
ملخص أطروحة الدكتوراه: الأسرة الجزائرية بين القيم التقليدية وقيم الحداثة
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعــة الجزائر-2-
إعداد الطالبة: فرحات نادية – إشراف الأستاذ الدكتور حويتي أحمد
نشر في مجلة جيل حقوق الانسان العدد 35 الصفحة 91.
- معلومات عامة
نافشت الطالبة الباحثة: فرحات نادية ، تحت اشراف الأستاذ الدكتور حويتي أحمد ، أطروحة دكتوراه في العلوم الإجتماعية، بعنوان: “ الأسرة الجزائرية بين القيم التقليدية وقيم الحداثة “، وذلك يوم السبت ديسمبر 2012 ، بقاعة المناقشات الخاصة بقسم علم الاجتماع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية –جامعــة الجزائر2، حيث تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة الآتية أسماؤهم:
– الدكتور رميتة أحمد، أستاذ محاضر أ ، جامعــة الجزائر-2 رئيسا.- الأستاذ الدكتور حويتي أحمد ، أستاذ التعليم العالي جامعــة الجزائر-2 مشرفا مقررا.- الأستاذ الدكتور جمال مفتوق أستاذ التعليم العالي عضوا مناقشا.لدكتور شريف زهرة، أستاذ محاضرة صنف أ جامعــة الجزائر-2 عضوا مناقشا.- الدكتور رابح درواش ، أستاذ محاضرة صنف أ بقسم العلوم السياسية بجامعة عضوا مناقشا. وبعد المناقشة والمداولة قررت اللجنة منح الطالبة الباحثة: فرحات نادية، شهادة دكتوراه في العلوم الإجتماعية، بدرجة مشرف جدا.
- ملخص الرسالة
تعد الأسر ظاهرة عامة تسود سائر المجتمعات ومختلف الثقافات، فهي النظام الإنساني الأول في المجتمع له وظائف وآليات وضوابط تعمل على استمراره والمحافظة عليه، كما تعد منظمة اجتماعية تتكون من أفراد تربطهم روابط اجتماعية وأخلاقية ودموية وروحية، فهي تشكل شبكة من العلاقات تتفاعل فيما بينها من خلال الوظائف التي تسهر على تأديتها سواء على مستواها أو على مستوى المجتمع ككل، وتكمن أهمية الأسرة إلى جانب وظائف الرعاية والتنشئة الاجتماعية والحماية ومنح المكانة فإنها المصدر الوحيد الذي يمد المجتمع بأعضاء جدد تتفق مع مواصفات وخصوصيات ونوعية هذا المجتمع أو ذاك.
تتكون الأسرة من الزوج والزوجة والأبناء وتشكل المرأة عنصرا فعالا ومهما في بناء الأسرة، فهي تقوم بأدوار هامة وحيوية ابتداء من الحمل والوضع إلى تقديم الرعاية الجسمانية والنفسية للأطفال وتستمر هذه العملية إلى مختلف الأعمار، وهذا يسمى بالتنشئة الاجتماعية فهذه المهام بقيت ثابتة، عبر التاريخ وفي مختلف الثقافات إلى جانب بعض الانشغالات الأخرى، فمثلا تقوم المرأة الريفية إلى جانب دورها الفطري بالرعي والزراعة والنسيج…الخ.
ورغم المجهودات التي تقوم بها المرأة تبقى في مكانة ثانوية بعد الرجل فهي المخلوقة الضعيفة التي تعيش حياتها تحت وصاية الرجل سواء كان أبا أو زوجا أو أخا، أما الرجل فهو في أعلى الهرم الأسري، وباعتبار الأسرة الجزائرية التقليدية أسرة بطريقة موسعة تظم أسر زواجية عدة يعيشون في بيت واحد تكون السلطة للأب في إدارة الشؤون الأسرية هذا ما يجعلها تتميز بالتماسك والتعاون والحسم في اتخاذ القرارات، أما المرأة في منظور الرجل التقليدي فلا تصلح للقيام بالمهارات الخطيرة التي تقرر مستقبل العائلة لذلك أوكلت إليهن الواجبات المنزلية ورعاية الأبناء، بذلك تظهر قيم تحترم الذكور دون الإناث، ومن ثم تحتل المرأة المكانة الدونية من الرجل، ويظهر هذا التمييز حتى في العلاقة بين الزوج وزوجته، فالرجل لا يمكث أوقات فراغه مع زوجته وأبنائه لأن ذلك عيب ومذلة للرجل لذلك كان كثير من الأزواج لا يعطون أهمية لأحوال زوجاتهم، وأي نزاع لا يمكنه أن يخرج من نطاق الأسرة ليتأكد مرة أخرى أن مكانة المرأة داخل الأسرة التقليدية لها سلطة أقل تبعا لمرتبتها الاجتماعية الضعيفة أمام الرجل وهذا ما ينعكس على تحديد طبيعة العلاقة بينهما، بل كانت تتحدد مكانتها تبعا لإنجاب الذكور.
ونتيجة للتصنيع والتحضر ودخول قيم وأفكار حديثة إلى المجتمع الجزائري، عرف البناء الأسري تغيرا لا يمكن تجاهله، فالأسرة الجزائرية الآن هي في حالة تحول مستمر من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية.
إن انتشار الثقافة والتربية والتعليم بين أبناء العائلات لعب دورا كبيرا في الاستقلال الفكري والقيمي للأفراد دون وقوفهم ضد العادات والتقاليد، كما أدى ذلك إلى إزالة الحاجز الاجتماعي الذي يفصل ويميز بين الرجال والنساء، بل ونتيجة للتحولات الاقتصادية وحتى السياسية تحصلت المرأة على قسم من حقوقها، وأدى إلى ارتفاع مكانتها وأتيح المجال أمامها لأداء الدور الاجتماعي الإيجابي الذي يساعدها على المشاركة في عمليتي بناء وتقدم المجتمع.
إن طبيعة الحياة الأسرية الحديثة تختلف كل الإخلاف عن طبيعة الحياة الأسرية التقليدية، فصغر حجم الأسرة وضعف علاقتها الاجتماعية مع أقاربها قد أدى إلى زيادة الاتصال بين الزوج والزوجة والأطفال، ويبدأ الزوج يستند إلى قواعد المساومة في المركز والمكانة الاجتماعية هذا ما ساهم في تغير العلاقات الأسرية تغيرا إيجابيا
إن الوضع الأسري الجديد الذي تعيشه كل أسرة هو نتيجة للمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي عرفها المجتمع الجزائري، فكل التغيرات التي تصيبها تؤثر على سلوك أفرادها وقد يؤخذ التغير شكلا معنويا يمس القيم والعادات السائدة في الأسرة أو شكلا ماديا يتمثل في تأثير التكنولوجيا على الحياة الاجتماعية, إذ نجد في عصرنا الحاضر قد تنازلت الأسرة عن بعض الأدوار والوظائف, وقاسمتها في ذلك مؤسسات اجتماعية ووسائل أخرى كوسائل الإعلام ( التلفزيون)، فالتحولات الاقتصادية والاجتماعية كان لها الأثر البالغ على البنية الأسرية، وباعتبار الأسرة وحدة اجتماعية لا يمكن عزلها عن المجتمع فهي الصورة التي تعكس كل مرحلة تطور يمر بها المجتمع، وطبيعة الأسرة الديناميكية مكنتها من التكيف مع معطيات كل مرحلة هذا ما يفسر لنا المظاهر الجديدة للأسرة، سواء على مستوى العلاقات السائدة فيها أو من حيث شكل بنيتها ونمطها وأدوار أفرادها ومكانتهم.
إلا أن الأسرة الجزائرية أسرة تقوم على أفكار مستمدة من الثقافة العربية الإسلامية توارثتها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة وذلك بنقلها من جيل الآباء إلى جيل الأبناء، فلا يمكن أن تلغى هذه القيم المعبرة عن الهوية الثقافية لمجرد السعي وراء تحديث الحياة الاجتماعية والحياة الأسرية على وجه الخصوص، رغم ما تقوم به وسائل الإعلام والشبكة المعلوماتية من فرض قيمها بمختلف الأساليب على الأسرة الجزائرية والمنافية أحيانا لمعتقدات المجتمع، فهي تحاول أن تتصدى لها من خلال ترسيخ القيم الاجتماعية، ومن جهة أخرى وجدت نفسها متقبلة لبعضها الآخر، وظهر ذلك التغير في أنماط سلوكية في العيش والملبس بل أعيد صياغة الحياة اليومية لشؤون الفرد والأسرة، ولما كانت عصرنة القيم والتقاليد ذات أهمية بالغة بالنسبة للمجتمع والأسرة، سارعت وسائل الإعلام –خاصة التلفزيون لميزته الخاصة- لتدعيم مفهوم الحداثة وذلك من خلال ترسيخ قيم وأنماط سلوكية جديدة وهذا في مختلف البرامج التي يقدمها التلفاز لمواكبة العصر.
إن اجتماع ثقافتين مختلفتين وقد يكون أحيانا متعارضتين والسعي إلى بناء جيل يحمل في شخصيته ذلك التناقض لهي مهمة صعبة أمام الآباء لرعاية أبنائهم وتنشئتهم تنشئة سوية، فكيف يحافظ هذا الجيل على قيمه التقليدية المعبرة عن هويته الثقافية من جهة، ويستوعب من جهة أخرى القيم الجديدة التي فرضتها عليه عملية التغير باختلاف أساليبها، لذلك فإن الجيل الذي ينشأ في صراع – ثقافي قيمي- لن تتضح له الرؤية في بناء ذاته وأسرته ومجتمعه، وقد ينعكس هذا الصراع على سلوك الأفراد وممارساتهم بل قيمهم وطريقة تفكيرهم وعيشهم بل حتى المفاهيم تغيرت بتغير أبعادها ومؤشراتها، فلقد ظهر مفهوم الأسرة الحديثة في بناء جديد يقوم بأدوار تتحدد وفقا للمراكز والمكانات الموزعة بين أفرادها والتي تأثرت بدخول عوامل اقتصادية وثقافية مثل خروج المرأة للعمل وارتفاع مستواها التعليمي وانتشار التحضر والوعي الحضاري، هذا ما يفسر ظهور أنماط جديدة للأسرة الناتجة عن تصورات مبنية على قيم وأفكار حديثة.
فهل كان لهذا التغير القيمي تأثيرا إيجابيا على الأسرة؟ وهل حافظت الأسرة على هيكلها وبنائها التقليدي أمام القيم والأفكار الجديدة التي دخلت عليها؟، ثم هل أعيد تحديد وتوزيع الأدوار والمكانات والوظائف وبالتالي تغيرت العلاقات الأسرية بين الأفراد (علاقة الأزواج بالزوجات وعلاقة الآباء بالأبناء). وهل ساهم التلفزيون في إحداث تغيرات على الأسرة من حيث علاقات الآباء بالأبناء والأزواج بالزوجات؟.
للإجابة على التساؤلات المطروحة جاءت الفرضيات التالية:
- تؤثر قيم الحداثة على الاختيار الزواجي لدى الشباب (الرجل والمرأة).
- تؤثر قيم الحداثة على الأدوار والمكانات داخل الأسرة.
- تؤثر قيم الحداثة على التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة.
- يؤثر التلفزيون (من خلال برامجه) على ترسيخ قيم الحداثة داخل الأسرة.
و للتحقق من هذه الفرضيات قسمت الدراسة إلى بابين، فالباب الأول خصص لجانب النظري للدراسة وقد شمل سبعة (7) فصول.
فالفصل الأول خصص للاقتراب المنهجي للدراسة.
أما الفصل الثاني فخصص لنظريات المعتمدة والدراسات السابقة إذ تبنت الدراسة نظريات عدة لفهم الأسرة الجزائرية بين القيم التقليدية وقيم الحداثة، كالنظرية البنائية الوظيفية ونظرية التنشئة الاجتماعية وكذا نظرية الصراع التي تحاول تفسير الصراع القائم بين القيم التقليدية التي تعمل الأسرة على ترسيخها من خلال التنشئة الاجتماعية وقيم الحداثة التي فرضتها العوامل الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية في ظل العولمة، كما استعانت الدراسة بنظرية الحداثة، وفي المبحث الثاني استعان البحث بالدراسات السابقة التي عالجت الأسرة الجزائرية من حيث أهم التغيرات التي تعرضت لها على المستوى البنيوي والوظيفي وأهم خصائصها في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
أما الفصل الثالث فخصص للقيم الاجتماعية للأسرة وقسم إلى أربعة مباحث، فالمبحث الأول خصص لماهية القيم بوصفها معيارا للحكم يستخدمه الفرد أو الجماعة من بين بدائل عدة في مواقف يتطلب قرارا ما أو سلوكا معينا، فهي الإطار المرجعي للسلوك داخل المجتمع ويتداخل هذا المفهوم مع مفاهيم عدة وهي: المعايير، السلوك، الاتجاهات، والحاجات، إلا أنه هناك فرق منهجي بينهم تم توضيحه في المتن.
وللقيم تصنيفات عدة حسب مختلف الاتجاهات النظرية، فهناك: 1- تصنيف على أساس المحتوى، 2-تصنيف على أساس شدة القيمة، 3- تصنيف على أساس العمومية، 4- تصنيف على أساس الوضوح، 5- تصنيف على أساس الدوام، وبذلك يتضح أن القيم أنواع: الدينية منها والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والجمالية،…. الخ.
رغم تلك الاختلافات فإن للقيم عناصرا ومكونات ثابتة، إذ تتكون القيمة من مكون معرفي ومكون وجداني ومكون سلوكي، لذلك تعددت الاتجاهات النظرية المفسرة للقيم، فالاتجاه النفسي يرى أن القيم تساهم في تفسير شخصية الفرد وسلوكه في ضوء التفاعل القائم بينهم، أما الاتجاه الفلسفي فيرى أن القيم ليست مطلقة ولا ثابتة ولا أزلية، ولا تنشأ من فراغ بل هي جزء من الخبرة الإنسانية الواقعية تتبع الإنسان وتتفاعل مع الأشياء والبيئة المحيطة به، أما الاتجاه السوسيولوجي فيرى أن القيم هي ظاهرة اجتماعية ثقافية مصدرها البناء الثقافي، تعمل على ضبط الفعل الاجتماعي والتحكم فيه، فتتحقق وظيفة الاستقرار للبناء الاجتماعي من خلال تحقيق التضامن الاجتماعي.
تختلف أهمية القيم من مجتمع لآخر حسب ثقافته وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أما في المجتمعات العربية فتكمن أهمية القيم في أنها مصدر كل المعايير والتقاليد والأعراف والقواعد التنظيمية لاسيما عند سكان الريف أكثر مما هو عليه عند سكان الحضر.
و بما أن القيم ليست ثابتة فهي تتغير بتغير الإطار الحضاري والاجتماعي والثقافي والتكنولوجي للمجتمع، لذلك يمكن أن يحدث صراعا بين ما تمليه التحولات الاجتماعية والاقتصادية, وما رسخته الأسرة من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والتي تؤدي إلى ازدواجية الفكر والثقافة والتي تحمل في داخلها تناقضا تبينه الأصالة والمعاصرة، لذلك يجب على الأفراد والمجتمعات التعامل مع الحداثة وقيمها كأمر حتمي دون أن يتميع كلية فيها من خلال عملية التكيف الثقافي.
الفصل الرابع: تطور الأسرة وعوامل تغيرها، وقسم على ثلاثة مباحث: فالمبحث الأول تم التعرض من خلاله إلى تطور الأسرة عبر التاريخ، فالأسرة هي وحدة اجتماعية لا يمكن عزلها عن المجتمع، فكل تغير أو تحول اجتماعي أو ثقافي يطرأ على المجتمع يصيب الأسرة بوصفها تؤثر وتتأثر مع أجزاء المجتمع الواحد، فهي تعكس طابع مرحلة التطور الذي يمر بها مهما كان بناؤه وثقافته وإيديولوجيته، ولقد استطاعت الأسرة أن تكيف نفسها مع معطيات المرحلة التي تمر بها وعدلت بنيتها ووظائفها بصورة تتوافق مع مقتضيات التطور.
و لقد مرت الأسرة بمراحل عدة هي: مرحلة العائلة المستقرة، ثم مرحلة العائلة الفرعية أو الانتقالية، فالعائلة غير المستقرة، إلا أن مقوماتها ثابتة باختلاف المراحل التاريخية التي مرت بها.
فالأسرة العربية في عهد الجاهلية كانت تتكون من اسر عدة تسمى الأسرة العشيرة، يعيش أفرادها في سكن واحد، تقوم بأداء وظائفها الأساسية والثانوية بمفردها، تدبر شؤون العشيرة بواسطة مجلس الآباء أو رؤساء العشائر، أما عن نمط الزواج السائد فكان يعكس تطور المجتمع وحاجاته وقد عرفت نمطين من الزواج: الزواج الداخلي الذي يسعى إلى الحفاظ على وحدة القبيلة وتماسكها بحكم أن الزواج ليس أمر شخصي بل هو هدف مجتمعي تسعى القبيلة من خلاله إلى تحقيق طموحاتها.
و تقوم هذه الأسرة على تفضيل الذكور وتعظيم مكانتهم، أما الإناث فهن مصدر العار والفضيحة لذلك انتشرت ظاهرة وأد البنات، فهناك علاقة بين الأسرة والمجتمع الذي يزودها بالأحكام القيمية والمقاييس الإيديولوجية.
أما الأسرة في ظل الإسلام فعرفت تغيرا على المستوى البنيوي الوظيفي فلم يعد الولاء للقبيلة، فضبط الإسلام من خلال تشريعات القرآن العلاقات الأسرية لاسيما العلاقة الزوجية التي تميزت بالطاعة والاحترام إذ تعمل الزوجة على الحفاظ على مال الزوج وعرضه، وعلاقة الآباء بالأبناء التي تتسم بالقوة والإيجابية، فشكلت المبادئ الدينية والتنظيمية الاجتماعية والاقتصادية أرضيته لإحداث تطور نوعي في بنية القبيلة العربية وبالتالي الأسرة، حيث ساهمت في تحطيم كيان القبيلة كتنظيم اجتماعي وظهور الأسرة كإطار للحياة الاجتماعية يستمد كيانه من أحكام الشريعة الإسلامية والتي نظمت كل المجالات بما فيها الزواج الذي سن قوانين التعدد والطلاق وتربية الأبناء وتنشئتهم بأسلوب سليم وصحيح وهي أهم وظيفة تؤديها الأسرة إلى جانب الوظيفة الاقتصادية ووظيفة الرعاية والوظيفة البيولوجية والثقافية ولأن الأسرة في ديناميكية مستمرة نتيجة التغيرات التي يتعرض لها المجتمع نتيجة التصنيع ونمو الحواضر ودخول القيم الجديدة تغيرت التركيبة الأسرية تغيرا واضحا في بنائها ووظائفها وحتى علاقاتها الداخلية والخارجية، إذ أصبحت الأسرة العربية اليوم أسرة نووية وليست ممتدة ونسق القرابة يقوم على نظام الانتساب الثنائي إلى كل من أهل الأب والأم تسودهم علاقات الود والاحترام والتقدير.
إن تقلص حجم الأسرة وتغير تركيبها وبنائها يستدعي تغيرا مماثلا في الوظائف إذ أصبحت تستند إلى المؤسسات الاجتماعية في تأدية وظائفها، وهذا التغير يسمح لها بأن تكون وحدة متخصصة في وظائف معينة وحساسة كالتنشئة الاجتماعية، أما العلاقات الأسرية فيسودها الجو الديمقراطي والحوار والمساواة بين الأبناء لاسيما بعد حصول المرأة على درجات التعليم العالي وخروجها للعمل واستقلالها الاقتصادي والذي انعكس إيجابا على الأدوار والمكانات داخل الأسرة.
و الأسرة الجزائرية كالأسرة العربية عامة عرفت تغيرات بنائية ووظيفية فبعدما كانت عائلة موسعة تضم عددا كبيرا من الأفراد يصل إلى عشرين(20) شخصا تعود السلطة فيها إلى لأب الأكبر (الجد) يعمل على تماسكها الداخلي والخارجي من خلال القيم التي تعمل على تربية أبنائها عليها للحفاظ على نمطها وخصوصياتها.
أما المبحث الثاني فخصص للزواج والاختيار الزواجي في الأسرة التقليدية والذي يخضع إلى القيم التقليدية التي تشجع الزواج الداخلي بين أبناء العمومة وكذا الأخوال لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتختلف عملية الاختيار للزواج تبعا للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشاب وكذا لمحددات الاختيار كالسن والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، لذلك فالزواج هو مشروع يقوم استراتيجيات معقدة تتطلب جزء هاما من الطاقة العائلية.
أما المبحث الرابع فخصص للتنشئة الأسرية للأطفال، إذ تعد عملية التنشئة الاجتماعية عملية تثبيت القيم في نفسية الطفل طوال الحياة كلها فهي تخضع لعوامل عدة كالثقافة الاجتماعية وطبيعة العلاقات الأسرية وحجمها، ويعتمد أسلوب التنشئة في الأسرة التقليدية غالبا على القسوة والتسلط لأجل إعداد جيل قوي الشخصية وفقا للظروف التي يعيشها المجتمع والأسرة معا.
إن القيم التقليدية تعطي نمطا مميزا من الأسر التي تتطبع بها وتحتكم إليها في سلوكياتها من اختيار الزوج(ة) إلى تربية الأبناء وأسلوب معاملتهم وهذا ما يميزها عن اسر العالم لاسيما عندما يتعلق الأمر بالسلطة ورئاسة الأسرة ومكانة المرأة فيها.
أما الفصل السادس فخصص للأسرة الجزائرية في ظل قيم الحداثة، إذ تم التعرض لخصائص الأسرة ووظائفها في ظل قيم الحداثة، إذ أن التغيرات التي تعرضت لها الأسرة الجزائرية انعكست على بنائها ووظائفها وحتى على النسق القيمي الذي يوجه سلوك الأفراد ويتحكم في مواقفهم وفي عملية اختيار الزواج والعلاقات الاجتماعية والأسرية وهذا نتيجة عوامل مورفولوجية واقتصادية وثقافية وحضارية وعوامل إيديولوجية وتكنولوجية كلها ساهمت في تغير الأسرة إذ لم تعد الأسرة موسعة بل تضم فقط الأب والأم والأبناء متوسط حجمها بين خمسة وسبعة أفراد يحتل الأب فيها رأس الهرم الأسري متبوعا بالأم التي أصبحت تحتل مكانة اجتماعية مرتفعة داخل الأسرة وخارجها هذا ما فرض نمطا جديدا من العلاقات، إذ لم تعد سلطة الرجل بنفس القيمة الاجتماعية والثقافية التي كانت عليها في الأسرة التقليدية لاسيما بعد تغير مركز المرأة نتيجة تعلمها وخروجها للعمل من جهة وغياب الزوج لفترات طويلة عن المنزل من جهة أخرى سمح لها بممارسة سلطات أوسع سواء بالنسبة للأبناء أو شؤون المنزل، ويؤكد ذلك الدكتور عبد الغني مغربي في أن العائلة تحولت بعمق في مستوى العلاقات الشخصية الداخلية وأن التغير جذري مهما أحدث صراعا داخل الأسرة الكل يشارك فيه بما فيهم المرأة.
و رغم محاولة الأسرة التحلي بخصائص حديثة إلا أنها ما تزال تحت تأثير القيم التقليدية التي تنظم سلوكها وتحدد مواقفها فهي في صراع بين الرغبة في التوافق مع نظام القيم المتوارثة الذي يرمز إلى هوية المجتمع والرغبة في الوقت نفسه في التخلي عن تحدي العمومية أو ما يطلق عليه الثقافة الحديثة.
إن هذه الثنائية القيمية تؤثر على البنية الأسرية ونظام القيم الذي يحدد الأدوار والمكانات والعلاقات داخلها، فهي تواجه موقفا صعبا، فالأساليب التقليدية للتفاعل داخل الأسرة لم تعد مناسبة مع التغيرات الحديثة، وكذلك فإن الأسرة لم تتكيف بعد مع الأساليب الحديث وهكذا تقف الأسرة في موقف صعب لذلك نجد الكثير من يرى أن الأسرة لم تعد قادرة على أداء وظائفها التربوية بل فقدت جل وظائفها الرئيسية.
أما المبحث الثاني فكان للاختيار الزواجي في ظل قيم الحداثة: ساهمت عملية التغير في الأسرة إلى التقليل من دور الأهل وتراجعه في عملية الاختيار للزواج وفي معايير الاختيار، ولم تعد هذه العملية حكرا على الرجل فحسب لاسيما بعد انتشار أفكار جديدة, وثقافة فرضها العصر والتي تطرح قيم التحرر والمساواة بين الجنسين، فنمط الاختيار السائد اليوم هو الاختيار العاطفي الحر يخضع إلى عوامل عدة كالجاذبية الجسمية والقرب المكاني والتشابه، وتغير العامل العاطفي (الحب) العامل الحاسم في الاختيار الزواجي.
في حين خصص المبحث الثالث للعلاقات الأسرية في ظل قيم الحداثة فقد كان لتغير حجم الأسرة وانخفاض عدد أفرادها آثار هامة على الحياة العائلية وعلاقاتها الاجتماعية الداخلية والخارجية، فعن علاقة الزوج بالزوجة فتستند إلى قواعد الديمقراطية والمساواة لأن الزواج أصبح يعقد بين شخصين متساويين في المركز والسمعة الاجتماعية، أما علاقة الآباء بالأبناء فيسودها الاحترام والتفاهم لأن الاحتكاك الثقافي والاتصال الحضاري أوجد جوا جديدا تولد فيه وصاحبته قيم ومفاهيم اجتماعية جديدة تساير روح العصر وإنجازاته.
فلقد ساهمت وسائل التثقيف لاسيما البرامج المتخصصة في رفع الوعي لدى الآباء في تعاملهم مع أبنائهم بأسلوب علمي صحيح وبما يفرضه عصرهم وثقافته، هذا ما أحدث الانفتاح في علاقة الآباء بالأبناء وهذا منذ الصغر فتغير قيم الإنجاب مثلا كان دافعه الاهتمام أكثر بالأبناء ومتابعتهم في مختلف المراحل العمرية باختلاف جنسهم خاصة بعد تغيير إيديولوجية الأسرة اتجاه الأبناء خاصة الإناث منهم وطريقة تنشئتهم وهذه العملية أصبحت تخضع لثقافة الأسرة وكذا مستواها الاقتصادي والمهني.
أما الفصل السابع فشمل القيم الأسرية والتلفزيون في أربعة مباحث، فالمبحث الأول عالج أهمية التلفزيون في المجتمع والأسرة، فهو أهم الأجهزة الإعلامية التي تساهم في تثقيف الأفراد ويختلف هذا التأثير من مجتمع لآخر حسب ظروف كل مجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية، إلا أنه يبقى وسيلة لتوحيد الأفكار والعادات والتقاليد والقيم وأنماط السلوك بين أفراد الأسرة والمجتمع، ولأن البرامج التي يبثها التلفزيون متعددة المصدر وأغلبها أجنبية فأدى ذلك إلى تحطيم القيم التقليدية وبث قيم أجنبية كما أنه يبث قيم إيجابية تتمثل في تدعيم القيم الوطنية والمحافظة عليها، فهو سلاح ذو حدين يساهم من جهة في نشر المعارف الثقافية والسياسية والدينية وحتى المطبخية، وبذلك يقدم خدمة للمجتمع، ومن جهة أخرى يحارب القيم التقليدية للأسرة ويستبدلها بقيم أخرى كحب الذات وقيم المصلحة والمنفعة بدلا من حب الغير وقيم الجماعة، ولقد كان للتلفزيون الأثر الكبير نتيجة الخصائص التي تميزه عن باقي الوسائل.
أما المبحث الثاني فخصص لتأثير التلفزيون على الأطفال فقد بينت الدراسات أن له الأثر السلبي على صحة الأطفال من خلال تعرضهم لساعات طويلة للأشعة والجلوس دون حركة أمامه، إن تخصيص حصص وبرامج للأطفال ساهم في غرس بعض القيم الإيجابية بطريقة جيدة في ذهن الأطفال من خلال صراع الخير والشر في أفلام الكرتون، هذا من جهة وتزويدهم ببعض المعارف من جهة أخرى، وبالمقابل ساهم في نشر قيم العنف في أوساط الأطفال لأن سلوك الطفل يتأثر بما يشاهده أكثر من تأثره نفسيا.
و المبحث الثالث خصص للآثار الاجتماعية للتلفزيون على الأسرة: ساهم التلفزيون في دعم عملية الاتصال بين أفراد الأسرة فهو يزيد من فرص التقائهم واجتماعهم كما أنه يوطد العلاقات بينهم من خلال عرض المواضيع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك للنقاش والحوار بين أفراد الأسرة خاصة وأنه موجه إلى جميع فئات المجتمع دون تخصيص.
ولخاصيته الجذابة أكدت الدراسات أن ساعات المشاهدة الطويلة أثرت سلبا على تنظيم الوقت وضبط كمية ونوعية المشاهدة، فأصبح الأفراد مدمنون على مشاهدة التلفاز، فهو سلاح ذو حدين يحمل إيجابيات وسلبيات في نفس الوقت، إذا أحسن الفرد استغلاله استفاد منه وإذا أساء استخدامه ذابت هويته وثقافته في خضم الثقافات المتصارعة التي تحملها البرامج التلفزيونية.
أما المبحث الرابع فتم من خلاله عرض دور التلفزيون في بث القيم داخل الأسرة: يعد التلفزيون جزءا من التحولات الاجتماعية والتكنولوجية والقيمية فمن خلال تغلغله ساهم في إضعاف الوسائط الثقافية التقليدية، وتتناقض القيم التلفزيونية المستوردة مع القيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والدينية السائدة، فقد أدى إلى اختراق الصفات القديمة وتغيير النسق القيمي التقليدي وذلك كمقدمة لتحقيق المجتمع المدني، ولقد ساعدت الفضائيات في نشر قيم المجتمع الاستهلاكي التي تعرض كثقافة جديدة تحمل في طياتها قيم الفردية والعنف والجريمة، لذلك يرى الدكتور خير الدين حسين أن التلفزيون يجب أن يبقى مجرد أداة وأن تبقى القيم والثقافة هي الرقيب على حدود استخدامه، لأنه استطاع أن يحدث الاغتراب الثقافي لدى الشباب بإحداث خلخلة في القيم التقليدية والتشكيك فيها وبإظهار نموذج المجتمعات الغربية والفضائيات وصل إلى كل أفراد الأسرة من الطفل إلى المراهق إلى المرأة وإلى الرجل من جهة، وهو وسيلة تدعم ثقافة المجتمع وتعمل على نشرها وتعميمها من خلال معالجة مختلف القضايا المجتمعية من جهة أخرى لتحقيق تنمية المجتمع.
أما الباب الثاني فخصص للجانب الميداني للدراسة وقسم إلى أربعة فصول.
الفصل الأول: الاختيار الزواجي: فبعد اختيار العينة بطريقة عشوائية والتي بلغ حجمها 300 فرد وتوزيع الاستمارة وجمع البيانات وتعريفها وتحليلها توصلت الدراسة إلى عدة نتائج:
إن أغلبية المبحوثين يعتبرون الخطوبة هي فترة تعارف بين الخطيبين وهذا باختلاف جنسهم، إلا أن أعلى نسبة سجلت عند المبحوثين الشباب وبلغت 90.91%، وتنخفض هذه النسبة كلما ارتفع سن المبحوثين، حيث لا يعترف كبار السن الذين ينتمون إلى الأسرة التقليدية التي لا تعترف ولا تسمح قيمها بالتعارف قبل الزواج، وللمستوى التعليمي علاقة بذلك إذ نجد هذا الموقف عند ذوي المستويات التعليمية المنخفضة، عكس الذين مستواهم التعليمي عالي إذ يحملون قيم ثقافية قد تختلف أو تتعارض مع القيم التقليدية للأسرة، ولذلك نجد نسبة كبيرة من المبحوثين يفضلون الخروج مع الخطيب(ة) بلغت 52%، وهذا يدل على التحول الثقافي والقيمي لدى أفراد الأسرة الجزائرية، إلا أنه ليس تحول كلي فهناك من المبحوثين من لم يخرجوا مع الخطيب(ة) لاسيما الذين تتجاوز أعمارهم سن الواحد والخمسون(51) سنة، وهم من الأصل الجغرافي الريفي الذي يتمسك سكانه بالقيم الثقافية التقليدية للأسرة أكثر من سكان الحضر المتفتحين على مختلف الثقافات، وقد بلغت نسبتهم 64.71%.
إن موقف الأسرة من سلوكيات أبنائها أثناء الخطبة من لقاء وخروج معا يتعارض مع ما يريده الأبناء، إذ نجد أغلبية أسر المبحوثين باختلاف سنهم وأصلهم الجغرافي يعترضون على خروج الخطيبين معا ولقائهما خارج الأسرة لاسيما أسر الفتيات إذ بلغت نسبتهم 52.05% مقابل 44.81% من أسر الذكور، لأن قيم الأسرة التقليدية تضع حواجز أمام المرأة لرؤية خطيبها فكيف بالخروج معه، فهذه القيم إضافة إلى التعاليم الإسلامية تمنع لقاء الخطيبين وخروجهما لوحدهما لأنهما غريبين عن بعضهما في تلك الفترة إلا إذا تم العقد الشرعي، فنجد بعض الأسر تسمح بخروجهما في بعض الأحيان.
إن اعتراض الأسرة على خروج الخطيبين والتضييق عليهما جعلهما يفضلان فترة خطوبة قصيرة إذ بلغت نسبتهم 85% وهذا باختلاف سنهم، جنسهم، أصلهم الجغرافي، وحتى مستواهم التعليمي، وهذا راجع إلى عدة أسباب اجتماعية وثقافية قد تعرقل الزواج أو تلغيه.
ولذلك نجد مفهوم الزواج ما يزال يحافظ على بنائه،إذ نجد نسبة 43.67% من المبحوثين يعتبرونه رابطة بين أسرة الزوج وأسرة الزوجة وهذا يعني لكل واحد منهما توسيع علاقاته الأسرية ودائرته القرانية، إلا أن هناك نسبة معتبرة من المبحوثين حددّوا مفهوم الزواج بالرابطة بين الزوجين فقط ولا يتعدى ذلك إذ بلغت نسبتهم 39.28%، وهذا يعني تغير في القيم الثقافية والفكرية للمبحوثين حول رابطة الزواج ويتغير هذا المفهوم عند الجنسين، إذ نجد الذكور أكثر تمسكا بالأسرة من الإناث اللواتي يردن الاستقلال الفكري والمادي عن الأسرة الأم، فمفهوم الزواج عندهن مجرد رابطة بينها وبين زوجها فقط، كما يتغير تعريف الزواج بتغير سن المبحوثين إذ كلما كبر المبحوثون سنا كلما زادت نسبتهم في تعريف الزواج على أنه رابطة بين أسرتين، وكلما انخفض سنهم وارتفع مستواهم التعليمي زادت نسبتهم في تحديده على أنه رابطة بين شخصين وثقافتين.
ويتضح ذلك عند المبحوثين من الأصل الجغرافي الحضري، ولكن رغم ذلك إلا أن الزواج مايزال يتمتع بقدسيته المستمدة من القيم الإسلامية التي حثّ عليها القرآن الكريم والتي سماها بالميثاق الغليظ بين الزوج والزوجة، لذلك يرى المبحوثون أن الزواج يمثل قيمة دينية أكثر مما هو ضرورة اجتماعية أو حاجة بيولوجية وهذا باختلاف مستواهم التعليمي وأصلهم الجغرافي.
إلا أن عملية الاختيار الزواجي تتأثر بالأصل الجغرافي والمستوى التعليمي وحتى سن المبحوثين، حيث نجد أن هذه العملية عرفت تغيرا نوعيا إذ أصبحت عملية الاختيار اليوم في الأسرة الجزائرية عملية شخصية وبلغت نسبة المبحوثين الذين قاموا بذلك قبل الزواج 56% وهذا يدل على التغير في سلوكيات الأفراد، إذ كانت الأسرة عادة هي التي تختار الزوج (ة) وتبلغ اختيارها للطرف المعني وعليه القبول، ونجد من حافظ على ذلك من المبحوثين بنسبة 20%، إلا أنه كلما انخفض سن المبحوثين اتجهوا إلى اختيار شريك (ة) حياتهم بشكل شخصي وفردي وفق معايير خاصة لا أحد يتدخل فيها.
وبالمقابل نجد أنه كلما ارتفع سن المبحوثين لاسيما الريفيون منهم كلما زادت نسبة الذين ساهم الأهل أو الأقارب في زواجهم وهذا ما يفسر انتمائهم إلى أسر محافظة على قيمها التقليدية في الزواج، على عكس الحضر الذين يتحررون من القيم التقليدية لأسرهم ويتمسكون بقيم ثقافية جديدة مكتسبة من خلال ارتفاع مستواهم الثقافي، ويرون أن التمسك بما كان عليه الآباء لا يتوافق والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، وقد ساهمت وسائل الإعلام في بث قيم جديدة تخالف قيم الأسرة التقليدية وتعرضها على أنها قيم حضارية متطورة.
و قد تتعدد معايير الاختيار الزواجي عند المبحوثين باختلاف سنهم وجنسهم وأصلهم الجغرافي، ومستواهم التعليمي إلا أننا نجد معيار الدين والأخلاق مايزال يتصدر قائمة المعايير، إذ بلغت نسبة من يأخذون بهذا المعيار 42.32%، إذ نجد في ظل الانحلال الخلقي والسلوكي الذي عرفه المجتمع جعل المقبل على الزواج يختار ويفضل من يؤمنها على عرضه وشرفه واسمه وماله، ومن تربي أولاده تربية سليمة ولا يعد الجمال الشكلي (الظاهري) من أهم معايير الاختيار، إلا أنه معيارا مهما لدى الرجال أكثر من النساء وبلغت نسبتهم 18.45%عند الذكور مقابل 12.61% عند الإناث، فالنساء يفضلن من يكملهن ولا يخنهن مع الأخريات، وهذا ما يمنح البنت الحق في اختيار من تريده زوجا لها، إذ بينت النتائج أن أغلبية المبحوثين يؤكدون على حق المرأة في الاختيار إذ بلغت نسبتهم 93.33% باختلاف جنسهم وسنهم ومستواهم التعليمي وحتى أصلهم الجغرافي، وهذا مؤشر آخر على التغير الذي تعرضت له الأسرة في ثقافتها وسلوكها، إذ نجد أنه في الأسرة التقليدية كانت تبلغ المرأة بخطبتها وزواجها ولم يكن لها الحق في الاختيار لأنها كانت ماكثة في البيت وليس لها اتصال بالرجال ولا بالعالم الخارجي لأسرتها فهي لا تحسن الاختيار لنفسها، لذلك تقوم الأسرة بالاختيار نيابة عنها، أما بعد تعليمها وخروجها للعمل واتصالها بالعالم الخارجي وتعاملها مع الرجال في إطار مهنتها، تمكنت من معرفة ما كانت تجهله عن الرجال والزواج وبناء الأسرة، وخاصة بعد ظهور فكرة المساواة بين المرأة والرجل اكتسبت المرأة حق الاختيار للزواج كما اكتسبت حقوق أخرى اجتماعية وسياسية.
و بذلك يظهر أن هناك طريقتين للزواج الطريقة التقليدية التي تساهم فيها الأسرة والأقارب بشكل كبير في تثبيت العلاقة بين الرجل والمرأة برابطة الزواج، والطريقة الحديثة التي تسمح لكل طرف باختيار وفق معاييره الخاصة، الطرف الثاني الذي يشاركه الحياة الأسرية، ورغم التغيرات التي حدثت في الأسرة إلا أن نسبة كبيرة من المبحوثين يفضلون الطريقة التقليدية في الزواج وبلغت 53% من يفضلونها مقابل 42% ممن يفضلون الطريقة الحديثة، إذ بينت الدراسة أن الذكور يفضلون أكثر من الإناث الطريقة التقليدية، أما الإناث فيفضلن الطريقة الحديثة حتى يعبرن عن رأيهن وكيانهن وشخصيتهن في الاختيار وفق المعايير التي يضعنها لمن يرتبطن به، كما نجد أن السن مرتبط بالطريقة المفضلة، إذ أن كبار السن يفضلون الطريقة التقليدية لأن الأسرة بما فيها الوالدين لها الخبرة الكافية للاختيار الأحسن عكس الأبناء، أما الشباب فيفضلون الطريقة الحديثة لأنهم يعتبرونها تمثل الحرية في الممارسة إذ سجلت النسبة 38% كما تعتبر طريقة بين من خلالها الرجل (أو المرأة) شخصيته وذلك بنسبة 28.67% والإناث أكثر من الذكور تمسكا بذلك، فهن يحاولن أن يتخلصن من القيود التي تفرضها بعض القيم التقليدية التي تسلب لهن حريتهن، وأصحاب المستوى التعليمي المنخفض أكثر من غيرهم تمسكا بذلك، ولأن سكان الحضر متفتحون على مختلف الثقافات فنجدهم أكثر من الريفيين حرصا على إثبات شخصيتهم والتعبير على وجودهم الاجتماعي بطريقتهم الخاصة حتى يثبتوا تحررهم من القيم التقليدية التي يحملها آبائهم وأجدادهم على عكس بعض المبحوثين من الأصل الجغرافي الريفي الذين يرون أن ذلك ليس حرية بل تميع وتفسخ وانحلال في الأخلاق لاسيما عند الإناث، فاللقاءات والمواعيد بحجة التعارف والتقارب في وجهات النظر، وخروج الخطيبين معا بدون محرم وخارج الأسرة، وبدون عقد شرعي، ما هو إلا تشجيع على بناء علاقات غير شرعية وتقتين اجتماعي مبطن للقاء الرجل والمرأة في مختلف المرافق العمومية وهذا ليس تطورا بل تفسخ ورجوع إلى الوراء.
إذن لقد تغيرت القيم والمفاهيم لدى الأسرة فيما يتعلق بالزواج وطريقة الاختيار ومعايير الاختيار إلى حد كبير، إذ نجد ظهور الاختيار الشخصي للزواج كمؤشر للحرية الفردية، وكذا حق المرأة في الاختيار كما يفعل الرجل لاسيما بعد انتشار فكرة المساواة بين الرجل والمرأة وتخلي الأفراد عن دور الأسرة التقليدية الأم في المساهمة في تكوين الأسرة الجديدة وهذا عكس ما كانت تعرفه الأسرة التقليدية وهذا ما بينته الجداول من 70 حتى 85.
الفصل الثاني: الأدوار والمكانات داخل الأسرة: من خلال جداول الفرضية الثانية يتبين أن أغلبية المبحوثين أجابوا بأن الزوجة تقوم بالأعمال المنزلية بمفردها، ورغم ذلك فإننا نجد نسبة معتبرة من المبحوثين الذين يعتبرون أن الزوجين يشتركان في القيام بالأعمال المنزلية، لاسيما المبحوثين من الأصل الجغرافي الحضري، والذين هم في سن الشباب، وقد وجد أن الزوج يشارك زوجته في أدائها المنزلي أحيانا ،وهذا حسب ظروف عمله وأوقات فراغه، وحسب حاجة الزوجة إلى مساعدته كأن تكون مريضة أو غائبة عن البيت.
إن آراء المبحوثين تختلف باختلاف سنهم، أصلهم الجغرافي، ومستواهم التعليمي، إذ نجد أصحاب المستوى التعليمي العالي يحملون قيما تحفز على تحقيق التعاون والمساواة بين الزوجين، لاسيما وقد أصبحت المرأة تخرج للعمل، إلا أن هذا لا يعني وجود تداخل في الأدوار الأسرية، وقد أكد أغلبية المبحوثين (66.67% منهم) باختلاف سنهم، جنسهم، مستواهم التعليمي، وأصلهم الجغرافي ضرورة الفصل بين أدوار الزوجين داخل الأسرة حتى بعد خروج المرأة للعمل، وما يلاحظ هو وجود تغير واضح أصاب الأدوار الأسرية وهذا ما أكدّه 64% من المبحوثين الذين يؤثر سنهم على تحديد مواقفهم من التغير في الأدوار الأسرية، إذ كلما انخفض سن المبحوثين زادت نسبتهم في التأكيد على وجود تغير في الأدوار الأسرية يتمثل لاسيما في التقصير في الأداء الأسري للمرأة، كما يظهر ذلك جليا عند المبحوثين الذين ينخفض مستواهم التعليمي، والذين هم من أصل جغرافي حضري، أما الريفيين فلا يسمحون بأي تقصير، لذلك نجد المرأة العاملة تجهد نفسها في سبيل تحقيق التوفيق بن المهام الأسرية والمهام الوظيفية، كأن تقوم باكرا، أو أن تشتري بعض الأدوات الكهرومنزلية التي تساعدها على الأداء الجيد في أقصر وقت ممكن.
ولقد ساهم حصول المرأة العاملة على راتب شهري في تحسين المستوى المعيشي للأسرة، إذ أصبحت تشارك في ميزانية الأسرة، وقد بلغت نسبة المبحوثين الذين أقروا بذلك 42.33%، فالنسوة العاملات باختلاف سنهن، جنسهن، مستواهن التعليمي وحتى أصلهم الجغرافي، يشاركن دائما براتبهن الشهري في الميزانية الأسرية وترتفع هذه المشاركة كلما قل الدخل الشهري للأسرة، مما يعني أن أهم سبب لخروج المرأة للعمل هو تحسين ورفع المستوى المعيشي لأسرتها ومحاولة تلبية حاجات أبنائها إلى جانب زوجها، كما أنه قد يشارك الأبناء في ميزانية الأسرة إذا كانوا في سن تسمح لهم بالعمل، إذن فجميع أفراد الأسرة يتعاونون ويسعون إلى تحقيق الحياة الكريمة خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية المتقلبة.
إن ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة وحصولها على راتب شهري ومن ثم استقلالها الاقتصادي ساهم في تحسين مكانتها داخل الأسرة مقارنة بما كانت عليه في الأسرة التقليدية، إذ بينت النتائج أن 90% من المبحوثين أكدوا مشاركة المرأة في تسيير شؤون أسرتها إلى جانب زوجها وهذا باختلاف سنهم وأصلهم الجغرافي، ولقد ساهم ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي للمبحوثين في إعطاء الحق للمرأة في تسيير شؤون أسرتها إلى جانب زوجها، كما تؤثر الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها المبحوث على تحديد موقفه من مشاركة المرأة في ذلك، إذ نجد أن المبحوثين الذين ينتمون على الطبقة العليا يؤكدون مشاركة المرأة في تسيير شؤون الأسرة على عكس المبحوثين الذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا فنسبتهم ضئيلة ممن يرون للمرأة مشاركة في تسيير شؤون أسرتها مهما كان عدد الأبناء، وهذا عكس ما كان يحدث في الأسرة التقليدية التي لا تعطي مكانة للمرأة إلا بعد إنجابها للذكور وكبر سنها، كما أصبحت عملية اتخاذ القرارات الأسرية عملية مشتركة بين الزوجين وليست عملية فردية إذ بلغت نسبة من يقرون بذلك 64.34%، وكلما ارتفع سن المبحوثين زادت نسبة مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات الأسرية لاسيما عند المبحوثين من الأصل الجغرافي الحضري، أما الريفيون فلا زالوا متمسكين بالقيم التقليدية التي ترى أن الرجل هو المسؤول عن اتخاذ القرارات المتعلقة بأسرته، كما تبين أن الطبقة الاجتماعية تؤثر في تحديد مسؤولية اتخاذ القرارات ، حيث أن المبحوثين الذين دخلهم مرتفع يعتبرون أن عملية اتخاذ القرارات داخل الأسرة هي عملية مشتركة وليست فردية، لاسيما بعد ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة وخروجها للعمل، على عكس المبحوثين من الطبقة الدنيا فآرائهم لا تسمح للمرأة بالمشاركة في اتخاذ القرارات الأسرية وهذا لكون هذه الأخيرة مهمة رجولية بحتة، لا تتدخل فيها المرأة إلا بعد كبر سنها فبهذا تكون المرأة صاحبة خبرة وتجربة في الحياة يمكن لأبنائها أن يستشيروها ويستفيدوا من خبرتها، وقد بلغت نسبة الذين يعتبرون اتخاذ القرارات الأسرية مسؤولية الزوج بمفرده عند المبحوثين الذين يتجاوز سنهم 41 سنة 38.46% وهذا من سمات الأسرة التقليدية.
ويختلف موقف المبحوثين من نموذج الأسرة التقليدية، إذ أن أغلبية المبحوثين باختلاف سنهم، جنسهم، وأصلهم الجغرافي يعتبرون الأسرة التقليدية أسرة محافظة على قيمها وثقافتها ومبادئها في علاقاتها الداخلية وهذا ما بينته جداول الفرضية الأولى، أو علاقاتها مع المحيط الخارجي، كما تعتبر أسرة متدينة، متمسكة بتعاليم دينها من أخلاق وعفة وحياء.
أما الأسرة الحديثة فهي أسرة متحررة من القيم التقليدية ومثقفة ومتحضرة من خلال اكتسابها لقيم تتماشى والتطور الثقافي، الحضاري والتكنولوجي، ولقد أكد المبحوثون الذين مستواهم التعليمي منخفض أن الأسرة الحديثة أسرة متحررة من القيود التقليدية، على عكس المبحوثين الذين مستواهم التعليمي عالٍ(مرتفع) فهم يعتبرونها متحضرة مما يعني أنها تحمل سمات إيجابية وحضارية تستجيب لمتغيرات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وحتى السياسية، كما يتأثر مفهوم الأسرة الحديثة بسن المبحوثين، أصلهم الجغرافي ودخلهم.
إن الاختلاف البين بين نموذج الأسرة التقليدية والنموذج الحديث للأسرة يجعل المبحوثين أما المفاضلة بينهما، إذ بينت النتائج أن النموذج المفضل عند المبحوثين هو نموذج الأسرة التقليدية وذلك بنسبة 47.67% مقابل 40.33% ممن يفضلون نموذج الأسرة الحديثة، ويختلف موقف المبحوثين من ذلك باختلاف جنسهم، إذ بينت نتائج الجداول السابقة أن الذكور يفضلون الأسرة التقليدية على عكس المبحوثات الإناث فهن يفضلن الأسرة الحديثة التي مكنتهن من تحقيق مكانة عالية فيها، والحصول على مختلف الحقوق التي كانت ممنوعة عليها في الأسرة التقليدية، كما يؤثر سن المبحوثين في ذلك، فنجد أن المبحوثين كبار السن يفضلون النموذج الذي نشأوا في ظله على عكس المبحوثين الشباب الذين يفضلون نموذج الأسرة الحديثة، وهذا باختلاف مستواهم التعليمي، ويؤثر الأصل الجغرافي في اختيار النموذج المفضل إذ أن المبحوثين من الأصل الجغرافي الريفي والذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا يميلون إلى النموذج الذي يحمل القيم الريفية، أما الذين هم من الأصل الجغرافي الحضري وينتمون إلى الطبقة العليا فهم يفضلون النموذج الحديث للأسرة الذي يحمل القيم الحضارية.
وتخضع عوامل الاختيار إلى عوامل ذاتية، وأخرى موضوعية للمبحوثين، إذ اختيار المبحوثين للأسرة التقليدية يرجع إلى تمسكها بالقيم التي تعمل على تماسك الأسرة واستمرارها وتوطيد العلاقات بين أفرادها وذلك بنسبة 39.67%، أما الذين يفضلون النموذج الحديث للأسرة فيرجعون ذلك لكونها متفتحة على التغيرات المجتمعية والثقافية والتي تعطي نمطاً جديداً للعيش وذلك بنسبة 24.33%، إلا أن هناك نسبة عالية من المبحوثين لم يبينوا نموذجهم المفضل، فإذا اختاروا النموذج التقليدي فيحسبون من التقليديين أو الرجعيين، وإذا اختاروا النموذج الحديث فيعتبرون من المتفسخين من قيم الآباء ولأجداد، والمتمسكين بالقيم الجديدة الغريبة على مجتمعنا، وتختلف أسباب الاختيار باختلاف الجنس، إذ أن الذكور يبررون خيارهم بالمحافظة على القيم الاجتماعية والثقافية التي تعبر عن هوية الأسرة والمجتمع العربي للمسلم، أما الإناث فهن يسعين إلى التفتح على القيم التي تعزز مكانتهن وتمنحهن حقوقهن المدنية وحتى السياسية، وتجعلهن مواكبات للتطورات المحلية والدولية التي تنعكس عليها بشكل أو بآخر، كما أن سن المبحوثين يحدد النموذج المفضل وحتى أسباب التفضيل، كما نجد المبحوثين الأميين أو أصحاب المستوى التعليمي المنخفض من الأصل الجغرافي الريفي أكثر تمسكا بالقيم التقليدية للأسرة، مقارنة بأصحاب المستوى التعليمي العالي ومن الأصل الجغرافي الحضري، كما أن للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها المبحوث أثر على الاختيار إذ نجد أن الطبقة الدنيا متمسكة بقيم مجتمعها أكثر من الطبقة العليا التي تتفتح على مختلف الثقافات الغريبة، حتى تتسم بالحضارة والتطور في السلوك وأسلوب العيش وحتى طريقة الأكل واللبس .
إذن هناك تغير واضح في الأدوار الأسرية لاسيما بعد خروج المرأة للعمل، وارتقائها إلى مستويات التعليم العالية، وحصولها على استقلالها الاقتصادي ، كلها عوامل ساهمت في تحسين مكانتها داخل الأسرة وخارجها وحررتها من بعض القيم التقليدية السلبية التي كانت تحط من مكانتها وتجعلها في المراتب الدونية وتفوق الرجل عليها.
أما في الفصل الثالث: التنشئة الاجتماعية للأبناء في ظل قيم الحداثة فقد تبين من خلال جداول الفرضية أعلى نسبة من المبحوثين يستقبلون مولودهم الذكر بالفرحة وإقامة العقيقة وخاصة المبحوثين من الأصل الجغرافي الريفي وذلك نسبة 41,18%، ومهما كان عدد الأطفال فإن المولود الذكر ما يزال يحتل مكانة في أسرته، وتتأثر طريقة استقبال المولود حسب المستوى التعليمي للمبحوثين إذ أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي زادت نسبة الذين يعبرون عن فرحتهم بإقامة العقيقة (السبوع)، ولكن هذا لا يعني أن هناك فرق بين الذكور والإناث عند الأهل حسب مستواهم التعليمي فقط، بل عند أغلبية المبحوثين باختلاف جنسهم وأصلهم الجغرافي وسنهم، ولكن المستوى التعليمي يجدد الفرق بحيث نجد أن أصحاب المستوى التعليمي المنخفض يفضلون الذكور على الإناث وهذا يدل على أنه ما يزال بعض المبحوثين متمسكين بالقيم التقليدية التي تحمل قيم ذكورية، لذلك نجد نسبة مهمة من المبحوثين يعتبرون الابن الذكر يمثل خليفة للأب في أسرته وبلغت 49,29 % وحامل اسمها وهذا باختلاف الجنس إذ نجد الذكور (الآباء ) يؤيدون ذلك أكثر من الإناث، والريفيين أكثر من الحضريين، وكلما ارتفع مستواهم التعليمي زادت نسبتهم والعكس صحيح، وبالمقابل نجد أن البنت تحتل مكانه هي الأخرى في الأسرة لكن تختلف عن مكانه الذكر إذ يعدونها المبحوث تمثل شرف للعائلة بالدرجة الأولى إذ بلغت نسبتهم 45,81% وخليفة الأم بالدرجة الثانية بنسبة 41,92% خاصة عند المبحوثات الأمهات اللواتي تفوق أعمارهن الأربعينات وباختلاف أصلهن الجغرافي ومستواهن التعليمي.
ولأن لكل فرد في الأسرة مكانته وقيمته باعتباره ابن لتلك الأسرة فنجد أن المبحوثين باختلاف جنسهم وسنهم ومستواهم التعليمي وحتى أصلهم الجغرافي وعدد أبنائهم يشجعون الذكور والإناث على قدم المساواة في الدراسة، إذ بلغت نسبتهم 91%، وهذا ما يدل على التغيير الذي حصل في ثقافة الأسرة اتجاه أهمية الدراسة للجنسين لأجل حماية مستقبلهم، ولأن باعتبار العلم نور والجهل ظلام للذكور والإناث، وتتأثر عملية تشجيع الأبناء على الدراسة بالطبقة التي ينتمي إليها المبحوثين، إذ نجد أن الذين ينتمون إلى الطبقة العليا يؤيدون تشجيع الذكور والإناث على حد سواء لأنه لا يوحد فرق بينهما، عكس الطبقة الدنيا التي تتمسك بالقيم التقليدية للأسرة.
إن ارتكاب الأبناء للأخطاء يستدعي موقف من الأهل إلا أن هذا الموقف تغير بتغير الأسرة، إذ نجد أن الأسلوب المفضل للمبحوثين في التعامل مع أخطاء الأبناء هو العتاب أولا ثم التسامح بنسبة 67,45% على عكس أسلوب العقاب الذي كان سائدا في أسر الآباء التقليدية، وهذا الموقف ثابت باختلاف جنس وسن والأصل الجغرافي للمبحوثين وحتى مستواهم التعليمي ، ولا تختلف معاملة الأبناء باختلاف جنسهم في حالة ارتكاب الأخطاء وذلك بنسبة 67% لاسيما المبحوثات الإناث أكثر من الذكور وذلك بنسبة 71,23% مقابل 62,98%، ومهما كان عددهم (الأبناء)، وبالمقابل نجد نسبة معتبرة تضع فرق في المعاملة بين الذكور والإناث خاصة أصحاب المستوى التعليمي المنخفض، وأصحاب السن المنخفض وهذا راجع إلى اختلاف طبيعة الجنسين وتركيبتهما النفسية والفيزيولوجية والبنائية، كما أن الإناث يهتمون أكثر من الذكور بالعقاب وذلك نسبة 96,97%.
إن عملية اختيار الأصدقاء من طرف الأبناء تخضع لمراقبة الوالدين إذ نجد نسبة مهمة من المبحوثين لا يتركون للأبناء حرية اختيار أصدقائهم بأنفسهم نسبة 58,67% لاسيما الآباء منهم لأنهم يدركون حقيقة ما يحدث خارج المنزل خاصة من لديهم عدد محدود من الأبناء، ففي هذه الحالة يتفرغ لهم الوالدين ويتابعونهم في سائر اهتماماتهم، لاسيما عند السن المبكرة من عمرهم وهذا راجع للخوف من الاختيار الخاطئ والتعرف على أصدقاء السوء الذين يؤثرون سلبا على سلوك الأبناء، أما الذين يتركون لهم حرية الاختيار فنجدهم كبار السن وهذا يعنى أن سن الأبناء تؤهلهم للاختيار الصحيح والسليم للأصدقاء الذين يشابهون أو يتكاملون مع شخصيتهم، كما نجد أن الأبناء يتخذون قراراتهم الشخصية بشكل فردي أو يشاركون أهلهم في صنع القرار وخاصة عند المبحوثين من الأصل الريفي، وكبار السن إذ يعودون أنبائهم على عملية صنع القرار والتعامل مع مختلف المواقف التي قد يتعرضون لها بحكمة وتعقل عبر مختلف مراحلهم العمرية حتى يكون حافزا لهم في المستقبل على مواجهة الحياة، كما تعبر عن الممارسة الفعلية للحرية الشخصية، وهذا باختلاف أصلهم الجغرافي ومستواهم التعليمي، وعلى العكس من ذلك نجد نسبة مهمة من المبحوثين لا يتركون الحرية لأبنائهم في اتخاذ قراراتهم وذلك لقلة خبرتهم في الحياة، وهذا باختلاف الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها وحتى المستوى التعليمي للمبحوثين إذ بلغت نسبتهم 80,95%.
وبذلك يتبين أن الحوار بين الآباء والأبناء سمة من سمات الأسرة الحديثة إذ نجد أن أغلبية المبحوثين يتجاورون مع أبنائهم وخاصة الإناث منهم وهذا باختلاف أصلهم الجغرافي وعدد أبنائهم، وترتفع نسبة الحوار بارتفاع المستوى التعليمي والثقافي للمبحوثين إذ يعدونه وسيلة حضارية للتواصل بين الأجيال جيل الآباء وجيل الأبناء، وهذا عكس ما كانت عليه الأسرة التقليدية والتي كانت تقوم فقط على الأمر والطاعة والتنفيذ دون مناقشة أو اعتراض أو حتى فهم.
ويخضع الأبناء إلى عملية التوجيه الأسري من قبل الزوج والزوجة باختلاف جنسهم وأصلهم الجغرافي ومستواهم العلمي، إذكلما كان المستوى التعليمي عالي كلما زادت نسبة المبحوثين الذين يوجهون أبنائهم باستمرار، والعكس صحيح، وهذا يدل على المتابعة الدائمة من طرف الأسرة للابن (ذكر أو أنثى) والسهر على رعايته الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية وذلك بنسبة 88,66%، أما عن علاقة الإخوة فيما بينهم فنجد أن أغلبية المبحوثين لا يسمحون للأخ (الذكر) بفرض سلطته على أخته لاسيما المبحوثات (الأمهات) اللواتي عايشن هذا النوع من السيطرة في أسرهن التقليدية، كما أن المستوى التعليمي يؤثر في موقف المبحوثين إذ نجد أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي والثقافي وحتى الاجتماعي زادت النسبة التي لا تسمح بفرض سلطة الأخ على أخته، وهذا يعني أن المبحوثين يتمسكون يقيم جديدة تساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات أمام الوالدين، وتخلوا عن القيم التي تقدس أولا الذكور وتنظر إلى البنت نظرة الدونية وهذا ما كانت تحمله الأسرة التقليدية وتعمل على توريثه للأجيال من خلال النفسية الاجتماعية للجنسين، ورغم ذلك نجد أن نسبة مهمة من المبحوثين يفضلون أسلوب آبائهم في التعامل مع أبنائهم وهذا باختلاف جنسهم أو عدد أبنائهم، ويعتبر المبحوثون من الأصل الريفي أكثر تمسكا بهذا الأسلوب مقارنة بالحضر وكذلك الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، وعلى العكس من ذلك فنجد نسبة مهمة لا يمكنها أنا ترفض هذا الأسلوب في التعامل خاصة أصحاب المستوى التعليمي المرتفع وهم من الأصل الجغرافي الحضري والذين ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية العليا، وتختلف مبرراتهم باختلاف اختباراتهم حيث نجد أن المبحوثين الذين يفضلون أسلوب آبائهم في التعامل مع أبنائهم قد أثبتوا نجاعته ونجاحه في قدرته على تربية الأبناء تربية صحيحة وقائمة على أسس دينيه وأخلاقيه تقوم على الاحترام والطاعة وتقدير الصغير للكبير… وقد عبروا عن ذلك بنسبة 93,53%، إذ نجد المبحوثين الشباب متمسكين بأسلوب آبائهم نظرا للتميع والتعدي في المعاملة بين الأبناء اتجاه الآباء في الأسرة الحديثة باسم الحرية الفردية والتحضر والتطور الذي أتلف بعض المفاهيم كالاحترام والتقدير، وهذه القيم تحملها الطبقة الاجتماعية الدنيا مقارنة بالطبقة الاجتماعية العليا، وبالمقابل نجد أن الذين يفضلون التعامل مع الأبناء بغير أسلوب الآباء لأنه لا يقوم على الحوار زد إلى ذلك أن كل حيل يحمل ثقافة وقيم تختلف عن ثقافة وقيم الجيل الذي سبقه، لذلك لا يتعامل المبحوث بأسلوب ما تربى عليه، وهذا الموقف يحمله المبحوثون الذين يحملون قيم تمثل قيم الطبقة الاجتماعية العليا وأصحاب المستوى التعليمي العالي، والأصل الجغرافي الحضري.
نستنتج أن هناك تغير في علاقة الآباء والأبناء فلم تعد تحكم هذه العلاقة القيم التقليدية، بل أصبحت هناك قيم جديدة وحديثة تنظم الحياة الأسرية، تقوم على الحوار والتوجيه والمساواة، والتحرر من التقيد والتسلط والسيطرة، والعادات التي كانت تميز الذكر على الأنثى.
الفصل الرابع: التلفزيون وقيم الحداثة: من خلال نتائج جداول الفرضية يتضح أن البرامج المفضلة لدى المبحوثين هي البرامج الدينية ثم الثقافية فالاجتماعية والسياسية ويختلف التفضيل بين البرامج باختلاف الجنس والسن والدخل، إذ نجد المبحوثين الذكور يهتمون أكثر بالبرامج السياسية لاسيما الذين ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية العليا أما الإناث فيفضلن ما يفيدهن في حياتهن الأسرية لذلك يفضلن البرامج الدينية والثقافية وخاصة اللواتي سنهن كبير ومستواهن التعليمي منخفض وذلك بنسبة 46.42%، وهذا ما يدفع المبحوثين لمتابعة القنوات العربية والمحلية أكثر من القنوات الغربية وذلك بنسبة 84.90٪ وهذا باختلاف جنسهم وسنهم وأصلهم الجغرافي إلا أن نجد من المبحوثين الذين يفضلون القنوات الغربية مستواهم التعليمي عالي وسنهم صغير (شباب) وينتمون إلى الطبقة العليا وهذا يبين ميل الشباب إلى الانفتاح على الثقافات الغربية والعالم الخارجي ويرجع أسباب التفضيل بين القنوات إلى عوامل عديدة، إذ نجد أن المبحوثين يسعون إلى اكتساب الثقافة من خلال الحصص التلفزيونية، فيعتبرونها وسيلة تعليمية بطريقة غير مباشرة ولأن القنوات المحلية والعربية تبث برامج تحمل قيم الحياء والحشمة التي تربى عليها المبحوثين عكس القنوات الغربية التي تبث برامج بدون حياء وهذا ما يناقض القيم التقليدية للأسرة، كما تلعب اللغة المعيار الأهم في اختيار القنوات، إذ نجد نسبة الذين مستواهم التعليمي منخفض وسنهم كبير يفضلون القنوات المحلية والعربية لمصداقية المعلومات التي تبثها حول الثقافات والحضارات العريقة.
و لأن هناك قنوات فضائية عربية وغربية تحمل مختلف القيم والأفكار، فنلاحظ أن أغلبية المبحوثين يشاهدون التلفزيون مع الأبناء بشكل مستمر أو متقطع وهذا باختلاف سنهم وجنسهم وأصلهم الجغرافي ومستواهم التعيلمي وذلك بنسبة 92.33% فبعد عودة الأبناء من المدرسة والآباء من العمل يجتمعون سويا أمام التلفاز ليلا لمشاهدة البرامج التي يفضلونها للتخفيف من أعباء وتعب النهار، فبذلك يتضح أن المبحوثين يحددون بأنفسهم ما يشاهده الأبناء وهذا ما تثبته النتائج، حيث بلغت النسبة 81% مقابل 16% فقط من يمنحون للأبناء حرية اختيار البرامج ومشاهدتها بشكل فردي عادة وهذا يظهر خاصة عند المبحوثين الذين يفوق سنهم 51 سنة ومستواهم التعليمي منخفض لأنهم لا يدركون ما يبثه التلفزيون من سموم وأخطار على النفس والعقل والأخلاق وهذا ما يبينه الفصل السابع في الباب النظري، ويختلف تحديد البرامج للأبناء باختلاف الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، فكلما كانت الطبقة الاجتماعية منخفضة زادت نسبة الذين لا يراقبون أبنائهم فيما يشاهدونه والعكس صحيح.
وبما أن التلفزيون وسيلة للتنشئة الاجتماعية والسياسية، فهي تسعى إلى غرس قيم وأفكار في الجمهور وتتحدد طبيعة القيم بتحديد الجهة والهدف الذي يسعى إليه مالكوه، ولأن أغلب القنوات الفضائية وأكثرها تأثيرا وجذبا للشباب، فنجد أغلبة المبحوثين يؤكدون أن القيم التي تبثها تلك القنوات من خلال برامجها قيم تخالف الدين الإسلامي وتناقض الحشمة والتي هي سمة الفرد العربي المسلم وذلك بنسبة 63.77%، و25.31% هي نسبة الذين يعتبرون أنها قيم حضارية تعمل على تحضر الأسرة وتطورها ومواكبتها لما يحدث في العالم من تطورات اقتصادية وتكنولوجية وثقافية، ويختلف موقف المبحوثين باختلاف سنهم ومستواهم التعليمي، إذ كلما ارتفع سن المبحوثين زادت نسبتهم في اعتبار القيم التلفزيونية قيم تعارض الدين والحشمة من خلال ما يبثه من برامجه المخلة بالأدب والحياء من رسوم متحركة إلى أفلام ومسلسلات هدامة للذوق العام للأسرة والمجتمع وهذا ما يرفضه كل محافظ على قيمه وأخلاقه وأعرافه وبالمقابل نجد أن المبحوثين الأصغر سنا هم الأكثر تقبلا للقيم التلفزيونية التي تعبر عن قيم التطور والازدهار والمدنية التي وصل إليها الغرب والتي ينبغي أن نواكبها في مجالات عدة ثقافية واجتماعية وسياسية من خلال قيم المساواة والحرية واثبات الذات والربح السريع والوصول إلى الأهداف بمختلف الطرق وهي كلها نظريات غربية وليدة بيئتها وظروفها المخالفة والمتعارضة أحيانا مع الظروف والبيئة العربية الإسلامية ولكن هناك حقيقة قيم إيجابية يمكن أن نأخذها :منها احترام الوقت وخصوصية الغير والملكية الخاصة وحرية الرأي وهذا ما لا يدركه أصحاب المستوى التعليمي المنخفض لذلك يرفضونها بشدة جملة وتفصيلا خاصة الأميين منهم بنسبة 40.74% وهذا باختلاف الأصل الجغرافي للمبحوثين والطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
ورغم ذلك لم يحدد المبحوثين الآثار التي يتركها التلفزيون على العلاقات الأسرية، إدراكا منهم أنه لم يرقَ إلى أن يمس بالعلاقات الأسرية فهي متماسكة ومحافظة على بنيتها الداخلية لأنها قائمة على أساس ديني واجتماعي متين.
أما الذين أجابوا بأن العلاقات الأسرية تأثرت بفعل البرامج التلفزيونية فتأثرت العلاقات بين الآباء والأبناء وعلاقة الزوج بالزوجة وذلك بنسبة كبيرة إذ أن الذين مستواهم التعليمي منخفض تأثرت علاقتهم مع الأبناء أما الذين مستواهم عالي فلقد تأثرت علاقات الزوجية وهذا عند المبحوثين الذين سنهم يتراوح بين (20-35) سنة وهم الأسرة حديثة النشأة. ولقد تأثرت الأسر ذات الأصل الحضري أكثر من الأسر ذات الأصل الريفي المحافظة على قيمها وثقافتها باختلاف الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها.
إلا أن طبيعة التأثير تختلف بنسبة كبيرة من المبحوثين الذين يعتبرون أن للتلفزيون أثر إيجابي أكثر منه سلبي وذلك بنسبة 44.67% وهذا باختلاف جنسهم. ويؤثر الأصل الجغرافي والمستوى التعليمي في موقف المبحوثين، حيث نجد أن المبحوثين من الأصل الجغرافي الريفي ومستواهم التعليمي منخفض يؤكدون إيجابية التأثير على عكس الحضريين والذين مستواهم التعليمي مرتفع يؤكدون سلبية التأثير باختلاف الدخل للمبحوثين، وتتمثل إيجابية التأثير في تحضر الأسرة وتفتحها وذلك بنسبة 61.49% أما سلبية التأثير فتتمثل في تفسخ الأسرة وتفككها وذلك بنسبة 31.51% كما يؤثر السن والمستوى التعليمي في موقف المبحوثين إذ أنه كلما انخفض سن المبحوثين ومستواهم التعليمي زادت نسبة الذين يعتبرون التلفزيون وسيلة حضارية تعمل على تفتح الأسرة وربطها بالعالم الخارجي وكلما ارتفع سن المبحوثين وارتفع مستواهم التعليمي زادت نسبتهم في اعتباره وسيلة تعمل على تفكك العلاقات الأسرية وتفسخ قيمها التقليدية التي نشئوا عليها ويسعون إلى تمريرها لأبنائهم الذين تمسكوا بقيم جديدة تخالف قيمهم وقد تعارضها وتناقضها لأنها وليدة مجتمع وقيم وثقافة تختلف عن قيم وثقافة المجتمعات العربية المسلمة.
ولأن التلفزيون أصبح يمارس دور المؤسسات الثقافية والاجتماعية في نشر القيم والأفكار الثقافية ومختلف الأنماط السلوكية، عده المبحوثين سلاح ذو حدين يبني ويطور الأفراد والمجتمعات إذا أحسن استخدامه وحددت برامجه الهادفة للمشاهدة، ويهدم ويدمر كل ما بنته الأسرة في أبنائها إذا سمحت لتلك القيم الدخول إليها وعدم مراقبة الأبناء وتوجيههم لأخذ ما يمكن الاستفادة منه كقيم التطور التكنولوجي والاقتصادي ورفض القيم السلبية التي تهدم الشخصية العربية وتهدد هويتها وثقافتها من خلال العولمة التي يمارسها التلفزيون.وتؤثر البيئة والمحيط في موقف المبحوثين إذ نجد المبحوثين من الأصل الريفي يعتبرونه سلاح ذو حدين أكثر من الحضريين وبالمقابل نجد أن المبحوثين من الأصل الحضري يعتبرونه وسيلة لبث القيم في بعض الأحيان ومن خلال بعض البرامج الهادفة كما بينت النتائج أن المبحوثين الذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا يؤكدون أكثر من غيرهم على أن التلفزيون ليس وسيلة ترفيهية فحسب بل وسيلة تثقيفية وتربوية أيضا من خلاله تتحضر الأسرة وتتطور وتنفتح على العالم الخارجي، فهو وسيلة للتعليم غير المباشر، أما الذين ينتمون إلى الطبقة العليا فيؤكدون ازدواجية القيم في التلفزيون فهو يحمل قيم إيجابية وسلبية فيحذر المشاهد لما يتلقاه حتى لا يذوب كاملا في فكر وثقافة مالك القناة أو مخرج الرسالة الإعلامية.
إذن ساهم التلفزيون في نشر القيم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعمل على تنمية الفكر وتطوير الأسرة والمجتمع وتحضرها، كما أنها تمرر من خلال مختلف برامجها قيما تخالف ما نشأ عليه المبحوثين في أسرهم التقليدية كالحشمة والعفة والتعاون والاحترام واستبدالها بمفاهيم كالديمقراطية والحرية وحق المرأة وتحررها وإثبات الذات وغيرها من المفاهيم البراقة في مظهرها والسامة في مضمونها.