الظواهر النفسية والاجتماعية السلبية المؤثرة على النشاط العقلي “ الخرافة و الأسطورة نموذجاً“
Negative psychological and social phenomena affecting mental activity “Myth and Legend as an Example”
بروفيسور أبكر عبد البنات آدم/جامعة بحري، السودان
Prof Abaker Abdelbanat Adam / University of Bahri , Sudan
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 95 الصفحة 57.
Abstract:
This study dealt with the negative psychological and social phenomena that affect mental activity. If we look closely at the commands and prohibitions, we find that they, in their entirety, came for the good of humanity. It is no secret that religion has psychological aspects that encourage people to bear calamities, withstand calamities, and interact with various cosmic phenomena, to achieve the purposes of legislation. Islamic. Those who deny the existence of God Almighty, and they are the ones who claim that nature is the one that created the universes, and it is the one that disposes of their affairs, so if they are afflicted with a calamity, they panic and panic, and they shake a great earthquake. The study came to correct some of the opinions that view religion as an increased burden on humanity, and claim that any religion can be a myth, myth, or magic, and that there is no relationship between religion and moral values. With the different philosophical schools, the imaginary perceptions of religion have become far from the realistic and logical perception. The study aimed to formulate objective and logical evidence that confirms the importance of religion as a social institution that no human association is without. The researcher used the descriptive analytical method to detect those phenomena that affect mental health.
Keywords: religion – psychological phenomena – belief – ethics – myth – superstition.
ملخص :
تناولت هذه الدراسة الظواهر النفسية والاجتماعية السلبية المؤثرة على النشاط العقلي، فإذا أمعنا النظر في الأوامر والنواهي نجد أنها في جملتها جاءت لخير البشرية، ولا يخفى أن للدين نواحي نفسية تشجع الإنسان على احتمال المصائب والصمود في النكبات، والتفاعل مع الظواهر الكونية المختلفة، لتحقيق مقاصد التشريع الإسلامي، فالذين ينكرون وجود الله عزّ وجلّ، وهم الذين يزعمون أن الطبيعة هي التي أوجدت الأكوان، وهي التي تتصرف في شؤونهم، فإذا ما أصيبوا بمصيبة جزعوا واضطربوا، وزلزلوا زلزالاً كبيراً، وقد جاءت الدراسة لتصويب بعض الآراء الذين ينظرون للدين بأنه زيادة عبء على الإنسانية، ويدعون بأن أي الدين يمكن أن يكون خرافة أو أسطورة أو سحر وليس هنالك علاقة بين الدين والقيم الأخلاقية، ومع اختلاف المدارس الفلسفية فإن التصورات الخيالية عن الدين قد بات بعيداً عن التصور الواقعي والمنطقي، وقد هدفت الدراسة إلى صياغة الأدلة الموضوعية والمنطقية التي تؤكد أهمية الدين كمؤسسة اجتماعية التي لا تخلو أية جمعية بشرية عنها، استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي للكشف عن تلك الظواهر التي تؤثر على الصحة النفسية.
الكلمات المفتاحية: الدين- الظواهر النفسية- العقيدة- الأخلاق- الأسطورة- الخرافة.
مقدمة :
من السنن الكونية التي لا مناص منها هي أن فكرة التدين صفة متأصلة في النفس الإنسانية منذ نشأتها الأولى، وتختلف هذه النزعة باختلاف البيئة والثقافة والحضارة التي تسود في كل مجتمع، إذ إن التعاليم الدينية واضحة في هذا المجال، فالإنسان ابن بيئته فمتى ما كانت البيئة صالحة يصلح الإنسان ولا شك في أن المعتقدات الدينية التقليدية تلعب دوراً متعاظماً في تقويم سلوك الفرد في كثير من المجتمعات اليوم، خاصة في الجوانب السيكولوجية التي ترتبط بالمسؤولية الاجتماعية والانتماء الديني والالتزام الأخلاقي، فالتقوى التلقائي تدل على قوة الناحية الروحية والمادية معاً، فالدين مؤسسة اجتماعية لا تستغني عنها أية جماعة بشرية مهما كانت بدائية أو متحضرة، وقد دلت بعض الدراسات الفسيولوجية والأنثروبولوجية على أن البشر حتى في أدوار ما قبل التاريخ كانوا متأثرين بفكرة التدين إلى أن جاءت الرسالات السماوية، فأصبح الدين من أكبر المؤسسات التي لا تضاهي قوتها كل المؤسسات الاجتماعية الأخرى.
مشكلة الدراسة: بالرغم من المسؤوليات المتعاظمة التي يجب أن يقوم بها المسلمين اليوم؛ وأن يبيّنوا للعالم ما هو الإسلام الذي ارتضاه لعباده، وبيان أن الدين يجمع في طياته كل الجوانب الاجتماعية، والتربوية، والنفسيّة، والاقتصادية، والسياسية، والتشريع الكامـل، والحكم ونظامه، والدولة وربطها بحاجة الفرد والأسرة والأمة والمجتمع، إلا أن هنالك من يعبث في مفهوم الدين، ويدعوا إلى علمنة الدين بحجج واهية لا يمد للإيمان بصلة، مما دعا ضعاف النفوس إلى الإذعان في الخرافات والأساطير والسحر وغيرها.
أهمية الدراسة: تكمن أهمية الدراسة في تحقيق حتمية الدين في حياة الإنسان من خلال بناء قيم المجتمع، وممارسة الشعائر التعبدية على نحو يحقق بناء العلاقة بين العبد وربه بعيدا عن النوازع السيكولوجية والأنثروبولوجية.
أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى تحقيق الآتي:
1. الإلمام بأن للدين والتدين مكانة سامية في نفسية كل من يستطيع إعمال عقله نحو سبيل الرشاد.
2. الكشف عن خطورة الانحراف نحو الخرافات والأساطير.
3. التأكيد بأن من السنن الكونية أن يولد الإنسان على الفطرة الطبيعية.
أسئلة الدراسة: تنطلق أسئلة الدراسة من السؤال الرئيسي: هل هنالك علاقة بين الظواهر السيكولوجية الاجتماعية والمعتقدات التقليدية المحلية؟ ومنها :
1. كيف يمكن تصور الظواهر النفسية والاجتماعية في حياة الفرد والجماعية؟
2. ما علاقة الظواهر النفسية بالخيالات والخرافات؟
3. إلى مدى يمكن تأثير الظواهر النفسية السلبية على فكرة الدين والتدين؟
4. هل للمعتقدات الدينية التقليدية علاقة بالظواهر النفسية؟
فروض الدراسة: تنبع فروض الدراسة من الأسئلة الرئيسية، وهي على النحو الآتي:
1. هنالك تصور خيالي بأن الظواهر النفسية علاقة وثيقة بحياة الفرد والجماعية.
2. ترتبط بعض العلاقات الاجتماعية بالخرافات والأساطير.
3. للأساطير والخرافات دور كبير في كثير من البيئات الاجتماعية.
منهج الدراسة: استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي لمعرفة أثر الاعتقاد بالخرافات والأساطير على حياة الإنسان.
المبحث الأول: مفهوم الدين
الدين لغة: للدين في اللغة معانٍ عديدة ومتشعِّبة حتى يبدو وكأنه يستعمل في معاني متباعدة بل متناقضة، فالدين هو الملك والخدمة والقهر والذل والإكراه والإحسان والعادة والعبادة والسلطان والخضوع والإسلام والتوحيد[1]، وهو اسم لكل ما يُعتقد أو لكل ما يتعبد به، وتبعاً لهذا التبايُن والاختلاف في تحديد معنى الدين لغةً أُثيرت مسألة عدم أصالة هذه الكلمة في اللغة العربية، وأنها دخيلة مقارنة باللغات الأخرى كالعبرية أو الفارسية[2]، والمتصفِّح في اشتقاق هذه الكلمة ووجوه تصريفها يستشف من هذا الاختلاف الظاهر تقارباً شديدًا، بل توافقاً وانسجاماً في جوهر المعنى، إذ يجد أن تنوع هذه المعاني مرده إلى ثلاثة مضامين تكاد تكون متصلة باعتبار أن الكلمة التي يُراد شرحها ليست كلمة واحدة، بل ثلاث كلمات، أو بعبارة أدق إنها تتضمن ثلاثة أفعال بالتناوب فكلمة الدين تأتي مرة من فعل متعدٍّ بنفسه: دانه يدينه، وأحياناً من فعل متعدٍّ باللام: دان له، وتارة من فعلٍ متعدٍّ بالباء: دان به، وباختلاف الاشتقاق يختلف المضمون[3]، وتأكيداً على هذه المعاني اللغوية فإن كلمة الدين تتضمن علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول كانت خضوعاً وانقياداً، وإذا وصف بها الطرف الثاني كانت أمراً وسلطاناً، وحكماً وإلزاماً، وإذا وُصف بها إلى طبيعة العلاقة بين الطرفين كانت هي الطريقة المنظمة لتلك العلاقة أو الشكل الذي يمثلها، لذلك فإن محاولة تحديد مفهوم الدين لغة يضعنا أمام مجموعة مرادفات تصبُّ بشكل أو بآخر في الاتجاه نفسه، والذي ينصب حول لزوم الانقياد ففي الاستعمال الأول هو إلزام الانقياد، وفي الاستعمال الثاني هو التزام الانقياد، وفي الاستعمال الثالث هو المبدأ الذي يلتزم الانقياد له، ومع تلك التحليلات، يرى عبد الله دراز بأن هنالك عدم توافق بين المعنى اللغوي، والمعنى العرفي ليس كل خضوع وانقياد يسمَّى في العرف تديناً، فخضوع العبد لسيده وطاعة الابن لأبيه وإكبار الخادم لمسؤوله لا يجسِّد معنى الدين الذي نعنيه، كما أنه ليس كل اتجاه أو مذهب يسمى ديناً[4].
الدين اصطلاحاً: عرّفه عبد الله دراز:” بأنه وضع الهي سائق لذوي العقول السليمة بإخبارهم في الحال والصلاح في المآل”[5]، وهذا يشمل العقائد والأعمال وكل ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة، أو التسليم لله تعالى والانقياد إليه، كما عرّفه طه الهاشمي:” بأنه هو الاعتقاد بوجود قوة أعظم يجب الانقياد إليه”[6]. فالدين هو ملة الإسلام الذي هو دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[7]،وقال تعالى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[8]، وقال تعالى،{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[9]، غير أن هنالك من عرّفه بأنه “الشرع الإلهي المتلقَّى عن طريق الوحي”[10]، يطلق مصطلح الدين على مجموعة من الأفكار والعقائد التي توضح بحسب معتنقيها الغاية من الحياة وتفسر علاقة البشر بالكون، فكلمة دين تستعمل أحياناً بشكل متبادل مع كلمة إيمان أو نظام أو اعتقاد ولكن الدين يختلف عن الاعتقاد الشخصي من ناحية أنه يتميز بالعمومية، حيث ينظم سلوك الإنسان فيجعله ملتزماً في ممارسة كافة شعائره التعبدية.
وقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقق الغاية من رسالة الإسلام بمثل ما أتى به الأنبياء والرسل السابقين، مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، بأن جميع التشريعات الإلهية كلها تشريعات ربّانيّاً سعت إلى تثبيت هذا المفهوم في قلوب المسلمين ليعي المسلم حقيقة دينه ومداه ومستواه، فلا يأخذه الضعف أو الجهل أو يلهث وراء العلمانيّة والديمقراطية والحداثة، فأحسن التبليغ لقوله صلى الله عليه وسلم: “مثلي في النبيين كمثل رجلٍ بنى داراً، فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تمَّ موضع هذه اللبنة، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة”[11]، فالدين من حيث الواقع والحقيقة والعقل، هو المنهج الرَّباني الكامل الذي يبيّن مهمّة استخلاف الإنسان في الأرض ، ليعرف كلُّ إنسان أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه، وهو الذي كلَّفه بمُهمَّةٍ عظيمةٍ يقوم بها في الدنيا، حتى تكون الطريق أمامه مشرقةً جليّةً، ممتدٍّ إلى الدار الآخرة، ولا يتأتى إلا إذا عاش المؤمن في هذه الحياة الدنيا مطمئنَّاً راضياً واعياً لمهمته وتكاليفه الربَّانيَّة، فلا يُعقل أبداً أن يكون الدين طقوساً تؤدَّى على صورة ما، تنفصل بعد ذلك عن واقع الحياة الدنيا وأحداثها وميادينها، ثمَّ يصبح الإنسان بعد هذا الانفصال هو الذي يقرر، يعبد العقل حيناً، ويعبد الأهواء والشهوات، ويعبد المصالح المتضاربة المتنافسة، ويعبد الأوثان وما يوحي به شياطين الإنس والجن حيناً آخر، فالدين بهذا المفهوم هو منهج حياة ينظم عمل المؤمن الصادق لله عز وجل، ويقيم الحقَّ والعدل والحريَّة المنضبطة لتحقيق المساواة العادلة بين الناس، فكثير من الناس غاب عنهم التصوّر السليم للدين، فاضطربت تصوّراتهم اضطراباً واسعاً، فمنهم من جعل من الدين معنىً للعبادة والطقوس والشعائر فقط، ومنهم من نادى بعزل الدين عن السياسة والحكم، أو عزل السياسة والحكم عن الدين[12]، ومثل هذه التصوُّرات بدأت في الغرب على إثر اصطدام النصرانية بالوثنية، ثمَّ اصطدام الكنيسة برجال العلم وبالدولة والحكام، ثمَّ أخذت تمتدُّ إلى العالم الإسلامي بين المسلمين، حين انتشر الجهلُ بالكتاب والسنَّة، فقويت دعاية الغرب عندما أطلق فكرة الغزو الفكري والثقافي، ومن أهمِّ التصوّرات الدينية التي غابت عند الغربيون هو معرفة الإنسان لمهمته في الحياة، وما هي التكاليف الربّانيّة التي أمره الله عز وجل الوفاء بها[13]، وقد أوجز سبحانه وتعالى مهمة الإنسان في الحياة الدنيا بمصطلحات أربع: العبادة والأمانة والخلافة والعمارة، فإنه مع هذا الإيجاز فصَّل كل مهمّة تفصيلاً كاملاً، ثمَّ جمعت المهمات كلها في نشر دين الله في الأرض ودعوة كافة الناس إليه، حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ومن أجل تحقيق تلك الغايات شرع الله القواعد والوسائل والأساليب وفصّلها حتى يتيسَّر للإنسان فهم معنى الدين، وفهم تصوُّراته، لقوله تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[14]، فالدين بصفة عامة من أهم مكونات البعد الثقافي والحضاري لأي أمة، وتنطبق هذه الحقيقة أكثر ما تنطبق علي الإسلام، كما أن مفهوم الدين وكيفية ممارسة شعائره هو ما يعبر عن المفهوم الحقيقي للانقياد والطاعة، أما إذا نظرنا للغرب لم يفقد الدين أهميته علي المستوي الفردي أو الجماعي، ولكنه تحول خلال القرنين التاسع عشر والعشرين إلى اختيار شخصي أو ذاتي حتي المجتمع لا ينقاد إلى الاعتقاد الديني أو ممارسة شعائره إلا ما ندر، وهذا التحول لم يحدث بسهولة؛ ولكنه حدث بعد قرون طويلة من القهر والاستبداد والحروب من خلال الصراعات الدينية، ومحاكم التفتيش في إسبانيا وباقي دول أوروبا، والتي راح ضحيتها الكثير، ولكن أوروبا ومن خلال عصر التجربة والتنوير اكتشفت أنه مهما أهدرت من دماء فلن يغير شخص أو تغير جماعة عقيدتها الدينية، وأن الحل الأمثل يكمن في التعايش والحوار، وما إن غاب الحوار ظهر ما يعرف بفصل الدين عن الدولة فتحولت العلاقة بين الله و الإنسان إلى علاقة على المستوي الفردي دون أن يفقد الدين قيمته كحاجة إنسانية، ولعل أكثر فلاسفة الغرب الذين كان لهم أكبر الأثر في ذلك هو الفيلسوف الإنجليزي (جون لوك) الذي ذكر في كتابه (القيم) عن أهمية تسامح الإنسان مع ربه، ولكن من خلال النظرة الضيقة للدين أصبح من حق الإنسان في الغرب أن يكون مسيحياً بروتستانتياً أو كاثوليكياً أو مسلماً سنياً أو شيعياً، أو حتى بلا دين على الإطلاق، ومن حقه أن يذهب إلى الكنيسة أو لا يذهب، وليس من حق المجتمع أن يضطهد أي شخص بناءً علي معتقداته الدينية أو ممارسته للشعائر، وعلى المجتمع أن يحترم حق الفرد والجماعة في الدعاية لمعتقداته طالما لا يمارس العنف أو التحريض في هذه الدعاية[15].
ومن ناحية أخرى فإن دراسة الدين كصيرورة اجتماعية يُمكّن الإنسان من فهم أنماط التديّن الاجتماعية على ضوء فهم الدين كعملية تمايز للمقدس وغير المقدس؛ فنصوص الدين تجعل الذات الإلهية متعالية ومتباينة للعالم الوجودي كله، ولكن بمرور الوقت تشكلت في المخيال هوة هائلة بين المتعالي والدنيوي، ولهذا يميل كثير من الباحثين إلى دراسة الدين من خلال فهم التمايز الذي يجعل للتديّن قيمة إضافية[16]، فإذا كان الدين ببنيته العقدية يميز بين الوجود الدنيوي والوجود الأخروي؛ فإن التديّن يشكل القلب الدنيوي، بصفاته وأحكامه لا بذاته، أما في الأديان الأخرى فالوضع مختلف لأن قاعدة الإيمان عندهم لا تَخَلق التمييز بين الإله والدنيوي؛ فالتجسيد أي حلول الإله في جسد الآدمي، هو حضور للمتعالي مباشرة في العيني، وعلى منوالها وجدت مذاهب وتيارات تقول بالحلول والاتحاد، كمذهب وحدة الوجود الذي فيه وحدة تامة للموجودات كلها، لكن من يعتمد الفصل، فإنه يضطر إلى القول بالتوسط والواسطة، بمعنى أن هناك واسطة بين الإله والعالم تتمثل في النبوة أو الإلهام والوحي المتلقي، لذلك لا يمكن حصر أنماط التديّن كافة، في صيغها التاريخية، وقد أكد بعض علماء النفس أن نشاطات الإنسان النفسية يمكن حصرها في ثلاثة جوانب: الجانب المعرفي الفكري، والجانب العاطفي الوجداني، والجانب المتعلق بالسلوك، وبالطبع ليس كل أنماط التدين دافعها خارجي؛ بل قد يكون لبعضها منشأ داخلي (ذاتي)، ومن المعلوم أن عموم الأديان لجميع الأمم لا يعني خضوع كل أفرادها لنزعة التدين فلا تخلو أمة من منكرين وساخرين يحسبون الحياة لعباً ولهواً، ويتخذون الدين وهماً وخرافة، لكن هؤلاء لا يشكلون إلا جزءاً قليلاً في كل أمة، وهم في الغالب من المترفين الذين لا يضعون للحياة قيمة ولا يدركون أن هنالك أزمات وتحديات قد تعوق مصير الإنسانية، وقد جاء في معجم (لاروس) للقرن العشرين: “إن الغريزة الدينية هي صفة مشتركة بين كل الأجناس البشرية، وتختلف ممارستها حسب التقدم العلمي والمعرفي والفكري والثقافي، وتختفي وتضعف هذه النزعة عندما يبتعد الإنسان عن التزاماته الدينية”[17].
هكذا تطور مفهوم الدين بتطور العلوم والثقافات، حيث ترتكز بعض الديانات على الاعتقاد فقط، في حين يعتمد آخرون على الجانب المادي والروحي، والبعض الآخر يعتمدون على الخبرة الدينية الذاتية للفرد في حين يرى آخرون أن كافة أنشطة المجتمع الدينية جزء من الوازع الديني، وقد ذكر بعض علماء الأنثروبولوجيا (جون موناغان و بيتر جست):” أن هنالك شيئاً واحداً (الدين أو المعتقد) يساعدنا على التعامل مع مشاكل الحياة البشرية الهامة، وهناك طريقة واحدة مهمة هي اكتمال المعتقدات الدينية، من خلال تقديم مجموعة من الأفكار حول كيف يمكن للإنسان أن يستوعب الظواهر الطبيعية الكونية مقارنة بعالمية الخلق[18]، فالدين عند علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا هو مجموعة من الأفكار والتأملات والتصورات المجردة، والقيم أو التجارب القادمة من رحم الثقافة التي تعتمد على مبدأ الطبيعة[19].
المبحث الثاني: مفهوم الخرافة
جاء في لسان العرب أن الخُرافةُ هي الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ من الكذِبِ[20]، وذكر ابن الكلبي في قولهم أَنَّ خُرافةَ من بني عُذْرَةَ أَو من جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثم رجع إلى قومه فكان يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مـما رأى فيَعْجَبُ منها الناسُ فكذَّبوه فجرى على أَلْسُنِ الناس بأنه كاذب[21]، ويطلق الخرافة على الرجل الذي غاب عن قبيلته زمناً ثم عاد فزعم أن الجن استهوته، وأنه رأى أعاجيب جعل يقصها عليهم، فأكثر فأعجبوا بخرافته وتعوذوا من آفته[22]، وتقول فلان خرِف عقله، أي فقد التمييز بين الحق والباطل فيما يستمع إليه ويتصوره، وصار عقله مستودعاً للخرافات والأساطير[23]، وتقوم الخرافة على أساس أساطير وهمية، ومن كلمة أسطورة جاءت كلمة story أي قصة أو رواية، فالخرافة أساطير وروايات لا محل لها من التصديق، وتعتبر الأديان السماوية الخرافة نوع من الانحراف القيمي والسلوكي إذا شاب في المجتمع، بينما تقوم الأديان التقليدية أو المحلية على فكرة الخرافة، فالخرافة هي التفكير الغير علمي وغير السوي على شيء معين من جراء هوى النفس، أو أمر شخصي من الصعب الحكم عليه، وغالباً ما يدين المتدينون بديانة سماوية غير أنهم يؤمنون بالخرافات، وينظر بعض الملحدين واللادينيين والمشككين للعقائد الدينية بأنها عبارة عن تنبؤات للعادات الخارقة، وبشكل عام توصف الممارسات الدينية بالخرافة الخارقة للآلهة كالسحر وتناسخ الأرواح، أيضاً الخرافة هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي ومنطقي مبني على العلم والمعرفة، وترتبط الخرافات أحياناً بالتراث الشعبي للشعوب والأمم، حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال، وهي معتقد لا عقلاني قد تكون فكرية ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية[24]، ومن الخرافات الثقافية أو الاجتماعية إيمان كثير من الناس بأن الخرزة الزرقاء تدفع الشر، وبأن نعل الفرس مجلبة للخير، وتطُّيرهم بالغراب وما إليه، وتشاؤمهم من الرقم 13، وهنالك من يصنعون خرافاتهم بأنفسهم في كثير من الأحيان فقد يشتري المرء ورقة منتهية برقم معين فيكسب إحدى الجوائز الكبرى، فيعتقد أن هذا الرقم هو رقمه الميمون فهو لا يشتري إلا الأوراق التي تنتهي بالرقم المعين[25]، وقد وجدت الخرافة في كثير من المجتمعات التي سميت نفسها بالعقلانية كحضارات شرق المتوسط أو بلاد ما بين النهرين، لذلك فإن إثبات الأمر لا يحتاج لجهد سوى مطالعة المجلدات الأولى من الموسوعات التاريخية التي عنت بأحداث ما قبل التاريخ كالطبري أو قصة الحضارة، وقصص الآلهة اليونانية والرومانية وصراعها مع الواقع[26]، وما يهمنا هو أن الخرافة التي نشأت في ظل مجتمع ديني أو تسبب الدين نفسه بنشوئها ليست بالضرورة أن تكون ضمن الخرافات التي تتعامل معها الشعوب على أنها تراث أدبي صرف دون أن يكون له تأثير اجتماعي أو له دور جوهري في بنية العقل، لذلك من الصعوبة بمكان القضاء على ظاهرة الخرافة في التاريخ البشري على الرغم من تطور النهضة العلمية في الحقول الطبيعية والإنسانية، فمازالت تأثير هذه الظاهرة تؤثر فكرياً حتى على المجتمعات الأكثر تقدماً وحداثة في الغرب، ومازالت هنالك شريحة كبيرة تؤمن بتأثير قوى خفية مسكونة في الكون[27]، ومن أهم العوامل لاقتراف الإنسان ثقافة الخرافة هي :
أولا: غياب نزعة التدين والعقلية العلمية الواعية، وهذا العامل مشترك بين المجتمعات المتدينة وغير المتدينة، ويعزي تلك الفكرة إلى ضعف الإيمان بالغيب، فمشكلة الغيب ليس له مقياس مادي لكي نتمكن من ضبطه، ولكن بقوة الإيمان يمكن تحديد ما يمكن الإيمان به؛ وما لا يجب الإيمان به، فالإنسان يألف التعامل بمقاييس مادية ورحية، فعندما تطرح خرافة ما وتلبس لبوس الغيب لا يستطيع المتدين العادي رفضها لأنه لا يملك المقياس المادي أولاً، ولا يملك المعيار الفلسفي الدقيق الذي يجعله بمنأى عن الوقوع في فخ الخرافة.
ثانياً: نشوء الفكر المادي عبر التاريخ مما دفع بعض الفلاسفة والعلماء إلى رفض فكرة الغيب، فهم لم يستطيعوا هضم الخرافة والتسليم بها، وفي الوقت نفسه لم يملكوا معياراً دقيقاً في تمييز ما هو خرافي واجتنابه؛ وما هو غيبي يجب الإيمان به، فعمموا حكم الخرافة على الغيب.
وتؤكد بعض الروايات التاريخية والآثارية أن ديانات شعوب العصر الحجري القديم تعتمد على المعتقدات الدينية الوضعية التي كانت تسود معظم المجتمعات التقليدية، والتي تمثل أكبر مستوطنة عرفتها الإنسان البدائي الأول، وأن هذه التماثيل التي صُنعت ونحتت من الرخام والكلس الأزرق، والبني والصخر والكالسيت والبازلت تؤكد جود مفهوم الإله المقدس وغير المقدس عبر التاريخ، وعلى هذا الأساس وُجدت هذه التماثيل المُتقنة في كثير من الأماكن خاصة في الأضرحة والمدافن والأهرامات وغيرها، حيث وُجدت العديد من التماثيل تبين مكانة الآلهة الذكورية جالساً على عرشه؛ ومحاط باثنين من إناث الأسود[28]، ونستنج من هنا، أن هذه التماثيل ربما كانت تستخدم كوسيلة لضمان الحصاد أو لحماية إمداد الغذاء، أو درعاً للكوارث، ودائماً كان – وما زال- فكرة الدين يشغل عقول الناس ووجدانهم في كثير من جوانب الحياة، لذا كان موضوع الدين ملتصقاً بالإنسان منذ عصوره الأولى، حتى مرحلة ظهور الديانات السماوية، وبطبيعة الحال كان لهذه الأديان الوضعية والتقليدية بمعتقداتها وأفكارها وغرابتها المختلفة، لها تأثيرها على الموروثات الشعبية والثقافية والفكرية، فقد كان لكل مجتمع إلهها الخاص الذي تعزو إليه كل خصائص الإله الواحد، ولكنهم لم يروا في هذه الآلهة جميعاً إلا وجوهاً مختلفة، والدليل على ذلك أن المتوفى مثلاً عندما يحضر إلى قاعة الحساب عليه أن يتلو اعترافاته أمام اثنين وأربعين إلهاً، قبل أن يَمْثُل أمام الإله الأكبر على ما تنص عليه تعاليم كتاباتهم، وهذا يعني أن هذه الآلهة كانت تُعبَد تحت أسماء وتجلِّيات خرافية متنوعة، لذلك فإن العبادة لم يكن إلا في شكل تعاليم قصصية أو شعرية أو في هيئة على ما تقتضيه طبيعة حال المتعبد، وهنا يظهر دور العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على ميزان العقل، وقد حفظ الله تعالى القرآن الكريم الذي حوى جوهر الرسالات السماوية السابقة من الخرافات ليكون حجة على البشر إلى قيام الساعة، فالعقل السليم هو الذي يتوقف مع كل رواية يسمعها بالنقد والتحليل والتفسير، فالعاقل هو الذي يدعو عقله للتبصر، لقوله تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[29].
وبالرغم من أن الغيب يشكل القائدة الأساسية لفكرة الدين والتدين، إلا أن كثيراً ما يستغل فكرة الإيمان بالغيب لتمرير ثقافة الخرافة ودس الأساطير وإلقاء رداء الدين على كتف الخرافة لحصول على القدسية التي تمنحها فرصة الانتشار بين المجتمعات البشرية، وبما أن الإنسان في أغلب الأحيان لا يستطيع معرفة المقاييس المادية لتمييز ما يمكن الإيمان به؛ وما يجب رفضه من الأفكار التي تطرح تحت عنوان الغيب، فالناس لا يتوافقون على مقياس فلسفي معين، لذلك تتفشى الخرافة بينهم ويزداد النار اشتعالاً كلما تدنى مستوى الالتزام الديني إما لعدم جرأتهم في الخروج من ثقافة الهيمنة الثقافية والفكرية، أو لغياب العقلية العلمية الواعية والمدركة، أو لعدم أهليتهم لمواجه المخاطر أو التحديات التي لا تتوافق من عاداتهم وتقاليدهم، ولتنقية المجتمع من هذه الظواهر يجب حماية الثقافة الفكرية من العلوم التي تعارض الإيمان بالغيب، والتعاون على أسس علمية منطقية، والاهتمام بالقيم الدينية النابعة من الكتاب والسنة، وعلى المثقفين وضع الأسس السليمة للتعامل مع موضوعية الخرافة، وتأسيس مجتمع واعي يدرك المعايير التي تساعد على هداية الأمة، والخروج من براثن الشرك.
هكذا يرى بعض مؤرخي الأديان أن ما يشغل بال الذين يمارسون الطقوس ميزتا التكرار والشحنة الرمزية، فالممارسات الطقوسية تستحضر واقعاً مجتمعياً محليّاً يتّسم بالتغيّر السريع، ويشهد ذلك في كثافة للممارسات الطقوسية، وخاصّة في الممارسات الدينية والاحتفالية، فالزمن الاجتماعي يختلف حسب إيقاعات وأشكال التعقيب الزمني، ومن هنا تختلف ممارسة الطقوس عند حالة الفرد في(عيد الميلاد، الزواج…الخ) وفي حالة الجماعة (الأعياد الدينية والوطنية)، ولذلك تتخذ شكل الممارسة دلالات مشتركة أحياناً، ومختلفة لدى الجماعات أحياناً أخرى، لاختلاف الوظائف في كلٍ.
المبحث الثالث: مفهوم الأسطورة
الأسطورة لغةً: جاء في لسان العرب مادة أسطورة تعنى حادثة أو أخبار[30].
أما اصطلاحاً: تأتي الأسطورة بمعان مختلفة على النحو الآتي :
* الأسطورة: وليدة الخيال الذي يسبق حب الاستطلاع والفروض العلمية عند التفكير في الظواهر الطبيعية وفي المعتقدات والشعائر الدينية وغيرها.
* القصص الشعبية: وهي القصص التي تتصور دائماً في شكل الجن والعفاريت، وغيرها من القصص والروايات المجازية الرمزية التي تدور حول شخصيات خيالية وأحداث وهمية نتاجاً للخيال، كالقصص التي تتناول دور الطفولة والبطولة، يبتدعه مؤلفون؛ وتتناقله الأفواه فينتقل من شعب إلى آخر على اختلاف اللغة والعادات والتقاليد والمعتقدات الدينية.
* الأسطورة: تجمع بين الفكر والخيال والوجدان، أداته الرمز، والسرد أحد أشكالها، وهي بمثابة أحداث خارقة للطبيعة البشرية[31].
ويرى آخرون بأنها خرافة، لقوله تعالى:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }[32]، أي أكاذيبهم المسطرة في كتب الأولين، وقال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ}[33]، أي حكاية يسودها الخيال؛ وتبرز فيها قوى الطبيعة في شكل آلهة أو كائنات خارقة للعادة، ويشيع في رواياته توظيفاً جيداً، وأساطير الأولين أي ما سطره الأولون في كتبهم، لقوله تعالى:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[34]، و يقول لايبير Lapier وفانزورث Farnsworth أن الأسطورة (ميثولوجيا) هي عبارة عن شائعة أصبحت جزءاً من تراث الشعب الشفاهي[35]، ومن الناحية اللغوية كثيراً ما تستخدم كلمة شائعة محل كلمة الأسطورة، ويرى علماء الأنثروبولوجيا بأنها عبارة عن حكايات الناس وأساطيرهم ورواياتهم التي تنقل شفاهة من جيل إلى آخر، لكي تحفظ من الضياع بقوة ذاكرة الذين يتوارثونها[36]، أو هي حكايات خرافية تنشأ من خلال السرد التاريخي، يلعب فيها الأبطال دور الصور الخيالية والوهمية، وهم بمثابة الآلهة، حيث يشرح البطل الأسطوري الظاهرة الطبيعية بالصورة الذي يحلو له، فالأسطورة كالخرافة لأنها تستند إلى أساس تاريخي وهي تصور ما وعته ذاكرة الشعب أو ما نسجه خيال شاعر حول حادث حقيقي أو وهمي أو خيالي[37]، فالأسطورة هي الشخصية ذات الأصول الخيالية والتصويرية التي تساهم الذاكرة الشعبية في المبالغة في وصفها، وإضافة صفات لم تكن فيها؛ ونصبت أحداث لم يمارسها، مما أسهم في إثراء الذاكرة الشعبية والتراثية لدى الشعوب، وتختلف الأساطير من شعب لآخر باختلاف العادات والتاريخ والأحداث[38].
هكذا استخدام مصطلح أسطورة للتعبير بشكل سيء عن فكرة الدين سواءً من قبل المتدينين أو الغير متدينين، ومن هنا يتضح تأثير المعنى السيء لكلمة أسطورة التي يحاول القائمون بأمرها الوقوف ضد فكرة الأديان الموحى، ومع تأثر الإنسان بالظروف البيئية المختلفة فقد شكلت لديه وعياً وانطباعاً وأفكار أسست لوعيٍ جمعي فريد وذاكرة رائعة صقلت قدراته من خلال التطور التاريخي التي مرت به، الأمر الذي تركت انطباعات مختلفة لدى الأتباع والجماهير، فهناك شخصيات أظهروا صفات بطولية وشجاعة لا نظير لها في محاربة الباطل وإحقاق الحق، وهناك دعاة للسلام والمحبة والتوحيد، وهناك كرماء يغيثون الملهوف ويساعدون أصحاب الاحتياجات، وقادة عظماء وفاتحون، وقضاة عادلون، وعلى النقيض تماماً نجد الظالمون والطماعون الذين نكَّلوا في الناس وأذاقوهم الويلات، وهنالك اللصوص والمتكبرون والمتجبرون، كل هذه التجارب جعلت الشعوب تعشق وتحب وتكره وتبغض، مما حفزها على المبالغة في وصف من مروا في تاريخها.
لذا فإن فكرة الأسطورة تشكل حيزا كبيرا في ذاكرة الشعوب، لأنها تنظر للأساطير نظرة مقدسة ذات أبعاد فلسفية ومعنوية كبيرة، وحقائق لا يمكن الفكاك منها، وتتنوع الأساطير الشعبية: فهناك الأساطير المتعلقة بشخصيات وأبطال، وهناك الأساطير التي تفسر وتشرح حدوث بعض الظواهر الطبيعية أو الخيالية التي تتعلق بحياة الأجداد أو الأسلاف، أما النوع الأخير فهو الأساطير التي تشرح النشوء والتكوين والارتقاء، وهي عبارة عن القصص المنسوبة لأشخاص بالخيال، والتي لا تمت للحقيقة بصلة، ومن أبرز سماتها أنها انتقلت على الألسن باللغات المحلية أو اللهجات التقليدية، والبعيدة كل البعد عن الواقع والمنطق[39].
علم الأساطير: هو علم يبحث في مجموعة الأساطير المعروفة الشائعة لدى شعب من الشعوب، وخاصة الأساطير المتعلقة بالآلهة والأبطال والخرافيين…الخ[40].
أنواع الأساطير: تتنوع الأساطير على النحو الآتي :
• الأسطورة الطقسية: وهي التي تتعلق بالجانب الكلامي أو الفلسفي.
• الأسطورة التكوينية: وهي التي تصور عملية خلق الكون.
• الأسطورة التعليلية: وهي التي تهتم بالخيالات والتصورات.
• الأسطورة الرمزية: للدلالة على رمزية البطل أو الظاهرة الطبيعية.
وقد ذهب بعض الفلاسفة أن الأسطورة هي القصة المقدسة التي كان أصحاب الحضارات السابقة يؤمنون بها على أنها كتبهم المقدسة، وتتميز الأسطورة بعمقها الفلسفي الذي يميزها عن الحكايات أو الروايات الشعبية التي تكون شخوص من الآلهة أو أنصاف الآلهة[41]، فالأساطير تعبر عن نظرة الشعوب القديمة للحياة التي قدمت لهم تفسيراً متكاملاً للحوادث الكونية من خلال تطور مستوياتهم العقلية، وأهم ما ارتكز عليه الأسطوريين في سيطرتهم على عقول البشر هو مبدأ حيوية الطبيعة والتفسير اللاعقلي للأحداث، حيث منح القدماء صفة الحياة للجوامد مثل النيل عند الفراعنة والأسد والشمس عند النوبيون في شمال السودان، حيث منحوه الإرادة والقدرة، وفسروا حدوث الأشياء بغاياتهم، فالشمس تشرق كي تنير لهم الأرض والنجوم تضئ كي تهديهم في الطريق، والمطر ينزل لكي يروي زراعتهم.
أيضاً جاءت في بعض الروايات التاريخية التي تحدثت عن قيم الأسطورة أن المخالفة والشك قد تنذر بعذاب، لذلك دعا (زيوس) زعيم الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية البشر الذين يمثلون مجتمع الآلهة إلى اجتماع طارئ للتباحث بشأن مصير الذين خالفوا تعاليم الآلهة، فاختلفت الآراء حول إغراق الأرض بالماء[42]، غير أنه توعدهم بسحب الماء من البحار، فقال “بوسيدون” إله البحار، بأن يسحب المياه إلى قيعان المحيطات، فبانت الأرض الرطبة من جديد، وجرّ “أبولو” عربة الشمس الذهبية إلى الأفق فأينعت الأشجار وجفت المستنقعات[43]، ففزع آلهة “الديوكاليون” و”البيرا” عندما وجدوا نفسيهما من دون أهل أو أصدقاء؛ فالأرض من دون البشر يصعب العيش عليها، فتضرَّعا إلى الآلهة من أجل إصلاح ما حاق بالجنس البشري، فأوحت لهما بالأمر الإلهي بالخروج من المعبد قائلاً: “اخرجا من معبدي، وضعا على رأسيكما غطاء، وتخفَّفا من الأحزمة التي تشد ثيابكما، واقذفا وراءكما عظام أمّكما الجليلة”[44] وحين يأمل المرء التفكير في الأسطورة يكشف له أنها تحكي عن صورة خرافية وخيالية لواقع الأحداث وتداعياته وفق الزمن التاريخي، لذلك يختلط على الإنسان تحديد من أين تبدأ وتنتهي الأسطورة وأين يبدأ التاريخ؟ فالأسطورة تعطي الإنسان وهم فهم الكون ووهم معرفة الحقيقة، وتحاول أن تفسّر الظواهر الطبيعية بالمزاج الصوري، أما التاريخ فيعطينا تسلسل الأحداث والتشديد على المعنى والمحتوى الكامن في تسلسلها[45]، وهنا يستعين الأسطوري بالرموز من أجل محاولة إدراك واقع الأشياء، لأن الوجود قد يتجلى في صور مختلفة، وقد تكون متناقضة في بعض الأحيان، فالحياة مليئة بالأساطير التي تحكم مواقف الإنسان تجاه الحياة نفسها، من دون أن يعي تأثيرها فيه، فإذا نظرنا إلى مفردات الوجود حسب زعم الأسطوريين فهو وهم قياساً إلى إيقاعات الكون، فالإنسان كائن اجتماعي محدّد بزمانه وتاريخه الذي يحيا بعيداً عن زمان آبائه وأجداده، وبعيداً عن مكان غيره من المعاصرين له والمختلفين عنه في ثقافتهم وتركيبتهم التاريخية، ومن خلال تلك المعطيات فإن علاقة الإنسان بمحيطه البيئي والاجتماعي والحياتي يتم بواسطة الحواس الخمس، وهنا يختلف فاعلية الإدراك من شخص إلى آخر وفقاً لمستوى الوعي الذي هو محصلة لتجربة عملية وتربية نظرية، فالذي يعمل عقله يستطيع التفريق بين ما هو أسود أو أحمر، وتبقى القيمة الارتباطية للّون هي محصلة تجارب ذاتية أو شخصية فمدلول المعنى محل اختلاف، فالحواس هي التي تمارس على الإنسان الخديعة، فعندما ننظر إلى الأشياء البعيدة نراها صغيرة، وكلما اقتربنا منها نراها كبيرة، وهكذا فالمعرفة الكلية خارج نطاق حواسنا ولا نستطيع إدراكها إلا بالعقل، وعلينا ألا نضع كل ثقتنا في حواسنا، فالإنسان بحواسه الخمسة محكوم بغرائزه الداخلية والخارجية، ولكن عليه أن يستخدم العقل ويستدعي صرامة ذهنه لإعمال المنطق على كل ما هو غير منظور، وإخضاعه للمعقولية كمقدمات تؤدي إلى نتائج واقعية، فالأسطورة هي تلك الصيغة الإبداعية التي تنزع الإنسان من زمانه الدنيوي، وتنتقل به إلى العالم المقدّس[46]، فالعناية بالأسطورة تمحو الزمن الحاضر وتُخرج الراوي والمستمع إلى وهم حيث تلعب الدور الذي يلعبه بعض رجال الدين في الكنيسة عندما يعتقدون في التطهير من الخطايا والاعتراف بصكوك الغفران أو ذبح كبش فداء، هذا بالإضافة إلى ممارسة الطقوس المقدسة للخروج من الزمن الدنيوي إلى الزمن المقدس[47]، فاليوجا عند الهنود تعتقد في الرياضة الصوفية التي يؤديها الحكماء وهي بمثابة الخروج من الزمن الدنيوي إلى الآخر الكوني بهدف اتحاد الروح بالكون[48]، أما عند البوذية فهي تطلق على الخير الأعلى، وتسعى للخروج من الزمن الدنيوي بنكران الذات لبلوغ مستوى “النرفانا” وفناء الذات في الكل، وكلما ازداد المؤمن خشوعاً في صلاته ازداد خروجاً من الزمن الذي لا وجود لشيء خارجه[49]، وعلى هذا المنوال فإن كل الحضارات الإنسانية لها أساطير حول الخلق وحول الوجود، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإعادة تأويل الماضي، كما أنها تلعب دوراً في استشراف المستقبل، وتحاول أن تحدد إلى أين نحن ذاهبون، أيضاً تشكل أساطير كل مجتمع مجموعة من الخطابات الرمزية التي تخلق هوية ذلك المجتمع، وتكون جزءاً أساسياً من تكوينه الثقافي، وقد تكمن قوة الأسطورة في ارتدائها قناعاً من الخيال يخفي الحقيقة المتوقعة التي يمكن أن يعاد تأويلها على ضوء الأحداث الواقعية، وغالباً ما تعتمد النخب الحاكمة على القوة المعرفية لرموز الأساطير وتأويلها لإضفاء الشرعية على سلطانها، فلا وجود لأسطورة سيئة وأخرى حسنة، ولكن التأويل هو الذي يضعها في هذه الخانة أو تلك.
هكذا نجد أن هنالك الكثير من المواد التاريخية قد احتوتها الكثير من الأساطير والتزييف والتحريف، خاصة عندما اعتمد بعض فلاسفة التاريخ على قيمة الرواة ولم يعتمدوا على النقد النصي لرواية الحدث لتكوين رؤية واضحة لتقييم النصوص والرواة، الأمر الذي أدى إلى خروج السجل التاريخي مشوهاً للحقائق وتشويهها بما لا يتناسب وعظمة التأريخ الإسلامي[50]، فيجب على المحقق أن يقوم قبل كل شي بنقد موضوعي لكل ما جاء في كتب التأريخ والحديث والتراجم والرجال والتفسير بعد عرضه على العقل السليم لإبطال الحجج التي يردها مؤرخو المدرسة الأسطورية التي لا تمت للتأريخ ومهنة الكتابة التاريخية والمنهجية بصلة ولا ترتبط بها لا على أسبابها ولا على علاتها.
فالممارسات المقدّسة التي تدخل الفرد في حالة القداسة؛ تجعله يمارس مناسكه بعيداً عن الشعائر التعبدية، لذلك فإن أداء المراسيم الطقسية تعتبر ضمن التعاليم الدينية المحرفة الهدف منها محاولة الدخول في تجربة القداسة، وتختلف مجال ممارسة الطقوس حسب الأنشطة والممارسات غير الدينية، هذا إلى جانب الأنشطة الاقتصادية والسياسية والرياضية، وأفعال التواصل والاتصال، وبناء العلاقات التي تتمّ بين الأفراد في حياتهم اليومية. ولقد حاول الإنسان منذ زمن طويل على امتلاك القدرة على إعمال العقل والقدرة على تفسير ما حوله من حوادث ووقائع، وأن يستشف أجوبة لأسئلة كثيرة كانت تلاحقه وتعترضه بين فينة أخرى، ومن جراء تلك المقومات العقلية يستطيع الفرد الخرافي أن يضع الصورة المُثلى لتفكيره وتحليله؛ وأن يحرك دوافعه في الكشف عن أهمية الظواهر الطبيعية في نشأة فكرة الدين، ومن خلال تعامله مع تلك الظواهر نشأة لديه عدة أنواع من التفكير سميت بالتفكير الأسطوري، فالتفكير الأسطوري هو أبسط أنماط التفكير التي لجأ إليها الإنسان البدائي في التعامل مع العالم الذي يعيش فيه، ويتمثل في محاولاته من أجل فهم مكامن العالم، ممزوجاً بالتجربة والتفسيرات الخيالية القائمة على السرد الأسطوري، ويعزو التفكير الأسطوري للأحداث والظواهر التي تعود إلى قوى غيبية خفية، كالأرواح والأشباح والشياطين، هذا بالإضافة إلى القوى غير المرئية الكامنة وراء الظواهر الطبيعية، أو الآلهة التي تتحكم في مصائر البشر، أيضاً ذهب البعض إلى أنها القصة الشعرية المصفوفة زجلاً أو شعراً[51]، بحيث تَحوي موضوعاً دينياً يتعلّق بالقوى العلويّة والخفيّة، كما أنّها تعدّ جزءاً من التراث القديم الذي يعبّر عن نتاجات الأولين وأفكارهم وانعكاس تعليم القوى الربانية لهم، إذًا فالأسطورة تُعبّر عن معارف الإنسان الأول وأخلاقه ومستويات علومه وتأملاته، وهي موضوعة في قالب ذي إيقاع شعري موسيقي يتضمن الحدث المراد تأريخه سواء كان من صنع الإنسان أو الطبيعة أو الربّ، الهدف منها تثقيف العقول وتحريك المشاعر والعواطف[52]، وعلى ذات النسق يرتبط ممارسة الطقوس في الأديان التقليدية بموقع الطقس أو المقدّس في المجتمعات البدائية، ويرى دوركايم:”إذا كان الدين الذي يتجسّد دوماً من خلال الطقوس في المجتمعات التقليدية يتأثر في الميزان الاجتماعي هنا يكون الأسطورة مرادفاً للدين التقليدي”[53]، وقد تأخذ الوظائف السياسية والاقتصادية والعلمية في المجتمعات الحديثة جزئياً من الوظيفة الدينية (القداسة) لارتباطهما بالممارسات الوصفية، فالطقوس على وجه العموم مرتبطة بالمقدّس خاصة في السياق الديني لأنّها واقعة في جوهر المحور الاجتماعي، فالخيار المنهجي عند الأسطوريين هو عبارة عن معرفة عملية في ممارسة الطقوس ووظائفها ودلالتها، ومع اتساع مجال الإدراك العقلي في الحياة الاجتماعية الحديثة؛ انتشر منطق بناء العلاقات الاجتماعية، فازدادت الحاجة إلى ممارسة الطقوس لأجل المنفعة الذاتية، والبحث عن المردود الروحي والمادي المباشر[54]، لذلك يلجأ الكثير من البدائيين في الممارسات الرمزية من خلال الاهتمام بالتأملات والخيالات ومن هنا نلاحظ أن هنالك وجه مقاربة بين الظاهرة الطقوسية والمعالجة الوضعية، وهو ما يجعل التفكير فيها غير ذي فائدة في زمن يقتضي الصرامة الإجرائية والمعرفة الدقيقة، ففي واقع الأمر ليس في الممارسات الطقسية ناحية عقلانية خالية من الشوائب “اللاعقل” أو من تأثير “جنونية العقل”؛ فما نسميه عقلاً لا يمارس فعله ونشاطه بشكل مستقلّ عن العواطف والخيال، بل يمارسه في ارتباط مع الحلم والمتخيّل والصور الذهنية الماثلة في أعماق اللاّشعور الإنساني، فالخيال والجنون والشطحات الذهنية ماثلة في ذهن أكبر العقلاء عندهم، ولذلك يبقى العقل دوماً في حاجة إلى الخيال والوهم من الناحية العملية لذا من الصعب نزع النظرة السطحية السّاذجة التي تبدو من خلالها الأنشطة الطقسية[55]، أما بالنسبة إلى الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع خصوصاً، تمثل دراسة الطقوس ورموزها وممارساتها مجالاً خصباً يسمح بفهم شواغل الجماعة وذهنها الجمعي، وميداناً ثريّاً لكشف ما ينتجه المتخيّل الجمعي من صور ذهنية ورموز، الأمر الذي يجعل من دراسة هذه المنتجات في المتناول العلمي أكثر صعوبة[56]، ولقد أولى الكثيرون لطقوس التفاعل في الحياة اليومية اهتماماً أساسياً في مقارباته السوسيولوجية البسيطة في الحياة الدينية، مبيّنين أن كل ما يقع فيها الممارسة الإنسانية من أوجه النظام والانتظام التي تحدث أثناء أو بعد ممارسة الطقس، وقد تختفي رمزيتها أحياناً من خلال ممارسة عمليات التواصل الأكثر شيوعاً بين الأفراد في الحياة اليومية، وبفضل تلك القاعدة الفلسفية، يقول “قوفمان” أنّه كلما تمادى رجل الطقس في استخدام فكرة الرمزية في الطقس كلما ازداد فوضى الممارسات اليومية، من خلال تلك الممارسة ينخرط فيها الناس ويتقيّدون أعمالهم بها دون أن ينتبهوا إلى رمزية الطقس، كما بيّن “قوفمان” أنّ الناس كائنات طقوسية لكلّ امتيازه، ولا يمكنهم العيش معاً إلاّ بواسطة طقوس تنظم مبادئهم الرمزية المختلفة، وهذا ما يسمى بجمعية الدين[57].
يرى البعض أيضاً أن الأسطورة بمثابة قصة خياليّة طويلة ترتبط بالقبائل القديمة التي عاشت في مختلف أنحاء العالم، ويقومون بصياغة هذه القصص الخيالية لمجموعة من الأسباب الخاصة بهم، ويتم عبر تناقل الروايات بين الأجيال المختلفة، حتى يتم إثبات أنها حقيقية[58]، ويرى آخرون بأنها مجموعة من التصورات والخيالات غير الواقعية، والتي تصف أحداثا وأشخاصا وأماكنا غير موجودة من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف الرئيسي للأسطورة والمحافظة على انتشارها وتصديقها من قبل الناس، وقد اهتمت الشعوب البدائية القديمة بفكرة الأساطير والظواهر الغريبة، والأمور المدهشة، وهذا ما ساهم في ظهور العديد من القصص الخالية التي يتم التغيير على محتواها، وإضافة أشياء جديدة عليها حتى تتحوّل من مجرد قصة عادية إلى قصة تتسم بعدم الموضوعية، كما تحتوي على الكثير من التفاصيل غير المنطقية، وترتبط صناعة الأسطورة غالباً بأمور دينية خصوصاً عند الشعوب التي تؤمن بأكثر من وجود إله، كما ترتبط بالظواهر الطبيعية، فالمجتمع يشكل المسرح اليومي التي تُّؤدّى فيه الأسطوري أدوارها بطريقة منتظمة، ووفق طقوس تفاعلية لا تستوعب أنماط من الحياة الاجتماعية والثقافية، وضمن هذه النظرية يملك كل فرد موقعاً اجتماعياً له خصوصيته في الحياة، فالمحافظة على الماء يدخل ضمن قواعد التفاعل البشري لأنه ضروري لحياة الإنسان، وقد تخضع ممارسة الطقوس إلى جملة من الشعائر والمراسم المقعّدة تترجمها رموز الجماعة القولية منها والحركية، والتي بدورها تتحقق غايات التواصل؛ وتشبع الحاجات[59]، ومن هنا ترتبط ممارسة الطقوس بالسلوك، والتي هي جملة من الخواص تتميز عن باقي الممارسات الجماعية في أنها أهمّها منتظمة؛ وفق تراتيب وضوابط معينة تتسم بالترابط الرمزيّ، ويجري ممارسة كل طقس وفق سيناريوهات درامية متكررة تختلف باختلاف وضعية التفاعل والأنظمة الثقافية في كل منطقة أو مجتمع أو قبيلة…الخ.
أيضاً تختلف ممارسة الطقوس في الأديان التقليدية باختلاف الزمان والمكان حيث تقام بعضها في وضح النهار خاصة الطقوس الاجتماعية المصاحبة للزراعة أو الحصاد؛ وتتسع رقعة المشاركين لتشمل الكبار والصغار على السواء، أما الطقوس التي يغلب عليها الطابع الديني فتمارس ليلاً كطقوس تمجيد واستحضار أرواح الأسلاف على اعتبار أن الأسلاف موجودون ويؤثرون في الحاضر والمستقبل، فإذا كانت وظيفة الإضاءة في المسرح هو التعبير عن توالي الزمن من الصباح للمساء، ومن الماضي للحاضر وبالعكس، (أي البعد الأفقي للزمن) فإن الإضاءة في الطقوس الأفريقية مثلاً تعكس مفهوم البعد الرأسي للزمن؛ وتأكيد على وجود الماضي في الحاضر ومن هنا يبدأ مفهومُ التعدد الثقافي بين الأوساط البدائية[60].
ومن خلال تلك المعطيات ندرك أن هنالك عدة مبرّرات تستدعي استمرار هذه الظواهر التي تبدو في الظاهر غير منطقية في الممارسات الطقسية، وفي جانب آخر منطقية لأن الممارسات الطقوسية كثيراً ما يتعرض إلى التكرار للإثارة من قبل ممارسيها خلال أزمنة مضبوطة، الغرض منها إحياء واقعة مضت أو احتفاء حدث يعني للجماعة رمزاً، وثمّة أوضاع وأحداث كثيرة تظهر في حياة الجماعة يمكن ضبطها وفق لائحة تستدعي ممارسة الطقوس، بعضها ديني وبعضها الآخر خرافي يندرج ضمن مجالات الحياة الاجتماعية المختلفة، ومهما يكن فالمشاهد للاحتفالات الطقوسية يؤّكد منذ الوهلة الأولى أنّ الذين يمارسون الطقوس يعتقدون أن ممارستهم ضرورة واقعية لأنها تساعدهم في إشباع حاجاتهم الدنيوية والأخروية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ومن خلال العمليات الثلاثة المصاحبة للفعل الطقسي: الشحن الرّمزي والتقعيد والتكرار، يتمّ شحن الزمن بالقداسة، وتستعاد وقائع التاريخ المقدّس من خلال إعمال العقل الجمعي التي يَضمُن استرجاع وقائعها وشخوصها الرمزية حين تثبت واقعية إحياء الأحداث الملهمة رمزيّاً لكي تبقى صورها مشحونة بالشحنات الرمزيّة الماثلة في العقل.
+
المبحث الرابع: دور الدين في التخلص من الظواهر النفسية والاجتماعية السلبية
تؤثر حياة الفرد الاجتماعية والنفسية والبيئية سلباً أو إيجاباً في معدل الصحة النفسيّة التي يتمتع بها، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها المختصر عن الصحة النفسيّة على اختلاف؛ وتنوع العوامل المؤثرة كالاعتلالات العقلية، وأمراض القلب، والاكتئاب، وتعاطي المخدرات والأدوية وغيرها، هذا بالإضافة إلى المعتقدات الدينية التقليدية التي هي من صنع البشر كالخرافات والأساطير، وشعور الشخص باليأس، وتدني الدخل، وانتشار البطالة، وانتهاك الحقوق، كل هذه الأسباب تؤثر سلباً في الاعتقاد الديني والتنشئة الأسرية غير السليمة…وغيرها، كذلك تلعب دوراً كبيراً في التعامل مع العوامل البيئيّة والنفسيّة والاجتماعيّة التي من شأنها حرمان الأفراد من التمتع بالاستقرار في الصحة النفسية، وبالتالي يصبح انتشار وظهور الانحرافات والأنماط السلوكيّة غير السوية وحالات القلق من أكبر المحددات السلبية التي تساعد في نشأة الاضطرابات النفسية، وهناك علاقة قوية بين الاضطرابات النفسية والممارسات الطقسية، فالذين يمارسون الطقوس يشعرون بالعلل النفسية المختلفة، ويفسرون الظواهر الطبيعية وفق معتقداتهم الدينية سواء في جلب الخير أو دفع الشر.
إن الأمانة التاريخية الملقاة على عاتق المؤرخ المسلم يحتم عليه أولا التجرد من كل ما لا يتناسب مع قيمة المهنة حتى لا ينحو نحو الخيانة وظلم الناس وظلم للحقيقة وهي مهمة تتنافى مع كون التاريخ دراسة علمية للأحداث والسلوك الإنساني في الأرض وارتباط هذه الأحداث مع جملة من التكوينات الحضارية والمدنية المرتبطة بحياة الإنسانية (الخلق)[61] وما نراه في كتابات مدرسة الأسطوريين كانت الهدف منها تقديس الطقوس وتقديم القرابين، وعزل الأحداث عن مقدماتها وإفراغها من محتواها الواقعي، وذلك بتقديم صورة مشوه للمعتقدات الدينية، وهم كما خاطبهم المولى عزّ وجلّ بقوله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[62]، فهؤلاء الموصفون هم الذين شاركوا في صنع التاريخ ليس كفاعلين فحسب بل واضعين له مستفيدين من حالة الجهالة التي هم عليها من قبل الأمة، لقوله تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }[63]، يبين لنا هذا الوصف القرآني لحال المنافقين أن الكثير من الممارسات والوقائع قد حدثت بالفعل، وقد أثرت في كتابة التاريخ الإسلامي، فالتاريخ ليست نقداً ومحاكمة للوقائع فقط، ولكنها منهجية مجردة من الدوافع الشخصية والآراء الأسطورية والخرافية لتنهض بقراءة متطورة للوقائع والأحداث وفق قانون منضبط له علاقة مع السنن الكونية ونتائج يمكن قياس الماضي بعقلية واعية والتنبؤ للمستقبل برؤية علمية صارمة خالية من الأساطير لبناء معطيات حضارية فكرية وسياسية وثقافية مجردة من الأوهام والخرافات والأسحار.
فالمنهج الإسلامي التربوي يسعى إلى تحقيق أركان الصحة النفسية للمساعدة في بناء شخصية سوية من خلال تقوية الصلة بالله عزّ وجلّ والثبات والتوازن الانفعالي، وبالصبر عند الشدائد والتفاؤل وعدم اليأس وفطرة الإنسان بالدين تقوم على الاعتراف بوجود الإله، ولكن تلك العلاقة قد تتعرض للانحراف فينحو فيها الإنسان نحو الكفر والإلحاد، والمتأمل لحركة التاريخ يجد أن الدين قد لعب دوراً كبيراً في الحفاظ على فكرة بناء المؤسسات الاجتماعية، فالتراث الأخلاقي الذي يدعي الإنسان المعاصر أنه نتاج اجتهاده سوف يكشف بسهولة أن ذلك التراث هو أحد نواتج الدين، فالصدق والأمانة والحب والتسامح والسلام وإتقان العمل والنظام…إلخ، كل هذه القيم حثت عليها الأديان السماوية قبل أن يصبح للإنسان تراثاً أخلاقياً أو حضارياً، فالقيم والعادات والتقاليد والقوانين والنظم الدينية والاجتماعية والاقتصادية كلها عصارة عملية نتيجة لاقتراب الإنسان من سيكولوجية التدين، وقد فضل الله الإنسان بالعقل وميزه عن سائر المخلوقات، وبهذه الخصلة أصبح الإنسان خليفة الله في الأرض وسخر له ما في البر والبحر وكلفه بعبادته وطاعته وتكفل برزقه، فالمنهج الإسلامي التربوي يدعو إلى تحقيق أركان الصحة النفسية للمساعدة في بناء شخصية سوية من خلال الآتي:
1. تقوى لله عزّ وجلّ: وهي أمر أساسي في بناء عقيدة المسلم في المراحل الأولى من عمره حتى تكون حياته خالية من الاضطرابات النفسية التي تدعو إلى الإذعان بالخرافات والأساطير، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ حين قال لعبد الله بن عباس:” يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّه، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ“[64].
2. الثبات والتوازن دون الانفعال: أي أن الإيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان، ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف، لقوله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ}[65]، وقال تعالى:{فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[66].
3. الصبر عند الشدائد: يربي الإسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر، قوله تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ}[67]، قوله صلى الله عليه وسلم”:عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير؛ وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له”[68].
4. ضرورة تحصين النفس: يحصن الإنسان أمره من القلق أو الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[69].
5. التفاؤل وعدم اليأس: يجب أن يكون المؤمن متفائل دائماً لا يتطرق اليأس إلى نفسه، لقوله تعالى:{وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}[70]، وقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[71].
6. توافق المسلم مع ذاته: يبدأ الفرد حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه، وتمنحه درجة عالية من الرضا النفسي بفضل الإيمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره؛ وتقوي صلته بالله سبحانه وتعالى.
7. توافق المسلم مع الآخرين وفق ضوابط شرعية: تقوم الحياة بين المسلمين على التعاون على البر والتقوى؛ والتسامح الذي هو طريق المودة والتراحم؛ وكظم الغيظ والعفو عن الناس الذي هو دليل على تقوى الله عزّ وجلّ، قال تعالى:{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}[72].
وخلاصة القول فالظواهر النفسية تعتبر من أقدم المشكلات التي عانى منها الإنسان في كافة مراحل تاريخه، وقد زادت في عصرنا الحالي لجنوح الكثيرين إلى تصورات خيالية وعاطفية لا تمد الدين بصلة، وتأكيداً على ذلك بدأ العالم الإسلامي يترنح في وطأة تلك المغامرات الخرافية بعيداً عن المقاصد التشريعية في بعض الأحايين، وبالرغم من أن الإنسان في أحيان كثيرة قد يخرج عن جادة الصواب، ويضيع وقته في متاهات الخرافة والشعوذة والدجل متصلاً بالضلال والانحراف، فالذي يتخذ من رسالات الرسل والأنبياء(عليهم السلام) طريقاً للشفاء من أمراض الأبدان والأنفس، ويتبع سبيل الهدى ويتخذ من الأسباب الشرعية الموجبة للشفاء، باستخدام المنهج الرباني هو الأكثر صحة في نفسه وعقله.
خاتمة :
أكدت الدراسة أن الظواهر السيكولوجية والاجتماعية يمكن أن تؤثر في شخصية الإنسان لأنه ابن البيئة فالمسألة لا تكمن في تأييد الدين للمعتقدات الدينية، ولا في إشكالية أو تشابك تفسير الدين للعلوم كما عرضها أولئك العلماء والفلاسفة، ولكن اغلب الظن أنها تكمن في شخصياتهم ومدارسهم الذين تخرجوا منها والعقيدة التي ينطلقون منها، وهذه كلها نوع من شبهات الغرب النصراني اتجاه الإسلام والمسلمين، لذلك نجد أن كل النظريات العلمية التجريبية عرضة للتعديل والتغيير والتحويل حتى إذا تم الوصول إلى حقائق علمية صارمة، هذا بخلاف الأحكام الشرعية القطعية الدلالة التي لا يمكن التشكيك فيها من قبل المتدينيين أو من حيث أنها تحاول الإجابة عن الظواهر المادية والروحية معاً.
أهم التوصيات :
1. ضرورة ضبط الخطاب الديني عبر المؤسسات الدينية المختلفة.
2. بلورة الخطاب الإعلامي وفق مستجدات العصر دون تأثير على حتمية الدين.
3. ضرورة إنشاء منصات إعلامية لمخاطبة الوجدان الإسلامي.
4. ضرورة إنشاء مراكز تعنى بالصحة النفسية.
4. ضرورة صياغة مناهج تربوية وتعليمية بعيدة عن الاستلاب العقلي والفكري.
قائمة المصادر والمراجع :
أبادي، الفيروز، وآخرون (1419هـ)، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، ط1.
ابن فارس، حمد(1399هـ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، ط2.
ابن منظور (1988م)، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي وآخرون، دار المعارف، القاهرة، ط2، ج2.
الأصفهاني، راغب (1373هـ)، المفردات في غريب القرآن، مكتبة دار العلم،القاهرة،ط1.
جينو، رينيه (1921م)، في مقدمته لدراسة المذاهب الهندوسية، مطبعة صوفيا بيرنيس، بريطانيا، ط2.
خليل حسن، سمير ابراهيم (2001م)، الدين خرافة أم علم، دار الساقي، بيوت،ط1.
دراز، محمد عبد الله (1970م)، الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط2.
دوكينز، ريتشارد (2006م)، وهم الرب، كتب بانتام، مكتبة جامعة نيويورك، نيويورك، ط1.
ديكارت رينيه(1960 م)، تأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة بوبزميريل، ط3.
الرازي، أبو بكر (1968م)، المختار الصحاح تحقيق محمد محي الدين عبد المجيد ومحمد عبد اللطيف، مكتبة الأمل، القاهرة، ط2.
الزكلي (2011م)، خير الدين خرافة، مكتبة العرب، بيروت، ط1.
السواح، فراس (2002م)، مغامرة العقل الأول، دار علاء الدين، دمشق، ط3.
السواح، فراس (2004م)، موسوعة تاريخ الأديان، دار علاء الدين، دمشق، ط1.
السيوطي، جلال الدين (1970م)، رشف الذلال من السحر الحلال، دار العلم،القاهرة، ط1.
شهاب، الدمشقي (2013م)، شبكة اللادينيين العرب، دمشق.
الشهاوي، مجدي محمد (1988م)، العلاج الرباني للسحر والمس الشيطاني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1.
الشواف، قاسم (1994م)، ديوان الأساطير، دار السافي،دمشق،ط1.
الطويل، توفيق (1964م)، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، دار العلم، بيروت، ط3.
عاشور، سعيد عبد الفتاح (1966م)، أوربا الوسطى، دار الجيل، بيروت، ط2.
عاشور، مصطفى (1986م)، عالم الجن أسراره وخفاياه، مكتبة الأمل، القاهرة، ط1.
عبد المعبد، محمد خالد (1936م)، الأساطير العربية قبل الإسلام، مؤسسة التأليف والترجمة، القاهرة، ط1.
عجبنة، محمد (1994م)، موسوعة أساطير العرب، دار الفارابي،بيروت،ط1.
كابلان، برايان (2005م)، لماذا المعتقدات الدينية غير عقلانية، المقالة حول الدين واللاعقلانية بالإنجليزية، ط1.
كامبل، جوزيف(ب ت)،التحول المجازي للدين، مكتبة العالم الجديد، لندن،ط1.
كوتشون، راسل ماك (2001م)، الدين، مؤلفات جامعة نيويورك، ط1.
النشار، علي سامي (1949م)، نشأة الدين، دار نشر الثقافة، القاهرة، ط1.
نصر، صلاح(ب ت)، الحرب النفسية، دار الأمل،دمشق،ط1.
الهاشمي، طه (1963م)، تاريخ الأديان وفلسفتها، دار مكتبة الحياة، بيروت، ط1.
هاينمان (1966م)، أصل الحياة والموت، وأساطير الخلق الأفريقية، المكتبة الوطنية، القاهرة، ط1.
ولسون، كولون (1987م)، الإنسان وقواه الخفية، دار الأدب،بيروت،ط1.
يستين، جريج (2010م)، من الجيد أن تكون بدون إلهة، هاربركولينز، نيويورك، ط1.
يوسف، زيدان (2010 م)، اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، دار الشروق، القاهرة، ط1.
Durkheim, Emile,1956, The Elementary Forms of Religious Life. New York.
Eliade, m,1969, The Sacred and the Profane – harvest, New York.
Encyclopia of Britannia 1961:869.
Jerenny Gunn. the Complexity of Religion and the Definition of Religion in International Law (Harvard Human Rights Journal, vol 16 s 2003 issn 1057.
Karade, B (1994) The Handbook of Yoruba Religious Concepts. York Beach, MA: Samuel Weiser Inc.
Spencer Trimingham,1962, History of Islam in West Africa. Oxford University Press.
[1]– ابن منظور(1988م)، لسان العرب. تحقيق عبد الله علي وآخرون، دار المعارف، القاهرة،ط2ج2، ص178.
[2]– ابن فارس، حمد (1399هـ)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، ط2 ، ص150.
[3]– دراز، محمد عبد الله(1970م). الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية،ط2، ص17.
[4]– المصدر نفسه: 34.
[5]– المصدر نفسه:70.
[6]– الهاشمي، طه (1963م)، تاريخ الأديان وفلسفتها، دار مكتبة الحياة، بيروت، ط1، ص11.
[7]– آل عمران:19.
[8]– آل عمران:85.
[9]– المائدة:3.
[10]– الأصفهاني، راغب(1373هـ)، المفردات في غريب القرآن، مكتبة دار العلم، القاهرة،ط1، ص220.
[11]– صحيح الترمذي، حديث رقم 3613.
[12]– كوتشون، راسل ماك(2001م)، الدين، مؤلفات جامعة نيويورك، ط1، ص13.
[13]– الطويل، توفيق(1964م)، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، دار العلم،بيروت،ط3، ص33.
[14]– الأنعام:122.
[15]– جينو، رينيه (1921م)، في مقدمته لدراسة المذاهب الهندوسية، مطبعة صوفيا بيرنيس، بريطانيا ط2 ، ص7.
[16]– النشار، علي سامي (1949م)، نشأة الدين، دار نشر الثقافة، القاهرة، ط1، ص66.
[17]– كامبل، جوزيف(ب ت)،التحول المجازي للدين، مكتبة العالم الجديد، لندن،ط1، ص27.
[18]– الرازي، ابوبكر(1968م)، المختار الصحاح تحقيق محمد محي الدين عبد المجيد ومحمد عبد اللطيف، مكتبة الأمل، القاهرة،ط2 ، ص124.
[19]– الهاشمي(1963م)، مصدر سابق 23.
[20]– ابن منظور(1373هـ)، مصدر سابق:543.
[21]– الزكلي (2011م)، خير الدين خرافة، مكتبة العرب، بيروت،ط1، ص54.
[22]– شهاب، الدمشقي (2013م)، شبكة اللادينيين العرب، دمشق، ص11.
[23]– الشواف، قاسم (1994م)، ديوان الأساطير، دار السافي، دمشق، ط1، ص34.
[24]– ديكارت رينيه (1960م)، تأملات في الفلسفة الأولى، ترجمة بوبزميريل، ط3، ص176.
[25]– الهاشمي(1963م):67.
[26]– كابلان، برايان (2005م)، لماذا المعتقدات الدينية غير عقلانية. المقالة حول الدين واللاعقلانية بالإنجليزية، ص41.
[27]– الشهاوي، مجدي محمد(1988م)، العلاج الرباني للسحر والمس الشيطاني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، ص76.
[28]– خليل حسن، سمير ابراهيم(2001م)، الدين خرافة أم علم، دار الساقي، بيوت،ط1، ص76.
[29]– يوسف:2.
[30]– أبادي، الفيروز، وآخريون (1419هـ)، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، ط1، ص365.
[31]– دوكينز، ريتشارد (2006م)، وهم الرب، كتب بانتام، مكتبة جامعة نيويورك، نيويورك، ط1، ص7.
[32]– الأنعام:25.
[33]– الأنفال:31.
[34]– الفرقان:5.
[35]-Encyclopia of Britannia 1961:869.
[36]– نصر، صلاح(ب ت)، الحرب النفسية، دار الأمل،دمشق،ط1، ص66.
[37]– يوسف، زيدان (2010 م)، اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، دار الشروق، القاهرة، ط1، ص38.
[38]-عاشور، سعيد عبدالفتاح(1966م)، أوربا الوسطى، دار الجيل، بيروت،ط2، ص66.
[39]– عاشور، مصطفى(1986م)، عالم الجن أسراره وخفاياه، مكتبة الأمل،القاهرة،ط1، ص87.
[40]– السيوطي، جلال الدين(1970م)، رشف الذلال من السحر الحلال، دار العلم، القاهرة،ط1، ص16.
[41]– السواح، فراس(2002م)، مغامرة العقل الأول، دار علاء الدين، دمشق، ط3، ص33.
[42]– رينان(ب ت)، مصدر سابق:32.
[43]– السواح، فراس(2004م)، موسوعة تاريخ الأديان، دار علاء الدين، دمشق،ط1، ص22.
[44]– عجبنة، محمد (1994م)، موسوعة أساطير العرب، دار الفارابي، بيروت،ط1، ص29.
-[45]الشواف، قاسم (1994م)، مصدر سابق: 44.
-[46]ولسون، كولون (1987م)،الإنسان وقواه الخفية، دار الأدب، بيروت، ط1، ص9.
-[47]الشواف، قاسم (1994م)، مصدر سابق: 61.
-[48]كابلان (2003م)، مصدر سابق:12.
[49]– بايرن (2005م)، مصدر سابق:12.
-[50] عبد المعبد، محمد خالد (1936م)،الأساطير العربية قبل الإسلام، مؤسسة التأليف والترجمة، القاهرة، ط1، ص90.
-[51]هاينمان (1966م)، أصل الحياة و الموت، وأساطير الخلق الإفريقية، المكتبة الوطنية، القاهرة، ط1، ص98.
-[52]ولسون، كولون (1987م)، مصدر سابق:45.
[53]–Durkheim, Emile,1956, The Elementary Forms of Religious Life. New York, p34.
-[54]يستين، جريج(2010م)،من الجيد أن تكون بدون إلهة، هاربركولينز،نيويورك،ط1، ص51.
[55]–Ehret, Christopher, (2002) The Civilizations of Africa: a History to 1800. Charlottesville: University Press of Virginia,p89.
[56]– Karade, B (1994) The Handbook of Yoruba Religious Concepts. York Beach, MA: Samuel Weiser Inc,p22.
[57]-الهاشمي(1963م)، مصدر سابق:34.
[58]–Eliade, m. The Sacred and the Profane – harvest, New York 1969, p. 9-10.
[59]– Spencer Trimingham,1962, History of Islam in West Africa. Oxford University Press, p22.
[60]-Jerenny Gunn. the Complexity of Religion and the Definition of Religion in International Law (Harvard Human Rights Journal,vol 16 s 2003 issn 1057,p11.
-[61]السواح (2011م)، مصدر سابق:6.
-[64]صحيح الترمذي، حديث رقم 2516.
[65] -إبراهيم:27.
[66] -البقرة:37-38.
-[68] صحيح ابن حبان، حديث رقم 2896.
[70] -البقرة:218.