
الأرغــونـوميــا : بين ضرورات التحديد ومجالات التطبيق
أ.د. صالح نهير الزاملي – م.م. زينب مهدي محسن
جامعة واسط / كلية التربية/ قسم العلوم التربوية والنفسية، العراق
مداخلة منشورة في كتاب أعمال مؤتمر الأرغونوميا التربوية المنعقد في طرابلس لبنان مارس 2017، ص 11.
1 . مقدمةيتزايد اهتمام المؤسسات الوقت الحالي في موضوع البيئة التي يقوم العاملون فيها بأداء المهام الموكلة إليهم، و أخذت هذه المؤسسات تدرك أن فهم بيئة العمل قد أصبح الأسلوب الأمثل للتعرف على المؤشرات ذات الأثر المباشر في سلوك العنصر البشري ودوافعه وأدائه ، والوسيلة الوحيدة لتحسين الأداء الوظيفي ، وتطوير أدائه ، لزيادة الكفاءة و الإنتاجية من خلال تلبية حاجات العاملين النفسية والاجتماعية والمادية (المعايطة ،2006: 1). و العمل من المواضيع الهامة جداً التي تناولتها العديد من العلوم وذلك لما أثير حول حوادث العمل وصعوبته ، وعدم تأقلم الإنسان مع بعض الأعمال أو المواقف في العمل (مسلم ،2007: 6). لذا، فإن الأرغونوميا هي ذلك الميدان الذي يسعى من خلال الاستفادة من نتائج عدة علوم إلى تكييف الآلات وبيئة العمل للإنسان لتجعله أكثر راحة وإنتاجية ، وتظهر أهمية هذا العلم في أنه يسعى إلى تحقيق الأمن العام للفرد في جميع الميادين، يؤمن للعامل الراحة والرضا، ولا يكون هناك أي ضرر واقع عليه مهما كان نوعه . (بلال ،2012: 2)
2 . بيئة العمل
بيئة العمل بالإنجليزيّة: (Work Environment) هو الموقع الذي يستعمل لأداء مهمّةٍ مُعيّنة حتى الانتهاء منها، وتشمل بيئة العمل المَكان الجغرافيّ ، والمَناطق التي تُحيط بالعمل ، مثل موقع المكاتب أو مبنى المنشأة، كما قد تشمل مُكوّنات أُخرى مثل مستوى الضوضاء، والمميّزات الإضافيّة الخاصة في العمل . وتُعرَّف بيئة العمل بأنّها المكان الذي يستعمله الناس للعمل، مثل المُؤسّسة ، أو المصنع، أو المكتب .) مشعل،2017: 1)
و يمكن تعريف البيئة بأنها الحيز الذي يمارس فيه البشر مختلف أنشطة حياتهم ، وضمن الأدبيات الإدارية ، هناك بيئة عمل داخلية وبيئة عمل خارجية .
و تتكون بيئة العمل من مجموعة متغيرات أو عوامل تحدث اثراً مباشراً أو غير مباشر على العاملين داخل محيطها، وقد يكون هذا الأثر إما ايجابياً أو سلبياً في أدائهم . وبيئة العمل هي الوسيلة الرئيسة لتحسين الأداء ، ورفع إنتاجية العاملين ، ورضاهم عن المنظمة وهذا يتوقف على ما يراه العاملون وفقاً لاداركاتهم ، والتي تختلف من فرد لآخر . فالإدارة الفاعلة هي التي تحرص على التعرف على هذه العوامل أو المتعيرات ، وعلاقتها بالمتغيرات الأخرى من وجهة نظر العاملين ، وهذا يسهم في الوصول إلى بيئة عمل نموذجية يتم من خلالها تحقيق الرضا وتحسين الأداء.(العبيدي،2000: 262)
3 . أبعاد بيئة العمل
تعتمد بيئة العمل الناجحة التي تُشكّل مجموعةً من العلاقات المهنيّة، والوظيفيّة بين عدّة أفراد ، على أبعادٍ أساسيّة وهي :
- المصداقيّة: هي قياس مَدى رؤية الموظّفين لصدق الإدارة من حيث الثقة والإقناع ، عن طريق تقييم الإدراك الخاص للموظّفين عند تنفيذ الاتصال مع الإدارة.
- الاحترام: هو تحديد مقدار احترام الإدارة لكافة الموظفين عن طريق تقييم المستويات الخاصة بالدعم، والرعاية، والتعاون التي يحصل عليها الموظفون أثناء تعاملهم مع الإدارة، كما يشمل الدعم توفير الموارد، والفرص الخاصّة بالتدريب، وتقدير الإنجازات الوظيفيّة.
- العدالة: هي مدى إدراك العدالة من قبل الموظفين، والمُرتبطة مع سياسات وتصرّفات الإدارة عن طريق تقييم الإنصاف، والحياديّة، والمساواة داخل بيئة العمل ، بالاعتماد على تَحقيق التوازن في التعامل مع جميع الموظّفين وخصوصاً في مجال تقديم المُكافآت.
- الفخر: هو شعور جميع الموظّفين بالفخر أثناء تنفيذهم لعملهم عن طَريق تقييم مشاعر كلّ موظف منهم تجاه وظيفته، ومجموعة العمل أو الفريق الذي يعمل معه، وبيئة العمل المُرتبطة مع المُنشأة.
- الزمالة: هي شعور كافّة الموظّفين بالزمالة مع زملائهم في بيئة العمل عن طريق تقييم الألفة، وطبيعة المُجتمع الخاص في موقع العمل داخل المُنشأة (مشعل،2017: 3) .
2 .2 . متغيرات بيئة العمل
تختلف عوامل أو متغيرات بيئة العمل فيما بينها ، ويرجع ذلك إلى اختلاف البيئات التي تمت دراستها من قبل الباحثين في هذا المجال . و عليه ، سنتناول عدداً من متغيرات البيئة العمل و تتمثل بالآتي :
- أسلوب القيادة والإشراف : إن العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه تعتبر من خصائص بيئة العمل المهمة ، والتي يكون لها تأثير في رضا العاملين ، وفي استعدادهم للعمل بتوجيهات ، وأوامر الرئيس ، وتنفيذ القرارات التي يتخذها على أحسن وجه . إن طبيعة العلاقة بين الرئيس ومرؤوسيه هي في الواقع علاقة تبادلية ، فكلما كانت تصرفات الرئيس وسلوكه تجاه مرؤوسيه مصدراً لرضاهم عن أعمالهم ،كان لذلك تأثير مباشر على أداء المرؤوسين ، وبالتالي على إنتاجيته . (العثرباني ،2005: 17)
- محتوى العمل : قد تكون هذه العوامل مرتبطة بتصميم الوظيفة ومدى تناسب الواجبات الخاصة بالوظيفة مع قدرات وإمكانيات الفرد وميوله ، فقد أثبتت الدارسات على اتجاهات العاملين بشكلٍ عام أن الرضا الوظيفي لدى كثيرين منهم ، يتناسب طردياً مع مدى ما يتيحه العمل من هذه الخصائص .(عويضة ،2008 :19)
- الثقافة التنظيمية: إن الثقافة التنظيمية نظام يتكون من مجموعة من العناصر أو القوى التي لها تأثير شديد على سلوك الأفراد داخل المنظمة ، إذ تُعرف الثقافة التنظيمية بأنها نظام القيم والمتغيرات والمعايير والاتجاهات والأعراف التي تحكم سلوك الأفراد داخل المنظمة . فالثقافة التنظيمية هي المحصلة الكلية للكيفية التي يتحكم بها الأفراد كأعضاء عاملين في المنظمة ، فالثقافة هي التي تعطي العاملين شعوراً أو إحساساً بالتفرد والإحساس بالشخصية ، وتسهل خلق الالتزام نحو ما هو أكبر من المصلحة الشخصية ، وهو مصلحة الجماعة . (علي ،2002: 20)
- ظروف العمل المادية : ويقصد بها الظروف البيئية المحيطة بمكان العمل من إضاءة ، وتهوية ، وضوضاء ، ونظافة، وترتيب الأثاث ، بالإضافة إلى التجهيزات الفنية المساعدة في مكان العمل .(عقيلي ،2008: 33)
3 . نظريات بيئة العمل
3 . 1.نظرية التناغم الوظيفي
تعد من النظريات المهمة التي ساعدت في دفع بيئات العمل المختلفة للتحليق إلى عالم الإبداع والابتكار، وجعلت الموظف هو العميل الأول والأهم ، لكن ما هو التناغم الوظيفي؟ هو درجة الالتزام المهني والأخلاقي والعاطفي للموظف تجاه بيئة عمله ، بغض النظر عن موقعه في السلم الوظيفي . لن يتحقق التناغم ما لم تقم جهة العمل بتوفير الأدوات اللازمة والبيئة المثالية لجعل كل فرد عندها على شاكلة الموظف المتناغم في بيئة العمل. فكلما أعطت المؤسسة أكثر ، ستجني المزيد من الإبداع والتألق والتناغم من موظفيها.
ومن المفاهيم الحديثة التي انتشرت بشكل ملموس لزيادة تناغم الموظفين مع جهات عملهم ، مفهوم تعزيز الصحة في بيئة العمل ، فالواحد منا يمضي معظم يومه في مكان العمل ، وهي فرصة رائعة للاهتمام بصحة الموظفين ووقايتهم من شتى الأمراض والأعراض. (حبيب ،2015 :3)
3 .2 .نظرية هيرزبرج / التحفيز والتثبيط في بيئة العمل
تعد هذه النظرية من أهم نظريات الدوافع للعمل ، وتعود لعالم النفس فريدريك هيرزبرج (1923-2000)، الذي يعد أول من تحدث عن «الرضا الوظيفي» وكيفية إثراء ذلك الرضا . طرح نظريته في العام(1959) ووسعها في (1966)، وقال إن الرضا الوظيفي أمر منفصل عن أمر آخر وهو عدم الرضا الوظيفي أو التثبيط/ الإحباط الوظيفي ، وأنهما منفصلان لأن توفر بعض الأمور يتسبب في الرضا الوظيفي ، بينما توفر أمور أخرى تعتبر ضرورية ، وهي عوامل تضمن صحة بيئة العمل ، بمعنى أن وجودها لا يعتبر محفزاً للعمل ، ولكن عدم وجودها يعتبر مثبطاً بصورة مباشرة . وأضاف أن العوامل المحفزة تتعلق بالقيام بالمهمة ، مثل: الإنجاز، والاعتراف بالمكانة، وطبيعة العمل نفسه، وحجم المسئولية، وإمكانية التقدم في المهنة، إلخ . أما المثبطات ستتواجد إذا لم توفر العوامل الخاصة بصحة وصيانة بيئة العمل hygiene factors، ومنها مثلاً: سياسات الشركة، والعلاقة مع المشرف، والعلاقة مع المرؤوسين، وظروف العمل، والراتب، والأمن الوظيفي، إلخ.
وإن هذه النظرية لها علاقة قوية بالإدارة الأخلاقية الحديثة ، والمسئولية الاجتماعية ، وطبيعة التعاقد النفسي داخل بيئة العمل، والنزاهة ، والعدالة ، والرحمة في الأعمال . وهي أفكار طرحها بعقود قبل أن تُطرح وجهات النظر الأكثر حداثة في هذا المجال.
لقد تحدثت نظرية هيرزبرج عن إمكانية نمو الأفراد داخل المؤسسات، واعتبر ذلك عاملاً رئيسياً في الجانب المحفز للعمل . ونظر إلى النمو الوظيفي ، وعلاقته بنمو الفردية بوصفها جانباً من جوانب التقدم . وتشير البحوث إلى صحة ما ذهب إليه هيرزبرج من أن الأشخاص المنجزين قد يتخلون عن وظائفهم من أجل تشغيل مشاريعهم الخاصة، وأنهم يتابعون من خلالها طموحهم وحلمهم في تحقيق شيء خاص بالنسبة لهم، أياً كان ذلك الحلم ، أو الطموح. والدافع الذي يحفز المنجزين ، ليس المال بالدرجة الأولى، وإلا لماذا يرهن بعضهم منزله من أجل توفير رأس مال لإنشاء شركة جديدة قد لا يأتي مردودها ويخسر كل شيء (الجمري ،2015 :1).
3.3.نظرية آدمز/ المساواة والإنصاف في بيئة العمل
طرح عالم النفس جون آدمز في العام (1963) نظرية المساواة في بيئة العمل، وأعدها واحدة من الحوافز التي تدفع الفرد نحو العمل ، وهي نظرية ترتبط بالحالة الجماعية (وليست الفردية فقط) ، لأن الفرد يقارن نفسه ووضعه وما يحصل عليه من مزايا مع الآخرين داخل المؤسسة وخارجها . لهذه النظرية علاقة بموضوع العدالة والإنصاف ، وهي تنظر إلى عوامل خفية ومتغيرة ، تؤثر على تقييم كل فرد لعمله ، وتَصوُّر علاقته مع بيئة العمل ومع المسئولين ، ومع صاحب العمل . والمهم في هذه النظرية ، هو أن كل فرد يقارن وضعه الوظيفي مع الآخرين معه ؛ وبالتالي ، فإن نظرية الدوافع هذه تمتد إلى أبعد من الذات الفردية ، وتتضمن المقارنة مع أوضاع الناس والجماعة ، كالزملاء في العمل والأصدقاء . وهذا كله ، يساهم في تشكيل رأي حول مدى توافر المساواة في المعاملة ، ومدى وجود العدل والإنصاف في بيئة العمل. وعندما يشعر الفرد أنه يحصل على معاملة عادلة ومتساوية مع الآخرين، فإن دافعه للعمل يزداد، بينما عندما يشعر بأن المعاملة غير عادلة (مقارنة بما يقدمه من جهد أو مقارنة مع الآخرين) ، فإن مشاعر السخط تتولد ، والاندفاع نحو العمل ينخفض. تقيس هذه النظرية مدى شعور الناس بالإنصاف في طريقة التعامل معهم، وهذا يؤثر مباشرة في أدائهم وتوجههم لأعمال المؤسسة . تدعو نظرية آدمز للتوازن العادل بين المدخلات التي يوفرها الموظف (العمل الشاق، ومستوى المهارة، والتسامح، والحماس، الخ) مع المخرجات التي يحصل عليها الموظف (الراتب، والفوائد، والاعتراف ، الخ) .
ووفقاً لهذه النظرية ، فإن إيجاد هذا التوازن العادل ، يضمن تحقيق علاقة قوية ومثمرة بين المؤسسة والموظف. هذا التوازن العادل ، مبني على نظرية الاعتقاد بأن الموظفين لديهم دوافع، وإذا شعروا كما لو أن مدخلات العمل التي يقدمونها أكبر من المخرجات التي يحصلون عليها، فإنهم يتثبطون ويسخطون (الجمري ، 2015 :1-2).
4.الأرغونوميا
4.1.مفهومها
إن كلمة أرغونوميا “Ergonomics” تأتي من الكلمة اليونانية المركبة من “Ergon العمل” و” Nomos قواعد” ، أي : مجموعة القواعد التي تضبط أنشطة العمل.
أدخل مفهوم الأرغونوميا سنة(1949) من طرف “Murrel” ، ويدل هذا المفهوم على مجال التدخل المتكون من عدة تخصصات، حيث أن الهدف يكمن في دراسة العمل بغية تكييفه مع الإنسان . و في سنة (1949) أيضاً، تم اقتراح كلمة “Ergonomie” من طرف الباحثين الذين شكلوا أو كونوا الجمعية الإنجليزية للأرغونوميا، وحينها ذهب البعض إلى تعريفها على أنها علم أو علوم تنظيم العمل: “Science de l’organisation du travail”.
أما آخرون فيرون أنها الدراسة الكمية و النوعية للعمل ، التي تهدف إلى تحسين ظروف العمل و تطوير الإنتاج في المؤسسة . و تهتم الأرغونوميا في هذا المجال بدراسة العلاقات بين العامل ، و منصب عمله ، و تصور المهمة ؛ و ذلك كله في وسط ظروف العمل المختلفة، و دراسة التفاعلات بين مختلف هذه المكونات .
أما اصطلاحاً ، فيمكن النظر إلى الأرغونوميا التي عرَّفها “De montmollin” على أنها تكنولوجيا الاتصالات في نسق إنسان آلة ، و النسق هنا يتضمن أيضا محيط العمل ، مما يجعل الأرغونوميا بالضرورة مجالاً متعدد التخصصات، فهي بذلك تعتني بالجوانب النفسية والفسيولوجية والاجتماعية و التقنية، و كل ما يتعلق بها من معارف (التنمية البشرية ،2010: 2).
4.2. نشأتها :
لقد كانت ظروف العمل قاسية جداً ، إذ كانت ساعات العمل طويلة ، وغالباً يكون العمل في ظروف غير صحية ، وفي أغلب الأحيان لم يكن هناك أي اعتبار لمدى تأثير هذه الظروف على الإنسان ؛ في حين تغيرت ظروف العمل الآن ، وتغيرت معها حقوق العامل والنظرة إليه . غير أن هذا لا يعني أن ظروف العمل أصبحت مثالية وممتازة ، ذلك أن العامل يمل تحت ظروف تتسم بالضغط ، والتوتر والذي له تأثير على المدى البعيد أكثر منه على المدى القصير، وهو غير ظاهر ، وغير ملاحظ ، أو حتى معروف في الكثير من الأوقات لكنه موجود على أية حال (حمو، 2015: 1).
إن أول القياسات المنهجية التي أجريت في ميدان العمل ،كانت من طرف مهندسين ، ونظمي العمل ، والباحثين ، وحتى الأطباء . و كانت هذه القياسات تهدف إلى تحسين مردودية العمل وإنتاجيه ، وقد كان فوبانVoban) ) في القرن السابع عشر ، و بيليدورBeldor) ) في القرن الثامن عشر من الأوائل الذين قاموا بدراسة عبء العمل ، وقد توصلوا إلى أن عبء العمل الزائد يؤدي إلى أمراض كما توصلوا إلى أن التنظيم الجيد لمهمات أثناء العمل يؤدي إلى رفع المردودية .
إن ظهور الإدارة العلمية على يد تايلور ، ساهم إلى حد كبير في إحداث تغيير جذري في النظرة إلى تنظيم العمل من خلال المبادئ العلمية للإدارة ، وقياس الحركة ، والزمن .
ولا يمكن تجاهل الدور الذي قام به الفيزيائيون والفزيولوجيون من خلال اهتمامهم بنشاط الإنسان والقيام بأبحاث عديدة لفهم وظائف الجسم البشري.
وفي بداية القرن (20) ، كان لاهي (Lahy) ، و جول أمار (Jol Amar) ، وفي ظل الحركة التايلورية ، أكدوا على تجاهلها للنتائج السلبية التي يسببها التعب أثناء العمل.
كما أن الأطباء اهتموا بصحة ونظافة العمال في بيئة العمل، ففي فرنسا نجد أن (Ramazini) المؤسس لطب العمل ، أول من تحدث عن الأمراض المهنية في عدة أعمال ونشاطات مختلفة ، أما (Ville mere) ، فهو جراح قام بدراسات إحصائية حول أوضاع العمل في عدة مصانع في مناطق متعددة في فرنسا ، و نشرها في تقرير سنة (1840) حول الحالة الفيزيائية والنفسية للعمال. (http://www.preventica.com/docs/self-07-06)
4.3. ظهور الأرغونوميا وتطورها:
تعددت الدراسات النفسية في بدايات القرن (20) ، وتطورت المعارف في علم النفس ، إلا أنها كانت قليلة في مجال مشاكل العمل والعمال. وفي بدايات هذا القرن ، بدأ الاهتمام بهذا الجانب من طرف بعض السيكولوجيين من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا ، من خلال إنشاء مراكز البحث والمعاهد الموجهة لدراسة هذه المشاكل.
إن مصطلح الأرغونوميا لم يظهر لأول مرة فقط على يد Murel ( (1945 ، ولكن تم تصوره من طرف البولندي Wojciech Jastrzebowski (1857) . وقد ظهر هذا المصطلح مع السيكولوجي البريطاني Murell لوصف الدراسة متعددة التخصصات للأنشطة الإنسانية ، المطبقة في الحرب العالمية الثانية والمتعلقة بمدى فعالية الجنود في الحرب. وقد تم إنشاء جمعية البحث في الأرغونوميا سنة 1949 من طرف (Murell) وزملائه .Bekai,2011: 3))
4.4. أهداف الأرغونوميا:
انطلاقاً من وجهة نظر الشعار الذي يردده مجمع الأرغونوميا للغة الفرنسية ، القائل : “حين نكون على أحسن حال، و في وضعية جيدة، سنكون نحن الأقوياء” ، فإن من أهدافها:
- الراحـة: و تتأتى بواسطة تحسين ظروف العمل ، و تقليص التعب الجسمي و الذهني؛ إن راحة العامل ذات بعد مهم جدا في الدراسات الأرغونومية ، وهي مرتبطة بوضعيات العمل “Postures de travail” ، و بتحسين ظروف العمـل.
- الفعاليـة: أي رفع مستوى الفعالية، علما بأن الفعالية في المؤسسة تخضع إلى هذه المعادلة القائمة على العلاقة بين : جودة الإنتاج – تكلفة الإنتاج .
- أمن العمال و سلامتهم : إن من أهدافها أيضا سلامة العمال و الوقاية من الحوادث .
- التقليل من الأمراض المهنية: وخاصة المزمنة منها.
- المساعدة على تسيير التغيير التكنولوجي: إن كل تغيير قد تترتب عنه مقاومة خوفا ، من عدم التكيف معه ؛ لذلك ، من أهداف الأرغونوميا تحضير العمال تقنيا و فنيا لتجاوز هذا العائق ، قصد تكييفهم مع المتطلبات الجديدة.
- استغلال الوقت و الطاقة: ترتيب وقت العاملين لمنعهم من إهدار الطاقة بالتحرك داخل و خارج نطاق العمل الأساسي (التنمية البشرية ،2010: 3) .
- تحسين طرق العمل وتغييرها لتتلاءم مع العمال، وإيجاد أفضل الطرق التي تؤدى بها الأعمال.
- تصميم الآلات والأدوات وتكييفها ، بهدف زيادة الراحة للعمال وبالتالي الإنتاجية.
- تصميم وترتيب مكان العمل بحيث يساعد العمال على إيجاد مواد العمل و أدواته بسهولة.
- دراسة الظروف الفيزيقية الملائمة للعمل مثل الضوضاء ، والحرارة ، والإضاءة ، وما ينجم عنها من تعب. (شحاتة 2006 :221)
4.5.أنواع الأرغونوميا:
تتعدد أنواع الأرغونوميا و تختلف باختلاف الأهداف التي تطبق من أجلها، وحسب مجالات التدخل الأرغونومي ، غير أن هذه الأنواع تتداخل، وهناك من لا يولي لها اهتمام كبير و يصنفها على أسس أخرى، ونميز منها:
أولاً : حسب الأهداف:
- أرغونوميا التصميم والتصور :
موضوع البحث فيها يهدف إلى المساهمة في تطوير العامل في وسط فيزيقي مكيف مع المهمة، حتى يتماشى مع المعايير الفسيولوجية والنفسية ، و من جهة أخرى، فإنها تعمل على وضع تحت تصرف العامل ، من مهمة الأدوات و الوسائل المكيفة هي الأخرى، مما يسمح له بالاستجابات السريعة و الدقيقة و الملائمة في الوقت نفسه .
- أرغونوميا التصحيح :
تهدف إلى التدخل قصد تصحيح الخلل و العطب ، كما أنها تعالج وضعيات معقدة جدا، لأنه حين يتبين خلل في وضعية عمل معينة ، فإنها تتدخل من أجل تطوير الوسائل و التقنيات مع الواقع قصد تحسين الموجود منها .
ثانياً : حسب مجالات التدخل:
تتنوع الأرغونوميا وفق مجالات التدخل إلى:
- الأرغونوميا التنظيمية :
تهتم بشكل كبير بعقلانية الأنساق الاجتماعية-التقنية، وذلك بالاهتمام بالبنية التنظيمية و قواعد العمل و مختلف الإجراءات . من اهتماماتها : الاتصال ، و تسيير الموارد البشرية ، و تصميم مختلف الأشكال الجديدة للعمل، وذلك في إطار تفاعل جميع هذه العوامل.
ومن جهة أخرى يهتم هذا النوع من الأرغونوميا بتنظيم الورشة، أي البعد بين الآلات المختلفة حتى يستطيع العامل أن ينجز عمله في هدوء، و يستطيع الحركة و التنقل بكل حرية، وحتى لا يُحدِث ازدحام الآلات و اقترابها قلقاً و توتراً عند العمال أو عرقلة الإنتاج.
- الأرغونوميا الذهنية (المعرفية):
تتعلق بالوظائف الذهنية ، فهي تعتبر الإنسان وحدة يتم معالجتها ضمن مجموعة من المعطيات، كما تهتم بمختلف العمليات الذهنية ، مثل : الإدراك ، والذاكرة ، و التفكير المنطقي ، و الاستدلالي ، و الاستجابات الحركية ، و آثار ذلك كله على التفاعلات بين الإنسان و بين باقي مكونات النسق.
- الأرغونوميا الفيزيقية (التصميمية):
يقصد بها كل التدخلات على مستوى المحيط الفيزيقي للعمل التي تميز الخصوصيات التقنية ، و قد تتضمن أو تخص كل أجواء العمل ، مثل : الضجيج ، و الغبار، و الإنارة، و ترتيب فضـاءات العمل الزمانية و المكانية.
كما تهتم أيضا بالخصوصيات الفسيولوجية و المقاييس الجسمية للعامل في علاقاته مع مختلف الأنشطة، فهي بذلك تهتم بوضعيات العمل، و بالتحكم في وسائل العمل ، و كيفية استعمالها، كما تهتم بالحركات المتكررة ، و بالاضطرابات العضلية-العظمية. (التنمية البشرية ،2010: 4-5)
وهناك أنواع أخرى من الأرغونوميا هي :
- أرغونوميا الأنساق : ظهرت نتيجة المشاكل والصعوبات التي واجهتها ، و التي تقوم على ثلاثة أسس رئيسة :
- تعاون السيكولوجيين والمهندسين في مراحل التصميم .
- تحديد الوظائف بين الإنسان والآلة .
- تطوير تقنيات الاختيار والتدريب .
- أرغونوميا الأخطاء : تتميز هذه المرحلة بإدخال مفهوم الخطأ الإنساني في سيكولوجيا الإنسان ، وذلك بدراسة جوانب سوء التحكم.( ( http://ar.wikipedia.org/wiki
5.دور المختص الأرغونومي :
تتمثل مهمة المختص الأرغونومي في البحث عن أفضل وسيلة ممكنة لإحداث تكييف بين العامل والآلة، كما يشمل مجال تدخله في أمن العمل ، و النظافة الأدوات التي يستعملها العامل أثناء تأديته لعمله . لقد كان دور المختص الأرغونومي في الماضي يتمثل في محاولته التدخل لمنع وقوع حوادث العمل ، وتحسين ظروف العمل وتطويرها داخل المؤسسة ، خصوصاً فيما يتعلق بالأعمال الشاقة ، والتي قد تسبب خطراً على العاملين في المصانع التي تتعامل مع المواد الكيمائية ، وكذا في المصانع حيث يكثر الضجيج ، مثلاً .كما يقوم المختص الأرغونومي بالتنقل إلى مكان العمل ليلاحظ الظروف التي يشتغل تحتها العمال ، ويقوم بتسجيل الحركات الجسمية التي يقوم بها العمال ، وقد يلجأ إلى استجواب العمال للتعرف على مدى تطابق وصف العمل الذي تلقاه العمال مع ما هو موجود في الواقع.
كما يعتمد المختص الأرغونومي في عمله على عديد من الوسائل والأدوات التي تساعده على جمع المعلومات (مقياس الضغط ، ومقياس الصوت ، ومقياس الحرارة ، وتسجيل الفيديو ، وصور عن مكان العمل، والاستبيانات ، والمقاييس ) . بعد عملية جمع البيانات والمعلومات وتحليلها ، يقوم المختص بتشخيص المشاكل التي تنشأ في مكان العمل واقتراح الحلول المناسبة لها ، وحل المشاكل التي تجعل الآلة غير موائمة للعامل ؛ وهذا كله من أجل تحسين ظروف العمل .
حديثاً ، أصبح دور المختص الأرغونومي أكثر اتساعاً ، وتطورت مهامه ؛ فقد أصبح ، وبمساعدة المسؤولين والمهندسين ، يقوم بوصف الوظائف و تحليلها ، كما أصبح يشارك في برامج التهيئة بالمؤسسة ، وكذا في تحديث أو تجديد مبنى المؤسسة أو مكان العمل ، وفق أسس علمية تخدم العامل ، و توفر له الصحة والسلامة والراحة ؛ كما أصبح يتدخل في تسهيل استعمال الآلات و الأدوات .
إن المختص الأرغونومي يمكنه العمل حراً أو أن يكون موظفاً داخل المؤسسة . يكون العمل الحر من خلال إنشاء مكتب استشارة ، وهذا بعد اكتساب خبرة لا تقل عن 04 إلى 05 سنوات ، حسب القوانين المعمول بها في فرنسا.http://jcomjeune.com/articlemetier/ergonome) )
قائمة المراجع:
- Bekai madjid(2011) : مدخل للأرغونوميا ، مدونة ماجستير علم النفس العمل والموارد البشرية .
- بلال ، رشيدة (2012) : الأرغونوميا ودورها في الوقاية والتنمية بالدول السائرة في طريق النمو منتدى جزايرس .
- التنمية البشرية (2010) : الأرغونوميا (الهندسة البشرية) / مفهومها – أهدافها – أنواعها ، منتديات ستار تايمز.
- الجمري ، منصور (2015) : نظرية آدمز حول الإنصاف والمساواة في بيئة العمل ، صحيفة الوسط البحرينية .
- الجمري ، منصور (2015) : نظرية هيرزبرج بشأن التحفيز والتثبيط في بيئة العمل ، صحيفة الوسط البحرينية .
- حبيب ، منصور أنور (2015) : نظرية التناغم الوظيفي.
- حمو ، أبو ظريفة (2015) : مدخل إلى الأرغونوميا .
- العثرباني ، علي بن محمد علي (2005) : العوامل والمتغيرات البيئية في المناطق النائية وعلاقتها بالرضا الوظيفي ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الدراسات العليا ، الرياض ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية .
- عقيلي، عمر وصفي ، ونعساني ، عبد المحسن ،ودواليبي ، عبد القادر أحمد (2008): اختبار أثر المتغيرات التنظيمية والفردية في تشكيل ضغط العمل ، مجلة بحوث جامعة حلب ، كلية الإدارة والاقتصاد ، سوريا .
- علي ، محمد فرج محمود (2002) : تأثير الثقافة التنظيمية على التخطيط الاستراتيجي في منظمات الأعمال،مشروع تنمية مهارات البحث العلمي ، كلية الهندسة ، جامعة القاهرة .
- عويضة ، إيهاب احمد (2008) : أثر الرضا الوظيفي على الولاء التنظيمي لدى العاملين في المنظمات الأهلية في محافظات غزة ، رسالة ماجستير ، الجامعة الإسلامية ، غزة ، كلية التجارة .
- شحاتة ، محمد (2006) : أصول علم النفس الصناعي ، ط3، القاهرة ، دار غريب .
- مسلم ، محمد (2007) : مدخل إلى علم نفس العمل، ط1، الجزائر ، دار قرطبة .
- مشعل ، طلال (2017) : ما هي بيئة العمل .
- المعايطة ، سليمان فلاح (2006) : أثر بيئة العمل في الإبداع التنظيمي في الجامعات الأردنية الخاصة من وجهة نظر العاملين الإداريين ، رسالة ماجستير ، جامعة مؤتة .
المواقع الالكترونية
- http://www.preventica.com/docs/self-07-06.pdf 03/12/2011 22 :07 .