
التّقويم التّربوي ودوره في ترقية المنظومة التّعليمية/ التّعلّمية المفهوم والأهداف
د.سماح بن خروف ـ جامعة محمد البشير الإبراهيمي ـ برج بوعريريج ـ الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 39 الصفحة 117.
ملخّص:لم يعد الهدف من التّعليم هو السعي الحثيث نحو تحقيق الرفاهية للمتعلّمين فقط، بل صار ضرورة من ضروريات الحياة، كما استلزم التربية كمنظومة اجتماعية تروم بدورها تمكين الفرد من حاسة الفكر التّقدمي، فأصبح الّنظام التّربوي جزءا لا يتجزّأ من المجتمع له برامجه وأهدافه ومناهجه، بالإضافة إلى أركانه الخاصة، التي امتلكت طرائق وأساليب كان لها أن تخلص إلى نتائج نزيهة من شأنها أن تنهض بالتعليم وتتوقف عند أبرز الصّعوبات والمساوئ التي ينبغي تجاوزها، وهذا لا يتمّ إلا بالتقويم التربوي المحكم الذي لا يكتفي بإصدار الأحكام فقط بقدر ما يسعى إلى الاتسام بالشمولية والصّرامة، وذلك في احتوائه لكلّ المعضلات التي تتعرض لها التربية والتعليم، فقد تباينت مجالاته ونطاقات استخدامه بدا من المعلّم والتلميذ وصولا إلى كل ما له علاقة بالبرامج التعليمية والمناهج التربوية.
Abstract:
The aim of teaching is no longer merely confined to endeavouring eagerly to achieve the welfare of the learners. It has rather become one of life’s necessities. Teaching has embraced education in its quality as a social system whose role is to enable individuals to obtain the sense of progressive thought. Hence, the educational system has become an integral part of society, with its programmes, aims and methods, as well as its specific components, consisting of a host of methods and styles that lead to fair results capable of promoting teaching and identifying all major obstacles and shortcomings that need to be bypassed. This can only be achieved through a meticulous educational assessment that does not content itself with passing judgements, but rather aims at being characterised with comprehensiveness and firmness by containing all the problematics faced by teaching and education. The fields of teaching have become wide-ranging and diverse, starting from the teacher and the pupil, and ending with all that is pertinent to teaching curricula and educational systems.
- التعريف بالتقويم:
يذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي مادة قيم في معجمه العين بعدة معان فيقول:” قيم القوم بكسر الياء وتضعيفها: من يسوس أمرهم ويقوّمهم، ورمح قويم، ورجل قويم، وفي الحديث “ولا آخر إلا قائما” أي لا أموت إلا ثابتا، فالقوامة .هنا تعلقّت بالثبات والاستقامة، وقام قائم الظهيرة: إذا قامت الشّمس وكاد الظّل يعقل. والقوام من العيش: ما يقيمك ويغنيك، والقيمة: ثمن الشيء بالتقويم والقيامة: يوم البعث[1]
وقويم وقوّام: حسن القامة، والقوّام: حسن الطول، والقوم هو القصدُ، وقوام الأمر بالكسر نظامه وعماده، وقوّم السّلعة واستقامها: قدّرها. والقيمة: ثمن الشّيء بالتقويم، والاستقامة هي التقويم لقول أهل مكة: استقمت المتاع أي قومته، وفي الحديث قالوا: يا رسول الله لو قومت لنا، فقال: الله هو المقوّم أي لو سعرت لنا وهو من قيمة الشيء أي حدّدت لنا قيمتها.
وقد كان في الأصل قوم، أو قوم فصار قام ويقال رمح قويم وقوام أي مستقيم [2] ويتبيّن من التعريف اللغوي للتّقويم بأنه يعني تغيير الشيء من حال غير حسن إلى حال أحسن منه، وبالتالي يتمّ تعديله إلى ما يليق به حتى يبدو في المظهر الذي يفترض به أن يكون عليه.
ب/ اصطلاحا:
يعدّ التقويم التربوي من أهم المفاهيم الحديثة نسبيا، كما قد ظهرت مصطلحات مرادفة لمصطلحات مرادفة لمصطلح التقويم في الكتابات التي ترجع إلى ما قبل التاريخ فقد اعتبر سقراط أنّ ” التّقويم اللفظي جزء أساسي من قياس نتائج التّعلم”[3] كما استخدم لأغراض تعليمية ولقياس المعرفة والمهارات في الف-ترات القديمة ليصبح تخصّصا مستقلّا مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا ليتطوّر ما بين 1800م و 1920م لاقترانه بتطوّر النظم التعليمية الأوروبية، وتطوّر مفهوم التقويم راجع أيضا إلى ظهور فلسفة جديدة في التّربية تدعو إلى مسؤولية المربّي لا عن ” تنمية المفاهيم والمهارات فحسب بل ومسؤوليته كذلك عن استثارة نمو التلميذ في شتّى المجالات مثل القدرة على التفكير“[4] والتقويم ضروري لأي مجال من مجالات الحياة، ولا بد من التّقصّي نوعا ما حيث ينبغي الإشارة ولو بنوع من الإيجاز إلى التّطور التاريخي لتشكيل صورة حول نشأة التقويم وأبرز الفترات التي مرّ بها المصطلح إلى أن وصل إلى مفهومه الحالي والمراحل كالآتي:[5]
- فترة الإصلاح من 1800 إلى 1900م: وقد تميّزت هذه الفترة بتطوير الاختبارات العقلية المبكرة كما استخدمت تطبيقات القياسات النفسية والسلوكية في حل المشكلات التربوية.
- فترة ازدهار الاختبارات 1900- 1930م: انتشرت الاختبارات التّحصيلية وقد كان روبرت كورنديك” أحد أهم قيادات حركة التقويم التربوي، فقد جعل للاختبار أهمية عملية كبيرة.
- الفترة الممتدّة من 1930 إلى 1945م: وقد واكبت هذه الفترة أعمال “رالف تايلر” الذي ركّز اهتمامه على الأهداف التربوية المنشودة للبرامج التعليميّة وضرورة التأكد من تحقّقها.
فالتقويم هو عملية إصدار الأحكام والوصول إلى قرارات كما يعد إجراء مستمرا وشملا ولا يقف عند مجرّد إعطاء درجة أو تقدير بل يتعدّى ذلك إلى إصدار الأحكام على ضوء معايير محدّدة وهو “عملية جمع البيانات وتحليلها بطريقة منظّمة، وبشكل يمكن معه اتخاذ القرارات، ووضعها في شكل تفسيري بأساليب معيّنة، ومن ثمة يمكننا تحديد البرنامج التعليمي الذي ينبغي على المتعلّم الالتحاق به”[6] ويذهب أنور عقل إلى أن المفهوم الحديث للتّقويم هو ” تحديد مدى ما بلغناه في تحقيق الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، بحيث يكون عونا على تحديد المشكلات، وتشخيص الأوضاع ومعرفة العقبات“[7] فالغرض من التقويم إذا هو التحسين والإصلاح لأن رصده للعوائق التي تواجه العملية التّعليمة خير دليل على مساعدته لها في تفعيل أهدافها.
والتقويم أحد الأركان الأربعة الأساسية في العملية التربوية وهي تجديد الأهداف، المناهج، طرائق التّدريس، التقويم وهو آخر مرحلة كونه المرشد والموجه، والمعدّل الأول والأخير لما يسبقه من أركان، وقد اعتبره “بلوم” عنصرا أساسيا في صنّافته ويدرجه ضمن المرقى السّادس بعد التركيب كما يلي:
التّذكر الفهم التّطبيق التّحليل التّركيب التقويم
ولأنّ التّقويم ذو صفة شمولية فمن الضّروري تبنّي إطار عمليّ حتى يسهل فحصه ومراقبته، والأطر متعدّدة ولعلّ أهمّها:[8]
- الإطار الأوّل: وهو التفكير بالتقويم ضمن تصنيف زمني معيّن، وهو على ثلاث مراحل:
- المرحلة الأوليّة: تضمّ سجّلا سابقا عن التّحصيل والتّشخيص واختبارات الاستعداد.
- المرحلة التّكوينية: وتشمل بيانات تغذية راجعة من الخبرات التّعليميّة القائمة على تمكّن المدرس والطّالب من عمل تغييرات معيّنة.
- المرحلة النّهائية: تشمل نموذجا لما اكتسبه الطّلب من أهداف تعليمية عن طريق الاختبارات القصيرة والطويلة.
- الإطار الثّاني: هو التفكير في طريقة جمع المعلومات من خلال الملاحظة العابرة والملاحظة الموثقة، وأخيرا الدّراسة البحثية.
- الإطار الثّالث: هو التفكير بالأفراد الذين يستخدمون التّقويم داخليا والذّي يضمّ المدرّسين والطلبة والأولياء، وخارجيا ويشمل المجتمع والمؤسسات التعليمية.
- الإطار الرّابع: وهو اعتبار التّقويم من وجهة نظر المؤسسة التربوية ( المدرسة، المنظومة التعليمية، وزارة التربية) المسؤول عن تقويم مخرجات التّعليم.
فالتقويم يهدف إلى الحكم على مدخلات العملية التعليميّة والمتمثّلة في “الطلبة والظروف الاجتماعية، والطرق والأساليب ومخرجاتها والتي تتمثّل في المادّة المتعلمة وأثرها المتجلي في سلوك الطالب في مجالات المعرفة والمهارة والاتجاه”[9] وله إسهامات في توضيح الأهداف التّربوية، والتقدير القبلي لحاجات المتعلّمين، وتشخيص صعوبات التّعلم في المقرّرات.
- التقويم والتّقييم: (التعالق والاختلاف)
بعد توصيف مصطلح التقويم لغة واصطلاحا وجدنا بأن مفهومه قد تداخل مع بعض المفاهيم إلى درجة من التطابق كالتقييم والقياس ومثلما يتشارك معهم في قواسم معيّنة، لا بد من وجود فروق عديدة وأبرز المصطلحات التي تداخل معها المصطلح هو التقييم، أمّا الفرق بينهما فيكمن في أنّ التقويم جزء لا يتجزأ من المنظومة التّعليمية، ويهدف بالاستمرار معها إلى إعطاء صورة شاملة لنمو الطّالب في جميع الجوانب المعرفية والعاطفية والمهارية وغيرها أمّا التقييم فهو تقرير قيمة الشّيء أو حكم في قيمته وفي التّدريس لا يختلف كثيرا عن قرينه في اللغة لأنه ” تعيين قيمة أو كفاية التّدريس أو حصيلته أو الإجراء المتّبع في تنفيذه” [10] ولكي يتمّ ذلك لا بد من توفّر كمية من البيانات المناسبة بخصوص الموضوع التّدريسي وعن طريق إجراءات متنوّعة تنضوي تحت أربع عمليات وهي : الملاحظة ، القياس، التقدير، والحكم.
وبمثال توضيحي لما يستدعيه كل من التقويم والتقييم حتى يبلغا هدفهما نضرب على سبيل المثال[11]: إنّ أحدهم أراد أن يشتري كتابا، فلابد من السؤال عن ثمنه – على اعتبار أن سعر الكتاب هو وحدة القياس المتّبعة- ثم نتساءل أسئلة متتالية، وإذا خلصنا إلى أنّ الكتاب يستحق هذا الثّمن، نكون قد انتهينا بحكم على هذا الكتاب، فقد قيمناه من حيث الثمن فقد نقول: إنه رخيص أو عالي، وإذا أردنا أن ننقد هذا الكتاب من الناحية الأدبية أو العلمية مثلا فسنتعدّى حدود التقييم للشّراء، فنثمّن مضمونه ونتعدّاه.
الملاحظة + القياس (ثمن الكتاب) + التقدير (المقارنة)+ الحكم (استحقاقه للثمن أم لا) = تقييم
فالقياس سابق للتقييم وقد ورد هذا الأخير بناء عليه فبعد قياس وزن شخص ما نطلب تعديل بعض سلوكياته بتحديد نوع من الريجيم للتّخلص من الوزن الزائد، وهنا قمنا بما يعرف بالتقويم وهذا ما توضّحه المعادلة التالية:
ملاحظة + تشخيص + قياس (الوزن) + تقييم (الوزن الزائد) = تقويم (الرّيجيم)
فالتقييم هو إعطاء الحكم في قيمة الشيء فهو خاص بالأحكام وبالتّدريس وبالمتعلّم أولا وأخيرا أما التقويم فهو أعم وأشمل يخصّ المنهاج والبرامج التعليمية، ويتضمّن التقييم وهو أحد مكوّنات المنهاج التعليمي حيث يحتل موقعا أساسيا في الفعل التدريسي إضافة إلى أنه عملية تصحيح في حين نجد أن التقييم عبارة عن ” إعطاء قيمة للسّلوكات والأشياء أو إصدار حكم معنويّ ونوعي بخصوص الأفراد والأشياء والأحداث“[12] .
- التقويم والقياس: (الأسس والأدوات)
يعرف القياس بأنه العمليّة التي بواسطتها نحصل على صورة كمية بمقدار ما يوجد في الظاهرة عند الفرد، ويفتقر القياس في الغالب إلى الدّقة التامة أو النتائج الكلية، فهي تبقى مجرّد أفكار فرعية عن الشّيء الذي يقاس، ويجمع الباحثون على أن القياس يعد جزءا من التقويم وهو سابق له، فالأستاذ إذا قام مثلا بقياس تحصيل تلاميذه يجري لهم اختبارات توصّف كميا ورقميا بالعلامات، أما التقويم فهو الذي يوازن بين علامات التلاميذ وبين محكّات معينة.
وهناك تعريفات اعتبرت القياس تقويما والتقويم قياسا ممّا أدى إلى اشتداد التّداخل وما القياس إلا مكوّن أساسيّ من مكوّنات التقويم وخطوة هامة من خطواته فالتقويم ” هو أن نحدّد قيمة لشيء ما، وعملية استخدام الاختبار لقياس عيّنة سلوك الفرد حتى نقدّر ما لديه من الصّفة التي نقيسها”[13] وكنتيجة مبدئية فإنّ القياس يقدّم لنا علامات ودرجات في حين نجد بأن التقويم يقدّم لنا معايير تفسّر لنا الدرجة التي تحصّل عليها التلميذ مثلا:
التقويم = القياس (أرقام ودرجات) + معايير تفسيرية (محكّ)
ويستعمل القياس والتقويم في التربية لتحقيق أهداف متعدّدة كالتّعرف على الحاجات الفعلية للمجتمع وكل نوع من أنواع التعليم، بالإضافة إلى” تحديدهما لمواصفات القوى العاملة وتوزيعها، وكذا تحديد مستويات القدرة والكفاية عند الأفراد”[14] زد على ذلك التّعرف على الطلبة الذين يمكن لهم أن ينجحوا في منهاج أو تخصّص معيّن، وتهيئة البيئة الاجتماعية التي تساعد الطّالب على التّكيف النّاجح تربويا ومهنيا واجتماعيا والتّعرف على مدى التّقدم أو النّمو الذي تحقّق عن الطّلبة.
كما يذهب البعض إلى اعتبار أن القياس ما هو إلّا ” جمع للشّواهد والبيانات عن الشّيء المراد قياسه باستخدام وسائل علمية وموضوعية“[15] والغاية منه الوصول إلى تقويم سليم وعادل بنتائج دقيقة، وكل منهما يستلزم الآخر وإن كان للتّقويم الحق في الشمول والأهمية فهذا لا يعني عدم جدوى القياس بل هو الرّكيزة الأساس، والأداة الموضوعية المقنّنة تستخدم لتحديد عيّنة من السّلوك سواء أكان مباشرا كقياس طول قطعة معيّنة أو غير مباشر كقياس درجة الحرارة مثلا.
ولكلّ من القياس والتقويم دور بارز في تشخيص صعوبات التعلّم وحصر نقاط القوة والضّعف وتوفير الدّافعية للتعلّم، وتوجيه نشاط التلميذ ولا يتمّ هذا إلا بالوسائل الآتية[16]:
- الاختبارات: تشمل فقرات متنوعة من اختبار خاص أو فقرات التكملة أو فقرات الإجابة القصيرة، ولكلّ منها شروطها ومواصفاتها كالصّدق والثبات مثلا.
- الملاحظة: تستخدم وبخاصة في الصّفوف الابتدائية، وينبغي تسجيلها بصورة مختصرة أمام اسم كل تلميذ حتى يتمكّن المعلم من الأخذ بيد الطالب إلى الأفضل.
- قوائم التّدقيق: يتم من خلال تحديد المهارات سواء أكانت حسابية أم كتابية، والمعارف (حروف وأعداد) في قائمة وتخصّص بطاقة لكل تلميذ مع وضع إشارة أمامها.
- مقاييس التّقدير: عن طريق إعطاء درجة لكلّ تلميذ لتدلّ على درجة إتقانه مثلا (3) ضعيف جدا.
- دراسة الحالة: يتمّ من خلال هذا الأسلوب دراسة التلاميذ مثل معرفة وضع الأسرة وثقافة الوالدين، ولا يتمّ هذا التوسّل إلا باعتماد مبادئ متنوعة من اتّساق الاختبارات مثلا مع بعض الأهداف المرجوة والملائمة بالإضافة إلى الشّمول “بمعنى أن يشمل جميع النّواحي المتعلّقة بالعملية التربوية من طالب، معلم، منهاج، ووسائل تعليمية”[17] وقد دخلت وسائل كلّ من القياس والتقويم النسيج الكلّي لمجالات التربية وعلم النفس فظهر مثلا ما يعرف بالقياس النّفسي “كعلم تطوّر أساسا من نتائج الأبحاث والتجارب حول الذّكاء الإنساني”[18] فينّصف الأفراد بذلك حسب ذكائهم فالذّكاء سمة كامنة لكن يمكن ملاحظته وقياسه وعلى أساسه تتمّ عملية التّصنيف، وقد ترتبط بعمر زمني معيّن لفرد دون آخر، والفرق بين القياس التّربوي والقياس النّفسي يكمن في أنّ الأوّل ينظر إلى الفرد كفرد دون مقارنته بغيره من الأفراد على عكس القياس النفسي.
ويعتبر القياس أكثر موضوعية من التقويم ولكنّه أقل منه قيمة من النّاحية التّربوية لا من النّاحية العملية والوظيفيّة ، كما اعتمدت نتاج التّقويم ” كأساس لمساعدة التّلاميذ على النّمو“[19] مع اعتماد المقارنة بين نتائج القياس بغيرها من النتائج ممّا يضفي روح المنافسة والكدّ والاجتهاد المتزايد ومن ثمة النهوض بالتعليم إلى ما هو أرقى له.
- أساليب تقويم المعلّم:
لا يقتصر التقويم على التلميذ فقط وإنما يشمل كلّ مكوّنات ومقوّمات العملية التّعليمة ومن أهمّها المعلم والأستاذ بغية اختبار مدى فاعلية هذا الأستاذ في التّدريس ويكون ذلك عن طريق عدّة أساليب ومن أهمّها[20]:
- التقويم عن طريق ملاحظة أداء المعلّم: وهو أكثر الأساليب استخداما في تقويم المعلّم لاعتماده على أحكام الاختصاصيين مثل الموجّهين أو المشرفين التربويين الذين يقومون بملاحظة المعلّم أثناء زيارتهم له في الصّف وهو يدرّس. وهذا الأسلوب واقعي ومعقول للغاية حيث تجرى ملاحظة المعلّم في صفه مباشرة، ثم تجمع التعليقات والملاحظات المسجّلة دون بذل أي جهود أو استغراق وقت طويل.
- تقديرات الطلبة للمعلّم: وهو من الأساليب الشّائعة الاستخدام في تقويم فاعلية المعلّم غير أن توسّله قد تشوبه بعض العيوب بخاصة إذا استخدم لأغراض أخرى، خارجة عن إطار التعليم كغاية الترّقية وتمديد عقود العمل وتقدير الطلبة لمستويات المعلمين لكن صغار السّن لا يمتلكون القدرة على فعل ذلك”[21]
ج- التّقدير الذّاتي: يمكن للمعلّم أن يجري تقويما لنفسه ومراجعة منظّمة لأدائه في التّدريس، ولكن معظم الأساتذة يميلون إلى المغالاة في تقدير أنفسهم والتّركيز على الجانب الشّكلي والخارجي فقط.
د- التّقويم استنادا إلى أداء الطّلبة: يجب أن تحد تغييرات عديدة على مستوى معارف وسلوكات الطّلبة، واستعمال أدائهم أو مخرجاتهم كمقياس قد يكون قاصرا لأنّ الأداء يتأثّر بالمعلّم وقد يكون قصير الأمد.
- خصائص التقويم التربوي وأبرز مجالاته:
5-1 الخصائص:
إنّ التقويم عملية يتم بواسطتها إصدار الأحكام وإبراز مدى وصول العملية التربوية إلى أهدافها، والكشف عن نواحي النّقص فيها، ولكي يقوم بهذه المهام لابد من مميزات تضمن له الاستمرارية والنّجاح ومن أهمّها:
- ارتباطه بالأهداف السّلوكية: أناء تقويم أداء الطّالب يبحث المعلّم عن مدى تفعيل الأهداف المنشودة والمراد بلوغها، ولا بد من تحديد مجموعة من الأهداف السلوكية سواء كانت معرفية أو مهارية.[22]
- الشّمول: إذا كان التّقويم قد اقتصر في وقت من الأوقات على جانب واحد من جوانب شخصية الطالب، وتحديدا تحصيل المعلومات لو تعلّق الأمر مثلا بالتقويم البيداغوجي الذي “يقف على المكتسبات السّابقة للمتعلمين وذلك للتأكد من مستوى بلوغ الأهداف المسطّرة واكتشاف الصعوبات التي اعترضتهم”[23] فقد أصبح محتّما أن يشمل الأهداف التربوية من مهارات وأساليب تفكير واتجاهات وقيم.
- الاستمرارية: بما أنّ وجود التقويم مقترن بوجود التّعليم والمتعلّم لابد من وجود تقويم ملازم لنجاعة العملية التعليمية التي تواكب دوما كل التطوّرات الحاصلة وتسعى لتحسين هياكلها ومكوّناتها دائما.
- توفير الوقت والجهد والتّكاليف: حيث ينبغي أن تراعى الناحية الاقتصادية ولا يرهق في المقابل باختبارات متتالية فينفق عليها ميزانيات خيالية بل لا بد من لاعقلانية في تسييرها والتمويل المادي لها.
- التنوع والديمقراطية: كلّما تنوع التقويم وتباين كلّما كان أفضل، فعليه أن ينوّع في الأساليب ويقوم الطّالب شفهيا وعمليا بصياغة أسئلة دقيقة، وعلى التقويم أن يتمّ في ظروف تتّسم بالحرية والصّدق لكي تعزى كلّ النتائج إلى أسباها الأصلية.
5-2 المجالات: لقد تعدّدت مجالات التقويم ولكن يمكن حصرها في المجالين التربوي والنّفسي أما الأوّل فيتمثّل في المنهاج والبرامج التعليمية، أما المجال النّفسي فيرتبط بالمعلّم بالدرجة الأولى بوصفه كيانا له مقوّماته الوجدانيّة التي لها أثرها البالغ في بلورة سيكولوجية المتعلّم، وتكييفها مع ما هو أفضل، فمجالاته تشتمل على الجوانب العملية بدءا من تقويم الأهداف ثم المنهاج وصولا إلى الكتاب المدرسي دون إغفال الإشراف التربوي وكذا التشريعات التربوية إلى آخر مكون نفسيّ ومن حيث مؤهّلاته وطاقاته وهو المعلّم الذي لا تتحقّق كفايته إلا عندما يكتشف مكامن وأسباب الصّعوبات التي تعترض طريق المتعلّم واتخاذ الإجراءات التحسينية المناسبة للتّغلب عليها.
ويضع المجالان في الحسبان “أداء التلميذ وعلاقته بالمؤسسة والمجتمع، ولا بد من تأطير أهداف وتخصيصها حيث تساعد هي الأخرى على تقويم المنهج والتعلّم والتّدريس والمقرّرات وصولا إلى البرامج والمعلّم”[24].
- أنواع التقويم التربوي وأبرز مراحله:
يسير التقويم وفق مراحل محدّدة حسب أهدافها وغاياتها فبعد أن صار عملية تربوية وركنا أساسا في العملية التعليميّة التّعلمية، كما يتضمّن أنواعا مختلفة لها مستوياتها :
- التقويم الأولي: ويتم عادة قبل بداية التّعلم في أي برنامج دراسيّ أو برنامج تعليميّ فيحدّد مستوى أداء المتعلّم في التّحصيل الدّراسي كما أنه يحدّد المستوى الذي يمكن أن تبدأ منه عمليّة التّعلم [25] ويسمّى بالتقويم القبلي أو التمهيدي، فيلجأ المعلّم إليه لتحديد خبرات الطّلاب التعليمية ” قبل عملية التعليم، كما يمكن أن يفيد هذا النوع من التقويم في تحديد الأهداف السّلوكية أو التربوية العامة منها والخاصّة وكذا اختيار طريقة التّدريس المناسبة” [26]
- التقويم التشخيصيّ: وهناك من يسبّق التقويم التكويني على التّشخيصي ليس من باب الإيثار وإنما لاعتبارات عديدة كالفرد مثلا أو مراحل تطوّر العملية التعليمية، وقد آثرنا التشخيصي، لأنه يحدث قبل عملية التّدريس أو أثناءها أو بعدها فهو حاضر في كلّ وقت وحين، والغرض من هذا التقويم هو ” تحديد مدى تحقيق الأهداف والتعرف على الأخطاء أو نقاط الضعف في التّعليم أو التّعلّم”[27] فالتلميذ يستعد لتلقي جملة من الخبرات التي ستنمّي من مهاراته وتزيد من كفاءاته مستقبلا.
- التّقويم التكوينيّ أو البنائيّ: يتّسم هذا بالاستمرارية حيث يرافق المتعلّم ليحدّد مستواه ويبرز قدراته ويتعرّف على أهم الثغرات ليسدّها لاحقا، كما يتعرّض هذا النّوع إلى المحتوى والوسائل والطرّائق المستخدمة والقدرة على استخدام التّقنيات ومستوى أداء العاملين، ويتسّم هذا النوع بعدم الانقطاع فهو “عملية متصلة تتّصل بكلّ جوانب العملية التّعليمية ومستمرة تحدث خلال حياة البرنامج من خلال القائمين على تنفيذه”[28] ويركّز التقويم البنائي على ما أحرزه التّلاميذ من تقدّ ويحقّق العديد من الوظائف كتحديد النقائص وإفادة التّلميذ بكل مسالك النجاح ولا يتمّ ذلك إلا بالاعتماد على الملاحظة والمناقشة والاختبارات القصيرة الأسبوعية أو الشهرية ويتوافق هذا النّوع من التقويم مع المفهوم الجديد والسائد للتقويم التربوي، كونه يوفر التغذية الراجعة المتمثلة في ما يعرف ببيداغوجيا الدّعم.
- التقويم الختاميّ: يركّز هذا النمط على تأثير البرنامج ومدى تحقيقه للأهداف المرسومة له لأغراض احتسابية غير نفعية وهناك من يطلق عليه اسم التقويم التّجميعي الذي يهتمّ بماضي عمليّة التعلّم “وتستند إليه بعض المقرّرات مثل الانتقال من قسم أدنى إلى قسم أعلى، فهو تقويم ذو طابع اجتماعي؛ لأنّه يسمح بتأهيل الفرد للقيام بوظيفة ما بعد الحصول على الشّهادة، فيجري في نهاية ثلاثي أو نهاية السّنة”[29] ولا يتمّ هذا النوع إلّا في ضوء محدّدات معيّنة من أبرزها تحديد موعد إجرائه، وتعيين القائمين عليه، مع مراعاة سرّية الأسئلة والدّقة والنزاهة في التّصحيح والغرض من هذا الشّكل التٌّقويمي متابعة نتائج الطّلبة والتعرّف على مدى توافق محتويات البرامج مع مستويات التلاميذ.
- أهمّية التقويم التّربوي في المنظومة التعليمة/التعلّمية:
لقد تعدّدت الأسباب والدّوافع التي تستدعي تقويم البرامج لذا ينبغي أن يكون مناسبا ليغدو الوسيلة الناجعة لتجسيد الطاقات الفاعلة ولتعميق القيم المهنية للتربية، كما أن حاجة التعليم إلى التطوّر ومواكبة المستجدات التي سترقى به حين يكون حصيفا ونزيها في إجراءاته ومناهجه، وللتقويم أهدافه التي ستؤطّر العملية التعليمية وتوجهها أكثر ويمكن حصرها في هدفين اثنين “الأوّل دافعيّ يرمي إلى تنمية أداء الأفراد، ومستوى كفاءتهم، وكذا مساعدتهم للحصول على وظيفة، والثاني تصحيحيّ عن طريق تحديد المشكلات الإجرائية وإزالة الأخطاء من البرنامج التّربوي وتحديد عيوبه، مع استثارة دافعية المتعلّمين للتعلّم”[30].
ولا غرو في أنّ التّأثير والتّأثر واضح وجليّ بين أطراف العملية التعليمية وبين التقويم التربوي الذي تكمن أهميته في تحسين العملية السّابقة وفي مختلف مستوياتها، ولا يتمّ ذلك إلّا ” بجمع البيانات والمعلومات وتحليلها وتحديد نوع النّشاط، وإعداد القوى البشرية للقيام بالتّقويم والتّجريب للتّعرف على مشكلات التّطبيق”[31] ونظرا لهذه الأهمية البالغة للتقويم التربوي بالنسبة للمنظومة ككلّ وبكلّ أجزائها لا ينبغي أن يستغلّ كأداء للعقاب أو ابتزاز السيكولوجيات بقدر ما يجب أن يراعى من خلاله حالة الممتحن بخاصة في الامتحانات الرّسمية فقد يتلاعب بمستقبل الكثيرين في حال استغلاله بسلبية مطلقة، ولابد من الصّدق والمسؤولية والعقلانية أثناء توسّله فلا يغدو التقويم بمثابة مثبّط تعجيزي لا يتواءم ومستوى التّلميذ سواء في البنائي، أو التشخيصي أو الختامي.
يمكن القول بأن للتقويم التربوي أهمية قصوى أكسبت التعليم طابع اللاثبات والتطوّر، كما له كلّ الفضل في الكشف عن المستويات المعرفية العامة والخاصة، وله الدور اللامنتهي في ترقية المهارات والنهوض بالبرامج التّعليمية والسّلوكات الفردية والجماعية رفم بعض المآخذ التي قد يستغلها البعض من المعلمين الذين يجحفون بشكل لافت في حقّ التلميذ والمنظومة التربوية.
[1] أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تحقيق: مهدي المخزومي، إبراهيم السّامرائي، ج4، سلسلة المعاجم والفهارس، ص232.
[2] ابن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، الدار المتوسطة للنشر والتوزيع، تونس، ط1، مادة قوم، 2005، ص ص (3356-3358).
[3] محمود منسي، التقويم التربوي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، القاهرة، دط ، ص13.
[4] رجاء محمود علام، تقويم التّعلم، دار المسيرة للنّشر والتوزيع، الأردن، ط1 ، 2005، ص 39.
[5] محمود منسي، التقويم التربوي، مرجع سابق، ص14.
[6] أنسي أحمد محمد قاسم، الفروق الفردية والتّقويم، دار الفكر للطّباعة والنشر والتوزيع، ط1 ، 2003، ص262.
[7] أنور عقل، نحو تقويم أفضل، دار النهضة العربية للطّباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1 ، 2001، ص47.
[8] قاسم علي الصّراف، القياس والتّقويم في التربية والتعليم، دار الكتاب الحديث، القاهرة، مصر، 2002، ص278.
[9] محمّد عبد الكريم أبو سل، قياس وتقويم تعلّم الطّلبة، دار الفرقان للنّشر والتوزيع، الأردن، ط1 ، 2002، ص13.
[10] محمد زياد حمدان، تقييم وتوجيه التّدريس، دار التربية الحديثة،دط، دب، 2000، ص6.
[11] أنور عقل، نحو تقويم أفضل، مرجع سابق، ص51.
[12] صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التّطبيقية، دار هومة، الجزائر، ط3 ، 2000، ص109.
[13] أنسي أحمد محمّد قاسم، الفروق الفردية والتقويم، مرجع، سابق، ص263.
[14] المرجع نفسه، ص16.
[15] محمّد عبد الكريم أبو سل، قياس وتقويم تعلّم الطلبة، مرجع سابق، 23.
[16] مروان أبو حويج، إبراهيم الخطيب، القياس والتقويم في التربية وعلم النّفس، الدّار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، الأردن، ط1 ، 2002، ص18.
[17] راشد حماد الدّوسري، القياس والتقويم التربوي الحديث، مبادئ وتطبيقات، دار الفكر، الأردن، ط1 ، 2004، ص31.
[18] المرجع نفسه، ص 19.
[19] مروان أبو حويج، إبراهيم الخطيب، القياس والتقويم في التربية وعلم النّفس، مرجع سابق، ص17.
[20] ينظر: صلاح الدّين محمود علّام، التقويم التربوي المؤسسي، أسسه ومنهجياته وتطبيقاته في تقويم المدارس، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1 ، 2003، ص ص (332- 333).
[21] المرجع نفسه، ص333.
[22] أنور عقل، نحو تقويم أفضل، مرجع سابق، ص57.
[23] محمّد الطّاهر وعلي، التقويم البيداغوجي ،أشكاله ووسائله، دار السّعادة للطّباعة والنشر والتوزيع، 2005، ص13.
[24] مروان أبو حويج، إبراهيم الخطيب، القياس والتقويم في التربية وعلم النّفس، مرجع سابق، ص29.
[25] محمود منسي، التقويم التربوي، مرجع سابق، ص35.
[26] أنور عقل، نحو تقويم أفضل، ص61.
[27] المرجع نفسه، ص60.
[28] محمّد عبد الكريم أبو سل، قياس وتقويم تعلّم الطلبة، مرجع سابق، ص19.
[29] محمّد الطّاهر وعلي، التقويم البيداغوجي، مرجع سابق، ص 23.
[30] محمود منسي، التقويم التربوي، مرجع سابق، ص 25.
[31] محمّد عبد الكريم أبو سل، قياس وتقويم تعلّم الطلبة، مرجع سابق، ص17.