شعر عنترة بن شدّاد بين الذاتيّة والقبليّة
Antara bin Shaddad’s poetry between Subjectivity and Tribalism
ا.د. حسين عبد حسين الوطيفي م.م. مناف حيدر آلوس
كلية الآداب / جامعة الكوفة / العراق كلية الآداب / جامعة الكوفة / العراق
Prof. Dr. Hussein Abed Hussein Al –Wateefee Asst. Lecturer Munaf Haider Alous
College of Arts / University of Kufa/ Iraq College of Arts/ University of Kufa/Iraq
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 78 الصفحة 87.
Abstract:
Antara is one of the poets who passed through different situations in his life. He suffered from marginalization, contempt, alienation , as well as the menial jobs that are despised by free men, but he had to do as a slave. He was conscious of of this fact, aware of his slavery and the low consideration of his tribe. But he was not out of sight or slipped like other slaves, rather he was defiant and decisive about establishing himself against slavery, indifferent of humiliate jobs he had to fulfill.
He sought to fulfill his aspiration to revolt against harsh reality, get freedom, gain higher position among his people, establish his parentage and be admitted as indispensible member of his tribe due to his uniqueness, chivalry and precedence over other free men who enjoy nothing except mere freedom. He is therefore worthier of tribal affiliation to Abs, his own tribe, and the first to enhance its position among other tribes.
Key words: marginalization and alienation, slavery, uniqueness and subjectivity, revolting, tribal affiliation.
الملخص :
يُعدُّ عنترة من أكثر الشعراء الذين اكتنفت حياتهم محطات متباينة ، عانى خلالها التهميش والازدراء والغربة ، والانزواء بعيدا عن الحياة الاجتماعية السّويّة ، سوى ما يزاوله من أعمال العبيد ومهامهم الوضيعة ، التي يأنف الانسانُ الحُرُّ عن مزاولتها ، وقد كان عنترة واعياً لحقيقة ذلك، مدركاً لعبوديته ونظرة القبيلة المتدنية إليه ، لكنّه لم يقبع في الظل متواريا شأنه شأن غيره من العبيد، بل كان متحدياً وصارماً بإثبات فرادته وذاته ، وما تنطوي عليه من عزٍ باطنٍ يكسوه سواد العبودية ، غير مُبالٍ بهوان ما أوكل إليه من أعمال .
فراح يسعى – بشتى الوسائل – إلى تحقيق ما يصبو إليه من التمرد على واقعه المرير واكتساب حريته ، ونيل العلى في قومه ، وإثبات نسبه ، وانتزاع اعتراف القبيلة به ، بوصفه فرداً من عصبتهم وجماعتهم ، لا يمكن الاستغناء عنه ، بسبب من فرادته وفروسيته ، وامتيازه من بقية أحرارهم الذين لا يملكون سوى تلك الحرية التي يستظلون بها، ومن ثمّ فهو جدير أكثر منهم بالانتماء القبلي إلى عبس قبيلته وشطره الكبير ، وأولى منهم برفع شأنها بين القبائل الأخرى .
الكلمات المفتاحية : التهميش والغربة ، العبودية ، الفرادة والذاتية ، التمرد ،الانتماء القبلي .
المُقدمّة
تُعدُّ دراسة الأدب العربي قبل الإسلام من أهم الدراسات التراثية؛ لصلتها الوثيقة بنشأة المفاهيم الأدبية والقيم الخلقية والمظاهر الاجتماعية، التي بقيت حاكمة لسنوات طوال على الجزيرة العربية وعلى نتاجها الأدبي.
ولا يمكن لدارس الأدب العربي _ عموما _ إغفال العصر الجاهلي ، وما يكتنفه من شعراء وقيم قبلية ، ومظاهر فردية ذاتية، كانت محور دراستنا في شعر ( عنترة بن شداد ) الفارس الشاعر، الذي مثّلت سيرته مادة مكتنزة لمن يريد استكناه غور الحياة الجاهلية ، ومسيرة الإنسان فيها.
لقد ترجّحت حياة عنترة ما بين الذات المهمشة في جاهلية العصبية القبلية ، والذوبان في بوتقة القبيلة – خلافاً لأقرانه من أغربة العرب – وتمثّل كلا الأمرين ، والمزاوجة بينهما ، منتقلا من فرديته ومظاهرها المختلفة إلى كونه لسان القبيلة وفارسها غير المنازع .
ولا بدّ من الاشارة إلى أنّ هناك دراسات قد تناولت الموضوع من زوايا مختلفة مثل ( قضية الانتماء الجنسي في شعر عنترة / د. عبد الكريم يعقوب ) و ( أزمة الانتماء في شعر عنترة بن شداد / د. جبار عباس اللامي ) و ( الهوية وانتاج الخطاب بين الأدب الفردي والخيال الشعبي ، شخصية ( عنترة بن شداد ) نموذجا / عزة شبل محمد ) . أما هذه الدراسة فجاءت لتتبع المحطات المختلفة في حياة عنترة ، وتسليط الضوء على أثرها في شعره الذاتيّ والقبليّ معا ، معتمدة المنهج الوصفي التحليلي الذي لا يخلو من مسحة نفسية تراءت هنا وهناك في شعره .
قسمت الدراسة على ثلاثة مباحث يتقدمها تمهيد عن ( مظاهر الذاتية والقبلية والعصبية ) ، تلاه المبحث الأول بعنوان ( الذاتية في شعر عنترة ) ، وكان المبحث الثاني بعنوان ( مظاهر القبلية في شعر عنترة ) أما المبحث الثالث فجاء بعنوان ( مظاهر المزاوجة بين الذاتية والقبلية معا في شعر عنترة ) ، وختمت الدراسة بنتائج عدة توافرت عليها في أثناء البحث .
توطئة :
– الذاتية والقبليّة والعصبيّة :
الذاتية مصدر صناعيّ مأخوذ من لفظة (الذات)التي لم ترد لها أية إشارة في المعجمات القديمة، فأقدم معجم ذكر (الذات) هو معجم العين ، مشيرا إلى (ذا) بمعناها المتعدد وتصريفها، ولم يتعدّ ذلك إلى مفهومها ومعانيها([1])، فــــــ “الذاتي لكل شيء: ما يخصه ويميزه عن جميع ما عداه، وقيل ذات الشيء عن نفسه وعينه “([2])، والذات “ما يصلح أن يعلم ويخبر عنه، منقول من مؤنث (ذو) بمعنى الصاحب؛ لأنّ المعنى قائم بنفسه بالنسبة إلى ما يقدم به يستحق الصاحبية والمالكية”([3])، فالذاتية تختص بالنفس ، أو تكون صادرة منها من دون تأثير أو تدخل من عوامل خارجية .
وقد تشير الذاتية ” إلى طريقة في الكتابة تضع في المحل الأول التعبير عن المشاعر والتجارب الشخصية، ويكون العنصر البارز هو إفضاء الشخصية بعالمها الداخلي”([4]).
أو هي “تجلي الذات واكتمال الخصائص الإنسانية العامة والفردية في الفنان أو الأديب وبروزها بوضوح وتعبير متميّز من خلال الآثار التي يبدعها”([5])، إنها فرادة الشاعر وصوته الخاص الذي يصدح بمشاعره وأحزانه وهمومه، وتعبيره عن ردود فعله على ما يواجهه من مواقف وأحداث وإنصاته إلى صوته الداخليّ ، وإن خالف رأي القبيلة أو الجماعة. ([6])
لقد ظهر الفرد في المعاجم العربية بمعنى الذي لا يختلط به غيره ، فهو أعمّ من الوِتْر وأخصّ من الواحد، قال تعالى: (( رَبّ لا تذرْني فرْداً وأنتَ خَيْرُ الوارثينَ )) الأنبياء/89([7])، وجمعه فُرادى وأفراد ، وقد ورد هذا المعنى على لسان طرفة بن العبد قائلا:
إلى أنْ تحامَتني العشيرةُ كلُّها | وأُفردْتُ إفرادَ البَعيرِ المُعبَّدِ([8]) |
لقد ظهر مفهوم الفردية بوصفه مصطلحا له استعمالاته المحددة تبعا للحقل العلمي المندرج فيه، فنجده يأخذ معنى “نزوع الفرد إلى التحرر من سلطان الجماعة”([9]) ، وكذلك يُعرّف بأنه “ما لدى فرد عن آخر من الصفات الجسمانية والمعنوية كبنيته، ومزاجه، وحساسيته، وذوقه، وكل ما من شأنه أن يجعل خلقه فريداً وذا طابع خاص”([10])، وهو بهذا المعنى يرادف الشخصية والذاتية.
إنّ الفرد “هو الذي يحس فرادته ويختار طريقه ويمتلك رؤيته ويسعى لتحقيق ذاته وتنفيذ مشروعه في إطار تجربة من العيش فريدة؛ وذلك بعد أن يعي شروط هذه التجربة ويتعامل مع مكوناتها..” ([11])، وهذا الرأي يُقارب بشدة ما نحن بصدد بحثه في شخصية عنترة وتفرّدها، وسعيه الذاتي إلى تحقيق ما يصبو إليه من التمرد على واقعه ، واكتساب حريته ، ونيل العُلى في قومه، إنها رؤية الشاعر لذاته وإحساسه بتفرّدها ، وما تنطوي عليه من عزٍّ باطنٍ ، يكسوه سواد العبودية الذي يُعمّق من فرادته التي يعمد إلى إثباتها لقومه ، وأنه أفضل من أحرارهم .
أما القبليّة فهي “واحدة قبائل العرب وهم بنو أب واحد”([12])، وهم “الجماعة من الناس تنتسب إلى أب أو جدّ واحد، وقبائل الشجر أغصانها”([13])، وهذا المعنى يُشير إلى التلاحم والتشابك والترابط والتفرع من أصل واحد، وهو ما يربط أبناءها الواحد بالآخر.
فالقبيلة هي انتماء واعتراف يطغى على الفرد ، وتتماهى ذاته مع قيم القبيلة ، فيُنسب إليها ويكون لسانها وسيفها، والشاعر القبليّ هو “الشاعر الذي سخّر فنه تسخيراً لخدمة قضايا قبيلته وللتعبير عن آرائها، وإبراز رغباتها للوجود، لا لتهذيبها أو توجيهها أو السمو بها، بل لمجرد إبرازها فحسب، ولدحر خصومتها ورفع راية محاسنها وفضائلها عالياً، متناسياً في خضمّ هذا كله مشاعره الخاصة، ورؤاه ومواقفه الشخصية”([14]).
والعَصَبيّة مُشتقة من (عَصَبَ)، وجمعها أعصاب، والعَصْبُ هو الطيُّ الشديد، وكلّ شيء استدار بشيء فقد عَصَبَ به. ويُقال عَصَبَوا بالرجل عَصَباً إذا أحاطوا به لقتال أو حميّة، وعَصَبَ القومُ بالنّسب أحاطوا به، وعَصَبَةُ الرجل بنوه الأقربون، وتعصّبَ بمعنى تشيّع، والعَصَبيّةُ والتعصّب هي المُحاماة والمُدافعة، وعَصَبةُ الرجل قومُهُ الذين يتعصّبون له، ويُقال للرجل الذي يغضبُ لعَصَبَته ويُحامي عنهم ويُعينهم على الظلم عَصَبيُّ . وفي ضوء ذلك يتبين لنا أنّ العَصَبيّة: هي أن يُدْعى الرجلُ إلى نُصرة عَصَبَته ، والتألّبِ معهم على من يُناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين([15]).
ومما لا شكّ فيه أنّ للبيئة الصحراوية الواسعة، ومُعطياتها من القحْط والجدْب وندرة الأمطار، أثرا كبيرا في البناء الاجتماعي ، الذي جعل العرب يتخذون من النظام القبلي صورة لنظامهم الاجتماعي والسياسي ، وقد تجسّدت روابط القبيلة بالعصبيّة بوصفها قوام نظامهم القبلي “وتعني وحدة القبيلة باعتبارها كلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهي المرجعية والشرعية الأخلاقية، إذ الحق والخير، هو حق القبيلة وخيرها”([16]) من دون سواها ، لكنّ شحّ الموارد الطبيعية في الصحراء وندرتها كان عاملا أساسا في نشوب الحروب والصراعات والتحالفات بين القبائل المختلفة ؛ للمحافظة على إمكاناتهم وديمومتها ، وسبل عيشهم ووجودهم.
وللقبيلة قوانينها ودستورها الملزم لأفرادها جميعا ، ولا تسمح القبيلة بالخروج عليه لأيّ فرد كان وإلا عُدّ مخلوعا منها، ويُعدّ النسب وصلة الدم جوهر ما تقوم عليه العصبية القبلية، وللحفاظ على ذاتها تقوم القبيلة على أسلوب الثأر([17]) ، مما حمّل النظام القبلي عبئا ثقيلا في سبيل الدفاع عن الأفراد ، فكانت القبيلة تهبّ بمجموعها لدفع ما قد يلحق بأفرادها من أذى ، والثأر لهم ، وإنْ أدّى ذلك إلى خوض حرب طويلة الأمد([18]).
إنّ الشاعر هو صوت القبيلة وممثلها في عصبيتها، “ويتصل السياق الاجتماعي في الشعر الجاهلي باستجابة الشاعر للتحدي الذي لا موضع فيه للذات الشعرية التي تسعى إلى سحب الآخرين إلى موقف (النحن)، في سبيل تثبيت موقف اقتدار القبيلة في ظل الحرب، ومحاولة رفع مكانتها في ظرف السلم ، وهذا اقتضى من الشعراء أن يوظفوا جلّ جهدهم للمهمة الجماعية” ([19]) التي أُنيطت بهم .
ومما لا شكّ فيه أنّ “العقد الاجتماعي بين الشاعر والقبيلة تحول إلى عقد فني، جعله معبرا عن مشاعرها وتطلعاتها قبل أن يكون معبرا عن مشاعره واتجاهاته الشخصية، لذا اتجهت (الأنا) نحو (النحن) من خلال الفخر، والإشادة بالقيم الجماعية التي تمثلها القبيلة، فكانت الغاية قبلية، وإن تكن الوسيلة فردية”([20]) .
– المبحث الأول : مظاهر الذاتية في شعر عنترة .
أولا: العبودية ، النسب الهجين ، اللون .
اجتمع في عنترة نسبه الهجين وسواد لونه وكلاهما مما تنبذه العرب وتبغضه، أما النسب الهجين فمن جهة أمه زبيبة التي كانت أمة حبشية سوداء، فورث منها سواد اللون([21])، وكانت العرب تحتقر الإماء ، ومارسوا تجاههُنّ أشدّ أنواع القسوة والامتهان لكرامتهُنّ، حتى غدونَ مُلكا مُشاعا بينهم فالإماء “تنتمي إلى الطبقة الثالثة من النساء في المجتمع العربي بعد طبقة الحرائر وطبقة السبايا، فالسبية كانت وقفاً على رجل واحد، أما الأمة فكانت شيئا مشاعاً”([22]) بين الجميع ، وهذا ما أدى إلى عدم اعتراف والده به ابنا شرعيا وإلحاقه به ، مع كونه ولده من زبيبة أمته.
لقد كان الاعتراف بابن السبية أمرا طبيعيا مُسلّما به،أما الاعتراف بأبناء الإماء فأمر لا يُقرّه العربي ولا يُجيزه، وهذا ما زاد من معاناة عنترة ، وكان له عظيم الأثر في شخصيته وشعره، مما حدا به إلى محاولة سدّ هذه الثغرة في نسبه ، ومجابهة الجميع بذلك، مفتخرا بأمه – نصفه الحامي – ليقينه أن لا ذنبَ لها في أن تكون من ذرية حام ، جاعلا سوادها “مزية تستدعي الإطراء وتستوجب المديح لا عيبا يوجب القدح والإنكار، معبرا بذلك عن التحدي وعن الإحساس بالمرارة”([23]) ، قائلا:
وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّها | ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ | |
الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ | وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُل | |
وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ | بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ([24]) |
ونجد هنا تمردا واضحا على مقاييس الجمال لدى قومه، فهو يخالف نظرتهم إلى الجمال ويرمز إلى خلل في مواضعاتهم التي ألفوها ، مبينا أنّ الصفات الشكلية الوراثية للإنسان ليست كافية للحكم بالجمال أو القبح ، بل إنّ عيون الناس قد اعتادت على نوع محدد من الجمال ، يتجلّى في اللون الأبيض ونبذ الأسود منه، فراح يتغزل بسواد جبين أمه ( سوداء الجبين ) ، قلبا لمعايير العرب في تفضيل بياض الجبين ونصاعته، مفضلا ساقها الشبيه بساق النعامة خشونة وضمورا ، وشعرها الأجعد القصير الشبيه بحب الفلفل ، على ما اعتاده الذوق العربي الدارج في تفضيل الساق الممتلئة اللينة ، والشعر الطويل المسترسل .
وهو بهذا التوجه والتفضيل يتمرّد على قيم القبيلة تمردا يشي بمقدار ما يكنّه من شعور مليء بالألم والمعاناة ، يتبدّى واضحا في تشبيه أمه بما تنفر منه العرب وتتحاشاه ( كأنها ضبع ) سعيا منه إلى تجسيد عظم المرارة والغربة التي تعيشها أمه ، وتهيمن على نفسها ، مشاركا إياها ذلك الاحساس([25]) .
نشأ عنترة عبداً – شأنه في ذلك شأن غيره من أولاد الإماء السود – وكان قانون القبيلة الجاهلي يُحتّم على العبد أن يقوم “بالخدمة وسائر الأعمال التي يأنف الإنسان الحر من ممارستها”([26])، مثل الحلاب، والرعي، أما حماية القبيلة والدفاع عنها ضد خصومها وأعدائها ، ورفع شأنها بين القبائل الأخرى ، فمهمة منوطة بالأحرار والسادة والفرسان من ذوي النسب الشريف([27]).
لقد كان عنترة واعياً لهذه الحقيقة ، ومدركاً لعبوديته ونظرة القبيلة المزرية إليه، لكنّه لم يقبع في الظل متواريا شأنه شأن غيره من العبيد، بل كان متحدياً وصارماً بإثبات فرادته وذاته ، قائلا :
أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتِ عَنهُ | رَعَيتُ جِمالَ قَومي مِن فِطامي | |
أَروحُ مِنَ الصَباحِ إِلى مَغيبٍ | وَأَرقُدُ بَينَ أَطنابِ الخِيامِ([28]) |
فهو غير مبالٍ بهوان ما أوكل إليه من أعمال العبودية المهينة جرّاء سواده الذي سرى اليه من أمه ( أنا العبد / رعيت جمال قومي / أرقد بين أطناب الخيام ) ، بل نراه يفخر بها – مع عبوديتها وسوادها – فخرا ممزوجا بإثبات الذات ، والردّ على من يسيء له من أبناء قبيلته، عامدا إلى سدّ ثغرة تدنّي نسبه التي يستغلها خصومه للتحقير به، قائلا:
يُقَدِّمُهُ فَتىً مِن خَيرِ عَبسٍ | أَبوهُ وَأُمُّهُ مِن آلِ حامِ | |
عَجوزٌ مِن بَني حامِ بنِ نوحٍ | كَأَنَّ جَبينَها حَجَرُ المَقامِ([29]) |
وقوله :
ما ساءَني لَوني وَاسمُ زَبيبَةٍ | إِذ قَصَّرَت عَن هِمَّتي أَعدائي([30]) |
فتنازعت نفسه وهيمنت عليها ثنائية وجد فيها سبيلا للخلاص من معاناته تلك ، تمثلت الأولى بالفخر بأمه وسواده ( يقدّمه فتى / أمه من آل حام ) ، ( ما ساءني لوني / زبيبة )، والثانية بفروسيته ( قصّرت همتي ) .
فكانت عقدة اللون – بسبب نسبه الهجين – هاجسا يراوده في شعره([31]) ، قبال شجاعته وفروسيته التي غدت لديه أهمّ من تلك المظاهر الخارجية الواهية ، قائلا:
وَإِنْ عابَت سَوادي فَهوَ فَخري | لِأَنّي فارِسٌ مِن نَسلِ حامِ([32]) |
فأوجد بذلك قواعده الخاصة المكونة لذاته ، فلا يهمه الشكل الذي يعيبه عليه الآخرون ( سوادي فخري / فارس من نسل حام ) ولا تُمثّل المظاهر المادية فارقا يحجبُ عنه ما يصبو اليه مكررا استرجاع الموروث الديني ، بوصفه مرجعية ثقافية في عصره، ولاسيما الأسطورة اليهودية التي تذهب إلى أنّ النبيّ نوحا كان له ولد أسود اللون (حام) ، وأورث قسما من الناس هذه الصفة الجسدية([33])، قائلا :
يَعيبونَ لَوني بِالسَوادِ وَإِنَّما | فِعالُهُمُ بِالخُبثِ أَسوَدُ مِن جِلدي ([34]) |
وقوله:
تُعَيِّرُني العِدا بِسَوادِ جِلدي | وَبيضُ خَصائِلي تَمحو السَوادا ([35]) |
وفي ضوء ذلك ” كان في شعره الذي أورده في سياق دفاعه عن لونه ما يمثل تمردا على واقعه، وقوة تحديه لمفاهيم المجتمع الذي يرى أنّ الشرف للبياض وحده، وأنّ السيادة وقف عليه”([36]) دون سواه ، وهو من منازع ذاتيته وشعوره بتفوقه ، موظفا الثنائيات الضدية ( يعيبون لوني / فعالهم بالخبث أسود ) ، ( سواد جلدي / بيض خصائلي ) التي كانت بمثابة ردّ مُفحم على سلوك المجتمع القبلي المُتعصّب ، وما يأتي به من فعال تتخطّى في دونيتها وقبحها حدود نظرتهم المزرية تجاهه .
وتتجلّى ذات الشاعر بكلّ وضوح في إحساسه بغربة المكان الذي يعيش فيه، غربة فرضتها عليه قبيلته وقوانينها الصارمة التي حرمت الابن من أبوة أبيه ، مثلما حرمته من نسبها الذي ينتمي إليه، فكانت معاناة شديدة الوقع على نفسه ، ولاسيما بعد أنّ أدّى ذلك إلى ممانعة عمه لزواجه من ابنته؛ لكونه عبدا أسودا ، وابن أمة حبشية سوداء، فراح يُعبّر عن ذلك بأبيات نابعة من تجربة مُرّة ونفس منكسرة ، قائلا :
يَا دَارَ عَبْلَـةَ بِالجَوَاءِ تَكَلَّمِي | وَعِمِّي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي | ||
…. | … | ||
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا | زَمَّـــــت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْــــــــــــــــــــلٍ مُظْلِـمِ | ||
مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا | وسْطَ الدِّيَارِ تَسُفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ | ||
فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً | سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ([37]) |
موظفا اللون الأسود في التعبير عن مشاعر الفراق الكامنة في نفسه ، بوصفه – أي الفراق – قد جاء نتيجة حتمية لما ابتُلي به من سواد وعبودية ، مهّدا السبيل لحرمانه من محبوبته ( عبلة ) وبُعدها عنه ( أزمعت الفراق ) ، بعد أن فاجأه رحيل أهلها ، في الليل الأسود المظلم ( بليل مظلم ) على نوق سود قد أعدّت لذلك الرحيل ( سودا كخافية الغراب )، فكان الوقع شديد الوطأة عليه، وأبعث لفزعه وقلقه وجزعه ( راعني ) ، المنسجم مع معاناته الدائمة ، وطغيان الغربة المتأصلة في ذاته .
لقد عمد عنترة في سياق حديثه عن ذاته ومحاورة قومه ، إلى توظيف الحِجاج والنقاش فضلا عن العتاب والتذكير، بُغية تفنيد حججهم ، وبيان غلطها ، قائلا :
لَئِن أَكُ أَسوَداً فَالمِسكُ لَوني | وَما لِسَوادِ جِلدي مِن دَواءِ | |
وَلَكِن تَبعُدُ الفَحشاءُ عَنّي | كَبُعدِ الأَرضِ عَن جَوِّ السَماءِ([38]) |
فالسواد قد تحوّل عنده إلى لون حَسَن لا رداءة فيه( أسود / المسك لوني ) مستدلا على ذلك بالمسك فهو على الرغم من سواده يبقى خير الأشياء، فضلاً عن أنّ ( سواد جلده ) قدر محتوم عليه لا سبيل إلى تغييره أو الهروب من واقعه ، فلا دواء يمكن له أن يزيله أو يمحو آثاره .
وفي سبيل إلقاء الحُجّة على قومه ، نراه يتنزّل معهم إلى فرض كون السواد لونا رديئا، فإنّ العيب لا يكمن ببشرة المرء ولونها، وإنما في سواد خُلقه وفِعاله، وفحشاء باطنه ( تبعد الفحشاء عني / بعد الأرض عن جوّ السماء ) ، وسلوكه الذي يتجسّد قولا وفعلا ، وهي صفات بعيدة عنه كلّ البعد.
عامدا إلى وضع مقاييس جديدة، تُحدد على أساسها قيم الإنسان وقيمته أمام الآخرين، قائلا:
لَئِن يَعيبوا سَوادي فَهوَ لي نَسَبٌ | يَومَ النِزالِ إِذا ما فاتَني النَسَبُ ([39]) |
فالسواد قد غدا نسبا بديلا عن نسبه الحقيقي الذي يفتقر اليه ( سوادي نسب ) ، يفخر به في معاركه ، ويقارع به خصومه ، فحاز بذلك صفات قلّما استجمعت في شخص واحد( الشجاعة والسواد والفروسية ) ، ولعله يريد أن يُشير من طرف خفيّ إلى أنّ نسب السواد الذي توارثه من أمه قد كان سببا لتلك القوة الجبارة التي يعدّها أفضل نسب ( إذا ما فاتني النسب ) ، وهو سبيل قد توسل به للفخر بأمّه من هذا الجانب([40]) .
وتنتهي مُحاججة عنترة لقومه بنتيجة مؤدّاها قلب معايير العصبية القبلية، والمفاهيم السلبية ووضع معايير مغايرة لما أشاعوه في مجتمعهم ، فراح يتحدث عن قومه بضمير الغائب ، وكأنه قد يئس من مخاطبتهم ومحاولة اقناعهم ، عامدا إلى إثبات حقيقة تصلح للفخر القبلي عند الناس جميعا وإنْ كان فخره هنا فخر ذاتيّ ، قائلا :
يَعيبونَ لَوني بِالسَوادِ وَإِنَّما | فِعالُهُمُ بِالخُبثِ أَسوَدُ مِن جِلدي |
…
وَما الفَخرُ إِلّا أَن تَكونَ عِمامَتي | مُكَوَّرَةَ الأَطرافِ بِالصارِمِ الهِندي([41]) |
وهكذا طغى الحديث عن ( السواد / الفخر الذاتي ) في شعره ، بوصفهما تمردا وثورة على العادات الظالمة ، والقيم الزائفة التي عمد المجتمع القبلي إلى ترسيخها في النفوس .
ثانياً: الفروسية والحب :
كان عنترة مدركا ما للشجاعة من قيمة وجودية لذاته، وتمثلها وسيلة ناجعة في مواجهة مخاطر الحياة المفروضة عليه في بيئته الصحراوية ، التي تخضع لقانون الصراع ، بوصفه جوهر الحياة في تلك البيئة ، مما يضطره اضطرارا إلى التسلح بالشجاعة ؛ لمواجهة مخاطرها، والتغلب عليها، فغدت الشجاعة سبيلا لا مناص منه لإثبات ذاته ووجوده ، فالضعف موت ، والقوة وجود([42]) .
ولعل أكثر ما يُعبّر عن شجاعته ، ويُمثل تفوقه وانتصاره في ساحة الحرب، صورة المبارزة الفردية مع ندّه، بوصفها من أكثر الصور اعتزازاً لديه ، وأقربها من نفسه ، قائلا:
ومدَّججٍ كرِهَ الكُماة ُ نِزَالَهُ | لا مُمْعنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسلم | |
جادتْ له كفي بعاجل طعنةٍ | بمثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّم([43]) |
فهي معيار لشجاعته الفائقة وتحديه المقتدر، لكونه يقوم على من هرب منه المقاتلون ، وعزفوا عن لقائه ( كره الكماة نزاله )، ومن ثمةّ إقرارهم النفسي بهزيمتهم أمامه ، وإدراكهم انتصاره لا محالة أما عنترة فراح يثبت ذاته من خلال هذا الموقف البطولي ( جادت له كفي / طعنة ) ، وهذه الصورة التي تبرز رباطة جأشه وثباته ، وإقدامه وصموده في أثناء المواجهة ( لا هربا / لا مستسلم ) ، مُعززا فروسيته وشجاعته الذاتية تلك ، بصفة لا بد من أن يتحلّى بها الفارس في ميدان القتال ، بوصفها معيارا للفارس الحق ، وهي إقراره بشجاعة خصمه وقوته ، وانصافه في الشعر والمعركة على حدّ سواء ، وقد عُرِفَ هذا اللون من الشعر بشعر الانصاف ، وسُميّتْ قصائده ( المنصفات ) ([44])،قائلا :
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ | لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ([45]) |
وقوله:
بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ | يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ([46]) |
مسبغا صفات الكرم والسيادة ، والشرف والبطولة على خصمه في تلك المبارزة ( الكريم/ البطل مُدجّج/ نعال السبت ) ؛ ليقرّ بشجاعته وحسن بلائه ، وينصفه في ميدان القتال ، ويتخذه في الوقت نفسه سبيلا للإقرار لذاته بالشجاعة والظفر والفروسية .
ومن بين أخلاق الفرسان التي حرص عنترة على إثباتها ، عفته عن المغانم ، بوصفها معيارا لتفرد ذاته وتميزها ، قائلا :
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي | أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ([47]) |
فعفة النفس عن تلك المغانم ، هي معيار للسلوك الحميد الذي يُبديه المقاتل في المعركة([48]) ومن ثمّة لم يكن همّه سوى إحراز النصر وكسب الحرب ، معبرا عن ذلك بقوله:
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركةٍ | تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ | |
لي النفوسُ وللطّيرِ اللحومُ وللـــ | ــــوحْــشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ([49]) |
مكتفيا بنفوس أعدائه ( لي النفوس ) الذين خيّم الغرور عليهم ، وتملكتهم العُنجهيّة بما امتلكوه من عدد ، نائيا بنفسه عن أخذ الأسلاب والغنائم ، تاركا لسواه ذلك ( الطير / الوحش / الخيالة ) فالسّلب والنهب يقلل من شأن ذاته التي يسعى إلى إثباتها .
واتخذ عنترة من حواره مع محبوبته عبلة سبيلا لتقرير شجاعته وفروسيته وتفرّده في القتال قائلا:
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي ([50])
ويقول أيضا:
سَلي سَيفي وَرُمحي عَن قِتالي هُما في الحَربِ كانا لي رِفاقا ([51])
ويقول أيضا:
وَسَلي الفوارسَ يُخبرُوكِ بهمّتي ومواقفي في الحرْبِ حينَ أطاها([52])
موظّفا أسلوب الطلب متمثلا بصيغة (فعل الأمر) في حديثه ( سلي سيفي ورمحي/ سلي الفوارس ) رغبة في البوح بما تنطوي عليه نفسه من صراع نفسي حاد ، ومشاعر مكبوتة قضّت مضجعه ، فوجدت سبيلها للنفاذ من مكامنها؛ بُغية إثبات ذاته ( فروسيته ) التي يحاول قومه سلبها منه ، وحرمانه من جدارته بها ، وإشعاره – ولاسيما في أوقات السلم – بأنه سيبقى دائما وأبدا – في نظرهم – ذلك العبد الهجين([53])، لا الحرّ الفارس الذي أثبت وجوده في ساحات الوغى ، واتخذ مكانه بين الأحرار منهم .
كان حرمان عنترة من حريته سببا رئيسا في حرمانه من محبوبته عبلة ، التي ظلت تمثل جانبه الذاتي ، ومن ثمّة فإنّ الظفر بها يعني الظفر بحريته ، قائلا:
فَيا لَيتَ أَنَّ الدَهرَ يُدني أَحِبَّتي إِلَيَّ كَـــــما يُدنـــــــي إِلـــــــــــَيَّ مَصائِبي
سَأَصبِرُ حَتّى تَطَّرِحني عَواذِلي وَحَتّى يَضِجَّ الصَبرُ بَينَ جَوانِبي ([54])
فغدت الأحلام التي يرنو اليها بعيدة المنال ، ولا سبيل له إلى تحقيقها سوى بالصبر والانتظار( سأصبر / حتى يضجّ الصبر) وإنْ طال به الزمان الذي يرجو ويأمل أن يكون مُنصفا معه في الخير والشرّ على حدّ سواء (يا ليت / الدهر يُدني أحبتي / كما يُدني مصائبي) ، بعد أن فقد هذا الانصاف من قومه وحبيبته معا ، فكانت صورة الشاعر الفارس- التي حرص على رسمها- هي الوسيلة المُثلى لاستعادة توازنه النفسي جراء ظلم المجتمع له ، بسبب سواد لونه([55]) ، يقابلها صورة ذاته المتألمة والمتفجّعة حرمانا من التلذذ بحريته ، ومن ثمّة بمحبوبته التي حُرِمَ منها لا لسبب سوى نسبه الهجين.
– المبحث الثاني : مظاهر القبليّة في شعر عنترة.
أولاً: وسائل التحرر من العبودية :
إنّ فخر عنترة بذاته كان وسيلة لإثبات فرادته وتميّزه من بقية أحرار قومه، ولاسيما الفرسان منهم ؛ليوجبَ على قومه الاعتراف بحريته ، وكونه فرداً منهم ، لا يمكن الاستغناء عنه، والركون إلى سواه ، فهو سبيله الوحيد لإثبات انتمائه لهم ، وإنه حقيقٌ بلقب عبس قبيلته وشطره الكبير.
لقد شَعَرَ عنترة بأهميته ، ورأى ما حققه من مكانة رفيعة لقبيلته ، قائلا:
وَلَولا صارِمي وَسِنانُ رُمحي لَما رَفَعَت بَنو عَبسٍ عِمادا([56])
مستثمرا شجاعته وقوته وعدّته التي جنّدها لهم ، وسيلة لتحقيق ذاته( صارمي وسنان رمحي) ونيل اعتراف قبيلته به ، بوصفه جزءا من عصبتهم وجماعتهم التي لولاه لما تحقّق لهم وجود بين القبائل الأخرى ، ومن ثمّة تغيير نمط حياته ، والانتقال من العبودية إلى الحرية التي تؤهله للزواج من محبوبته وابنة أحد سادة القوم ، ليغدو سيدا بينهم ، لكنه “يصطدم بقيم الجماعة ويخوض صراعا مريرا يعاني فيه الكثير، مستخدما سلاحا تظل جماعته في حاجة إليه في كلّ حين، ألا وهو سلاح القوة، ويتجلّى في تجربة عنترة، صراع الفرد والجماعة أفضل ما يكون التجلي”([57]).
وكان همُّ عنترة – الفارس – الوحيد تحقيق النصر لبني قومه، فهو هاجسه وبُغيته، تاركا الغنائم والأسلاب لمن ليس لهم همٌّ في الحروب سوى السلب والغنيمة ، قائلا:
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيـــــــــــــعَةَ أنَّنِـي | أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ([58]) |
مُخاطبا عبلة، لافتاً نظرها إلى خصوصيته في الحرب ( يُخبرك / أغشى الوغى ) وتفرّده عن أبناء عشيرته ( وأعفّ عند المغنم ) تفرّدا يؤكده من شهد معه تلك الحرب ،وخاض غمارها، فلا يعنيه سوى أن “يقدم في أهوال الحروب وخطوبها، أما عند الأسلاب فيتردد ويحجم ويتعفف وكأنه ليس صاحبها، إنه لا يحارب من أجل الأسلاب والغنائم ، وإنما يحارب ليكسب لقومه شرف الانتصار”([59])، في الحروب ، والظفر بالأعداء ، كلّ ذلك ليجعل نفسه موضع فخر قبيلته واعتزازهم به ، وحاجتهم الدائمة إلى فروسيته وإقدامه .
لكنّهم جميعا ( قبيلته وعبلة ) قد تنكّروا لفعاله ، ولم يحفظوا حقّه بينهم ، وخذلوه على الرغم مما قدّمه لهم ، وبذله في سبيلهم ، قائلا:
إِلى كَم أُداري مَن تُريدُ مَذَلَّتي وَأَبذُلُ جُهدي في رِضاها وَتَغضَبُ ([60])
مشيراً إلى أنّ تلك الحال التي هو عليها ( أداري / أبذل جهدي ) لم يكن ليرضى بها ، لولا حبّه الذي لم يجلب له سوى الذّل والهوان ( تريد مذلتي / تغضب ) ولاقى من أجله أصنافا من الظلم والعذاب ، لكنّ ذلك لم يزده سوى اصرارا وسعيا دائبا لتحقيق مبتغاه ، قائلا:
عُبَيلَةُ أَيّامُ الجَمالِ قَليلَةٌ لَها دَولَةٌ مَعلَومَةٌ ثُمَّ تَذهَبُ([61])
عامدا إلى تقريع عبلة والزراية بها ، فما تملكه من جمالٍ وحُسْنٍ ليسا دائمين ( أيام الجمال قليلة / تذهب ) فمتى ما ذوى جمالها ، وغادرها ريعان شبابها ، لم تجد حولها من يصبو اليها ، ويسعى إلى نيل ودّها وكسب رضاها سواه .
مما يشي بعمق الألم والمرارة الكامنة في نفسه تجاهها ، شاكيا لها ومعاتبا تمادي قومها في عذابه وإيذائه ، قائلا:
أَلا يا عَبلَ قَد زادَ التَصابي وَلَجَّ اليَومَ قَومُكِ في عَذابي([62])
فخطابه يحملُ في طياته تمردا واضحا على واقعه المرير، الذي أسهم حبّه لعبلة في تكريسه ويكشفُ عن موقفه من بني عبس ، الذين غدوا – في نظره- أقرب اليها منه ( قومك) ، مُتّخذين من حبه لها سبيلا للحطّ من شأنه، بعد أن عجزوا عن إدراك ذلك في ميدان القتال.
كانت قيم العصبيّة القبلية تتجلّى باسترقاق الهجين ، فهو مظهرٌ من مظاهر تعصّب الصرحاء على الهجناء ، ولاسيما حين يكون الأب (شدّاد) هو من يقوم باسترقاق ابنه (عنترة) ، مُقدّما قيم العصبية على عاطفة الأبوة، لكنّ سيطرة هذه القيم المتجذّرة في نفوسهم لم تكن مُطلقة، فثمّة فسحة ينطلق منها التسامح ، وفرص التحرر من ربق العبودية، عندما يرتقي العبد إلى المستوى الخُلقيّ الأمثل والأعلى للصرحاء الأحرار، وهو ما تمثّل لدى عنترة في الشجاعة والفروسية ، فقد أغرى أحرار قبيلته بتحريره ، وإلحاقه بنسبها؛ ليكون لسان القبيلة وسيفها الذي يُدافع عنها ويرفع شأنها([63])، فدوّت كلمات شدّاد في مسامع عنترة وهو عبد بقوله : “كُرَّ يا عنترة، فقال عنترة: العبد لا يحسن الكَرَّ، إنما يحسن الحلاب والصرّ، فقال كُرَّ وأنت حر، فكَرَّ، وهو يقول:
أنا الهجين عنترة كل امرئ يحمي حره
وقاتل يومئذ قتالاً حسناً، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه” ([64])، فغدا فردا يتوق إلى ما يتوق له الأحرار منهم .
لكنّه ما لبث أن استشعر البعد عنهم ، وعدم الانتماء لهم ، بعد أن خذلوه ، ولم يترددوا في ازدرائه ، وإنكار نسبته لهم ، لكنّه أصرّ على التمسك بهم ، والحرص على تعزيز انتمائه اليهم ،معاتبا ومذكّرا بما تحمّل في سبيلهم من العَنَت والمشقّة ، قائلا:
أُذَكِّرُ قَومي ظُلمَهُم لي وَبَغيَهُم وَقِلَّةَ إِنصافي عَلى القُربِ وَالبُعدِ
بَنَيتُ لَهُم بِالسَيفِ مَجداً مُشَيَّداً فَلَمّا تَناهى مَجدُهُم هَدَموا مَجدي ([65])
مُصرّحا بانتسابه الصريح لهم ( أُذكّر قومي ) على الرغم من تردّدهم في ذلك ، فهم سادرون في بَغْيهم عليه ( ظلمهم لي / قلّة انصافي ) ، موازنا بين صنيعه لهم وصنيعهم معه ، فمجدهم ومكانتهم التي نالوها لم تكن لتتحقق لولا فروسيته وشجاعته التي كانت بمثابة درعهم الحصين ( بنيت لهم مجدا / هدموا مجدي ) ، لكنّهم قابلوا ذلك بالنكوص والخذلان ، والتنصلّ من وعودهم .
ثانياً: الفروسية القبليّة :
إنّ المُتابع لسيرة عنترة وشعره ، يلحظ أنه على الرغم من سواده وعبوديته لم يلتحق أو يجول في خاطره الالتحاق بالمتمردين والصعاليك، فقد استطاع باعتداده بذاته ، وعناده وطموحه ومواهبه أن يُجبرَ قومه وأباه على الاعتراف بحريته واستلحاقه به ، وهكذا ابتدأت مرحلة جديدة في حياته مرحلة كونه فردا شرعيا في قبيلته([66]) .
كان الفخر والنسيب يُهيمن على شعره ، فراح يكرّسه – في مرحلة عبوديته- للحديث عن ذاته ، بل عمد إلى ذلك حتى في مرحلة فروسيته التي اتخذها وسيلة لتحرره، فقد كان لسانه لسان الفرد المُعتدّ بفرديته، الراغب في نيل ما يرنو إليه ، ويصبو إلى تحقيقه ، وهي الحرية والاعتراف الرسمي به، فكان شعره في هذه المرحلة علامة بارزة في انتقال القصيدة من القبليّة إلى الذاتية، وهو ما أكده عبده بدوي بقوله: “إنّ حاجز اللون عند عنترة كان وراء تحول هام في القصيدة العربية، وهو الانتقال من ضمير الجمع إلى ضمير المفرد؛ ذلك لأنه كان في حاجة إلى لفت الأنظار إليه، كما كانت القصيدة العربية في حاجة ماسة إليه كذلك لتزدهر من بعد تشتت الشاعر”([67]).
بيد أنّ شعره ما لبث أن أخذ مُنعطفا جديدا بعد أن أحرز حريته ، عامدا بشدة إلى تعميق انتمائه القبلي ، شأنه في ذلك شأن الأحرار الذين يتعصبون لقبائلهم ويذودون عنها ، قائلا:
أَلَم تَعلَموا أَنَّ الأَسِنَّةَ أَحرَزَت بَقِيَّتَنــــــــــــــــــا لَو أَنَّ لِلدَهرِ باقِيا
وَنَحفَظُ عَوراتِ النِساءِ وَنَتَّقي عَلَيهِنَّ أَن يَلقينَ يَوماً مَخازِيا([68])
فراح يُمجّد القوة ( الأسنة أحرزت بقيتنا ) ويعدّها وسيلة ناجعة ليس للدفاع عن وجوده وذاته وحسب، بل للدفاع عن القبيلة والجماعة المنتمي إليها ووجودها ( نحفظ / نتقي ) أمام تحديات قد تسلبه هذا الانتماء الذي يمثل حياته ووجوده معا .
قاد اعتراف عبس بحُريّة عنترة إلى أن يتبوأ – ذلك الهجين – مركزاً قيادياً في قبيلته قائلا:
نادَيتُ عَبساً فَاِستَجابوا بِالقَنا وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ لَم يَنجَلِ
حَتّى اِستَباحوا آلَ عَوفٍ عَنوَةً بِالمَشرَفِيِّ وَبِالوَشيجِ الذُبَّلِ ([69])
فهو يفتخر بقيادة قومه ، وتلبية ندائه لخوض الحروب ، والسير بهم نحو الأعداء ( ناديتُ عبسا فاستجابوا ) ، مُدججين بالعُدّة والعتاد ولاسيما السيوف والرماح ( القنا / أبيض صارم / المشرفي / الوشيج ) التي من شأنها أن تحقق لهم التفوق والانتصار في ساحة المعركة .
فكانت شجاعته وحسن قيادته مدعاة إلى الفخر المتمثل بانتمائه لعبس ، فهو “يدرك أهميته ويعرف نظرة الاحتقار التي يرميه بها بعض الصرحاء المتعصبين ، ولذلك سعى إلى مجاراة الصرحاء بأفعالهم، بل إلى التفوق عليهم ليغدو أشرف منهم وأكثر فائدة لجماعته الأبوية منهم”([70])، ولاسيما في ساحات الوغى التي يتخاذل فيها الآخرون ، وتبرز فروسيته وشجاعته بديلا عن ذلك التخاذل.
إنّ هذه القيادة جعلته لا يخشى أبدا من التصريح بهجنته ، بل دعته – أحيانا- إلى الفخر بها بوصفها سببا في قوته، فنجده يرتجز في حربه ضد بني ذبيان قائلا :
إِنّي أَنا عَنتَرَةُ الهَجينْ | ||
فَجَّ الأَنانِ قَد عَلا الأَنينْ | ||
تُحصـــــدُ فيــــــــــــه الكـــــــــــــــــــفُّ والــــــــــــــــــوتينْ([71])
فهو يجاهر بتلك الهجنة التي قد يحرص الآخرون على اضمارها ، ويعزفون عن البوح بها؛ إدراكا منه أنّ وَصَفَ نفسه بالهجنة هو “مدح لها وليس بذم؛ لأن ولد الرجل إذا كان من الغرائب كان قويا” ([72]) ، ومميزا من الآخرين بما يمتلكه من صفات تؤهله للتفوق عليهم.
ونراه يفخر بانتمائه لقومه ، بعد أن كان عدمُ الانتماء لهم هاجسا يقضّ مضجعه ، ويحرمه لذّة الفخر القبلي ، قائلا:
وَنِعمَ فَوارِسُ الهَيجاءِ قَومي إِذا عَلِقوا الأَعِنَّةَ بِالبَنانِ ([73])
فالفروسية التي عًرِفَ بها لم يختزلها لنفسه فقط ، بل راح يضفيها على قومه أيضا ( فوارس الهيجاء قومي ) ليقويّ بذلك ارتباطه بهم ، ويدخل في عصبتهم .
مُعرّضا بمن يحاول المساس به ، والتقليل من شأنه ، وطمس معالم انتمائه القبلي ، كما هو شأن ملك عبس ( قيس بن زهير العبسي ) ([74]) الذي عيّره بسواد أمه ، فردّ عليه قائلا :
إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِباً شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ
وَإِذا الكَتيـــــــــبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت أُلفــــــــــــــــيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ([75])
ونراه يعمد إلى توظيف أسلوب الطلب متمثلا بـ ( صيغة فعل الأمر ) في خطابه مع (عبلة) رغبة في إثبات فروسيته بصيغة الجمع ، جاعلاً ذاته مرآة لقبيلته ، قائلا:
سَلي يا عَبْلةَ الجبلينِ عَنّا | وما لاقتْ بنو الأعْجامِ منّا | |
أبدْنا جمعهُمْ لما أتوْنا | تمُوجُ مَوَاكبٌ إنْسا وجِنّا | |
ورامُوا أكْلنا مِنْ غيرِ جُوعٍ | فأشبعناهُمُ ضَرْبا وطَعْنا([76]) |
فمثلما استعمل هذه الصيغة في إثبات فروسيته الذاتية منفردة ، حين كان ذلك مدعاة لجرّهم للاعتراف بانتمائه لهم ( سلي فزارة عن فعلي / سلي يا عبلَ عن فعالي / سلي يا ابنة العبسي رمحي وصارمي )([77]) ، راح يستعملها هنا بلسان القبيلة ، موظفا ضمير الجمع ( نا ) ، ( سلي عنا / منا / أبدنا / أتونا / أكْلنا / أشبعنا ) سبيلا إلى ذلك .
وفي ضوء ذلك بدأ ( الضمير القبلي ) يُهيمن على فخره في هذه المرحلة من حياته ، قائلا:
وَنَحنُ مَنَعنا بِالفَــــــروقِ نِســــــــــــاءَنا نُطَرِّفُ عَنها مُشعِلاتٍ غَواشِيا
حَلَفنا لَهُم وَالخَيلُ تَردي بِنا مَعاً نُزايِلُـــــــــــــــــــكُمْ حَتّى تَهِرّوا العَوالِيا ([78])
ويظهر جليّا ذوبان الشاعر في بوتقة قبيلته من خلال ضمير الجمع (نا) الذي بدا واضح المعالم ( منعنا / حلفنا لهم ) ، فضلا عن ( نحن / نُطّرف / نُزايلكم ) التي تُعمّق من ذلك الذوبان القبلي ، راسما صورة توحي بقوة قومه وشدّة بأسهم، وقدرتهم على الذّود عن نسائهم ،ومقارعة الأعداء والتنكيل بهم، فلا شيء قادر على الوقوف بوجههم . وهذا أمر من شأنه أن يرتقي بمكانته ، ويرفع شأنه ، مثلما يرفع شأن قبيلته؛ فرفعة قبيلته وسموها هو رفعة له ، مما حدا به إلى العمل الدؤوب ، والسعي الدائم لجعلها تتبوأ مكانة يتردد صداها على ألسنة القبائل الأخرى.
– المبحث الثالث: مظاهر المزاوجة بين الذاتيّة والقبليّة معا في شعر عنترة .
بدا واضحا لعنترة أنّ طماحَهُ لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار القبيلة التي ينتمي اليها ، مما اضطره اضطرارا إلى البقاء ابنا بارا بها، خائضا صراعه معها لإثبات ذاته في كنفها ؛ ليجبرها بعد ذلك على ما يناسبه من المواقف، فكان مضطرا – في سبيل ذلك – إلى إثبات ولائه لها، وعدم الخروج عن طاعتها، فهي عصبته التي يدين لها بالطاعة، والصبر على أذاها ، قائلا :
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ | وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ | |
وَمَن يِكُنْ عَبدَ قَومٍ لا يُخالِفُهُمْ | إِذا جَفوهُ وَيَستَرْضي إِذا عَتَبوا([79]) |
فراح يضع لنفسه منهجا لابد له من الالتزام به ، إذا ما رام تحقيق مناه في بلوغ المكانة العالية والسمو والرفعة ( الرتب / العلا )، منهج يقوم على النهي الدائم لذاته وغوايتها ، وتوطينها على الصبر (لا يحمل / لا ينال / لا يخالف) ، والتخلي عن الصفات التي من شأنها أنْ تُثير الآخرين تجاهه ( الحقد / الغضب / المخالفة ) وتُألّبهم ضدّه ، والعمل على نيل مودتهم ورضاهم ( يسترضي إذا عتبوا ) ولاسيما أنه مازال يرزح في طور العبودية ( عبد قوم )، فهذه المسوغات التي وضعها نُصبَ عينيه هي “حجج حكميّة، تؤدلج موقفه، وهو يحتاج إلى مثل هذه الحجج كي يبني موقفه على قاعدة صلبة لتمكنه من الصبر الذي اختاره وسيلة لتحقيق مشروعه”([80]) الذي يصبو اليه، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى ، فإننا نراه يسوّغ ولاءه لقومه بما تملكّه من حبّ ، يتوقُ إلى استحواذه ، قائلا :
سَأَحلُمُ عَن قَومي وَلَو سَفَكوا دَمي وَأَجرَعُ فيكِ الصَبرَ دونَ المَلا وَحدي ([81])
فهو إزاء هذا الحبّ قد تحمّل العذاب والظلم من قومه ، على الرغم من انتمائه اليهم( سأحلم عن قومي )، لكنه مع كلّ الذي بدر منهم ، وسعيهم الحثيث للإيقاع به في المهالك (ولو سفكوا دمي) آثر الصفح والعفو عنهم ، سالكا سبيل الصبر والتحمّل على ما يلاقيه ( وأجرع فيكِ الصبر ) من أجل حبّ قد لا يظفر به أبدا، وحبيبة قد لا يناله رضاها .
وفي هذه المرحلة حرص عنترة على الاندماج في القبيلة ، وتقاسم الفخر معها ، قائلا :
فَلَم أَرَ حَيّاً صابَروا مِثلَ صَبرِنا وَلا كافَــــــــحوا مِثلَ الَّذينَ نُكافِـــــــحُ
إِذا شِئتُ لاقاني كَميٌّ مُدَجَّجٌ عَلى أَعوَجِيٍّ بِالطِعانِ مُسامِحُ
نُزاحِفُ زَحفاً أَو نُلاقي كَتيبَةً تُطاعِنُنا أَو يَذعَرُ السَرحُ صائِحُ ([82])
إنّ فخره الذاتي غدا جزءا لا يتجزّأ من الفخر القبلي وتداخل معه ،موظفا ما يشي بذلك، مثل الضمير( نحن ) ( نُكافح / نُزاحف / نُلاقي ) و ضمير الجمع( نا ) (صبرنا / تُطاعننا ) ، فضلا عن واو الجماعة ( صابروا / كافحوا ) فهذه كُلّها قد تلاحمت مع ما يدلّ على ذاتيته (شئتُ / لاقاني) المندمجة مع قبيلته ، في مواطن الشجاعة والإقدام ، ومواجهة الأعداء معا، للنيل منهم، وايقاع الهزيمة بهم .
ومع ذلك تبرز في شعره بين الحين والآخر مشاعر متناقضة تتراوح ما بين انتمائه لقومه والشعور بالغربة عنهم ، قائلا:
خَدَمتُ أُناساً وَاِتَّخَذتُ أَقارِب | لِعَوني وَلَكِن أَصبَحوا كَالعَقارِبِ | |
يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ | وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ | |
وَلَولا الهَوى ما ذَلَّ مِثلي لِمِثلِهِم | وَلا خَضَعَت أُسدُ الفَلا لِلثَعالِبِ([83]) |
وهي مشاعر وأحاسيس بقيت ملازمة له ، ولم تفارقه في أثناء سعيه الدائب للبقاء فردا في ضمن قبيلته، غير نافر منها ؛ ليقينه من أنهم لن يقابلوا فعله سوى بالجحود والنكران( خدمتُ أناسا / أصبحوا كالعقارب) ، وسلوك متناقض ، ومواقف متباينة تجاهه ما بين السلم ( يا ابنة زبيبة ) والحرب (يا ابن الأطايب) ، كان عنترة يعيها جيدا ، ويقدر على تجاوزها ، لكنه راح يغض الطرف عنها ، على الرغم من تفرّده عنهم (ما ذلّ مثلي لمثلهم)، وتميزه منهم (لا خضعت أسد الفلا للثعالب) ؛مسوغا ذلك بحبه الذي ملك عليه شغاف قلبه( ولولا الهوى ) ، ومن ثمّة لم يكن أمامه من سبيل سوى الخضوع والذلّ والهوان أمامهم ، فهو بديلٌ مقنعٌ لكبح جماح ذاته المتوثّبة نحو التمرد والعصيان ورفض الواقع المعيش من جهة ، ولكيلا يخسر ما قدّمه من تضحيات جِسام ، وما بذله من جهود مضنية لنيل حريته وتحقيق غايته من جهة أخرى .
إنّ المعاناة النفسية التي هيمنت على عنترة ؛ نتيجة عدم انصافه من قومه ، بدت ملامحها في شعره ، من خلال تركيزه على شجاعته التي يفتقر لها أفراد قبيلته ، قائلا:
في حَوْمَةِ الحَرْبِ التي لا تَشْتَكِـي | غَمَـرَاتِها الأَبْطَالُ غَيْرَ تَغَمْغُـمِ | |
إِذْ يَتَّقُـونَ بـيَ الأَسِنَّةَ لم أَخِـمْ | عَنْـها ولَكنِّي تَضَايَقَ مُقْدَمـي | |
لـمَّا رَأيْتُ القَوْمَ أقْبَلَ جَمْعُهُـمْ | يَتَـذَامَرُونَ كَرَرْتُ غَيْرَ مُذَمَّـمِ | |
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا | أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ([84]) |
عامدا إلى اظهار التزامه تجاه قبيلته ، والدفاع عنها ، مسلطا الضوء على إقدامه في الحرب وجرأته على مواجهة الأعداء ، من دون تردد أو خوف أو تخاذل( في حومة الحرب / لم أخم عنها ).
ولئن كان الفرد يحتمي بقبيلته ، ويلوذ بقوتها، ويفخر بتلك القوة ، مغالياً أحياناً، جاعلاً إياها من أشد القبائل هيمنةً وبأساً، فقد كان عنترة يفخر بفروسيته ، وذوده عن حياض القبيلة وحماها فقومه هم الذين يستظلون بحمايته ويأوون إلى بأسه لائذين ، ولاسيما الفرسان منهم ؛ ليدفع عنهم الأعداء([85]) ، جامعا الحديث عن ذاته وقبيلته معا( رأيتُ القوم أقبل جمعهم / كررتُ / يتقونَ بي الأسنة) ؛ للإفصاح عما يجيش في صدره من مشاعر وأحاسيس تغمرها الشكوى والألم .
وفي ضوء ذلك راح ينتزع منهم نداء واضحا باسمه ( يدعون عنترَ ) يجلو عن نفسه مكامن الازدراء والاستهجان ، ويكون تعويضا يستشعر معه ذاته وتعاليها ، وتفوقها على الآخرين “وكأنه حين شعر بوهن العصبية القبلية التي تشده إلى قومه، لما يعتري أصله من ضعف برز في سواده حاول أن يسد الفراغ بقوته وشجاعته، فإذا شعار القبيلة في الحرب وصيحتها قد تحوّل من المناداة باسمها إلى المناداة باسمه هو”([86])، مؤكدا هذا الشعور الكامن في نفسه مرة أخرى بقوله :
ولقَـدْ شَفَى نَفْسي وَأَذهَبَ سُقْمَهَـا قِيْلُ الفَـوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْـدِمِ([87]) |
فنفسه التي طالما عانت الألم والحسرة والقهر ؛بسبب “ما كان يلاقيه من استهجان وازدراء وعدم إنصاف له، حين لا تتحقق مطالبه، ولا يجد مقامه محفوظاً مثل سائر أبناء قبيلته، بل يجد السخرية منهم، وإلصاق النعوت الرذيلة بشخصه”([88]) ، قد آن لها أنْ تشفى مما المّ بها منهم ( شفى نفسي / أذهب سقمها ) ولا سبيل إلى ذلك الشفاء سوى النداء باسمه الصريح ( ويك عنترَ أقدم ) الذي يحمل في طياته معالم البطولة والفروسية ، وعلوّ المنزلة والمكانة، والتحرر من براثن العبودية وذلها ، ولاسيما أنّ من يُنادي باسمه هم فرسان القوم وشجعانهم ( قيل الفوارس ) الذين طالما تفاخر بهم قومه ، ونبذوه بعيدا عنهم ، مدركا أنّ الحرب وأهوالها ستجعل الجميع ” يستنجد بقوته ويعود إليه رهبة لا رغبة، فكان صدى ذلك التعامل بيّناً على نفسه ومن ثم على إبداعه الشعري في ظهور ثنائيتين متناقضتين تعبران عن مشاعره الدفينة إزاء حبيبته تارةً وإزاء قبيلته والآخرين تارة أخرى”([89]).
الخاتمة :
خلُصتِ الدراسةُ إلى نتائجَ عدّةٍ يمكن إجمالها بما يأتي:
- لقد مثلت الذاتية المرحلة الأولى في حياة عنترة وشعره، وكانت مظاهرها الملحمة الرئيسة في شعره، فالعبودية واللون والنسب الهجين جعلت الشاعر يصوّر معاناته النفسية من دون أن يتحرّج منها.
- استطاع عنترة أن يجعل من مظاهر عبوديته مظهراً إيجابيا حين قرنه بطيب أفعاله وكرم أخلاقه ونبله، وعزة نفسه، وحسن معشره، وفرط شجاعته وإقدامه.
- كانت عبوديته وسواد لونه تقف سداً منيعا أمام تحقيق حلمه بالاعتراف بنسبه لأبيه ، وأن يظفر بابنة عمه ومحبوبته عبلة، ولم تكن الغاية الحقيقية من وراء الوصول إلى قلب عبلة والظفر بها، إلا شفاءً لنفسه المعذبة ، وتحقيق الاعتراف ضمنيا بحريته المسلوبة؛ لذا وجدناه دائم الحديث عن نفسه في غزله.
- عمد عنترة في سبيل تحقيق ما يصبو إليه من التحرر من العبودية إلى تمثّل الوسيلة الناجعة لنيل ذلك الهدف ، وهو الصراع الدائب ، وركوب الأهوال والمخاطر، في ظل فروسية نادرة أثبت من خلالها ذاته وأفضليته على أبناء قومه جميعا.
- بعد أن نال عنترة حريته بفروسيته وشجاعته ، بدأ يشعر بانتمائه الحقيقي لقومه ، ويحرص على اثبات صواب فعلهم بتحريره ، وجعله فارسهم المقدم في حروبهم ، وظلّ إلى آخر عمره يمثل لسان قبيلته وسيفها، شعرا وقتالا.
- إنّ انتماء عنترة القبلي كان متميزا ، فقد جمع بين الانتماء والذاتية معا في موارد الفخر القبلي ، وكأنه جعل من ذاته سبيلا لفخر القبيلة ، وقد بدا هذا الأمر جليّا في شعره ولاسيما في القصائد الطوال .
- المصادر والمراجع :
- القرآن الكريم .
- المصدر:
ديوان عنترة بن شدّاد، عنترة بن شداد، اعتنى به وشرحه، حمدو طمّاس، دار المعرفة، بيروت-لبنان، ط3، 2007م
المراجع:
- ـ الأسطورة والتراث، السيد القمني، مؤسسة هنداوي، مصر، 2020م.
- الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، تح: إحسان عباس وآخران، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م.
- الانتماء في الشعر الجاهلي، فاروق أحمد سليم، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ١٩٩٨.
- تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، دار المعارف، مصر.
- التعريفات، الشريف الجرجاني، تح: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة للطيع والتوزيع، مصر، 2004م.
- التكوين التاريخي للأمة العربية، عبد العزيز الدوري، ، دار المستقبل العربي، القاهرة، ط٢، ١٩٨٥.
- التمرد في الشعر الجاهلي، السيد عمارة، الطبعة الأولى، مصر، 1990م.
- جزيرة العرب قبل الإسلام، برهان الدين دلو، ط١، دار الفارابي، بيروت، ١٩٨٩.
- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ، عبد القادر بن عمر البغدادي ( ت 1093هـ ) ، تحقيق وشرح ، عبد السلام محمد هارون ، مكتبة الخانجي ـ القاهرة ، ط4 ، 1418ه – 1997م .
- دراسات في الشعر الجاهلي ، يوسف خليف، مكتبة غريب، القاهرة.
- ديوان طرفة بن العبد، طرفة بن العبد، تح: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2006.
- شرح ديوان عنترة ، الخطيب التبريزي ، قدم له ووضع حواشيه وفهارسه : مجيد طراد ، دار الكتاب العربي ،بيروت ، ط1، 1412هـ – 1992م .
- الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي ، عبده بدوي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988.
- العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.
- عنترة بن شداد، قضايا إنسانية وفنية ، إبراهيم محمد عوض، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996م.
- الغربة في الشعر الجاهلي ، عبد الرزاق الخشروم، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1982.
- الفروسية في الشعر الجاهلي ، نوري حمودي القيسي، مكتبة النهضة ـ بغداد ،ط1 1384هـ – 1964م .
- الكليات، أبو البقاء الكفوي، تح: عدنان درويش ومحمد المصري، منشورات ذوي القربى، قم، إيران، ط1، 1433م.
- لباب الآداب ، أسامة بن منقذ ( 488 -584) ، تح :أحمد محمد شاكر ،مكتبة السندباد ، القاهرة ، 1407هـ – 1987م .
المعاجم:
- القاموس المحيط ، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط8، 2005م.
- لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت، ط3، 1414ه.
- المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط2، 1984.
- المعجم الفلسفي، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني، 1982.
- معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، 2008.
- معجم المصطلحات الأدبية، إبراهيم فتحي، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، تونس، 1986.
- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية في مصر، مكتبة الشروق الدولية، مصر، ط4، 2004م.
- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تح: صفوان عدنان داوودي، دار القلم- الدار الشامية، دمشق، ط1،2009.
- الرسائل والأطاريح :
- صوت الذات وصوت القبيلة في الشعر الجاهلي، رسمية بنت فهد العيباني ، رسالة ماجستير ، كلية اللغة العربية، جامعة محمد بن سعود، السعودية، ٢٠٠٣.
- مظاهر القهر الإنساني في الشعر الجاهلي، رباح عبد الله علي، رسالة ماجستير ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة تشرين، اللاذقية، سوريا، 2008.
- المنصفات في شعر فرسان العصر الجاهلي ، ربيع سعداوي ، رسالة ماجستير ، كلية الآداب والحضارة الاسلامية ، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية قسنطينة ، 2019م .
- المجلات:
- أزمة الانتماء في شعر عنترة ، د. جبار عباس اللامي ،مجلة ميسان للدراسات الأكاديمية كلية التربية ، جامعة ميسان ، م8 ، ع16 ، 2010م .
- ثنائية العفة والجرأة في الشعر الجاهلي-عنترة أنموذجا- ، وسام حسين جاسم العبيدي، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، جامعة بابل، ع29، 2016م
- جدل العصبية القبلية والقيم في نماذج من الشعر الجاهلي ، د. علي مصطفى عشّا، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ج٣ مج٨٣.
- الشاعر العربي قبل الإسلام وتحديات العصر، محمود عبد الله الجادر، مجلة المورد، العراق مج: ١٥، ع2.
- الفرد والجماعة، عبد المجيد زراقط ،مجلة الفكر العربي ، معهد الإنماء العربي، لبنان، مج٩ ع٥٤، ١٩٨٨.
- النزعة الذاتية في الشعر الجاهلي ، عبد الغني زيتون، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ع37، 1/12/1989.
[1]. العين : 8/208.
[2]. التعريفات : 143.
[3]. الكليات : 454.
[4]. معجم المصطلحات الأدبية : 165-166.
[5]. المعجم الأدبي : 116.
[6]. صوت الذات وصوت القبيلة في الشعر الجاهلي ( رسالة ماجستير ) : 8.
[7]. مفردات ألفاظ القرآن : 629.
[8]. ديوان طرفة بن العبد: 33.
[9]. معجم اللغة العربية المعاصرة : 3/1687.
[10]. المعجم الفلسفي : 2/140.
[11]. الفرد والجماعة في الشعر الجاهلي ( بحث ) : 68.
[12]. ينظر: الكليات : ٧٣٧.
[13]. المعجم الوسيط : ٢/٧١٣.
[14]. صوت الذات وصوت القبيلة في الشعر الجاهلي ( رسالة ماجستير ) : ٩-١٠.
[15]. ينظر: لسان العرب ، القاموس المحيط مادة (عَصَبَ) .
[16]. التكوين التاريخي للأمة العربية : ٢١.
[17]. ينظر: جدل العصبية القبلية والقيم في نماذج من الشعر الجاهلي ( بحث ) : ٢.
[18]. جزيرة العرب قبل الإسلام : ١٥٣.
[19]. الشاعر العربي قبل الإسلام وتحديات العصر ( بحث ) : 9.
[20]. دراسات في الشعر الجاهلي : ١٧٤- ١٧٥.
[21]. ينظر: الأغاني : ٨/ ٢٤٦- ٢٤٧.
[22]. الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي : ٣٤.
[23]. التمرد في الشعر الجاهلي : ٢٢٩.
[24]. ديوان عنترة بن شدّاد : 157.
[25]. ينظر: مظاهر القهر الإنساني في الشعر الجاهلي ( رسالة ماجستير ) : ٢١-٢٢.
[26]. في الشعر الجاهلي : ٩٤.
[27]. ينظر: مظاهر القهر الإنساني في الشعر الجاهلي ( رسالة ماجستير ) :٢٣.
[28]. ديوان عنترة بن شدّاد: 174.
[29]. ديوان عنترة بن شدّاد: 52.
[30]. المصدر نفسه : 68.
[31]. ينظر : الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي :282.
[32]. ديوان عنترة بن شدّاد : 174.
[33]. الأسطورة والتراث : 190-191.
[34]. ديوان عنترة بن شدّاد : 102.
[35]. المصدر نفسه : 174.
[36]. التمرد في الشعر الجاهلي : ٢٢٩.
[37]. ديوان عنترة بن شدّاد : 12، الخمخم : ضرب من النبات تأكله الابل ، وله حبّ أسود .
[38]. ديوان عنترة بن شدّاد : 69.
[39]. المصدر نفسه : 72.
[40]. ينظر: الفرد والجماعة في الشعر الجاهلي ( بحث ) : ٧٥-٧٦.
[41]. ديوان عنترة بن شدّاد : 102-103.
[42]. ينظر: النقد الثقافي : 145.
[43]. ديوان عنترة بن شدّاد: 17.
[44]. يقول عبد القادر البغدادي ( ت 1093ه) : (( وللعرب قصائد قد أنصف قائلوها أعداءهم فيها ، وصدقوا عنهم وعن أنفسهم فيما اصطلوه من حرّ اللقاء ، وفيما وصفوه من أحوالهم ، في إمحاض الإخاء ، قد سمّوها المنصفات )) : خزانة الأدب : 3 / 520 ـ 521 ، وينظر : المنصفات في شعر فرسان العصر الجاهلي ( رسالة ماجستير ) : 23 وما بعدها .
[45]. ديوان عنترة بن شدّاد : 17 .
[46].المصدر نفسه: 18. نعال السبت : وهي من أثمن النعال ، لا يلبسها سوى السادة والأشراف .
[47]. المصدر نفسه : 17. لم تقتصر عفة عنترة على المغانم فقط ، فقد كان عفيفا تجاه النساء أيضا قائلا :
أغشى فتاةَ الحيّ عندَ حليلها وإذا غزا في الجيش لا أغشاها
وأغضُّ طرفي ما بدتْ لي جارتي حتـــــــــى يواري جـَــــــــــــارتي مأواها
المصدر نفسه : 94.
[48]. إنّ الفروسية في العصر الجاهلي لم تكن مقتصرة على الحرب فقط ، وإنما تضمنت التحلي بالمُثُل العليا ؛ ذلك أنّ شخصية الفارس البطل تُملي عليه أن يكون إنسانا ساميا في أخلاقه إلى جانب بطولته . ينظر : الفروسية في الشعر الجاهلي : 29 ـ 30 .
[49]. ديوان عنترة بن شدّاد : 73.
[50]. ديوان عنترة بن شدّاد : 17.
[51]. المصدر نفسه : 141.
[52]. المصدر نفسه : 91.
[53]. عَبّر عنترة عن معاناته تلك قائلا :
يُنادوني وخيلُ الموتِ تَجري: مَحلُّكَ لا يُعادلـــــهُ مَحَـــــــلُّ
وقد أمْسَوا يَعيبُونني بأميّ ولوْني كُلّما عَقدوا وحَلّوا
المصدر نفسه : 116.
[54]. المصدر نفسه : 81.
[55]. ينظر: أزمة الانتماء في شعر عنترة ( بحث ) : 16.
[56]. ديوان عنترة بن شداد : 99.
[57]. الفرد والجماعة في الشعر الجاهلي ( بحث ) : 67 .
[58]. ديوان عنترة بن شداد: 17.
[59]. تاريخ الأدب العربي ( العصر الجاهلي ) : 373.
[60]. ديوان عنترة بن شدّاد: 76.
[61]. المصدر نفسه : 76.
[62]. المصدر نفسه : 75.
[63]. ينظر: الانتماء في الشعر الجاهلي : ١٨٦.
[64]. الأغاني : ٨/ ٢٤٦.
[65]. ديوان عنترة بن شدّاد : 102.
[66]. ينظر: عنترة بن شداد، قضايا إنسانية وفنية : 62.
[67]. الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي : 39.
[68]. ديوان عنترة بن شدّاد : 63.
[69]. المصدر نفسه : 44.
[70]. الانتماء في الشعر الجاهلي : ١٥٧.
[71]. ديوان عنترة بن شداد : 57. فج الانان : موضع الوقعة ، وقد سُمي بذلك لكثرة الجرحى فيه .
[72]. شرح ديوان عنترة : 193 – 194.
[73]. ديوان عنترة بن شدّاد : 57.
[74]. روى أبو عمرو الشيباني أنّ بني عبس أغارت على بني تميم ، وعليهم قيس بن زهير، فانهزمت بنو عبس وطلبتهم بنو تميم ، ووقف لهم عنترة ، ولحقتهم كتيبةٌ من الخيل ، فحامى عنترة عن بني عبس ، فلم يُصَبْ منهم مُدبرٌ، فساء ذلك قيس بن زهير ، وشقّ عليه صنيعُ عنترة ، فقال حين رجع : واللّه ما حمى الناسَ إلا ابنُ السوداء فراح عنترة يُعرّض به ، ويُجيبهُ عن ذكر أُمّه . ينظر : لباب الآداب : 217 – 218 .
[75]. ديوان عنترة بن شدّاد : 44 .
[76]. المصدر نفسه : 194. وينظر : 117 ، 132 .
[77]. ينظر : ديوان عنترة بن شدّاد : 129، 136 ، 189 .
[78]. المصدر نفسه : 68. المشعلات : المنتشرة المتفرقة ، الغواشي : المحيطة بالقوم ، تهروا : تكرهوا .
[79]. ديوان عنترة بن شدّاد : 72.
[80]. الفرد والجماعة في الشعر الجاهلي ( بحث ) : ٦٧.
[81]. ديوان عنترة بن شدّاد : 111.
[82]. المصدر نفسه : 26-27.
[83]. ديوان عنترة بن شداد : 80-81.
[84]. ديوان عنترة بن شداد : 19.
[85]. ينظر: النزعة الذاتية في الشعر الجاهلي ( بحث ) : 37.
[86]. المصدر نفسه : 37.
[87]. ديوان عنترة بن شداد: 20.
[88]. ثنائية العفة والجرأة في الشعر الجاهلي-عنترة أنموذجا-، وسام حسين جاسم العبيدي: 664.
[89]. ثنائية العفة والجرأة في الشعر الجاهلي-عنترة أنموذجا-، وسام حسين جاسم العبيدي: 664.