
ضوابط استخدام التقنيات الحديثة و أثرها على تحقيق جودة التعليم، د. حميدة جميلة، جامعة لونيسي علي البليدة 2 .مداخلة ألقيت خلال الملتقى الوطني لمركز جيل البحث العلمي حول تقنيات التعليم الحديثة المنظم بالمكتبة الوطنية الجزائرية، يوم 20 ديسمبر 2016.
الملخص:
لقد عرف الميدان العلمي تطورا سريعا لاسيما في الألفية الأخيرة بسب إدخال العديد من الآليات والتكنولوجيات الحديثة التي أثرت بشكل رهيب على التحصيل العلمي بصفة عامة وجودة التعليم بصفة خاصة، كما أسفر استخدامها على تحقيق نتائج إيجابية من خلال تطوير مجال البحث العلمي ودعمه لمسايرة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين وتطوير نوعية التعليم في كافة الجوانب والمجالات حتي يستجيب لهذه المعطيات.
إلا أن استخدام وإدخال التقنيات الحديثة دون ضوابط وأخلاقيات أو شروط موضوعية من شأنه التأثير على نوعية التحصيل العلي وتحقيق أهداف التعليم.
لذلك نرى من الضروري أن يتوج استخدام آليات التعليم الحديثة بجملة من الضوابط والأخلاقيات التي تؤثر على تنمية الخبرات العلمية والاستفادة منها بشكل واسع في محيط الفئة التعليمة.
ضف إلى ذلك أن التقيد بهذه الأخلاقيات قد يساهم في التقليل من السلبيات الناجمة عن الاستخدام الكمي والعشوائي لتقنيات التعليم الحديثة مما يسفر على تنويع وتطوير البحث العلمي وتحسين جودته.
مقدمة
تكتسي عملية التدريس أهمية لايستهان بها في تطوير وتدعيم البحث العلي في كافة الميادين سواء النظرية منها أو التطبيقية، إلا أن مقتضيات التنظيم المحكم للعملية التعليمية وتقويمها بطرق موضوعية دقيقة، تقتضي إيجاد ضوابط وأخلاقيات من شأنها التحكم في كافة مراحل التدريس بهدف الارتقاء بهذه الرسالة إلى الأفضل وتحقيق نوعية جيدة في التعليم بكافة مراحله المنهجية شكلا وموضوعا.
لذلك ارتأيت من خلال هذه المداخلة التعرف عن التقنيات الحديثة وأثرها على دعم وتطوير جودة التعليم وما هي الآثار السلبية الناجمة عن استخدامها، وماهي القيود والضبوط الواجب مراعاتها والتي من شأنها تطوير البحث العلمي نحو النوعية والأفضل في حالة استخدام التكنولوجيا الحديثة.
إن الإجابة عن مثل هذه الإشكاليات العلمية تتطلب تخطيطا منهجيا يتضمن
أولا : دور التقنيات الحديثة في تحسين جودة التعليم.
ثانيا : قيود استخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية.
المبحث الأول: دور التقنيات الحديثة في تحسين جودة التعليم
إن الحديث عن أهمية ودور التقنيات الحديثة في تطوير ودعم البحث العلمي وتحسين العملية التعليمية نحو النوعية يتطلب بداية التعريف بهذه التقنيات الحديثة التي طرأت على التعليم بمختلف مراحله ، فاتخذ هذا الأخير مسارا جديدا كان له تأثير عميق على كافة أطراف العملية التعلمية سواء المدرس أو المتمدرس أو محتوى ومضمون ونوعية التعليم، فما القصود بالتقنيات الحديثة.
الجدير بالإشارة أن ثمة مصطلحين مترادفين فالبعض يستخدم عبارة تقنيات التعليم، في حين يستخدم البعض الآخر تكنولوجيات التعليم[1]، وفي الحقيقة أن هذه المصطلحات مترادفة فيما بينها، فلا يمكن الحديث عن دور هذه الأخيرة إلا من خلال الوقوف عن المقصود بها، لمعرفة مدى مساهمتها في تطوير وتحسين نوعية التعليم.
المطلب الأول: التعريف بالتقنيات الحديثة
إن استخدام التقنيات الحديثة تعد من سمات العصر الحديث واهتمامات الجيل المعاصر الذي يكاد لا يستغني عنها في كافة أوقاته أثناء العمل أو في وقت الراحة والاستجمام ولكن التطور المعرفي الهائل الذي شهدته الألفية الثالثة، ساهم بشكل واضح في إحداث تطورات هائلة على المجتمعات في مختلف الميادين.
ويعد الميدان التعليمي أهم الميادين التي تأثرت بهذا التغيير لاسيما المؤسسات التعليمية بمختلف درجاتها.
لقد تعددت التعاريف والمفاهيم بشأن التقنيات الحديثة، فهناك من يعرفها بأنها الوسيلة الناقلة للعلم والمعرفة والمهارة[2]، وورد في تعريف آخر أنها وسيلة من وسائل تطوير المنهج التعليمي[3].
كما ورد في تعريف آخر بأنها أسلوب توظيف البرامج التقنية في التربية بهدف زيادة فعالية العملية التربوية ورفع نقاشها من خلال إعادة تخطيطها وتنظيمها وتنفيذها وتقويم المخرجات التعليمية وهي منظومة متكاملة من الأجهزة والبرمجيات والإجراءات والعمليات التي يوظفها المدرس في العملية التعليمية[4].
كما ورد في تعريف آخر بأنها مجموعة من المعلومات والنشاطات المتعلقة بإنتاج وتشغيل وتخزين ونقل ومعالجة ونشر وتحليل المعلومات التي توفرها وسائل الاتصال الحديثة.
من خلال هذه التعاريف التي ذكرتها يمكن تقديم بعض الملاحظات بشأنها:
فهذه المفاهيم أغلبها تركز على معطيات جوهرية وهي: اعتبارها وسيلة للعلم والمعرفة، تهدف إلى تطوير المنهج التعليمي، وتستخدم البرامج التقنية عن طريق التخطيط والتنظيم المحكم.
ضف إلى ذلك أن استخدام هذه المصطلحات الحديثة تزامن مع التطور التكنولوجي الذي عرفته الحقبة الأخيرة من القرن العشرين، كما ارتبط ظهورها مع ظهور العلم التطبيقي التقني وهي تحمل فغي طياتها العديد من المعاني الدقيقة التي تعبر عن تكنولوجيا التعليم أبرزها: النظريات والبحث، الإنتاج، المواد التعليمية، التقويم التخطيط بالإضافة إلى العنصر البشري الذي يعتبر الركيزة المحورية لهذا العلم التقني.
وفي الأخير نشير أن تقنيات التعليم لها أهدافها ونظرياتها التي تعتمد غالبا على التطبيق والديناميكية المتطورة، كما تعتمد على مجموعة من الإجراءات الدقيقة والمعقدة، والتي من شأنها التأثير على العملية التعلمية سواء إيجابيا أو سلبيا.
لذلك سنحاول من خلال الحديث عن دور تقنيات التعليم في تحسين جودة التعليم وتدعيم البحث العلمي التعرف على هذه الجوانب بدقة ، ومدى انسجامها مع الشروط الموضوعية للتعليم.
المطلب الثاني: أثر التقنيات الحديثة على العملية التعليمية
كما هو معلوم أن التعليم التربوي اعتمد ولفترة تاريخية ممتدة على الطرائق الكلاسيكية التي حققت أهدافا متنوعة في التحصيل العلمي، لاسيما الشروحات، التحضير المستمر للدروس التي يتم إلقاءها من طرف المدرس الذي كثيرا ما يبذل مجهودات مستمرة بهدف الوصول إلى التلقين الجدي للبرنامج التعليمي.
والجدير بالإشارة أن الكتاب يعد عنصرا محوريا في تحقيق هذا الهدف، إلا أن معطيات الثورة المعلوماتية أدت إلى تغيير هذا الدور، فمن الشرح والتحضير المستمر إلى التخطيط والتقييم، حيث أصبح التعليم يعتمد عل مراحل مركبة تعتمد أساسا على التخطيط والتنظيم وتقاسم الأدوار بين المعلم والمتمدرس، حيث أتيحت لهذا الأخير الفرصة والمجال الواسع للمشاركة في إنجاح العملية التعليمية بمفهومها الحديث من خلال القدرات التي أصبح يتمتع بها الطالب في مجال الاتصال والتفاعل والانسجام مع التقنيات الحديثة وما توصلت إليه المعرفة في مختلف المجالات والتخصصات العلمية.
إلا أن هذا التطور لا يعني التقليل من قيمة المعلم أو المدرس لأنه يعد محورا جوهريا في استخدام التقنيات الحديثة والتحكم فيها، وهذا من خلال اعتماده على الخيرة والتخصص العلمي الدقيق الذي يجعل منه شخصا مؤهلا لتطوير البحث العلمي وتحسين جودة التعليم.
لذلك يمكن القول أن دور المدرس في ظل التقنيات الحديثة أخذ منعطفا جديدا يتطلب مسايرة مزايا وإيجابيات هذا العلم الحديث الذي أشر بشكل كبير على الدور الكلاسيكي لأطراف العملية التعليمية والتي أصبحت تعتمد على الديناميكية والحيوية ،وبلا شك أن هذا يقودنا إلى التعريج على الجوانب الإيجابية لتقنيات التعليم الحديثة التي حولت العالم بالفعل إلى قرية صغيرة يمكن التحكم في كافة أركانها ومعطياتها.
إن تقنيات التعليم الحديثة تعتمد على أهداف ومزايا جعلها تغزو العقول البشرية وتؤثر عليها كما وكيفا وهذا من خلال اعتمادها على عناصر جوهرية حققها عصر العولمة والمعلوماتية، فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى تعلم عدد هائل من العقول البشرية، نظرا لاعتمادها على وسائل متطورة في نقل المعلومات والمعارف العملية، لاسيما شبكة الإنترنت التي أصبحت تشتغل بشكل واسع في كافة مجالات البحث العلمي، لاسيما في إعداد المشروعات العلمية الأكاديمية.
ما دام أنها تشمل جميع المعرفة العلمية النظرية والتطبيقية، كما أصبح جمع البيانات والمعلومات أسرع ما كان عليه في السابق، بحيث يستطيع الباحث التوصل إلى نتائج الدراسة في فترة زمنية قصيرة، ما يؤدي إلى الاقتصاد في الجهد والمال، والتنقل الذي يضطر أن يقوم به للحصول على المصادر والمراجع العلمية، لأن الإنترنت هي شبكات من الترابط ذي نطاق عالمي واسع[5].
ومن الجوانب الإيجابية التي حققها استخدام التقنيات الحديثة في التعليم التغلب على مشكلة البعد الزماني والمكاني للوصول إلى المعرفة العلمية، نظرا لتطور شبكات الاتصال عالميا والتي تنقل المعرفة العلمية في وقت سريع فلم يعد من الصعوبة بمكان جمع المادة العلمية أو تحصيل المعارف.
بالإضافة إلى مسألة إيجابية حققتها بنجاح استخدام هذه التقنيات وهي التغلب على مشكلة نقص التجهيزات التعليمية التي غالبا ما كانت تطرح بحدة في ميدان تطوير البحث العلمي في كافة المستويات التعليمية.
إلا أن الجوانب الإيجابية التي أسفر عليها استخدام تقنيات المعرفة الحديثة لا تخلو من سلبيات وعيوب، فإن كان الهدف الأساسي من إدخالها في مجال البحث العلمي هو تحديث وتطوير التعليم وتنميته كما ونوعا، من خلال الاعتماد على ما يعرف بالمكتبات الإلكترونية، والأجهزة السمعية والبصرية ذات الطابع الإلكتروني، واستحداث الأجهزة المتعلقة بعرض البيانات، فإن هذا الاستعمال المتطور لا يخلو من عيوب وسلبيات.
وفي هذا نشير إلى مع ذكره الدكتور محمد السعيد: بأن التكنولوجيا الحديثة تعتبر بمثابة سلاح ذو حدين والفارق بين إيجابيها وسلبياتها في العصر يتوقف على مدى استخدام الفرد لها[6].
ونحن نقف على عبارة “مدى استخدام الفرد له” إن هذه العبارة توحي بأن كيفية الاستخدام هي التي تبرز إيجابياتها وسلبياتها، فإذا تم استخدمها بشكل إيجابي وهذا عن طريق التحكم فيها والتأكد من مصادر المعلومات المعروضة ومدى صحتها، فإن هذا بلا شك تتحقق معه جوانب إيجابية سواء للملقن أو للمتلقي لهذه المعلومات والمعارف، عكس ما إذا كان هذا الاستخدام بأسلوب عشوائي دون مراعاة الضوابط والقيود والأخلاقيات التي تجعل من التكنولوجيا الحديثة مصدرا للمعلومات وتحسين المعارف وتطوير التعليم والسير به نحو الجودة على غرار هذا التعليق سنتناول مسألة ذات أهمية في التعامل مع التكنولوجيات الحديثة والتي سأحاول الإجابة عنها من خلال التساؤل الآتي: ماهي القيود والضوابط التي تجعل التقنيات الحديثة وسيلة لتطوير البحث العلمي وتحسين جودة التعليم.
المبحث الثاني: قيود استخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية
من المعلوم أن إدخال التقنيات الحديثة أدى إلى إحداث تغييرات وتطورات ملحوظة في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا بسبب نقل حجم كبير من المعلومات إلى الأفراد، ويعتبر ميدان التعليم من أهم وأبرز الجوانب التي لا تستغني عن استخدام التقنيات الحديثة في تكوين العلم وإنجاز البحوث العلمية، ومرجع ذلك هو السرعة والدقة التي تتسم بها المعلوماتية واستخدام الحاسوب الإلكتروني الذي لم يستغن عنه أطراف العملية التعليمية ، فمن الوسائل التقليدية التي كان يستعان فيها كالكتاب والشروحات والندوات العملية والمؤتمرات وحلقات العلم التربوية التي تعتمد على المناقشة بكافة أخلاقيتها إلى المستحدثات التكنولوجية الجديدة في التعليم التي أصبحت تستعين بالحاسب الإلكتروني كأهم وسيلة لنقل المعلومات وإيصالها للفئة المتمدرسة والمؤتمرات والندوات التي يتم عقدها وتنظيمها عن بعد ، وهي كلها وسائل تعتمد على الديناميكية والسرعة وضخامة المعلمات، ولعل هذه السمات تتضمن جانب من الخطورة إن لم يتم استخدامها بأسلوب عقلاني تراعى فيه الضوابط والأخلاقيات التي تؤدي إلى التحكم في هذه الوسائل بأسلوب يجعل من أطراف العملية التعليمية هو العنصر المحوري والبارز في تسييرها.
المطلب الأول: ضوابط وأخلاقيات استخدام التقنيات الحديثة في التعليم
إن عملية التدريس هي همزة وصل عميقة بيت الملقن والمتلقي أو التعلم وهي عملية دقيقة مركزة تعتمد على العقل والفكر المنظم وتستعين بمجموعة من الوسائل التي تتحكم في نوعية التعليم وجودته، ولعل أهم هذه الوسائل هي المناهج التعليمية، الخبرة والتخصص وفي الأخير قدرة المدرس على ترغيب وتفعيل الفئة المتمدرسة.
فرغم اعتبار هذه المسائل من الأدوات التقليدية إلا أنها حققت جوانب إيجابية في إعداد الكفاءات العلمية المتخصصة في مجالات متعددة، لذلك فلا بد من الاستعانة بها رغم التطور التكنولوجي الهائل الذي أسفر على ظهور المعرفة والثورة المعلوماتية الضخمة.
لذلك يمكن القول أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تؤدي إلى زوال الأهداف التي حققتها الوسائل التقليدية التي كانت ولا تزال تعتمد عليها العديد من المؤسسات التعليمية.
والجدير بالإشارة أن التقنيات الحديثة كآلية لتطوير المعارف ونشر المعلومات وتطوير وتحسين جودة التعليم بمختلف مستويات ومراحله، يستند نجاحها إلى ضوابط وقيود تجعلها وسيلة لتحقيق أهداف العملية التعليمية.
لذلك أرى من الضروري التعريج على هذه القيود والضوابط التعليمية
أولا- المناهج كأداة لتنظيم المعرفة
إن التطور العلمي الحديث واستخدام تقنيات التعليم الحديثة أدى إلى ظهور كم هائل من المعلومات لم تعد تراعي فيها دور المناهج التعليمية كوسيلة لتنظيمها والتحكم في معطياتها.
باعتبارها طائفة من القواعد العامة للوصول إلى المعرفة تعرف بأنها:« فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين، حين نكون بها عارفين»، وعليه فهي وسيلة جوهرية لتحقيق المعرفة العلمية والبرهنة عليها.
وعليه فإن علم المناهج يعتمد على العقل المنظم والمتأمل وهو وسيلة لتنظيم الكم الهائل من المعلومات التي أحدثها عصر التقنيات الحديثة، فالاستعانة بالمناهج العلمية تلقي المعرفة وتلقينها وتطويرها هي بمثابة أداة فكرية عقلية من شأنها أن تساهم في التحكم في مدى صحة هذه المعارف الحديثة وتحليلها بأسلوب عقلي منظم[7].
وهنا يظهر دور المهج في عملية التنظيم والاستقراء والتحليل كضابط من ضوابط استخدام التقنيات الحديثة في كافة مراحل مستويات البحث العلمي.
ثانيا- الخبرة والتخصص العلمي
التخصص العلمي هو ما يختاره الباحث في المرحلة الجامعية يتحدد عن طريقه مساره العلمي والفكري والعملي، ويشترط في نجاح اختياره أن يستجيب نوع التخصص لمواهبه وقدراته العملية وميولاته الشخصية[8] والتخصص العلمي يستغرق مدة زمنية يقضيها الطالب في الجامعة لينال في النهاية شهادة تخصص معين.
لذلك فإن هذا المجال يساهم في تعميق المعلومات وتركيزها في ذهن الباحث مما يسمح له بالتحكم في المعلومات وغربلتها بدقة.
ضف إلى ذلك أن الخبرة العلمية تعتبر بمثابة دعامة لتنظيم المعلومات وتحليلها واستقرائها وتقييمها.
ثالثا- تطوير أدوات التعليم انسجاما مع متطلبات التقنيات الحديثة
إن الحديث عن خطورة استخدام التقنيات الحديثة لا يعني الاستغناء عنها لأن هذا الأمر يعتبر مستحيلا أمام أهميتها في تطوير المديان العلمي والمعرفي، لذلك فالأمر يتطلب الاستجابة والانسجام مع متطلباتها وهذا عن طريق تحديث أساليب التعليم وأدواته تماشيا مع الثورة المعلوماتية الضخمة، ويقترح الباحثين في هذا المجال ضرورة[9] الاهتمام بالإبداع المعرفي والاعتماد على شبكات المعلومات بدلا من تبني نظام التعليم المغلق وضرورة إتاحة الفرصة أمام الملقن حتى يتسنى له استخدام التقنيات الحديثة في مجال التدريس.
رابعا- التحكم في استخدام الجهاز الإلكتروني
فهذا الأخير يعتبر من أهم وسائل وأدوات المعرفة في عصر التكنولوجيا الحديثة، بل يعد له الفضل في انتشار هذا النوع من المعرفة العملية وهو يتسم بمجموعة من الخصائص التي ساهمت إلى حد كبير في تطوير المعرفة وتحديثها، كما يعتبر بمثابة نظام ناقل لكافة حقول المعرفة، لذلك يتجه البعض إلى القول بأنه ليس هناك حقل من حقوق المعرفة إلا والحاسوب يلعب دورا محوريا في نقلها وتطويرها[10].
إن متطلبات العصر الحديث في كافة المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية العلمية والتربوية جعلت من الحاسوب أداة للتواصل وتحقيق العديد من المخترعات العلمية الحديثة لذلك فهو تقنية تعليمية مؤثرة في تحقيق عدد هائل من المعارف وتحسين جودة التعليم في كافة المستويات لما يحتويه من أنظمة وبرامج ساهمت في تحقيق نوعية تعليمية تتسم بالديناميكية والفعالية والدقة مما أدى إلى تحقيق العديد من النتائج الإيجابية أهمها:
- الحصل على حجم هائل من المعارف العلمية.
ب– سرعة الحصول على هذه المعلومات واستغلالها في تحسين طرق التعليم وتطويره.
ج– القدرة على تخزين المعلومات واستعمالها عند الحاجة لها.
د– توفير الجهد على أطراف العملية التعليمية ولاسيما المعلم والمتعلم، لذلك فهو من جوهر الوسائل التي تحقق الراحة النفسية والبدينة والفكرية لهم.
إلا أن هذه المزايا والإيجابيات التي حققتها البشرية من استخدام هذا الجهاز الآلي لا تحول دون ضرورة التقيد ببعض الضوابط والقيود حتى لا يتحول المستعمل له إلى شخص آلي لاسيما:
- ضرورة التأكد من المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال استخدامه في ميدان البحث والمعرفة العلمية خصوصا تلك المعلومات التي تقدمها شبكة الإنترنت، لأنه أحيانا يتم الحصول على معلومات سرعان ما تتغير بعد إطلاع ثان.
ب– لا بد من استعانة الباحث بالتحليل والنقد وعدم تقبل كل ما يعرضه الحاسوب، لأنه وسيلة تعتمد على البرمجة النظامية والآلية للمعلومات كالمعارف.
ج- عدم التخلي نهائيا عن الأدوات التقليدية في التعليم وخصوصا الكتاب وتقديم الشروحات لأنها من الوسائل التي حققت نجاحا باهرا في تكون الأدمغة والكفاءات.
خامسا- عدم الإدمان على شبكة الإنترنت باعتبارها من أهم وسائل المعرفة الحديثة
بداية نرى أن دور هذه الشبكة المعلوماتية في نشر العلم وتطويره والوصول إلى سبل التقدم والرقي العلمي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فضلا عن تطوير البحوث العلمية في كافة المستويات التعليمية إلا أن هذه الإيجابيات لا تترتب إلا على الاستخدام العقلاني غير المفرط للباحث أو المستخدم، فقد أثبت ميدان التعامل مع هذه الوسيلة ظهور العديد من الأضرار والسلبيات على الفئة المستهلكة لها دون تحكم أو عقلانية الولوج عبرها ويمكن التعريج على أهمها:
أ- الأضرار النفسية:
إن قضاء وقت أطول أمام الإنترنت أسفر على ظهور أمراض واضطرابات نفسية للمدمنين على الجلوس أمام شاشة الحاسوب لفترة ممتدة قد تصل إلى ساعات متواصلة، مما يؤثر سلبا على اندماجهم الاجتماعي وأدب التعامل مع كافة أطراف العلاقات الاجتماعية لاسيما الأسرة باعتبارها العنصر المحوري والأساسي في المجتمع.
ب- الأضرار الفكرية والعقلية
لقد أثبتت الاحصائيات العلمية[11] أن هناك آثار سلبية يخلفها الاستخدام المزمن على الباحث من الناحية الفكرة والعقلية، حيث يتحول تفكيره إلى تفكير آلي بعيد كل البعد عن التأمل والتحليل وإبداء الملاحظات والنقد الذي يساهم في خلق النظريات الفكرية في عصر المعرفة الكمية.
ج- الأضرار العلمية (السرقة والقرصنة العلمية)
إنه لمن حسرة العقول ونحن نتحدث عن دور تكنولوجيات التعليم الحديثة في دعم وتطوير البحث العلمي، أن تصطدم بتحول هذه الوسيلة إلى أداة للسرقة العلمية والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية فكثيرا ما تحولت البحوث السابقة إلى مؤلفات حديثة فقط بتحويل اسم المؤلف دون وازع أخلاقي أو فكري، لذلك فإن هذا الجانب يعد عنصرا خطيرا لما يسفر عليه من مساس بحقوق مفكرين وباحثين أجهدوا أنفسهم في التأليف والإبداع العلمي والفكري.
إن هذه الآفة تعد سببا كافيا للحديث عن ضرورة التقيد بالضوابط والأخلاقيات العلمية والفكرية في التعامل مع التكنولوجيات الحديثة واستغلالها في تجويد وتحسين العملية التعليمية وتطوير البحوث والمعارف العلمية لذلك فالجدير أن نتساءل في ألأخير عن أثر التقيد بهذه الضوابط في تحسين واتقان التعليم.
المطلب الثاني: أثر ضوابط التحكم في تقنيات التعليم الحديثة على جودة التعليم
من المواضيع المطروحة في الساحة العلمية في عصرنا الحالي إدارة الجودة في المؤسسات التعليمية التي أضحت موضوعا حساسا للمؤتمرات الدولية والملتقيات والندوات العلمية والأيام الدراسية التي عقدتها العديد من المؤسسات لاسيما الجامعية.
كما أثرت على اهتمام كافة شرائح الفئات التعليمية من مدراء وقادة وباحثين، ويقصد بجودة التعليم كمفهوم حسب تعريف Rhodes بأنها عملية إدارية ترتكز على قيم ومعلومات يتم عن طريقها توظيف مواهب وقدرات أعضاء هيئة التدريس في مختلف المجالات لتحقيق التحسين المستمر لأهداف الجامعة[12].
في حين يتجه joblain ski إلى اعتبارها أسلوب جديد للتفكير والنظر إلى المؤسسة وكيفية التعامل والعمل داخلها للوصول إلى جودة المنتج.
كما عرفها معهد الجودة الفيدرالي الأمريكي بأنها:« أداء العمل الصحيح بشكل صحيح من المرة الأولى مع الاعتماد على تقييم المستفيد في معرفة مدى تحسين الأداء»[13].
من خلال هذه التعاريف يتضح أن للجودة علاقة بالإتقان وحسن الأداء وتثمينه، أما في ميدان التعليم فالجودة تعني تحسين العملية التعليمية وتطويرها نحو النوعية وهنا نتساءل ما علاقة الجودة بالتقنيات الحديثة في التعليم؟
إجابة عن هذا التساؤل نشير إلى أن الالتزام بالضوابط والقيود في استخدام تقنيات التعليم الحديثة من شأنه أن يحقق تطويرا معرفيا يجمع بين الاتقان والإبداع، الأصالة و المعاصرة في تطوير البحث العلمي، فالالتزام بالمعايير الموضوعية في التعامل مع التقنيات الحديثة يؤدي إلى عدم إعدام عقول الباحثين في التحكم في ما يعرض على الأجهزة الإلكترونية من معارف تتسم بالحكم والسرعة في العرض، فلا بد من جهود شخصية ذاتية من شأنها أن تساهم في تطوير وتحسين ورفع مستوى المنتوج العلمي، من خلال الاعتماد على التقييم والتحليل بدلا من النقل الآلي للمعارف العلمية.
فرغم التطور الذي أدى إلى حلول تكنولوجيات التعليم الحديثة محل العقول البشرية، إلا أن التفكير الآلي أثر سلبا على الفئات التعليمية، مما يتطلب ضرورة الاعتماد عليها كعنصر مكمل للآليات التقليدية التي لا يمكن إعدام أثارها ودورها في تحسين الأداء المعرفي لاسيما مهارات التعليم العقلية، والأداء التعليمي الشخصية.
وفي الأخير نشير إلى أن استخدام هذه التقنيات الحديثة بمعية القيود والضبوط السابقة من شأنها أن تحقق أداء علميا ذا جودة رفيعة في ميدان العملية التعليمية.
الخاتمة
نشير في الأخير إلى أن ما حققه المجتمع من استخدام تقنيات التعليم الحديثة لا يستهان به في ميدان المعرفة العملية ومقتضيات تطوير هذه الأخيرة بالنظر إلى سرعة التحصيل والاقتصاد في الوقت وإمكانية الإحاطة بكافة التطورات التي تحدث عالميا في مجال المعرفة التي أسفرت عن نتائج إيجابية مبهرة أدت فعلا إلى القضاء على الفوارق الفردية في التحصيل والتعلم.
إلا أن هذه الإيجابيات لا يمكن أن تترك بدون الاستعانة بالقيود والضوابط التي تتحكم في تلقين هذه المعارف والتعامل معها بأسلوب عقلاني يعتمد على التأمل والإبداع كعنصر محوري لتحقيق أهداف العملية التعليمية.
[1]– الدكتور عبد الحكيم الغزاوي، دور الوسائل والتقنيات التربوية الحديثة في تجودي العملية التعلمية، جامعة الجنان، محاضرة ألقيت بتاريخ 24 جانفي 2007، ص 04.
[2]– الدكتور فواز جاسم النداوي، التقنيات التربوية ودورها في تطوير طرائق تدريس التربية الرياضية، في مجال التعليم العالي، مجلة جامعة مركوك للدارسات الإنسانية، المجلد السابع، العدد السنة، السنة 2012.
[3]– هذا التعريف للدكتور، جاسم فواز النداوي، مرجع سابق، ص 02.
[4]– الدكتور رجاء زهير خالد العسلي، استخدام التكنولوجيات في الإدارة التربوية، جامعة القدس، ص 06.
[5]– لمزيد من التوضيح راجع: عمر حمداوي العربي بن داوود، دور الإنترنت في خدمة البحث العلمي، عدد خاص الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في التعليم العالي، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة العدد ، ص 473.
[6]-الدكتور محمد السعيد
[7]– الدكتور عبد الرحمن بدوي، البحث العلمي، وكالة المطبوعات الكويت، الطبعة الثالثة 1977، ص 04.
[8]– شريف يعقوبي، التكوين الجامعي المتخصص، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في تنمية الموارد البشرية، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، جامعة منتوري قسنطينة، 2007/ 2008، ص
[9]– الدكتور عبد الحكيم الغزاوي، دور الوسائل والتقنيات الحدثة في تجويد العملية التعليمية، مرجع سابق، ص 08.
[10]– للإيضاح أكثر، ارجع: الدكتور خماسي العيبي، التقنيات التربوية الحديثة والتعليم الذاتي، مجلة الأستاذ، العدد 203، لسنة 2013، دجلة، ص 120.
[11]– الدكتور سمير يوسف فرحات قديسات، الآثار السلبية لاستخدام تكنلوجيا المعلومات والإنترنت على يجيل الشباب في المجتمعات المستهلكة للتكنولوجيات، الموقع
[12]– الدكتور خالد أحمد الصرايرة، الدكتورة ليلى العساف، إدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي بين النظرية والتطبيق، المجلة العربية لضمان جورة التعليم العالي، صادرة عن جامعة عمان، مؤتة، الأردن، المجلد الأول، العدد الأول، 2008، ص 10.
[13]– عبد العزيز عبد العالي زكي عبد العالي، إدارة الجودة ودورها في بناء الشركات، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال، الجامعة الافتراضية الدولية بالمملكة المتحدة، 2010، ص 07.