علوم الأعصاب، ثورة أم سراب؟
Les neurosciences, révolution ou mirage ? Romina Rinaldi
د.محمد شرقي/المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بمراكش /المغرب
Dr. Mohammed Cherké, Regional Center for Education and Training Professions/Marrakech-Morocco
Revue des Sciences Humaines, n°310, Janvier 2019
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 63 الصفحة 95.
Abstract :
This article That I have translate into Arabic is entitled: « Is Neuroscience A Revolution Or A Mirage ? ». It was published in the French journal of Humain Sciences, in January 2019.
Throughout the article, its author records with astonishment this panting and this almost pathological run-up to the newly emerging science, Neuroscience, and shows how the media works to present it as the balsamic healer of many diseases and that it is the key to identifying human behavior, and how some believe that a sector can benefit from it Education and pedagogy in particular.
In this context, however, he invokes the response of one of the well-known pedagogists, “Philippe Perenoud”, which shows how neurosciences can, no doubt in that, help us in learning the learners and their developmental development, and then it can be a valid tool in the field of education, but it cannot be a pedagogy in the extent of Itself. It may only contribute to one dimension of pedagogy, that of knowledge only (the knowledge that you provide regarding the learner).
Keywords : neuroscience – brain – pedagogy – human
ملخص :
يحمل المقال الذي عملت على تعريبه العنوان التالي : علوم الأعصاب هل هي ثورة أم سراب ؟ وقد نشر بالمجلة الفرنسية “علوم إنسانية “العدد 310، يناير 2019. على امتداد المقال يسجل صاحب النص باستغراب هذا اللهاث وهذا الجري شبه المرضي وراء علوم حديثة النشأة هي علوم الأعصاب، ويبين كيف تعمل وسائل الإعلام على تقديمها باعتبارها البلسم الشافي لكثير من الأمراض وأنها مفتاح التعرف على السلوك الإنساني، وكيف يعتقد البعض أنه من الممكن أن يستفيد منها قطاع التربية و البيداغوجيا بشكل خاص . لكنه يستحضر في هذا الإطار رد أحد البيداغوجيين المعروفين” فيليب بيرنو” الذي يبين كيف أن علوم الأعصاب يمكن، لاشك في ذلك، أن تفيدنا في معرفة المتعلمين وتطورهم ألنمائي ومن ثم يمكن أن تكون أداة صالحة في مجال التربية لكنها لا يمكن أن تكون بيداغوجيا في حد ذاتها . إنها قد تساهم فقط في بعد واحد من أبعاد البيداغوجيا، ذاك المتعلق بالمعارف لا غير (المعارف التي تقدمها بخصوص المتعلم).
الكلمات المفتاحية : علوم الأعصاب – دماغ –ببيداغوجيا- سلوك إنساني .
تعدنا علوم الأعصاب بفهم أفضل للدماغ، للمعرفة، للمشاعر و للعلاقات البين فردية…هل تمتلك هذه العلوم الوسائل لتحقيق طموحاتها ؟
من دون شك، لقد دخلنا، من طابق واحد، في عصر علوم الأعصاب .إنها علوم تساعدنا لكي نفهم بشكل أفضل من نحن، وكيف نشتغل. إنها مثل السكين السويسري بالنسبة لحياتنا اليومية. وعود جميلة؟ نعم و لا في نفس الآن، و ذلك لأن مجهودات الباحثين إذا كانت تستحق أن تعطاها قيمة ، فان هذه الأهمية و هذا الجري أو هذه الهرولة بشكل عار إلى هذه العلوم لا تمثل فقط إيجابيات بل لها سلبياتها أيضا. كما أنه، خلال هذه السنين الأخيرة تمت و بشكل جدي مساءلة نتائج هذه الأبحاث في علوم الأعصاب . لقد تم استنكار التلاعبات التي أجريت على معطيات خام من أجل “تشكيل” أو إعطاء شكل جديد للنتائج و كذلك التوسع في تأويل المعطيات. وراء هذه المظاهر التقنية، هناك الثقة العمياء و التي يظهر أن المجتمع بكامله يعطيها لكل ما هو مدموغ « estampillé » “علوم عصبية “والتي تلزم البعض لدق ناقوس الخطر. إنها علموية رجعية أكثر منها تقدمية ولذلك فعلماء الأعصاب أنفسهم سيستنكرون التعامل الأداتي مع معطياتهم ! في منطقة وسطى بين القبول الطائش و الرفض التام، يمكننا طرح السؤال التالي :هل توجد خديعة في علوم الأعصاب ؟ و إذا كان الأمر كذلك، فمن المخطئ؟
خديعة القطع الأثرية و التلاعبات الإحصائية :
لعلكم تتذكرون تلك الدراسة التي تعود إلى سنة 2009 و التي اكتشفت تنشيط الدماغ الخاص برؤية لإحدى صور جنفير أننيستون Jennifer Aniston التي اشتهرت بدورها في مسلسل أصدقاء Friends ? هل هي هفوة ؟ لا على الإطلاق ! لقد تم نشر ملخص أو توليف هذه الأبحاث في مجلات علمية قيمة .مثل Nature ou Scientific Americain، عنوانها الأصلي ” خلايا المفاهيم :طوب الذاكرة التعريفي” (مترجم). و قد عنونت لجرائد التي نقلت المعلومة على الشكل التالي :”جينيفر أنيستون ربحت حرب الدماغ” أو ” عثر الباحثون على عصب جينيفر أنيستون”. في مقاله الأصلي، استعرض عالم الأعصاب رودريغو كيان كيروغا Rodrigo Quian Quiroga نتائج تجربته من خلال تقديم مجموعة من الخلايا لفرس البحر، و التي، عند أحد المرضى تجيب بشكل خاص جدا لصورة الممثلة الأمريكية و لكن ليس للممثلين الآخريين الذين يظهرون للعيان للعيان ( مسكين براد بيت Brad Pitt). عند مريض آخر فان ماي بيري Maille Berry هي التي ستجعل الخلايا العصبية تتحرك، في حين أن خلايا أخرى ستثار أو ستشتغل من أجل لوك سكايوالكير Skywalker.و تتمثل الخلاصة التي سيتوصل إليها هذا الباحث و فريقه في كون هذه الخلايا المحددة يمكن أن تشكل قاعدة للتنظيم العصبي لذاكرتنا : كل شخص، كل شيء سيتم تشفيره حسب تكوين أو ترتيب معين لخلايا عصبية. و لكن قبل كل شيء، هذه التمثلات ستكون، مثلها مثل ذكريات كل منا ، فريدة للغاية أو متفردة أكثر . ليس الأمر إذن كأن نكون قادرين على تحديد بطريقة يقينية و ثابتة، عند أي كان، الخلايا المرتبطة بذكرى معينة و التي بحذفها يمكننا و بشكل مماثل حذف تلك الذكرى تاركين الذكريات الأخرى على حالها.
أكيد أن هذا الخطاب، الدقيق ولكن -بشكل خاص-التقني جدا، هو بشكل واضح أقل جاذبية. فباستثناء بعض الجزئيات، هنا و هناك، لا يمكن للوسائط إذن أن تتوقف عن نقل هذه المعلومات من خلال إعطائها شكلا جديدا و تقدمها في نسخة جذابة. لقد فهموا بشكل جيد أن عامة الجمهور تحب علوم الأعصاب! هل من الممكن أن نلوم الجمهور ؟ألم تنشط محاولات فهم روحنا البشرية منذ الأزل؟ إلا أن هذه الطريقة في إبلاغ المعلومة تنتج تأثيرا كبيرا على تمثل علوم الأعصاب (أو الطريقة التي نتمثلها بها من طرف العموم).
بالفعل أو من المسلم به أن البحث في التصوير الدماغي محشو بالتحف أو بالقطع الأثرية و بالتلاعبات الإحصائية والإعدادات الفنية و معلمات في بناء البروتوكولات. الخ و لكن ثمة تحيز أساسي، لا يمكن للباحثين مطلقا التحكم فيه، يتمثل في الطريقة التي يتم بها نقل معطياتهم للجمهور الواسع.
حزمة “العلوم العصبية البيداغوجية” :
إن هذا لا يمنع من القول في ظل هذا التدفق الذي لا ينقطع تقريبا لمعطيات علوم الأعصاب، أن البعض اقتربوا من الجرعة الزائدة (أي تجاوزوا الحد المطلوب) و ينذرون من سيادة أو عهد علم الأعصاب الذي، على الرغم من بقاءه بعيدا عن حياتهم اليومية حتى وقت قريب، بدأ يغرق أكثر فأكثر . لا يسع المرء إلا أن يفكر في بعض المدرسين الذين سئموا من تراجع المستوى بحكم طرقهم ” التقليدية”، و هم يقدمون علم الأعصاب باعتباره الخيار الوحيد للتقدم البيداغوجي.
إن النقاش ليس ثنائيا حبث تظهر العلوم الدقيقة في مقابل مقابل العلوم الإنسانية (في هذه الحالة علوم التربية)، والمؤيدين “للطرق القديمة” مقابل التقدميين. من الممكن تماما الاعتراف أن البيانات التي تقدمها علوم الأعصاب حول نمو الأطفال و تعلمهم تعتبر مادة قيمة لتطوير الأساليب التربوية المناسبة، و من الممكن كذلك رفض حزمة ” علم الأعصاب البيداغوجي” ككل و التي، مع ذلك، تبيع أو تسوق منتوجها بشكل جيد.
وهكذا نشرت مصلحة المراقبة العلمية و التقنية التابعة للمعهد الفرنسي للتربية سنة 2013، ملفا تحت عنوان “علوم الأعصاب و التربية:معركة الأدمغة”، حيث تم تسليط الضوء على عدم وجود فهم متبادل بين التخصصات فالمدرسون يصبحون عرضة لتفسير البيانات التي تقدمها علوم الأعصاب بشكل مبسط (34) و علماء الأعصاب من جهتهم غير مطلعين على تاريخ الفكر التربوي، ومن ثم الدوران في حلقة مفرغة في بعض الأحيان .
يؤكد فيليب بيرنو، المتخصص في علوم التربية في كتابه الأخير La riposte(الإجابة) و لكي يتمم ما جاء في كتابه le miroir des alouettes(مرآة القبرة) (2018) على أن نتائج التجارب في علوم الأعصاب يمكن أن تؤسس نقطة انطلاق للتفكير البيداغوجي ولكن باعتبارها مجرد أدوات، و يذكر أن الطريقة البيداغوجية تتمفصل حول ثلاثة محاور وهي : المعارف (في هذه الحالة تلك المتعلقة بالطفل و نموه) الغايات (الأهداف البيداغوجية و الاجتماعية) ثم الممارسات (الوسائل و الطرق). فإذا كانت علوم الأعصاب تغذي الجانب المتعلق بالمعارف، فإنها لا يمكن أن تمثل بيداغوجية قائمة بذاتها . من جهة أخرى، فهو يصر على واقعة “أن فهم الكائن البشري لا يقتصر فقط على بعد واحد من أبعاده (…)بالفعل يمكن أن يظهر الدماغ مثل قمرة القيادة و حيث توجد كل البيانات(…) و حيث تتخذ كل القرارات (…) ولكن، لا يمكن، بأي حال من الأحوال، اختزال قرارات الطيار في مجرد توليف ميكانيكي للبيانات مثل ما يمكن أن يقوم به الكمبيوتر على نحو أفضل “.
ولكن، هنا أيضا، لا يمكن إدانة هذا التوجه العلمي (علم الأعصاب ) بأكمله، فقد اتخذ بعض علماء الأعصاب المشهورين أمثال تانيسلاس دوهاين Stanislas Dehaene خيار المشاركة في التغيير البيداغوجي من خلال علم الأعصاب (مع الاعتراف بضرورة تغيير حقيقي للبراديغم أو النموذج الارشادي المعتمد) و كذا خلق علم متداخل التخصصات يتيح لكلا الطرفين التعاون بفعالية و ليس فقط نقل أو تحويل نظرية إلى أخرى. لكن علماء الأعصاب المتشككين ليسوا نادرين و لا شك أنهم أقل سماعا .
نحو علوم أعصاب أخلاقية :
بطبيعة الحال لا تقتصر المسألة على البيداغوجيا. ففي مقال ظهر سنة 2014 في مجلة الطب النفسي L’encéphale(الدماغ)، عبر باحثون في علم النفس الشرعي عن قلقهم بشأن قانون صدر في فرنسا سنة 2011 يجيز استخدام تصوير الدماغ كجزء من الخبرة الجنائية في الطب الشرعي . لقد عادوا من جديد، و من بين أمور أخرى، إلى حالة امرأة شابة تبلغ من العمر 28 سنة في مدينة Come بإيطاليا كانت عقوبة الحكم بقتل أختها محدودة و ذلك في أعقاب دراسة تصوير الدماغ التي بينت وجود خلل في بعض المجالات المرتبطة بالكبت أو التثبيط Inhibition (الذي كانت تعاني منه)، و يشير الباحثون إلى أنه يجب التفكير بحذر في مثل هذه الأمور، و أن العدالة يجب أن تتجنب التفكير في كون علم الأعصاب يمكن أن يجلب أو يقدم “إجابات جاهزة “. في مثل هذه الحالة، من الأفضل عدم افتراض أن دماغ الشخص المجرم يختلف عن دماغ الشخص البريء، و عدم السقوط في فخ التوطين، أي فكرة أن منطقة ما من الدماغ تتوافق من دون شك مع سلوك معين .وعلى هذا المستوى أيضا، لا يخدم علماء الأعصاب أنفسهم بل نجد حاليا أن الكثير منهم ينخرط في التيار النقدي لعلم الأعصاب حيث يتساءلون عن مدى القيمة الاثباتية للبيانات العصبية. وبالرغم من ادراكهم جيدا أن علمهم لم يعد هامشيا بل امتد إلى المجالات السياسية و الاجتماعية و الأخلاقية ، فهم يسعون ليس إلى معرفة كيفية استبعاد علم الأعصاب من هذه المجالات ولكن البحث عن كيفية إدراجه بطريقة معقولة دون إفقاد هذه العلوم لطبيعتها الحقيقية.
كما ترون في تجربة علم الأعصاب، ليس فقط الباحثون هم الذين يجب عليهم توجيه الاتهام إلى المتهم . بطبيعة الحال فان كتب التحسيس بالمعلمات paramètres الملموسة للتجارب و الموجهة للجمهور الواسع من الناس( و التي يتم القيام بها في إطار هذه العلوم) مفيدة في هذا المجال لتعطي رأيا مستنيرا حول هذه المعطيات . ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الثقة في علم الأعصاب تتأثر بالخطابات الإعلامية و السياسية التي غالبا ما لا تخص الباحثين. من جهة أخرى ينتج هؤلاء الباحثون تفكيرا أخلاقيا و تقنيا من أجل تجاوز العيوب الكامنة في كل المجالات العلمية.
وسائل تقنية في تطور :
عادة ما تعترض علماء الأعصاب صعوبات تقنية و تجريبية فالأدوات ضعيفة جدا وانعدام عدم وجود بروتوكول موحد مع الحاجة إلى إجراء معدلات وسطية (جمع المعطيات) كل ذلك يفقد “القوة “الإحصائية و البيانات الأصلية طبيعتها…ولكنهم لا يبقون مكتوفي الأيدي .على العكس من ذلك فان البحث التقني في تصوير الدماغ مثل أخلاقيات الأعصاب هو مجال للبحث في حد ذاته. على سبيل المثال، لاستخلاص استنتاجات حول الصلة بين السلوك و النشاط الدماغي يمكن للباحثين أن “يكتفوا” بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي IRM fonctionnelle (وبشكل مثالي من خلال إضافة إجراءات أخرى مثل الوصف الالكترودماغي l’électroencéphalographie.من ناحية أخرى، لإثبات العلاقة السببية و بالتالي استخدام الدماغ لمراقبة التغيرات في السلوك، هناك حاجة إلى أدوات أخرى مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة بحيث يجب أن تسفر الأبحاث عن دلائل تطبيقية مدعمة بما يكفي لمصاحبة العلماء الذين لا يكفي أن تكون إرادتهم خيرة في الوقت الحالي للتغلب على الصعوبات التي تتركهم في بعض الأحيان مسمرين في أماكنهم.
1-Russell Poldrack et Martha Farah, Progress and challenges in probing the human brain,Nature,vol.DXXVI,n°7573,octobre2015