
مفهوم المجتمع المدني العالمي بين القبول والرفض
The notion of global civil society between acceptance and reject
محمد خيدون – الوالي كوبي/جامعة شعيب الدكالي، الجديدة، المغرب
Mohamed khaidon•El walikoubi/Chouaib Doukkali University
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 58 الصفحة 93.
ملخص:
يعد مفهوم المجتمع المدني من ضمن أكثر المفاهيم استعصاء على التعريف، لذا فإن محاولة تحديده تستدعي بالضرورة الوقوف عند تاريخ المفهوم وتطوره عبر مختلف التصورات الفلسفية، بداية بالفلسفة اليونانية ومرورا بفلسفة الأنوار، ثم الفلسفة الحديثة، وصولا إلى التصورات المعاصرة. حيث أنه في كل هذه المراحل كان مفهوم المجتمع المدني يأخذ معنى مختلفا، ومع بزوغ العولمة والتغيرات التي أحدثتها والتي تمثلت بالأساس في تشكل روابط جديدة بين الأفراد في مختلف أقطار العالم، بفضل تطور وسائل الاتصال والتواصل، وظهور العديد من المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية العابرة للحدود الوطنية، تشكلت مجموعة من التصورات التي دافعت عن شكل جديد للمجتمع المدني، وهو المجتمع المدني العالمي، ومع أن هذا المفهوم يبدو مقبولا إلى حد ما، ما دمنا نعيش في عصر العولمة، إلا أنه لا يزال حتى اليوم موضوع نقاش حاد.
الكلمات المفتاحية: المجتمع المدني، العولمة، المجتمع المدني العالمي، الدولة
Abstract:
The notion of civil society is one of the most difficult notions to define. To do so, we have to go throw its history and evolution in philosophy, first in the Greek philosophy, second in the philosophy of enlightenments, then in the modern philosophy and the contemporary philosophy. In every period of this evolution, civil society has taken a different meaning. Today it toque another shift, because of the globalisation and its effects, namely the emerge of new social ties, new social institutions and organisations that extend and go beyond geographical barriers, due to new technologies. All this factors have led to a debate about a new form of civil society, which is global civil society.
Keywords: Civil society, globalisation, global civil society, state
مقدمة:
عرف مفهوم المجتمع المدني مسارا طويلا من التطور بدأت بوادره مع الفكر اليوناني، حيث كان يشير في الفكر الأرسطي إلى ما يصطلح عليه اليوم بالمجال أو الفضاء العام، والذي يتميز بالنسبة إليه بعلاقات سلطة تعاقدية أفقية مقابل علاقات السلطة العمودية التي تسود المجال الخاص[1]، إنه عبارة عن جماعة سياسية مقابلة للمنزل والعائلة، تشكل المكان حيث يستطيع الانسان تحقيق جوهره كحيوان سياسي وحيث يستطيع ليس فقط العيش وإنما العيش بكرامة[2]. في عصر الأنوار أخذ هذا المفهوم معنى آخر متقلبا بحيث صار يحيل تارة إلى متجمع منظم سياسيا تحت سلطة قوية، كما هو الأمر في تصور طوماس هوبز مثلا، وتارة أخرى يحيل إلى مجتمع دون دولة، كما هو الأمر في تصور ماندفيل.[3]
المجتمع المدني: المفهوم والسياق
تبلور مفهوم المجتمع المدني في خضم التطور الكبير الذي عرفه الفكر السياسي في أوربا ابتداء من القرن السابع عشر، حيث تشكلت ملامحه الأولى مع أعمال فلاسفة الأنوار، وتحديدا مع طوماسهوبز الذي يعد أول من تلفظ بعبارة المجتمع المدني société civile، والتي تحيل بالنسبة إليه إلى حالة السلم والمدنية الناجمة عن العقد الاجتماعي والمقابلة لحالة الطبيعة، والواقع أن هوبز ليس وحده من قابل بين المجتمع المدني وحالة الطبيعة، فجون لوك هو الآخر وضع هذا التقابل واعتبر أن المجتمع المدني لم يتشكل فقط لتحقيق السلم، ولكنه أيضا جاء لحفظ الملكية، وهو الأمر نفسه الذي يذهب إليه جون جاك روسو، حيث يعتبر هذا الأخير أن المصلحة الفردية هي ما يشكل المجتمع المدني، لكنه خلافا للوك ينتقد هذا المجتمع الذي هو تشكيلة خاصة بعصره ومرحلة وسيطة بين حالة الطبيعة المدنية.[4]
من بين الكتابات التي أسهمت في تشكيل مفهوم المجتمع المدني هناك أيضا أعمال كل من ماندفيل وآدم سيمث وآدم فيرغسون، والذين يتقاطعون جميعا في رفضهم لفكرة العقد الاجتماعي وفي تصورهم للمجتمع المدني كنظام اجتماعي مستقر نسبيا وقادر على تنظيم ذاته بشكل غير مؤسساتي[5]، ومعنى ذلك أن استمررا النظام التماسك الاجتماعي لا يتوقف على الحاكم وإنما وإنما هو نتيجة التفاعل والسلوكات الفردية[6]. فماندفيل مثلا يعتبر المجتمع المدني تشكيلة تنتج عن تبادل المصالح، وآدم سميث، حتى وإن لم يستعمل مطلقا عبارة “المجتمع المدني” نظرا لحمولتها السياسية، اعتبر هو الآخر أن المجتمع المدني والذي أحال إليه بعبارة “الأمة” و”المجتمع” يسير بقوانين خاصة وبالتالي فهو لا يحتاج إلى أن يكون “مدنيا”، أي منظما بقوانين الدولة.[7]
لقد أسهمت التصورات الآنفة الذكر بشكل كبير في تشكل مفهوم المجتمع المدني، وذلك بفصله عن الدولة والمجتمع السياسي، وقد لعب الفيلسوف الألماني هيغل هو الآخر دورا كبيرا في هذا الصدد، حيث اعتبر أن المجتمع المدني هو وسيط بين العائلة الدولة، إنه عبارة عن مجموعة من الأفراد المهتمين بذواتهم فقط وبمصالحهم الفردية وهو ما أسماه بالمجتمع البرجوازي، والذي هو متميز عن الدولة لكنه ليس مستقلا عنها، على اعتبار أنه لا يستطيع تحقيق التماسك إلا من خلال الدولة التي تسهر على تحقيق الصالح العام.[8]
تشكل مفهوم المجتمع المدني بشكل واضح ودقيق لأول مرة مع غرامشي، وقد تطرق إليه في إطار تحليله للدولة واللا مساواة في توزيع السلطة داخل المجتمع، حيث اعتبر أن الدولة لا تقوم فقط بالقمع، ولكنها تقوم أيضا بتوزيع ونشر الأيدولوجيا المهيمنة عبر مجموعة من المؤسسات، والمجتمع المدني في هذا الصدد هو القاعدة والمضمون الايتيقي للدولة، والمكان حيث تمارس الهيمنة الثقافية والأيديولوجية، إنه عبارة عن مجال مهيكل بواسطة مؤسسات، حيث تتشكل وتوزع الأيديولوجيات التي تدعم الجسد الاجتماعي.[9]
المجتمع المدني العالمي بين الرفض والقبول
لقد أحدثت العولمة تغيرات جذرية على مستويات كثيرة، ولعل أهم ما جاءت به هو تحرير السوق وتسهيل التبادل الحر بين الدول، تزايد تدفق المعلومات، إضافة إلى تشكل روابط بين أفراد وجماعات من جهات مختلفة من العالم بفعل وسائل الاتصال والتواصل…الخ[10]، وفي السنوات الأخيرة صرنا نشهد تصاعدا ملحوظا للمؤسسات الاجتماعية التي تنشط خارج الحدود الوطنية، وقد حظيت هذه التنظيمات باهتمام كبير يرجع تفسيره، في جزء كبير منه، إلى الأزمة التي شهدتها الدولة في جميع أنحاء العالم تقريبا، هذه الأزمة التي تجلت في: إعادة النظر في السياسات الاجتماعية التقليدية في دول الشمال، خيبة الأمل في خطط التنمية المسيرة من طرف الدولة في الدول النامية، فشل الاشتراكية في وسط شرق أوروبا، وأيضا من خلال التحديات البيئية التي تزداد خطورة كل يوم وتهدد الصحة البشرية في كل مكان. في ظل هذه الظروف ظهرت توجهات جديدة عالمية توجه السياسات الاقتصادية نحو السوق (market-oriented economic policies) وتضع توقعات وآمالا جديدة في مؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في المجتمعات على المستوى العالمي.[11]
دفعت هذه التحولات مجموعة من الباحثين إلى الحديث عن شكل جديد للمجتمع المدني، وهو المجتمع المدني العالمي، وهو عبارة عن مجموعات مدنية تهتم بمسائل وإشكاليات عابرة للدول، وتستعمل وسائل تواصل عابرة للحدود، تتوفر على تنظيم عالمي، وتتعاون على المستوى الدولي[12].
تصور ميشيل بيزو
قد تبدو فكرة المجتمع المدني العالمي في السياق الذي نعيشه اليوم فكرة منطقية، لكنها ليست بديهية، وذلك أن كثيرا من الباحثين لازال يتردد في قبولها، حيث نجد على سبيل المثال ميشيل بيزو الذي ينطلق من تاريخ المفهوم لتحديد الشروط النظرية التي عليه أن يستوفيها حتى يتم تبنيه، والتي حددها في شرطين وهما: ضرورة وجود شرعية سياسية-قانونية، وشرعية سوسيو-اقتصادية. فمفهوم المجتمع المدني حسب هذا الباحث، تأسس في تصورات مفكري عصر الأنوار على مفهوم مركزي وهو الحاكم، فالمجتمع المدني والعقد الاجتماعي لا يتشكلان إلا بتأسيس حاكم، وتأسس في تصورات المفكرين اللبراليين على مبدا أساسي وهو التنظيم الذاتي، أي أن المجتمع المدني في هذا التصور هو عبارة عن مجتمع مستقل عن الدولة وخاضع لقوانين سوسيو-اقتصادية مختلفة عن القوانين السياسية-القانونية المؤسسة من طرف الدولة. وبالتالي فإنه للحديث عن مجتمع مدني عالمي حسب ميشيل بيزو، لابد ـ على الأقل من وجهة نظر تاريخ المفهوم ـ من وجود حاكم وإطار سياسي قانوني عالميين[13]، وهو الأمر غير القابل للتحقيق، فالدولة اليوم وإن كانت تنخرط في أشكال عالمية للحكامة، لكن ذلك يتم دون أي حكومة عالمية، وذلك لأن الفاعلين السياسيين والشعوب غير مستعدون لقبول ذلك[14].ويجب أيضا، للحديث عن مجتمع مدني عالمي، أن يتمتع هذا الأخير بالاستقلالية الذاتية، ومعنى ذلك أن تبني فكرة المجتمع المدني العالمي يستوجب البرهنة على وجود سيرورات اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية على المستوى العالمي لا تمر عبر وساطة الدول[15].
ما يحاول ميشيل بيزو الدفاع عنه في هذا الصدد هو أن المعاني والدلالات التي حملها مفهوم المجتمع المدني على مر تاريخه ارتبطت بالدولة الأمة، وبالليبرالية الاقتصادية، وهي مبادئتمثل كل ما يرفضه المدافعون عن العولمة البديلة Les altermondialistes، الأمر الذي يثير التساؤل بالنسبة إليه حول سبب إضافة عبارة “العالمي” إلى جانب عبارة “المجتمع المدني”؟.[16]
تصور ماري كالدور
تعترف ماري كالدور بأن كل التعريفات التي وضعت للمجتمع المدني خلال عصر الأنوار والعصر الحديث تتقاطع في كونها مرتبطة بشكل وثيق بالمجال الترابي، أي أن المجتمع المدني لم يكن منفصلا من حيث تصوره عن الحدود الترابية للدولة، حيث كان يتم المقابلة بينه وبين دول أخرى يسودها الاستبداد، أو بينه وبين مجتمعات ما قبل حداثية تغيب فيها الدولة كما يغيب فيها مفهوم الفردانية. لكنها ترى في المقابل أن مفهوم المجتمع المدني تعرض لإعادة الصياغة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي مكنته من القطع مع مفهوم الدولة. وقد حصل هذا الأمر بالنسبة إليها في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، واللتين استخدما هذا المفهوم ضدا على أنظمة لاديمقراطية، حيث استخدم من طرف الأمريكيين اللاتينيين لمواجهة الديكتاتوريات العسكرية، واستخدم من طرف سكان أروبا الشرقية ضدا على الأنظمة التوتاليتارية، وتقاطع الاثنين في فكرة أساسية مفادها أن قلب النظام من فوق ليس ممكنا، لذا فقد كان من الضروري تغيير المجتمع عوضا عن ذلك[17].
عرف مفهوم المجتمع المدني ـ حسب ماري كالدور دائماـ تحولا آخر مهما عقب نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، ساهمت في تحققه ثلاثة بارديغمات أساسية، أولها هو الحركات الاجتماعية الجديدة التي ظهرت منذ سنة 1968 بمطالب وأشكال جديدة للاحتجاج، وفي هذا السياق ظهرت لأول مرة شبكات عالمية لفاعلين ونشطاء يجتمعون حول مشاكل محددة كحقوق الانسان، السيدا، تغير المناخ…الخ، وقد لعبت هذه الشبكات دورا مهما في دعم سيرورة تشكل حكامة عالمية خاصة في المجال الانساني، وفي نهاية سنوات التسعين من القرن الماضي ظهرت حركة تسميها كالدور “بالنسخة المناضلة من المجتمع المدني” وهي حركة “العولمة البديلة”، والتي تمحور همها الأساسي حول العدالة الاجتماعية.[18]
يتمثل الباراديغم الثاني الذي حددته الباحثة، في الدور الذي لعبته المؤسسات العالمية والحكومات الغربية، حيث تم اعتبار المجتمع المدني جزء مهما من الأجندة الجديدة للسياسية، وذلك ضمن ميكانيزمات هادفة إلى تسهيل عمليات إصلاح السوق وتحقيق الديمقراطية، وتسمي كالدور هذه النسخة “بالنسخة النيوليبرالية”. ويعد الفاعلون الأساسيون في هذه النسخة هم المنظمات غير الحكومية والتي هي عبارة عن حركات اجتماعية ممأسسة، وقد عرفت هذه المنظمات تطورا كبيرا مع مرور الوقت بحيث أصبحت بشكل تدريجي شبيهة بمؤسسات حكومية نظرا لحلولها محل الدولة في مجموعة من الوظائف، كما أنها اندمجت في منطق السوق بفعل دخولها في تنافس مع بعضها البعض، الأمر الذي دفع كثيرا من الباحثين – من ضمنهم ماري كالدور- إلى حذف هذه المنظمات من قائمة المجتمع المدني[19].
الباراديغم الثالث هو ما تسميه ماري كالدور “بالنسخة ما بعد حداثية للمجتمع المدني”، والتي ساهمت في ظهورها مجموعة من الكتابات الأنثروبولوجية التي انتقدت المركزية الأوروبية لمفهوم المجتمع المدني، واعتبرت أن المجتمعات غير الغربية تعرف هي الأخرى أشكالا أخرى شبيهة بالمجتمع المدني ليست بالضرورة مبينة على الفردانية، وأن جميع الثقافات تتضمن تقاليد معينة للكرامة الإنسانية والتسامح و واستخدام العقل والتشاور العمومي.[20]
تتلخص الفكرة الأساسية التي تدافع عنها ماري كالدور في أن مفهوم المجتمع المدني العالمي ظهر نتيجة مجموعة من التحولات خضع إثرها مفهوم المجتمع المدني لإعادة الصياغة، ففي الثمانينات من القرن الماضي صار هذا المفهوم في كل من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية يشير إلى معنى يفيد بقصور الدولة، وظهرت توجهات قوية نحو تشكيل مؤسسات وقواعد عالمية، كما خضع لتغيرات أخرى خلال سنوات التسعين إثر ظهور أشكال نضالية ونيوليبرالية وما بعد حداثية للمجتمع المدني، بحيث منحت النسخة النيوليبرالية أرضية متينة وفرصة للمجموعات الأكثر راديكالية للحصول على السلطة، ومنحت النسخة الما بعد حداثية فرصة لإدماج فئة كبيرة من المقصيين عبر العالم[21].
عموما يمكن القول أن المجتمع المدني العالمي في تعريف ماري كالدور هو أرضية تضم مناضلين ومنظمات غير حكومية ونيوليبراليين ومجموعات وطنية ودينية، تناقش وتتفاوض وتمارس الضغط من أجل التأثير على التحولات والتوجهات العالمية، وهو ناتج بالأساس عن التواصل والترابط المتزايد بين الدول، كما هو ناتج أيضا عن ظهور نسق حكامة عالمي، وانبثاق حركات وجماعات وشبكات وتنظيمات تفتح نقاشا عموميا عالميا.[22]
نماذج من المجتمع المدني العالمي
منظمة العفو الدولية: (amnesty) تأسست سنة 1961، وهي منظمة عالمية حيادية ذات حكم ذاتي مستقل عن جميع الحكومات والإيديولوجيات السياسية والمصالح الاقتصادية والمعتقدات الدينية، ولدى المنظمة استقلال مادي، ممولة عن طريق التبرعات والأعضاء المؤيدين لها، وتتيح المساهمات والتبرعات التي تتلقاها المنظمة الحفاظ على استقلاليتها الكاملة، وينشط داخلها ما يزيد عن سبعة ملايين شخص وغايتهم الدفاع عن حقوق الإنسان[23]. وتتمثل هذه الحقوق في:
- إلغاء عقوبة الإعدام.
- إطلاق سراح سجناء الرأي (الذين تم سجنهم بسبب عرقهم أو دينهم أو انتمائهم السياسي…).
- حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين .
هذه الأنشطة مبنية في الأصل على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948، وهي مبادئ اتفق عليها المجتمع الدولي والتي تتضمن الحق في عدم الاعتقال أو الحجز التعسفي؛ وحق التعبير الحر عن الرأي والمعتقدات الدينية؛ والحق في الحياة والحرية والأمان، وهي الحقوق التي تعمل المنظمة على حمايتها.
وترى منظمة العفو الدولية أن العالم اليوم يعاني مجموعة من المشاكل لها ارتباط بالصحة والتعليم والسكن والتغذية، وكلها تدخل من بين الحاجيات الضرورية في حياة الإنسان، وقد قدمت المنظمة بعض الأرقام بهذا الخصوص؛ ففي مجال الصحة، حوالي 8,1 مليون طفل يموتون قبل أن يصلوا إلى عامهم الخامس، ومعظمهم بسبب أمراض قابلة للشفاء، وفي مجال التعليم؛ 61 مليون طفل (معظمهم إناث) لا يحصلون على التعليم، أما في مجال السكن؛ فإن 889 مليون شخص يتوقع أن يعيشوا في أحياء عشوائية بحلول 2020، في حين يعاني 842 مليون شخص من سوء التغذية[24].
وبالتالي فإن هذه الأرقام تكشف نوع المشاكل التي يعانيها العديد من البلدان، لاسيما الفقيرة منها، مما دفع بالمنظمة إلى مُسألة حكومات هذه البلدان التي تعاني من مثل هذه المشاكل، ودعوتها إلى ضمان جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء الأولوية للمستويات الأساسية من الحقوق من قبيل؛ السكن والصحة والتعليم.
منظمة أطباء بلا حدود( médecins sans frontières): هي منظمة طبية وإنسانية تأسست سنة 1971 من طرف مجموعة من الأطباء والصحافيين في العاصمة الفرنسية باريس، وتمثًل هدفهم بتأسيس منظمة مستقلة تعمل على تقديم المساعدات الطبية الطارئة بسرعة وعدم التحيز، تألفت المنظمة عند تأسيسها من 300 متطوع بين طبيب وممرض. ورسالتها تأسست على مبدأ حق جميع الناس في الحصول على الرعاية الصحية بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسي، وهو ما يميز هذه المنظمة، وقد تم تحديد مبادئ عملها في ميثاق المنظمة الذي يعتبر مرجعا وإطارا لجميع أنشطتها[25].
أرسلت منظمة أطباء بلا حدود أولى بعثاتها إلى نيكاراغوا، عام 1972، بعد أن دمر الزلزال معظم أرجاء عاصمتها ماناغوا، وفي عام 1974 نظمت بعثة إغاثية لمساعدة سكان الهندوراس بعد أن أدى الإعصار إلى فيضانات وأسفر عن مقتل الآلاف من الناس. وعلى اثر هذه التدخلات التي قامت بها المنظمة، اتضح لدى أطبائها نقاط الضعف كنقص الإعداد والتحضير وهو ما جعلها تدعو إلى تقديم الدعم اللازم للأطباء للعمل في ظروف أحسن[26].
منذ عام 1980، افتتحت المنظمة مكاتبها في 28 بلدا، وتوظف اليوم أكثر من 35,000 شخص في جميع أنحاء العالم. وقد عالجت منذ تأسيسها حوالي 100 مليون مريض، وخلال سنة 2015، أجرت المنظمة نحو 8,6 مليون استشارة طبية[27].
وخلال سنة 2016 وفي إطار تقريرها الدولي السنوي لأنشطتها أجرت منظمة أطباء بلا ما يزيد عن 9,132,100 استشارة طبية، و 250,300 عملية ولادة، وقامت برعاية 220,200 مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، فضلا عن معالجة 2,536,400 مليون شخص مصاب بالملايار، و 80,100 مليون شخص تم إدخالهم إلى برنامج سوء التغذية الحاد، كما قامت بمساعدة نحو 30,600 لاجئ ومهاجر[28].
وتمتثل منظمة أطباء بلا حدود في عملها للمبادئ الإنسانية، وتلتزم بتوفير الرعاية للمتضررين من مختلف الأزمات، وتعمل بصورة مستقلة تماما، وتتلقى المنظمة أكثر من 90 في المائة من تمويلها عن طريق التبرعات الخاصة من الأفراد المؤيدين لها. وبفضل المجهودات التي تبذلها منظمة أطباء بلا حدود، حازت سنة 1999 على جائزة نوبل للسلام، وأعلنت على إثرها أن أموال الجائزة ستُكرس لنشر الوعي بشأن الأمراض ومكافحتها.
خاتمة :
ختاما يمكن القول إن التغيرات التي يعرفها العالم اليوم إثر التطور التكنولوجي خاصة في وسائل الإعلام والاتصال، وما أتاحه ذلك من قدرة على التنقل سواء بالنسبة للبضائع والأفراد أوالأفكار والمعلومات، منح الفرصة للفاعلين السياسيين وغيرهم لتوسيع دائرة تأثيرهم، ومن تشكيل حركات سياسية واجتماعية خارج الحدود الوطنية، الأمر الذي أدى إلى خلق مجتمع مدني عالمي[29]، استجابة للتطورات العالمية من جهة، واستجابة للتحديات العابرة للحدود من جهة أخرى- كالتحديين الأمني والبيئي. وبناء على هذا الأساس، فإنه يمكن القول أن المجتمع المدني العالمي هو ليس فقط حصيلة تغيرات ماكروسوسيولوجية وإنما هو حل ناجع يقترح نفسه اليوم لتجاوز مشاكل عجزت الدولة عن تخطيها، كما يمنح آفاق جديدة للفاعلين ويفتح المشاكل المحلية والوطنية على العالم.
قائمة المراجع:
- Manuel Castells, The Network Society: From Knowledge to PolicyThe Information Age Economy Society and Culture, Volume I The Rise of the Network Society, Blackwell Publishing Ltd, second editio, 2010,
- Fiona B. Adamson, Globalisation, Transnational Political Mobilisation and Networks of Violence, Cambridge Review of International Affairs, Volume 18, Number 1, April 2005
- Michaël Biziou, « De la société civile à la société civile mondiale », Cités 2004/1 (n° 17), p. 13-23.
- François RANGEON, « Société civile : Histoire d’un mot », dans Jacques CHEVALLIER (dir.), La société civile, Centre universitaire de recherches administratives et politiques de Picardie, Paris, P.U.F., 1986, p. 9, à la page 9
- Entretien avec ZakiLaidi, La société civile mondiale existe-t-elle ?, Cadres-CFDT, n 410-411, juillet 2004
- Mary Kaldor, L’idée de société civile mondiale, Recherches sociologiques et anthropologiques p. 89-108,
- The Impact of Globalization on Migration Processes,RamunėČiarnienė, VilmantėKumpikaitėSocialiniaityrimai / Social Research. 2008. Nr. 3 (13), 42–48
- Lester M. Salamon and Associates, Global Civil Society Dimensions of the Nonprofit Sector, The Johns Hopkins Center for Civil Society Studies Baltimore, MD • 1999
- https://amnesty.org
- https://www.msf.org
[1]Entretien avec ZakiLaidi, La société civile mondiale existe-t-elle ?, Cadres-CFDT, n 410-411, juillet 2004,p8
[2]Michaël Biziou, « De la société civile à la société civile mondiale », Cités 2004/1 (n° 17), p. 13-23.
[3]François Rangon, « Société civile : Histoire d’un mot », dans Jacques chevallier (dir.), La société civile, Centre universitaire de recherches administratives et politiques de Picardie, Paris, P.U.F., 1986, p. 9.
[4]Ibid.p.12.
[5]Michaël Biziou, « De la société civile à la société civile mondiale », Cités 2004/1 (n° 17), p. 13-23.
[6]Entretien avec ZakiLaidi, La société civile mondiale existe-t-elle ?, Cadres-CFDT, n 410-411, juillet,p9
[7]François Rangeon, Société civile : histoire d’un mot, p17.
[8]Ibid.p.19.
[9]Ibid.p.26-27.
[10]The Impact of Globalization on Migration Processes,RamunėČiarnienė, VilmantėKumpikaitėSocialiniaityrimai / Social Research. 2008. Nr. 3 (13), 42–48
[11]Lester M. Salamonand Associates,Global Civil Society Dimensions of the Nonprofit Sector,The Johns Hopkins Center for Civil Society Studies Baltimore, MD • 1999,p. 4
[12]Pierre Castella, Société civile mondiale : la montée en puissance, Solagral et Unesco-Most, juin 2001, p 1
[13]Michael Biziou, De la société civile à la société civile mondiale, Cités 2004/1 (n° 17) p.13.
[14]Manuel Castells, The Network Society: From Knowledge to PolicyThe Information Age Economy Society and Culture Volume I The Rise of the Network Society, Blackwell Publishing Ltd, second editio, 2010,
[15]Michaël Biziou, « De la société civile à la société civile mondiale », Cités 2004/1 (n° 17), p. 13-23.
[16]Ibid.p.15.
[17]Mary Kaldor, L’idée de société civile mondiale, Recherches sociologiques et anthropologiques 2007. p. 89-108,
[18]Ibid.p.110.
[19]Ibid.p.112.
[20]Ibid.p.112.
[21]Ibid.p.115.
[22]Ibid.p.117.
[23]https://www.amnesty.org/en
[24]Ibid.
[25]Ibid.
[26]https://www.msf.org
[27]Ibid.
[28]Ibid.
[29]Fiona B. Adamson, Globalisation, Transnational Political Mobilisation and Networks of Violence, Cambridge Review of International Affairs, Volume 18, Number 1, April 2005.