
استراتيجية الاستقرار بالسكن الفردي في علاقته بانتظارات الأسر المتباينة
المسارات: حي أدرار بأكادير (المغرب)
Stability strategy at individual housing in relation to the aspirations of different family’s trajectories: Adrar district (Agadir-Morocco)
أ.محمد أصبان/جامعة ابن زهر أكادير،المغرب إشراف أ.د. عبد الكر يم ساعة/جامعة ابن زهر أكادير، المغرب
PhD S. Mohamed ASSEBANE/University Ibn Zohr – Agadir- (Morocco)
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 61 الصفحة 9.
ملخص:
استندت هذه الدراسة الميدانية على عينة مقيدة وفقا لمقاربة نوعية شملت على 12 مشاركا ومشاركة في موضوع الحركية السكنية نحو السكن الفردي في علاقته بانتظارات الأسر المتباينة المسارات. وقد خلصت في النهاية إلى أن الهياكل المادية للمنازل إلى جانب مورفولوجية مجالاتها الداخلية والخارجية، وكذا التجهيزات المنزلية لدى النموذجين من الأسر، كانت تعتبر أهم المؤشرات التي تتحكم في مدى انسجام عدد أعضاء الأسرة مع الوظيفة التي يقدمها المسكن. إذ أن النموذج الأول من الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان (القادمة من السكن الاقتصادي، والسكن الصلب العشوائي) كانت تظهر في رفاه داخلي متفاوت نسبيا، كما أن عدد الغرف التي تتوفر عليها، كانت تتناسب مع حجم أسرتها، والتي كانت عند بعضها تفوق عدد أفرادها؛ خلافا لما هو عند النموذج الثاني من الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان (ساكني أحياء الصفيح سابقا).
الكلمات المفتاحية: الحركية السكنية، السكن الفردي، الاستقرار السكني، الاستراتيجية السكنية.
Abstract:
The article deals with the subject of residential mobility towards individual housing in relation to the expectations of different families tracks. We relied on the observation method and the semi-directed interview according to a sample society consisting of 12 families. The research concluded that the physical structures of the houses, along with the morphology of their internal and external areas, as well as the household equipment of the two household models, was considered the most important indicator that controls the adequacy of the number of family members with the function provided by the house. The first model of households not included in the policy of re-housing (coming from economic housing and random overcrowded housing) showed relatively uneven internal well-being, and the number of rooms available was proportional to the size of their families, more than the number of its members; unlike in the second model of households involved in the policy of re-housing (formerly slum dwellers).
Keywords: Residential mobility, individual housing, residential stability.
مقدمة:لقد شكلت الحركية السكنية أهم القضايا التي شغلت العديد من الدارسين والباحثين بمختلف توجهاتهم، وميادينهم، ومشاربهم العلمية؛ سيما تلك الأبحاث السوسيولوجية والانثروبولوجية الحضرية التي نحت في اتجاه دراسة تأثير السياسات الإسكانية على استقرار الأسر التي تم ترحيلها من أحياء الصفيح إلى تجزئة سكنية جديدة مختلطة مع أسر متباينة المسارات، وعلاقة كل ذلك بعمليات الإشراف الذاتي على البناء. ويبدو أن” الدراسات في العلوم الاجتماعية التي أنجزت حول مسألة (الحركية السكنية/التنقل السكني)، هي قديمة ومتعددة، انبثقت من تخصصات متنوعة منها الديموغرافيا، والجغرافيا، والسوسيولوجيا، والانثروبولوجيا، والتاريخ”.[1]
إن ثنائية الحركية السكنية وتلاؤم السكن الفردي مع الاحتياجات الوظيفية للأسر المتباينة المسارات، كموضوع إشكالية هذه الورقة البحثية؛ حاولنا مقاربتها بتشخيص ودراسة بعض جوانبها التي تتعلق بسياسة الترحيل للأسر من الأحياء الصفيحية؛ بعدما كانت تعاني من أشكال التهميش، والعزلة المكانية، والاستبعاد الاجتماعي.. أصبحت اليوم تتوفر على مسكن فردي خاص بها، إلى جانب الأسر المتباينة المسارات (القادمة من السكن الاقتصادي، والسكن الصلب- العشوائي)، يضمن لهما مجالا واسعا من الاستقلالية الذاتية وفرصة سانحة في تطوير مساكنهما والارتقاء بها، وفقا لتصوراتهما الرمزية والثقافية الخاصة.
ترجع أهمية هذه الدراسة إلى أنها تحاول مقاربة أحد الجوانب المتعلقة بالديناميات الاجتماعية الحضرية كظاهرة الحركية السكنية نموذجا لها، في محاولتنا لفهم ومقاربة قضية الحركية السكنية نحو السكن الفردي في علاقتها باستراتيجية الاستقرار وبانتظارات الأسر المتباينة المسارات. وقد ارتبط المجال البشري لهذه الدراسة بالأسر المستقرة في التجزئة السكنية التي تم تخصيص جزء منها للسكن الفردي الرسمي، بحيث أن هؤلاء – كما هو في متن هذا المقال البحثي- من بينهم الأسر التي تم استهدافها في برامج سياسة إعادة إسكان قاطني دور الصفيح، إلى جانب تلك الأسر التي لا تدخل ضمن هذه السياسة الإسكانية.
ويقع المجال الجغرافي للدراسة على التراب المحلي لعمالة أكادير إدوتنان، وتحديدا في الجنوب الغربي للمملكة على امتداد “مساحة تقارب 150 هكتار”[2]. فقد وقع اختيارنا على أحد التجزئات السكنية الجديدة بمنطقة تبعد عن مركز المدينة بحوالي 11 كيلومترا، وهي تجزئة “أدرار” التي “تعتبر منطقة حضرية حديثة النشأة، تقع على مدخل المدينة من جهة الشرق، ويفصلها الطريق الوطني السريع عن حي تيكوين من جهة الجنوب”[3]، وإمسكين شمالا، وحي تليلا غربا.
إجمالا، هدفت الدراسة إلى عقد مقارنة بين هذين النموذجين من الأسر المتباينة في مسارها، وذلك من خلال دراسة جانب يهم تلاؤم السكن الفردي مع مختلف استراتيجية الاستقرار السكني بالحي الجديد.
أولا: إشكالية الدراسة وفرضيتها
عرفت مدينة أكادير المغربية نزوح سكان القرى نحو المدن بحثا عن فرص الشغل أو هربا من قحط البوادي وغيرها من الأسباب إلى نشوء أحياء الصفيح، نتيجة وضع اليد على الأرض بطريقة غير مشروعة ولا قانونية. “لقد أضحت قضية التمازج الاجتماعي من القضايا الملحة التي طرحت نفسها بإلحاح شديد في برامج سياسات الإسكان، حيث أصبحت هدفا لاتخاذ الإجراءات العامة، وخاصة تلك الأشكال النضالية التي كانت ضد ظاهرة الغيتوghettos”[4].إلا أن الوسائل المستخدمة في تحقيق المزيج الاجتماعي ليست دائما خالية من تهمة التمييز[5]ولكن أصبحت في المقابل، بمثابة الآلية التي تسمح لنا بشكل وافي ودقيق، على تحليل واقع السياسات الإسكانية التي تبرمجها الدولة ومؤسساتها في قطاع التعمير والإسكان، وذلك من خلال عمليات التقسيم الاجتماعي للفضاء الحضري division sociale de l’espace urbaine، ودورها إلى جانب سياسة المزيج الاجتماعي في إعادة إنتاج تفاوتات جديدة بين الأفراد المقيمين على نفس التجزئة السكنية، وفي إنتاج مجتمع غير متجانس.
ووعيا منا بأن المجتمع الأكاديري يتشكل من مجموعات إنسانية تختلف بحسب نشاطاتها السوسيومهنية ووضعها الاقتصادي المادي في استخدام الفضاء السكني؛ الشيء الذي يحيلنا منذ البداية إلى التساؤل، حول تأثير عمليات التقسيم الأراضي على الأسر المتباينة المسارات؛ تلك الأسر التي استفادت من دعم الدولة في إطار سياستها الإسكانية، حيث أصبحت تتوفر الآن على بقع أرضية في تجزئة سكنية جديدة، بعد عملية الانتقال التي عرفتها هذه الأسر من السكن الصفيحي إلى البناء الرسمي الخاص؛ وهو التحول الذي قد ينتج عن تغيرات كبيرة على مستوى الأسر وأعضائها من جهة، ثم كذلك تلك الصعوبات والتحديات التي عرفتها ولازالت تعرفها هذه الأسر المحدودة الدخل أثناء مباشرتها عملية الإشراف الذاتي على البناء.
إن التجزئة Lotissement السكنية الجديدة المخططة للسكن الفردي لا تشمل فقط على الأسر المستفيدة من سياسة الترحيل، التي غالبا ما تنتمي إلى فئات ذات الدخل المحدود، وتحتاج إلى وقت طويل في بناء منازلها، وفي ضمان استقرارها الاجتماعي والاقتصادي؛ وإنما تشمل كذلك على الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان، مما قد تكون من الفئات الاجتماعية المتباينة في جانبها السوسيو ثقافي، والمهني، والاقتصادي، ومن حيث مساراتها الحياتية.
ينطلق البحث من سؤال مركزي حول كيفية تفسير تلاؤم السكن الفردي بتجزئة أدرار مع مختلف انتظارات الأسر المتباينة المسارات بمدينة أكادير ؟
وقد افترضنا أن السكن الفردي يتلاءم مع مختلف انتظارات هذه الأسر المتباينة المسارات.
ثانيا: المفاهيم الأساسية لإشكالية الدراسة
يبقى تحديد مفاهيم الدراسة أهم خطوة يواجهها الباحثين الاجتماعيين عند محاولتهم لمعالجة إشكالية الدراسة، باعتبارها القاعدة النظرية والفكرية التي يتأسس عليها العمل البحثي. واستنادا على ذلك، فإننا ركزنا في هذا الجانب على المفاهيم الإجرائية التالية :
- مفهوم الانتقال السكني la mobilité résidentielle/ الحركية السكنية
نقصد بالانتقال أو الحركية السكنية، ذلك التأثير الناتج عن الانتقال/الحركية السكنية المخطط لها أو غير مخطط لها من عمق دائرة استراتيجية هذه الأسر المتباينة المسارات، بحيث يمكن أن يقوم على عناصر مشجعة عن طريق فكرة الرضا والاستقرار في السكن الراهن، أو قد يكون عكس ذلك، حينما يشمل على عناصر غير مشجعة على البقاء في الموقع المستقبل الجديد.
- مفهوم السكن الفردي
السكن الفردي، هو نموذج من نماذج الإسكان الحديث بالمغرب، حيث يتسم هذا النموذج بطابع الملكية الفردية أو المشتركة أو الكراء أو الرهن، ويتميز بنوع من الحرية في تصميم الرفاه الداخلي والخارجي للمسكن، وباستخدام أحدث الوسائل التي يوفرها فن الهندسة المعمارية؛ من مواد بناء عصرية، ونوافد مطلة على الخارج، وبمساحات متفاوتة من الأرض، حيث يتوفر في بعض الأحيان على حدائق صغيرة، ويتميز بمدخل أو مدخلين على الاكثر يكونان في مجمل الأوقات مغلقان ويصعب الولوج اليهما بدون إذن مالكيها. وهذا النموذج من السكن يتشكل من الطبق الأراضي إلى حدود طبقين علويين على الأكثر مع سطح محاط بسور. أما من حيث المساحة، فهي تتفاوت حسب موقع المنزل في الحي، وحسب قوة المالكين في سوق العقار، وكذا طبيعة سياسة إعادة الإسكان التي يمكن أن تطال فئات دون أخرى؛ بمعنى تخصيص بقع أرضية بأقل أثمنة لإعادة إسكان فقراء الحضر في أماكن محددة مسبقا، دون قدرتهم للوصول إلى البقع المخصصة لأفراد آخرين من المتوافدين على الحي.
- مفهوم الاستقرار
إن استراتيجية الاستقرار السكني في هذه الدراسة، هي خيار يرجع إلى القاطنين في نهاية المطاف، فقد يعود اختيار البقاء في نفس المسكن إلى عوامل عدة، منها على سبيل المثال؛ توفر الحي على مختلف البنيات التحتية، وعلى التجهيزات الجماعية، وكذا الخدمات الأساسية المختلفة من ناحية، ثم كذلك قد ترجع إلى مسألة المسافات الاجتماعية، والمهنية، والاقتصادية، واليومية التي قد يتسم بها التنظيم الاجتماعي للإفراد والجماعات من داخل الحي.
ثالثا: منهجية وأدوات الدراسة
تتطلب مجمل الأبحاث السوسيولوجية التي يتعرض لها الباحثين والدارسين الاجتماعيين عند محاولتهم لفهم الظواهر الاجتماعية التي تحيط بمجال دراساتهم، إلى اعتماد مجموعة من الإجراءات المنهجية والوسائل البحثية العلمية، التي تمكنهم من اختيار المناهج التي تلائم طبيعة مواضعهم، وتحديد الأدوات والتقنيات التي تمكنهم من جمع المعطيات والبيانات العلمية قصد الوصول إلى نتائج موضوعية ودقيقة حول الظاهرة المدروسة.
إن هذه الدراسة الراهنة انبنت على مقاربة كيفية وعلى مداخل نظرية مختلفة جمعت بين تقنية الملاحظة البسيطة والملاحظة المنظمة، إلى جانب المقابلة المقننة والشبه المقننة، وعلى مصادر وتقارير رسمية. معتمدين على عينة مقيدة وفقا لمقاربة نوعية شملت على 12 فردا من عينة البحث قيد الدراسة.
إن أهم الصعوبات التي واجهتنا أثناء عمليات إنجاز البحث، تأتي في مقدمها صعوبة التنقل في الحي وضرورة التخفي أثناء عمليات التصوير الفوتوغرافي. كما أن دليل المقابلة المعتمد، كان يشكل نوعا من الانزعاج حول المدة التي تأخذها كل مقابلة مع المبحوثات والمبحوثين على حد سواء. زد على ذلك، تلك الصعوبة التي تعلقت بالبحث عن المبحوثين نهارا؛ وهذا دفعنا إلى عقد عدة مواعد مع المبحوثين ليلا لإجراء المقابلة معهم.
-عرض ومناقشة نتائج الدراسة
- أعضاء الأسرة والاحتياجات الوظيفية في المسكن
إن قيام أنماط السكن الفردي على أسلوب البناء الذاتي، يترك مجالا واسعا لقوة الرأسمال المادي والاجتماعي الذي يحظى به الأفراد داخل مجتمع الحي الواحد، والذي يمكن أن تلعب فيه كذلك، الأبعاد المادية، والعمرانية، والمعمارية التي تشكل سمة الهياكل البنائية، إلى جانب رفاهية المجال الداخلي للمسكن، دورا مهما في تحديد تلاؤم السكن للأفراد عن عدمه (أنظر الجدول رقم : 1). كما تعد نسبة الكثافة الاجتماعية للأفراد من داخل المسكن ضمن المؤشرات التي تسمح لنا باستيعاب مسألة الكثافة الاجتماعية السكنية التي يشغلها الأفراد في المسكن الواحد على مستويات حركاتهم، وتفاعلاتهم الاجتماعية المكانية. لذلك فقد عرفت تصاميم البناء السابقة، تغييرات مست العديد من الوحدات الأساسية للمنزل، كما عند أحد المبحوثون الذين لا يدخلون في سياسة إعادة الإسكان، والذي وصل أخيرا إلى ملكية المنزل الفردي، بعدما كان يكتري شقة في السكن الاجتماعي: »العمران مادارت والوا من هادوك البلانات.. خايبين، الفصالة لدارت ممازيناش، أنا البلان ليدرت خلصتو«، (شركة العمران لم تحدث شيئا يذكر في هذه التصاميم .. إنها تصاميم سيئة. فأنا شخصيا، دفعتمن أجل تغير التصميم الذي اعتمدته في البناء). المبحوث الثاني
يدل هذا الخطاب على رفض اعتماد تطبيق التصاميم المقدمة سلفا وإلى نقدها، باعتبارها لا تتلاءم مع رغبات المبحوث. كما أن هناك اعترافا واضحا نحو قدرة الساكنين على التغيير الداخلي للمسكن أمام سلطة المال؛ ما دام أن الأمر يتعلق بسياسة الأداء على التغييرات التي تحيط بالتصاميم السكنية؛ حينما لا تتماشى مع رغبة المالكيين إدراكا منهم بهذه اللعبة القانونية المقصودة، والتي تضغط على جيوب المواطنين في مقابلة تعبئة صناديق الدولة : » ما يقارب 70 بالمئة من الناس قد باعوا أراضيهم، وهناك من يسكنون في جدران بغير طلاء. الناس مساكين، فالناس هناك من لديه إكراهات، لكن أنا الحمد الله لم تكن عندي اكراهات« . فما قد يكونمحفزا قانونيا يفرض قيودا مالية على نموذج من الأسر، كما هو الشأن بالنسبة لأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، قد يكون إكراها قانونيا غير مبرر واقعيا أمام الظروف التي تختلف حسب كلا النمطين من الأسر(التصميم الذي أعده المهندس غير مناسب؛ لأنه تصميم ينبني على توجيه البناء عموديا حتى يحصل لك التوفر على حجرات كافية، ولكن نحن ليس باستطاعتنا إتمام طبقات المنزل. كما أن المهندس يعتبر نفسه كذلك، أن أفراد الأسر لا يتجاوز عددهم ثلاثة، وقد نسي بأن الناس القادمين من البوادي نحو أحياء الصفيح، كانوا فقط يعيشون في الطابق الأرضي). المبحوثة الخامسة
انطلاقا من كلام المبحوثة، يمكن أن نسجل بأن عبارة» غير مناسب «لا تقوم فقط علىمنطق التغيير في المجال الداخلي للمسكن كما هو قائم لدى العديد من المبحوثين، ولكن يمكن أن نستطلع أيضا ذلك البعد المادي الهش للأسرة التي لا تقدر على البناء الذاتي الكامل نحو تشييد الطابق العلوي الثاني. وهذا ما يؤدي عند بعضهم إلى اللجوء لتقليص عناصر الوحدات الداخلية، كالدرج والمطبخ مثلا، أو إلى حذف بعض الوحدات السكنية مثل، المرحاض وتعويضه بوحدات وظيفية أخرى في حدود إمكانيتها المادية، وقد تقوم بهذه الإضافات، بشكل عشوائي يشمل غياب تقسيم الوحدات الداخلية، كما عايناه في أغلب المساكن التي يستخدم أعضاؤها، أقمشة أو ستائر لتعويض الأبواب والنوافذ، وحتى الجدران (أنظر : الشكل 1). »من لداخل، مثلا الدوش وحمام دار ليك فيه 2مترو، وعاطينك 64 مترو، كيف هادير ليها، كولشي غيرتو أنا«(من الداخل، مثلا خصص المهندس للحمام مترين، ولديك بقعة لا تتجاوز 64 مترا، لا يعقل ذلك. لقد غيرت كل شيء).المبحوث الرابع
الشكل 1 : التغيرات اللاحقة بالتصميم السابق
|
3 . 4. غرفة النوم
|
إن طريقة تقسيم السكن، وتحقيق الرغبة الملحة لدى غالبية النموذجين من الأسر في تغيير تصاميم البناء الأصلية، تكشف لدينا تارة، تلك الخصوصيات السوسيو ثقافية التي يحملها الأفراد في أذهانهم وممارساتهم، حيث الراحة في العيش في المسكن الواسع والمنظم وفق منطقياتهم الحدسية أو العكس، يعبر عنها بنقد التصاميم السابقة أو الأصلية. كما تجسد التصاميم الراهنة تارة أخرى، ذلك البعد الواقعي للكثافة السوسيو مكانية التي تفرضها الشروط الموضوعية للمسكن، حينما لا يتوافق التقسيم الداخلي للمسكن مع مختلف تطلعات الأفراد، فيتم اللجوء بعدها إلى طلب تغيير التصاميم السابقة بطرق شرعية قانونية؛ في حالة ما إذا توفرت القدرة المادية لأرباب الأسر، أو باللجوء إلى طرق غير شرعية لا قانونية؛ حينما يعجز أرباب الأسر على دفع هذه التكاليف التي تشمل تغيير التصميم الداخلي. هذه الأخيرة، كانت حاضرة فقط، عند ثلاثة من الأسر التي تندرج في سياسة إعادة الإسكان.
يمكن أن نستشف من خلال العلاقة بين أعضاء الأسر وبين مساحة المعيش، بأن هناك تفاوت في استغلال المجال الخاص ما بين هذه الأسر المتباينة المسارات. فبالنسبة للأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان، فمعظمها تتوفر على منزل يتكون من طابقين، سوى مبحوث واحد كان لا يتوفر إلا على منزل يتكون من طابق أرضي مع سطح مؤقت. كما أن أعضاء الأسرة وعدد الغرف، يختلف عددها ما بين ستة أعضاء، واثنين كحد أدنى، إلى جانب 7 غرف، وأخرى ثلاثة، ضمن مجتمع بحث هذه الدراسة.
لقد صدفنا فور إجراء مقابلتنا مع الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، من ضمنها الأسر التي استطاعت بناء الطابق الأول، حيث يتكون أفرادهااثنين إلى 8 أعضاء، موزعين على غرفتين إلى أربعة غرف، إضافة إلى أسرتان لم تستطيعا الوصول إلى بناء الطابق الأول من المنزل، وتتكون هاتان الأسرتان من سبعة أعضاء، موزعين على غرفتين إلى ستة غرف. كما أن هناك أسرتان فقط، ضمن الأسر التي لا تستغلان مجاليهما الخاص بالكامل، نظرا لأن إحداهما في عقد شراكة :»تلاقينا مع واحد سيد شي شويا خايب، مع هاذ السيد داكشي ليدرنا معاه ماداروش « (تعاقدنا مع رجل سيء بعض الشيء، لأن هذا الرجل لم يوفي بوعده الذي توعدنا عليه) المبحوثة الثانية. أما الأسرة الثانية التي لجأت إلى كراء الطابق الأرضي، فقط كانت مقابلة لزوجين في وقت واحد، حيث يعربان بالقول : (المسكن غير كافي، نحن ثمانية أفراد، أربع بنات، وزوجين، وعدد الغرف اثنتين في الطابق الأعلى، واثنتين في الطابق السفلي الذي تم كراؤه) مقابلة مع زوجين.
إن معطى الوحدات السكنية التي تتفاوت في مساحتها الأرضيةما بينm²64، m²72، m²74، لم تكن أحد العوامل الرئيسية التي تستوجب تكييف المسكن مع الاحتياجات الوظيفية للأفراد فقط، ولكن تفاوت المساكن في وظائفها وعدد طبقاتها وطبيعة رفاهيتها الداخلية، اعتبرت من جانب الاستقرار عاملا ملازما لهذه التغييرات التي طالت الهيكلة البنائية الداخلية للمساكن في علاقتها بعدد أعضاء الأسرة. لذلك، لاحظنا بأن هناك من الأسر التي لجأت إلى إضافة غرفتين أو أكثر على سطح المنزل، بطرق قانونية، تخضع لمواد بناء حديثة، وهناك عكس ذلك من لجأت إلى استخدام مواد تقليدية مثل، الخشب، والقصدير، أو البلاستيك كما هو قائم عند بعض الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان.
تبين عدد الغرف السكنية المتوفرة لكلا النموذجين من الأسر، ذلك الجانب منالطلب الذي يلجأ إليه الأفراد حينما تكون كثافة الأعضاء مرتفعة، سيما عند الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، حيث درجة التزاحم تظهر بشكل جلي، كما هو الشأن عند بعض الأسر التي يبلغ عدد أعضائها من سبعة إلى ثمانية أفراد، وهي لا تتوفر إلا على غرفتين من مجموع مساحة المنزل. في مقابل ذلك، نجد من الأسر التي لا تدخل في سياسة الإسكان، جانب مهم من الانسجام والتوافق بين مجموع عدد الأفراد مع مجموع عدد الغرف المتاحة.
يبرز حجم الأسرة، كما وجدناه في أغلب الأحيان عند الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، مسألة مهمة لا يمكننا تجاوزها هنا، وهي تلك الكثافة التي تشمل الاستعمال والتناوب على مرفق واحد، كالمرحاض أو المطبخ أو غرف النوم المشتركة ما بين الأبناء مثلا (أنظر نموذج الشكل التوضيحي رقم : 1 ). فهذه الوحدات تعتبر من أحد السمات المهمة التي ميزت هذا النموذج من الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان.
والجدير بالذكر هنا، أن الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان، أبانت عن رضاها وكفاية وظائف المسكن مع جميع أعضاء أسرتها، نتيجة تلك التغيرات التي طالت مجالاتها الخاصة، ما عدا مبحوث واحد فقط، من احتفظ بالتصميم السابق » الضوايا أور تمقور، إزا أدكغ أكايونو غوقرعي، إخصا اتنفاس تكمي، د تافوك » (الشرفة غير كبيرة كما يقول البعض، هل أضع نفسي في قنينة ؟، إنما يجب أن يكون هو حصول التهوية، ووصول الشمس إلى الداخل) المبحوث الثاني. فهذا المبحوث يشغل مهنة البقالة، ولديه أسرة تتكون من ستة أفراد، تعيش في مسكن ذا طابقين في إشارة إلى أن المسكن في حاجة إلى الطلاء الخارجي.
وأما عن الأسر التي تدخل في سياسة الإسكان، فمعظمها لا تشغل كل مجالاتها الخاصة، إما لأنها في عقد شراكة، أو في عقد كراء، أو بسبب عجزها عن الإشراف الذاتي الكامل على المبنى. لذلك، توجهت أغلبية هذه الأسر إلى الاكتفاء بتغيير من تصاميمها الداخلية حتى تكيف احتياجات أفرادها، إما من خلال العمل على تقسيم طابقها الأرضي إلى جانب استغلال طابق علوي غير مكتمل، أو باللجوء كما هو الشأن عند أحد المبحوثين الذين لا يدخلون في سياسة إعادة الإسكان، إلى الاحتفاظ بنفس التصميم السابق للمسكن، دون إشغال جميع مرافقه التي تحتاج إلى الصيانة.
تبقى مسألة التغيير الداخلي للمسكن الفردي، مسألة شخصية لا تتعلق بنموذج أو بآخر من الأسر المتباينة المسارات، ولكنها تتعلق بطبيعة القناعات التي يحملها المبحوثون تجاه المسكن عموما، وكذلك المحددات التي تفرضها الكثافة الاجتماعية السكنية الموضوعية.»فأما عمليات البناء بالجهد الذاتي المعان فرغم الخطأ بالتقليل من أهميتها واعتبارها عملا ضئيلا فيمكنها أن تلعب دورا مهما في أن تجعل المساكن متفقة مع الواقع الثقافي المحلي ليس فقط على مستوى المكونات التخطيطية والسكنية فحسب، ولكن أيضا على مستوى المساحات التي تخصص للاستخدام اليومي لحياة هؤلاء الناس.[6]« لهذا نرى بأن عملية التغيير الداخلي للمجالات الخاصة –حتى في غياب البناء الذاتي المعان-، قد لعبت دورا مهما في تكييف تطلعات الأسر المتباينة المسارات مع استراتيجية الاستقرار السكني، لأن هذه التغييرات لا تنحصر على السكان القادمين من أحياء الصفيح، ولكن هامش كبير في إحداث هذه التغييرات من طرف هذين النمطين من الأسر، على الرغم من ذلك الاختلاف الذي يمكن أن يطال مستوياتهم الثقافية، والعلمية، والسوسيو مهنية، يصبح في النهاية ضرورة تنسجم وتتماشى وطبيعة التصورات التي يحملها الأفراد.
- التنظيم الداخلي للمجال الخاص
نشير بداية إلى أن الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان، باستثناء مبحوث واحد فقط على أنها قد استطاعت أن تُتمم طبقات المنزل R²، وهذا ما يُوفر لها مساحة سكنية تكفي لسد جميع الرغبات التي يتطلع إليها أفراد أسرتها (أنظر الجدول : 3). لذلك يمكن من خلال ملاحظاتنا الميدانية، بأن نصنف المبحوثين حسب المورفولوجية التنظيمية الداخلية العامة للمجال الخاص إلى أربعة أصناف :
الصنف الأول : الأسر التي لا تدخل في سياسة الإسكان، وهي أسر تتمتع برفاه داخلي مهيأ بالكامل، من حيث التجهيزات المنزلية، وعدد المرافق، ومن حيث البيئة السكنية الجيدة.
الصنف الثاني : الأسر التي لا تدخل في سياسة الإسكان، وهي أسر تتوفر على منزل مقسم في جميع جوانبه، ولكنها في حاجة إلى الإصلاحات الضرورية، حيث تهيئة الطابق الأرضي يبدو في حالة جيدة دون الطابق الأول الذي نجده قد تحقق عند أسر وقد غاب عند أسر أخرى، ولكنها عموما في حاجة إلى بعض التعديلات مثل، إضافة الأبواب، والنوافذ، والصباغة وغيرها.
الصنف الثالث : الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، وهي أسر تتميز بتهيئة ضعيفة لمجالاتها الداخلية.
الصنف الرابع : الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، وهي أسر تفتقر إلى أبسط الإصلاحات الضرورية لمجالاتها الخاصة.
إن المعطيات التي حصلنا عليها عن طريق المقابلات، إلى جانب الملاحظات التي سجلناها على مستوى المجالات الخاصة لهذه الأسر المتباينة المسارات، تتفق بشكل كبير مع تلك الدراسات التي أنجزها كل من دايفد ديور D.Dwyer,وشالوموه أنجل (Shlomo Angle, et. Al., 1977) وجيفري باين (Geoffrey Payne, 1977) . حيث خلصوا إلى أن عملية إزالة وإعادة توطين القاطنين في المستوطنات البشرية الجديدة، يمكن أن يخلق مجتمعا غير متجانس اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا[7]. لذلك وجدنا أنفسنا أمام نماذج متعددة من المورفولوجيات الداخلية وليس أمام نموذج مورفولوجي متجانس. فاختلاف المسارات السكنية ما بين المبحوثين كان عاملا مهما في كشف هذه التباينات التي تميز كل أسرة عن بعضها البعض. وهذا لا يجعلنا نستبعد تلك التمايزات الاجتماعية التي تتشكل منها التركيبة السكانية للحي.
يعتبر الصنف الأول منالأسر التي لا تدخل في سياسة الإسكان، ضمن الأسر التي تتمتع برفاه داخلي مهيأ بالكامل، حيث التوفر على وسائل الراحة، كما على عناصر الاندماج السكني، تبدو واضحة بشكل جلي منها : الصالونات المجهزة، إلى جانب الغرف المزينة، وتعدد أجهزة التلفاز في المنزل الواحد، إضافة إلى جهاز التدفئة، وآلة التصبين، والثلاجة، والفرن الكهربائي وغيرها؛ مما جعل المبحوثين يعربون عن رضاهم ولو بشكل نسبي، كما هو الشأن مع أحد المستجوبين الذي يتوفر على سيارة من نوع رباعية الدفع، وهو أب متقاعد لأسرة تتكون من ثلاثة أعضاء، يقيم في مسكن مهيأ بالكامل، سواء من الداخل أو من الخارج : »الغرف كول كاع 7، وخا غيكان لان سول إميك الإحتياجات سول، نسكر نكني يات لاكوزين غيزدار صافي التجهيزات إكا متوسط ماشي زعما لوكس زعما غيكلي كولوا ران ميدن «(لدي سبعة غرف، وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الاحتياجات القليلة. أنشأنا مطبخا واحدا في الطابق السفلي فقط. والتجهيزات، هي تبدو متوسطة ولا تمثل نوعا من الرفاه، كما يريده جميع الناس) المبحوث الخامس.
إذا حاولنا فهم كلام المبحوث، فإننا سنلاحظ بأننا أمام خطاب يعبر على طموحات مستقبلية أخرى، فمهما توفرت الضروريات بشكل أو بأخر، تبقى الرغبات والطموحات لا تنتهي. فثمة هناك عقد مقارنات مع المورفولوجيات الإسكانية الأخرى، وهي مقارنات تجعل المبحوث يكون غير راضٍ لما يتوفر عليه في مجاله الداخلي من حيث التجهيزات. كما أنه كذلك غير راضٍ بهذا التصميم العمراني الذي اختاره شخصيا لمنزله؛ وهو ما يتضح من خلال حديثه عن توفر المنزل على مطبخ واحد بالطابق الأرضي، في إشارة منه بأنه غير كافٍ ويحتاج دائما إلى نقل الطعام الجاهز من الطابق الأرضي نحو الطابق الأول، في حالة ما إذا كانت الأسرة على موعد للزيارات العائلية والأقرباء.
نفس الشيء تماما بالنسبة لمبحوث أخر، وهو أب متقاعد، يعيش فقط مع زوجته، وقد أجرينا معه هذه المقابلة من داخل مجاله الخاص :»5بيوت وصالون، حيث شويا كان التغير ف التصميم بحال المرحاض كان ف هاد الكوان وفوق منو مرحاض أخر من ناحية لا تخيتويت « (لدينا خمس غرف وصالون، لأننا أضفنا القليل من التعديلات في التصميم، كالمرحاض مثلا جاء مقابلا مع المكان الذي يتواجد فيه الأخر بالطابق الأول، والذي يسبب مشكلة الترقيط – البقع). المبحوث السادس.
إن التغيرات المهمة التي نجدها حاضرة على مستوى المجالات الخاصة بالنسبة لهذا الصنف من الأسر، هي تغييرات مست جميع عناصر التصميم السابق تقريبا، باستثناء مساحة الشرفات التي لم تُطرح بالنسبة لهم أي مشكل، في مقابل تلك التعديلات التي كانت متكرّرة جدا عند هؤلاء المبحوثين، حول استبدال مكان الدرج والباب اللذان صُمِّما سابقا في منتصف واجهة المنزل، حيث تم تغييرهما نحو الزاوية اليمنى من المبنى.
كما أن الحالة الداخلية للمبنى، كانت تتسم بكمالية مواد البناء المستعملة فيها، لا على مستوى جداراته (المبنى)، وأبوابه، ونوافذه، ولا حتى على مستوى البيئة الصحية السكنية المرغوبة، مما يجعلها متميزة وتضفي على ساكنيها نوعا من الجمالية والألفة مقارنة مع منازل الأسر الأخرى. وفي هذا الصدد يأتي ذكر أحد المبحوثين الذين يندرجون في سياسة إعادة الإسكان، عندما سألناه عن ملائمة السكن فأجابنا بالقول :» بزز، درنا فين نتخباو وتخبينا كيفما كايكول« (لا خيار لدينا، قمنا ببناء مخبأ، وتخبأنا فيه، كما هو شائع في القول).
إذا أردنا أن ننتقل إلى الصنف الثاني من هذه الصنوف المبحوثة، يمكننا أن نرى جانبا مضيئا من جوانب التي تظهر للمبحوثين على أنها كذلك، على اعتبارها أنها لا تحتاج إلا لوقت حتى يتمكن رب أسرتها من جمع المال. وقد عاينا ذلك، من خلال مقابلة أجريناها مع رجل يبلغ من العمر 52 سنة، وهو أب لأسرة تتكون من 4 أعضاء، يشتغل في مهنة تسير روض في طابقه الأرضي بالمنزل : » كاين شي حوايج مزال مافينتهومش بحال البيبان باقي تابعني داكشي، تايكونو الفلوس الحمد لله«( هناك أشياء أخرى لم أنتهي بعد من صيانتها، كالأبواب التي لازالت تطاردني، إلى أن يتوفر لدي المال، الحمد لله). المبحوث الثالث.
لابد وأن نشير بداية، على أن المبحوثين الذين كانوا من هذا الصنف من الأسر، كان معظمهم يتوفر على مسكن ذو طابقين إلا واحد من هؤلاء المبحوثين، مع اختلافات قليلة في حالة التهيئة الداخلية؛ بمعنى أنها تبدوا بالنسبة لنا في مظهر لا يصل إلى ذلك الشكل من التهيئة الكاملة التي عايناها عند الصنف الأول من الأسر. لقد كانت هذه الأسر وخصوصا منهم مستجوبين، أحدهما يعيش في مسكن ذو طابق أرضي، ولكنه مهيأ بالكامل ما عدا الشرفة والطابق العلوي فإنهما في حاجة إلى إتمامهما. هذا المبحوث الذي قابلناه، هو رجل يشتغل في مهنة الصيد، وأب لأسرة حديثة، تتكون من ثلاثة أفراد، حيث يبلغ من العمر 36 سنة. إن هذا المبحوث يرى خلاف ما وجدناه عند جل المبحوثين، حيث لا يفكر في بناء الطابق الأول من المنزل، إلا بعد الانتهاء من تهيئة الطابق الأول بالكامل. »حنا دابا ف لتحت وديما كاتكول خاصك دير إصلاح، كين لاموزيك الوجبص« (نحن نسكن الأن في الطابق الأرضي، ودائما تُحدِّثُ نفسك بأنك في حاجة إلى إدخال الإصلاحات) المبحوثة الرابعة.
وأما الأخر من المبحوثين، فإنه كان يعيش في مسكن ذا طابقين غير مهيأين بشكل كامل، حيث يشتغل في مهنة البقالة، ويعيش مع أسرته التي تتكون من ستة أعضاء.» إخصاك الفلوس ماسا تسكارت «(لكي تُضيف شيئا، تحتاج إلى المال) المبحوث الثاني.
ما يمكننا قوله هنا، هي أن أسبقية التهيئة للمجالات الخاصة، لا ترجع حسب نتائج البحث إلى اختلاف أنماط التفكير لوحدها أساسا، ولكنها ترجع إلى الظروف المالية أولا، ثم إلى الضرورة التي يفرضها حجم الأسرة مع حدود وظيفة المسكن، فيكون بالتالي كما هو عند أغلبية الأسر التي تدخل في هذا الصنف، إلى تفضيل السكن في تهيئة هشة للمجالات الخاصة، في مقابل تشييد الطابق الأول من المسكن، لاعتبارات تتعلق أساسا بحجم الأسرة.
كما أن الجدير بالذكر، أن هؤلاء المبحوثين وإن تشابهوا في مسائل مثل، تمكنهم من تحقيق قدر يقترب من الرفاهية التي يحظى بها الصنف الأول في مجالاتها الخاصة دون النظر إلى طبقات المسكن، لكن ما زالت هناك أمور كثيرة تجعل من هذه الأسر تكون في حاجة إلى مزيد من الوقت، وتوفير المال والجهد من أجل تحقيق إتمام عمليات البناء الذاتي في المستقبل، والذي قد يُمثَّل له عند بعض المبحوثين كشبح مطارد تارة، أو كإصلاحات لا تنتهي تارة أخرى عند البعض الأخر، ولكنها تجد حلها في عبارة : الحمد الله.
إن الخطاب الديني وُظّف عند جميع الأصناف الأربعة من الأسر بدون استثناء، فنجد أنه يُطلق أحيانا على أشياء يملكها المبحوث ويعيش في كنفها ويطلب دوامها؛ بمعنى أنها موجودة في حوزته على مستوى الواقع. كما يُوظّف أحيانا أخرى، على أشياء موجودة ولكنها محاطة بقيود قد تكون مادية أو معنوية، مثل تمني بروز سلوك أفضل دون الذي تراه من عاقد الشراكة الذي قد تجد أو لا تجد معه حلا في المستقبل.
يتقاسم الصنف الثالث من الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان معا، جانبا مهما من جوانب مورفولوجيتها الداخلية، حيث أنها أقل معاناة بالقدر الذي يعاني منه الصنف الثالث من الأسر، من حيث التجهيزات وصيانة مجالاتها الداخلية. فحالة مبانيها التي تتكون من طابقين على مستوى الداخل، تقترب كثير من الحالة التي توجد بها الأسر التي تندرج في الصنف الثاني. لكن هذه الأسر مهما عبرت عن القليل من المعاناة، فإن ذلك يعود إلى عدم الرضا على الظروف التي تعيشها حاليا، والتي لا تلبي كل طموحاتها. فعلى الرغم من الإصلاحات التي أدخلتها على منازلها، كالزليج والتبليط الفسيفسائي، أو تزين بعض جوانب المنزل بنقوش الجبص لدى بعضها، إلا أنها ما زالت تطمح إلى تعديلات وصفتها في الغالب بالمتدرجة وكلها آمل بمستقبل مضيء.
وهنا تحضرنا مقابلة أجريناها مع سيدة تعيش مع زوجها الذي يشتغل في مهنة الترميق، وهي أسرة تتكون من أربعة أعضاء ولا تستغل إلا الطابق الأول مع السطح، لأن طابقها الأرضي في عقد شراكة ممنوحة بالملكية :»الزليج، ل تواليت والكوزينة، البيبان باقين، الوشراجم لداخلين مازل الصباغة عادية، والجبص لا « ( أقمنا التبليط الفسيفسائي للمرحاض والمطبخ، أما الأبواب فهي غير موجودة، ونفس الشيء بالنسبة لإطارات النوافذ الداخلية كذلك. كما أن الصباغة تبدو عادية، وأن المنزل لا يتوفر على الجبص).
تطرح قضية عدم إتمام بعض الوحدات المتعلقة بالمجالات الخاصة، إكراها كبيرا بالنسبة للمبحوثين، في مقابل ذلك الجانب المتعلق بواجهات المنزل، التي في الغالب ما يتم تغييبها من طرف المستجوبين. فهذا يعد بالنسبة لهم شيئا ثانويا في ظل عدم إتمام تهيئة المنزل من الداخل. وقد لاحظنا ذلك كثيرا عندما يتحدثون عن التغييرات التي قاموا بها على التصميم السابق، فإنهم يرجعون ذلك إلى أن هناك رغبة جديدة في تغيير أحد الوحدات الداخلية للمنزل، كما هو الشأن بالنسبة لهذه السيدة :»جاتني واحد الصالة كبيرة، إن شاء الله إلى سهل الله هادي نزيد ف الدار« ( يظهر لي أن الصالة كبيرة، إن شاء الله إن يسر الله سأبني الطابق الثاني).
قد نزيد على ما سبق، أن هذا الصنف من الأسر التي لم تصل بعد، إلى تحقيق الوسائل التي تساعد على الاندماج في مجالاتها الخاصة، فإنها تحاول دائما أن تتكيف مع الظروف السكنية الحالية، بتوظيف عبارات :»مزال الفراش، مزال الفينسيون، تانتمناو تال عند الله«، (بقيت لنا الأفرشة، وإتمام صيانة المنزل، نتمناه عند الله).
إن هذه الأسر لا تعاني إلا بشكل قليل مقارنة مع الصنف الرابع من الأسر، فإن عدم الرضا على الظروف التي تعيشها حاليا، يعود كما سبق الإشارة إلى أنها لا تستغل مجالاتها الخاصة بالكامل. وهنا نموذج لمقابلة أنجزناها مع سيدة تكتري طابقها الأرضي، حيث يتكون أعضاء أسرتها من 8 أفراد، ويشغل رب أسرتها في مهنة الترميق :»الدار من لداخل كاتجمع شويا ب شويا تاكاتكاد مثلا هاد الباب ولا لافافو، دابا بنادم شويا ب شويا كايسمح ف شي حاجة باش إصلح شويا الدار« (بالنسبة للمجال الخاص، فإنك مجبر على جمع النقود شيئا فشيئا حتى يتسنى لك إصلاح باب أو مغسلة. وهو ما يجبرك أيضا بالاستغناء على بعض الأشياء من أجل إصلاح جزء من أجزاء المنزل).
ما يعني أن الإصلاحات التي تشمل المجالات الداخلية تتم على فترات زمنية متقطعة، هي دلالات على أن الزمن هنا، هو العامل الحتمي في الانتقال من حالة اللا شيء إلى حالة الشيء، لأن الرغبة في الوصول إلى الملكية، فرضت على هاته الأسر اللجوء إلى أساليب متعددة مثل؛ الاقتصاد في التغذية أو كراء المسكن أو الدخول في عقد شراكة، وهي كلها استراتيجيات ضرورية لضمان الملكية من جهة، ثم لإعادة التوازن للأسرة من جهة أخرى.
أما عن الصنف الرابع من الأسر التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان، فإننا يمكن أن نستطلع ظروف مغايرة تماما عن تلك الظروف التي تعيشها باقي الصنوف من الأسر الأخرى. ولنا في هذا الصدد مقابلة أجريناها مع سيدة تبلغ من العمر 36 سنة، حيث تتكون أسرتها من 7 أفراد، وتعيش في مسكن مشترك مع أسرة أخرى. تقول هذه السيدة : » جوج بيوت وراه مازال هار لابريك، أش غادير اللهم هاكا ولا لكري… الدار مزال بريك مزال ماقسماش لا مرطوب ولا بيبان كيف كاتشوف « (مسكننا يتكون من غرفتين، وهو فقط من لبنات مكشوفة. لا حل لدينا، ونفضل العيش هكذا بدلا عن العيش في كراء المسكن… المنزل لم يقسم بعد، بدون طلاء، ولا أبواب كما ترى).
تَظهر أثر البناء الذّاتي اللاّمعان على حياة الأسر، بمجرد حصول عدم قُدرتها على توفير الرأسمال المادي الذي يعينها على تتمة مساكنها وتهيئتها بشكل يتوافق مع تلك التطلعات التي تطمح إليها. وأمام هذه التحديات المالية يكون المسكن الصّحي في غياب تام. لقد تمكنا من معاينة الظروف التي تعيش فيها هذه الأسرة التي تتشابه بشكل متقارب جدا مع الأسر الأخرى (التي تدخل في سياسة إعادة الإسكان)، حيث تهيئة مجالاتها الخاصة تبدوا هشة جدا، ويظهر ذلك من خلال تلك اللبنات المكشوفة بحفرها، وفي غياب تام للأبواب، والنوافذ، وحتى في تقسيم الوحدات الداخلية للمنزل.
يأتي تفضيل السكن بمجالٍ خاص غير مهيأ بالكامل، في مقابل اللجوء إلى الكراء؛ وهذا يعني أن هذه الأسرة ليست رافضة لفكرة اللجوء إلى كراء مسكن أخر، لأن الأمر هنا يتعلق بعدم الرضا على الظروف السكنية الراهنة. ففي غياب تعدد الخيارات التي فرضتها القيود المالية، تصبح مسألة الاستقرار، مسألة حتمية لا مفر منها، ومن تم تكون الأسرة أمام خيار واحد لا أكثر، وهو تكييف مجالها الخاص مع مختلف المتطلبات الوظيفية لأعضاء الأسرة. »أرت نزرا أوراغ تعجيب، هاتيد أورتاكا تاف شراجم، أولا زليج، ولا لاموزيك، اولا تفلوين « (المسكن لا يعجبنا حاليا: فهو بدون نوافذ، ولا زليج، ولا تبليط فسيفسيائي، ولا أبواب).
إن عدم الرضا على الظروف السكنية الراهنة عند الأسرة، يكشف ذلك الجانب السلبي للمسكن، فما دامت البؤر السوداء واقعا معيشيا في حاجة إلى إصلاح، فإنها إصلاحات متوقفة على امتلاك المال. وزد على ذلك، أن معظم هؤلاء الأسر التي تدخل في سياسية إعادة الإيواء، تلتقي مع نفس نتائج الدراسة التي قامت بها )نافيز بوشانين، ودونسوغو(، حيث وجدا أن “ساكني الأحياء القصديرية الذين انضموا إلى التجزئة السكنية يوجدون أمام معضلة حقيقية : عليهم أن يدفعوا الديون في إطار الدولة وفي الوقت نفسه تعبئة الأموال اللازمة للبناء ! القيد الأول، إعادة الشعور بطريقة متغيرة سايرت العمليات واللحظات، منذ الهلع من الطرد يلتقي بالتساوي مع فن ذكي في مواصلة عملية البناء قبل دفع الحقوق”[8].وما دام الأمر كذلك، فإن نفس الشيء قد حصل مع بعض هؤلاء الأسر التي لا زالت الديون تطاردها من طرف شركة العمران.
وتبقى الأسر الفقيرة على صراع دائم بين اختيار تفضيل السكن في مجالاتها الخاصة، تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات التي تعيقها أساسا القيود المالية، وبين عدم الرضا حول وضعيتها السكنية الراهنة. هذه الثنائية الأخيرة، طبعت بدون استثناء جل خطابات هذه الأسر. ويأتي ذكر تلك الضغوط التي تمارسها المؤسسات على الفئات الفقيرة خصوصا، مما يدفعها في الغالب إلى الاستعانة بأدنى أنواع مواد البناء :»درنا الجير على حساب الماكانا إلى مادرناه الماكانا مايعطوهاش لينا« (قمنا بصباغة واجهة المنزل بالجير، حتى يتسنى لنا ربط المنزل بشبكة الخدمات).
قد يكون الطلب على الخدمات الأساسية كالكهرباء مثلا، أمرا يسيرا عند بعض الأسر التي شملها البحث دون الأخرى، وهو الشيء الذي يجعلنا نتوقف حول هذه القضية – مادامت هذه الخدمة متعلقة بالمجالات الخاصة – بأن نشير إلى أن الأسر حينما تكون مجبرة أمام قضايا أساسية في حياتها، فإنها تكون بين حلين أساسين : التحايل على القانون تارة، كالبناء بدون رخصة مثلا. وتكون تارة أخرى، عندما يكون الحل سهلا ويعجز رب الأسر على مواجهة التكاليف التي تحيط بكل عمليات البناء الذاتي للمنزل، فيتم اللجوء إلى الاختيار في نهاية المطاف إلى استخدام أدنى جودة مواد البناء والتجهيزات المنزلية، أو أكثرها ضررا على صحة الإنسان، مثل نوع من أنواع الصباغة “الجير”. »إلى ماعندكش المادة، الطموح ماغاديش إكون..، كايخدم مسكن هير ف الكروسة، هادوا ليكاي هزو لابريك «15( إذا لم يتوفر لديك المال، فليس هناك طموح، لأن الزوج المسكين يشتغل فقط بالعربة المجرورة بالبغل، وهو من هؤلاء الذين يحملون اللبنات).
نرى كما سبق أن ذكرنا، بأن هاته الأسر على الرغم من عدم رضاها عن الظروف السكنية الراهنة، إلا أنها تستبعد فكرة اللجوء إلى الكراء في ظروف أفضل بكثير من تلك التي تعيشها اليوم، وذلك لأنها كما أسلفنا الذكر غير قادرة على دفع تكاليف الكراء. كما أن الطموح كما يبدوا لنا في خطاب هذه المبحوثة، لا يأتي إلا بالمال، وهنا تكون سلطة المال، هي التي تصنع الطموح والتغيير نحو الأفضل. كما أن غيابه، يعني عدم التفكير أصلا في الطموح مادام أن المال غير متوفر في الوقت الراهن. ومن تم فإن الربط بين الطموح والمال، يشكل واقعا موضوعيا بالنسبة للمبحوثة. يمكن أن نسجل أيضا على خطابها هذا، على أن المرأة متعاطفة جدا مع تلك المهنة التي يمارسها زوجها، معتبرة أنها مضنية وقاهرة من جانب، ثم كذلك بنعتها بعبارة “هير” التي تحيل على صفة الاحتقار.
بقى لنا أمر مهم يجمع هذا الصنف الرابع من الأسر، وهو الجانب الذي يهم التجهيزات المنزلية، وقد سمحت لنا الفرصة في زيارة بعض هذه المنازل، حيث أن الملاحظ أن الهشاشة التي شملت تهيئة المجالات الخاصة بها، هي نفسها التي تنعكس على مورفولوجية التجهيزات والأدوات المنزلية التي كانت تبدو بسيطة مقارنة مع أغلبية الأسر التي لا تدخل في سياسة إعادة الإسكان.
- تمثلات الراحة في المجال الخاص واستراتيجيات الاستقرار السكني
رغم تباين مصادر الحركية السكنية – الحركية إلى الحي – ووسائل الاندماج السكني بين هاذين النموذجين من الأسر، إلا أنه، لم يكن سببا في عدم حصول تشابه عند بعضهما فيما يخص ديناميكية استراتيجياتها السكنية. لذلك وجدنا بأن الاستراتيجيات السكنية قد تكون آمالا ممكنا في المستقبل متى توفرت الظروف الملائمة لذلك، كما قد تكون عكس ذلك. وعليه فإن التطلعات الاستراتيجية السكنية التي تُميز أفراد العينة يُمكن تقسيمها، وفق التصنيف الذي هو متضمن في النموذج التحليلي أسفله.
يبدو أن تباين وجهات النظر في تغيير المسكن الحالي لدى أغلبية الأسر، لا يرجع إلى عامل واحد فحسب، كما أنه لا يقتصر على نموذج من عينة البحث دون أخرى. فقد لوحظ بأن هناك تطلعات نحو تغيير المسكن، إما لأسباب اجتماعية علائقية تتعلق أساسا بفقدان شبكة العلاقات القديمة، سواء تلك العلاقات التي نسجت مع الجيران، أو تلك التي تتعلق بالقرب من العائلات. كما أن هناك أسباب أخرى، ترجع إلى إحساس المبحوثين بالقنوط في الحي، ومن ثمة الرغبة في القرب من مركز المدينة، كما هو الشأن بالنسبة لأحد المبحوث الذين لا يدخلون في سياسة إعادة الإسكان :»بحالوا ف منطقة قريبة شويا من سونطر د المدينة ممكن« ( إذا كان مثل السكن الحالي في منطقة قريبة من مركز المدينة، ممكن أن أقبله كعرض تبادلي).وهناك أسباب أخرى تتعلق بآمل الوصول إلى مواقع تجارية، كما هو الأمر بالنسبة لمبحوثين يتموقعان من داخل سكنات الحي. ثم في الأخير، هناك من الأسر التي توقفت استراتيجيتها السكنية، بمجرد وصولها إلى الملكية (أنظر الشكل رقم: 2).
تعتبر استراتيجية» ناجحة « من جهة، لأن الأفراد المبحوثين عبروا عن الرضا سواء أنها قد وصلت إلى الهدف المرضي، أو قد وصلت إلى نقطة في مسار لا تزال في وعود فرص التحسين تقريبا (شبه) مؤكدة. ومن ناحية أخرى يمكن القول عن الاستراتيجية الثانية، على أنها استراتيجيات مقطوعة، لأنها لا تعود بتحسن حقيقي ولا إلى التحسينات الممكنة؛ بمعنى أنها لا تتطابق مع الصورة المنتظرة ولا تنسجم مع تطلعاتهم. في هذه الحالة، الاستراتيجيات هي في أقل دافعية لحركة الانطلاق، من أجل الاستقرار في مكان معين واستثمار غير مؤكد، لكن حادث في مسار، وتغيير معقول في فرص معروفة، وأحيانا ببساطة الصعوبات اليومية، وقفوا المسار[9].
بناءً على نتائج هذه الدراسة السابقة في مقارنتها مع نتائج دراستنا الراهنة – رغم التباين في وحدات العينة – فإنها تتفق بشكل كبير مع نتائج دراستنا الراهنة. وهذا يظهر لنا جليا، في نجاح بعض الاستراتيجيات التي كانت ثمرتها، هي نتيجة الوصول إلى المسكن الفردي، بعدما كانت تعيش في السكن القصديري، وهذا نموذج لأحد المبحوثين الذين لا يدخلون في سياسة الإسكان، ويعتبرون أن مسارهم ناجح لأن الزوجة وأبناؤها رفضوا فكرة بيع المسكن التي كان يدافع عنها الزوج من أجل الانتقال إلى أماكن يقل فيها سعر الأرض :»نوفا الراحت إوانا تور إشركن دحتا يان. راحت إوانا إكان واحدوث«، (الراحة تكمن في المسكن المستقل).
إن إلقاء نظرة موضوعية على هذا الخطاب الذي يعبر على جانب كبير من الراحة في علاقته بتفضيل العيش بالسكن الفردي المخطط، يجعل الخطاب يحتل موقعا دفاعيا ومقاوما في استبعاد اللجوء إلى أنماط الإسكانية الأخرى. وهذا يلتقي تماما مع نتائج البحث التي أجريت حول مقارنة نمطين من الإسكان» فهناك ميزة كبيرة لإظهار أن تعلق حب الفرنسين بالمنزل الفردي ليس فقط بسبب عقلية معينة، وصفت بأنها “البرجوازية الصغيرة” من قبل منتقديها، ولكن لها جذور عميقة؛ فالمسكن المُرضي أو الذي سيرضيهم، هو يعود إلى مجموعة واسعة جدا من الاحتياجات الأساسية، مثل الحاجة إلى وجود سقف…الخ. كما اتضح أن الإسكان الفردي أكثر راحة من الإسكان الجماعي(Tugault Y, 1968).
وتجدر الإشارة إلى أن عدم الرضا على السكن الراهن عند هاته الأسر، لا يؤدي إلى التفكير في تغيير موقع السكن، وهنا تأتي ضرورة الفصل بين الشعور بالراحة، كجانب مهم في نجاح الاستقرار، وبين عدم الرضا الذي يرتبط فقط، إما بالرغبة في تحسين ظروف السكن الحالي عند البعض، وإما حول عدم الرضا على التجهيزات الجماعية التي يتوفر عليها الحي في الوقت الراهن. وهذا يختلف تماما مع أغلبية الأسر التي أصبحت استراتيجياتها مقطوعة، إما لأنها تحت قيود الائتمان كما هو الشأن عند واحد من المبحوثين الذي لا يدخلون في سياسة الإسكان، وهو من الأسر التي كانت تكتري مسكنا فرديا يقترب جدا من المركز :» تغير السكن أهو، واتمزت نيت الكريدي أور تشركت د يان دروج « (لا أفكر في تغيير المسكن، إنني مقيد بالديون، لكني مستقل في بيتي).
أخيرا، ثمة هناك قضية مهمة لا يجب علينا إغفالها في هذا الجانب، وهي تتعلق في الأساس بالأسر التي تبدي عدم رضاها على موقع المسكن بالرغم من امتلاكها لمساكن مهيأة بالكامل؛ لكنها غير قادرة على الانتقال، لأنها ترى في الانتقال تحديات لا تتعلق بالقيود المالية فحسب، ولكنها تعود في الأساس إلى عدم قدرتها الجسمانية، وهذا ينطبق على معظم الأسر التي لا تدخل في نطاق سياسة إعادة الإسكان ما عدا مبحوث واحد، من مجتمع بحث هذه الدراسة.
قائمة المراجع :
- جوانوتييه برنار، “السكن الحضري في العالم الثالث : المشكلات والحلول“، تقديم وتعريب محمد علي بهجت الفاضلي، منشأة المعارف، دون ذكر المكان، 1987.
- سليمان أحمد منير، “الإسكان والتنمية المستديمة في الدول النامية“، دار الراتب الجامعية، بيروت، 1996.
- Agnès, Deboulet ; Michèle, Jolé, “Les mondes urbains : le parcours engagé de Françoise Navez-Bouchanine“, Karthala, Paris, France, 2013.
- Al Omrane (2006), “Cahier de charges : Opération : ADRAR“, Agadir, Maroc.
- NAVEZ BOUCHANINE , Françoise, DANSEREAU, FRANCINE, “les stratégies résidentielles dans la ville fragmentée : le cas de la ville marocaine“, In DANSEREAU, Francine et NAVEZ-BOUCHANINE, Françoise (dir)., Gestion du développement urbain et stratégies résidentielles des habitants, L’Hrmattan, paris, France, 2002.
- Sylvie Tissot, “Une discrimination informelle ? Usages du concept de mixité sociale dans la gestion des attributions de logements HLM.” En ligne :<https://www.cairn.info/revue-actes-de-la-recherche-en-sciences-sociales-2005-4-page-54.htm .< consulté le 15 juillet 2016.
- Yankel Fijalkow, “Sociologie de la ville“, La Découverte, paris, France, 2002.
[1]Agnès, Deboulet; Michèle, Jolé, “Les mondes urbains : le parcours engagé de Françoise Navez-Bouchanine, Karthala“, Paris, France. 2013, p 50.
[2]Al Omrane, “Cahier de charges : Opération : ADRAR“, Agadir, Maroc,2006, p1.
[3]Ibid.
[4]Sylvie Tissot, “Une discrimination informelle ? Usages du concept de mixité sociale dans la gestion des attributions de logements HLM“. En ligne :< https://www.cairn.info/revue-actes-de-la-recherche-en-sciences-sociales-2005-4-page-54.htm. 2005, consulté le 15 juillet 2016, (Pp 54-69).
[5]Yankel Fijalkow, “Sociologie de la ville“, La Découverte, paris, France, 2002, p 53.
[6]جوانوتييه برنار، “السكن الحضري في العالم الثالث: المشكلات والحلول“، تقديم وتعريب محمد علي بهجت الفاضلي، منشأة المعارف، دون ذكر المكان.1987، ص 347.
[7]سليمانأحمد منير، “الإسكان والتنمية المستديمة في الدول النامية“، دار الراتب الجامعية، بيروت، 1996، ص 128.
[8]NAVEZ BOUCHANINE , Françoise, DANSEREAU, FRANCINE, “les stratégies résidentielles dans la ville fragmentée : le cas de la ville marocaine“, In DANSEREAU, Francine et NAVEZ-BOUCHANINE, Françoise (dir)., Gestion du développement urbain et stratégies résidentielles des habitants, L’Hrmattan, paris, France, 2002, p 47.
[9]Ibid., Pp 25-26.