
التوسلات في الشعر العربي النيجيري : أسباب واتجاهات
الدكتور موسى عبدالسلام مصطفى أبيكن، المحاضر بقسم الدراسات العربية والإسلامية
كلية الاداب والعلوم الإنسانية، جامعة ولاية كوغي – أينبا – نيجيريا
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 45 الصفحة 61.
الملخص بالعربية:
بدأ المقال بمفهوم الأدب ومكانته لدى علماء نيجيريا، ثم دار المقال على الشعر الإسلامي النيجيري وأغراضه، وعوامل ازدهاره بإيجاز، وقد ذهب جزء منه إلى البيان بين التوسل والإنكار، وموقف علمائنا منه. بعد ذلك، أتينا بستة من نماذج من التوسلات بالنبي الكريم، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد التجاني، وشيوخ آخرين، والمبشرين بالجنة، وختمناه بنموذج من التوسل بالقرآن.
الكلمات المفتاحية: الشعر، القرآن، التوسلات، النبي، العلماء.
SUPPLICATIONS IN THE NIGERIAN ARABIC POETRY
The article discusses the concept of literature, and its position among Nigerian scholars. Thereafter, it dwell on The Nigerian Islamic Poetry, Its themes and factors elevating it among the scholars including the stand of Nigerian ‘Ulama were studied. Thereafter, we examined six different examples from this direction focusing on supplications through prophet Muhammad, sheikh Abdulqadir, Shaikh Ahmad Tijjani, other ‘ulama, companions of prophet particularly those that were informed to enter paradise. It concluded by another supplication through some verses from the Glorious Book.
Key Words: Poetry, Holy book,(alquran) Supplications, Prophet, Scholars
التمهيد:
الأدب يرتبط بالمجتمع ارتباطا قويا، فهو في حقيقته تعبير عن المجتمع وكل مايجري فيه من نظم وعقائد ومبادئ وأوضاع ومواقف وأفكار . ولما كان الأديب فردا من أفراد المجتمع نشأ فيه ويعيش فهو يصدر أدبه عن كل مايرى ويسمع ويحس فيه ، صانعا مادته الأدبية من مرئياته ومسموعاته واحساساته [1]
إن الإنتاج الأدبي – شعره ونثره- يقوم على النضوج العلمي وتطبيقه حينا بعد آخر ، وإن بلاد العجم على سبيل المثال – نيجيريا – تختلف تماما عن بلاد العرب في ماهيته وممارسته إذ الإسلام هو الذي يمهد السبيل للأدب العربي في بلاد العجم غالبا، وإنما يتعلم المسلمون اللغة العربية ليفهموا بها أصول دينهم أولا، أما تعلمهم العربية للإنتاج الأدبي ففي الدرجة الثانية .ولاشك أن الاصول هي التي تمد الفروع، والبيئة هي التي تخلق الأديب، فلاغرو إذن أن يتجه الأدب العربي النيجيري إلى الاتجاه الديني، وان يصطبغ بصبغة الإسلام من ناحية، ويتأثر بطريقة من الطرق الصوفية من ناحية أخرى .
الشعر الإسلامي النيجيري :
ليس من السهل أن نفرق في نيجيريا بين العلماء السنيين ، والأدباء المفوهين ، فالعلماء هم الأدباء ، وهم قادة الفكر ، وهم الذين يقومون بتدريس الدين واللغة والأدب ، وإلقاء المحاضرات العامة أمام الخواص والعوام ، وليس هناك فرق عندهم بين الدراسات العربية والعلوم الإسلامية ، وإن الفنون كلها تهدف إلى غاية واحدة ، وهي الإسلام فهدفهم الرئيس في التعليم كله هو أن يتفقهوا في الدين ، لأنهم كانوا يريدون أن يحيوا حياة دينية ، فتعليم اللغة العربية ليس هي الغاية في ذاته ، وإنما هو وسيلة لفهم الإسلام . ولقد عكف العلماء على تعلم اللغة العربية ، وتعلموها لغة وأدبا ، وألفوا بها كتبا كثيرة في شتى الفنون [2] وكان من بين العلماء نفر مالوا بطبيعتهم إلى الأدب ، فدرسوا ما وصلهم من كتب الأدب دراسة وافية ، وجعلوا يتذوقونه ويستلذ ونه ويحاولون محاكاته ، ولكنهم في كل ذلك لم يكونوا يدرسون الأدب بوصفه مستقلا بنفسه ، بل على أنه جزء من تلك الثقافة الدينية التي يهدفون إليها ، وذلك لأن لغتهم لم تكن العربية ، ولكن تمسكهم بالدين كان يدفعهم إلى تعلمها وإتقانها ، ثم جعلهم الشعور ينتمون إليها عن طريق التأليف الأدبي ، شعرا ونثرا [3]
وقد ألف الشيخ عثمان بن فودي ، المجاهد الأكبر في غرب أفريقيا ما يزيد على ثمانين كتابا في مختلف الفنون والعلوم ، وكتب أخاه الشيخ عبد الله بن فودي مائتي كتاب ، وكذلك محمد بلو ، نجل الشيخ عثمان مالا يقل عن سبعين كتابا على رغم تضافر مهامه الجهادية والتعليمية ، والوعظ والإرشاد في آن واحد .ومن الأهمية بمكان أن اللغة العربية في نيجيريا لم تكن إلا لغة ثالثة أو رابعة للمسلمين المواطنين ، فاللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للبلاد ثم لغة الأم ، وتليهما اللغة العربية لأنها لغة الدين ، ولغة الثقافة الدينية للمسلمين ، يتعلمها المسلمون للقيام بأنشطة إسلامية ، فالشاعر النيجيري إما أن يكون عالما أغرته دراساته العلمية بمحاولة تقليد النماذج الشعرية التي يلتقي بها خلال قراءاته لكى يكون ذلك دليلا على براعته في العربية ، وتمكنه منها فيجئ شعره مطبوعا أو متكلفا ،وإما أن يكون شاعرا مطبوعا فيقرض الشعر بلغته المحلية أولا ثم يتثقف بثقافة عربية إسلامية و تجيش عواطفه ومشاعره ، بعد ذلك ، يقرض شعرا باللغة العربية .وأن كان يمر الشاعر النيجيري المسلم في طور نشأته وتكوينه ببيئتين تؤثران غالبا على تكوين شخصيته الأولى هي البيئة الإسلامية التي نشأ فيها ، وترعرع على أدبه ، وهديه . ثم البيئة التعليمية الخاصة حيث يدخل الكتاب في سن مبكرة و ويتعلم القرآن الكريم ، والدروس العربية الإسلامية ثم ينتظم في إحدى المدارس العربية النظامية الابتدائية فالإعدادية فالثانوية فالجامعية.
أغراض الشعر العربي في نيجيريا:
كان شعراء نيجيريا يقرضون أشعارهم في الأغراض المشهورة عند شعراء العرب القدماء ، وذلك لشدة تأثرهم بشعراء العصر الجاهلي ، وعصر صدر الإسلام مثل امرىء القيس ، والنابغة الذبياني ، وعنترة بن شداد ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن زهير والخنساء وغيرهم .ولما كان الباعث لعلماء نيجيريا إلى تعلم العربية هو الإسلام كان لابد أن ينبع أدبهم من منابع الدين ، وأن يدور حول أغراض يبررها الدين ، لذلك ، نجد لشعرهم الأغراض الآتية : الثناء على الله ، والوعظ والإرشاد ، والمدح والتهنئة ، والرثاء ، وشعر الجهاد ، والحكم والأمثال وشعر الدعوات والتوسلات والهجاء ، والوصف ،والغزل ، والحث على طلب العلم ، والشعر التعليمي ، والزهد ، والشكوى والحنين .
1- الثناء على الله :
غرض قد روجه العلماء الكبار في دواوينهم ، وهذا النوع من الغرض ، يعرض فيها الشاعر صفات الله ، ويذكر بوجه خاص واجباته ومستحيلاته ، ويتفنن فيه إلى آخر الأبيات . ولعل أحسن قصيدة في الثناء على الله هي النونية التي قالها الشيخ عبد القادر بن عثمان الذي كان من كبار العلماء المعاصرين بالشيخ عثمان فودي يقول فيها :
حمدا لربي الخالق المنـــــــان سبحانه وعلا عن الأكــوان[4]
إ ن العوالم حادثات فانيــــــــا ت والإله مغاير الأزمــــــان
حي قديم ليس فيه بدايـــــــــة يا صاحبي كن آخذا البرهان
باق وليس يناله عـــدم ولا نقص تعالى الله عن ذي الشان
فحوى صفات للمعاني كلهــــا والمعنوية دع اولى الطغيــان
عشرون وصفا أوجبت في ربنا أضدادها تنفي خذوا ببيـــــان
وقد احتفظ الشاعر بعرف العروض ، حيث جعل الحرف الأخير من الصدر والعجز حرفا واحدا من مطلع البيت إلى آخره .
2- المدح :
لقد عملت عوامل متعددة لنشر المديح النبوي في نيجيريا نجمل أبرزها في النقاط الآتية :
- انتشار الإسلام واللغة العربية يوما بعد يوم في أنحاء نيجيريا .
- حرصهم الشديد على القيام بالحفلات الإسلامية المختلفة . فالمولد النبوي مناسبة مهمة لنظم المدائح النبوية ، فهي تذكرهم بعظمة الرسول وفضله على أمته .
- اهتمام الناس بكل ما يتعلق بشخصية الرسول من آثار وحوادث تثير مشاعر الشعراء لتمجيد قائد أمتهم .
- افتتان الشبان والشابات بالمغنين المطربين المحليين فيميل الشعراء الإسلاميون فيصوغون المدائح النبوية بالعربية حينا ، أو باللغات المحلية أحيانا أخرى ثم يحثون المسلمين منهم على حفظها .
- التمرن على فنهم العربي الإسلامي ، والإقبال إليه كلما جادت بهم القريحة .
- تأسيس الجمعيات الإسلامية ، والمنظمات الصلاتية المحمدية المكوّنة من كبار موظفي الحكومات النيجيرية المركزية والوطنية والأهلية ، عامل قوي في ازدهار وانتشار الإسلام في أنحاء نيجيريا.
لم يكن العلماء الذين نظموا في هذا الميدان يمدحون للتكسب ، لأن ذلك لم يكن يليق بمنزلتهم العلمية ، ولابمكانتهم االمرموقة . فالمدح الذي نشأ منهم إما المديح الديني الذي يشيد بالإسلام والرسول أو مايشبههما كمدح العلماء والشيوخ والتبرك بهم ، ويصف المادح ممدوحه في الغالب بصفات كان الناس يستحسنونها مثل الكرم والشجاعة كما يصفه بالعلم وخدمته ، وبالتدريس والتأليف والتقوى والتمسك بالدين وغير ذلك من الفضائل .
ومن أشهر المدّاح في نيجيريا الشيخ محمد عتيق استمع إليه يقول في إحدى أمداحه لرسول الله :
يا رب صل على هاد البريات وصحبه الغر أرباب الهدايات[5]
محمد أحمد المشهور في القدم وحامد الله محمود السليقات
وهو الوحيد وماح الكفرحاشرنا ذو المعجزات القديمات المنيرات
وعاقب طه ياسين حبيبك طا هرمطهر أصحاب الجهلات
ومقتف ومقفى الأنبياء أتــــى أخيرهم فحوى كل الكمالات
رسول راحتنا من كل متعبة وكامل الوصف إكليل الوجاهات
مدثر بدثار العز سيدنــــــــنا مزمل بثياب للوقايــــــــــات
عبد الإله حبيب الله صفوتــه نجيّه وكليم طاهر الــــــــذات
وخاتم الأنبيا والرسل ءاخرهم محي القلوب بأنوار المبرات
نبي رحمة مولانا الحريص على هداية الخلق قل نبي نوبات
بشير من يتقي المولى برحمته مبشر بالمنى وبالمسرات
نذير أهل المعاصي منذر لهم ليتقوا كل أسباب الشقاوات
نور الإله سراج الله سيدنا مصباح أهل التقى أهل الكرامات
داع إلى الله بالقول الفصيح إلى توحيده ولإفراد العبادات
وهو العفو وليّ الله ناصره وعفوه تركه أهل الجنايات
إلى أن قال :
صلى عليك إله العرش خالقـــــــنا و الآل والصحب مع أزكى التحيات
مع السلام عداد الرمل ما اختتمت يارب صل على هاد البريـــــــــات
اقتطفنا هذه الأبيات من كتابه الموسوم بـــ ” النور اللامع في مدح حبيبه الشافع ” ، والقصيدة تنيف على مائة بيت ، وكلها في مدح الرسول ، وكراماته ، وغزواته ، إلى آخره .
3- الرثاء :
كان العلماء يبكون أمواتهم بالرثاء ، حيث يذكرون الأحياء بالموت وغدره ، ويذمون الدنيا وغرورها ، فهي- طبعا- دار فناء ، لايصفو فيها العيش ، ولايرتاح فيها البال ، ويشيرون كذلك إلى محاسن الميت ، يصفونه بالعلم والتقوى ، وبالكرم والشجاعة ، ومساعة الضعفاء وغيرذلك من الأوصاف التي يستحسنونها ، فلا يموت عالم أو أمير مشهور ألا أطلق الشعراء ألسنتهم ، ونظموا قصائد يرثون بها الميت ، ويتضح ذلك من ميمية الشيخ آدم عبد الله الإلوري في رثاء شيخه آدم النمعاجي الكنوي ، يقول:
همومي هاجها نوح الحمــــــام وحزني عاق عن أكل الطعــام [6]
لموت نماج يا أسفي عليــــــــه ويا حزني وهمي بالالـــــــتزام
فمالي لا أنوح ولا أرثــــــــــــي على فقد المربي للأنــــــــــــام
سيبكي كل من يدريه حــــــقـا بهذي الأرض من كل الهمـــام
سيبكي كل أهل الأرض طـــــرا على فقد الطوالع كل عــــــــام
طويل كامل هادي البرايــــــــــا كثير الخير مصباح الظـــــــلام
مليح الوجه والمشي الهوينـــا بريق السن عند الإبتســــــــام
لقد مات الحكيم الفيلســـــــــوف بكل علومه وافي المـــــــــرام
أيا أعداءه قد مات عنكـــــــــم فحيوا لاتموتوا بالــــــــــدوام
وما من عالم يقضي نحبه وله تلاميذ نجباء إلا ويبكونه بكاء حارا. والرثاء في أشعارهم كثير جدا.
4- شعر الجهاد
كان الجو السياسي والديني والاجتماعي مملوء بالاضطرابات الشديدة في أوائل قيام الدول الإسلامية بمملكة صكتو – شمال نيجيريا- على يد الشيخ عثمان بن فودي ، وكانت الحروب تدور رحاها في أنحاء المملكة والمجاورة لها , فكانت البيئة كلها شديدة الاضطراب ، قليلة الاستقرار . ولقد هيأت هذه المعارك ميدانا فسيحا للشعراء والنظام ، فجعلوا يقرضون الشعر في هذا المجال ، وإن كانت الأهداف الرئيسة لهذا النوع من الشعر تسجيل الانتصارات الكثيرة التي كان المسلمون يفوزون فيها ضد أعدائهم ، وتحريض جماعتهم ، وإثارتهم للقيام بالدفاع عن أنفسهم ، وعن عقيدتهم الإسلامية ، والتنديد بالأعداء ، وتخويفهم بالترهيب والإنذار .
وفي هذا الغرض يقول الشيخ عبد الله بن فودي ، أحد قواد الحرب و وحامل الراية الإسلامية بكل حماسة يقول في إحدى انتصارات جماعته قائلا:
بدأت ببسم الله والشكر يتبـــــع على قمع كفار علينا تجمعــوا [7]
ليسأصلوا الإسلام والمسلمين من بلادهم والله في الفضل أوسع
فقلت وفالي مثل أمرمحقــــــــق لدى سينفى ينفى بالذل يرجــع
إلى أن تراءينا وزاد اقترابنـــــا رموا فرميناهم فولوا وأقشعوا
بنصر الذي نصر النبي على العدى ببدر بجمع ململائك يجمــــــــع
فيا أمة الإسلام جدوا وجــاهــدوا ولاتهنوا فالصبر للنصر مرجع
فقتلاكم في جنة الخلد دائمــــــــــا وراجعكم بالعز والمال يرجــع
فقد تم وعد الله في نصر دينــــــــه ولم يبق إلا شكره والتضـــرع
ولم يكن شعر الحرب مقصورا على الرجال وحدهم ، فقد أخذت النساء أيضا نصيبهن فيه ، تقول مريم بنت الشيخ عثمان هذه الأبيات – على سبيل المثال – شاكرة لله على جهاد قام به والدها وانتصر فيها :
نحمد الله ربنـــــــــا قامع الكفر والظلم [8]
هازم الكفر ماحيـــا ظلمة الجهل إذ دجم
فر باو الذي طغـــى وتولى مع الخـــــدم
إذ لقي أسد شيخنــا ضاربات على البهم
نصر الله جندنــــــــا حيث كانوا على العجم
بشفيع الورى الهدى أحمد سيد الأمــــــــم
وبآل وصحبـــــــــه وبمن فيهم انتظـــــــم
5- الشعر التعليمي
من أغراض الشعر التي طرقها الشعراء في نيجيريا الشعر التعليمي ، فقد نظموا فيه واستخدموه في نشر الثقافة العربية ، وبث التعاليم الإسلامية ، ويمكن القول بان أغلب العلماء المتفانين قد استخدموه في حلقات التدريس ، والوعظ فلا تكاد تجد عالما متبحرا ، أو فقيها متعمقا إلا وقد أخذ نصيبه في هذا المجال .واستمر العلماء والفقهاء ومشايخ الطرق الصوفية يتسابقون في هذا المجال، ينتج كل منهم على حسب تخصصه العلمي ، وميله الفني ، وقلما يخرج ذلك عن دائرة الفقه والحديث والتوحيد والنحو والتصوف والوعظ والإرشاد . ومن الأفذاذ الذين ألفوا في هذا المضمار ، الشيخ عبد الله بن فودي ، وقد نظم كتابا في النحو ، سماه “البحر المحيط ” ، ويبلغ عدد أبياته أربعة آلاف وأربعمائة بيت ، وكتابا آخر في علم التصريف سماه” الحصن الرصين ” وتبلغ عدد أبياته إلى ألف بيت ، وفي مستهل الكتاب الأخير جاء فيه :
الحمد لله الذي تعـــــرفــــا إلى عباده بما تصـــرفــا
وأنطق اللغات في البوادي البلغاء اللسن الهــــوادي
وعم بالروائح الأيـــــــادي مع الغوادي المجتدي والجادي
إذ أرسل الرسول للعبـــــاد يرشدهم مهايع الرشــــــاد
محمد سيد كل نــــــــــــاد أفصح كل ناطق بالضـــــــاد
صلى عليه ذو الأيادى الهادي وآله وصحبه الزهـــــــــــاد
ماناحت الحمائم الشوادي وصاح بالأنغام صوت الحادي
وللشيخ عبد الله بن فودي كتب تزيد على عشرين كتابا على طراز الشعر التعليمي .
6- الوصف :
لقد خطا الشعر العربي النيجيري خطوة لابأس به إلى الأمام في وصف ماشاهدوه من قريب لهم أو بعيد عنهم ، أو مما لاتمسه يد أو تراه العينان . ولقد بدأ بعضهم يشقون طريقهم نحو التجديد في الوصف ، وكانت تجاربهم عميقة ولاسيما في المستحدثات من المراكب ، والأدوات اللازمة ، يقول مثلا مصطفى سعيد اولاومي في الجوال :
بسم الزمان وطاب فيه الحـــــال لما أتانا هاتف نقـــــال [9]
وغدا الخلائق ينعمون وكلهـــــم متبششون ومالهم إهمال
حيث المسافة قصرت بحدودهــا وتقربت من بيننا الأميــال
فتهاتف الكبراء والصغراء فــي كل البلاد وأفلح الأجيـــــال
هو آلة ذات العجائب عندنـــــــا وبلحنها يتمتع الأقيـــــــال
ولها فوائدها التي لا تستــــــوى بفوائد المكواة ياعمــــــــال
إني أهيم لأمرها ولشأنهـــــــــا حتى تكثر حولها الأقــــوال
هي أعجب أهل الفهوم بسحرها فتطاولت من أجلها الآمـــال
إيلو للفظ ذائع بين الــــــــــورى قد جن من إفصاحه الأطفال
فقد ترك الشعراء تلك المحاكاة العمياء بشعراء القدماء ، وراحوا يتناولون وصف ماحولهم من المخترعات الحديثة ، ويبتكرون في وصفها ، ويرسمون صورة صادقة لمايحسون به ، وفي كل هذا ، يختار الشاعر ألفاظا ملائمة ، ومعاني مألوفة للصورة التي يصفها.
7- الحكم والأمثال :
وقد أدلى علماؤنا بدلوهم في الحكم والأمثال و مصدرها تجارب استقوها من الحياة لتقدم سنهم ، أو عثروها من وجوه شتى من ميادين العلم ، ولعل القصيدة التي تمثل هذا الجانب ، هي المقطوعة التي قالها الأستاذ أبوبكر الملقب بالمسكين في الحكم مانصه :
من غض عن معايب الإخــــــوان جفنا ير الستر من المنا ن [10]
لاتفش ياصاح من العيـــــــــــوب ما ستر العلام للغيــــــــوب
واعلم بأن من سعى إليـــــــــــك لابد أن يسعى غدا عليــــــك
فكم غني بات أفقر الـــــــــــورى وكم فقير ظل أغنى من يرى
وقد يكون للحسام نبــــــــــــــوة كما يكون للجواد كبــــــــوة
عليك بالجار قبيل الــــــــــــــدار لتستريح من عنا الجــــــوار
وموت زمرة من الأشـــــــــراف خير من ارتفاع نذل جـــــــاف
واعمل لدنياك كباق أبـــــــــدا واعمل لأخراك كهالك غـــــدا
لايعرف الشوق سوى من كابده ولاصبابة سوى من شاهــــده
فالأمثال معظمها مأخوذة من الأحاديث النبوية ، وأقوال الحكماء ، ومن أشعار العرب أيضا ، فالبيت الأخير مأخوذ لفظا ومعنى من قول القائل :
لايعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيهـــا
8- الوعظ والإرشاد:
وهو توجيه الناس إلى مافيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وصرفهم عن غرور الدنيا وزخرفتها وتذكيرهم بالموت ومابعده ، ولكن الشعراء أكثروا من استعمال بحر الرجز مطية لهم ، مثال ذلك أرجوزة الشيخ محمد والي بن سليمان الباغرمي :
أوصيكم يامعشر الإخــــــوان عليكم بطاعة الديـــــان [11]
إياكم أن تهملوا أوقاتـــــــــكم فتندموا يوما على مافاتكم
وإنما غنيمة الإنســـــــــــــان شبابه والخسر في التوان
مااحسن الطاعة للشبـــــــــان فاسعوا لتقوى الله يا إخوان
واغتنموا أوقاتكم بالطاعــــــة والذكر كل لحظة وساعـــــة
ومن تفته ساعة في عمــــره تكن عليه حسرة في قبـــــره
ومن يقل إني صغير أصبـــــر حتى أخاف الله حين أكبــــــر
فإن ذاك غره إبليــــــــــــــــس وقلبه مغفل مطمـــــــــــــوس
لا خير فيمن لم يتب صغيــــرا ولم يكن بعينه بصيــــــــــرا
أما علمت الموت يأتي مسرعا وليس للإنسان إلا ما سعـــى
نماذج هذا الغرض كثيرة جدا في الشعر العربي النيجيري ، ونجدها كثيرا عند العلماء السنيين ، والشعراء الفلقين منهم
9- الغزل :
ولقد قال في الغزل أدباء نيجيريا ، ولكن ماقيل فيه قليل جدا بالمقارنة إلى أغراض أخرى مما جادت بها قرائحهم . وهناك نماذج كثيرة لهذا الباب ، ولكنه يظهر فيه التكلف والمحاكاة في اللفظ والمعنى في كثير مما قيل في هذا النوع ، وخير شاهد هو ماقاله الشيخ أبوبكر محمود غومي ، رئيس المحكمة الشرعية العليا بكدونا سابقا:
ظبية بل مها راحة الشـــارب جيدها لحظها ظلمها الشاهد[12]
باسم أخمص أحدب خاصـــب ثغرها بطنها الأنف والساعد
فاحم ناعس مقمر لاهـــــــــب شعرها جفنهـا وجهها الواعد
بانه زهرة أبهر اللاعـــــــــب ساقها لونها ريحها القائــــــد
لين أبيض مفعم كاعـــــــــب جسمها جلدها ثديها الناهــــد
من الواضح أن هذه القصيدة مصوغة بطريقة جديدة ، التزم فيها الشاعر قافيتين ، أحدهما أحدهما آخر الشطر الاول ، والثانية آخر الشطر الثاني ، كما أنه سلك فسها طريقة اللف والنشر، ففي البيت الأول، ذكر ثلاثة أشياء هي الظبية والمها وراحة الشارب ثم قابلها بثلاثة أشياء يعود أولها للظبية ، وثانيها المها ، وثالثها راحة الشارب ، وهي الجيد واللحظ والظلم .والقصيدة من بحر المتدارك .
10- الزهد
لشعراء نيجيريا باع طويل في هذا الفن ، وقد لجاؤا إليه فرارا من زخارف الدنيا وملذاتها ،وهذا النوع من الشعر لايتناوله إلا عالم تقي ورع زاهد متقشف ، ومن أحسن ماقيل في هذا الصدد ما قاله الحاج عمر بن أبي بكر الكبوي الأصل ، الكنوي المولد ، يقول وهو يرسم صورة الدنيا قائلا :
هل الدنيا ومافيه جميعـــــــــا سوى رؤيا المنام أو الغبار [13]
هل النعماء فيها إن نظرنـــــا سوى ظل يزول مع النهـار
تفكر أين أرباب السرايـــــــــا اولو خير ومير والمنــــــار
وأصحاب المدائن من ملــــوك وأرباب الصوافن والعشــار
وأين الأعظمون ندى وبأســـا نعم ذهبوا إلى دار القرار؟
وأين الأولون ذووالكرامـــــــه وأين السابقون لدى الفخار؟
وأين القرن بعد القرن منهم من السادات أصحاب القتار
سألتك أين من نصر الرسول من الخلفاء والشم الكبــــار
كأن لم يخلقوا أو لم يكونوا سوى آثارهم أهل الخــيــــار
وفاز الأنبياء وأولــــــــيــــاء وهل شيىء يصان عن البوار
وقد ذهب بعض العلماء يفتتحون مجالس وعظهم بهذا النوع من القصيدة تنفيرا عن الدنيا ، وترغيبا في الآخرة ، ومنهم من يحولها إلى الأشعار المحلية ليفهمها الجميع ، تباينت الأحوال والمقصد الرب .
11- الشكوى والحنين :
وقد تناول شعراء نيجيريا هذا الغرض بكثرة ، على اختلاف حوافزهم إليه ، ومنهم من يشكو جور الزمان وتعسفه عليه ، ومنهم من لجأ إليه لمرض ألم به ، وهناك عدد لابأس به من خاض في الموضوع لسوء حالته المعيشية على أساس أنه تفرغ لطلب اللغة العربية والدراسات الإسلامية لا غير ، فأصبح يعيش على هامش الحياة في بيئة لاتعرف لهما حقا ، ولاتعترف لأهلهما حرمة ولا جاها ، اسمع إلى أحدهم شاكيا :
يارب قد ضقت ذرعا بالهموم وقد رجوت فضلك يارحمن لم أزل[14]
أرجوك والحال لايخفى عليك على ماكان بي من حياة البؤس والعطل
لقد تعلمت علم الدين في لغــــــــة أنزلت فيها كتاب الذكر والمثل
صرفت فيه حياتي من بدايتهــــــا إلى أواسطها والنفس في شغل
لكن على غير جدوى في الحياة وقد ظلت معيشتنا ضنكا على الفشل
وانهار عيش بني الإسلام ياصمد كأنهم في ضلال الدين والخطــل
اولاك شعب النصارى واليهود لقد نالوا حظوظا الدنا من قسمة الأزل
أعطيتهم كل خير في الهوى وفي بر وبحر , وفي سهل وفي جبــل
فما لنا غير قرآن وحكمتــــــــــه ونقل كل حديث الخاتم الرســــــل
هل أجبروك على توفير حظهــــم ومنعنا حظنا حتى من العمــــــــل
يا خالق الخلق يارحمان قاطبــــة يامن يرى ماخفى ياعالم الجمــل
أصلح له الحال وارفع مستواه إلى أعلى المكان كمن أعليت في زحل
يسر له العيش والأرزاق مسرعة يا خالق الخلق أدرك صاحب الزلل
وممن قيل في شكوى الزمان وما وصل إليه الناس من الفساد ، وانتهاك حرمة الدين من المستهترين به هذه الأبيات :
قد أفسدوا الدين والدنيا جميعهمــا ولالهم منهما بقر ولا شــــاء
غدا تتبع عورات الخلائق مــــــــن أخلاقهم حسن الأقوام أم ساوا
الخير مافعلوا والشر ما تركــــــوا والرأي ما قد رأوا يا بئس آراء
لاينصحون جليسا في معاشـــــــرة ظنوا التعلق نصحا يالدهيـــــاء
يا رب يارب إنا لائذون بمــــــــــــن هو الملاذ إذا ما اشتد ضـــــراء
محمد كاشف الكربات سيـــــــدنــــا من لاذ حقا به جاءته ســــــراء
وهكذا ظل الشعراء يسيرون على هذا الدرب ، راسمين حالة الناس من الفساد الخلقي ، مصورين أعمالهم لقريب إليهم أم بعيد عنهم . وقد أسهم العلماء في أغراض أخرى كشعر الدعابة والمناظرة والهجاء، ولكن إسهاماتهم فيها قليل بالمقارنة إلى الأغراض المذكورة .
التوسل بين التأييد والإنكار
ومن المسائل التي احتدم حولها الجدال مسألة التوسل إلى الله تعالى الذي جاء في القرآن من قوله تعالى “ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ” سورة المائدة :35. وقد أفرد ابن تيمية كتابا في التوسل ، وفصل الموضوع تفصيلا شافيا وقال :
“” ابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان
بمحمد وأتباعه . وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد في كل حال ، باطنا وظاهرا في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وبعد موته . وقسم أنواع التوسل إلى ثلاثة . الأول : التوسل بعمل الإنسان إلى ربه .
الثاني : التوسل إلى الله بدعاء الغير واستغفاره .
الثالث :التوسل بذات أو بشخص غائب بذكر اسمه أثناء الدعاء أو القسم بع على الله .
أما الأول : فقال العلماء إنه مشروع ،واستدلوا على ذلك بحديث الثلاثة من بني إسرائيل الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار ، فتوسلوا بأعمالهم ، فنجوا كما في الصحيحين .[15]
أما الثاني فهو التوسل بدعاء الغير ، فقد قال العلماء بجواز ذلك , واستدلوا عليه بتوسل سيدنا عمر بدعاء العباس في الاستسقاء بقوله ” اللهم إنا نسألك بنبيك فتسقينا ، وغنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا “
أما النوع الثالث فهو التوسل بذات النبي وشخصه وهوغائب ، والتوسل بشخص الأولياء والصالحين ، وذكر أسمائهم في الأثناء الدعاء ، سواء كانوا أحياء أم أموات ، فقد منعه ابن تيمية ، وذكر مانسب إلى النبي من أنه قال ” إذا سألتم الله فأسالوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم [16] وقد شن بعض العلماء هجوما على المتوسلين بالنبي أو غيره ، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ، رحمه الله إذ يقول ردا على شاعرة تقول في شعرها متوسلة بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام :
يارسول الله أدرك عالمــــا يشعل الحرب ويصلي لظاهــا [17]
يارسول الله أدرك أمـــــــة في ظلام الشك قد طاب سراها
يا رسول الله أدرك أمـــــــة في متاهات الأسى ضاعت رؤاها
إلى أن قالت :
عجل بالنصر كما عجلتــــــه يوم بدر حين ناديت الإلـــه
فاستحال الذل نصرا رائعـــا إن لله جنودا لاتراهـــــــــــا
فقال الشيخ عبد العزيز …….. هكذا توجه هذه الشاعرة نداءها ، واستغاثتها غلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، طالبة منه إدرك المة بتعجيل النصر ، ناسية أو متجاهلة أن النصر بيد الله وحده ، وليس ذلك بيد انبي ولا غيره من المخلوقات كما قال الله في كتابه العزيز ” وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم [18].
والتوسل إلى الله تعالى في الحاجات ببركة الأنبياء والأولياء وحرمتهم وشرفهم وقربهم من الله حين الموت وبعد الممات يراه كثير من علماء نيجيريا مباحا لابأس من فعله بحجة أن بني قريظة كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه قاله ابن عباس وقتادة أنهم يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم على المشركين كما روى السدى أنه إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ، ووصفوا أيديهم موضع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعث في آخر الزمان أن تنصرنا على عدونا اليوم فينصرون [19]
وروي عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا ، استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال :إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل بعم نبينا فيسقينا رواه البخاري [20] إن في هذا صريحا في جواز التوسل بالذوات . ومن الذين توسلوا بالنبي الأعظم من شعراء العصر المملوكي ، شرف الدين محمد البوصيري على داء ألم به ، وشفاه الله منه في بردته . وقد جاء في الفصل التاسع منه بعنوان “في المناجات وعرض الحاجات قوله :
ياأكرم الخلق مالي من ألوذ بـــــه سواك عند حلول الحادث العمم [21]
ولن يضيق رسول الله جاهك فـــي إذا الكريم تحلى باسم منتقــــم
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنــــا واغفر لنا مامضى ياواسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بمـــــا يتلوه في المسجد الأقصىوفي الحرم
بجاه من بيته في طيبة حـــــــرم ومن اسمه قسم من أعظم القسم
موقف علماء نيجيريا من التوسل :
وإذا كان التوسل هو التقرب إلى الله تعالى بما يرضيه ويحبه أو التماسا لحاجة ما بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم وبغيره من الأنبياء والصالحين لعلو قدرهم عند الله تعالى ومحبتهم له [22] أو بعبارة أخرى هو التقرب إلى الله بشخص واتخاذه وسيلة لتحصيل مطلوب أو إبعاد مرهوب أو التبرك بدعائه لكشف كروب أو التقرب على اللبقول أو فعل يرضي به [23]أما التوسل بالنبي وبغيره من الأولياء والصالحين ، وقد يراه الجمهور من علماء نيجيريا مباحا ، فما من عالم كبير طبقت شهرته في مشارق نيجيريا ومغاربها إلا وأجاز التوسل بالأولياء لطلابه ، وأما إذا كان شيخا من شيوخ الطرق الصوفية فهذا عندهم مباح لامانع من فعله . وشعر الدعوات والتوسلات متعدد الأطراف ، ولكن الغاية منها واحد . فهناك شعر التوسلات بالنبي الكريم , وبمؤسس الطرق الصوفية و وسلاطين البد الذين خدموا الإسلام نفسا ونفيسا ، والمستشهدين من كبار العلماء في سبيل رفعة منار افسلام ، وهناك نوع آخر من التوسلات بينهم وهو التوسل بعشرة المبشرين بالجنة بما في ذلك التوسل بسور من القرآن لقضاء حاجة من الحاجات . وقدعلموا أن قضاء الحوائج تقضى بواسطة المتوسل به . وقد ينظم بعضهم ديوانا كاملا في هذا الفن كما فعل الوزير الجنيد [24]
1- التوسل بالنبي الكريم :
قد توسل شعراء نيجيريا بالنبي الكريم ، وقد يطول وقد يكثر حسب إمكانية الشاعر وموهبته في الميدان ، وقد عثرنا عشرات من البيض الحسان لشعراء نيجيريا في هذا المجال ، ومن الأفذاذ الذين خاضوا في غمار الميدان ، وتفننوافيه الشيخ محمد الناصر الكبري الكنوي و زعيم رابطة الطريقة القادرة في نيجيريا قاطبة . وقد كان له عدة قصائد قالها في الدعوات والتوسلات بالأنبياء والأولياء ، ولكن بائيته في هذا الغرض تنال شهرة فائقة من غيرها ، وهي تحتوي على خمسة وخمسين ومائة بيت ، وإليك جانبا من توسلاته في القصيدة .وتذهب الرواية إلى ان مناسبة القصيدة هي تحقق رؤية رأها الشاعر في المنام بأنه وقع في مستنقع عميق ، وحاول أن يخرج منه، وحين وصل إلى ضفته أحس أنه يرجع إليه مرة أخرى فقال في الحين ” يارسول الله خذ بيدي ” فجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمسك بيده ، وأخرج من المستنقع ، فنظم القصيدة بعد الرؤيا [25] جاء فيها :
يارسول الله خذ بيــــــدي وتداركني فأنت أبــي [26]
هذه كفي متى بسطـــــــت واستمدت منك لم تخب
ولو التقريب خص بمســــــــتأهل لم يخط غير نبـــي
وإذا النيران تحدق بـــــي يارسول الله فلتجـــــــب
سكرات الموت تفزعنـــي ياسول الله فلتجــــــــــب
ظلمات القبر تخوفنــــــي يارسول الله شأنك بــــي
يارسول الله يا سنـــــدي هالني يا كاشف الكــــرب
يا رسول الله باسنــــدي أتا في هم وفي نـــــكـــب
يارسول لله يا سنـــــدي أنا في غم وفي نصــــــب
ليس لي يا له من عمــل لرضا مولاك ينهض بــي
ضاقت السباب واضطربت كن لصب فيك مضطـرب
وغذا الأعمال تبطى بــي أترى الانساب تسرع بـــي
غير أن الكيمياء لــــــــه في البرايا أيما عجــــــــب
فنحاسي إن لطفت بــــــه صار إبرايرا من الذهـــــب
أفترضي عثرتي وبهــــا إن عثرت الكون يعثربـــــي
فدموع العين في سكــــب وأجيج الصدر في لجــــــــب
من شكاو لايرق لهــــــا غير ملح مانـــــــح الأرب
وهذه شذرات توسل فيها الشيخ محمد الناصر بالنبي الكريم واصفا إياه أباه وملجأه في الفراح والأتراح ، فكفه التي بسطت لاترد خائبا بحرمة الرسول ، وقد اتخ رسول الله عدة له في المخوفات كلها عاجلا وآجلا ، حيا وميتا ، فهذه الخصائص- كما وصفها المتوسل – أعطاها الله نبيه الأمين دون غيره .تجدر الإشارة إلى أن توسلات الشيخ في أشعاره تتحلى بالالة فكرة ومنهجا ، وقد ولدتها غزارة علمه وأدبه واعترافه بأهله .
2- التوسل بالشيخ عبد القادر الجيلاني :
كان نشاط الطرق الصوفية في نشر الإسلام منالعوامل التي ساعدت على انتشار الإسلام في غرب افريقيا بشكل عام ، وفي نيجيريا بشكل خاص ، فهم كغيرهم من الدعاة والمعلمين ، وقد كانت دعوتهم تعتمد على الإرشاد ، وحب الجار والمسامحة بالجاني ، وكل وسائل الترغيب في نشر الدين وابتغاء مرضات الله وحسن الثواب ، وذلك بتأسيس المساجد ، وفتح المدارس، والزوايا ، والمصاهرة مع أهالي البلاد التي يترددون عليها أو يستوطنونها. وقد دخلت الطرق الصوفية في أفريقيا الغربية في القرن الخامس عشر الميلادي على أيدي رجال من توات بضم التاء الذين استقروا بتمبكنو ، ومن هذه المدينة انتشر نشاطهم إلى نيجيريا ، وقد كانت الطريقة القادرية أوسع انتشارا من الطريقة التجانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي [27] للطريقة القادرية أعلام بلغوا في العلوم والمعارف مبلغ التأليف والاجتهاد ، ولهم أتباع كثيرون من العوام والخواص ، ولكل من الشيوخ المنتمين إلى هذه الطريقة قصائد كثيرة في هذا الاتجاه . وقد نظم في ذلك الشيخ عثمان بن فودي باللغة العجمية فعربها شقيقه الشيخ عبد الله بن فودي قائلا :
يارب يا متفضلا لعبـــــــــــاده صلني بفضلك عند عبد القادر [28]
إن المسيء لدى الأكلبر يلتجىء فلجات عند الشيخ عبد القادر
إن كنت لم أحسن فشيخي محسن إني لمنتسب لعبد الـــــقادر
إيماننا مع سنة في طاعـــــــــــة زدني بها بالشيخ عبد القادر
والكفر وع بدع ومعصية عنـــــي بعد بكثرة جاه عبد القـــادر
صني من الشيطان من إنس ومن جن بجاه الشيخ عبد القادر
حسن أمورى في الدناوفي الآخره بمكان من يدعى بعبد القادر
يارب يسر لي إجابة منكـــــــــــر ونكيره بمكان عبد القــادر
يارب من تعذيب قبر نجـــــــــني يارب من درجات عبد القادر
يارب جاوزني صراط جهنـــــــم يارب من درجات عبد القادر
يارب أدخلني شفاعة احمــــــد خير الورى بمكان عبد القادر
يارب زوجني بحور عينهـــا يارب من درجات عبد القادر
وأجب دعاء رجالنا ونساءنـــا يارب من درجات عبد القادر
ودعاء كل المؤمنيين تقبلــــــن نظمي وسيلتنا بعبد القــادر
عربت ما لأخي وشيخي عجمة متوسلين معا بعبد القــادر
إن دلت هذه الأبيات على شيئء ، فإنما يدل على أن التوسل بأولياء الله الصالحين مباح عندهم . فالشيخ عثمان نفسه – صاحب القصيدة العجمية – عالم كبير ، ومجاهد عظيم ، أقام الدولة الإسلامية بنيجيريا التي دامت قرنا واحدا (1804-1903)، وله تآليف عديدة في مختلف الفنون ، ثم الشيخ عبد الله بن فوديو ، الملقب بنادرة الزمان ، وعلامة السودان ، وحيد عصره . ويقال إنه لم يكن في غرب أفريقيا من هم اعلم منه في ذلك الحين [29]، ومع ذلك لم ير للتوسل مانعا ، وإنما هو أباح التوسل بأصفياء الله منهمكما فعل هو بنفسه ، فإذا لا مانع من فعله .
ويبدو من القصيدة غث ، والسبب في ذلك يرجع إلى طبيعة التعريب ، لذلك ، لم يستطيع الشاعر أن يسبح في بحار علمه ، وأغوار خياله .
2- التوسل بالشيخ أحمد التجاني :
ومن الطرق الصوفية التي لها أثر بعيد في نشر الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا عامة ، وفي نيجيريا خاصة الطريقة التجانية ، وقد نشأت هذه الرابطة الروحية على يد الشيخ أحمد التجاني ، وأعظم من نشر هذه الطريقة في غرب أفريقيا هو الحاج عمر الفوتي ثم الشيخ إبراهيم عبد الله الكولخي السنغالي و وقد زار نيجيريا لول مرة الشيخ إبراهيم عام 1937، ولقي حفاوة كبيرة لدى المسلمين عموما ، والتجانيين خصوصا . وأكثرهم نفوذا في نيجيريا بعد الشيخ إبراهيم هو الشيخ أحمد التجاني بن عثمان الكنوي ، والشيخ يوسف عبد الله اللكوجي ، والشيخ أبوبكر عتيق . ولعل خير شاهد في هذا الصدد لامية الشيخ أبوبكر عتيق في التوسل بالشيخ أحمد التجاني ، إذ قال :
يا ذا المقام الأفضــــــــــل يا من له فضل جــــــلي [30]
يا قطبنا المكتوم يـــــــــا بدر الحقيقة يا ولــــــــي
يا البرزخ المختوم يـــــــا ختم الولاية أنت لــــــــي
هذي الشدائد أقبلـــــــــت أرجو بجاهك تنجلـــــــــي
يا شيخ مالي شافـــــــــع إلاك في ذا المعضــــــــــل
يا شيخ يا سندي ويــــــا كهفي ملاذي موئلـــــــــي
يا شيخنا مالي ســــــوى حبي لذاتك فاقبلــــــــــــــي
إني اقتصرت عليـــك لا أرجو سواك أيا ولـــــــــــي
إني ببابك واقـــــــــــــف بتضرعي يا مأمــــــــلـــــي
فاكشف غطا قلبي فهـــا أنا ذا عليك توكــــــلــــــــي
لاتتركني مهمـــــــــــــلا يا شيخنا كن كافـــــــلــــــي
يا شيخ أبا العباس جـد جد لي بفيض واصــــــــــــل
إن لم تكن لي كافـــــــلا أو من أراه يكون لــــــــــــي
شيخي ابا العباس جد بتكرم وتفضـــــــــــــــــــــل
فبحق جدك خير خلـــــــــــــق الله أفضل مرســـــــــــــل
وبآ لــه مع صحبــــه والتابعين ومن يلــــــــــــي
ثم السلام عليهــــــــم تترى بدون تمهـــــــــــــــل
فهذه المختارة ترسم صورة الشيخ أحمد التجاني ومكانته عنده بصفة خاصة ، والتجانيين عامة . فالشاعر عالم كبير ، وصوفي متحقق، ومؤلف عظيم ، وقد بلغت مؤلفاته خمسين كتابا ، تدور معظمها في التصوف والعقيدة واللغة [31] ومع ذلك ، لم ير للتوسل – إلى هذا الحد- بأسا . وقد شهد له المجتمع الإسلامي نفوذا وبعدا في العلم والعمل به ، وله أتباع مالا يعد ولا يحصى بداخل نيجيريا وخارجها . وقد أسلم على يده عدد غفير من المسيحيين والوثنيين .
4- التوسل بالعلماء الكبار والمجاهدين المستشهدين :
إن التوسل غير محصور على مؤسسي الطرق الصوفية والأنبياء والرسل في دعواتهم وتوسلاتهم ، فقد امتد إلى الآخرين من كبار العلماء الذين أسهموا في تقدم الإسلام في نيجيريا إسهاما كبيرا . ويعد الشيخ عثمان بن فوديو ، المجاهد الإسلامي الكبر ، رمزا في هذا الميدان ، وقد أقام الدولة الإسلامية بعهده ، وأحيا السنة المحمدية من الشرك والانحطاط بالتأليف والتدريس والوعظ والإرشاد في كل جهات ، إلى انقادت له الرض بعد جهاد دام بضع سنين بينه وبين ملوك الوثنيين ، فلا غرو ، أن نرى أحد فطاحل العلماء الذين يشار إليهم بالبنان في البيان توسل به قائلا على رموز قوله تعالى “” ولو أتهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما “” مطلعها
وجدت رسول الله أكبر ملجـــــــإ وأفضل مرجو لكشف الملمة [32]
إلى أن قال :
ظلمت ولم اطلب سوى نفسى التي على ظلمها لاترعوى بالملامة
لذلك لم أطلب سواك ولم أقـــــــــف بباب سوى عثمان غوث القطابة
مقامي مقام لا أرى فبه أكلــــــــــة ولاشربة إلا سرابا بقيعـــــة
ولولا رجائي فيك عثمان لم أزل يئوسا لما بي من كبائر حوبة
أعثمان إني لم أزل بك والهـــــــا عسى عطفة منكم إلينا بجذبة
نود لم أنا تحت قبتكم نـــــــــرى حذاء مجاذيب لديكم بقبــــــــة
فوالله قد ناحت بقربى حمامــــة وقد سبقتنا نوحتي في جماعتي
سأندب ما لم تنظرني لحمامتي إلى أن تراني او تصيح لنوحتي
هو الحب من يظفر به فاز بالمنى ومن لم يجده لم ينل اي بغية
محبك لايحلو من الخير دائما ولو كان في أرض نراها بعيدة
جمعت هوائي فيك بعد انتشاره وذكرني معناكم كل صكتــي
أتيت إلى عثمان من أرضنا كنو عسى ولعل الله يقضي لبانتي
أيحسن أن ءاتيك عثمان بائسا وأهواك بالإحشا وتخذل وجهتي
وحقك ان لم تخف بي وتبال بي ولم ترضني عثمان واطول حسرتي
كفانى فخرا أنني متمســك بحبلك حتى تعتريني منيتــــي
وحق الهوى إني بربي مؤمن وبالمصطفى والشيخ عثمان عدتي
أقول وقد طال الهوى مترقبا أعثمان هل من نفحة صكتية ؟
سئمت تكاليف الهوى ومطاله ألا ياولي الله انظر سأمتــــــي
تراكمت الأهوال وازداد خوفها على الدين والدنيا فمن بالإغاثة؟
غرقت ببحر الذنب من لي بآخذ يجر يدي حالا إلى الاستقامة
فيالك من شيخ تفضل في الورى به خالق الأكوان رب البرية
رءوف بنا بر لطيف بخلقـــه ولي في الدنيا ويوم القيامة
ولييي في الأحوال سبحان رازقي على مالدى من عظم جرمي وحوبتي
ألفت اياديه ونعماه سرمدا علي وكل الخلق فوق البسيطة
لك الله أشكو ما دهاني وراعني بقبة عثمان بن فودي دعوتي
لديه انتهى شكواى إذهو والدي وأمي وجدي وافتخاري وعدتي
إليه انتهى سيرى وشوقي ولوعتي ونار غرامي في هواه استطارتي
هو الجسم مني بل هو الروح في الهوى هو الكل مني في طريق الصببة
نظم الشيخ محمد الناصر هذه التأئية التي وصلت إلى ثلاثة وسبعين بيتا توسل بها الشيخ الناصر بالشيخ عثمان بن فودي على طريقة القادريين ، منه هذه المقطوعة . وقد بدا القصيدة بالمدح الذي أثنى على رسول الله قائلا ، إنه رسول ، يستلاذ به عند نزول المصائب ، وأفضل إنسان يرجى منه الخير لمقامه عند الله .ثم استطرد الشاعر فقال إنه قد ظلم نفسه ولم يردعه اللوم عنه فلذلك ، باح بحاجته لمن يقضيها ، والاولى به هو الشيخ عثمان بن فودي ، و غوث الأقطاب ، ولولا رجاؤه منه لظل حائرا بائسا من الآثام التي اقترفها أملم الله ، ولكن عطف شيخه به ، وشفقته عليه يناله منه لنقاء الصداقة والمودة بين المتوسل والمتوسل إليه . ثم تمنى الشاعر بأنه لو وجد في مضجع الشيخ عثمان ما يزيده انجذالا ، وقد بكاه القريب والبعيد بموته و وهو ولي الذي يظفر برؤيته ، ويخسر من خذله ، ومن أحب هذا الولي ينال الخير ات ، إن بعدت عنه الدار . وبعد ذلك ، ذكر الشاعر الغاية القصوى من زيارته من كنو – مسقط رأسه – إلى مركز الخلافة الإسلامية الصكوتية الذي هو التبرك بقطبه في الطريقة القادرية ، عسى الله أن يجيب دعاءه ، وإن لم تصادف الزيارة غاية مطلبه فياخسراه . وعلى كل حال ، يكفيه فخرا ، أنه ينتمي إلى طريقته الصوفية ، ولا يزال عليها إلى أن يفارق الدنيا ، ويكفيه فخرا أيضا أنه يؤمن بربه وبرسوله وبعثمان عدة له عند النوائب.
5- التوسل بسلاطين المسلمين الأجلاء :
وقد توسل شعراء نيجيريا ببعض سلاطين المسلمين الذين رأوا فيهم تضحية لامثيل لها في خدمة الإسلام وأهله ، بل من الذين خلفوا آثارا طيبة ، وقدوة حسنة للسلاطين المتعاقبة في العلم والتقوى والورع ، وإن كانوا قليلين . ومن الذين توسلوا بهم من الأمراء هوالسلطان محمد بلو بن عثمان الذي يعتبر علما فذا في الجهاد ، وعلما في العلوم ، وعلما في المؤلفات الإسلامية، نثرا وشعرا . وترجع المصادر التاريخية إلى أنه كتب ما لايقل عن سبعين كتابا في ميادين العلم ، وقد ظل كتابه ” إنفاق الميسور في بلاد التكرور ” [33] مصدرا عاما في تاريخ نيجيريا ، يقول عنه الوزير الجنيد متوسلا به :
أيا سيدي بل الإمام عمادنــــــا دعوتك أدركني وجد لي بالمنا [34]
دعوتك أدركني بهمتك التـــــي ورثت من الشيخ بن فودي غوثنا
دعوتك أدركني فإني لائــــــــذ بذيلك يا بل الإمام ملاذنـــــــــــا
بهميتك العليا تدارك وكن معي فإني في هم وغم وفي ضنــــــــا
تحير قلبي وانفردت بوحشتي ببابك قد أوقفت سؤلي مذعنـــــا
بجاهك عند الله أرجو تفرجا وإن كنت لم أحسن وقد كنت محسنا
تدارك أيا بل الإمام للائـــــذ ببابك يرجو من نداك بلاعنـــــــا
تشفع لعبد مذنب متحيـــــــر ذلبل حقير مسه الخوف والضنا
تشفع لعبد عند ربك كى يرى انفراج همومي عنه والكرب والعنا
تدارك أيا بلو افمام لخائــــف فسلمه من كل الشرور وأمنــــــا
وكن معه في كل وقت ولحظة كما كنت مع أجداده قبل أزمنـــــا
وكن معه في كل وقت ولحظة ليسلم من كل الشرور ويأمنـــــــا
فإنك كهفي ياملاذي وعمدتي فكن لي معينا في أموري بلا عنــا
حباك إله العرش رضوانه مع الــكرامة في دار الكرامة والمنـــــا
بجاه رسول الله صل عليه من يجيب لمضطر ويظفر بالمنــــــا
مع الآل والأصحاب والتابعين ما دعا الله داع فاستجب بلا عنا
وهكذا يتوسل الشعراء بسلاطين البلاد إذا كانوا من أهل العلم ، وأرباب القلم . وأما إذا لم يرتدوا لباس العلم والقلم فلا نصيب لهم من انتاجاتهم فيكفيهم الثناء .
6- التوسل بعشرة المبشرين بالجنة :
هذا النوع من التوسل قليل في أشعارهم ، وقد تنامله بعضهم يبركا بأولئك الصحابة الكرام و وترغيبا في الاقتداء بهم في الأعمال الصالحة ، وإليك نموذجا لهذا القبيل ، يقول الورير الجنيد بن محمد البخاري متوسلا بهم :
توسلت ربي بالمبشرة العشــره لتكفيني مما يريدبي الفجره[35]
وأنت ترى ماحل بي من أذاهم وأسواْ لقوال تبينها جهره
إلهي قني من شرهم وأذاهــــم ورد عليهم مكرهم لاتدع ذره
ولاتخزني يارب فارحم لفاقتي ومسكنني يارب إني لفي الحيره
فمن كادني يارب كده على الوحا ورد عليه وسط صدر له مكره
وصني واسترني بسترك دائما بجاه النبي والمبشرة العشره
عليه صلاة الله ثم سلامـــــــه كعد الحصى والرمل والحب والذره
مع الآل والصحاب طرا وتابع لهديهم ما صب مزن الحيا قطره
وكثيرا ما يرى الشعراء أمارات الاستجابة إثر توسلاتهم بالأشخاص المعنية ، وها هو الوزير الجنيد يقول في إحدى مقالاته ” فليعلم الواقف على هذه الدعوات والتوسلات بأني قد رأت نفعها عيانا ببركة من توسلت بهم فيها ” [36] ولئن دلت هذه القطعة على شيء ، فإنما تدل على أن التوسل عندهم له تأثير إيجابي فعال .
7- التوسل بسور من القرآن :
ونوع آخر من توسلات شعراء نيجيريا هو شعر التوسلات بسور من القرآن الكريم ، وقد خاض في غمار الموضوع كثير منهم إيمانا منهم بكتاب الله العزيز، وإعجابا بالمعجزات التي أوضعها الله فيه ، وفي سرعة تذليل الصعوبات ، وتيسير الخطوب لمن دعاه الله تبارك وتعالى بقوله ” ادعوني أستجب لكم “. وقد جرب العلماء عظمة القرآن في استنزال الأمور العظام ، فوجدوه حصنا رصينا ، وعلاجا شافيا ، بل وقاية لا وقاية بعدها ، لذلك ، كثر المتوسلون به ، رجاء مطلوب ، ودفع مضرات من افنس والجن . ولعل أرجوزة القاضي إسماعيل إبراهيم بن عثمان خير مثال لهذا الغرض . فقد توسل بسور القرآن كلها في ثلاثة وستين ومائة بيت و بادئا بسورة الفاتحة، والبقرة ، يقول في مستهلها :
توسلي بالسبع من مثـــــان في دفع كل حاسد وشأن [37]
وهي التي قد وسمت بفاتحه رابحة في كل خير ناجحه
بسورة يذكر فيها البقـــــره تعوذي من العتاة الفجره
توسلي في طلب التعميــــــر بآل عمران ذوي التطهير
تعوذي بسورة النســـــــاء من كل واقع من البــلاء
بسورة تذكر فيها المائــــده أفوز بالمير وكل الفائده
توسلي بسورة الأعـــــراف في طلب المنة والإنعـــأم
توسلي بسورة الأنفــــــال في فتح ما أغلق بالأقفال
بسورة تذكر فيها التوبه أبرىء من ظلم وشئم الحمبة
بسورة يذكر فيها يونـــس أنجى من الوحشة ثم اونس
بسورة يذكر فيها هــــود يدوم لي من الإله الجود
بسورة يذكر فيها يوسف أنال عزا , وعدوي يخسف
بسورة تدعى بإبراهيما دعوت ربي الأمن والتسليما
بسورة مضافة للحجـــر تصقيل ذهني مع نور الفكـــر
بسورة يذكر فيها النحل يعذب نطقي ويطيب الفعــل
توسلي بسورة الإسـراء إلى سلوك النهجة الغــــــراء
بسورة يذكر فيها الكهف أكون كهفا ويزول اللهـــــــف
وهكذا توسل الشاعر بسورة تلو أخرى إلى أن قال :
بسورة تضاف الإخــلاص أختم بالتوحيد ذا استخلاص
بسورة مضافة للنـــــاس تعوذي من فتنة الخنـــاس
توسلي بكل هذي السور إلى الإله كى يحقق الوطـر
ياربنا ياربنا ياربنـــــا يا ربنا يا ربنا يا ربـــــــنا
فقد دعوناك بقيد رمزها ونحن نرجو نجح سؤلنا بها
وكل خير أعطنا ونجنـــا من كل شر بقضاك رضنـــا
بجاه من به ختمت المرسلين صل عليه يا إله العالمين
وآله وصحبه الأطهـــار وتابعيهم منتهى الأعصـار
وتابع التابع والزوجات وتابعتهن بالخيــــــــرات
والقصيدة برمتها تتسم بالألفاظ الرقيقة العذبة ، لايضطر القارئ إلى المعاجم العربية قبل أن يدرك مغزاها لسهولتها وانسجامها . فالموضوع ذاته جذاب ، والمعاني إسلامية الاتجاهات، نبعت من روح شاعر مسلم ، آمن بالله ربا ، وبالكتاب دليلا ، وبالنبي رسولا.
الخاتمة:
لقد ترك علماؤنا من الشعر العربي ما لايستهان به إذا عرض على ضوء النقد الدبي بحيث لو اطلع عليه العربي القح أو الناقد النزيه لما وسعه إلا ان يطأطئ رأسه ، إعجابا بالقريحة التي جادت بها رغم بعد الدار بينهم وبين بلاد العرب ، إضافة إلى عدم توفر التسهيلات الحديثة [38] وأهم الأغراض التي نظموا أشعارهم فيها المدح والرثاء والشعر التعليمي والوصف والحكم والأمثال والوعظ والإرشاد ، والغزل والزهد والشكوى والحنين والتوسلات إضافة إلى شعر المناسبات . وشعر الدعوات والتوسلات إنما سمة من سمات انتاجات مشايخ الطرق الصوفية لأنهم تناولوها بإسهاب ، خصوصا في القرن التاسع عشر والعشرين الميلاديين ، يظهر ذلك جليا في دواوينهم وكتبهم . فلا يكاد ينبغ عالم صوفي كبير في الشعر والنثر إلا ولهم إسهام فيه .
والقصائد التي قيلت في هذا الغرض إنما جادت بها قرائح قادة الفكر الإسلامي في نيجيريا الذين يمثلون الثقافة العربية في هذا الوطن النفيس بداخل البلاد وخارجها ، في آمالها وآلامها ، وأفراحها وأتراحها . فالهجوم عليهم وعلى تراثهم إنما هجوم مباشر أو غير مباشر على رفعة منار الإسلام والمسلمين في نيجيريا ، لأنهم لا يتقاضون أجرا شهريا من أية حكومة أو منظمة ، وإنما تجشموا كل ذلك العبء الثقيل لابتغاء مرضات الله ، ونيل ثواب الآخرة .
[1] عبد الرحمن، محجوب، الأدب والمجتمع ، “مجلة الآداب والدراسات الإسلامية ،جامعة صكتو، العدد الأول ، 1981-1982، ص160.
[2] شيخو، أحمد سعيد غلادنثي، حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا ، الطبعة الثانية ، شركة العيبكان للطباعة والنشر، الرياض، ص101.
[3] المرجع نفسه، ص101.
[4] علي، أبوبكر، الثقافة العربية في نيجيريا من 1750 إلى 1960 م ، الطبعة الأولى ، مؤسسة عبد الحفيظ البساط، بيروت ، 1971 م ،ص328.
[5] عتيق أبوبكر، النور اللامع، نشر هذا الكتاب تلميذ المؤلف الحاج معاذ بن عثمان، مكان النشر غير مذكور، ص2-16.
[6] عبد الباقي ، شعيب أغاكا، الأدب الإسلامي في ديوان الإلوري ، الطبعة الثانية ، مركز نشر المخطوطات العربية ، إلورن ، نيجيريا ، 2003م، ص170- 171.
[7] آدم ، عبد الله الإلوري، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي الفلاني ، 1978م، ص111.
[8] شيخو، أحمد سعيد غلادنثي ، المرجع السابق ، ص120.
[9] مصطفى ، سعيد اولاومي ، شذا الأزهار في خطي الأشعار ، الطبعة الاولى ، مطبعة الحكمة للتصميم والنشر ، 2005م ، ص32.
[10] علي أبوبكر : المرجع السابق ، ص167.
[11] آدم، عبد الله الإلورى، مصباح الدراسات الأدبية في الديار النيجيرية ، الطبعة الاولى ، 1967م، ص30.
[12] شيخو، أحمد سعيد غلادنثي ، المرجع السابق ، ص167.
[13] عمر، بن أبي بكر، القصائد العشريات ، الناشر : الحاج محمد طن أيجى سوكوتو ، ص150.
[14] عبد الباقي ، شعيب أغاكا : الأدب الإسلامي في ديوان الإلوري، المرجع السابق ، 217.
[15] آدم، عبد الله الإلوري، توجيه الدعوة والدعاة في نيجيريا وغرب أفريقيا و الطبعة الاولى ، 1979م ، مطبعة الأمانة ، القاهرة ، ص89-90.
[16] المرجع نفسه ، ص90.
[17] شيخ ،عثمان كبرا، الشعر الصوفي في نيجيريا ، النهار للطبع والنشر والتوزيع، ص17
[18] المرجع نفسه ، ص176.
[19] حمد الله، الداجوي : البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر، ص26-27.
[20] المرجع نفسه ، ص25.
[21] شرف الدين، أبو عبد الله محمد البوصيري، بردة المديح في مدح خير البرية ، الناشر ، الحاج عبد الله اليسار ، ص15-16.
[22] شيخ ،عثمان كبرا ، الشعر الصوفي في نيجيريا ، المرجع السابق ، ص174.
[23] آدم ،عبد الله الإلوري، توجيه الدعوة ، المرجع السابق، ص104- 105.
[24] تشير البحوث العلمية التي قام بها الباحثون بداخل نيجيريا وخارجها إلى أن الوزير جنيد قد ترك ما لايقل عن ستين تراثا في مختلف الفنون والعلوم بين منظوم ومنثور ، وقد كرمته الحكومات المحلية والولائية والفيدرالية بأوسمة وجوائز وطنية قبل وفاته عام 1998م.
[25] شيخ، عثمان كبرا، الشعر الصوفي في نيجيريا ، المرجع السابق ، ص338.
[26] محمد الناصر، الكبري، سحبات الأنوار من سبحات الأسرار ، الطبعة والسنة غير مذكورين ، ص74-85.
[27] علي، أبوبكر، المرجع السابق، 67-68.
[28] عبد الله، بن فودي ، تزيين الورقات ، المرجع السابق ، ص44.
[29] شيخو، أحمد سعيد غلادنثي ، المرجع السابق ، ص71.
[30] محمد الأمين، عمر، الشيخ أبوبكر عتيق وديوانه هدية الأحباب والخلان ،مطابع الزهراء للعلم العربي ، القاهرة ، ص 115-118.
[31] المرجع نفسه ، ص26.
[32] محمد الناصر، الكبري : كتاب التوسلين العظيمين ، قام بطبع هذا الكتاب محمد الثاني شاويش كلسور كرمي ، كنو ص-12-15.
[33] علي ، أبوبكر ، المرجع السابق ، ص285.
[34] ديوان الوزير الجنيد، محمد بن البخاري، مخطوط ، ص33- 34.
[35] المرجع نفسه ، ص63.
[36] المرجع نفسه، ص39
[37] علي ،أبوبكر ، المرجع السابق ، ص565.
[38] آدم، عبد الله الإلوري ، مصباح الدراسات ، المرجع السابق، ص9.