الفساد السياسي: مقاربات في المفهوم والمنهج
Political Corruption: Conceptual and Methodological Approaches
دكتور معتز قفيشة، أستاذ القانون الدولي المشارك، كلية الحقوق والعلوم والسياسية
جامعة الخليل، فلسطين.
Dr. Mutaz Qafisheh (Hebron University, Palestine)
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 25 الصفحة 43
.
Abstract
Political corruption, as a distinct discipline, has emerged over the past two decades. This is due, perhaps, to the growing conviction that administrative corruption stems from rooted causes that come from above, but manifested through daily practices by clients of those in power. Hence, it is imperative to uncover the real causes that feed and protect administrative corruption, which is merely a symptom of a disease, not the disease itself. The absence of an agreed-upon definition of political corruption does not imply that there is no definition at all. On the contrary, many definitions have been developed. While some definitions came technically narrow by focusing on exclusive criminal practices by public servants, others adopted expanded criteria that comprise various immoral acts with the intention to take personal advantage from public office. At the same time, certain studies defined political corruption based on the character of corrupted individuals: the higher the official individual’s rank and his influence in public sphere, the closer we get to political corruption. This article sheds light on the concept of political corruption by conducting an extensive literature review, with the objective to contribute to future research in this field. Rather than embracing a single definition, the article has extracted three elements encompassing any act that may fall under political corruption. The article proposed a set of methodological directions towards further analysis.
Key words: definition of political corruption, good governance, elements of corruption, political integrity, measuring corruption, public administration.
ملخص
برز مفهوم الفساد السياسي بشكل متزايد خلال العقدين الماضيين. ربما يعود ذلك إلى القناعة المتزايدة بأن الفساد الإداري الذي يقوم به عادة صغار الموظفين، ما هو إلا وجه لظاهرة أعمق تأتي من أعلى الهرم، ولكنها تطفو على السطح من خلال تفاصيل يومية يقوم بها زبائن وأدوات لكبار الساسة. من هنا تأتي ضرورة البحث عن الأسباب التي تغذي وتحمي الفساد الإداري، الذي يعتبر مجرد عرض لمرض متجذر وهو نفوذ المتحكمين في اتخاذ القرارات الكبرى. وبالرغم من عدم وجود تعريف واحد مجمع عليه للفساد السياسي، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود تعريف على الإطلاق. بل، على العكس، برزت العديد من التعريفات التي تعكس المعنى الذي يقصده الباحث الذي يقوم بالتعريف من ناحيتي الضيق والاتساع أو التعميم والتخصيص. فبعض التعريفات جاءت بشكل تقني ضيق يركز على ممارسات محصورة ومجرمة في التشريع تهدف للاستفادة المالية للموظف العام. أما البعض الآخر، فقد استخدم مفهوما موسعا، يشمل أنواعا متعددة من الممارسات الغير أخلاقية التي يهدف مرتكبها إلى الاستفادة له شخصيا أو لفئة معينة على حساب المصلحة العامة. في ذات الوقت، استخدم آخرون تعريفا ركز على طبيعة الأشخاص الذين يقومون بالفساد؛ فكلما ارتفع منصب الشخص وتأثيره، كلما اقتربنا من الفساد السياسي، مثل فساد رؤساء الدول والحكومات والوزراء وقادة الأحزاب وكبار الموظفين. يسلط هذا البحث الضوء على مفهوم الفساد السياسي من خلال مراجعة الدراسات المتعددة في هذا الموضوع، والتي لم تقدم حتى الآن تعريفا مجمعا عليه. يهدف هذا الجهد إلى فتح المجال للتوسع البحثي في حقل الفساد السياسي، تمهيدا لإجراء دراسات مفصلة حول مظاهره وأنواعه وتتعمق في أسبابه، من أجل وضع مؤشرات فنية لقياسه كمقدمة لتبني آليات لمجابهته وتجريمه. كما يحلل البحث عناصر هذا الفساد كبديل عن التعريف الجامع، مع تقديم بعض الخلاصات المنهجية.
كلمات دالة: تعريف الفساد السياسي، الفساد الحكومي، عناصر الفساد، نزاهة الحكم، قياس الفساد، الإدارة العامة.
مقدمة
إذا شبهنا الدولة بالبيولوجيا، فيمكن تشبيه الفساد (corruption) بالسرطان.فإذا أصاب الفساد جهازا من أجهزة الدولة فإنه، إن لم يتم اتخاذ العلاج قبل فوات الأوان، سينخر جسم الدولة ويفككها أو يؤدي دون ضجيج إلى ضعفها وانحسار قدرتها على القيام بواجباتها، تماما كما يفعل السرطان في جسم الإنسان.[1] فللفساد آثار مدمرة على اقتصاد الدول والاستقرار السياسي والأمني فيها، بل قد يؤدي عند استفحاله واستحالة معالجته إلى فشل الدولة وزوالها.[2] لذلك لا غرابة في كون الدول الأكثر فسادا في العالم هي الدول الأكثر ضعفا وفقرا واقتتالا وانتهاكا لحقوق الإنسان وعرضة للتدخلات الخارجية، مثل الصومال وجنوب السودان وسورية واليمن، كما يشير لذلك مؤشر قياس الفساد في العالم الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية.[3]
في هذا السياق أصبح مصطلح “الفساد السياسي” (political corruption) يستخدم بكثرة من قبل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والمفكرين ومراكز البحث العالمية وبعض الحكومات، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، مع أنه من الممارسات المتجذرة في التاريخ البشري.[4] فقد أدت العولمة وما صاحبها من تقدم في وسائل الاتصال وانتشار للمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى تكشف المظاهر المتعددة التي يأخذها الفساد في مختلف القارات.[5]من هنا أصبح الفساد السياسي على رأس أولويات السياسة (policy) العالمية باعتباره سببا رئيسيا لضعف الدول وما يصاحب ذلك من أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية قد تؤثر على المجتمع الدولي وعلى الاستقرار السياسي والمالي في العالم ككل.[6] ربما يعود ذلك إلى القناعة المتزايدة بأن الفساد الإداري (bureaucratic corruption) الذي يقوم به عادة صغار الموظفين الحكوميين، ما هو إلا وجه لظاهرة أعمق تأتي من أعلى الهرم، ولكنها تطفو على السطح من خلال تفاصيل يومية يقوم بها زبائن وأدوات لكبار الساسة المتنفذين.[7] من هنا تأتي ضرورة البحث عن الأسباب الحقيقية التي تغذي وتحمي الفساد الإداري، الذي يعتبر مجرد عرض لمرض متجذر وهو نفوذ المتحكمين في اتخاذ القرارات الكبرى.[8]
في العام العربي شكل الفساد السياسي أحد أسباب اندلاع الانتفاضات العربية، والتي اصطلح على تسميتها بـ”الربيع العربي”، التي بدأت في مطلع عام 2011 والتي لا نزال نعيش آثارها.[9]كانت الدعوة إلى تغيير الأنظمة الحاكمة، وما تنتجه من نخب احتكرت لنفسها السلطة واستغلت موارد الدولة لخدمة نفسها مع شبكة من الأقارب وأصحاب المصالح الذين يعتاشون على الرشوة والمحسوبية والاحتكار ومنع الآخرين من المشاركة، من المطالب الأساسية للشعوب.[10]فقد أدى الفساد المستفحل، تدريجيا وكما هو الحال في معظم الدول الدكتاتورية، التي تحول البلاد إلى ما أصبح يسمى بـ”دولة اللصوص” (kleptocracy).[11]
لكن ما هو الفساد السياسي؟ وهل يمكن حصره في تعريف محدد؟
باستعراض مئات الدراسات حول هذا الموضوع، لا نجد تعريفا واحدا مجمعا عليه للفساد السياسي. ربما يرجع ذلك إلى الاختلاف حول معنى “الفساد”، من جهة، والمجالات التي يشملها حقل “السياسة” والمدى الذي يمكن لهذا الحقل أن يتمايز فيه عن الإطارين الاقتصادي والاجتماعي، من جهة أخرى.[12] كما قد يعود الاختلاف في التعريف إلى تعدد مضمون الأفعال التي تعد فسادا في مجتمع ما، دون اعتبارها كذلك في مجتمع آخر، تبعا لتنوع القيم واختلاف الأنظمة القانونية وتباين المستوى الاقتصادي ومدى نضج الثقافة السياسية.[13]
لكن غياب التعريف المجمع عليه لا يعني عدم وجود تعريف على الإطلاق. بل، على العكس، برزت العديد من التعريفات للفساد السياسي، تعكس المعنى المحدد الذي يقصده الباحث أو المؤسسة التي تقوم بالتعريف من ناحيتي الضيق والاتساع أو التعميم والتخصيص. فبعض التعريفات جاءت بشكل تقني ضيق يركز على ممارسات محصورة ومجرمة في التشريع المقنن تهدف للاستفادة المادية، وتحديدا المالية، من قبل الموظف العام. بهذا قد ينحصر التعريف بالمفهوم الإداري الحكومي للفساد. أما البعض الآخر من التعريفات، فقد استخدم مفهوما موسعا، يشمل أنواعا متعددة من الممارسات الغير أخلاقية التي يهدف مرتكبها إلى الاستفادة له شخصيا أو لفئة معينة من الأفراد أو المجموعات على حساب المصلحة العامة؛ وهنا يتم إدماج الفساد الإداري مع الفساد السياسي. في ذات الوقت، استخدم آخرون تعريفا ركز على طبيعة الأشخاص الذين يقومون بالفساد؛ فكلما ارتفع منصب الشخص وتأثيره في الحياة العامة، كلما اقتربنا من الفساد السياسي، مثل فساد رؤساء الدول والحكومات والوزراء وقادة الأحزاب وكبار الموظفين الحكوميين.[14]
يحاول هذا البحث تسليط الضوء على مفهوم الفساد السياسي من خلال مراجعة الدراسات المتعددة التي تناولت هذا الموضوع. يهدف هذا الجهد إلى فتح المجال للتوسع البحثي في حقل الفساد السياسي، تمهيدا لإجراء دراسات أكثر تفصيلا تتناول مظاهره وأنواعه وتتعمق في أسبابه، من أجل وضع مؤشرات فنية دقيقة لقياسه كمقدمة لتبني آليات لمجابهته وتجريمه. ينقسم هذا البحث إلى جزأين. يعالج الأول المعايير المتعددة المستخدمة لتحديد مفهوم الفساد السياسي، بينما يحلل الجزء الثاني عناصر هذا الفساد كبديل عن التعريف الجامع المانع، مع تقديم بعض الخلاصات المنهجية كمقدمة لإجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال.
أولا- مقاربات مفاهيمية في الفساد السياسي
كما أشرنا أعلاه، بالرغم من غياب تعريف مجمع عليه للفساد السياسي، إلا أن هناك عشرات التعريفات التي أوردها الباحثون والمنظمات المعنية بمكافحة الفساد والحكومات والتشريعات والمحاكم في مختلف الدول. وبدل أن نسرد هذه التعريفات، التي قد لا يتسع المقام لإيرادها والتي قد يستحيل حصرها أصلا، قد يكون من الأفضل التعرف على المعايير التي يتم بناء عليها تعريف الفساد السياسي بما يمهد (في الجزء الثاني) الاستخلاص العناصر التي يتضمنها أي فساد سياسي في أي مكان في العالم.
من خلال استعراض العديد من الدراسات التي حاولت تعريف الفساد السياسي، يمكننا ملاحظة عشرة معايير يتم بناء عليها وصف الفساد بأنه سياسي. هذه المعايير هي: معيار المصلحة العامة، معيار الاقتصاد السياسي، المعيار القانوني، معيار الرأي العام، المعيار الثقافي، المعيار الأخلاقي، المعيار الهرمي، المعيار الممنهج-الكمي، المعيار الموزع-الممركز، والمعيار الحزبي-الانتخابي. فيما يلي سيتم استخلاص هذه المعايير ومنطلقاتها في تحديد مفهوم السياسي، وإيراد مدى نجاحها وإخفاقها في الكشف عن ماهيته.
كل معيار من هذه المعايير له منطلقه النظري والعملي، لكن لم يسلم أي من هذه المعايير من أسهم النقد.
فهناك التعريف المبني على معيار المصلحة العامة (public interest). يتوفر الفساد السياسي، وفقا لهذا المعيار، عندما تتوفر حالة يتم فيها تحويل المصلحة العامة إلى مصلحة شخصية للمسؤول السياسي أو الموظف الحكومي أو الفئة الحاكمة. وقد تكون المصلحة العام التي يتم “شخصنتها “مصلحة فردية للفرد الذي يمارس الفساد أو لصالح أقاربه أو مواليه.[15]ينجح هذا المعيار في تقديم أساس منطقي للتمييز بين ما هو خاص (private) وما هو عام (public).[16] لكن قد لا يساعد هذا المعيار في الاشتمال على وسائل فساد قد تأتي من خارج المؤسسة الرسمية، مثل الفساد الموجود في الأحزاب السياسية أو وسائل الإعلام والمجتمع المدني أو القطاع الخاص أو لدى الوجهاء العشائريين أو رجال الدين.[17]
يركز المعيار الاقتصادي على الجانب المالي الذي يحصل عليه المسؤول السياسي أو الموظف العام أو أي فئة أخرى، مثل حزب أو طائفة أو شركة، من أموال من خلال المنصب الذي يشغله.[18] بهذا يكون ما يحصل عليه الشخص أو الفئة من المنصب العام، عوضا عن الدخل المعلن، مصدر للتكسب ويتحول الموقع العام إلى عمل تجاري بقصد الربح.[19] كما ينظر المعيار إلى الأثر التدميري للفساد ليس فقط على اقتصاد الدولة الداخلي، بل على الاقتصاد العالمي ككل.[20] لكن يبدو أن هذا المعيار تنقصه الإحاطة بالدوافع الأخرى للفساد، التي قد تشمل الحقل الانتخابي أو الاجتماعي أو الثقافي؛ وهنا لا يكون للفساد أي جانب مالي، خاصة في الدول ذات الاقتصاد القوي.[21]
أما المعيار القانوني فينطلق من النظرية الرسمية (formalism) في تحليل الظواهر الاجتماعية.[22] وفقا لهذه المعيار، يستند الفساد إلى نصوص التشريعات التي تجرم أفعالا معينة يقوم بها المسؤول السياسي أو الموظف العام بسبب إدراجها ضمن جرائم الفساد المحددة في القانون المتعلق بمكافحة الفساد الذي يضع عقوبات لمرتكبيها، مثل الرشوة واختلاس المال العام وتضارب المصالح والمحسوبية. كما يمكن استخلاص أفعال الفساد من تشريعات أخرى، مثل قوانين الانتخابات وغسيل الأموال والبنوك.[23] أما إذا لم تكن هذه الأعمال واردة في القانون فإنها لا تعتبر من قبيل الجرائم على الإطلاق (مثل، كما في بعض البلدان، تمويل الأحزاب وتوظيف الأقارب وتقديم هدايا للموظفين)، أو قد تعتبر مجرد جرائم عادية يعاقب عليها قانون العقوبات، كالسرقة والابتزاز وتجارة المخدرات. يعتبر هذا المعيار موضوعيا وواضحا نظرا لتوفر النصوص التي تجرم مرتكب الفساد، وهذا ما يتوافق مع مبدأ الشرعية الذي يقضي بأنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.[24]إلا أن هذا المعيار قد يكون قاصرا؛ إذ أن القانون قد لا يعتبر بعض الأفعال التي تعد فسادا في نظر الجمهور ووفقا لتشريعات العديد من الدول من قبيل الفساد السياسي، مثل البقاء في المنصب بعد المدة المحددة قانونا لبعض الوظائف العامة التي تشغل بالتعيين أو بالانتخاب، أو تمويل الحملات الانتخابية لبعض المرشحين الأفراد أو الأحزاب مقابل وعود بمكاسب معينة للجهة التي تقدم التمويل في حال الفوز في الانتخابات كالوعد بمنح تراخيص أو برسو عطاءات معينة متعلقة بعقود تكون الدولة طرفا فيها، أو منح امتيازات متعلقة بالضرائب أو الاستثمار الأجنبي أو الاحتكار.[25] كما أن المعيار القانوني قد يتم التلاعب به من قبل الجهة التي تمارس الفساد، خاصة إذا كانت هذه الجهة هي ذاتها التي تضع التشريعات أو تعدلها.[26]
معيار الرأي العام قد يعتبر أساسا لتحديد ما إذا كان تصرفا معينا فسادا سياسيا أم لا انطلاقا من رفض أو قبول الجمهور له، والذي قد يظهر من خلال وسائل الإعلام أو المظاهرات أو استطلاعات الرأي.[27]من الأمثلة على ذلك قبول الرأي العام، والمجتمع المدني والأحزاب السياسية وحتى القانون في كثير من دول العالم، بأن يتم تمويل الأحزاب السياسية من قبل تبرعات الأفراد والشركات الخاصة من المناصرين لحزب ما.[28]كما أن الرأي العام، على العكس، قد يعتبر تصرفا ما من قبيل الفساد، مثل حصول المسؤول على بعض الامتيازات الشخصية، كالراتب المرتفع نسبيا ومنزل وسيارة يستخدمهما خلال شغله للمنصب. إلا أن الرأي العام قد يختلف بحسب المنطقة الجغرافية أو الانتماءات الطائفية أو الطبقات الاقتصادية والاجتماعية أو ما إذا كان هو رأي النخب الحزبية أو الفئة الحاكمة. كما أن هذا المعيار قد يتم التلاعب به من قبل المعارضة أو وسائل الإعلام الشعبوية أو الجهات التي تجري استطلاعات الرأي.[29]
المعيار الثقافي، وهو قد يتداخل مع المعيار الرأي العام؛ لكن الأول أكثر ثباتا بينما الثاني فهو معيار آني.[30]وفقا للمعيار الثقافي، ينتج الفساد السياسي عن تسامح بعض الثقافات في اعتبار بعض التصرفات في العلاقة مع المسؤولين السياسيين أو الموظفين الحكوميين أمورا معتادة وليست فسادا.[31] فقد يعتبر التهرب الضريبي والجمركي، مثلا، عملا معتادا ومقبولا اجتماعيا في كثير من الدول النامية.[32] كما يتسامح الناس مع اتصال الأقارب والأصدقاء مع سياسي أو موظف حكومي من أجل تسهيل معاملة رسمية معينة حتى لو لم تستوفي الشروط المطلوبة قانونا، أو المساعدة في الوصول إلى وظيفة ما من خلال الحديث مع لجنة المقابلات، أو دعوة المسؤولين أو الموظفين الحكوميين للمشاركة في المناسبات والاحتفالات الاجتماعية.[33] كما قد يلجأ بعض الناس للساسة لتسهيل فض الخلافات ويكون لرأي المسؤول، بحكم الهيبة الناتجة عن موقعه السياسي أو الوظيفي، دورا حاسما في حل الخلافات بما ينتج عنه من محاباة لهذا الطرف أو ذاك. كما يعتبر دفع الرشاوى، على شكل هدايا أو إكراميات، عملا اعتياديا في بعض البلدان.[34] وحتى أن بعض الناس والبسطاء وبعض المسؤولين والموظفين قد يقومون بمثل هذه الممارسات، بسبب انتشارها على نطاق واسع دون رقابة أو محاسبة أو اعتراض مجتمعي ودون وعي بأنها تشكل فسادا سياسيا.[35] لكن هذا المعيار لن ينجح في قياس الفساد، كون الثقافة تتغير بحسب الطبقات الاقتصادية ومستوى التعليم والمنطقة الجغرافية ومدى القرب أو الابتعاد عن صناع القرار.[36] كما أن هذا المعيار قد يصطدم بشكل مباشر مع أحكام القانون التي تجرم أفعالا يجب بالفعل، وبغض النظر عن الاختلاف الثقافي، أن تجرم.[37]
يوسع المعيار الأخلاقي مفهوم الفساد السياسي ليشمل التدهور القيمي لدى الأفراد المسؤولين السياسيين أو الحكوميين أو لدى الشركات أو الحكومة أو النظرة الاجتماعية للفساد وحتى فساد النظام السياسي برمته.[38]بهذا يعتبر الفساد السياسي ظاهرة مرضية معدية تتضمن معايير مزدوجة في التعامل وتشمل مستوى متدنيا من الأخلاق والثقة وتؤدي إلى جذب المزيد من الفاسدين بشكل يصعب مقاومته.[39]ينجح هذا المعيار، الذي ينطلق من فلسفات ذات مبادئ سامية، في وضع أسس تستوعب معظم أو حتى كل أشكال الفساد.[40]إلا أن الأخلاق، منذ زمن أفلاطون وأرسطو مرورا بالفارابي وابن خلدون وانتهاء بكانت وفيبر، تعتبر مسائل نسبية وتختلف من مجتمع لآخر، ومن ديانة لأخرى، ومن طبقة اجتماعية لأخرى داخل البلد الواحد، ما يصعب إمكانية تحديد ماهية الفساد السياسية وبالتالي المحاسبة.[41]
هناك أيضا ما قد يسمى المعيار المعيار الهرمي (hierarchical)، الذي يميز بين الفساد الإداري أو الفساد الصغير ((petty corruption والفساد السياسي أو الفساد الكبير (grand corruption).[42] فبينما يتم ارتكاب الفساد الصغير من قبل صغار الموظفين الحكوميين في الحيادة اليومية للمرافق العامة التي تترجم السياسات في الواقع العملي، يقوم بالفساد الكبير كبار الموظفين والمسؤولين في معرض اتخاذهم للقرارات الكبرى.[43] ومع أن النوعين من الفساد متداخلين نظرا لأن كل منهما يتم يقوم به صانع قرار (decision-maker) بمستويات مختلفة، إلا أنه من الضروري التمييز بينهما.[44] ينجح هذا التعريف بكونه يميز بين الفساد الإداري والفساد السياسي من خلال سلم (scale) الفساد. فكلما ارتفع المستوى من الناحتين الشخصية (للمسؤول الفاسد) والكمية (مقدار الفساد وحجم انتشاره) اتجهنا نحو الفساد السياسي، بينما يقع الفساد الإداري في أسفل السلم.[45] ومع ذلك قد يكون من الصعب الفصل بين النوعين من الفساد كونهما متداخلين، ولأن المقدار هو مسألة تحكمية (subjective) قد يصعب ضبطها.
أما المعيار الممنهج (systematic) أو المؤسساتي (institutional) للفساد السياسي، فلا يهدف فيه الفاسد إلى تحقيق الربح الذاتي لشخص بعينه، وإنما تقوم من خلاله الطبقة الحاكمة والمتنفذة بتوظيف طاقات الدولة ومواردها ووسائل الحكم لمصلحتها من خلال التشريع والقضاء والإعلام والأجهزة الأمنية وشبكة من العلاقات التي تنسجها مع الزبائن والموالين.[46] يمكن هذا الفساد الفئة الحاكمة من الاستمرار في السلطة، بل ويوسع نفوذها ويمنع غير الموالين من الولوج إليها. بموجب هذا المعيار، يتجسد الفساد في توزيع المناصب والمزايا على مناصري الفئة الحاكمة، كالوزراء والسفراء وقضاة المحاكم العليا وكبار الموظفين ودخولهم في شراكات مع القطاع الخاص وفي المشاريع الكبرى.[47]هنا ينتج الفساد نتيجة لتركز جميع السلطات في يد نخبة واحد وتصبح سلطة مطلقة أو دكتاتورية سلطوية تهتم بنفوذها وثروة قادتها، وتنطبق عليها المقولة الشائعة “السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة”. تستخدم الدولة ثلاثة عوامل لتعظيم نفوذها: الكاريزما، الاحتواء، وعند الضرورة: الاستخدام المباشر للقوة. وتشكل السلطة الأبوية المعاصرة (neo-patrimonialism)، التي تظهر بعض أشكال الحداثة مثل وجود أنظمة وأجهزة رسمية وإجراءات لكنها تخفي السلطة المطلقة للحاكم الفرد الذي يعاونه شبكة من الزبائن المتعاونين الذين يتبادلون معه المكاسب الشخصية على حساب عامة الشعب، أحد أشكال هذا النوع من الأنظمة. هذا النوع قد يسمى أيضا الفساد الجماعي ((collective الذي ينتشر فيه الفساد بشكل شامل على نحو قد يستغرق معظم أو كل جوانب الحياة العامة.[48] في هذا النوع، ينظر بعض الباحثين إلى الجهة المبادرة للفساد. فهو قد يأتي من قبل المسؤول الرسمي أو الموظف الحكومي ((office-holder أو من قبل الشخص الذي يبحث عن الخدمة التفضيلية (favor-seeker).[49] إلا أن هذا النوع من الفساد قد يتداخل مع الفساد الذي يقوم به ممثلو الدولة مع الفساد الذي يقوم به أشخاص غير رسميين، سواء من القطاع الأهلي أو المافيا أو القطاع الخاص (non-state actors).[50]
عرف بعض الباحثين الفساد السياسي من خلال التفريق بين الفساد الموزع ((redistributive والفساد الممركز (extraction).[51] ففي الفساد الموزع لا تكون الدولة هي محور الفساد، نتيجة لضعفها بشكل يجعلها غير قادرة على فرض سلطة القانون على الجميع. بل يمتلك الفساد مجموعات مبعثرة من “الإقطاعيين”، مثل الشركات ورجال الأعمال والمافيات والعشائر أو وجهاء مناطق معينة والطوائف والمنظمات الأهلية. هنا تكون الدولة هي الجهة “المفعول بها” والأقل استفادة من الفساد. فيقتصر دورها على تقديم تسهيلات للجهات المستفيدة، مثل التراخيص والتخفيضات الضريبية والإعفاءات الجمركية ومنح العقود، مقابل الحفاظ على ولاء تلك الجهات للفئة الحاكمة ودعمها في الانتخابات أو دعم بقاء ممثليها في سدة الحكم.[52] أما في الفساد الممركز، فتكون فيه الدولة قوية وقائدة الفساد لخدمة الطبقة الحاكمة، كما لاحظنا في الفساد المؤسساتي. ومع أن الفساد الموزع قد يصلح أساسا لوصف الفساد في الدول الفاشلة (failing states) غير قادرة على بسط القانون عل كل أقاليمها ومؤسساتها ومراكز اتخاذ القوى فيها، إلا أنه قد يعجز عن استيعاب حالات الفساد الممركز في الدول البوليسية ذات الدكتاتوريات الصارمة.[53]
على الصعيد السياسي الحزبي، خاصة في المعيار المستخدم لتحديد مفهوم الفساد السياسي في الدول الغربية الديمقراطية، فقد انحصر مفهوم السياسة بمعنى “الحزبية” أو الأحزاب السياسية (political parties) والوسائل التي تستخدمها لتمويل أنشطتها، خاصة حملاتها الانتخابية.[54] في هذا الإطار، تختلف أنظمة تمويل الأحزاب السياسية، بين التمويل الذي يأتي من أعضاء الحزب أو مؤسسات الحزب أو الموالين للحزب، ومدى مشروعية التمويل الخارجي واستخدام موارد الدولة والتبرعات من عامة المواطنين أو من شركات تجارية مع أو بدون وعود للممولين من قبل الحزب الذي تم تقديم التمويل له في حالة فوزه في الانتخابات.[55] أثار هذا الموضوع نقاشات فقهية، وتم تقديم شكاوى وطعون انتخابية للمحاكم التي تضاربت قراراتها من بلد لآخر، ومن وقت لآخر داخل البلد الواحد خاصة في الولايات المتحدة.[56] نتج عن بعض هذه القرارات تعريفات قضائية للفساد السياسي، تركز على حظر أو السماح ببعض الممارسات.[57]
كما أن هناك تعريفات أخرى عديدة للفساد السياسي التي يعدها كل مؤلف أو باحث لغايات دراسة معينة، أو لخدمة أهداف بحثية ذا صلة بحالة دراسية.[58] وقد تتعلق الحالة الدراسية بمنطقة إقليمية معينة (كالدول النامية،[59] وأمريكا اللاتينية،[60] وأوروبا الشرقية)،[61] أو بدولة ما،[62] أو بولاية أو مدينة،[63] أو بمؤسسة أو شركة بعينها،[64] أو حتى بحكم قضائي حول مسؤول فاسد أو قضية من قضايا الفساد.[65]كما يعالج البعض التعريف في معرض مناقشة علاقة الفساد السياسي بموضوع ما مثل الديمقراطية والتعددية،[66] الرفاهية الاقتصادية،[67] حقوق الإنسان،[68] المؤسسة الدينية،[69] أو الجندر ودور المرأة في الحياة العامة.[70]
ما سبق يبين أن لكل معيار من المعايير المستخدمة في معرض تحديد مفهوم الفساد السياسي منطلقه المنهجي الذي قد ينبع من تخصص المؤلف أو ثقافته المجتمعية أو النظام السائد في بلد ما. كما أن التعريفات قد تختلف بحسب وجهة النظر التي ينطلق منها الباحث لتحليل الفساد: وفقا لشخص مرتكب الفساد، صفته الرسمية أو غير الرسمية، قوته السياسية، كون الفساد منهجي أو عشوائي، مظاهر الفساد، وسائله، مدى انتشاره، حجمه، أسبابه، أو نتائجه على الحكم والاقتصاد والمجتمع. كما أن بعض التعريفات ما هي إلا أنواع حصرية للفساد. ومن الواضح أيضا أن جميع هذه التعريفات متداخلة. لذلك قد يكون من المفيد أن يتم استخلاص مجموعة من العناصر التي يشكل توافرها فسادا سياسيا.
ثانيا- الفساد السياسي: العناصر والمنهج
كما رأينا من الاستعراض السابق للمفاهيم والمقاربات والمنطلقات الفلسفية والعملية لمفهوم الفساد السياسي، فقد يكون من المستحيل التوصل إلى تعريف جامع مانع لهذا الفساد في كل مكان أو في المكان الواحد عبر الأزمان، نظرا لاختلاف الأنظمة السياسية وتطورها، وتعدد المدارس القانونية، والتطور التاريخي والتنوع الثقافي.[71] لكن ربما يمكن تحديد مفهوم الفساد السياسي من خلال تحليل ثلاثة عناصر رئيسية يتضمنها العمل الذي يمكن وصفه بالفاسد. ويجب أن توجد هذه العناصر مجتمعة. هذه العناصر هي:
أولا- وجود عنصر الشخص العام (public agent)، سواء فردا أو فئة، الذي يستخدم موقعه العام من أجل الاستفادة الشخصية له أو لأقاربه أو أو زبائنه أو مناصريه. لا يشترط أن يكون هذا الشخص العام مسؤولا رسميا، سواء كان معينا (كوزير أو رئيس هيئة رسمية ما) أو منتخبا (كعضو برلماني أو رئيس بلدية)؛ بل يمكن أن يكون أي شخص متصدرا للعمل العام، مثل رئيس حزب سياسي أو مدير جمعية أهلية أو زعيم عشائري، أو حتى شخص مشهور لدى عامة الناس كفنان معروف أو صحفي بارز أو رجل دين متصدر للفتوى أو مقاوم مقدام أو أسير محرر يحظى بثقة العامة بسبب تضحياته.
ثانيا- توفر عنصر التربح الشخصي (personal gain)، سواء كان هذا التربح ماليا أو من خلال جني مكاسب أخرى مثل البقاء في المنصب أو الحصول على منصب أعلى، أو سن تشريع ما أو إصدار قرار قضائي معين لخدمة شخص أو مجموعة من الأشخاص أو حزب أو شركة، أو على خدمة ما أو توسيع النفوذ والسيطرة أو التأثير على جهة ما (قطاع عام أو أهلي أو حتى خاص له صفة عامة مثل البنوك والشركات التي تساهم فيها الدولة) من أجل توظيف أشخاص مؤيدين للشخص أو للفئة التي تقوم بالتأثير.
ثالثا- القيام بتصرف لا أخلاقي (unethical conduct)، أي يتضمن عنصر الاستغلال أو التضليل أو الغش، سواء كان التصرف مجرما في القانون أو ليس مجرما بعد لكنه يخل بالتفويض العام (public entrust) الذي يفترضه الجمهور بالشخص الذي يمارس سلطة عامة. فالعمل قد يكون قانونيا في نظر المشرع والمحكمة، لكنه يكون غير مقبول في نظر الرأي العام أو وفقا لمعايير أخرى تحدد ماهية الفساد السياسي كالاتفاقيات الدولية وما هو متعارف عليه في الدول المتقدمة، أو في مجال معايير مكافحة الفساد السياسي التي توصلت إليها منظمات دولية متخصصة كمنظمة الشفافية الدولية والبنك الدولي.[72] مثال ذلك التبذير الذي يقوم به السياسيون من خلال تشييد القصور الفارهة واستخدام السيارات الفخمة والبذخ الذي يعيشونه في إطار أسرهم ودائرة معارفهم وأصدقائهم أو أثناء سفرهم على حساب الدولة، أو الهدايا باهظة الثمن التي يقدمونها أو يتلقونها بقصد كسب الولاء أو الدعم، في الوقت الذي لا يجرم القانون هكذا أعمال.
تتيح هذه العناصر الثلاثة مجتمعة معايير (criteria) مرنة قد تساهم في اتخاذ السياسات ووضع الأدوات لتحديد حالات الفساد السياسي ومكافحتها. كما أنها تساهم في إدخال أشكال جديدة للفساد قد تنشأ مع مرور الوقت وتغير دينامية البيئة والثقافة السياسية في مجتمع ما. فتبني معيار حصري، سواء من خلال القولبة التشريعية الجامدة أو عن طريق تبني مؤشرات سياساتية أو إدارية ضيقة، قد يكون عائقا أمام وصف تصرف ما بأنه فساد سياسي أم لا، مما يتيح الفرصة للفاسدين للالتفاف عليه والتهرب من الملاحقة والمحاسبة.
مع ذلك، فقد يكون من المفيد لكل دولة تبني مجموعة من المؤشرات التي يعتبر توفرها أو عدمه، بحسب الحالة، مؤشرا محايدا على وجود الفساد لدى الأشخاص أو الجهات التي تمارس سلطة (power) من السلطات العامة. يمكن تبني هذه المؤشرات، بعد دراستها ومناقشتها من قبل خبراء ومهتمين وصانعي سياسات، من جهات تعمل في مجال مكافحة الفساد مثل هيئات مكافحة الفساد الرسمية والأهلية والمؤسسات الأكاديمية. وقد يكون من المناسب العمل على تطوير هذه المؤشرات وصياغة بعضها على شكل تشريع موسع، أو مجموعة تشريعات قطاعية، يتم تبنيها بهدف الوقاية من الفساد السياسي، أولا؛ ومن ثم معاقبة الأشخاص والجهات التي تتورط في أعمال فساد بعقوبات متناسبة مع خطورتها.
بسبب غياب مؤشرات قياس الفساد السياسي على المستوى الوطني في معظم دول العالم، فيمكن الاستفادة في وضع هذه المؤشرات من خلال الاطلاع مؤشرات أخرى ذات صلة. من الأمثلة على ذلك مؤشرات قياس الفساد (Corruption Perception Index) الذي تعده منظمة الشفافية الدولية،[73] ومؤشرات قياس الالتزام بحقوق الإنسان الذي تعده الأمم المتحدة،[74] ومؤشر قياس الديمقراطية الذي يقوم به بيت الحرية (Freedom House)،[75] ومؤشرات الفقر في العالم الذي يعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،[76] ومؤشرات قياس النزاهة (integrity) المالية والإدارية الوطنية التي تعدها منظمات المجتمع المدني المحلية.[77]
من الناحية المنهجية، يمكن تطوير المؤشرات من خلال الموضوعات (themes) التي يتضمنها الفساد السياسي، مثل الفساد التجاري،[78] القضائي،[79] التعليمي،[80] الأمني/ الشرطي،[81] العسكري،[82] الصحي،[83] الإعلامي،[84]والبرلماني.[85]إلا أن مؤشرات المواضيع قد يستحيل حصرها أو التفكير بكل جوانبها، نظرا لكثرتها وتجددها من ناحية، والاختلاف حول مضامينها وتناثرها بين العديد من المؤسسات، من جهة أخرى. كما يمكن وضع مؤشرات مستندة على قائمة من التصرفات التي تشكل فسادا (typology).[86]هنا يمكن التفكير بمجموعة من التصرفات: الرشوة (bribe)، استغلال النفوذ (abuse of position)، المحسوبية (nepotism)، الزبائنية ((clientelism، التفضيل في التعامل (favoritism)، بيع التعيينات (sale of appointments)،تحويل المؤسسات إلى إقطاعيات (fraudulent manipulation of institutions)، تضارب المصالح (conflict of interest)، اختلاس المال العام (embezzlement)، الابتزاز (extortion)، شراء أو ترويض المعارضين (co-optation)، التأثير في العطاءات العامة (peddling-influence)، التهرب الضريبي (tax evasion)، وشراء أصوات الناخبين (vote-buying).إلا أنه قد يكون من الصعب حصر كافة التصرفات الفاسدة والتي قد تكون، أيضا، متداخلة بطبيعتها.[87]
لذلك قد يكون من الأنسب اختيار مجموعة من الجهات أو القطاعات (sectors) تمارس سلطات عامة، ومن ثم وضع مجموعة من المؤشرات التي يدل توفرها أو غيابها على وجود النزاهة القطاع ذي الصلة. ومن الطبيعي أن تستوعب هذه القطاعات ومؤشراتها مختلف الموضوعات التي يتضمنها الفساد السياسي (كالعدل، والأمن، والحكم المحلي، والمشاركة السياسية، والتعليم، والصحة). ومن الطبيعي أيضا أن يتداخل ويستوعب الفساد السياسي الفساد الإداري باعتبار أن الأول هو الإطار الأوسع الذي يشمل كافة أشكال الفساد.[88]
في كل دولة يمكن تقسيم القطاعات التي يشملها الفساد السياسي من عشرة إلى عشرين قطاعا، بحسب مساحة الدولة وعدد سكانها وتنوع أنشطتها، ووضع عدد من مؤشرات تحت كل قطاع لقياس توفر أو غياب الفساد في هذه القطاعات من خلال أوزان رقمية تقيس وجود أو خلو الفساد في كل قطاع على حده. ومن الطبيعي أن تختلف هذه القطاعات من بلد لآخر. ففي بعض البلاد، قد لا يوجد غسيل أموال أو تهرب ضريبي أو جمركي أو استفادة المسؤولين من تجارة المخدرات، بينما تكون في بلاد أخرى هي المصادر الأساسية للفساد السياسي. كما قد يكون الفساد في القطاعين الخاص والأهلي هاجسا يتمحور الفساد حوله في بعض الدول. أما في الدول الغنية بالثروات المعدنية والنفطية، فقد يكون فساد الشركات الأجنبية وتواطئها مع مراكز قوى معينة في الدولة من الأولويات التي يشملها المؤشر. في دول أخرى قد يتمركز الفساد في الجيش أو في أجهزة تنفيذ القانون أو في مجموعات مسلحة والمافيا. يمكن أن يتم تطوير مؤشرات الفساد السياسي من عام لآخر حسب نجاعتها في القياس وبناء على الخبرة المتراكمة مع مرور الوقت.
لنعطي نموذجا للمؤشر في دولة ما. فيمكن مثلا اختيار القطاعات التالية لبناء المؤشر من خلالها: السلطة التنفيذية، القضاء، البرلمان، الانتخابات، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، الأجهزة الأمنية، الأجهزة الرقابية، الحكم المحلي، القطاع الصحي، القطاع الخاص، الإعلام، السلك الدبلوماسي، الميزانية العامة، إدارة المال العام، النقابات المهنية، الجامعات، الجندر، المحافظون، العشائر، الوصول إلى المعلومات، والحقوق والحريات. من الطبيعي أن تتداخل هذه القطاعات، مثل تداخل قطاع البرلمان، مع قطاعي الانتخابات والأحزاب السياسية. لكن يمكن تجاوز هذا التداخل من خلال المؤشرات المحددة التي يمكن إدراجها ضمن كل قطاع. ومن الطبيعي أيضا أن يكون داخل القطاع الواحد، قطاعات فرعية. فمثلا، يقع الجيش والأجهزة الأمنية، وكلا من التعليم والصحة (إذا كانت إدارتهما تتم من خلال الحكومة) في إطار السلطة التنفيذية. هنا من الضروري ملاحظة إمكانية وضع كل قطاع فرعي ضمن المؤشر وكأنه قطاع منفرد، مع إبقاء المعالم الرئيسية للقطاع الأساس (في مثالنا هذا السلطة التنفيذية) تحت عنوان واحد. كذلك يجب ملاحظة أن قطاعا معين أو أكثر قد يكون متصلا بمعظم أو حتى كل القطاعات (cross-cutting)، كما الحال في قطاع الجندر؛ هنا يتم التركيز على المعالم الخاصة بهذا القطاع بالاتصال أو بمعزل عن القطاعات الأخرى.
ولتوضيح ما ورد أعلاه، يمكن ضرب مثالين للقطاعات التي يمكن أن ترد تحت المؤشر العام. لنأخذ الانتخابات والقضاء كنموذجين إيضاحيين.
لقياس مستوى النزاهة أو الفساد في قطاع الانتخابات يمكن وضع عشر مؤشرات، هي:
- وجود قانون واضح يحدد قواعد العملية الانتخابية.
- توفر جهة مهنية وفعالة لتنظيم الانتخابات.
- فتح المجال لكافة مكونات المجتمع للترشح.
- قواعد تحدد سير الدعاية الانتخابية بطريقة تضمن فرص الإعلان لجميع المرشحين بشكل متكافيء.
- شفافية تمويل المرشحين الأفراد والقوائم وفقا لقانون وإجراءات واضحة.
- وجود قضاء مستقل وذي أحكام سريعة وملزمة في الطعون الانتخابية.
- عقوبات رادعة ضد الذين يمارسون التزوير الانتخابي أو شراء الأصوات أو تهديد المرشحين.
- آليات مضبوطة ومحايدة للرقابة على سير العملية الانتخابية.
- التقيد بنتائج الانتخابات.
- إجراء الانتخابات بشكل دوري وتنحي المنتخبين بعد انتهاء مدتهم.
أما بالنسبة لقياس النزاهة في قطاع القضاء، فيمكن تبني المؤشرات العشر التالية:
- وجود قانون يضمن استقلال القضاء وينظم عمل السلطة القضائية.
- تبعية قادة العمل القضائي (مجالس القضاء وكبار القضاة) للسلطة التنفيذية من الناحية العملية.
- توفر ميزانية كافية ومستقلة للمحاكم.
- آلية شفافة لتعيين القضاة وعزلهم ونقلهم وانتدابهم ومعاقبتهم.
- فعالية التفتيش القضائي.
- السرعة في البت في القضايا.
- جودة الأحكام القضائية ومدى تقيدها بالمعايير الدولية من الناحيتين الموضوعية والشكلية.
- كفاية أعداد القضاة وموظفي المحاكم بما يتناسب مع عدد السكان في دائرة عمل كل محكمة.
- وجود محاكم خاصة استثنائية.
- تنفيذ أحكام القضاء بفعالية.
يمكن وضع أوزان محددة، ويفضل أن تكون متساوية، لكل مؤشر فرعي ((indicatorمن هذه المؤشرات. فمثلا يمكن أن يكون وزن القطاع الواحد كاملا 100، ويكون وزن كل مؤشر 10. ومن ثم يعطى تقدير لكل مؤشر حسب نجاعته، وفقا لمعايير فنية ومعلومات إحصائية من مصادر متخصصة وموثوقة. من ثم تحسب علامة كافة هذه القطاعات لتصب في المجموع الكلي لمقياس النزاهة الوطني العام (index). هنا نكون أمام مقياس عام، ومقاييس فرعية (قطاعية). بالنتيجة يمكن وضع مقياس عام بنسبة مئوية واحدة تحدد حجم الفساد السياسي في الدولة عموما ومدى تقدمه أو تراجعه من سنة لأخرى.
خاتمة
الفساد، كما هو متعارف عليه من ناحية المبدأ، هو استخدام المنصب العام من أجل الاستفادة الشخصية. لكن يعود الخلاف الرئيسي في تحديد مفهوم الفساد إلى المعيار الذي يستخدم في التعريف: سواء كان ضيقا أو موسعا. فقد يستخدم بشكل ضيق، كما هو الحال في الفساد الإداري، والذي عادة ما يحدده القانون من خلال حصر الأعمال المجرمة التي تعد فسادا؛ أو بشكل موسع وهو الفساد السياسي.[89]
نستخلص مما سبق أن الفساد السياسي هو مفهوم موسع للفساد، يشمل كل ما يؤثر على اتخاذ القرار المتعلق بالشأن العام في الدولة بطريقة تؤدي في احتكار السلطة/السيطرة/النفوذ في يد نخبة قليلة من من الأفراد المستفيدين والمقربين منهم على حساب الغالبية من السكان. عادة من يقوم بهذا الفساد هم كبار الساسة، وهم أشخاص ذوي نفوذ حكومي أو حزبي أو تجاري أو اجتماعي. يتميز الفساد السياسي عن الفساد الإداري في كون أن الفساد الإداري هو مفهوم تقني أضيق يحصر الفساد في طبقة الموظفين العموميين الذين يتربحون، عادة من خلال مكاسب مالية كالرشوة والواسطة، مقابل تقديم خدمة محددة؛ مع ملاحظة أن الفساد الذي يقوم به الموظفون الإداريون، خاصة كبار الموظفين، يشكل جزءا لا يتجزأ من الفساد السياسي.
ومع أنه قد يستحيل وضع قائمة كاملة بكافة الأعمال التي تعتبر فسادا سياسيا في أي دولة،[90] إلا أنه يمكن حصر معظم تلك الأعمال وفقا للواقع العملي في أي بلد في وقت ما. من هنا تأتي أهمية تبني معايير أو مؤشرات تحدد الأعمال التي تعتبر فسادا سياسيا في مجتمع ما، مع ملاحظة ضرورة تحديث هذه المؤشرات بشكل يستوعب أي أعمال قد تنشأ نتيجة للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمعات.
[1]Stuart C.Gilman, ‘Law and Implementation of Ethics Systems in the United States: One Step toward Controlling the Cancer of Corruption’ (1998) Lawasia Journal 110.
[2]Alhaji B.M. Marong, ‘Toward a Normative Consensus against Corruption: Legal Effects of the Principles to Combat Corruption in Africa’ (2002) 30 Denver Journal of International Law and Policy 99; Padideh Ala’i, ‘Civil Consequences of Corruption in International Commercial Contracts’ (2014) 62 American Journal of Comparative Law Supplement 185; O.B. Chervyakova, ‘Effects of Corruption Risks on Access to Information Resources: The Question’ (2015) Problems of Legality 209.
[3] Marcos Álvarez-Díaz, Michaela Saisana, Valentina Montalto, and Carlos Tacao Moura, Corruption Perceptions Index 2017 Statistical Assessment (Luxembourg: Publications Office of the European Union, 2018).
[4]Bruce Buchan and Lisa Hill, An Intellectual History of Political Corruption (New York: Palgrave, 2014).
[5]Heba Shams, ‘Globalisation and the Definition of Corruption: Implications for Criminal Law’ (1999) 4 Yearbook of International Financial and Economic Law 369.
[6]Kimberly A. Elliott, ‘Corruption as an International Policy Problem’, in Arnold J. Heidenheimer and Michael Johnston, eds., Political Corruption: Concepts and Contexts (Oxon: Routledge, 2002), 925.
[7]Luminita Ionescu, ‘The Construction of Corruption as a Global Problem’ (2011) 3 Contemporary Readings in Law and Social Justice 166.
[8]John Mukum Mbaku, ‘International Law and the Fight against Bureaucratic Corruption in Africa’ (2016) 33 Arizona Journal of International and Comparative Law 661.
أحمد أبو دية وآخرون، الفساد السياسي في الوطن العربي (رام الله: أمان، 2014).[9]
[10]Steven A. Cook, ‘Corruption and the Arab Spring’ (2011) 18 Brown Journal of World Affairs 21; Norman D. Bishara, ‘Governance and Corruption Constraints in the Middle East: Overcoming the Business Ethics Glass Ceiling’ (2011) 48 American Business Law Journal 227; M. Patrick Yingling and Mohamed A. ‘Arafa, ‘After the Revolution: Egypt’s Changing Forms of Corruption’ (2014) 2 University of Baltimore Journal of International Law 23.
[11]KivaMaidanik, ‘Corruption, Criminalization, Kleptocracy’ (1998) 36 Russian Politics and Law 5; Obiajulu Nnamuchi, ‘Kleptocracy and Its Many Faces: The Challenges of Justiciability of the Right to Health Care in Nigeria’ (2008) 52 Journal of African Law 1; Sarah Chayes, ‘Kleptocracy in America: Corruption Is Reshaping Governments Everywhere’ (2017) 96 Foreign Affairs 142.
[12]Buchan and Hill, supra note 4, 4.
[13]Moses E. Ochonu, ‘Corruption & Political Culture in Africa: History, Meaning, and the Problem of Naming’ (2011) 4 Law and Development Review 27.
[14]Stanislav Sheverdyaev and AlinaShenfeldt, ‘Evolution of the Concept of Political Corruption in Western and Russian Political Science and Law’ (2019) 7 Russian Law Journal 53.
[15]Mark Philp, ‘Defining Political Corruption’ (1997) XLV Political Studies 436, 440; Sheverdyaev and Shenfeldt, supra note 14, 60.
[16]Jonathan L. Entin, ‘Responding to Political Corruption: Some Institutional Considerations’ (2011) 42 Loyola University Chicago Law Journal 255.
[17]James H. Mittelman and Robert Johnston, ‘The Globalization of Organized Crime, the Courtesan State, and the Corruption of Civil Society’ (1999) 5 Global Governance 103; AkingbolahanAdeniran, ‘Anti-Corruption Measures in Nigeria: A Case for Selective Intervention by Non-State Actors’ (2008) 19 King’s Law Journal 57.
[18]PeterEigen, ‘Fighting Corruption in a Global Economy: Transparency Initiatives in the Oil and Gas Industry’ (2007) 29 Houston Journal of International Law 327; Luminita Ionescu, ‘The Economics of Anti-Corruption’ (2011) 3 Contemporary Readings in Law and Social Justice 116.
[19]Philp, supra note 15, 444.
[20]Bruce L. Benson and JohnBaden, ‘The Political Economy of Governmental Corruption: The Logic of Underground Government’ (1985) 14 Journal of Legal Studies 391; Douglas A.Houston, ‘Can Corruption Ever Improve an Economy’ (2007) 27 Cato Journal 325.
[21]Ravi Batra, The New Golden Age: The Coming Revolution against Political Corruption and Economic Chaos (New York: Palgrave, 2007).
[22]Michael Tompkins, ‘Public Corruption’ (2019) 56 American Criminal Law Review 1269.
[23]Philp, supra note 15, 441; Buchan and Hill, supra note 4, 6.
[24]Rett R. Ludwikowski, ‘Politicization and Judicialization of the U.S. Chief Executive’s Political and Criminal Responsibility: A Threat to Constitutional Integrity or a Natural Result of the Constitution’s Flexibility’ (2002) 50 American Journal of Comparative Law 405.
[25]JessicaMedina, ‘When Rhetoric Obscures Reality: The Definition of Corruption and Its Shortcomings’ (2015) 48 Loyola of Los Angeles Law Review 597.
[26]Philip A. Thomas, ‘Political Corruption and the Law in the United Kingdom’ (1998) 3 Journal of Civil Liberties 5.
[27]Jacob Rowbottom, ‘Corruption, Transparency, and Reputation: The Role of Publicity in Regulating Political Donations’ (2016) 75 Cambridge Law Journal 398.
[28]Philp, supra note 15, 441.
[29]Luigi Curini, Corruption, Ideology & Populism: The Rise of Valence Political Campaigning (Cham: Palgrave, 2018).
[30]V.P. Sanatin, ‘Issues of Anti-Corruption Conscience Formation and Legal Culture of the Population’ (2010) Actual Problems of Economics and Law 124.
[31]Philp, supra note 15, 440, 442.
[32]Grant Richardson, ‘The Impact of Economic, Legal and Political Factors on Fiscal Corruption: A Cross-Country Investigation’ (2007) 22 Australian Tax Forum 47.
[33]Moses E.Ochonu, ‘Corruption & Political Culture in Africa: History, Meaning, and the Problem of Naming’ (2011) 4 Law and Development Review 27.
[34]Michael Keating, ‘Counting the Cost of the Culture of Corruption: A Perspective from the Field’ (2007) 20 Pacific McGeorge Global Business & Development Law Journal 317.
[35]Jonathan Rose, The Public Understanding of Political Integrity: The Case of Probity Perceptions (New York: Palgrave, 20014).
[36]Robert E. Lutz, ‘On Combating the Culture of Corruption’ (2004) 10 Southwestern Journal of Law and Trade in the Americas 263.
[37]Alina Mungiu-Pippidi, ‘Culture of Corruption or Accountability Deficit’ (2002) 80 East European Constitutional Review 80.
[38]Buchan and Hill, supra note 4, 5-8.
[39]Apostolis Papakostas, Civilizing Public Sphere: Distrust, Trust and Corruption (New York: Palgrave, 2012).
[40]James M. Lager, ‘Overcoming Cultures of Compliance to Reduce Corruption and Achieve Ethics in Government’ (2009) 41 McGeorge Law Review 63.
[41]A.W.Cragg, ‘Business, Globalization – and the Logic and Ethics of Corruption’ (1998) 53 International Journal 643; Bryane Michael, Indira Carr, and Donald Bowser, ‘Reducing Corruption in Public Administration through Evidence-Based Law: Using Data to Design and Implement Ethics-Related Administrative Law’ (2015) 12 Manchester Journal of International Economic Law 167; VerenaRauen, ‘Corruption: Uncovering the Price of Normative Morality and the Value of Ethics’ (2016) 17 German Law Journal 101.
[42]Inge Amundsen, Political Corruption: An Introduction to the Issues (Bergen: CMI, 1999), 3-4.
[43]Ben Bloom, ‘Criminalizing Kleptocracy: The ICC as a Viable Tool in the Fight against Grand Corruption’ (2014) 29 American University International Law Review 627.
[44]Sheverdyaev and Shenfeldt, supra note 14, 60.
[45] Amundsen, supra note 42, 4.
[46]Christina Bicchieri and John Duffy, ‘Corruption Cycles’ (1997) XLV Political Studies 477.
[47]James A.Robinson, When is a State Predatory? (CESifo Working Paper Series No. 178, 1999).
[48]Amundsen, supra note 42, 5.
[49]Ibid.
[50]Ibid.
[51]Amundsen, supra note 42, 5-10.
[52]L’ubica Palenikova, ‘Corruption in Public Tenders – Concept of Self-Cleaning’ (2012) 9 Annals of the Faculty of Law of the University of Zenica 275.
[53]Indira Carr, ‘Corruption, the Southern African Development Community Anti-corruption Protocol and the Pricipal-Agent-Client Model’ (2009) 5 International Journal of Law in Context 147.
[54]Alejandro Ferreiro, ‘Corruption, Transparency and Political Financing: Some Reflections on the Experience in Chile’ (2004) 10 Southwestern Journal of Law and Trade in the Americas 345; Viorel Pasca, ‘Political Corruption and the Funding of Political Parties’ (2014) Journal of Eastern-European Criminal Law 18; Cristian-Alexandru Leahu, ‘Group of States against Corruption: European Standards and the Reform of the Financing of Political Parties and Election Campaigns’ (2015) Journal of Law and Administrative 270.
[55] Thomas F. Burke, ‘The Concept of Corruption in Campaign Finance Law’ (1997) 14 Constitutional Commentary 127; Brent A. Fewell, ‘Awash in Soft Money and Political Corruption: The Need for Campaign Finance Reform’ (1997) 36 Duquesne Law Review 107; DavidSchultz, ‘Proving Political Corruption: Documenting the Evidence Required to Sustain Campaign Finance Reform’ (1999) 18 Review of Litigation 85.
[56]Paul S. Edwards, ‘Defining Political Corruption: The Supreme Court’s Role’ (1996) 10 BYU Journal of Public Law 1.
[57]NubiaEvertsson, ‘Political Corruption and Electoral Funding: A Cross-National Analysis’ (2013) 23 International Criminal Justice Review 75.
[58]Anna Brzozowska, ‘Definition of the Corruption for Purposes of the Responsibility of Officials of the European Union’ (2012) Annals of the Constantin Brancusi University of Targu Jiu Juridical Sciences Series 127.
[59]Vineeta Yadav, Political Parties, Business Groups, and Corruption in Developing Countries (Oxford: Oxford University Press, 2011).
[60]Nancy Z.Boswell, ‘Combating Corruption: Focus on Latin America’ (1996) 3 Southwestern Journal of Law and Trade in the Americas 179.
[61]Andras Sajo, ‘Corruption, Clientelism, and the Future of the Constitutional State in Eastern Europe’ (1998) 7 East European Constitutional Review 37.
[62]Osita Nnamani Ogbu, ‘Combating Corruption in Nigeria: A Critical Appraisal of the Laws, Institutions, and the Political Will’ (2008) 14 Annual Survey of International & Comparative Law 99; Laszlo Kohalmi, ‘Let’s Talk about the Political Corruption in Hungary Honestly’ (2010) Law Series of the Annals of the West University of Timisoara 71; Sebastian Wolf, ‘Political Corruption as a Regulatory Problem in Germany’ (2013) 14 German Law Journal 1627; Dali Yang, ‘Dirty Deeds: Will Corruption Doom China’ (2017) 96 Foreign Affairs 149; Avitus Agbor, ‘Cameroon and the Corruption Conundrum: Highlighting the Need for Political Will in Combating Corruption in Cameroon’ (2019) African Journal of International and Comparative Law 50.
[63]Katherine Brown, ‘Strippergate: Political Corruption in America’s Finest City’ (2015) 28 Western Legal History: The Journal of the Ninth Judicial Circuit Historical Society 253.
[64] Monica Arruda de Almeida and Bruce Zagaris, ‘Political Capture in the Petrobus Corruption Scandal: The Sad Tale of an Oil Giant’ (2015) 39 Fletcher Forum of World Affairs 87.
[65]Peter Bowal and Joshua Beckie, ‘International Corporate Political Corruption: The Case of Niko Resources Ltd.’ (2012) 36 Law Now 21.
[66]Susan Rose-Ackerman, ‘Political Corruption and Democracy’ (1999) 14 Connecticut Journal of International Law 363; S.K. Bhowmik, ‘Corruption in Political Democracy Is Hard to Control with Law Only The Dialectics of Anti-Corruption’ (2015) Actual Problems of Economics and Law 26.
[67]Bruce M.Owen, ‘To Promote the General Welfare: Addressing Political Corruption in America’ (2016) 5 British Journal of American Legal Studies 3.
[68]C. Raj Kumar, Corruption and Human Rights in India (New Delhi: Oxford University Press, 2011).
[69]Andrew Koppelman, ‘Corruption of Religion and the Establishment Clause’ (2009) 50 William and Mary Law Review 1831.
[70]Narayan Manandhar, ‘Gender and Political Corruption in Nepal’ (2016) 10 NJA Law Journal 151; Luminita Ionescu, ‘Gender Inequality in Political Democracy: Electoral Accountability, Women’s Representation in Government, and Perceived Corruption’ (2018) Journal of Research in Gender Studies 165.
[71]John A. Gardiner, ‘Defining Corruption’, in Heidenheimer and Johnston, supra note 6, 25.
[72]Sheverdyaev andShenfeldt, supra note 14, 56.
[73]Transparency International, Corruption Perception Index 2018 (Berlin 2019).
[74]Office of the High Commissioner for Human Rights, Human Rights Indicators: A Guide to Measurement and Implementation (Geneva 2012).
[75]Freedom House, Democracy in the Word 2019 (New York 2019).
[76]United Nations Development Programme and Oxford Poverty and Human Development Initiative, Global Multidimensional Poverty Index 2019: Illuminating Inequalities (New York 2019).
[77]See, e.g., Aman, Integrity System Standard in Palestine 2018: Eight Report (Ramallah: Coalition for Integrity and Transparency, 2019).
[78]Donatella Della Porta, ‘The Business Politicians: Reflections from a Study of Political Corruption’ (1996) 23 Journal of Law and Society 73.
[79]David Nelken, ‘The Judges and Political Corruption in Italy’ (1996) 23 Journal of Law and Society 95; F.C. DeCoste, ‘Political Corruption, Judicial Selection, and the Rule of Law’ (2000) 38 ALberta Law Review 654; Matthew A.Melone, ‘Citizens United and Corporate Political Speech: Did the Supreme Court Enhance Political Discourse or Invite Corruption’ (2010) 60 DePaul Law Review 29.
[80]Vincent R.Johnson, ‘Corruption in Education: A Global Legal Challenge’ (2008) 48 Santa Clara Law Review 1; Joel H. Scott, ‘Corruption in Higher U.S. Higher Education and Research’ (2012) 8 International Journal for Education Law and Policy 67; Vincent R.Johnson, ‘Higher Education, Corruption, and Reform’ (2012) 4 Contemporary Readings in Law and Social Justice 478; ElenaDenisova-Schmidt and Elvira Leontyeva, ‘Corruption in Higher Education and Research: Russia, Definitions and General Information about Higher’ (2014)10 International Journal for Education Law and Policy 79; I.A. Damm, ‘Corruption in the Sphere of Education: Notion, Specific Features, Forms and Types’ (2016) Actual Problems of Economics and Law 5; Solomon W. Feday, ‘Academic Dishonesty in Ethiopian Higher Education and Its Implication for Corruption’ (2017) 8 Beijing Law Review 10.
[81]SigitSomadiyono, ‘Police Corruption: Influenced Factors and Suggested Control in Indonesian Policy Department’ (2014) 24 Journal of Law, Policy and Globalization 24; Mohammed Aminu Umar, ‘Police Corruption and Administration of Criminal Justice System in Nigeria’ (2018) 9 Nnamdi Azikiwe University Journal of International Law and Jurisprudence 198.
[82]Kirstin S. Dodge, ‘Countenancing Corruption: A Civic Republican Case against Judicial Deference to the Military’ (1993) 5 Yale Journal of Law and Feminism 1; O. Kotlyarenko, ‘Current Status of Anti-Corruption in the Field of Use of the Money of the Defense Budget and Military Equipment’ (2013) Juridical Science 54; Peng Wang, ‘Military Corruption in China: The Role of Guanxi in the Buying and Selling of Military Positions’ (2016) China Quarterly 970; Thomas H. Au, ‘Combating Military Corruption in China’ (2019) 43 Southern Illinois University Law Journal 301.
[83]Laura Davies, ‘Health Care Fraud and Corruption: A European Perspective’ (2007) 55 United States Attorneys’ Bulletin 41; Marc-Andre Gagnon, ‘Corruption of Pharmaceutical Markets: Addressing the Misalignment of Financial Incentives and Public Health’ (2013) 41 Journal of Law, Medicine and Ethics 571.
[84]DafyddFell, ‘Political and Media Liberalization and Political Corruption in Taiwan’ (2005) China Quarterly 875; Joshua L. Shapiro, ‘Corporate Media Power, Corruption, and the Media Exemption’ (2006) 55 Emory Law Journal 161.
[85]Joseph R. Weeks, ‘Bribes, Gratuities and the Congress: The Institutionalized Corruption of the Political Process, the Impotence of Criminal Law to Reach It, and a Proposal for Change’ (1986) 13 Journal of Legislation 123.
[86]Jay S.Albanese and KristineArtello, ‘The Behavior of Corruption: An Empirical Typology of Public Corruption by Objective & Method’ (2019) 20 Criminology, Criminal Justice, Law & Society 1.
[87]William S. Laufer, ‘Modern Forms of Corruption and Moral Stains’ (2014) 12 Georgetown Journal of Law & Public Policy 373.
[88]Riccardo Pelizzo,Omer Baris, Saltanat Janenova, ‘Objective or Perception-Based: A Debate on the Ideal Measure of Corruption’ (2017) 50 Cornell International Law Journal 77.
[89]Sheverdyaev and Shenfeldt, supra note 14, 57.
[90]Ibid.