
الهوية والتدين : الشباب الجزائري أنموذجا
Identity and Religiosity Algerian Youth Model
د. علي الطالب مبارك/جامعة أحمد دراية، أدرار،الجزائر
Dr.Ali El Taleb Moubarek/Adrar University
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 59 الصفحة 61.
ملخص :
إن العولمة تُحوّل الدين إلى بضاعة توافق ذوق الفرد واختياره، ومن هنا فإن المحيط الديني المعاصر يسمح للأفراد بحرية اكتشاف حقائقهم الروحية الخاصة وفق ما يهمهم في حياتهم، واختيار نمط معين للحياة يجعل الفرد يكون كما يرغب أن يكون، في الأخير يبدو أن العولمة جعلت الدين بضاعةً، واعتناقه اختياراً شخصياً، ومضمونه تجربةً روحيةً فرديةً.
يهدف البحث إلى رصد وتفسير الفُرُوقَات في أشكال التدين عند الشباب الجزائري، وما هي العوامل المفسِّرة لتعدد هده الأنماط التديُّنية؟ منطلقة من التساؤل الآتي:
هل التباينات الظاهرة في أشكال التدين تعني اختلافاً في شكل الهوية الدينية الذي يستند إليه كل نمط،، أم هي هوية واحدة تُعبِّر عن نفسها في أشكال دينية مختلفة؟
الكلمات المفتاحية: الهوية، أشكال التدين، الجزائر، الشباب، التَّحوّل، البناء الهوياتي.
Abstract:
Globalization turns religion in to a commodity Thus، the contemporary religious environment allows individuals to freely discover their own spiritual realities as they care about their lives، and to choose a particular pattern of life that makes the individual as he wishes to be، Finally، it seems that globalization has made religion a commodity، embraced it personally، and guaranteed an individual spiritual experience.
The research aims at monitoring and interpreting differences in the forms of religiosity among Algerian youth. What are the explanatory factors for the multiplicity of these religious patterns? From the following question:
Are the apparent differences in forms of religiosity a difference in the form of religious identity on which each pattern is based، or is it one identity that expresses itself in different religious forms?
Keywords: identity، forms of religiosity، Algeria، youth، transformation، identity building.
- تمهيد:
إن المُنحَنى التعددي في التدين يُشكِّل مَلْحَماً جديداً في العالم المعاصر، فأصبح الدين بدوره يخضع لمنطق الاستهلاك، استهلاك تعددية الألوان الدينية المتاحة في الوضع الراهن؛ فالتدين المعبَّر عنه اليوم تدين مختلف في مكوناته وتعبيراته وليس متجانساً، تدين مُتَعدِّد الأنماط والمظاهر، يخضع لمرجعيات أو تأثيرات متباينة، وهو ما يجعله يَتَّجِه إلى تشكيل فُسَيفِسَاء من أشكال التدين؛ وذلك بانتقاله من وضعية ثقافية محلية تستمد مرجعيتها من نماذج وقيم تقليدية، إلى وضع يستمد مرجعيته من قيم ومرجعيات جديدة، ميزته التَّحول والتغيرات السريعة.
في ظل كل هذه المعطيات وما يعرفه المجتمع الجزائري من تغيرات وتحولات يجد الشباب أنفسهم أمام نماذج مختلفة ومتناقضة للتنشئة الاجتماعية بدءاً بالأسرة، المدرسة، فالشارع، ثم مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية، تلك النماذج المتناقضة التي تضع الفرد المعاصر في مفترق طرق، في دوائر انتماء مختلفة، من جراء ما تتجاذبه من اتجاهات وسلوكات متعددة في المجتمع؛ إذن كيف يمكن لفئة الشباب القيام بخيارات متناقضة ضمن هذا الجو المعقد؟
وبالتالي تسعى الدراسة إلى فهم أنماط التدين عند الشباب الجزائري ودورها في بناء الهوية، حيث تَمَّ التركيز على أربعة أشكال من التدين التي تحضر بقوة، دون الإدعاء على أنها الموجودة ، لأن أشكالاً أخرى من التدين تبقى حاضرةً سواءً المُعْلَنة أو المُضْمَرة.
فهل تكون علامات التدين علامات للهوية ذاتها تُنْبِئ بوضع معين يعيشه الشباب؟
كما يهدف البحث كذلك إلى رصد وتفسير الفُرُوقَات في أشكال التدين الشبابي، وما هي العوامل المفسِّرة لتعدد هده الأنماط التديُّنية؟
- المجتمع وأسئلة التدين:
إن المُتفحِص لواقع المجتمع الجزائري يُدرِك بأن هناك أنماطاً تدينية متعددة غير قابلة لأن تُحصر في نمط واحد، من خلال ملاحظة بعض السلوكات غير الموحّدة عبر المساجد ووجود مشارب واتجاهات دينية مختلفة بين الأفراد[1]، وهذا الاختلاف يمكن ملاحظته من خلال العديد من المظاهر الشكلية( اللباس، اللحية، الحجاب) والمظاهر السلوكية(استعمال السواك، رفع اليدين في الدعاء، دعاء القنوت، مسألة القبض والسدل في الصلاة، القراءة الجماعية للقرآن، الدعاء…)، وكلها مظاهر من شأنها أن تميز دينياً بين هؤلاء الشباب.
على هذا المستوى فالمجتمع أمام أكثر من شكل للتدين، مما أدى إلى طرح التساؤل التالي:
لماذا تتعدد أشكال التدين عند الشباب الجزائري، رغم كون الفاعل الرسمي يرفع شعار الوحدة المذهبية ممثلة بالمذهب المالكي السني؟
هل التباينات الظاهرة في أشكال التدين تعني اختلافاً في شكل الهوية الدينية الذي يستند إليه كل نمط، أم هي هوية واحدة تُعبِّر عن نفسها في أشكال دينية مختلفة؟
- الشباب الجزائري وأشكال التدين:
لا يمكن فصل الدين عن التدين، لأن أحدهما يؤدي إلى الآخر، فالدين لا محالة ينتج لنا تديناً بشكل من الأشكال[2]، أي الانتقال من الدين القِوى إلى دين الأشكال أو الإسلام المعاش؛ إذن ما هي أشكال التدين الشبابي وتجلياتها لدى الشرائح الاجتماعية، ثم ماهي التناقضات والاختلافات الموجودة بين هذه الأشكال؟
في ضوء هذه المعايير يمكن أن نميز بين خمسة أنماط أو مستويات للتدين، تُعد في جوهرها مظلات عقائدية دينية تفرض أنماطاً سلوكية ومواقف اجتماعية داخل المجتمع.
فواقع الخريطة المذهبية الدينية في الجزائر يُخْبِر بأن هناك ممارسات مختلفة ومتعارضة تبعاً لاختلاف المرجعيات في الحقل الديني، فالمجتمع الجزائري تتجاذبه تَوجُّهات متعدِّدة: توجه «ديني رسمي مؤسساتي»، والثاني توجه «ديني شعبي طرقي» ذو مرجعية صوفية طُرقية، يتمركز حول المزارات وأضرحة الأولياء والصالحين ممن لهم أصول في التاريخ، فنكون في هذا النمط من التدين بصدد الدين كما يعاش وكما يمارسه الناس في حياتهم اليومية. بتعبير آخر نكون بصدد الدين ليس كنظام معياري، وكما هو موجود في الكتب ونصوصها، وإنما نكون بصدد الدين التاريخي الاجتماعي المتضمن في ثقافة المجتمع الذي يتخلل كل بنياته، إنه تدين يرتبط بحياة الناس أكثر من ارتباطه بنصوص الدين وروحه. وتتسم المعتقدات والممارسات الدينية التي تشكل صلب التدين الشعبي، بكونها تكاد تكون مستقلة استقلالاً نسبياً عن المؤسسة الدينية الرسمية.
تعود بداية التصوف الطرقي في الجزائر إلى بداية القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، حين أخذ تسمية تصوف الزوايا أو الإسلام الطرقي، وقد ظهر لأول مرة في منطقة القبائل ببجاية، وكانت هذه الأخيرة مركز إشعاع صوفي طرقي لعدة قرون من الزمن، فانطلق منها رجالات التصوف الكبار أمثال: أبو زكريا الزواوي، وأبو زكريا السطيفي، ويحي العبدلي، والشيخ أبي مدين شعيب، الذي انتقل فيما بعد إلى تلمسان وتوفيّ 594ه /1196م، ومنها انتقل التصوف إلى باقي المناطق الأخرى.
وثالث يُعرف بـ «التدين السلفي»، ذو المرجعية السلفية الوهابية، معارضاً كل أشكال التدين الشعبي الطرقي، يقوم بحملات ضد كل أشكال العبادة التي يعتبرها بدعة[3]، وإدانة عبادة الأولياء والطقوس الصوفية، كالاحتفال بالمولد النبوي الذي يعتبر بدعة وإحداث في الدين ما ليس منه.
تطورت الحركة السلفية في قلب الجزيرة العربية، في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر، وكان مفكرها محمد بن عبد الوهاب الذي أعطى الحركة اسمه فأصبحت «الوهابية». كان ابن عبد الوهاب حنبلياً تقياً، ملتزماً إلتزاماً شديداً بفكر ابن تيمية، ودع إلى العودة المطلقة إلى أصول الإسلام، الإسلام الصافي الخالي من التجديدات المشينة التي علقت به عبر القرون، وكان له تلامذة ناشطون منهم ابن سعود الذي حكم الدرعية، وابنه عبد العزيز، وقاوم هذان العثمانيين أسياد الجزيرة العربية، واستولوا سنة 1803 على مكة ولكنهم طردوا منها سريعاً، وأسسوا في نجد عاصمتها الرياض، دولة تدين بالمذهب الوهابي[4].
يعود انتشار التيار السلفي في الجزائر إلى احتكاك وتأثر رواد الإصلاح الديني في الجزائر كمحمد علي السنوسي الذي ولد في مستغانم عام1787، عبد الحميد بن باديس، البشير الإبراهيمي، بأفكار زعماء التيار السلفي في المشرق العربي كالأفغاني ومحمد عبده الذين يشدّدون على الصرامة والانضباط في أمور العبادات والمعاملات؛ ذلك أن الفئة الأولى من المثقفين الجزائريين هم خريجي جامعات الأزهر والزيتونة والقرويين، الذين حملوا على عاتقهم ضرورة إعادة بناء النسيج الثقافي للمجتمع، قد يكون للتيار الإصلاحي في الجزائر علاقة بالتيار المشرقي متمثلاً في شخصية جمال الدين الأفغاني.
التَّوجه الرابع يُعرف بـ «التدين الإباضي »، فالمذهب الإباضي فرع من فرقة الخوارج المخالف للمذهب السني المالكي، تأسس مع عبد الله بن اباض، تعود جذوره الأولى في الغرب الإسلامي إلى قيام الدولة الرُّستمية ومؤسسها عبد الرحمن بن رستم في تيهرت[5].
شُيِّدَت مدن وادي مزاب السبعة(العطف، بنُّورة، غرداية- تغردايت- بني يزقن، مليكة، القرارة، بريان[6])، بمنطقة مِزاب التي تنطلق من الشعيرة الإباضي ة، حيث تفرض خصوصية المجتمع الإباضي المحافظة على الجماعة التي تستمد مرجعيتها من المذهب الإباضي ، فَتَجْتَمِع رجال الدين في مزاب حول عبد الله بن اباض*، أو ابراهيم أطفيش**، الشيخ براهيم بيوض***، العشيرة، حلقة العزابة، مجلس عمي سعيد…الخ. فالانتماءات الدينية المذهبية تعبر عن نفسها داخل المجتمع، فالتقسيم إلى اباضي وسني مالكي بقي هو الواقع الأساسي بالنسبة للسكان في منطقة غرداية[7].
خامساً «تدين فردي»، فهو خليط من الخطابات الدينية التي يمارسها الإعلام المرئي على صعيد الفضائيات، والذي أصبح له جمهوره وأتباعه، الذين يُعدُّون كثلة منقطعة تماماً عن التدين المحلي، حيث نلاحظ شباب أكثر تديناً بدون مظاهر اللحي والقميص، وتخلّت النساء بالمقابل على «الحايك» لصالح حجاب الموضة، واللباس على النمط الأوربي.
فالتدين الفردي مختلف عن التدين الشعبي والسلفي، يرى أن الدين بالأساس وعي أخلاقيEthos) ) يلزمه وجود حرية أو عدم قسر في اتخاذ الخيارات الدينية، نمط تدين منتشر في الحيز العام ومنفلت من قبضة المؤسسة الاجتماعية[8].
فالتدين الفردي الذي يشهده المجتمع نتيجة موجة تحديث تَمَّ على إثرها الانتقال من التصنيف العام إلى التصنيف الخاص والشخصي الذي تغيب فيه الملامح المشتركة، فالشكل الجديد من الإعلام أفرز حيزاً عاماً جديداً، ودشَّن نمطاً مُستجداً من أنماط التدين.
- المرجعية الدينية للمجتمع الجزائري:
تسعى الدولة باعتبارها الراعي الرسمي للحقل الديني إلى فرض نوع من الوحدة الدينية، من خلال اِضعاف وتشديد الخناق على التدين غير الرسمي، بمراقبة ممارسات الفاعلين الاجتماعيين المنافسين لها في الحقل الديني، كما دافع وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى عن المذهب المالكي الذي تعتمده الجزائر باعتباره حصن متين للهوية الدينية ودعامة أساسية لاستقرار الجزائر، والمحافظة على المرجعية الدينية التي ترتكز على مبادئ أساسية:
اعتماد المذهب المالكي في الفقه، الذي انتشر في المغرب العربي على يد يوسف بن تاشفين أمير المرابطين[9]، ومذهب أبو القاسم بن محمد الجنيد البغدادي، (المتوفي سنة 297ه) في التّصوف، حيث يعتبر المُؤَطِّر بل المُؤَسِّس الفعلي لـ التصوف السني، كما حرص على الفصل بين التصوف السني وتصوف الملاحدة، والمذهب الأشعري في العقيدة، فالحسن الشعري (260-324ه) أول متكلم سني في الإمامة، فقد أرسى نظرية أهل السنة في الخلافة، وكانت آرائه الأساس الذي شَيَّد عليه أهل السنة من بعده نظريتهم في الخلافة.
- الهوية محاولة للتعريف:
تُعرَّف الهوية على مستوى الممارسة أو التطبيق مستعملة وموظفة من طرف الفاعلين في حالات وأوضاع يومية لتقديم أنفسهم وأنشطتهم وما يجمعهم بالآخرين من مشترك. أما الهوية على مستوى الخطاب مستعملة من طرف القادة السياسيين لإقناع أفراد مجموعة هوياتية بأنهم متشابهون فيما بينهم وفي الآن نفسه مختلفون عن الآخرين، وذلك من أجل تعبئتهم في عمل جماعي وفي اتجاه معيَّن. بهذا المعنى فإنَّ مصطلح الهوية منخرط في الحياة اليومية وفي السياسة الهوياتية.
- 1. الهوية الدينية:
نُعرِّف الهوية الدينية بأنها ذلك الارتباط الذي يُعبِّر به الفرد أو الجماعة عن طريق الممارسات اليومية وأشكال السلوك، والانتماءات الدينية التي تترجم على أرض الواقع من خلال ممارسات تدل عليها. أو النزعة التي تدفع الفرد إلى الدخول في إطار اجتماعي فكري معين، بما تقتضيه من التزام بمعايير الجماعة ونصرتها والدفاع عنها في مقابل غيرها من الأطر الأخرى.
كما يمكن تعريفها بأنها هي مجموع التمثلات، الطقوس، والممارسات الناتجة عن رؤية محددة للدين، والتي تختلف باختلاف الأديان والتجارب الدينية، كما أنها مجموعة من المفاهيم المتبناة حول الدين والتي تصبح جزءاً من العبادات والأفكار الدينية والعقائد.
- وظائف الهوية:
للهوية وظائف تؤديها لخّصها س. كاميلري(Camilleri، C) في ثلاثة وظائف:
- 1. الوظيفة المعنوية: باعتبارها وحدة دلالة كالثقافة.
- 2. الوظيفة الواقعية البراجماتية: والتي ترمي إلى جعل الفرد يتأقلم ويتكيف مع محيطه، فلا يمكن للهوية أن تبنى بمعزل عن الآخرين وعن الواقع وذلك بكل تناقضات هذا الواقع الذي قد يؤدي إلى تهديد وحدة الأنا للفرد، لكن بانتهاج هذا الأخير لطريقة التفاوض(Négociation) فإنه يعمل على التقليل من حدة هذا التهديد.
- 3. الوظيفة القيمية: بحيث يعمل الفرد على الاستظهار لذات حاملة لقيم تساعده على الاندماج في الواقع ونسج علاقات وروابط مع الغير، بحيث يرمي هذا الفرد أثناء عملية التفاوض مع بيئته ووسطه لبناء هوية تكون مقبولة عند الآخرين، أو تصوير الذات(Présentation de soi) ما جاء عند جوفمان(E.Goffman)، ولاحتواء الأزمات والصراعات التي يواجهها الفرد خلال مراحل بنائه لهويته وما يتعرّض له من تثاقف، حيث يعمد هذا الفرد إلى استثمار وتوظيف مجموعة من العمليات والمناورات المحسوبة وذلك وفق ما يريد الوصول إليه من اعتراف من الغير وتمييز لشخصيته ومكانته في المجتمع[10].
- الاستراتيجية ت الهوياتية: ( (Stratégies identitaires
يشير مفهوم الاستراتيجية الهوياتية من هذا المنظور على أنها وسيلة لبلوغ غاية ما، إنها ليست مطلقة بل نسبية، ويشير مفهوم الاستراتيجية أيضاً أن الفرد بما هو فاعل اجتماعي له نوع من هامش المناورات، إنه يستعمل موارده الهوياتية بصفة استراتيجية وفقاً لتقديره الوضعية وباعتبارها على حد تعبير بورديو رهان صراعات اجتماعية حول الترتيب تستهدف إعادة علاقات الهيمنة أو قلبها فإن الهوية تنبني من خلال استراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين، على أن الالتجاء إلى مفهوم الاستراتيجية ت يجب أن لا ينتهي إلى الاعتقاد بأن الفاعلين الاجتماعيين مطلق الحرية في تحديد هويتهم وفق مصالحهم المادية والرمزية التي تمليها اللحظة بل يتوجب على الاستراتيجية ت أخذ الوضعية الاجتماعية وعلاقة القوى بين المجموعات ومناورات الآخرين، فإذا كانت الهوية في ليونتها مِطواعة الاستخدام، وإذا كانت أداة بل صندوق أدوات مثلما قال دوفرو، فليس بمستطاع المجموعات والأفراد أن يصنعوا ما بدا لهم فيما يخص الهوية، إذ هي دائماً محصلة التماهي الذي نرى بأن الآخرين يفرضونه علينا والتنامي الذي نؤكده بأنفسنا.
إن الهوية سواءً كانت رمزاً أو وصماً تكون أداة تستخدم في العلاقات ما بين المجموعات الاجتماعية، لا توجد الهوية في ذاتها بمعزل عن استراتيجيات إثبات الهوية التي يتوخاها الفاعلون الاجتماعيون الذين هم في آن واحد نتاج صراعات الاجتماعية والسياسية وحاملها[11].
إن الخاصية الاستراتيجية التي تتصف بها الهوية والتي لا تستوجب مثلما يذكّر به بيار بورديو وعياً بالغايات التي ينشدها الأفراد، لها مزية التمكين واليقظة الهوياتية.
يمكن لمفهوم الاستراتيجية أن يفسر التبدُّلات الهوياتية أو ما يمكن تسميته بـانزياحات الهوية، إن الهوية تنبني وتنهدم وتعيد الأنبناء وفقاً للوضعيات بطريقة مغايرة، إذن الهوية بناء اجتماعي واستراتيجية وجودية يلجأ إليها الإنسان ويستثمرها خلال وجوده.
إن كلمة الاستراتيجية يعرّفها لبيانسكي(Lipiansky) على أنها:«أساليب يوظفها الكائن(أفراد أو جماعات) بصفة شعورية أو لا شعورية، لتحقيق غاية ما، وهي أساليب تتوقف على وضعية التفاعل، أي وفقاً لمختلف المحدادت الاجتماعية، التاريخية، الثقافية والنفسية لهذه الوضعية[12]». فتبني هذه الاستراتيجية ت الهوياتية قد يقصد منها تحقيق التشابة والامتثال(L’assimilation) والقبول، أو التنكر ومحو الهوية(anonymat) والرفض(Contre- acculturation) أو قد يسعى إلى تحقيق الاندماج(Intégration) والتفاوض(Négociation)، وكل هذا طبعاً سعياً وراء حل لتلك الأزمات والصراعات التي قد يتخبط فيها الفرد داخل الجماعة أو المجموعة، ومن جهة أخرى قد يسعى الفرد في توظيفه لهذه الاستراتيجية ت إلى إبراز بعض خصائص هويته التي تجعله متميزاً عن الآخرين، وبالتالي إثبات فرديته وتميّزه ومنه الاعتراف بالاختلاف والتميز والوضوح الاجتماعي(Visibilité sociale)، فعندما يعجز الفرد عن تحقيق التشابه والاندماج يتبنى الاختلاف والتميّز كاستراتيجية لإزالة الخطر والتهديد الذي يحدق بهويته الخاصة، وغالباً ما يلجأ الأفراد إلى هذه الاستراتيجية ت الهوياتية في وضعيات الأزمات والتوترات الاجتماعية مثل وضعيات التحولات أو التغيرات السريعة، فيعمد إذاً: الرفض، القبول، أو التفاوض كاستراتيجية لتحقيق هويته[13].
- فئة الشباب حسب المنظمات والدول:
تُعرِف منظمة الأمم المتحدة[14] الشباب على أنهم أولئك الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-24 سنة، وتعرف مرحلة الشباب بالمرحلة الانتقالية من الطفولة إلى الكهولة،
وخلال هذه المرحلة يعيش الأفراد مجموعة من التغيرات الفيزيائية منها والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فهذه المرحلة تعتبر كمرحلة اكتشاف عند الإنسان. أما منظمة اليونسكو فتُحدد فئة الشباب وتصنفها على أنها الفئة الاجتماعية العمرية التي تتموقع بين سن 15 و24 سنة.
يختلف تعريف الشباب باختلاف البلدان[15]، وهذا حسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي تميز كل بلد.
الجدول رقم 01 يبين تصنيف المنظمات و الدول لفئة الشباب
المنظمات و الدول | الفئة العمرية الخاصة بالشباب |
منظمة الأمم المتحدة | 15-24 سنة |
منظمة اليونسكو | 15 -24 سنة |
المنظمة العالمية للصحة | 10-24 سنة |
المنظمة العالمية للحقوق الطفل | 10-19 سنة |
الاتحاد الإفريقي | 15-35 سنة |
الديوان الوطني للإحصائيات الجزائر(ONS) | 15-29 سنة |
- الشباب الجزائري
تَمتدُّ مرحلة الشباب في الجزائر حسب تصنيف الديوان الوطني للإحصائيات(ONS) من]15-29[ سنة، ولهذا وقع اختيار الفئة العمرية المحصورة ما بين]15-29[ باعتبارها إطاراً بشرياً للدراسة، لأنها تمثل فئة عمرية مناسبة للبحث يمكن من خلالها ملاحظة ورصد تعدد واختلاف أشكال التدين عند الشباب، كما أنها تمثل الفئة الأكثر حركة وحيوية من الناحية الديموغرافية في المجتمع كما يُعتَبرُ الشباب رأس مال بشري في أي مجتمع من المجتمعات.
- 1. تبرير اختيار فئة الشباب
استهدفت الدراسة فئة الشباب الحضري، حيث تم اختيار هذه الفئة لسببين:
أ. السبب الأول: يعتبر الشباب من أكثر شرائح المجتمع تَقبُلاً للتغيرات، وبالتالي فإن فئة الشباب يمثلون وسط مفضل لدراسة أشكال التدين الجديدة، التي تحاول أن تستثمر في المجال الاجتماعي في المدينة.
ب. السبب الثاني: يرجع إلى بروز أشكال تدين جديدة لتحديد الهوية الدينية عند الشباب.
- علماء الاجتماع وظاهرة التحولات الدينية:
لا تنفصل إسهامات علماء الاجتماع في دراسة ظاهرة التحولات الدينية في واقع الأمر عن اهتماماتهم بالظاهرة الدينية بشكل عام، بحيث يعتبرون أن التّحول الديني هو انفصال الفرد عن محيطه الاجتماعي واندماجه في جماعة جديدة.
تقدم عالمة الاجتماع هيرفيو ليجي دانيال (Hervieu- léger) ثلاثة تصنيفات تعتبر أساسية في التعامل مع ظاهرة التحولات الدينية:
أ. التصنيف الأول: خاص بالأفراد الذين يغيرون الدين إما لأنهم يرفضون هوية دينية موروثة ويعتنقون عن طريق تحولهم هوية دينية جديدة، أو أنهم يتخلون عن هوية دينية مفروضة عليهم لم يعتقدوا فيها بشكل شخصي طوال حياتهم حتى يدخلون في فضاء إيماني جديد.
إن هذا التغيير يبرر عند المتحول الديني من خلال شهادة التحول إما لأن هويته الموروثة غير قادرة على حمل أجوبة وتفسيرات لأزماته أو أنها لم تنتج السند الفعال للجماعة.
ب. التصنيف الثاني: خاص بالأفراد الذين لم ينتموا طوال حياتهم إلى تقليد ديني والذين يكتشفون من خلال مسار شخصي خط إيماني يتم اختياره بشكل إرادي، يسجل هذا النوع من التحول في المجتمعات المعلمنة أين تعتبر التنشئة الدينية العائلية هامشية. في هذا النوع من التحول يعتبر المتحول كباحث روحي (un chercheur spiritual).
ج. التصنيف الثالث: المتحول الداخلي (convertis de l’intérieur) يكون المتحول هنا مدمج ضمن تقليد ديني عائلي منذ الولادة والذي يكتشف أو يعيد اكتشاف هوية دينية تظهر رسمية أو تعاش بطريقة متوافقة مع القيم الدينية لمجتمعه. إن هذا النوع من التحول كنمط خاص لبناء هوية دينية تضع الانتماء الديني والنظام العادي (régime ordinaire) في تساؤل بحيث يعمل المتحول على إعادة تنظيم أخلاقي وروحي لحياته أين يصنع الخصوصية لمساره الفردي داخل نفس التجربة الدينية، وهذا ما يمكن أن نجده في المسيحية كما في الإسلام واليهودية حيث يكون التحول الديني انتقال معرفي، في كل هذه التصنيفات يظهر للمتحول أن الهوية الدينية التي اختارها هي الهوية الحقيقية.
يشكل فعل التحول الديني التزام شخصي من قِبل الفرد الذي يشهد كذلك ببراعة على استقلاليته على المستوى الإيماني، فالتحول الديني يشكل بوضوح نموذج فعال لبناء الذات في ظل فضاء مُعولم يشهد هشاشة الهويات الجماعية، أين لا يوجد أي مبدأ مركزي ينظم الخبرات والتجارب الفردية والاجتماعية[16].
- الظاهرة الدينية في العالم:
في ستينيات القرن المنصرم كان الاختصاصيون أو الخبراء يتحدّثون عن حركات إثنية-قومية، واليوم تبدو الهوية الدينية أنها هي التي تريد أن تحتوي كل شيء: الغرب اليهودي-المسيحي، العالم الإسلامي، القدس التي صارت عاصمة لدولة إسرائيل، مكة، روما التي هي أماكن تجمع كبرى، الأصولية البروتستانتية أو الإنجيلون الجُدُد والحركات السلفية المسيحية الأخرى (Born again Christians)، الحركات الإسلامية المتطرفة…الخ. تُشارك في ديكورات العالم الجديد. هجمات إرهابية قاتلة في أندونسيا، الأكثر كثافة سكانية بين البلدان الإسلامية، حرب لبنان الطائفية من 1975 إلى 1990، البوسنة المتعدِّدة الطوائف المدمّرة في يوغسلافيا، المجازر الجزائرية في سنوات 1990، مأساة أفغانستان وحركة طالبان، أو مأساة العراق الأحدث، وحيث ما عُدت ترى سوى السنّة والشيعة والأكراد، الذين بعد ما عاشوا في شراكة أو مخالطة، صاروا فريسة للطائفين.
مع ذلك قبل نصف قرن لم تكن ألوان صُوَر العالم وديكوراته ألوان الدين، فقد شهِد العالم مذابح الحربين العالميتين، أعمال العنف التي شهدتها حروب إزالة الاستعمار.
فمن يفتح ألبومَ صُورٍ للشّرق تعود إلى تلك المرحلة يمكنه أن يرى فيها قليلاً من اللحي الإسلامية، وأقل أيضاً من الحجابات الإسلامية بالنسبة للنساء. وفي أوروبا أو الولايات المتحدة قلّما ترى قلانس(Kippas) على رأس اليهود، وصلباناً على صدر المسيحيين، والسينمائيون ما كانوا يفكِّرون بصنع أفلام عن حياة المسيح أو محمد أو عن المحرقة(Holocauste).
آنذاك كان العالم يبدو كأنه يعيش بدون حضور الدين، هل كان العالم في حالة سيئة لدرجة أنه لم يبقَ أمامه مورد آخر يستذكره سوى الله ويدعوه مجدّداً لتسويغ سُبحة أعمال العنف الجديدة والهمجيّات الجديدة التي ستلي انهيار الاتحاد السوفياتي.
على مسرح العالم، كيف تغيّرت فجأة الديكورات؟ كيف أمكن في حين من الدّهر حدوث هذا التغير الحاسم؟
فالتساؤل المطروح هو: كيف استحوذت الظاهرة الدينية على اهتمامات العالم؟
- 1. عودة الديني:
أَلِفَت المقاربات السوسيولوجية التقليدية للدين في معظمها أن تعتبر العلمنة هي أفول المعتقدات الدينية في المجتمعات الحديثة، وأن هذا التراجع للدين من مجال الحياة العامة سينحصر في نطاق تعبدي ضيق.
من هذا المنطلق يُستحثُّ النظر والتحقق من المسلمات والأحكام المسبقة، ومن الأسئلة كمنطلقات بحثية ما طرحه لينوار فريدريك (Lenoir، Frédéric) المختص في علم الاجتماع الأديان: لماذا يكون القرن الحادي والعشرون دينياً؟
لعل من أبرز المفاجئات التي حملتها نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين في أوروبا والعالم الإسلامي، هي ما أسماه البعض منهم بالعودة المفاجئة للدين(Le retour de la religion) خاصة، والمقدّس(Le sacré) عامة، إلى مجتمعات القارة العجوز وتصاعد الاتجاه نحو الدين، خاصة لدى الشباب في غيرها من مناطق العالم الأخرى، وفي مقدّمتها العالم العربي والإسلامي.
بالنسبة لأوروبا وللغرب عامة فإن تلك العودة للدين لا تتجلى في عودة أكثر من مجتمع أوربي، خاصة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، وسقوط حائط برلين(1989) إلى التمسك بهوياتهم الوطنية والدينية، بل أنها تتجلى كذلك في ما يعرف بالعهد الجديد(New-Age)، وفي تزايد الحركات والجمعيات الدينية، كما أن تلك العودة المفاجئة للدين تتجلى كذلك في تلك الحمولة الدينية غير المعهودة التي تميز اليوم خطب الساسة الأوروبيين الرسميين منهم وغير الرسميين، وهذا ابتداءً من الرئيس الأمريكي جورج بوش وطروحاته حول محور الشر وحول محور حرب الإسلام وإرهابه ضد المسيحية، وتحذيرات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي(Nikilas Sarkouzy) حول اللايكية المهدّدة(La laicité menacée) من طرف الإسلام بصورة خاصة، وانتهاءً بالعديد من الصحف الأمريكية وبنصائحها للعديد من المتقدمين لخلافة بوش بإعطاء الأولوية للمعتقد الديني وليس السياسي إذا ما أرادوا الظفر بتلك الخلافة[17].
هكذا تكشف أوروبا اليوم لأولئك المفكرين والباحثين الذين أكّدوا أمام انبهارهم بالثورات المختلفة، خاصة العلمية والصناعية التي كانت أوروبا قد بدأتها منذ القرنين السابع والثامن عشر، أن القارة العجوز تحررت نهائياً من الدين، الذي كان بالنسبة لها أشبه بالمرض العصابي(une maladie névrotique) وبالاستيلاب(L’aliénation) وتحولت إلى النموذج الأوحد والوحيد للتطور والتقدم والحداثة(la modarnité)، أن الوعير الديني متمثلاً عامة في كل أشكال المقدس، لم يتوار بل أنه يُعسكر، من خلال الشرائح الاجتماعية المقصاة. كما تكشف أوربا لأولئك الباحثين، وهي التي قالوا أنها قد استبدلت الإنسان بالله والتقنية بالدين. من هنا عودة أولئك المفكرين والباحثين إلى الإقرار بأن الوعي الديني أصبح مكوِّن أساسي من المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالثقافية وأن دوره في إضفاء معنى منشود على الحياة الإنسانية لا يقل عن الدور المادي للإيكية وللحداثة.
من هنا جاءت تلك الانتقادات المريرة للتقنية من طرف أنشتاين(A. Einstein) هيدقر(M. Heidegger) ماركيوز(H. Marcuse) وغيرهم ومطالبتهم بضرورة توظيف الدين من جديد لتحقيق تصالح أوروبا مع علومها وتقنياتها، ولدرء الويلات التي سببتها لها بالأمس الحربين العالميتين، وتلك الأخرى التي تتهدد بها اليوم من خلال ما يُعرف بالثورة الرقمية
(la révolution numérique)، وفي الاحتباس الحراري…الخ نتيجة الجهل بالدين وبأبعاده الإنسانية. هذا وإن كان بصورة مختصرة واقع الدين في أوروبا، وفي الغرب عامة، فإن واقعه وتمظهراته في مناطق العالم الأخرى ومن ضمنها العالم العربي الإسلامي لا يقل غرابة عن تلك العودة المفاجئة له في القارة العجوز[18].
لقد شهد العالم العربي والإسلامي منذ سبعينيات القرن الماضي تصاعداً غير معهود للدين، وهو التصاعد الذي تمثل بصورة خاصة فيما سُمي بالصحوة الإسلامية. وقد جاءت هذه الأخيرة التي تغذت من بعض التيارات الفكرية الدينية السائدة في بعض البلدان العربية والإسلامية(المملكة العربية السعودية، الهند، باكستان، مصر، إيران…الخ)، بعد التعثر الذي عرفته الايديولوجيا القومية العربية إثر الهزيمة العربية أمام إسرائيل(جوان1967)، والفشل الذي عرفته كل التجارب التنموية الاشتراكية في البلدان العربية.
وتمثلت تلك الصحوة خاصة في الإقبال غير المعهود للشباب العربي والإسلامي على الدين، وفي تشبثه بجزئياته وفي المغالاة في التحريم، كرد فعل على ما أعتبره انحلالاً أصاب كل مجالات الحياة، التي لم يلبث أن أعلن أنه لا إمكانية لإعادة إصلاحها إلا من خلال التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، وقيام دولة إسلامية قادرة وحدها على استعادة مجد الإسلام والمسلمين.
خاتمة :
خَلُصت الدراسة إلى أن أهم النتائج التي افرزها الإعلام الجديد هي كسر رابطة التنشئة (نزع التنشئة)، وتمكين الذات الاجتماعية من الاطّلاع على أكثر من مصدر للمعرفة الدينية عبر عملية التثاقف، وأن تنتقي منها ما يناسبها، أو تتبنى فكرة أو عدة أفكار دون التَّقيُّد بمرجعية محددة؛ فتكوين الشباب من الناحية الدينية لم يعد ثُنائياً تهيمن فيه مؤسسات الأسرة والمدرسة، بل أصبح تَعدُّدِياً يعطي حرية أكبر للشباب في اختيار نمط التدين الذي يتوافق وسمات شخصيته المتفردة.
يَتَّخِذ التديُّن أشكالاً عديدةً، قد تكون من طريق تمظهرات الجسد ورغباته، أو تكون من طريق مُمَاثلة مع نماذج تاريخية دينية أو إعادة إحيائها مع تنويعات متعددة تتكئ على واقع متغير ومتحول، فالدين باعتباره اعتقاداً وممارسة يساعد الأفراد على تطوير الشعور بالانتماء للجماعة، حيث يصبح التماثل أو التماهي (Identification) عنصراً أساسياً في خلق أي تَجمُّع إنساني فئوياً صغيراً كان أم جامعاً لفئات متعددة ومتنوعة، ويَمُدُّهم بالدعم المعنوي ويزيد التلاحم والاستقرار الاجتماعي، أو على العكس من ذلك يصبح المحرك الأساسي لحركات الإصلاح والثورات.
إن بروز أشكال جديدة من التدين هو تعبير عن مظاهر التحوُّل الديني التي يشهدها الحقل الديني في المجتمع الجزائري؛ فالانتماءات والارتباطات تتحول إلى مكوِّنات للهوية، حيث ترتبط انتماءات الهوية بالشكل الذي تُمارس فيه، وهي وسيلة لخلق وسط يتحقق فيه الانتماء الاجتماعي، داخل الوسط الأوسع الذي هو حيز الانتماء الإجباري.
يُعتبر المجتمع الجزائري عبارة عن تركيبة لِعدَّة هويات تَشكَّلت عبر السياق التاريخي بفضل تأثير العامل الزمني ولعلَّ من أهمِّها على سبيل الحصر لا الإجمال:
العامل الأول: التاريخ الماضي، هوية تشكلت بفعل الزمن الماضي متجسِّدة في الهوية الصوفية؛ من بداية دخول التصوف للمغرب الأوسط، والهوية الإباضية منذ تأسيس الدولة الرُّستمية سنة (144ه-761م)، بفعل أحداث التاريخ هوية تشكّلت بفضل تَرسُّبات الماضي.
العامل الثاني: التاريخ الحاضر، هوية مكتسبة من الحاضر، مُتجَسِّدة في الهوية السلفية منذ التسعينات فترة ظهور الإسلام السياسي، والهوية الفردية مع بداية القرن الواحد والعشرين بفعل تأثير وسائل الإعلام الحديثة التي استطاعت أن تُلغي الحدود الجغرافية؛ إذن هوية برزت نتيجة الظرف الحاضر نتيجة تأثير الجانب السياسي والإعلامي.
فالهوية من هذا المنظور تبدو ككيفية تصنيف للتمايز(نحن، هم) قائمة على الاختلاف، إذن الهوية رهان للصراعات الاجتماعية، هوية ذات هندسة متغيرة تبعاً لأبعاد المجموعة التي تعتبرها مرجعاً لها.
فالهوية تُبْنى وتَنْهدِم وتُعاد البناء وفقاً للوضعيات بطريقة مغايرة؛ إذن الهوية بناء اجتماعي واستراتيجية وجودية يلجأ إليها الإنسان ويستثمرها خلال وجوده.
قائمة المراجع:
- 1. أركون، محمد، – لوي، غارديه، الإسلام بين الأمس والغد، (ت) علي المقلّد، دار الفرابي، بيروت- لبنان2006.
- 2. الجابري، محمد عابد، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية- جماعة الدراسات العربية والتاريخ والمجتمع، ط07، بيروت1998.
- الكنز، علي، «الإسلام والهوية: ملاحظات للبحث»، ورقة مقدمة إلى ندوة الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية- الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ط01، بيروت1990.
- 4. حمدوش، رشيد، مسألة الرباط الاجتماعي في الجزائر المعاصرة: امتداد أم قطيعة؟ دار هومة، الجزائر2009.
- 5. رهانات الديني والسياسي في مدينة غرداية: فضاء عمومي أم فضاء جماعاتي؟ بحث جماعي الذي أُجري من طرف مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (Crasc) وهران 2012.
- شباب ممكن مستقبل مستدام، استراتيجية الأمم المتحدة الإنمائي للمساواة بين الجنسين، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي2014-2017، نيويورك .2014.
- عبد الجواد، ياسين، الدين والتدين، التشريع والنص والاجتماع، التنوير، بيروت2012.
- 8. علي يحي، معمر، الإباضية في الجزائر، (ج02)، المطبعة العربية، غرداية1987.
- 9. عواد، هاني، التدين الشبابي، نمط منفلت عن المؤسسة الايديولوجية، مجلة عمران، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر أكتوبر2011.
- قُرم، جورج، المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين، (تع) خليل أحمد خليل، ط01، دار الفارابي، بيروت-لبنان2007.
- قٌرم، جورج، تعدد الأديان وأنظمة الحكم، دار النهضة، بيروث1977.
- 1 كوش، دنيس، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ط01، المنظمة العربية للترجمة- مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت – لبنان 2007.
- مرزوق، محمد، «التدين والبحث عن الهوية في الوسط الطلابي» في مجلة إنسانيات- Crasc- كراسات المركز رقم 24، وهران29- 09- 2012.
- نويهض، عادل، موسوعة أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، ط02، مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة، بيروت- لبنان 1980.
- طيبي غماري وبركات عمر، التحولات الاجتماعية والثقافية في الجزائر من منظور العلوم الاجتماعية، الناشر مخبر البحوث الاجتماعية والتاريخية، جامعة مصطفي اسطنبولي، معسكر-الجزائر2018.
BIBLIOGRAPHIE:
- 1. Camilleri، stratégies identitaires، PUF، Paris 1990.
- CEA-AN، ETRE JEUNE MAGHREB AU، Publiée par le Bureau pour l’Afrique du Nord، Hay Ryad، Rabat، Maroc، 2013.
- Lipiansky، Edmond. Identité et communication، PUF، Paris، 1992.
- Salhi، Mohamed Brahim.In « Société et religion en Algérie au XXe siècle : le réformisme ibadhite، entre modernisation et conservation »، Insaniyat /31 /2006 ، .
[1] الكنز، علي، «الإسلام والهوية: ملاحظات للبحث»، ورقة مقدمة إلى ندوة الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية- الجمعية العربية لعلم الاجتماع، ط01، بيروت1990، ص91-109.
[2] عبد الجواد، ياسين، الدين والتدين، التشريع والنص والاجتماع، التنوير، بيروت2012، ص08-09.
[3] مرزوق، محمد، «التدين والبحث عن الهوية في الوسط الطلابي» في مجلة إنسانيات- Crasc- كراسات المركز رقم 24، وهران29- 09- 2012، ص ص5-18.
[4] أركون، محمد، -لوي، غارديه، الإسلام بين الأمس والغد، (ت) علي المقلّد، دار الفرابي، بيروت- لبنان2006، ص37.
[5] Salhi، Mohamed Brahim.In « Société et religion en Algérie au XXe siècle : le réformisme ibadhite، entre modernisation et conservation »، Insaniyat /31 / 2006 ، PP61-33 .
[6] علي يحي، معمر، الإباضية في الجزائر، (ج02)، المطبعة العربية، غرداية1987، ص436.
* عبد الله بن اباض: هو عبدالله بن اباض المقاعسي، المري، التميمي، من بني مرّة ابن عبيد ابن مقاعس من دعاة الاباضية بل هو مؤسّس المذهب، وُلِد خلال القرن 7ه. يرجع نسبه إلى اباض، وهي قرية العارض باليمامة وقد عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان سنة 708ه.
لمزيد من التفاصيل انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، ص26.
** ابراهيم أطفيش: هو ابراهيم بن محمد ابراهيم بن يوسف، أطفيّش أبو إسحاق ولد في قرية بني يزقن بوادي مزاب سنة 1305ه الموافق لـ 1888م وتوفي سنة 1385ه الموافق لـ 1965م، عالم من بني يزقن ، كان عضوا بجمعية تعاون جاليات شمال إفريقيا وممثلاً لدولة عمان في جامعة الدول العربية، ورئيساً لوفدها الرسمي في هيئة الأمم المتحدة دورة 1960. أسس مجلة المنهاج في القاهرة ما بين سنتي 1925 و 1932، وقد كان فقيهاً ومحققاً وكاتباً صحفياً.
لمزيد من التفاصيل انظر: نويهض، عادل، موسوعة أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، ط02، مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة، بيروت- لبنان 1980، ص19.
*** براهيم بيوض: هو الشيخ ابراهيم ابن عمر بيوض وُلِد يوم 11ذي الحجة1318ه الموافق لـ 21 أفريل 1899م بمدينة القرارة، بعد الحرب العالمية الأولى أُخِذ غصباً للخدمة العسكرية الإجبارية، وبعد رجوعه منها بدأ مصارعته للاستعمار بكتاباته رسائل احتجاج فقاوم قانون التجنيد الإجباري حتى اصدر المستعمر قانوناً بإلغاء الحكم والتجنيد العسكري عن وادي مزاب. اُنتخِب سنة 1940 رئيساً لمجلس العزابة. شارك سنة 1931م في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومناقشة قانونها، وانتُخِب عضواً في ادارتها واُسنِدت له نيابة أمانة مالها. في سنة 1937م أَسس جمعية الحياة رائدة النهضة العلمية والإصلاحية بالقرارة، وفي عام 1940م حُكِم عليه بالإقامة الجبرية داخل أسوار القرارة لا يغادرها لمدة أربع سنوات.
توفي يوم الأربعاء 08 ربيع الأول سنة1401ه الموافق لـ 14 جانفي1981م عن 82 سنة.
[7] بحث جماعي الذي أُجري من طرف مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية (Crasc) وهران 2012 حول: رهانات الديني والسياسي في مدينة غرداية: فضاء عمومي أم فضاء جماعاتي؟
[8] عواد، هاني، التدين الشبابي، نمط منفلت عن المؤسسة الايديولوجية، مجلة عمران، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة-قطر أكتوبر2011، ص20.
[9] الجابري، محمد عابد، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية- جماعة الدراسات العربية والتاريخ والمجتمع، ط07، بيروت1998، ص311.
[10] حمدوش، رشيد، مسألة الرباط الاجتماعي في الجزائر المعاصرة: امتداد أم قطيعة؟ دار هومة، الجزائر2009، ص134.
[11] كوش، دنيس، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ط01، المنظمة العربية للترجمة- مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت – لبنان 2007، ص66.
[12] Lipiansky، Edmond. Identité et communication، PUF، Paris، 1992، P24.
[13] Camilleri، Carmel. stratégies identitaires، PUF، Paris 1990، P49.
[14] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، شباب ممكن مستقبل مستدام، استراتيجية الأمم المتحدة الإنمائي للمساواة بين الجنسين 2014-2017، نيويورك .2014، ص9.
[15] CEA-AN، ETRE JEUNE MAGHREB AU، Publiée par le Bureau pour l’Afrique du Nord، Ryad، Rabat، Maroc، 2013، p 4.
[16] طيبي غماري وبركات عمر، التحولات الاجتماعية والثقافية في الجزائر من منظور العلوم الاجتماعية، الناشر مخبر البحوث الاجتماعية والتاريخية، جامعة مصطفي اسطنبولي، معسكر-الجزائر2018، ص274.
[17] قُرم، جورج، المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين، (تع) خليل أحمد خليل، ط01، دار الفارابي، بيروت-لبنان2007، ص23.
[18]قٌرم، جورج، تعدد الأديان وأنظمة الحكم، دار النهضة، بيروث1977، ص41.