مدى فعالية حماية البيئة الطبيعية والاجتماعية خلال فترة النزاعات والحروب “دارفور أنموذجا”
How effective is the protection of the natural and social environment during conflict and war “Darfur is a model“
بروفيسور/أبكر عبدالبنات آدم- جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم- السودان
Prof/ Abaker Abdelbanat Adam Ibrahim. University of The Holy Quraan And Taseel of Sciences- Sudan.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 12 الصفحة 11.
Abstract
The study examined the effectiveness of the protection of the natural environment during the period of conflict and war “Darfur model”, to highlight the challenges and threats to the natural environment and its resources due to the bad use of its manifestations, which led to the creation of an unsuitable environment resulting from many environmental diseases in all aspects of social, economic, political, cultural and religious life. The study aimed to create an integrated system of directives and principles aimed at protecting and caring for the environment in all its forms and components, and to provide a logical and realistic approach to achieving the goal of land-based succession, and to activate the role of religious leaders in the application of legal, regulatory and punitive legislation for violators and aggressors, in addition to trying to highlight common denominators that achieve the rights of others from the land. The researcher used the descriptive, analytical, inductive and inductive approach to reveal the importance of the environment in maintaining the balance between the different components.
Keywords: Effectiveness – Protection – Natural Environment – Conflicts – Conflicts.
مستخلص:
تناولت الدراسة مدى فعالية حماية البيئة الطبيعية خلال فترة النزاعات والحروب” دارفور أنموذجا”، لإبراز ما تعرض لها البيئة الطبيعية ومواردها من التحديات والتهديدات جراء الاستخدام السيئ لمظاهرها، الأمر الذي أدي إلى خلق بيئة غير صالحة نجم على إثرها العديد من الأمراض البيئية في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والساسية والثقافية والدينية. وقد هدفت الدراسة إلى إيجاد منظومة متكاملة من التوجيهات والمبادئ التي تهدف إلى حماية ورعاية البيئة بكافة أشكالها ومكوناتها، وإلى تقديمِ منهجٍ منطقي وواقعي لتحقيق هدف الاستخلاف في الأرض، وتفعيل دور الوازع الديني في تطبيق التشريعات القانوية والرقابية والعقابية للمخالفين والمعتدين، هذا إلى جانب محاولة السعي لابراز قواسم مشتركة تحقق حقوق الآخرين من الاندثار. وقد استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي والاستنباطي والاستقرائي للكشف عن أهمية البيئة في حفظ التوازن بين مكونات المختلفة.
الكلمات المفتاحية: فاعلية- حماية- البيئة الطبيعية- النزاعات- الصراعات.
مقدِّمة
إن البيئة وآليات حمايتها من القضايا التي باتت تؤرق شأن كل إنسانٍ يريد أن يحقق مستقبلٍ آمنٍ للأجيال الحالية والمستقبلية. ومن خلال تلك القوانين الإلهية يستطيع الإنسان التعامل مع مظاهر البيئة الطبيعية والبشرية. لذلك فإن عدم التعامل مع المظاهر البيئة دليل على غياب الوعي والحس بأهميتها في حياتنا اليومية، وتجاهلنا للبعد الديني الذي يجب أن يحكم سلوك وتصرف كل فرد أو جماعة في المجتمع. ولا شكّ أن سلوك الإنسان الخاطئ، وغير الحضاري هي التي جعلت مظاهر البيئة الطبيعية تتعرض لمهددات بالغة الخطورة. لذلك فإن هذه المعاناة تعتبر نوعاً من العقوبة الربانية، لأن الإنسان كثيراً ما يخالف التعاليم والضوابط التشريعية لأجل تحقيق مصلحته الذاتية. ولم يكن دارفور بدعاً عن المناطق الملتهبة في العالم. فقد تعرضت لموجة من النزاعات والصراعات ثم الحروب مما أفرزت واقعاً مغايراً عما هو مألوف، الأمر الذي ترك أثراً سيئاً فقدت على إثرها البيئة كل مظاهرها الطبيعية على المستوى المعنوي الروحي والمادي.
أسباب اختيار الدراسة: إن احتضان البيئة للفعاليات الحياتية المختلفة للإنسان، في حاضره ومستقبله، يشكل أول بعد للعلاقة بينه وبين البيئة الطبيعية، غير أن الإنسان كثيراً ما فشل في إدارة قوانين البيئة عندما لم يدرك أنه خلق مستخلفاً لإعمارة الكون، أو خليفة يجب الالتزام بمنهج المستخلِف. وتعد مشكلة دارفور من المشاكل العصية على القارة الأفريقية عامة وللسودان على وجه الخصوص، حيث سعت بعض الدوائر الإقليمية والدولية، وبعض المنظمات الإغاثية إلى استغلال الوضع المتدهور، وإلى تغيير النظام البيئي الاجتماعي في الإقليم في الوقت الذي لم تدرك فيه الحكومة والنخبة الدارفورية خطورة الموقف إلا بعد تدويل القضية في المحافل الدولية.
أهمية الدراسة: تبرز أهمية الدراسة في النقاط التالية:
- إظهار الدور المشرق للبيئة ورعايتها في حياة الكائنات الحية.
- إبراز القواعد الفقهية الداعية لحماية البيئة وإعمارها وتنميتها.
- بيان الآليات الرقابية والعقابية التي تسهم في الحفاظ على البيئة الطبيعية أثناء النزاعات والحروب.
- توظيف الفقه الإسلامي في حل القضايا التي تواجه البيئة الطبيعية.
أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى تحقيق الآتي:
- التعرف على القواعد التشريعية والقانونية المنظمة للمحافظة على البيئة الطبيعية، ومدى نجاحها في توفير الحماية الكافية لها.
- بيان وسائل وآليات الحماية للبيئة الطبيعية خلال فترة النزاعات والحروب، ومدى قدرتها على ضمان تعزيز حمايتها.
- تحديد إطار المسؤولية الوطنية والإقليمية والدولية عن انتهاك قواعد حماية البيئة الطبيعية أثناء النزاعات والحروب المسلحة.
تساؤلات الدراسة: تكمن تساؤلات الدراسة في الآتي:
- ما هو موقف التشريعات الإلهية من قضايا البيئة؟
- ما هي الضوابط والقوانين التي يمكن أن تساهم في حماية البيئة ورعايتها؟
- كيف يمكن تفعيل الآليات العملية التطبيقية في صيانة البيئة أثناء النزاعات والحروب؟
منهج الدراسة: استخدم االباحث لمنهج الوصفي والتحليلي واستنباطي والاستقرائي، من خلال تتبع دور التشريعات والنظم التطبيقية المتعلقة بحماية البيئة من التهديدات والتحديات المعاصرة.
تعريف البيئة لغة واصطلاحا
البيئة لغة: مشتقة من (البوء) وهو القرار أو اللزوم، ومنه قوله تعالى:﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان﴾[1]، والتبوء اتّخاذ المسكن وإلفه والتزامه[2]. ويستخدم في عدة معان منها[3]:
- النزول والإقامة: ومنه ”باءَ” أي: حلَّ ونزل وأقام، والاسم منه”البيئة: أي: المنزل والمقام، والباءَة والمباءَة، وهي مَنزلة القوم، ويقال قد تبوَّؤوا، وبوّأهم اللهُ تعالى مَنْزِلَ صِدْق، والأصلُ في الباءةِ المَنْزِل، ثم قيل لِعَقْدِ التزويج باءةٌ؛ لأَنَّ مَن تزوَّج امرأَةً بَوَّأَها منزلاً[4].
- المكان وتهيئته: يقال: بَوَّأَهُم مَنْزِلاً: أي نَزَلَ بهم إِلى سَنَدِ جَبَل، وأَبَأْتُ بالمَكان أَقَمْتُ به بَيتاً: اتَّخَذْتُ لك بيتاً[5]، ومنه قوله تعالى:(أَنْ تَبَوَّءا لقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيوتاً)، أَي: اتَّخِذه، وأَصْلَحه وهَيَّأَه.
- الحال: يقال باء بِبيئَةِ، أي الحالة، ويقال بيئة طبيعية، وبيئة اجتماعية، وبيئة سياسية[6].
البيئة في اصطلاحا: هي المحيط الذي يوجد فيه الإنسان وما فيه من عوامل وعناصر تؤثر في تكوينه وأسلوب حياته. علمُ البيئة هي:” الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، ويضمّ ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها”[7]. وعُرفت أيضاً بأنها:” الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر”[8]. وعلى هذا السياق اختلف العلماء حول التعريف العلمي للبيئة حتى أنَّها لم تستقر على تعريف جامع مانع موحد، ويرجع السبب في ذلك إلى اختلافهم في نظرتهم للبيئة، فهنالك من نظر إليها من الجانب الماديِّ على إعتبار أنها مستودع للموارد الطبيعية والبشرية، وآخرون برزوا نظرتهم على أنها مجموعة من العوامل المتجانسة الطبيعية والاجتماعية والثقافية.
فالبيئة الطبيعية في إطار التنمية المستدامة تتكون من الموارد الطبيعية اللاحيوية والحيوية كالهواء والجو والماء والأرض وباطن الأرض والنبات والحيوان، وبما في ذلك التراث الوراثي، وكل أشكال التفاعل بين هذه الموارد؛ وكذا الأماكن والمناظر والمعالم الطبيعية، وهي تنقسم إلى قسمين: حية وهو الإنسان والحيوان والنبات، وغير حية تتمثل في الماء والهواء والتربة وغيرها.
البيئة في حياة الإنسان
إنّ مفهوم البيئة في الإسلام هو مفهوم شامل، وتعني الأرض والسماء والجبال وما فيها من مخلوقات وعلاقات ومؤثرات وظواهر مختلفة بما فيها الإنسان، وما يحيط به من دوافع وعواطف وغرائز سخّرها الله سبحانه وتعالى للإنسان للعيش الكريم، قال تعالى:(هُوَ الذي أنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ والزَّيتُونَ والنَّخِيلَ والأعنابَ ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ إنّ في ذلكَ لآيَةً لِقومٍ يَتَفَكَّرونَ وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمسَ والقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمرِهِ إنّ في ذلكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلونَ وما ذَرَأَ لَكُم في الأرضِ مُختلِفاً ألوانُهُ إنّ في ذلكَ لآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ وهوَ الذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحماً طَرِيّاً وتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسُونَهَا وتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فِيهِ ولِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ ولَعَلَّكُم تَشكُرُونَ وألقَى في الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِكُم وأنهاراً وسُبُلاً لَعَلّكُم تَهتَدُونَ وعَلامَاتٍ وبِالنَّجمِ هُم يَهتَدُونَ)[9]، وقال تعالى:(خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ ثُمّ جَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا وأنزَلَ لَكُم مِنَ الأنعامِ ثَمانِيَةَ أزوَاجٍ يَخلُقُكُم في بُطُونِ أُمَّهاتِكُم خَلقاً مِن بَعدِ خَلقٍ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُم اللهُ رَبُّكُم لَهُ المُلكُ لا إلهَ إلا هُوَ فأنَّى تُصرَفُونَ)[10]. هكذا يتمتّع الإسلام بنظرة أعمق وأوسع للبيئة، حيث طالب الإنسان أن يتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب المحافظة عليها حتَّى يستمر الوجود. كما عُني الإسلام عنايةً خاصةً بنظافة البيئة باعتبارها المحل الذي يقيم فيه الإنسان ويحصل منه على احتياجاته ويمارس فيها عبادته وأعماله التي تعينه على مواجهة متطلبات حياته.
لم ترد كلمة”البيئة” في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المطهرة، غير أن مدلولها لها ارتبط إرتباطاً وثيقاً بكلمة الأرض فقد استخدم القرآن الكريم مصطلح الأرض للدلالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان، شاملة ما عليها من مظاهر الطبيعة[11]، قال تعالى:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قَالُواْ إنما نَحْنُ مُصْلِحُون)[12]، وقال تعالى:(وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا)[13]. وقال ابن العربي:” فَخَلْقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَرْضَ، وَإِرْسَاؤُهَا بِالْجِبَالِ، وَوَضْعُ الْبَرَكَةِ فِيهَا، وَتَقْدِيرُ الْأَقْوَاتِ بِأَنْوَاعِ الثَّمَرَاتِ وَأَصْنَافِ النَّبَاتِ إنَّمَا كَانَ لِبَنِي آدَمَ؛ تَقْدِمَةً لِمَصَالِحِهِمْ، وَأُهْبَةً لِسَدِّ مَفَاقِرِهِمْ…؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْمُهَيِّئَةِ لَهَا لِلْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ لعبادة الخالق”[14].
ولم يطلق علماء المسلمين لفظة(البيئة) كمصطلاح إلاّ في القرن الثالث الهجري، وقُصد بها الإشارة إلى الوسط الطبيعي والجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان، هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى المناخ الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والفكري… وغيرها[15]. ولم تقتصر عناية الإسلام بالنظافة على نظافة البدن والجسد فحسب بل اتسعت الدائرة لتشمل صيانة البيئة وحفظها على السواء؛ فالنفس تنشرح حين يكون المكان نظيفاً، وتأنف حين يكون المنظر قذراً ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النظافة فقال:” إن الله طيب يحب النظافة، جواد يحبّ الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود”[16].
وعلى ذلك فإنّ غياب التصور الشامل للإنسان، والكون، والحياة، ينعكس فساداً على السلوك والقيم، فالإسلام ينظر إلى الإنسان على أنَّه سيّد الموقف، فهو سيّد هذا الكون، وكل ما في الكون مخلوق من أجله مسخر له باعتباره الخليفة المؤتمن، قــال تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[17].
فالخلافة عن الخالق في الخلق، تلزم الإنسان الخليفة بالمحافظة على الكون المستخلَف فيه، حتَّى يستطيع أن يؤدِّي الأمانة التي حملها فلا يظلم نفسه والآخرين من حوله، فهو سيّد هذا الكون، ولتحقيق هذه السيادة سخر له كل شيء في الكون. فالخلافة تعني أول ما تعني تعمير الأرض بإشاعة الخير والسلام فيها، وبالعمل على إظهار عظمة الخالق وقدرته عن طريق الانتفاع الإيجابي اعماراً وليس فساداً، ولا شكّ أن في الأمرين خير ضمان لحماية البيئة وسلامتها، وتحقيق التنمية واستدامتها.
فإذا تحقق الأمرين يكون للإنسان ارتباط قوي بين مختلف مكونات الكون قال تعالى:(إنّ الله فالِقُ الحَبِّ والنَّوَى يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ومُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فأنّى تُؤفِكُونَ فالِقُ الإصباحِ وجَعَلَ اللَّيلَ سَكَناً والشَّمسَ والقَمَرَ حُسبانا ذلكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيم وهوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومُ لِتَهتَدوا بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ قَد فَصَّلنَا الآياتِ لِقَومٍ يَعلَمُون وهوَ الذي أَنشَأَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ فَمُستَقَرٌ ومُستَودَعٌ قَد فَصَّلنا الآياتِ لِقَومٍ يَفقَهُونَ وهوَ الذي أنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فأخرَجنا بِهِ نَبَاتِ كُلِّ شيءٍ فَأخرَجنا مِنهُ خَضِراً نُخرِجُ مِنهُ حَبّاً مُتراكِباً ومِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوَانٌ دانِيَةٌ وجَنّاتٍ مِن أعنَابٍ والزَّيتُونَ والرُّمَّانَ مُشتَبِهاً وغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إذا أثمَرَ ويَنْعِهِ إنّ في ذلِكُم لآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ)[18].
فلا تقتصر مشكلة حماية البيئة الطبيعية خلال فترات النزاع والحروب على أطراف النزاع المسلح فقط، بل تمتد الضرر البيئي إلى الدول المجاورة، ومن هنا بات من الضروري التأكيد على أهمية الاهتمام بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية من خطر الانتقال والهجرة، وهذا ما حظرت إليها قواعد القانون الدولي الإنساني، والذي اعتبر عدم الصيانة والحماية والمحافظة هي انتهاك لأحكامها، وهذا ما أكده إتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى لعام 1976م، والتي جاءت فيها: تحظر استخدام البيئة الطبيعية كوسيلة للإعتداء. ثم جاء بروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977م والذي تضمن؛ حظر استخدام وسائل وأساليب قتالية يقصد بها إلحاق الضرر بالآخرين. وللمحافظة على البيئة الطبيعية والاجتماعية علينا بالآتي:
* التنمية العقلية والفكرية: جاءت التشريعات الإلهية لصون حاجة الإنسان من الموارد الطبيعية والبشرية، ودعا إلى ترشيد الاستهلاك، ونهى عن التبذير. كما دعا إلى تنمية العقل والفكر، والزرع، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة”[19]،
* الاهتمام بالتربية الدينية: تشكل التربية الدينية أولى حلقات العملية التعليمية للمحافظة على البيئة الثقافية والفكرية. فمن الواجب غرس فكرة العناية بالبيئة والمحافظة عليها، والتعامل معها بـالإحسان كما جاء في الحديث:” إن الله كتب الإحسان على كل شيء” وبـالرفق الذي يحبه الله تعالى في الأمر كله، وما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وبالاعتدال الذي يجعل الإنسان ينتفع بخيرات البيئة بلا شح ولا إسراف، لقوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾[20].
* التوعية بأهمية المحافظة على البيئة: إن التوعية والتثقيف من الوسائل والأساليب التي تعمل على الرقي بفكر الأمة، وتسمو بأذواقها واتجاهاتها العقلية والنفسية، والتي تساعد على تصحح المفاهيم الخاطئة، وتقويم الأفكار التي تؤدي إلى انحرفه، متعاونة مع أجهزة الإعلام الواعي الهادف، الذي يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، بحيث ينشئ تصوراً معرفياً منبثقاً من التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة[21]. فالثقافة هي التي تغير الأفكار والأذواق والميول، وتساعد على تكوين اتجاهات الأفراد في المحافظة على إصلاح البيئة، والحرص على سلامتها ونمائها. وهنا يلعب الإعلام المقروءة والمسموعة، والمرئية دوراً كبيراً في التفاعل مع المعاني والمفاهيم البيئية لما لها من تأثير بالغ على الناس[22].
* العناية بالرقابة العامة: وهنا يقصد به تحريك الضمير الجماعي للأمة، قال تعالى:﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾[23].
* تفعيل التشريعات والعقوبات: ويقصد بها التشريعات والقوانين التي يعاقب من خلالها من لا يلتزم بها، عن طريق ولي الأمر، لقوله تعالى:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾[24] ، فمن لم يصلحه الكتاب والميزان أصلحه الحديد ذو البأس الشديد، وفي الحديث:”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته”[25].
* التعاون مع المؤسسات الإقليمية والعالمية: هي التعاون مع الجماعات والمؤسسات الأهلية والرسمية الإقليمية والدولية، للحفاظ على البيئة، ومقاومة كل ما يهددها من الاستنزاف والتلوّث والإفساد، والإخلال بالتوازن الطبيعي والكوني[26].
* نشر ثقافة التربية البيئية: لما كانت التربية أثرها بعيد المدى في تنشئة وإعداد الأجيال إعدادا تربويا يتفق والقيم الأصيلة، ويؤصل لدى الأجيال مفاهيم خلقية، واجتماعية تحض على احترام البيئة وتقديرها، فهذا يلقي على المؤسسات التربوية(المدارس، والجامعات، والمساجد، والنوادي… الخ) العبء الأكبر في تحقيق هذا الهدف الأسمى.
وعلى ما تقدم فإنَّ غياب الوازع الديني، وانعدام الجانب الروحي والأخلاقي على حساب المصالح الذاتية للأشخاص والمؤسسات والدول، يدفع الانسان إلى الجنوح نحو الفساد البيئي، وذلك من خلال انتشار المواد المسرطنة التي كثيراً ما أضرت بصحة البشر، هذا بالإضافة إلى تصنيع المفاعلات النووية التي تدفن في بلاد الفقراء والمحرومين لحساب الدول الكبرى التي غاب ضميرها الإنساني من أجل كسب المال وتحقيق الأهداف الخاصة؛ لذلك يجب أن ننادي بأهمية إيقاظ الضمير الإنساني، وتقوية الوازع الديني الداخلي كخطوة أساسية للوصول الى صيغة توافقية تعمل على حماية ورعاية البيئة. لأنَّ صلاح البيئة لا يتم إلا بصلاح الإنسان، ولن يصلح الإنسان إلا بصلاح قلبه ونفسه، ولا صلاح للقلب والنفس إلا بالدين والإيمان[27].
فإذا كان الإنسان يجهل المنفعة البيئية اليوم، فربّما يعرفها بعد غد،. فلابد للبشرية أن تدرك أن للعقائد دور عظيم في تغيير حياة الإنسان الدنيوية الآخروية، وهي التي تؤثر في مسيرة حياتها من مختلف النواحي الفكرية والتشريعية والدينية والحياة التطبيقية، قال تعالى:﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب﴾[28]. فإذا غابت تلك المعاني الروحية ينحو الإنسان نحو سلوك تخريبي للطبيعة والمجتمع، لأن التلوّث بمعناه الواسع أقرب إلى مفهوم الفساد، فالنزعة الدينية هي التي تضمن للإنسان ضبط علاقته بالبيئة، لأن البيئة ليست ملكاً خاصاً لجيل من الأجيال يتصرف فيها أني شاء وكيف يشاء، إنما هي ملك وميراث دائم للبشرية جميعاً، فلو أحسن الإنسان وزاعه الديني يستطيع استنباط تطبيقات كفيلةٌ بحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية من التلوث أكثر من القوانين المادية، لأن القانون الشرعي ينتهي في نهاية المطاف إلى الله سبحانه وتعالى، وهو المشرع الأعلم بما يصلح عباده[29]. فالدين كقانون إلهي يجعل الإنسان أكثر فاعلية في تطبيق وتنفيذ القوانين إلى حدٍّ كبير، أكثر من القانون الوضعي، ومن أهم هذه الحوافز إحساس المتديّن برقابة الله سبحانه وتعالى، وشعوره بأنه عندما يراعي القوانين البيئية لا ينطلق في ذلك من مجرد الخوف من العقوبة الجزائية الدنيوية التي يجعلها القانون الوضعي بقدرما يستشعر الرقابة الإلهية التي تمنعه من مخالفة أمره ـ فالمتديّن حقّأً يخاف مخالفة الله سبحانه تعالى، طمعاً في جنّته يوم الحساب، ولهذا فإّنه لا يتجرأ على المخالفة.
البيئة الطبيعية والاجتماعية في دارفور
تقدر مساحة دارفور بخمس مساحة السودان إذ تبلغ حوالي 510 ألف كيلو متر مربع، وتحد الإقليم ثلاث دول من الشمال الغربي ليبيا، ومن الغرب تشاد، ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى فضلاً عن متاخمته لبعض الولايات السودانية مثل ولاية بحر الغزال وكردفان والولاية الشمالية[30]. ويمثل إقليم دارفور بولاياته الخمس من أكبر الأقاليم في السودان، ويقع بين خطي عرض(10-16) درجة شمالاً، وخطي الطول(22-27) درجة شرقاً. وتبلغ مساحتها 140000ميلاً مربعاً. وتمتد في امتداد طبيعي نتيجة لتداخل التضاريس وبعض الظواهر الطبيعية كالجبال والأودية، وتختلف الظروف البيئية التي تشكل حدود الإقليم باختلاف الظواهر المناخية من الصحراء في الشمال إلى شبه الصحراء فالسافنا الغنية والفقيرة في بعض تخومها[31].
تسكن دارفور حوالي ستة ملايين نسمة تضم عرقيات متعددة كالداجو والتنجر والفور والمساليت والزغاوة والميدوب، هذا بالإضافة إلى المجموعات العربية المختلفة التي تمثل لفيفاً غير قليل من سكان الإقليم، ومع التنوع الإثني والعرقي عاشت تلك المجموعات في قرون خلت في إلفة ومحبة لا يحدها حدود الزمان والمكان عندما كانت الشخصية الدارفورية لا تعرف القبلية والجهوية والعنصرية بقدر ما تعرف أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر تجمع بينهم كل عناصر التعايش والتسامح، لا يعرفون الحدود السياسية يتنقلون في حلهم وترحالهم كرحلة الصيف للشتاء حيث الكلأ والماء، بل كانوا يهاجرون لإنشاء مواطن زراعية جديدة دون أن يعتريهم عارض، حتى أصبح من الصعب على الحكومات المركزية في الدول المجاورة التمييز بين المجموعات القبلية التي تقطن المناطق الحدودية.
ومع اختلاف الظروف الطبيعية والسياسية والاجتماعية اختلفت التركيبة السكانية لإقليم دارفور، لأن تلك المجموعات الإثنية التي عاشت في الفترات السابقة خرجت عن تلك الوحدة لأطماع شخصية وذاتية في كثير من الأحيان. فظلت شواهد اللامركزية في الإدارة دون تنسيق مسبق، مما أحدث نوعا من عدم الاتزان في ممارسة السلطة مما شجع بعض ضعاف النفوس الفور إلى خلق الصراع بين الإثنيات الدارفورية، الأمر الذي أضر بالبيئة الطبيعية لدارفور.
ومع تسارع الأحداث عرفت دارفور بأنها منطقة صراع ونزاع بين المزارعين والرعاة تغذيها الانتماءات القبيلية لكل طرف، فالتركيبة القبلية والإثنية المعقدة جعلت الاقليم تحتضر من كل حدب وصوب تحت نير ما يقال الصراع على الموارد الطبيعية، وحول ملكية الأرض، هذا الى جانب الاستقطاب الإثني والديني والثقافي. فإذا استثنينا بعض المجموعات نجد أن هنالك مجموعات تريد لنفسها أن تبرز على السطح على حساب الطرف الآخر، مما أدى إلى ظهور نزاع جديد لم يكن يشكل جزءً من الصراعات التقليدية القديمة، وهذا ما يعرف “بالاستيطان”، وفي كل الأحوال ظلت الانقسامات القبلية والإثنية والثقافية تشكل جزءاً من حلبة تدهور البيئة الطبيعية، فتحولت الأيديولوجية الإثنية إلى الأيديولوجية المادية كل يريد لنفسه موطئ قدم”التجمع العربي”[32].
وعلى الرغم من تلك المهددات والتحديات لعبت الإدارات الأهلية دوراً كبيراً في نزع فتيل الأزمة من خلال النظم، والأعراف المحلية “الجودية”، للمحافظة على موارد البيئة الطبيعية. ومن العوامل الأكثر تأثيراً تدهور البيئة هو تأليب بعض القيادات لمجموعات قبلية معينة لإدارة الحرب بالتعاون مع الأطراف المتصارعة، وانتشار السلاح في كل أطراف الإقليم مما أدى إلى ميلاد طرف ثالث لم تكن في الحسبان ألا وهو الصهيونية اليهودية.
فإذا أمعنا النظر إلى حدود دارفور المفتوحة ومساحتها الشاسعة، وامتدادها على الدول المجاورة نجد أن هذه المعطيات قد أفضت الى تدفق السلاح، وظهور قوميات جديدة ليست لها علاقة بالمجتمع الدارفوري. وقد تاثرت البيئة الطبيعية بالصراع التشادي التشادي والصراع الليبي التشادي حول شريط أوزو، وبالصراعات الداخلية في أفريقيا الوسطى، فتفاعلت الإقليم بتلك النزاعات بعد توفر تجارة السلاح بين ليبيا والسودان، وبين تشاد والسودان، لأن دارفور تمثل القاعدة الخلفية لتشاد وليبيا في جميع الصراعات والنزاعات والحروب التي صاحبت تغيير كل الأنظمة، وهذا إن دل إنما يدل على الأهمية الإستراتيجية للإقليم وربطها بالقارة الأفريقية، حيث يشكل نقطة تماس ما يعرف بالحزام الفرانكفوني(الكامرون والنيجر وأفريقيا الوسطى وتشاد)[33].
وفي هذا الصدد يعتبر قانون الحكم المحلي لسنة 1971م، والذي تم بموجبه إنشاء محليات في عهد الرئيس جعفر محمد نميري، هي التي ساهمت في إنعدام الثقة بين الأطراف الدارفورية كلٌ يريد لنفسه محلية أو مجلس ريفي[34]. ثم تطورت خطى الأحداث بإلغاء نظام الإدارة الأهلية الذي خلف فراغاً إدارياً واضحاً في المجتمع الدارفوري، ومع غياب الشفافية في الإدارة ظهر ما يعرف بالمعتمديات عام 1976م التي أصبحت فيما بعد وبالاً وشراً مستطيراً على كل أنحاء السودان عامة وعلى دارفور على وجه الخصوص.
بعد ظهور الأزمة السياسية في إقليم دارفور غابت التنمية الاجتماعية بل أنها لم تنل حظها قياساً برصيفاتها من المناطق الأخرى في السودان المختلفة. فظل إنسان دارفور يمارس حياته بأساليب ووسائل تقليدية لا ترقي إلى مستوي الكثافة السكانية التي يمتاز بها الإقليم، مما أدى إلى ظهور نزاعات وصراعات داخلية مسلحة، عاشت من خلالها دارفور في صراع دائم مع المركز فترة طويلة[35]. وبينما ترى الحكومة المركزية أن الأرض ملك للدولة إلا أهل دارفور يرون أن الأرض ملك لهم يعتمدون على نظام الحواكير تحت رعاية وزعامة الإدارة الأهلية، لذلك لا يعترفون بالنظم السياسية والإدارية الحديثة التي نتجت من مفاهيم لا تستند إلى واقع الحياة الاجتماعية في دارفور.
وقد أثرت تلك الصراعات والنزاعات الحدودية في تغيير ملامح الشخصية السودانية عامة وإنسان دافور بصفة خاصة، فأصبحت مشكلة الحدود تشكل إحدى الحواجز الأمنية بين الإقليم والدول المجاورة مما أدى إلى حصد الأرواح وتشريد المجموعات التي تقع على المناطق الحدودية، وعلى منوالها انعدمت كل مظاهر التنمية بجوانبها المختلفة، وأصبحت ثقافة النزوح والهجرة إحدي مهددات السلام، كما تدهورت ملامح البيئة والتربة نتيجة لعامل الحرق والتلوث، وقد نجم عن تلك الظروف والمآسي والاغتيالات آثاراً سلبية بالغة التعقيد. وعندما أصبحت النزاعات والصراعات ثم الحروب هي ديدن كل فرد أو جماعة في المناطق الحدودية أصبح الاقليم منطقة غير آمنة تناولت أخبارها الإعلام الدولي والإقليمي دون المحلي مما أدهشت بعض الغيورين من أبناء السودان، وبعض المنظمات الدولية التي لها قدر من الاهتمام بقضايا النزاعات والصراعات، فأصبحت صورة دارفور عند الغربيين أبشع منطقة عرفتها البشرية في ممارسة انتهاك حقوق الإنسان، وهذا ما ذكرها جمعية حقوق الإنسانHuman Rights Watch، وجمعية أنقذوا دارفور اليهودية… وغيرها. وحين عمت تلك الكارثة الإنسانية أرجاء الإقليم ذهب البعض بأن الغرض من الصراعات هو محاولة الهيمنة على الأراضي التي تقع في المناطق الحدودية حتى يسهل للأطراف المناوئة للحكومة المركزية من تحقيق أهدافها وأغراضها. ومن خلال تلك الشواهد ذهب بعض المؤرخين إلى ان إقليم دارفور كان موطناً للعديد من الصراعات القبلية التي قدمت إليه عبر التاريخ من الدول المجاورة، ومن الثابت أن لهذه المجموعات القبلية أصول وجذور تاريخية مشتركة تربطهما علاقات أسرية الأمر الذى ساعد على ميلاد حركات متمردة، وهذا ما جعل حركتها دائمة ومستمرة لعدم وجود مراقبة على الحدود السياسية، وعلى أثرها خلقت واقعاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، أصبح من الصعب تجاوزها. فالمدقق للأحداث التاريخية يجد أن اقليم دارفور من الأقاليم السودانية التي عاشت ويلات الانشطار والانقسام أبان عهد الاستعمار، وما أن تفجرت الأزمة في دارفور إلا وأضحت معظم الكيانات أو الإثنيات في مهب الريح، إما البقاء في مناطق الأزمة أو اللجوء، فاختارت اللجوء عسى ولعل أن تجد واقعاً مغايراً تستطيع أن تعيش بين تلك الأحضان الجديدة، ولكن تبدلت الحال فأصبحوا فريسة سهلة للمخططات اليهودية والصهيونية، وتمخض عن ذلك أثار سلبية وصراعات دموية اتخذت القوات الأجنبية منها وسائل وطرق مختلفة لتنفيذ أجندتها الاستعمارية من خلال النزعة الاستلابية[36]. وما أن حل عام 2003م وحتى اليوم، بات إقليم دارفور جزءاً من الأزمة الدولية إن لم تكن أزمة سودانية خالصة. وعلى الرغم من المؤتمرات والاتفاقيات والتصالحات التي عقدت في شأنها لمعرفة كنه هذه الأزمة والوقوف على تداعياتها، واستنباط الحلول الناجحة حتى تندمل الجراح ويعود إلاقليم إلى سابق عهده، إلا أن تلك المساعي والمبادرات لازالت تراوح مكانها، وعلى منوالها أصبح الإقليم محط أنظار للمنظمات الأجنبية تغذيها بعض الانتماءات القبلية التي لها وجود في دارفور والدول المجاورة.
فالبيئة الاجتماعية أصبحت مشوبة بالخطر خاصة بين الرعاة والمزارعين، والتي أدت إلي تفاقم الأزمة بهزة لم تألفها تاريخ دارفورمن قبل. وفي خضم تلك الصراعات والنزاعات الحدودبة اختل ميزان الاستقرار الأمني في الإقليم لتباين الطموحات الدولية والاقليمية والمحلية والشخصية مما أدى إلى اختلال في ميزان التوازن بين المصالح الشخصية والوطنية، ومن هنا غاب عنصر التعايش الذي يقوم على رتق النسيج الاجتماعي، والذي من شأنه أن يطفيء نار الفتنة إذا استغل الاستغلال الأمثل لأنه أحد عوامل الترابط والوئام الذي هو أساس للبناء البيئئ الاجتماعي.
الخاتمة
أكدت الدراسة أن المحافظة على البيئة و رعايتها هي واجب ديني تفرضه تعاليم الدين الذي ينهى عن الفساد في الأرض، ولذلك فإنَّ خير ضمان للمحافظة على البيئة هو خلق مبدأ التوازن البيئي، وتحقيق غاية الاستخلاف في الأرض، وقد نهت التشريعات الدينية إسراف الإنسان في التلوّث البيئي بجميع أشكاله. ومن أهم النتائج:
- لن يتحقّق اصلاح البيئة إلاّ إذا صلح الإنسان، لذا لا بد من تنمية الوعي البيئي بتثقيف الجماهير بصفة عامة، من خلال المؤسسات الثقافية والمنابر الدعوية والإعلامية.
- حماية البيئة بكافة أشكالها ومكوناتها، ووضع من الضوابط ما يمنع من الاعتداء عليها أو إهدارها أو استنزاف مواردها.
- تقوم فكرة حماية البيئة في التشريعات الإلهية على أساس عقدي، فقد اعتبرت الحفاظ على البيئة ورعايتها من القرب التي يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى.
- إيجاد أجهزة مختصَّة تضبط التزام الناس بما شرعته من أحكام وقواعد لرعاية البيئة، على أن تُقدِّر العقوبات المناسبة على المعتدين والمخالفين.
- التشريعات الإلهية تحرم كافة الجرائم البيئية، وكل ما من شأنه إلحاق الضرر بالبيئة أو أحد مكوناتها، ومن يتسبب في ذلك مستحق للعقوبة التعزيرية المناسبة للجريمة، ولمرتكبها، ولطبيعة الاعتداء.
ومن أهمّ التوصيات:
* تهيئة المناخ الملائم، وتنفيذ كافة الالتزامات التي تضمن العودة الطوعية.
* البعد عن القبلية والعصبية ودعم المصالحات الاجتماعية.
* مشاركة الفعاليات الاجتماعية في عملية المصالحة والتسوية، والحوار والتعايش السلمي بين المكونات الدارفورية .
* توجيه الإعلام القومي والمحلي لعكس الوجه السليم لخدمة البيئة الاجتماعية.
* تفعيل دور الإدارات الأهلية وفق التقاليد الموروثة لمواكبة النظم الإدارية الحديثة، وألا تستقل الإدارات في الصراع والنزاع بين الإثنيات الدارفورية.
* محو جميع الضغائن التي أفرزتها المرارات السابقة، ومعالجة التشوهات النفسية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.
* إقرار أن التعدد العرقي والثقافي هو أساس تكوين مجتمع دارفور بغض النظر عن اللون والجنس.
* الاهتمام بالموروث الثقافي والفكري الدارفوري.
* احتواء المأساة الإنسانية بإشراك المجتمع المحلي والإقليمي والدولي في توفير المأوي والمسكن.
* رد المظالم وإزالة الغبن الاجتماعي، ومعاقبة المتورطين في الأزمة، وإقرار مبدأ العدالة والشفافية في المحاسبة. ونبذ العنف، وإشاعة روح السلام والتعايش.
* الاهتمام بفقه البيئة في دراسات الفقه الإسلامي بكليات الشريعة والقانون في الجامعات العربية والاسلامية.
* التعاون مع المجتمع الدولي بمختلف الصور في سبيل حماية البيئة ومنع تلويثها، والانضمام للعهود والاتفاقيات الدولية المنعقدة لحماية البيئة ما لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
المراجع
- أبادي، الفيروز. القاموس المحيط للفيروز آبادي. دار الفكر، بيروت،(بدون تاريخ)، ط1.
- ابن العربي: القاضي محمد بن عبد الله. أحكام القرآن. تعليق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،(بدون تاريخ)، ط1.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد. معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون. اتحاد الكتاب العرب، بيروت،(2002م)، ط2.
- أبو غدة،عبدالستار. البيئة والحفاظ عليها من منظور إسلامي. دار الأمل، دمشق،(بدون تاريخ)، ط1.
- أبوزريق، علي رضا. البيئة والإنسان، علي رضا أبو زريق. سلسلة دعوة الحق إصدار رابطة العالم الإسلامي،(1416هـ)، ط3.
- أرناؤوط، محمَّد السيد. التلوث البيئي وأثره على صحة الإنسان، مكتبة الأسرة، سلسلة العلوم والتكنولوجيا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،(2007م)، ط2.
- الأندلسي، أبو حيان. البحر المحيط، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت،(بدون تاريخ)، ط5.
- البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم. الجامع المسند الصحيح المختصر. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة،(1432هـ)، ط2.
- البطحاني، وعلى جادين وآخرون. دارفور إقليم العذاب.منشورات رواق،النرويج،(2004م)، ط1.
- البورنو، محمد صدقي بن أحمد بن محمد. الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية. مؤسسة الرسالة، بيروت،(1996م)، ط4.
- البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي.السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،(بدون تاريخ)، ط2.
- الترمذي. سنن الترمذي. دار العلوم، القاهرة،(بدون تاريخ)، ط3.
- الخشن، حسين. الإسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي، للشيخ حسين الخشن، 23، نشر دار الهادي بيروت،(2000م)، ط1.
- دنيا، شوقي.الإسلام وحماية البيئة، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 48،(2001م) ط2.
- الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر. مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير. دار إحياء التراث العربي، بيروت،(1420هـ)، ط3.
- رأفت، إجلال. الأزمة في دارفور: الأسباب والتطورات والنتائج. سلسلة مجلة المستقبل، الكويت،(2004م)، العدد27.
- الزبيدي. تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق : مجموعة من المحققين، طبعة دار الهداية، القاهرة،(بدون تاريخ)، ط2.
- الزين، آدم محمد. اللامركزية وقضاياها وتطبيقاتها في السودان: من منظور الحكم الرشيد. مركز التدريب الإداري، الخرطوم،(2011م)، ط1.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي. الموافقات. تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، عمان،(1997م)، ط1.
- شحاتة، عبد الله محمود. رؤية الدين الإسلامي في الحفاظ على البيئة. دار الشروق، القاهرة،(بدون تاريخ)، ط1.
- شلبي، أحمد إبراهيم. البيئة والمناهج الدراسية. مؤسسة الخليج العربي، الرياض،(1984م)، ط1.
- عودة،عبد القادر. التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي. دار الكتاب العربي بيروت (بدون تاريخ)، ط1.
- غرابية، الفرحان، سامح غرايبة، يحيى فرحان. المدخل إلى العلوم البيئية. دار الشروق عمان (1987م)، ط1.
- الفقي، محمد عبد القادر. البيئة مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث. مكتبة ابن سيناء القاهرة (1993م)، ط1.
- فلينت جولي،والكس دي فال. دارفور-تاريخ وحرب إبادة.ترجمة أنطوان باسيل،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت،(2006م)، ط1.
- القرضاوي، يوسف. رعاية البيئة في شريعة الإسلام. دار الشروق، القاهرة،(2001م)، ط1.
- الكبيسي، عبد العزيز شاكر حمدان. حماية البيئة في ضوء السنة المطهرة. شبكة الألوكة العلمية،(بدون تاريخ). انظر الموقع على شبكة الإنترنت: maktoob.com: vb: quran.21595، مقالة: البيئة ومنهج الإسلام.
- الكيلاني، سري زيد. تدابير رعاية البيئة في الشريعة الإسلامية، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون،(2014م)، مجلد (41)، العدد2.
- الكيلاني، سري زيد. الرعاية الرقابية والعقابية للبيئة الطبيعية في الإسلام، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية،(2017م)، مجلد (13)، العدد2.
- محمد صالح، التيجاني مصطفي. حل أزمة دارفور في إطار بروتوكولات السلام، مجلة السلام والتنمية جامعة جوبا،( 2006م )، المجلد الخامس العدد رقم 5 أكتوبر.
- مرسي، محمد. الإسلام والبيئة. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،(1999م)، ط1.
- مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة فياض للطباعة، المنصورة،(1373هـ)، ط3.
- Adelmola,A,2007. The African Union and Darfur Crisis. The United Nation.P417.
- Arkell, A, 1951.History of Darfur.Khartoum.P34
[1]– الحشر:6
[2]– آبادي، الفيروز. القاموس المحيط. دار الفكر، بيروت،(بدون تاريخ)، ط1. ص.34
3- أبوزريق، علي رضا. البيئة والإنسان، علي رضا أبو زريق. سلسلة دعوة الحق إصدار رابطة العالم الإسلامي،(1416هـ)، ط3، ص122.
[4]– الأندلسي، أبو حيان. البحر المحيط، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت،(بدون تاريخ)، ط5ص25
[5]– الزبيدي. تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق : مجموعة من المحققين، طبعة دار الهداية.القاهرة،(بدون تاريخ)، ط2ص123
[6] – ابن فارس، أبو الحسين أحمد. معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب، بيروت،(2002م)، ط2.
ج1ص290
[7]– عودة،عبد القادر. التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي. دار الكتاب العربي، بيروت،(بدون تاريخ)، ط1، ص43.
[8]– شلبي، أحمد إبراهيم. البيئة والمناهج الدراسية. مؤسسة الخليج العربي، الرياض،(1984م)، ط1.ص16
[9]– النحل:10-16
[10]– الزمر:6
[11]– دنيا، شوقي. الإسلام وحماية البيئة، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 48،(2001م)، ط2.
[12]– البقرة:11
[13]– الزلزلة:2
[14]– ابن العربي: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر.أحكام القرآن، تعليق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،(بدون تاريخ)، ط1،ص99.
[15]– الخشن، حسين. الإسلام والبيئة خطوات نحو فقه بيئي، للشيخ حسين الخشن، 23، نشر دار الهادي، بيروت،(2000م)، ط1،ص23.
[16]– (الترمذي،1473هـ ج2،حديث رقم)
[17]– البقرة:30
[18]– الأنعام:95-99
[19]– مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة فياض للطباعة، المنصورة،(1373هـ)، ط3،ج2 :3487.
[20]– الفرقان:67
[21]– غرابية، الفرحان، سامح غرايبة، يحيى فرحان. المدخل إلى العلوم البيئية. دار الشروق، عمان،(1987م)، ط1 ص22.
[22]– الكيلاني، سري زيد. تدابير رعاية البيئة في الشريعة الإسلامية، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون،(2014م) مجلد (41)، العدد2 ص1221
[23]– التوبة:71
[24]– الحديد:25
[25]– البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم. الجامع المسند الصحيح المختصر. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة،(1432هـ)، ط2،ج1حديث رقم282
[26]– الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي. الموافقات. تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، عمان،(1997م)، ط1،ص87.
[27] – القرضاوي، يوسف. رعاية البيئة في شريعة الإسلام. دار الشروق، القاهرة،(2001م)، ط1،ص265.
[28] – البقرة:112
[29] – مرسي، محمد. الإسلام والبيئة. أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،(1999م)، ط1،ص59.
[30] – Adelmola,A,2007. The African Union and Darfur Crisis. The United Nation.P417.
[31] – Arkell, A,1951.History of Darfur.Khartoum.P34
[32] – البطحاني، وعلى جادين وآخرون. دارفور إقليم العذاب.منشورات رواق،النرويج،(2004م)، ط1ص90.
[33] – فلينت جولي،والكس دي فال. دارفور- تاريخ وحرب إبادة.ترجمة أنطوان باسيل،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت،(2006م) ط1ص80.
[34] – الزين، آدم محمد. اللامركزية وقضاياها وتطبيقاتها في السودان: من منظور الحكم الرشيد. مركز التدريب الإداري، الخرطوم،(2011م) ط1ص35.
[35] – محمد صالح، التيجاني مصطفي. حل أزمة دارفور في إطار بروتوكولات السلام. مجلة السلام والتنمية، ( 2006م )، جامعة جوبا – المجلد الخامس العدد رقم 5 أكتوبر، ص72.
[36] – رأفت، إجلال. الأزمة في دارفور: الأسباب والتطورات والنتائج. سلسلة مجلة المستقبل، الكويت،(2004م)، العدد27.