاط الصناعي والتجاري المحلي، في ظل الشيخوخة التي يعاني منها المجتمع بصورة عامة.
اما فيما يتعلق بالأداء العام للمهاجرين واللاجئين المتواجدين في المانيا، فالوضع يختلف من جانب لآخر، ففي الجانب الاقتصادي، وكما تم تناوله انفاً، فان الدور الذي يمكن ان يؤدوه في هذا الجانب، يشهد تصاعداً ملحوظاً، بفعل السياسات الحكومية الداعمة لتأهيلهم والانخراط بقوة في النشاط التجاري والصناعي، في حين لا زال دور اللاجئين، في الجانب السياسي محدوداً، ولا يتوقع له ان يكون مؤثراً وفاعلاً خلال المستقبل المنظور، الا في حالات محدودة، وذلك لأسباب مختلفة، منها عدم ظهور، شخصيات سياسية من مجتمعات اللاجئين، قادرة على اقناع هذه الشريحة بانتخابها، وانها ممثل حقيقي لطموحاتها ومدافع عن حقوقها، علاوةً على أسباب أخرى، تتمثل بالضغوطات التي تتعرض لها الحكومة الألمانية والأحزاب والحركات المدافعة عن حقوق المهاجرين واللاجئين، او هذه الشريحة نفسها من قبل اليمين المتطرف، مما يقوض طموحاتها في تجاوز محددات او معوقات اداءها لدور اكبر على الساحة الألمانية بمختلف مساراتها.
خاتمة:
يحظى ملف الهجرة والمهاجرين الى أوروبا وألمانيا باهتمام متزايد من قبل المهتمين بهذا الشأن، وطالما يتواجد في صلب نقاشات الطبقات السياسية فيها، في ظل بروز تحديات عدة، وتزايد التأييد لأفكار بعض التيارات التي تقف بالضد من مساعي الترحيب بهم، وتضييق الخناق على حرية تنقل الأشخاص، وفي الوقت عينه، فان هناك تباين واضح بين سياسات الهجرة وتجلياتها بين البلدان الأوروبية عامةً، فدولة مثل المانيا، لديها سياساتها الخاصة بالترحيب بالمهاجرين واحتوائهم، فيما تتخذ حكومات دول مثل إيطاليا والنمسا والمجر سياسات مناهضة للهجرة والمهاجرين، بفعل وجود أحزاب يمينية في ائتلافاتها الحكومية.
وتنقسم الآراء فيما يخص وضع المهاجرين في المانيا، بين من يرحب بهم ويدعم اندماجهم وتأقلمهم مع وضعهم الجديد، ويضع فيهم بعض الآمال للتخلص من المشاكل المتعلقة بشيخوخة الايدي العاملة، ومجابهة التحديات المستقبلية الخاصة بوضعها، وفي الجهة الأخرى، هناك من يرفض تواجد هؤلاء المهاجرين بشكل او باخر، لاسيما الأحزاب اليمينية الشعبوية، ويربط بين المشاكل المجتمعية والأمنية والاقتصادية التي تعاني منها دولهم ومجتمعاتهم من جهة، وبين تزايد اعداد المهاجرين واللاجئين من جهة أخرى.
وفي الوقت عينه، فقد انقسم المهاجرون أنفسهم الى عدة أصناف، منهم من حاول خلال المرحلة الماضية تطوير وتأهيل ذاته، والاندماج في المجتمع المحلي الجديد الذي تواجد فيه، مما وفر له إمكانية العمل او الدراسة والحصول على فرص جديدة لتحقيق الذات، في حين لم يتمكن الصنف الاخر من المهاجرين التأقلم مع الوضع الجديد، ولم يجهد نفسه لترتيب أوضاعه.
اما فيما يتعلق بحدود الدور والتأثير الذي يمكن ان تقوم به الجالية العربية في المانيا، فانه مرتبط ببعض المحددات المتعلقة بأوضاع الجاليات نفسها وبقاءهم ضمن الدوائر الضيقة المتعلقة بأصولهم وعدم البحث عن اليات جديدة للاندماج او التعاون مع الحكومة والمؤسسات المعنية بهذا الشأن، ومن ثم إيجاد موطئ قدم لهم في المشهد الألماني (السياسي، الاقتصادي)، مما يقلل بالتالي من دورهم وتأثيرهم، وبالتالي يضيع عليهم فرص المشاركة في صنع القرار، ومجابهة بعض السياسات المتطرفة المتعلقة بمجتمعات المهاجرين من جهة، او تلك المتعلقة بالأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الرافضة لوجودهم اصلاً.
وهكذا فان المستقبل المتعلق باللاجئين العرب في المانيا، ينبئ بانعكاسات إيجابية، بفضل التقدم الواضح والملموس الذي أنجزته السلطات فيما يتعلق بإتمام نواقص هذا الملف، وعلى الرغم من اعلان ميركل (الداعم الأكبر للمهاجرين)، بانها لن تكون مستشارة لألمانيا للمرة الخامسة، وانخفاض اعداد طالبي اللجوء والمهاجرين الواصلين اليها، الا ان ما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية، يمكن ان يشكل قاعدة حقيقية للانطلاق الى مستقبل دور أكثر استقراراً للاجئين.
التوصيات:
1- ضرورة زيادة التنسيق بين أبناء الجالية العربية المتواجدين على الأراضي الألمانية، وذلك لغرض ترتيب أوضاعهم في مختلف المسارات (السياسية، الاقتصادية والاجتماعية وغيرها).
2- تفعيل عمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بمتابعة أوضاع وشؤون اللاجئين، والدفع باتجاه، تأسيس مؤسسات جديدة، تشجع انخراطهم في المجتمعات المستضيفة، وتسهل بالتالي اندماجهم، وزيادة تأثيرهم فيها.
3- أهمية العمل المشترك مع مؤسسات الدولة الألمانية المختلفة، سواءً الفدرالية منها، او تلك الخاصة بالولايات والمدن، لتحقيق اهداف الاندماج المجتمعي، وزيادة الانخراط والتأثير.
4- اقتراح بعض البرامج، لتشجيع أبناء الجالية بمختلف انتماءاتهم، للانخراط في العمل السياسي، والمشاركة الفاعلة في الانتخابات، وباقي الشؤون السياسية، الامر الذي يتيح لهم، اختيار ممثليهم في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بحرية وبدون أي ضغط يذكر، مما يؤثر بالتالي على الوزن السياسي للجالية داخل المجتمع الألماني.
5- تبني بعض المبادرات الداعمة للوسطية وتقبل الاخر، داخل بعض مجتمعات الجالية، وتبني الأفكار الرافضة للتطرف والإرهاب.
6- الاستفادة من الأدوار الإيجابية للجاليات العربية، في تطوير العلاقات بمختلف اتجاهاتها (الاقتصادية، السياسية، الثقافية، وغيرها)، مع مختلف الدول العربية.
7- محاولة تقويض مشكلة عزلة مجتمعات الجاليات العربية وانطوائها على نفسها، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية لها، من خلال حث الأجيال الجديدة على الانخراط في البرامج الداعمة للاندماج.
قائمة المراجع:
- الاتحاد الأوروبي: أحداث العام 2018، التقرير العالمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش 2018، https://www.hrw.org/ar/world-report/2018/country-chapters/313655
- أحدث الأرقام: هذه هي خارطة المسلمين في أوروبا، موقع كيو بوست الاخباري، 2018، https://bit.ly/2z7aklq
- الإسلاموفوبيا.. معاناة المسلمين في ديمقراطيات الغرب، موقع الجزيرة، 2019، https://bit.ly/2Tu96I6
- الخارطة السياسية لأوروبا، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، 2006، https://bit.ly/2VV3bx0
- ألمانيا تدفع 7 ملايين يورو لـ”مساجد من أجل الاندماج”، موقع أبواب، المانيا، 2019، https://bit.ly/3d39Prv
- ألمانيا تعتزم العمل على الاندماج قبل الهجرة، الاتحاد برس، 2020، https://aletihadpress.com/?p=173592
- ألمانيا.. معجزة اقتصادية فرضت نفسها بقوة في العالم، موقع سكاي نيوز عربية، أبو ظبي، 2019، https://bit.ly/2TyWfUR
- ألمانيا: مليون لاجئ شاركوا في الاندماج وتعلم اللغة نصفهم من سوريا ودول أخرى، شبكة بلدي، 2019، http://8rbtna.com/a.php?id=2028
- المهاجرون العرب في أوروبا.. وشراك المافيا، موقع البيان، 3/6/1999، https://www.albayan.ae/one-world/1999-07-03-1.1077503
- النصف الفارغ من الكأس ..استياء الألمان من اللاجئين وأثره على الاندماج، موقع قنطرة الألماني، 2019، https://ar.qantara.de/node/35430
- امجد زين العابدين طعمة ونوار جليل هاشم، مكافحة الظلام: رؤية في سياسات الدول الأوروبية في مكافحة الإرهاب، دار امجد للنشر والتوزيع، عمان 2019.
- ايمن رفعت، ‘عرب أوروبا .. الواقع والمستقبل’ .. أول دراسة تولي هجرة العرب إلى الغرب أهمية قصوى، موقع مديل ايست اونلاين، 2012، https://bit.ly/2SJuzfM
- تعرّف على أشهر معادي المهاجرين “العرب” في أوروبا، https://www.almadenahnews.com/article/422544
- جاسم محمد، التحدي الإسلامي في ألمانيا، عين أوروبية على التطرف، 2019، https://eeradicalization.com/ar/the-islamist-challenge-in-germany/
- جاسم محمد، النازيون الجدد يهددون أمن ألمانيا، مجلة المجلة، 2019، https://bit.ly/3c0I1mg
- حزب البديل من اجل المانيا، موقع DW، المانيا، 19/4/2020، https://p.dw.com/p/1G3Q7
- حسن العاصي، العرب في أوروبا: سيكولوجيا الاغتراب: أزمة انتماء وهوية رمادية، شبكة النبأ، 2018، https://m.annabaa.org/arabic/authorsarticles/16725
- خالد شمت، 116 مليون يورو لمكافحة التطرف بين مسلمي ألمانيا، موقع الجزيرة، 2017، https://bit.ly/2zYffoG
- رولان مرعب، تداعيات الهجرة غير الشّرعيّة على أوروبا وأبعادها، مجلة الدفاع الوطني، لبنان، العدد 98، تشرين الأول 2016، https://bit.ly/3dE7Idn
- سلام الكواكبي، الجاليات العربية في أوروبا ومدى اندماجها في المشهد المدني والسياسي، موقع الأوان، 2013، https://bit.ly/2AjO7Rj
- سلام عبد الله، الاندماج… سرّ البقاء في ألمانيا، العربي الجديد، 2016، https://bit.ly/2Zo9Q57
- شادي عاكوم، “البديل” يربك المشهد السياسي الألماني ويكثف الضغوط على ميركل، موقع العربي الجديد، 2020، https://bit.ly/3cP0zXC
- شيرين يونس، عرض كتاب قضايا المهاجرين العرب في أوروبا، موقع الجزيرة، 2011، https://bit.ly/3c0Ys1X
- عبد الأمير رويح، الهجرة الى ألمانيا .. سياسة الباب المفتوح هل يغلقها الارهاب؟، شبكة النبأ المعلوماتية، 2015، https://m.annabaa.org/arabic/rights/4420
- مروة عبد الحليم، دينامية التطرف المتبادل.. الإرهاب اليميني والجهادي وجهان لعملة واحدة، موقع المرصد المصري، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2020، https://marsad.ecsstudies.com/21350/
- هشام الدريوش، المشهد السياسي في ألمانيا.. ما أسباب ضعف الحضور العربي؟، موقع DW الألماني، 2017، https://p.dw.com/p/2kLea
- Germany busts ‘terrorist organization’ that planned attacks on Muslims, refugees, Arab News, April 23, 2020, https://arab.news/zm5j6
- Andrea Grunau, Electioneering in the Federal Republic: Courting the immigrant vote, Qantara.de, Germany, 2017, https://en.qantara.de/node/28881
- Lily Hindy, Germany’s Syrian Refugee Integration Experiment, The Century Foundation, September 6, 2018, https://tcf.org/content/report/germanys-syrian-refugee-integration-experiment/?session=1
- Nora Jasim Ragab, Political Participation of Refugees: The Case of Afghan and Syrian Refugees in Germany, Robert Bosch Stiftung, Sweden, 2018, p.9
- Siobhan Dowling, Germany welcomed refugees. Now it’s reaping the economic benefits, Aljazeera, 20 jun, 2019, https://www.aljazeera.com/ajimpact/germany-welcomed-refugees-reaping-economic-benefits-190617194147334.html
- Stefan Trines, The State of Refugee Integration in Germany in 2019, World Education Services, August 8,2019, https://wenr.wes.org/2019/08/the-state-of-refugee-integration-in-germany-in-2019
- The Growth of Germany’s Muslim Population, Pew Research Center: Religion and Public Life, 2017, https://www.pewforum.org/essay/the-growth-of-germanys-muslim-population/
- The Palestinian Community in Germany, Op. Cit. p7-8.
- The Palestinian Community in Germany, Palestine International Institute, Germany, 2015.
[1] حسن العاصي، العرب في أوروبا: سيكولوجيا الاغتراب: أزمة انتماء وهوية رمادية، شبكة النبأ، 2018، https://m.annabaa.org/arabic/authorsarticles/16725
[2] المصدر نفسه.
[3] الخارطة السياسية لأوروبا، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، 2006، https://bit.ly/2VV3bx0
[4] لمهاجرون العرب في أوروبا.. وشراك المافيا، موقع البيان، 3/6/1999، https://www.albayan.ae/one-world/1999-07-03-1.1077503
[5] ايمن رفعت، ‘عرب أوروبا .. الواقع والمستقبل’ .. أول دراسة تولي هجرة العرب إلى الغرب أهمية قصوى، موقع مديل ايست اونلاين، 2012، https://bit.ly/2SJuzfM
[6] The Palestinian Community in Germany, Palestine International Institute, Germany, 2015.
[7] شيرين يونس، عرض كتاب قضايا المهاجرين العرب في أوروبا، موقع الجزيرة، 2011، https://bit.ly/3c0Ys1X
[8] رولان مرعب، تداعيات الهجرة غير الشّرعيّة على أوروبا وأبعادها، مجلة الدفاع الوطني، لبنان، العدد 98، تشرين الأول 2016، https://bit.ly/3dE7Idn
[9] سلام الكواكبي، الجاليات العربية في أوروبا ومدى اندماجها في المشهد المدني والسياسي، موقع الأوان، 2013، https://bit.ly/2AjO7Rj
[10] مروة عبد الحليم، دينامية التطرف المتبادل.. الإرهاب اليميني والجهادي وجهان لعملة واحدة، موقع المرصد المصري، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2020، https://marsad.ecsstudies.com/21350/
[11] أحدث الأرقام: هذه هي خارطة المسلمين في أوروبا، موقع كيو بوست الاخباري، 2018، https://bit.ly/2z7aklq
[12] The Growth of Germany’s Muslim Population, Pew Research Center: Religion and Public Life, 2017, https://www.pewforum.org/essay/the-growth-of-germanys-muslim-population/
[13] Lily Hindy, Germany’s Syrian Refugee Integration Experiment, The Century Foundation, September 6, 2018, https://tcf.org/content/report/germanys-syrian-refugee-integration-experiment/?session=1
[14] المصدر نفسه.
[15] Stefan Trines, The State of Refugee Integration in Germany in 2019, World Education Services, August 8,2019, https://wenr.wes.org/2019/08/the-state-of-refugee-integration-in-germany-in-2019
[16] ايمن رفعت، مصدر سابق.
[17] ألمانيا تعتزم العمل على الاندماج قبل الهجرة، الاتحاد برس، 2020، https://aletihadpress.com/?p=173592
[18] ألمانيا: مليون لاجئ شاركوا في الاندماج وتعلم اللغة نصفهم من سوريا ودول أخرى، شبكة بلدي، 2019، http://8rbtna.com/a.php?id=2028
[19] ألمانيا تدفع 7 ملايين يورو لـ”مساجد من أجل الاندماج”، موقع أبواب، المانيا، 2019، https://bit.ly/3d39Prv
[20] سلام عبد الله، الاندماج… سرّ البقاء في ألمانيا، العربي الجديد، 2016، https://bit.ly/2Zo9Q57
[21] The Palestinian Community in Germany, Op. Cit. p7-8.
[22] جاسم محمد، التحدي الإسلامي في ألمانيا، عين أوروبية على التطرف، 2019، https://eeradicalization.com/ar/the-islamist-challenge-in-germany/
[23] للمزيد ينظر: امجد زين العابدين طعمة ونوار جليل هاشم، مكافحة الظلام: رؤية في سياسات الدول الأوروبية في مكافحة الإرهاب، دار امجد للنشر والتوزيع، عمان 2019.
[24] خالد شمت، 116 مليون يورو لمكافحة التطرف بين مسلمي ألمانيا، موقع الجزيرة، 2017، https://bit.ly/2zYffoG
[25] تنشط على الأراضي الألمانية العديد من الحركات اليمينية المناهضة للأجانب، ومن اهمها حركات (الهوية، مواطني الرايخ، النازيين الجدد)، والتي تعترف بالنظام النازي، ولا تعترف بالنظام القائم حالياً، تتبنى هذه الحركات معاداة الأجانب. للمزيد ينظر: جاسم محمد، النازيون الجدد يهددون أمن ألمانيا، مجلة المجلة، 2019، https://bit.ly/3c0I1mg
[26] الاسلامفوبيا، “يعني الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، ويعد نوعاً من أنواع العنصرية ممثلاً بجملة من المشاعر والأفكار النمطية المعادية للإسلام، ويعني كذلك رهاب المسلمين، ويرجع اغلب المؤرخون استعماله الى بدايات القرن العشرين، للمزيد ينظر: الإسلاموفوبيا.. معاناة المسلمين في ديمقراطيات الغرب، موقع الجزيرة، 2019، https://bit.ly/2Tu96I6
[27] تعرّف على أشهر معادي المهاجرين “العرب” في أوروبا، https://www.almadenahnews.com/article/422544
[28] الاتحاد الأوروبي: أحداث العام 2018، التقرير العالمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش 2018، https://www.hrw.org/ar/world-report/2018/country-chapters/313655
[29] حزب البديل من اجل المانيا، موقع DW، المانيا، 19/4/2020، https://p.dw.com/p/1G3Q7
[30] شادي عاكوم، “البديل” يربك المشهد السياسي الألماني ويكثف الضغوط على ميركل، موقع العربي الجديد، 2020، https://bit.ly/3cP0zXC
[31] المصدر نفسه.
[32] الاتحاد الأوروبي: أحداث العام 2017، مصدر سابق.
[33] النصف الفارغ من الكأس ..استياء الألمان من اللاجئين وأثره على الاندماج، موقع قنطرة الألماني، 2019، https://ar.qantara.de/node/35430
[34] Andrea Grunau, Electioneering in the Federal Republic: Courting the immigrant vote, Qantara.de, Germany, 2017, https://en.qantara.de/node/28881
[35] هشام الدريوش، المشهد السياسي في ألمانيا.. ما أسباب ضعف الحضور العربي؟، موقع DW الألماني، 2017، https://p.dw.com/p/2kLea
[36] المصدر نفسه.
[37] Lily Hindy, Op. Cit.
[38] Nora Jasim Ragab, Political Participation of Refugees: The Case of Afghan and Syrian Refugees in Germany, Robert Bosch Stiftung, Sweden, 2018, p.9
[39]Lily Hindy, Op. Cit.
[40] الاتحاد الأوروبي: أحداث العام 2017، مصدر سابق.
[41] Germany busts ‘terrorist organization’ that planned attacks on Muslims, refugees, Arab News, April 23, 2020, https://arab.news/zm5j6
[42] وهي السياسة التي انتهجتها المستشارة الألمانية ميركل في معالجة ازمة المهاجرين عام 2015، وافضت باستقبال اعداد كبيرة منهم، وتقديم كل التسهيلات لهم، ينظر: عبد الأمير رويح، الهجرة الى ألمانيا .. سياسة الباب المفتوح هل يغلقها الارهاب؟، شبكة النبأ المعلوماتية، 2015، https://m.annabaa.org/arabic/rights/4420
[43]Lily Hindy, Op. Cit.
[44] Stefan Trines, Op. Cit.
[45] ألمانيا.. معجزة اقتصادية فرضت نفسها بقوة في العالم، موقع سكاي نيوز عربية، أبو ظبي، 2019، https://bit.ly/2TyWfUR
[46] Siobhan Dowling, Germany welcomed refugees. Now it’s reaping the economic benefits, Aljazeera, 20 jun, 2019, https://www.aljazeera.com/ajimpact/germany-welcomed-refugees-reaping-economic-benefits-190617194147334.html
[47] المصدر نفسه.
[48] المصدر نفسه.
[49] Stefan Trines, Op. Cit.
[50] Stefan Trines, Op. Cit.