المقاربات التطبيقية لعلم المناخ في سياق انفتاح العلوم وتعدد رهاناتها : إسهاماتها في دراسة الأخطار الصحية والحدّ من تأثيراتها أنموذجا من خلال حالة جهة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)
Les approches appliquées en climatologie dans le contexte de l’ouverture des sciences et la multiplicité de leurs enjeux : leurs apports dans l’étude des risques sanitaires et l’atténuation de leurs effets à titre d’exemple, à travers le cas de la région de Sfax (Centre-Est tunisien)
د. منير الجراية/جامعة صفاقس، تونس | Dr. Mounir Jarraya/Université de Sfax , Tunisie. |
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 76 الصفحة 57.
Résumé
En tant que science humaine et compte tenu du contexte de son évolution, la géographie a profité des acquis des sciences exactes et s’est inscrit dans l’étude des problèmes générés par la relation entre l’Homme et son environnement de vie. Ceci est réalisé par la connexion entre ses sections humaines et physiques et le décloisonnement entre elles au niveau des approches appliquées modernes, ce qui a reflété les changements qu’a connu la géographie sur le plan des méthodes et des outils d’analyse. La climatologie appliquée a concrétisé cette tendance et s’est intéressée à la problématique des risques climatiques et les menaces qu’ils représentent pour les sociétés humaines. Il est considéré que la santé humaine constitue la cible de multiples risques climatiques montrant ainsi des formes diversifiées de vulnérabilité des individus qui peut atteindre le décès. A partir des exemples étudiés dans la ville de Sfax, il est apparu que les aspects d’interaction de l’Homme avec les situations climatiques saisonnières froides ou chaudes se diversifient et les formes morbides diffèrent, en montrant des maladies chroniques et d’autres contagieuses qui prédominent le paysage épidémiologique selon les saisons. Les résultats de ces études qui se sont basées sur l’analyse des données diverses et des méthodes obtenues auprès des sciences exactes, reflètent la connexion interdisciplinaire qui peut aboutir finalement à l’instauration d’une structure regroupant des chercheurs appartenant à plusieurs spécialités. Celle-ci s’occupera de la gestion des risques climatiques sur la santé afin de les prévenir et limiter ses effets sur la situation socio-économique des individus.
Mots-clés : climatologie appliquée, risques climatiques, santé humaine.
ملخص :
استفادت الجغرافيا كعلم إنسانيّ وفي سياق تطوّرها من مكتسبات العلوم الصحيحة فانخرطت كليّا في معالجة الإشكالات المرتبطة بعلاقة الإنسان بمجال عيشه خاصّة عبر تأمين التواصل بين فروعها البشرية والطبيعية وحذف الحواجز بينها في المقاربات الحديثة التي اتجهت أكثر نحو التطبيقية. هذا التوجّه عكس تغيّرات شهدتها من حيث مناهجها وأدوات تحليلها. مثّل علم المناخ التطبيقي تجسيدا لهذا التوجّه وخاصّة من خلال الاهتمام بإشكالية الأخطار المناخية وما تمثّله من تهديد للمجتمعات البشرية. تعتبر صحّة البشر مستهدفة من أخطار مناخية عدّة تبرز معها هشاشة الأفراد بأشكال متفاوتة وتبلغ أقصاها حدّ فقدان الحياة. تتعدّد أوجه تفاعل الإنسان مع الأوضاع الجوية الفصلية سواء كانت باردة أو حارّة وتبرز من خلال أمثلة عن مدينة صفاقس، فتتنوّع الأشكال المرضية من مزمنة إلى أخرى سارية تهيمن على المشهد الوبائي حسب الفصول. إنّ نتائج هذه الدراسات التي استندت إلى تحليل معطيات مختلفة ومناهج مستقاة من العلوم الصحيحة، عكست انفتاح العلوم وتواصلها والذي يمكن أن يتوّج بإرساء هيكل يضمّ باحثين من اختصاصات شتّى يعنى بتدبير هذه الأخطار المناخية على الصحّة للتوقّي منها والحدّ من انعكاساتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد.
الكلمات المفتاحية : علم المناخ التطبيقي، الأخطار المناخية، صحّة الأفراد.
مقدمة :
يعتبر انفتاح أغلب العلوم الإنسانية على غيرها من الاختصاصات العلمية الصحيحة السّمة البارزة للفترة المعاصرة حيث اكتسبت مناهج وأدوات تحليل مكّنتها من دراسة أمثل لواقع المجتمعات البشرية ومشاكلها المتعددة. تعتبر الجغرافيا إحدى العلوم الإنسانية التي طوّرت نفسها وجدّدت اهتماماتها لتصبح المقاربات أكثر التصاقا بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد عبر الاتجاه نحو التطبيقية، للاستفادة من الطفرة التقنية والمنهجية التي شهدتها العلوم الصحيحة ولتؤكّد صبغتها الوظيفية وأهميتها في المساهمة في دراسة الظواهر البشرية خاصة في علاقتها بالمجال وإيجاد الحلول المترتّبة عن المشاكل الناجمة عنها.
ويعتبر علم المناخ إحدى الأفرع الرئيسية للجغرافيا الطبيعية حيث شهد نقلة نوعية في مستوى إشكالياته ومناهجه وأدوات تحليله حيث تجاوز الدراسات التي تهمّ آليات اشتغال المنظومة المناخية إلى الانفتاح على مسائل ذات توجّه تطبيقي تهمّ الفلاحة والموارد المائية والصحّة والسياحة…نظرا للأهمية القصوى التي يمثّلها المناخ في الوسط الطبيعي وفي حياة المجتمعات البشرية. ولكن يعدّ مجال التوقّي من المخاطر من أبرز الإشكاليات التي كان لعلم المناخ التطبيقي دور كبير في دراستها باعتماد أدوات تحليل متعدّدة ومتقدّمة سعت إلى تحديد مصادر الخطر وأبعاده الزمانية والمكانية ومستوياته واستشراف حدوثه وآثاره المرتقبة. تعتبر دراسة الأخطار الصّحية المرتبطة بالمناخ من أهمّ الإشكاليات المعاصرة التي أكّدت التفاعل بين الإنسان ومحيطه الجوّي وانبنت على دراسة أوجه هذه العلاقة في وضعيات شتّى يختلف فيها تفاعل جسم الإنسان وبالتالي مستوى رفاهته والذي قد يتدهور ليصل حدّ المرض أو الوفاة. إنّ تأثير الأوضاع المناخية على صحّة الأفراد يختلف حسب الفصول فيتغيّر المشهد الوبائي باستمرار نظرا للتأثّر المتفاوت للأمراض والعناصر المسبّبة لها بالخصائص المناخية الفصلية. لهذا تتناول هذه الورقة بالدراسة تطوّر علم المناخ وإشكالياته في سياق سيرورة التجديد وانفتاح علم الجغرافيا وتبنّي المقاربات التطبيقية التي تهتمّ بتفاعل الإنسان مع بيئته فضلا عن أهمية هذا الاختصاص في دراسة الأخطار الصحية وسبل الحدّ منها من خلال أمثلة من مدينة صفاقس.
1.علم المناخ : إحدى الأفرع العلمية التي تدرّس صلب علم الجغرافيا
لا يمكن عزل اهتمام علم المناخ بإشكاليات تفاعل الإنسان مع وسطه الطبيعي عن ما شهدته الجغرافيا من انخراط مباشر في دراسة مختلف القضايا التي تهمّ علاقة المجتمعات البشرية بمجالات عيشها. وقد كان ل”هدم” الحاجز بين الجغرافيا البشرية والطبيعية الأثر الكبير في بناء مقاربات أكثر شمولية تقوم على تحليل أعمق للظواهر وتفسير أدقّ يأخذ بعين الاعتبار تداخل العوامل الطبيعية والبشرية.
1.1.أوجه التجديد في الجغرافيا المعاصرة : الربط بين الطبيعي والبشري
قامت الجغرافيا الكلاسيكية وإلى حدّ فترة غير بعيدة (أواسط القرن العشرين) على الفصل بين الجغرافيا البشرية والطبيعية. اهتمّت الجغرافيا الطبيعية من خلال فروعها بدراسة مكوّنات المجال الطبيعي من تربة ومياه وتضاريس ومناخ والعلاقات بينها. فكان لمختلف هذه الحقول الفرعية مفاهيمها ومناهجها وأدوات تحليلها الخاصة بها حيث تهتمّ في إطار إشكاليات معينة بدراسة إحدى مكونات المنظومة الطبيعية والظواهر المحددة لاشتغالها. فمثلا يهتمّ علم المناخ العام بكيفية اشتغال المنظومة المناخية العالمية أو في نطاق جغرافي معيّن عبر تحليل توزّع مختلف عناصر المناخ من إشعاع شمسي وحرارة وضغط جوّي ورياح وتساقطات…على سطح الأرض وفي مستوى طبقات الغلاف الجوّي فضلا عن التفاوتات المسجلة بين مختلف المناطق أو النطاقات المناخية ودراسة العوامل المفسّرة لها. أمّا الجغرافيا البشرية فقد تمحورت إشكالياتها حول أنماط تركّز السكان في المجال سواء كان ريفيا أم حضريا، ساحليا أم داخليا فضلا عن الأنشطة التي تميّز المجتمعات البشرية من فلاحة وصناعات وخدمات متنوعة. إنّ تركّز الإنسان في المجال واستغلال إمكاناته في إطار أنشطة مختلفة مثّلت محاور إشكاليات في الجغرافيا البشرية فكانت لكلّ حقل من حقولها (الجغرافيا الريفية، الحضرية، الاقتصادية، السياحية، الإقليمية…) مفاهيمه ومناهج تحليله ومواضيعه التي هدفت في نهاية المطاف إلى معالجة عدّة مشاكل تتعلّق بتركّز الإنسان في المجال ومحاولة إيجاد الحلول لها. فعلى سبيل المثال، تهتمّ الجغرافيا الحضرية بتنامي ظاهرة تركّز السكان والأنشطة في المدن واتساعها الأفقي وتطوّر أنماط السكن والعلاقة بين مركز المدينة وأطرافها والنموّ السريع للظاهرة الضاحوية وتفسيرها بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الحضرية.
ولكن المتأمّل في هذا الفصل بين صنفي الجغرافيا لا يجد له مبررا نظرا لأنّ أصل كلمة الجغرافيا يدلّ على “علم الأشكال” أو “دراسة سطح الأرض” ولكن ليس في حدّ ذاته، بل بما يحويه من ظواهر طبيعية وبشرية والعلاقات الموجودة بينهما. وبهذا الطرح، يمثّل التلازم بين الإطار الطبيعي والإنسان جوهر المعرفة الجغرافية لأنّ الهدف النهائي هو دراسة الإنسان في تفاعله مع مجاله الطبيعي وتحليل أوجه هذه العلاقة بمختلف أبعادها الزمانية والمكانية. إنّ الوسط الطبيعي بمختلف مكوناته، بمحفزاته وصعوباته، يؤثّر في تركّز السكان. ولكن في المقابل، يطوّع الإنسان المقوّمات الطبيعية التي يزخر بها مجال عيشه فيغيّره لخدمة رفاهيته وأنشطته وهو ما ينجرّ عنه مشاكل تصل حدّ التدهور والذي يعبّر عن اختلال التوازن بين الحاجيات البشرية والإمكانيات الطبيعية. إنّ الحاجة إلى المزج بين الجانبين الطبيعي والبشري في المقاربات الجغرافية كان مردّها الصعوبات التي كانت تعترض الباحث في الجغرافيا البشرية في مستوى تفسير ظاهرة بشرية تتحكم فيها العوامل الطبيعية الخاصة بمجال معيّن.
أمّا الباحث في الجغرافيا الطبيعية فقد كان تركيزه على طرق اشتغال إحدى عناصر المنظومة الطبيعية دونما اعتبار لدور الإنسان فيها وتفاعله معها، يحدّ من فاعلية مقارباته وتبعدها عن إطارها الإنساني أي مدى ارتباطها وفائدتها لتطوّر المجتمعات البشرية ونمائها.
إنّ الاتجاه المتزايد للمقاربات الجغرافية نحو “البراغماتية” وتوثيق صلتها بالإنسان المتفاعل باستمرار مع وسطه الطبيعي يعدّ السمة البارزة للجغرافيا المعاصرة التي أخذت على عاتقها المساهمة في إيجاد حلول للمشاكل المنجرّة عن تركّز الإنسان في مجالات تفاوتت فيها الإمكانيات الطبيعية وأنماط تأثير المجتمعات البشرية فيها وتأثّرها بها. فالتفاعل أضحى المفهوم المفتاحي الذي تتمحور حوله جلّ المقاربات الجغرافية المعاصرة لدراسة العلاقة بين الإنسان والوسط الطبيعي الذي يعيش فيه أو بيئته. وقد مثّل استعمال مفهوم “البيئة” رافدا أساسيا للمقاربات الجغرافية الحديثة حيث أنه رسّخ فكرة التلازم والربط بين البشري والطبيعي، وبما أنّ تعريف البيئة يستلهم إلى حدّ كبير جوهر المعرفة الجغرافية إذ تعني الوسط الذي يعيش فيه الإنسان بما يتضمنه من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثّر بها ويؤثّر فيها.
إنّ هذه النزعة البراغماتية للجغرافيا المعاصرة وانخراطها في دراسة واقع المجتمعات البشرية لتحسينه وحلّ مشاكله كان في سياق تدعيم البعد الوظيفي والتطبيقي حيث تعدّدت المقاربات في مختلف الحقول الجغرافية واعتمدت على وسائل وتقنيات حديثة واستفادت من مكتسبات العلوم الأخرى صحيحة كانت أم إنسانية لتشارك في فهم دينامية تطوّر المجتمعات البشرية وتقدير متطلباته وتوقّع اتّجاهاته ومعيقاته.
2.1.اتجاه الجغرافيا نحو المقاربات التطبيقية
إنّ ما عرفت به الجغرافيا وإلى حدّ اليوم خاصّة لدى عامّة الناس أنها علم يركّز على الوصف الميداني للظواهر الطبيعية والبشرية وتفسير اختلافاتها المكانية. ولكن الجغرافيا اليوم تجاوزت الطابع الوصفي إلى تبنّي مناهج تطبيقية تعتمد على أدوات معلوماتية حديثة توظّف التكنولوجيا فكانت الخرائط الالكترونية ونظم المعلومات الجغرافية والمعطيات الإحصائية حتّى أنها أضحت تساهم في التخطيط وإعداد أمثلة التهيئة الترابية. إنّ خروج الجغرافيا من طابعها النظري فرضه سياق تطورها الإبستيمولوجي وانفتاحها على التكنولوجيا للاستفادة منها في علاقة المجتمع بمجاله والمشاكل المترتبة عنها. لهذا تعدّدت مجالات تدخّل الجغرافيا حيث أمكن للجغرافي الإدلاء بدلوه وتبيان قدرته على المساهمة في تحليل عدّة إشكاليات وتصوّر الحلول لمسائل عدّة من بينها تخطيط المدن واستغلال الأراضي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشخيص المخاطر والعمل على مجابهتها.
إنّ ارتباط الجغرافيا بالمجال واعتماد المقاربات في جلّ الحقول الجغرافية على الدراسات الميدانية تعتبر من العوامل المحفّزة على التوجّه نحو التطبيقية. هذا التوجّه ازدهر من أواسط القرن العشرين نتيجة تكوّن رصيد هامّ من المعرفة الجغرافية ومناهج العمل التي أضحت تعتمد بشكل متزايد على أدوات تقنية حديثة فضلا عن تعدد المشاكل التي طرحتها أنماط استغلال الإنسان للمجال والتي تهمّ مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو ما يدعو إلى فهم أسبابها واقتراح الحلول الممكنة لها. إنّ اعتماد التقنيات المتقدمة من خرائطية أوتوماتيكية ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد عبر تحليل صور الأقمار الاصطناعية وبناء قواعد المعطيات والتصرف فيها… في مختلف الحقول الجغرافية، أهّل الجغرافيا لتكون علما منخرطا بقوّة في مواجهة المشاكل التي تواجه تطوّر المجتمعات البشرية حيث أنّ تحديد الإطار التطبيقي الوظيفي وخاصة النفعي للمقاربات الجغرافية المعاصرة مكّنها من احتلال مكانة متميزة بين العلوم والمعارف الأخرى.
إنّ ميدان التوقّي من المخاطر أصبح من المحاور الكبرى التي تهتمّ بها حقول معرفية شتّى نظرا لما تمثّله من تهديد لحياة الأفراد والممتلكات. اهتمّ علم الجغرافيا بدراسة المخاطر التي يمكن أن تتعرّض لها المجتمعات البشرية في فترات ومجالات جغرافية مختلفة وذلك في إطار إشكاليات تنوّعت محاورها وأدوات تحليلها والمعطيات التي اعتمدت عليها. ويفسّر اهتمام أفرع علم الجغرافيا بدراسة المخاطر نظرا لتعدد مصادرها، فمنها ما هو طبيعي ومنها ما هو بشري أو ناتج عن عوامل طبيعية تستفحل نتيجة للتدخّل البشري. تتعدّد المخاطر المحدقة بالمجتمعات البشرية فقد تكون طبيعية كالفيضانات والزلازل والجفاف والإنزلاقات الأرضية والأوبئة… أو بشرية كالتلوث الجوّي والمائي وحوادث الطرقات والعنف… والملاحظ أنّ عديد المخاطر الطبيعية تتفاقم بفعل سلوكيات الإنسان[1]. إنّ الفيضانات مثلا هي ظاهرة طبيعية ولكن تستفحل حصيلتها نتيجة تركّز الإنسان وأنشطته في المجالات الطبيعية لفيضان الأودية. كما أنّ حرائق الغابات قد تنتج عن ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة يصاحبه حركة رياح نشيطة أو عن سلوكيات بشرية مستهترة مثل إيقاد النار في المخيمات الغابية أو أثناء الفسحات العائلية دون التأكد من إطفائها… لهذا تعدّ دراسة المخاطر بمختلف مصادرها من الإشكاليات الحديثة التي اهتمّت بها أفرع الجغرافيا ووظّفت فيها مختلف الوسائل والتقنيات المتقدمة لتشخيص المخاطر وتبيان مصادرها والتعامل معها والحدّ من الأضرار التي يمكن أن تلحقها بالمجتمعات البشرية[2]. ويعتبر ميدان دراسة المخاطر تجسيدا للربط بين الطبيعي والبشري عبر إرساء مقاربات شاملة تجعل من الإنسان في تفاعل مستمرّ مع بيئته بما تتضمّنه من إيجابيات وأخطار.
إنّ علم المناخ لم يشذّ عن القاعدة، فتعدّدت الإشكاليات التي تمحورت حولها الدراسات التي هدفت إلى دراسة الإطار المناخي لعيش الإنسان وتبيان تأثيره على أنشطته ومستوى رفاهيته فضلا عن الأخطار التي يمكن أن تحدق به.
3.1.علم المناخ التطبيقي في خضم سيرورة التجديد
يهتمّ علم المناخ باشتغال المنظومة المناخية العامّة من خلال دراسة مختلف الظواهر الجوية وتحليل دائم للمعطيات المناخية من حرارة وضغط جوّي ورياح…والتي يتمّ قيسها بصفة مسترسلة في محطات الرصد الجوّي المنتشرة على سطح الأرض في مختلف بقاع العالم. تعتمد المتابعة المتواصلة للوضع الجوّي على معطيات وصور توفرها الأقمار الاصطناعية والرادارات فضلا عن النماذج الحسابية المختلفة والتي تمثّل مصدرا للتوقعات الجوية أي لحالة الطقس خلال فترات زمنية لاحقة تتفاوت مدّتها.
إنّ التوجّه العام لعلم الجغرافيا للانخراط في واقع المجتمعات البشرية والتعاطي مع مشاكلها جعل من إنجاز المقاربات التطبيقية في علم المناخ حاجة ملحّة نظرا لما يمثلّه هذا العنصر الطبيعي (المناخ) من أهمية في حياة الأفراد. إنّ الفلاحة والنقل والسياحة والصحة…خاضعة لتأثير المناخ كإطار عامّ ولكن بالأخصّ لحالة الطقس اليومية بتغيراتها الدائمة. لهذا خرجت الدراسات المناخية من إطار دراسة التفاعلات الداخلية بين عناصر المنظومة المناخية وتفاوتاتها المجالية وتأثّرها ببقية عناصر المجال الطبيعي إلى إنجاز تطبيقات على أنشطة الإنسان ومجالات عيشه. هذه المجالات التي شهدت تغيرات على مدى العصور، وهو ما أثّر على توازناتها البيئية وغيّر من خصائصها المناخية[3]. فعلى سبيل المثال، ساهم تفاقم الظاهرة الحضرية وكثافة المساكن في المدن بمختلف أحجامها والتي تشهد اتّساعا متسارعا على حساب ظهيرها، في التأثير على المناخ الحضري من خلال تغيّر الوضعية الحرارية وارتفاع الحرارة داخل المدينة مقارنة بالمناطق المحيطة بها، وبالتالي نشأة ظاهرة “الجزيرة الحرارية الحضرية”[4]. هذه الظاهرة تتمثّل في قابلية المدن لاختزان الحرارة نهارا عبر امتصاص الإشعاع الشمسي من قبل المباني والأرضيات الاصطناعية وغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة الصناعية وحركة النقل وإطلاقها تدريجيا خلال الليل. هذا الثقل الحراري للمدن وقعت دراسته في عدّة مجالات جغرافية وهو يبيّن مدى تأثّر المناخ المحلّي بأنشطة الإنسان في المجال الحضري[5].
تتعدّد المجالات التطبيقية لعلم المناخ ولعلّ السّمة البارزة لهذا التوجه هو الاستفادة من مكتسبات العلوم الصحيحة الأخرى والمعطيات الخاصة بها لدراسة مستوى الترابط واتجاه العلاقة سواء كانت طردية ومتوازية أو عكسية.
2.النزعة التطبيقية لعلم المناخ واهتمام متزايد بتفاعل الإنسان مع بيئته
إنّ اتجاه علم المناخ نحو الاهتمام بإشكاليات تهمّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات البشرية وبالتالي تأكيد طابعه الوظيفي للمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل المنجرّة عن التفاعل المختلّ للإنسان مع بيئته الطبيعية. إنّ الفوائد من إنجاز الدراسات المناخية متعدّدة نظرا للأهمية البالغة التي يمثّلها المناخ عامّة والأوضاع الجوية المختلفة في حياة المجتمع ولتأثيراتها المباشرة على الإنسان وإطار عيشه ومقدّراته.
1.2.مجالات اهتمام وتطبيق متعددة لعلم المناخ
تتعدّد الأنشطة البشرية التي تتأثّر بتغاير الأوضاع المناخية سواء كانت فصلية أو يومية، بل إنّ رفاهة الإنسان الجسدية ووضعيته النفسية وصحّته تخضع في مجملها لتأثير الحالة الجوية وتطوّرها. لهذا تنوّعت أوجه الترابط بين الظواهر المناخية وتلك المتعلقة بالإنسان في حدّ ذاته وفي بيئة عيشه وأنشطته. إنّ الانخراط المتزايد لعلم المناخ التطبيقي في هذه الإشكاليات فرض تطوير مناهجه وأدوات تحليله فضلا عن المعطيات المتنوعة التي أضحى يعتمد عليها لتحليل أوجه العلاقات وأبعادها وتأثيراتها بهدف الحدّ من جوانبها السلبية وتثمين جوانبها الإيجابية خدمة لنماء المجتمعات البشرية ورقيّها.
إنّ توظيف مكتسبات علم المناخ من حيث دراسة خصائص التساقطات لمنطقة ما عبر تحليل معطيات حول كميات الأمطار المسجلة لفترة طويلة (عشرات السنين) في محطات قيس مختلفة، تمكّن من تحديد الأوضاع المطرية الاستثنائية وتوقّع فترة عودتها(Période de retour) ، وهو ما يفسح المجال لاستعمالها في إطار تعاون مع علماء المياه لتحديد مدى تأثيرها على منسوب الأنهار أو جريان الأودية وارتفاع مستويات الماء بها وما ينتج عن ذلك من تأثير على انجراف التربة داخل الأحواض فضلا عن وضعية السدود وسلامتها. إنّ مجال تطبيق دراسة ظاهرة التساقطات على منسوب الأنهار والأودية يساعد في التوقّي من فيضانها واتّخاذ التدابير الاستباقية لتفادي كارثة الفيضانات وتأثيرها على الأراضي الزراعية ومحاصيلها وعلى السكان وممتلكاتهم داخل المجالات الحضرية[6]. ولكن وجبت الإشارة إلى أنّ الحدّ من خطر الفيضانات تطلّب توظيف مكاسب علم المناخ وتطبيقه على علم المياه وما يتبع ذلك من استعمال مناهج تحليل وأدوات خاصة، وهو ما أفضى إلى نشأة علم المناخ المطبّق على المياه .(Hydro-climatologie)
وفي مستوى آخر، يعتبر ارتباط الدورة النباتية بتطوّر الوضعية المناخية الفصلية وخاصة على مستوى الحرارة والأمطار دافعا لتوجيه الدراسات المناخية نحو تحليل أوجه تأثّر الغطاء النباتي بعناصر المناخ نظرا لفوائدها المتعدّدة على الإنتاج الفلاحي النباتي. تعدّدت الدراسات في مجالات جغرافية مختلفة ووظفت في ذلك المعطيات المناخية من حرارة ورطوبة وتساقطات وتبخّر…وصور الأقمار الاصطناعية فضلا عن مؤشرات حول النشاط البيولوجي النباتي. أفضى هذا الانخراط لعلم المناخ في دراسة الغطاء النباتي إلى ظهور ميدان تطبيقي له خصوصياته ومناهجه وأدواته التقنية يعرف بعلم المناخ المطبّق على الفلاحة (Agro-climatologie).
تعتبر إسهامات علم المناخ هامّة في ميدان دراسة التلوّث الجوي نظرا للارتباط الوثيق للانتشار المجالي للملوّثات بمختلف أنواعها (غازات، غبار، أدخنة…) ومستويات تركّزها بالأوضاع الجوية. ولعلّ هذه الدراسات تكتسي أهمية قصوى في المدن التي تشهد تركّزا مفرطا للأنشطة الصناعية وللسكان وأنشطتهم الخدمية فضلا عن حركة نقل كثيفة تساهم في انبعاث كميات هائلة من الغازات الملوثة في الجوّ[7]. ولعلّ الوضع يتفاقم في ظلّ ما تشهده جلّ الحواضر من ارتفاع حجمها السكاني وكثافة نسيجها الحضري. تلعب الأوضاع الجوية الهادئة والناتجة عن تمركز مرتفع للضغط الجوي دورا في انحسار مجالات انتشار الملوثات حيث تتركز في مجالات قريبة من مصادر انبعاثها وخاصة المصانع والمناطق المحيطة بها، وهو ما يطرح إشكالات جدّية خاصّة في حالة قرب أحياء سكنية منها. في المقابل، تساهم وضعيات الضغط المنخفض في انتشار الملوّثات والدفع بها بعيدا عن مصادر انبعاثها بفعل الرياح النشيطة والتي تعمل على إضعاف نسب تركّز الهواء بالملوّثات عبر إبعادها في اتجاهات مختلفة ولكنها في نفس الوقت تساهم في نشرها على نطاق واسع وبالتالي تأثّر عدّة قطاعات مجالية بها[8]. لهذا تقوم هذه الدراسات على إنجاز علاقات بين عناصر المناخ (قوة الرياح واتجاهها، الحرارة والرطوبة) ومستويات تركّز الملوثات بمختلف أنواعها في الجوّ، وهو ما يعني التعامل مع قاعدة بيانات مختلفة المصادر بمناهج تحليل خاصة كالنماذج الحسابية مثلا.
إنّ هذه الأمثلة عن مجالات تطبيق علم المناخ تبرز الأهمية القصوى للجانب التطبيقي الذي أفضى إلى انفتاح هذا العلم على إشكاليات تهمّ مباشرة واقع المجتمعات البشرية ويلبّي احتياجاتها. تعدّ الفوائد عديدة ولا تقف عند حدّ التشخيص وتحليل العلاقة بل إلى اقتراح حلول لمشاكل كثيرة ومتشعبة.
2.2.فوائد الدراسات المناخية وتطبيقاتها في خدمة تطور المجتمعات البشرية
إنّ التوقعات الجوية حول حالة الطقس تعدّ من الأشياء المألوفة في حياتنا اليومية وتهدف إلى تقديم المعلومة الجوية وتبسيطها لعامّة الناس نظرا لتأثيرها المباشر على حياة الأفراد وأنشطتهم. تكون حالة الصّحو ملائمة لقضاء الشؤون والتحرك بحرية مطلقة دون مخاوف من تأثيرات سلبية على الصّحة مثلا، في ما تتزايد الاحتياطات ويقلّ هامش حركة الأشخاص حين تسوء الأحوال الجوية، فضلا عن التأثيرات السلبية على مزاجهم وحالتهم النفسية.
وفي مستوى آخر، تمثّل المعلومة المناخية عنصرا رئيسيا في عمل قطاعات بأكملها كالصيد البحري والملاحة البحرية والجوية. إنّ تشخيص مستويات الضغط الجوي والحرارة والرطوبة وكثافة السحب وأصنافها وحركة الرياح في الطبقة السفلى للغلاف الجوي والتنبؤ بتطوّرها على مدار الساعة، يمكّن من حسن إدارة حركة النقل الجوي على مستوى المسارات الجوية والمطارات. وفي نفس الإطار، تعمل التنبؤات الجوية اليومية وتحديثها بشكل متواصل على تأمين نشاطي النقل والصيد البحري حرصا على حياة الأفراد وسلامة التجهيزات.
إذا كانت الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لا تكاد تحصى من خلال هذه الأمثلة، وهي تهمّ ميادين الاستغلال المباشر للمعلومة المناخية، فكيف يكون الأمر حينما يتعلق بتوظيف بنوك معطيات مناخية لعناصر متنوعة ومناهج تحليل وأدوات تقنية متقدمة لتطبيقها في ميدان أو نشاط بشري معيّن. فالرهان يصبح عندئذ هامّا والفائدة كبيرة خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالحفاظ على الممتلكات وتأمين الغذاء وحماية الصحة والمساهمة في الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات البشرية.
عملت الدراسات التطبيقية لعلم المناخ على تحليل العلاقة بين نمط التعمير واستهلاك الطاقة في المجال الحضري في نطاقات مناخية مختلفة وقد هدفت في نهاية المطاف إلى تحديد صنف التعمير ونوعية المساكن (على مستوى الهندسة ومادة البناء والتزويق) الأكثر ملاءمة للخصائص المناخية والأقلّ كلفة من حيث استهلاك الطاقة الكهربائية للتدفئة شتاءا أو للتكييف صيفا. خلصت دراسة أنجزت في مجال المناخ الحضري المطبّق على أنماط التعمير في مدينة صفاقس إلى أنّ الاتجاه المتزايد لاعتماد نمط السكن العمودي والاستعمال المكثّف للواجهات البلورية في مركز المدينة وعلى طول طرقاتها الرئيسية أدى إلى ارتفاع ملحوظ لاستهلاك الطاقة الكهربائية نتيجة استعمال المكيّف بصفة مبكّرة حتى قبل فصل الصيف[9]. تفسّر هذه الوضعية بعدم ملاءمة هذا الصنف من البناءات لخصائص مناخ جهة صفاقس الحار والجاف حيث ترتفع الحرارة من أواخر شهر أفريل. فمعظم هذه البناءات شيّدت بمواد لا تساعد على العزل الحراري فضلا عن استعمال الواجهات البلورية ذات الألوان الداكنة التي تمتصّ الإشعاع الشمسي نهارا وتختزن الحرارة وبالتالي تساهم في ارتفاع الحرارة داخل الشقق[10]. كما أنّ عدم الحرص على توفير التهوئة اللازمة عبر التغاضي عن توجيه البناءات في اتجاه الريح المهيمن في جهة صفاقس (اتجاه الشرق) يمثل سببا في استهلاك مفرط للكهرباء لغاية التكييف مقارنة بالمساكن أو الشقق القديمة[11].
إنّ لإنجاز مثل هذه الدراسات فوائد اقتصادية هامّة حيث أنّ الأخذ بعين الاعتبار نتائجها يؤدّي إلى مراجعة أنماط التعمير ونوعية المساكن، إذ يمكن لتضافر جهود علماء المناخ ومخططي التهيئة العمرانية والمهندسين المعماريين أن تفضي إلى تحديد أنماط السكن الملائمة للخصائص المناخية نظرا لارتفاع تكلفة الطاقة وحرصا على عدم استنزاف الموارد وبالتالي ترسيخ أشكال التعمير المستدام. إنّ رهان المحافظة على الطاقة وترشيد استهلاكها لم يكن الأوحد من خلال هذه الدراسات ولكنّ توفير جوّ داخلي ملائم لرفاهة الإنسان وصحّته يعدّ أمرا ضروريا. ولعلّ ما توصّلت إليه نتائج بحوث أنجزت في اختصاص البيومناخ -والذي يدرس أوجه تأثير المناخ على الجوّ المحيط بالإنسان من حيث مستوى رفاهته حيث يكون محدّدا رئيسيا للوظائف الحيوية للجسم ولممارسة أنشطته- تبيّن أنماط التفاعل الدائم بين جسم الإنسان ومكوّنات محيطه الجوّي وانعكاساته المختلفة عليه[12]. يخضع جسم الإنسان بصفة دائمة إلى تأثيرات الجوّ سواء كان خارجيا أو داخليا والذي تحكمه عناصر المناخ من حيث مستويات الحرارة والرطوبة وحركة الرياح واختلافاتها حسب الفصول. وانطلاقا من التفاعل المستمرّ لهذا الجسم مع الجوّ من خلال مبادلات طاقية على مستوى الجلد والرئتين[13]، فإنّ الحفاظ على وضعية التوازن يجعل الجوّ مرفّها أو غير مرفّه. ولدراسة هذا التفاعل الدائم لجسم الإنسان مع محيطه الجوّي وتبيان مستوى رفاهيته، تمّ استنباط عدّة مؤشّرات بيومناخية كمؤشّر الرفاهة لتوم (Thom) ومؤشّر التبريد الريحي ( (Windchill ومؤشّر هوميدكس .(Humidex) هذه المؤشّرات تأليفية تجمع بين عناصر مناخية مختلفة كالحرارة والرطوبة بالنسبة لمؤشّري توم وهوميدكس والحرارة وسرعة الرياح بالنسبة لمؤشّر التبريد الريحي، وهي كلّها تختزل حالة الجوّ البيومناخي في بعض مكوّناته ومستوى رفاهته من خلال مستويات مختلفة تتفاوت معها الضغوطات على جسم الإنسان وبالتالي رفاهيته. تمحورت الدراسات المناخية حول الرفاهة الجسدية وكيفية المحافظة عليها ودرء ما يعكّرها. لهذا اهتمّت المقاربات التطبيقية المنجزة في عدّة نطاقات مناخية بتحليل عوامل تحقيق الرفاهة وتدهورها مع الحرص على تقديم عتبات رئيسية أو مستويات فاصلة بين الرفاهة وتدهورها وأخرى ثانوية تهمّ كل صنف (مثال مؤشّر هوميدكس) (رسم 1).
رسم 1 : مستويات الرفاهة حسب مؤشّر هوميدكس.
المصدر : www.souchier-boullet.com
إنّ دراسة خصائص الجوّ المحيط بجسم الإنسان عبر تحليل المؤشّرات وتصنيف مستويات الرفاهة لم يحجب ضرورة انفتاح المقاربات المناخية على عوامل تفسير أخرى تهمّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأفراد وسلوكياتهم[14][15].يلعب تدنّي المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد أو انتهاج سلوكيات غير ملائمة في تفاقم تدهور رفاهة جسم الإنسان بل والوصول إلى حالة المرض. تعدّ هذه الحالة مؤشّرا على أقصى حالات انخرام التوازن في مستوى تفاعل الإنسان مع محيطه الجوّي. لهذا تعدّدت الدراسات التطبيقية لعلم المناخ على الصحة بهدف دراسة أوجه هذه العلاقة وتحديد معالم هشاشة الأفراد لأمراض تتفاوت خطورتها ومستويات انتشارها زمانيا ومجاليا.
3.إسهامات علم المناخ في دراسة الأخطار الصحية المحدقة بالإنسان وكيفية التوقّي منها
إنّ دراسة الأخطار الصحية تكتسي أهمية بالغة باعتبار أنّ صحة الفرد هي “رأس مال” لا جدال في قيمته حيث تسعى جميع الدول والسياسات المتّبعة إلى الحفاظ عليها فتخصّص لها الأموال والبرامج الساهرة على درء كلّ خطر يتهدّدها. ولكن تتعدّد الأخطار الصحية نظرا لتنوّع مصادرها وعوامل تفاقمها وتبقى التأثيرات السلبية للمناخ على الصحة هامّة وذات أوجه متعدّدة وشاملة لمجمل السكّان والمجال وتتغيّر حسب الفصول.
1.3.تعدّد الأخطار الصحية ومصادرها
إنّ الأخطار الصحية لا تكاد تحصى وإن كنّا هنا لسنا بصدد القيام بجرد لها، إلاّ أنه ينبغي الإشارة إلى أنّ بيئة عيش الإنسان وغذاءه وسلوكياته تمثّل مصادر أخطار جمّة على صحّته. إنّ الرغبة في تحسين الإنتاجية ومضاعفة المردود للاستجابة إلى ارتفاع الطلب على المواد الفلاحية الاستهلاكية دفع إلى تكثيف استعمال الأسمدة والمبيدات الكيميائية لمختلف أصناف الإنتاج النباتي فضلا عن إدخال مركّبات صناعية في غذاء الحيوانات ودوائها. تتأكدّ اليوم الآثار السلبية لاستعمال المركّبات الكيميائية على صحّة البشر ولا تنفكّ التحذيرات تطلق من قبل الجمعيات والعلماء على المستوى العالمي حول احتواء أغلبها على عناصر مسرطنة تتسبّب في تأثيرات كارثية على جسم الإنسان. وفي مستوى آخر، تعدّ الملوّثات بمختلف أنواعها مصدر تهديد جدّي للصحّة حيث أنّ استنشاقها وترسّبها في الجهاز التنفسي ودخولها للجسم عبر الغذاء يكون لها نتائج سلبية على صحّة الرئتين والقلب مثلا. أمّا الماء فهو يمثّل مصدر خطر على صحّة الأفراد إذ تنتقل بواسطته الفطريات والبكتيريات إلى الجسم إذا لم يكن نظيفا ومراقبا، فيكون سببا في تفشّي أمراض معدية على نطاق واسع[16].
هذه الأمثلة وغيرها تبرز هشاشة صحّة الإنسان إزاء أخطار تستهدفها باستمرار بل وتتزايد مصادرها وتختلف أوجه تأثيرها. ولعلّ الوضع المناخي بأوضاعه الجوية المختلفة حسب الفصول يعتبر محدّدا رئيسيا لصحّة الأفراد حيث تتعدّد أوجه هشاشة الأفراد بمختلف فئاتهم العمرية والاجتماعية.
2.3.أوجه متعددة لهشاشة الإنسان إزاء أوضاع مناخية مختلفة
لقد قمنا في إطار مسارنا البحثي في اختصاص علم المناخ المطبّق على الصّحة بإنجاز عدّة دراسات حول تأثير الأوضاع الجوية على مستويات الإصابة بأمراض مختلفة في مدينة صفاقس. إنّ لاختلاف الأوضاع الجوية حسب الفصول انعكاسات على أمراض تختلف أهمّيتها في المشهد الوبائي الفصلي. انطلاقا من أنّ المقام لا يتّسع لعرض مختلف نتائج هذه الدراسات، سنكتفي بعرض نموذجين تمّ اختيارهما وفق تصنيف محدّد للأوضاع الجوية ولنوعية الأمراض، حيث سنتناول تأثير وضعيات البرد الشتوي على تواتر إحدى الأمراض المزمنة (القلب والشرايين) والوضعيات الحارّة والرطبة على تواتر الأمراض المعدية أو السّارية (التعفّنات الجلدية والمعوية).
1.2.3.وضعيات البرد الشتوي وانعكاساتها على صحة القلب والشرايين
تتغاير الأوضاع الجوية اليومية فتختلف معها مستويات الحرارة التي تعرف انخفاضا خلال فصل الشتاء في مدينة صفاقس. إنّ تأثير الأوضاع الباردة يكون مباشرا على نسق تواتر أمراض القلب والشرايين حيث ترتفع مستوياتها وتبرز جليّا هشاشة الأفراد إزاء أحد الأمراض المزمنة الأكثر انتشارا في مدينة صفاقس.
اعتمدنا في دراستنا[17] على معطيات صحّية تهمّ عدد الإقامات بالمستشفى الجامعي العمومي الهادي شاكر بصفاقس خلال الفترة 2009-2012. يبيّن التوزّع الشهري لعدد إقامات قسم القلب والشرايين ارتفاعا خلال فصل الشتاء (835 حالة) مقابل انخفاضه خلال فصل الصيف (571 حالة). يشهد شهر جانفي انخفاض معدل الحرارة إلى 12 درجة ويتزامن مع أعلى مستوى لإقامات أمراض القلب والشرايين (297 حالة) (رسم 2). والملاحظ من خلال الرسم أنّ عدد هذه الإقامات ينخفض تدريجيا بالتوازي مع ارتفاع الحرارة لتسجّل أدنى معدل شهري خلال شهر أوت (175 حالة) حيث يكون معدل الحرارة في حدود 28.3 درجة.
إنّ التوزّع الفصلي لإقامات مرضى القلب والشرايين وخاصة ارتفاعها خلال فصل الشتاء دفعنا لتسليط الضوء على الأوضاع المناخية المفسّرة له. إنّ دراسة هذه العلاقة ليس سهلا حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين حالة الطقس خلال يوم معيّن (J) و”تأثّر المرض واستجابته” والتي تتمظهر في تواتره خلال اليوم (J+1) أو الأيام الموالية. أبرز تحليل المعطيات وجود علاقة بين انخفاض الحرارة و ارتفاع عدد إقامات القلب والشرايين أثناء فترات البرد الشديد في مدينة صفاقس. فكلّما تجاوز الفارق الحراري اليومي 10 درجات بين الحرارة القصوى والدنيا وبلغ الفارق السلبي لمعدل الحرارة اليومي 4- درجات مقارنة مع المعدل الشهري لشهر جانفي المحتسب خلال الفترة 2009-2012، تفاقمت هشاشة مرضى القلب والشرايين إزاء البرودة الشديدة (رسم 3).
المصدر :Jarraya et Beltrado, 2015
رسم 2 : العلاقة بين معدلات الحرارة وإقامات أمراض القلب والشرايين الشهرية بصفاقس خلال الفترة 2009-2012.
رسم 3 : الخصائص الحرارية للأيام الباردة وإقامات القلب والشرايين المسجلة خلال جانفي 2010.
المصدر :Jarraya et Beltrado, 2015
إنّ دراسة تأثير البرودة الشديدة على أمراض القلب والشرايين باعتماد المقارنة بين عدد الإقامات المسجلة خلال فترات البرد العادي والبرد الشديد والذي يتجلّى في ارتفاع هامّ يتراوح بين 50% و100% يجعلنا نتساءل عن كيفية تفاعل جسم الإنسان مع البرودة الخارجية ودورها في تفسير هشاشة صحّة القلب والشرايين إزاء هذه الأوضاع الجوية الشتوية. هذا التفاعل يتمثّل في تضافر آليات فيزيولوجية حرارية يستخدمها جسم الإنسان لتأمين حرارته الداخلية في أوضاع البرد الشديد[18] عبر ضخّ الدم بوتيرة أسرع ينجرّ عنه ارتفاع الضغط في مستوى الشرايين[19]. تحت تأثير ارتفاع ضغط الدّم وتواصله، يمكن لأجزاء صغيرة من الشحوم المترسبة في مستوى الجدران الداخلية للشرايين أن تنساب في الدّم وتؤدّي إلى انسداد أحد الشرايين الرئيسية للقلب وبالتالي الإصابة بذبحة صدرية يمكن أن تكون قاتلة. إنّ انسياب هذا الشحم ينتج عنه أيضا انسداد أحد أوردة المخ فتؤدّي إلى حدوث جلطة دماغية وإن لم تفضي إلى الوفاة، فهي تتسبّب في تعطّل وظائف بعض أعضاء الجسم.
إنّ وضعيات البرودة القصوى تمثّل عامل هشاشة لمرضى القلب والشرايين وخاصّة فئة كبار السنّ (أكثر من 65 سنة) والتي تشكو في الغالب من عدّة أمراض مزمنة (أمراض الكلى والسكري وارتفاع الضغط…)، حيث تزداد احتمالات حدوث أعراض مرضية خطرة (ذبحة صدرية أو جلطة دماغية) وقد تؤدّي في بعض الأحيان إلى الوفاة. خلال موجة البرد التي امتدت على يومين 10 و11 جانفي 2010، سجلنا معدل حراري يومي في حدود 7 درجات ومستويات مرتفعة للإقامات في حدود 15 و19 حالة في قسم أمراض القلب والشرايين يومي 11 و12 جانفي 2010 (رسم 3)، مع العلم أنه في وضعيات فترات البرد العادي لا يتجاوز هذا العدد 8 حالات. فضلا عن هذا الارتفاع المسجّل في عدد الإقامات، سجلنا وفاة 4 أشخاص تتجاوز أعمارهم 68 سنة بسبب حدوث انسداد للشرايين تحت تأثير البرد وتفاقم هشاشتهم نتيجة أمراض أخرى (ارتفاع الضغط، قصور كلوي…)[20].
2.2.3.وضعيات الحرارة والرطوبة المرتفعتين وانعكاساتها على بعض الأمراض التعفّنية
لئن شهد المشهد الوبائي خلال الصيف انخفاضا في مستويات الإصابة بمختلف الأمراض ويبرز ذلك من خلال تقلّص عدد العيادات في قطاع الصحة الأساسية مدينة صفاقس، إلاّ أنّه في أواخر هذا الفصل تتغيّر الوضعية. تعرف بعض الأمراض السّارية ارتفاعا ملحوظا في أواخر فصل الصيف (شهر أوت) لتبلغ مستويات قصوى خلال فصل الخريف (شهري سبتمبر وأكتوبر). هذه الأمراض في أغلبها تعفّنية ومعدية ولعلّ تفشيها خلال هذه الفترة من السنة قد دفعنا إلى البحث في احتمالية تأثرها بعاملي الحرارة والرطوبة المرتفعتين واللّتان تميّزان الوضع المناخي السائد في أواخر الصيف وخلال جزء هامّ من فصل الخريف بجهة صفاقس. سنعتمد على مثالي التعفّنات الجلدية (تتكوّن من عدّة أمراض كتقيّح الجلد والحصف…)[21] والتعفّنات المعوية (تضمّ الإسهال والطفيليات المعوية)[22] لتبيان أوجه هشاشة الأفراد إزاءها في علاقة مع خصائص الفصل الحارّ بجهة صفاقس والذي يمتدّ فعليّا من شهر ماي إلى شهر أكتوبر[23].
قمنا بتحليل خصائص الأجواء الحارة والرطبة المميزة لأواخر الفصل الحار باعتماد مؤشر هومديكس Humidex (HI)، وهو مؤشّر بيومناخي تأليفي يجمع بين حرارة الهواء ورطوبته النسبية. فعلى المستوى الشهري، بيّن تحليل المعطيات وتمثيلها بيانيّا الارتفاع المنتظم لعيادات التعفّنات الجلدية المسجلة بقطاع الصحة الأساسية انطلاقا من شهر أوت (1031 حالة) لتسجّل أقصاها في شهر أكتوبر (2899 حالة) أي بنسبة زيادة تقدّر ب181%. نفس المنحى التصاعدي للعيادات لاحظناه على مستوى التعفّنات المعوية التي ارتفعت من 1360 حالة في شهر أوت إلى 2448 حالة خلال شهر أكتوبر أي بنسبة زيادة تقدر ب80% (رسم 4).
رسم 4 : تغاير مؤشر هومديكس والعيادات الشهرية للتعفّنات الجلدية والمعوية بصفاقس (2009-2013).
إنّ هذا الارتفاع الملاحظ خلال الفترة أوت-أكتوبر يقترن بتسجيل معدلات مرتفعة لمؤشر هومديكس تتجاوز 30 (37 في شهر أوت) خلال هذه الفترة من الفصل الحارّ في صفاقس. هذه الوضعية تدلّ على هيمنة أجواء بيومناخية حارّة مشحونة
المصدر : Jarraya, 2016 et 2017.
بالرطوبة وهي من جهة، غير مرفّهة لجسم الإنسان ومن جهة أخرى، توفّر الظروف المناسبة لنشاط العناصر الوبائية المسببة للتّعفنات جلدية كانت أم معوية. إنّ دراسة العلاقة بين مستويات الرفاهة لمؤشر هومديكس ومستوى العيادات اليومية لهذه الأمراض التعفّنية تبرز ارتفاعها بالتوازي مع ارتفاع الحرارة والرطوبة أي بالتزامن مع تدهور مستوى رفاهة الجوّ الخارجي (رسم 5). لهذا اعتمدنا على المستوى الأقصى للضّيق (40<HI<45) لهذا المؤشّر ويترجم عن حالة توعّك تامّ لجسم الإنسان، في حين يمثّل المستوى الأدنى للضّيق (30<HI<34) حالة من التوعّك النّسبي.
بيّنت النتائج مثلا، أنّ العيادات ترتفع بنسبة 71.4% في مستوى التعفّنات الجلدية و55.4% بالنسبة للتعفّنات المعوية خلال شهر سبتمبر بالتزامن مع تدهور مستوى الضّيق (من التوعّك النّسبي إلى التوعّك التامّ) (رسم 5).
رسم 5 : ارتفاع المعدلات اليومية لعيادات التعفنات الجلدية والمعوية حسب تدهور مستوى الرفاهة لمؤشر هومديكس في صفاقس.
المصدر : Jarraya, 2016 et 2017.
يبرز هذا الارتباط بين الأجواء البيومناخية غير الملائمة لرفاهة جسم الإنسان نظرا لمستويات الضّيق التي تمثله بفعل الحرارة والرطوبة المرتفعتين من جهة ومستويات تفشّي هذه الأمراض التعفّنية من جهة أخرى، مدى هشاشة الأفراد خلال الفصل الحارّ بجهة صفاقس. فضلا عن تدهور مستوى الرفاهة، فإنّ مثل هذه الأجواء الحارة والرطبة تساهم في تكاثر العناصر الوبائية وتحفيز نشاطها[24]. فمثلا، تزداد مستويات الإصابة بالفطار (mycoses) وهو يمثّل أكثر التعفّنات الجلدية المتفشّية في فصل الخريف والتي تتسبّب بها فطريات مجهرية معدية يزدهر نشاطها مع ارتفاع الحرارة والرطوبة الخريفية[25]. هذه البيئة الحارة والرطبة تعتبر ملائمة لنشاط فيروسات مثل Adénovirus وRotanovirus المسئولة عن تفشي مرض الإسهال أو طفيليات على غرار E. vermicularis وG.intestinalis[26] المسبّبة للإصابة بالطفيليات المعوية في أواخر الفصل الحارّ بجهة صفاقس.
إنّ تفسير هذه الأوضاع البيومناخية المميّزة لأواخر الفصل الحارّ يتمثّل في تزامن تواصل الحرارة الصيفية مع ارتفاع الرطوبة النسبية للهواء وهو ناتج بالأساس عن تواتر هبوب ريح مداري حارّ ورطب يقطع مسافة بحرية هامّة ذو اتجاه جنوب شرقي ويعرف محليّا ب “شلوق”[27]، وهو ما ينعكس سلبا على مستوى رفاهة جسم الإنسان فضلا عن تفاقم الأخطار الصحية.
تتعدّد أوجه هشاشة الأفراد في مدينة صفاقس لتغاير الأوضاع الجوية صيفا وشتاءً وتفضي إلى تغيّرات في المشهد الوبائي الفصلي. هذه الهشاشة مرشّحة للتفاقم بفعل التغيّرات المناخية والتي ستكون لها انعكاسات على تواتر الأمراض وانتشارها الجغرافي فضلا عن تغيّرات كمّية ونوعية ستطرأ على المشهد الوبائي.
3.3.تفاقم الأخطار الصحّية في ظلّ التغيرات المناخية
تطلعنا الدراسات والتقارير الدولية بأنّ المنظومة المناخية العالمية تشهد اضطرابا في مستوى توازناتها الداخلية وهو ما أفرز تغيّرات مناخية تتمظهر أساسا في احترار كوكب الأرض أي ارتفاع معدّل حرارته والذي كانت له تداعيات على البيئة بدأنا نعيش على وقعها وأخرى مرتقبة تطلعنا عليها مختلف النماذج الحسابية لتطوّر عناصر المناخ مستقبلا. تعدّ غازات الدفيئة وأساسا الناتجة عن الأنشطة البشرية هي المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض والمقدّرة بحوالي 2 درجة بحلول سنة 2100. وتعود فرضية هذه العلاقة (الاحترار المرتبط بمستوى غازات الدفيئة) إلى أواخر القرن التاسع عشر حين درس عالم الكيمياء السويدي أريانوس العلاقة بين تضاعف نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجوّ وارتفاع درجة حرارة الأرض والذي افترض أنه سيتراوح بين 4 و6 درجات. تشير الدراسات المنجزة على المستوى العالمي باعتماد نماذج متطورة إلى أنّ معدّل حرارة الأرض شهد ارتفاعا بين 0.4 و0.8 درجة خلال ال150 سنة الماضية[28]. وقد تبدو هذه الزيادة المقدرة ب0.6 درجة خلال 100 سنة للبعض هامشية وغير ذات تأثير على المنظومة المناخية وأدائها، إلاّ أنها كانت كافية لإحداث اضطراب في حركة التيارات البحرية في المحيطات ولتغيير مسارات التيارات الهوائية وكميات السحب والثلوج المتساقطة وغيرها من عناصر المناخ العالمي. وقد كانت لمجمل هذه التغيرات التي طرأت على المناخ بفعل الاحترار انعكاسات متعددة على المجال الطبيعي وبيئة عيش الإنسان.
تشير الدراسات إلى أنّ التغيرات المناخية ستؤثّر على طول الفصول وعلى خصائصها الحرارية والمطرية فضلا عن التغيرات التي ستشهدها خريطة توزّع بعض الأمراض المعدية الحساسة لتغيّر عناصر بيئتها[29]. تعدّ الوضعيات القصوى الحرارية، سواء كانت بردا أو حرّا شديدين من حيث القوة والتواتر، إحدى تمظهرات تغيّر المناخ والتي تؤثّر بشكل مباشر على صحّة الأفراد. لهذا من المنتظر أن يزداد تواتر وضعيات البرد الأقصى في جهة صفاقس فتتفاقم معه الأخطار الصحية. ففضلا عن الارتفاع المرتقب للأمراض الشتوية المعدية كالإنفلونزا والتهاب الحنجرة والأنف والأمراض التنفسية… والناتج عن تفاقم البرودة في مدينة صفاقس، ستطرح إشكالية الأمراض المزمنة مستقبلا خاصّة مع المخاطر التي يمثّلها تفاعلها مع البرد الشديد على حياة الأفراد واتجاه الوضعية الديمغرافية للمجتمع التونسي نحو التهرّم[30]. لهذا تعدّ فئة كبار السنّ هي الأكثر هشاشة وعرضة لانعكاسات تغيّر المناخ من حيث زيادة تواتر وفاعلية البرد الشتوي الشديد، وهو ما يطرح إشكالية التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة هذه التبعات مستقبلا.
في المقابل، يكون لطول أمد الفصل الحار وازدياد حدّة الحرارة من خلال تواتر موجات الحرّ لفترات متفاوتة آثار سلبية على صحّة الأفراد. ففضلا عن التأثير المباشر للحرّ الشديد على مستوى الرفاهة وإمكانية تعرّض فئتي الأطفال وكبار السنّ للانعكاسات السلبية للحرارة المرتفعة (جفاف، ارتفاع حرارة الجسد، تضرّر وظائف حيوية للجسم…)، إلاّ أنّ اقترانها بالرطوبة المرتفعة والدائمة (نظرا لأنّ مدينة صفاقس تفتح على البحر) يجعل من أخطارها بالغة في ظلّ ما نشهده من تغيرات مناخية. إنّ هيمنة الأجواء الحارّة والرطبة لا تساهم فقط في تدهور مستوى الرفاهة خاصّة في الخريف بل في توفير البيئة الملائمة لتكاثر العناصر الوبائية وتحفيز نشاطها وقدرتها على العدوى في أوساط البشر وبالتالي انتشار متزايد للأمراض التعفّنية. فمن انعكاساتها المرتقبة تضاعف مستويات الإصابة بهذه الأمراض السارية خلال الفصل الحارّ وإمكانية ظهور أمراض جديدة وما سينتج عنه من حدوث تغيرات موسمية على المشهد الوبائي ومواعيده فضلا عن ارتفاع الطلب على الخدمات العلاجية المختلفة (عيادات طبية مختصّة وإقامات استشفائية وأحيانا تدخّلات جراحية).
لكن وجبت الإشارة في الأخير إلى أنّ تأثير المناخ على الصحّة متعدّد الأوجه ويصعب حصره في جانب معيّن حيث أشرنا سابقا إلى أنّ الدراسات التي تهتمّ بعلاقة المناخ بالصّحة تتميّز بتعقيدها[31]، نظرا لصعوبة الفصل بين العامل المناخي وبقية المؤثرات البيئية والاجتماعية على الوضعية الصحّية للأفراد والتي تعتبر في نهاية المطاف حصيلة تداخل عوامل خارجية وأخرى داخلية تهمّ حالة الجسم البشري ووظائفه[32].
نتبيّن من خلال هذه الأمثلة الأهمية القصوى لانفتاح علم المناخ على المقاربات التطبيقية في مجال الصحة واستفادتها من مكتسبات العلوم الصحيحة من حيث المعطيات ومنهجية العمل. إنّ استعمال مناهج تقوم على تحليل متوازي لمعطيات مناخية وأخرى وبائية مكّن من دراسة علاقة المناخ بالصّحة البشرية وأوجه هشاشة الأفراد التي تميّزها وبالتالي تحديد مصادر الخطر ومحدّداته تمهيدا لوضع استراتيجية للحدّ من تأثيراته للحفاظ على صحة الأفراد لكونها “رأس مال” غير قابل للتعويض.
4.3.نحو بلورة استراتيجية للحدّ من الأخطار الصحية المرتبطة بالمناخ
لقد قمنا في إطار أبحاث سابقة[33] بالتأكيد على ضرورة إرساء استراتيجية للحدّ من الأخطار المناخية على الصحّية[34]. ولعلّ التغيرات المناخية التي نعيش على وقعها وقابليتها للاستفحال مستقبلا تجعل من بعث هياكل تعنى بالدراسة والتخطيط لكيفية التعامل معها أمرا ملحّا. ولئن أخذ العالم المصنّع المخاطر المرتبطة بالمناخ وتغيّراته على البشرية على محمل الجدّ منذ عقود عبر إنجاز الدراسات ودعم الأبحاث وإرساء البرامج وبعث الهياكل المهتمّة بكيفية الحدّ من التأثيرات السّلبية لهذه الظاهرة على الإنسان، إلاّ أن الوضع مختلف في دول العالم النامي الغارقة في مشاكل التنمية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية. ولكن لا يجب التغافل عن معطى هامّ ورئيسيّ يتمثّل في أنّ التفاعل مع المخاطر وتدبيرها هو رهن توفّر الإرادة السياسية لصنّاع القرار وأولوياتهم وهو مرتبط أيضا بمستوى القوّة الاقتصادية ومدى ترسّخ ثقافة الخطر لدى السكّان[35]. فلو اعتمدنا على نموذج بلادنا التونسية، فإنّ توفّر الوعي لدى السلطة بأهمية التغيرات المناخية وانعكاساتها ومدى جدّية الأخطار المطروحة يعكسه إقرار استراتيجية وطنية لمجابهة تبعاتها حيث برز مفهوم التأقلم كهدف رئيسي لهذه الخطة. ولئن كانت هذه الاستراتيجية الوطنية وبرامج تفعيلها خلال الفترة المستقبلية قد بدأت في تلمّس طريقها عبر تشخيص الوضع وتحديد الحاجيات، إلاّ أنّ إجراءات عملية ذات مفعول عاجل تبدو ملحّة للتعامل مع الأخطار الصحّية المتنوّعة وما تفرضه التغيرات الفصلية للمشهد الوبائي في علاقته بالأوضاع المناخية من تدابير وقائية وتدخلات آنيّة.
يكتسي الجهد التوعوي أهمية قصوى في الحدّ من تأثيرات المناخ على الصّحة حيث أنّ تحسيس الأفراد بالأخطار التي تمثّلها الوضعيات المناخية في كلّ فصل على صحّتهم وتحديد ما يتوجّب عليهم فعله على مستوى اللباس والتغذية وحتى مدّة البقاء خارج المنزل…، يساهم في التقليص التدريجي من مستويات الإصابة بالأمراض وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية. ولكنّ الإشكال يطرح في تحديد آليات عمل ومسؤولية القائم بهذا الجهد.
إنّ الحفاظ على صحّة الأفراد يعدّ هدفا استراتيجيّا ونظرا لخصوصية الأخطار المناخية وتعدّد أوجه تفاعل صحّة الإنسان معها، يتوجّب أن توكل مهمّة متابعة هذه الأخطار واستشرافها إلى هيكل خاصّ يتمّ إحداثه من قبل السّلطات العمومية. إنّ العمل على تكوين فريق يضمّ باحثين في اختصاصات شتّى من علم المناخ والأرصاد الجوية وعلوم الوبائيات والطب والتصرّف الصحّي والكيمياء والنمذجة … مع الحرص على توفير الإمكانيات المالية واللّوجستية اللازمة وعلى تأمين نفاذه إلى قواعد بيانات المؤسسات الأخرى (الهياكل الصحية بمختلف أصنافها والمعهد الوطني للرصد الجوي…) فضلا عن أولوية بثّ نشراته في الإعلام بمختلف وسائطه، يجعل من العمل الوقائي لهذا الهيكل ناجعا ويساهم إلى حدّ كبير في الحدّ من التأثيرات السلبية للمناخ على الأفراد. ففي وضعيات موجات البرد والحرّ مثلا، يقوم هذا الهيكل انطلاقا من التوقّعات الجوّية وتحليل أوجه تفاعل عناصر المناخ مع الأمراض المهيمنة على المشهد الوبائي في كلّ فترة من السنة بتحديد المناطق المستهدفة وتصنيفها إلى مستويات متفاوتة الخطورة وتقدير الحاجيات الصحّية وتوجيه التدخلات حسب الأولوية ويعمل على بثّ النشرات التحذيرية وتحديثها طيلة اليوم وتحديد الفئات الهشّة والأمراض التي تتفاعل سلبا مع أوضاع جوية معيّنة، فضلا عن إسداء نصائح تحدّد قواعد السلوك السليم التي يجب اتّباعها لتفادي الإصابة أو حدوث مضاعفات خطيرة للحالة المرضية.
إنّ مهمّة هذا الهيكل تعتبر دفعا للعمل الوقائي في الميدان الصحّي وإحكام التصرّف في إمكانياته حيث أنّ المكاسب تعتبر هامّة بالنظر إلى ارتفاع كلفة المرض اقتصاديا واجتماعيا : ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية والأدوية التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا والتغيّب عن العمل وما يتبع ذلك من اضطراب في سيره وفي نسق العملية الإنتاجية فضلا عن التأثير السلبي للمرض على استقرار الأسرة ووضعها المادي.
نظرا لجسامة المهمّة الملقاة على عاتق هذا الهيكل، يعدّ تكوين فريق يضمّ اختصاصات شتّى وتأمين الانسجام بينها ونبذ الحساسيات، وخاصة تلك الموجودة بين منتسبي العلوم الصحيحة والإنسانية، ليست بالمسألة الهيّنة. إنّ تداخل العناصر المحدّدة لصحة الأفراد يستوجب هذا الجمع في صلب هيكل واحد لأنّ مختلف التجارب السابقة أكّدت أنّ تداخل المهام بين هياكل شتّى تعنى بالوقاية الصحية يؤثّر على نجاعتها نظرا لأنّ مستوى التنسيق في ما بينها يكون ضعيفا أو غائبا.
خاتمة :
يتأكّد بشكل جليّ الفوائد المتعددة لانفتاح الجغرافيا واتصالها بالعلوم الصحيحة والاستفادة من مكاسبها المنهجية وآليات عملها وقواعد بياناتها. ولقد كان للنزعة التطبيقية الدور الكبير في ضمان انخراط الجغرافيا في دراسة إشكالات تفاعل الإنسان مع محيطه الطبيعي مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجالات وتوازناتها. إنّ تنوّع مجالات تطبيق علم المناخ في ما يهمّ واقع المجتمعات البشرية جعل منه مواكبا للإشكالات الجديدة وما تستوجبه دراستها من بيانات وأدوات تحليل خاصة اكتسب البعض منها من مختلف العلوم الصحيحة وهو ما أفضى إلى نتائج ساهمت في الحدّ من الأخطار المناخية على صحّة الأفراد.
بيّنت نماذج الدراسات المنجزة على سكان مدينة صفاقس تنوّع أوجه العلاقة بين الأوضاع الجوية المهيمنة حسب الفصول وطبيعة الأمراض المختلفة التي تطبع المشهد الوبائي، حيث أنّ الإطار المناخي الفصلي بتبايناته اليومية يوفّر الظروف المثلى لنشاط العناصر الوبائية والتي تتأثر بأشكال متفاوتة إزاء عناصر المناخ من حرارة ورطوبة. هذه العلاقة تدفع إلى التفكير في الانعكاسات المحتملة للتغيرات المناخية على المشهد الوبائي في ظلّ الاضطرابات الحالية للمنظومة المناخية العالمية وتفاقمها مستقبلا. تزداد المخاوف من ارتفاع مستويات الإصابة بالأمراض المعدية نتيجة ارتفاع الحرارة وظهور أمراض جديدة بحكم توفّر الظروف البيئية الملائمة لها فضلا عن تأثّر الأمراض المزمنة كأمراض القلب والشرايين ببرودة الشتاء.
إنّ مجمل ما سبق يؤكّد مدى الحاجة إلى تطبيق استراتيجية تقوم على توعية الأفراد وخاصة المرضى أو الفئات العمرية الهشّة بأخطار المناخ على الصحة لاتخاذ التدابير الوقائية على المستوى الفردي. هذه الاستراتيجية تقوم أيضا على تخطيط أمثل لنسق الخدمات العلاجية أثناء الوضعيات المناخية القصوى (البرد الشديد مثلا) لاستيعاب ارتفاع الطلب عليها دون تناسي تدعيم البنية التحتية في مختلف مستوياتها القاعدية والوسيطة والاستشفائية بالهياكل الصحية والإطارات الطبية وشبه الطبية للحدّ من الانعكاسات السلبية للمناخ على الصّحة.
تبدو استفادة علم المناخ من مكاسب العلوم الصحيحة كبيرة حيث وفّرت الظروف المثلى “لأنسنته” وانخراطه في دراسة علاقة الإنسان ببيئته وتحليل أبعادها والمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل الناجمة عنها. إنّ ميدان التوقّي من المخاطر المناخية وتأثيراتها على الصحة تعدّ من المجالات الاستراتيجية لعلم المناخ التطبيقي حيث أسهمت نتائج مقارباته في إرساء سياسات وتطوير برامج سعت إلى الحفاظ على تفاعل سليم للإنسان مع بيئته.
قائمة المراجع :
- منير الجراية : “التغيرات المناخية و رهان التنمية الحضرية المستدامة : مثال مدينة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)”، المؤتمر الدولي “الجغرافيا و التغيرات العالمية المعاصرة”، جامعة طيبة، المدينة المنورة 01-04 أفريل 2013.
- منير الجراية : “التغيرات المناخية والأخطار الصحية الناجمة عنها في جهة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)”، المجلة الجغرافية السورية، العدد 30 (1)، 2018.
- Beltrando Gérard : « Les climats : processus, variabilité et risques», Paris, Armand Colin, 2004.
- Beltrando Gérard, Dahech Salem, Daoud Abdelkarim : « Évolution de l’adaptation au climat semi-aride chaud à Sfax (Centre-Est tunisien)», Sécheresse, 24, 2013.
- Ben Boubaker Habib : « Le flux de Sud-Est maritime (Chlouk) et ses incidences topothermiques en Tunisie», Publication de l’Association Internationale de Climatologie, 11, 1998.
- Besancenot Jean-Pierre : « Climat et santé». PUF, Paris, 2001.
- Besancenot Jean-Pierre , Handschumacher Pascal, Ndione Jacques-André., Mbaye Ibrahima, Laaidi Karine : « Climat, eau et santé au Sahel ouest-africain», Sécheresse, 15 (3), 2004.
- Besancenot Jean-Pierre : « Notre santé à l’épreuve du changement climatique», Delachaux et Niestlé, Paris, 2007.
- Cantat Olivier « Influence de l’urbanisation sur le climat dans l’agglomération parisienne», Physio-Géo, 16, 1986.
- Charfi Sami, Dahech Salem : « La pollution par l’Ozone à Sfax : variabilité temporelle et temps associés aux fortes concentrations», XXVIIIème colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Liège 01-04 juillet 2015.
- Cheikhroukhou Fatma, Trabelsi Houaida, Sellami Hayet, Makni Fattouma, Ayadi Ali : « Parasitoses intestinales dans la région de Sfax (Sud tunisien) : étude rétrospective», Rev. Tun. , Vol. 3, 2009.
- Dahech Salem : « Le vent à Sfax (Tunisie) : impact sur le climat et la pollution atmosphérique». Thèse de doctorat, Université Paris Diderot (Paris 7), 2007.
- Dahech Salem, Daoud Abdelkarim, Beltrando Gérard : « Les inégalités spatiales de la qualité de l’air dans l’agglomération de Sfax et ses environs : Le cas Des températures, de la brise, du CO et SO2», Cybergeo : European Journal of Geography [En ligne], 557, mis en ligne le 25 octobre 2011, URL : http://cybergeo.revues.org/24701 ; DOI : 10.4000/ cybergeo.24701
- Dahech Salem : « Evolution de la répartition spatiale des températures de l’air et de surface dans l’agglomération de Sfax entre 1987 et 2010. Impact sur la consommation d’énergie», Climatologie, Numéro spécial, 2012, pp. 11-32.
- Daoud Abdelkarim, Dahech Salem : « Résilience de Sfax (Tunisie méridionale) face au changement climatique : essai d’évaluation», Climatologie, Numéro spécial, 2012, pp. 109-126.
- Dauphiné André, Provitolo Damienne : « Risques et catastrophes, observer, spatialiser, comprendre, gérer», Armand Colin, Paris, 2013.
- Empinotti Julio César, Uyeda Hirofumi, Ruaro Roseli Terezinha, Galhardo Ana Paula, Bonatto Danielle Cristine : « Pyodermitis»,An Bras Dermatol, 87, 2, 2012.
- Huynen Maud, Martens Pim, Schram Dieneke, Kunst Anton : “The impact of heat waves and cold spells on mortality rates in the Dutch population”, Environmental health perspectives, 109, 2001.
- IPCC (Intergouvernmental Panel on Climate Change) : « Bilan 2007 des changements climatiques : rapport de synthèse», Groupe d’Experts Intergouvernemental sur l’Evolution du Climat, Genève, 2008.
- Jarraya Mounir : « Biométéorologie de la morbidité respiratoire dans le secteur public de la santé à Sfax (Tunisie)», Thèse de doctorat, Université Paris Diderot (Paris VII), 2009.
- Jarraya Mounir, Beltrando Gérard: « Hospitalisation cardiovasculaire hivernale à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) : population vulnérable et aspects climato-pathologiques», XXVIIIème colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Liège 01-04 Juillet 2015.
- Jarraya Mounir : « Bioclimatologie des infections cutanées mycosiques à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) », EchoGéo[En ligne], 38 | 2016. https://journals.openedition.org/echogeo/14764
- Jarraya Mounir, (A) : « Risques climato-pathologiques des maladies hydriques à Sfax (Tunisie) : percéption de la vulnérabilit épar la population et modalités de gouvernance», Actes du XXXème Colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Sfax (Tunisie) 03-06 juillet 2017.
- Jarraya Mounir, (B) : « Bioclimatologie humaine et prévention des risques sanitaires en Tunisie : état de la question», Revue Recherches universitaires, n° 13, 2017.
- Jarraya Mounir : « Vulnérabilité de la population de Sfax (Centre-Est tunisien) aux maladies -chroniques : implication du contexte socio-spatial», Revue Territoires d’Afrique, N° 10, 2018.
- Wolf Kathrin, Schneider Alexandra, Breitner Susanne, von Klot Stéphanie, Meisinger Christina, Cyrys Josef, Hymer Heiko, Wichmann H-Erich, Peters Annette : « Air temperature and the occurrence of Myocardial Infarction in Augsburg, Germany », Journal of the American Heart Association, 120, 2009.
[1] Beltrando G., « Les climats : processus, variabilité et risques », Armand Colin, Paris, 2004, p 14.
[2] Dauphiné A., Provitolo D., « Risques et catastrophes, observer, spatialiser, comprendre, gérer », Armand Colin, Paris, 2013, p 62.
[3] Cantat O., « Influence de l’urbanisation sur le climat dans l’agglomération parisienne », Physio-Géo, 16, 1986, p 29.
[4] Dahech S., Daoud A., Beltrando G., « Les inégalités spatiales de la qualité de l’air dans l’agglomération de Sfax et ses environs : Le cas Des températures, de la brise, du CO et SO2 », Cybergeo : European Journal of Geography [En ligne], 557, mis en ligne le 25 octobre 2011, URL : http://cybergeo.revues.org/24701 ; DOI : 10.4000/ cybergeo.24701, p 5.
[5] الجراية م.، “التغيرات المناخية و رهان التنمية الحضرية المستدامة : مثال مدينة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)“. المؤتمر الدولي “الجغرافيا و التغيرات العالمية المعاصرة”، جامعة طيبة، المدينة المنورة 01-04 أفريل 2013، ص 356.
[6] Beltrando G., « Les climats : processus, variabilité et risques », Armand Colin, Paris, 2004, p 89.
[7] Dahech S., « Le vent à Sfax (Tunisie) : impact sur le climat et la pollution atmosphérique », Thèse de doctorat, Université Paris Diderot (Paris 7), 2007, p 128.
[8] Charfi S., Dahech S., « La pollution par l’Ozone à Sfax : variabilité temporelle et temps associés aux fortes concentrations », XXVIIIème colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Liège 01-04 juillet 2015, p 119.
[9] Dahech S., « Evolution de la répartition spatiale des températures de l’air et de surface dans l’agglomération de Sfax entre 1987 et 2010. Impact sur la consommation d’énergie », Climatologie, Numéro spécial, 2012, p 22.
[10]الجراية م.، “التغيرات المناخية و رهان التنمية الحضرية المستدامة : مثال مدينة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)“. المؤتمر الدولي “الجغرافيا و التغيرات العالمية المعاصرة”، جامعة طيبة، المدينة المنورة 01-04 أفريل 2013، ص 365.
[11] Beltrando G., Dahech S., Daoud A., « Évolution de l’adaptation au climat semi-aride chaud à Sfax (Centre-Est tunisien) », Sécheresse, 24, 2013, p 196.
[12] Jarraya M., « Biométéorologie de la morbidité respiratoire dans le secteur public de la santé à Sfax (Tunisie) », Thèse de doctorat, Université Paris Diderot (Paris VII), 2009, p 85.
[13] Besancenot J-P., « Climat et santé », PUF, Paris, 2001, p 23.
[14] Jarraya M., « Bioclimatologie des infections cutanées mycosiques à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) », EchoGéo [En ligne], 38 | 2016. https://journals.openedition.org/echogeo/14764, p 6.
[15] Jarraya M., (A) « Risques climato-pathologiques des maladies hydriques à Sfax (Tunisie) : percéption de la vulnérabilit épar la population et modalités de gouvernance », Actes du XXXème Colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Sfax (Tunisie) 03-06 juillet 2017, p 123.
[16] Besancenot J-P, Handschumacher P., Ndione J-A., Mbaye I., Laaidi K., « Climat, eau et santé au Sahel ouest-africain », Sécheresse, 15 (3), 2004, p 236.
[17] Jarraya M., Beltrando G., « Hospitalisation cardiovasculaire hivernale à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) : population vulnérable et aspects climato-pathologiques », XXVIIIème colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Liège 01-04 Juillet 2015, p 172.
[18] Huynen M.T, Martens P, Schram D, Kunst A.E., “ The impact of heat waves and cold spells on mortality rates in the Dutch population”, Environmental health perspectives, 109, 2001, p 465.
[19] Wolf K., Schneider A., Breitner S., von Klot S., Meisinger C., Cyrys J., Hymer H., Wichmann H-E., Peters A., “ Air temperature and the occurrence of Myocardial Infarction in Augsburg, Germany”, Journal of the American Heart Association, 120, 2009, p 739.
[20] Jarraya M., Beltrando G., « Hospitalisation cardiovasculaire hivernale à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) : population vulnérable et aspects climato-pathologiques », XXVIIIème colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Liège 01-04 Juillet 2015, p 174.
[21] Jarraya M., « Bioclimatologie des infections cutanées mycosiques à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) », EchoGéo [En ligne], 38 | 2016. https://journals.openedition.org/echogeo/14764, p 2.
[22] Jarraya M., (A) « Risques climato-pathologiques des maladies hydriques à Sfax (Tunisie) : percéption de la vulnérabilit épar la population et modalités de gouvernance », Actes du XXXème Colloque de l’Association Internationale de Climatologie, Sfax (Tunisie) 03-06 juillet 2017, p 122.
[23] Daoud A., Dahech S., « Résilience de Sfax (Tunisie méridionale) face au changement climatique : essai d’évaluation », Climatologie, Numéro spécial, 2012, p 121.
[24] Empinotti JC., Uyeda H., Ruaro RT., Galhardo AP., Bonatto DC., « Pyodermitis », An Bras Dermatol, vol. 87, 2, 2012, p 279.
[25] Jarraya M., « Bioclimatologie des infections cutanées mycosiques à Sfax (Centre-Est de la Tunisie) », EchoGéo [En ligne], 38 | 2016. https://journals.openedition.org/echogeo/14764, p 10.
[26] Cheikhroukhou F., Trabelsi H., Sellami H., Makni F., Ayadi A., « Parasitoses intestinales dans la région de Sfax (Sud tunisien) : étude rétrospective », Rev. Tun. Infectiol., Vol. 3, 2009, p 15.
[27] Ben Boubaker H., « Le flux de Sud-Est maritime (Chlouk) et ses incidences topothermiques en Tunisie », Publication de l’Association Internationale de Climatologie, 11, 1998, p 405.
[28] IPCC (Intergouvernmental Panel on Climate Change), « Bilan 2007 des changements climatiques : rapport de synthèse », Groupe d’Experts Intergouvernemental sur l’Evolution du Climat, Genève, 2008, p 76.
[29] Besancenot J-P., « Notre santé à l’épreuve du changement climatique », Delachaux et Niestlé, Paris, 2007, p 22.
[30] Jarraya M., « Vulnérabilité de la population de Sfax (Centre-Est tunisien) aux maladies chroniques : implication du contexte socio-spatial », Revue Territoires d’Afrique, N° 10, 2018, p 88.
[31] Jarraya M., « Biométéorologie de la morbidité respiratoire dans le secteur public de la santé à Sfax (Tunisie) », Thèse de doctorat, Université Paris Diderot (Paris VII), 2009, p 233.
[32] Besancenot J-P., « Notre santé à l’épreuve du changement climatique », Delachaux et Niestlé, Paris, 2007, p 75.
[33] الجراية م.، “التغيرات المناخية والأخطار الصحية الناجمة عنها في جهة صفاقس (الوسط الشرقي التونسي)“، المجلة الجغرافية السورية، العدد 30 (1)، 2018، ص 92.
[34] Jarraya M. (B), « Bioclimatologie humaine et prévention des risques sanitaires en Tunisie : état de la question », Revue Recherches universitaires, n° 13, 2017, p 187.
[35]Beltrando G., « Les climats : processus, variabilité et risques », Armand Colin, Paris, 2004, p 56.