أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الخميس 24 يونيو 2021، ندوة علمية افتراضية لتكريم البروفيسور ضياء غني لفتة العبودي، أحد الأعضاء المؤسسين للمجلة، من خلال التعريف ومناقشة كتابه “العجائبية في الرواية العراقية المعاصرة: المنجز الروائي في ذي قار اختيارا”.
وذلك تحت اشراف رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي وإدارة رئيسة تحرير المجلة الدكتورة غزلان هاشمي بمشاركة الأستاذ الدكتور عواد كاظم الغزي من جامعة ذي قار والدكتور لحسن عزوز من جامعة بسكرة، وبحضور أسماء علمية من الجزائر والعراق.
بداية افتتحت الأستاذة سرور الندوة مرحبة بالحضور ومثنية على الجهود الحثيثة التي يبذلها الأستاذ ضياء ضمن طاقم المجلة منذ تاريخ التأسيس في 2013، كما أكدت على عزم المركز على الاستمرار في الاحتفاء وتكريم باقي أسرة المجلة من أجل مد جسور التواصل والتعريف بمنجزاتهم العلمية.
ثم أحالت الكلمة للدكتورة غزلان التي رحبت بدورها بالجميع وفتحت باب النقاش من خلال دعوة الأستاذ ضياء لتقديم ملخص حول كتابه.
شكر الأستاذ ضياء مبادرة المركز وأثنى على جهوده لرفع مستوى النشر العلمي في الوطن العربي ونوعية اصداراته، ثم قدم تعريفيا موجزا حول كتابه، إذ بين أنه يأتي في سلسلة من الكتب التي صدرت في الدول العربية الأردن والعراق، موضحا طبيعته قائلا: “هو مجموعة من الدراسات التي يربطها خيط واحد وهو العجائبي، الذي أثار إشكالية كبيرة خاصة وأنه يتداخل مع مصطلحات كثيرة يخلط النقاد بينها مثلا الغرائبي ومصطلح الواقعية السحرية، ويضم مجموعة من المفردات ابتدأت بتعريف العجائبي لغة واصطلاحا، ومرجعيات هذا النص، وتناولت مجموعة من الروايات لكتاب من مدينة ذي قار…، لدينا حرص كبير في هذه المدينة وفي جامعتي على تسليط الضوء على أدباء المحافظة، لأننا كعرب نفتقد صناعة النجوم، فكثير من أدباءنا لا تسلط عليهم وعلى نتاجاتهم الأدبية، هنا ارتأينا في كليتنا وفي قسمنا أن نخطو هذه الخطوات وهذا الكتاب إحداها، حيث تناول عددا من الروايات معظمها حاصل على جوائز أدبية..”.
هذا وأضاف :”مصطلح العجائبي في الروايات يأتي بشكل ملامح، وأحيانا يحضر بشكل مركزي في هذه المتون، التناسخ والرحلة والدهشة وهذا النوع تسهم في كسر البنية التقليدية، وتراثنا العربي زاخر بهذا النوع الذي يثير دهشة المتلقي مثل كتاب كليلة ودمنة والحيوان والتي فيها خرق الواقع وأنسنة الحيوان والعوالم الغريبة والأماكن التي تثير الدهشة، وهذه التقنيات لجأ إليها الكثير من المبدعين من أجل تشخيص واقع لم يعد بالإمكان تشخيصه باللغة الاعتيادية”.
ثم بين الأستاذ ضياء الفرق بين الرواية الواقعية والرواية العجائبية من خلال القول ” أن الثانية تنقل مشاهد غير واقعية عكس الأولى، وهذه المظاهر حسب رأيه “تخترق وتسير جنبا إلى جنب مع التمظهرات العجائبية من أجل التعبير عن معاناة الإنسان واللامعقول عن طريق توظيف الفانتازي، ومعظمها تأتي للهروب من مقص الرقيب أي الهروب من الأنظمة السياسية، رواية بطن صالحة لعلي الزيدي تبدو واقعية لكن ماتعيشه من صراع غير اعتيادي، مع معالجة فكرة الحرب تجعله ينطلق نحو فكرة السحري، ليعالج التناقضات وسلسلة الحروب التي يعاني منها العراق، الأم تسميه غائب والأب يسميه عنترة، إذ يمثل صراع السلام والحرب صراع الموت والحياة، والعجائبي في هذا الطفل عنترة أنه بقي في بطن أمه عشرين سنة، وتحاول الأم أن تحافظ على الابن في بطنها في حين يحاول الأب إخراجه، هذه المدة غير معقولة وهي تكاد تكون مساوية للمدة الزمنية التي عاشها العراق تحت الاضطهاد، فالأم تمثل رفض الحرب ورفض الواقع، بينما الأب الذي يحاول إخراجه يمثل رغبة في إشراكه الحرب، تتحدث عن أن رحم الأم أشبه بفردوس النقاء والطهارة”.
بعد الاستفاضة في تقديم كتابه، أحالت الدكتورة غزلان الكلمة للأستاذ الدكتور عواد كاظم الغزي الذي قدم مداخلة موسومة بـ”تمثلات العجائبي ومرجعيات التأويل في كتاب العجائبية في الرواية العراقية المعاصرة للأستاذ الدكتور ضياء غني العبودي” قال فيها: “أن العجائبي ليس موجودا في الواقع، فالعجائبي افتراض فقط، لكننا نقتنع به ونقبله من خلال الصدق الفني في الإنجاز، والدكتور ضياء الذي اختار منجز الناصرية أي منجز مدينة ذي قار لأن هذه المدينة بيئة مغلقة ووريثة الحضارة السومرية، تتلاقح فيها توجهات دينية مختلفة وقوميات متعددة، العجائبي هنا متلاقح من بيئات اجتماعية مختلفة وتيارات فكرية متعددة، والمدينة تختلف حتى في لهجاتها … من الروائيين الذين اختارهم القديم والمعاصر، تنوعت المدة بمبدعيها، فالخيار خيار حساس، لأنه ليس كل ظاهرة تشكل فرادة، زمن النصوص هو انعتاق الفكر من شرنقة التقييد بعد 2004، كما نجد من البواعث الأخرى المد الروائي الذي اجتاح العالم العربي، وكذا أزمة الاستشراف الذي جعلته يفارق الواقع، فالمنجز الروائي يتكئ كثيرا على العجائبي، مثل رواية بطن صالحة، هذا وتسرب الاختزال إلى منجز مبدعيها، والسؤال المطروح: لماذا منجز هذه المدينة يعول كثيرا على العجائبية، فقد كانت هناك رغبة لدى المبدعين منها إحياء الإرث الأسطوري الذي يختزن في هذه المدينة والتراكمات السومرية، كذلك التناقضات فهي مدينة تمثل الأنا والآخر الانغلاق والانفتاح الماء والتصحر، كلها عززت العجائبية كذلك رغبة الروائي في التصاهر مع المنجز العالمي”.
هذا ووضح الأستاذ عواد أن أولى الروايات التي عالجها بطن صالحة، والتي تعد هروبا نحو المستقبل، حيث يذهب حسب رأيه إلى “استظهار اتجاهين: البحث عن التراث الأسطوري والشعبي، والثاني الذهاب إلى السحري، كما تحدث عن رواية مستعمرة المياه كذلك لجاسم عاصي والتي تعاين قيمة الماء، وهذا ما يؤكد على حسن اختيار المدونات والمدينة، من وجود الأهوار، إلى المياه كمستعمرة حيث فيه غرائبية وإبقاء على صلة العجائبية، وهذا ما جعل الرواية تنزاح للعجائبية حتى وإن كانت ليست كلها عجائبية… الصراع بين القروي والحضري بين المركز والهامش أضفت على الرواية سيادة أحداث السحر والتنجيم والخزعبلات، العجائبي بنية في المنجز وهو ليس ظاهرة نصية، وهنا يختلف نظرا لاختلاف المرجعيات واختلاف الكتابة الروائية، وهذه الاختلافات التي أوحت لضياء أن يضع يده على هذه المنجزات وعلى العجائبي الذي يتعايش معنا للهروب من معاناة واقعنا المرير …”.
ثم أحالت الدكتورة غزلان الكلمة للدكتور لحسن عزوز والذي قدم مداخلة موسومة بـ “التوق إلى خيانة النص في مستقبلية العجائبي: رؤيا سردية المنجز الروائي في ذي قار”، حيث ناقش الكتاب قائلا: “بالنسبة لهذا الكتاب مرجعياته ضعيفة وهي تحاول أن تقدم مفهوما جديدا للحياة وللشخوص، حاول المؤلف تقديم مجموعة من النصوص السردية الهامة، مالفت انتباهي لا وجود لاتفاق بين العجائبي والغرائبي، وهذا التقديم يسيء لهذا المصطلح بمجرد أن تقارن، فهو يحيل على عدم اعتراف بهذا المصطلح، فالمقارنة تضعف من الوصول إلى المصطلح، وكذا الإهداء كان غريبا إلى حد ما، في اعتقادي يحيلنا إلى مرجعيات واقعية أخرى، وكأن هناك حالة صدامية بعد الجمع بين متناقضين، فالعمل الفني يختلف عن الواقع، فالإهداء هنا يحيل إلى واقعية مأساوية، وتمنيت ألا نعود إلى الواقع، بل أن ندخل إلى العجائبية غير الموجودة في الواقع لا إلى تفاصيل العادي، وحتى تحليل النصوص الرجوع فيه للواقع ارتداد ونكوص، لابد أن يكون تخالف مع الواقع سواء من عنوان الكتاب أو الاهداء و الغلاف وحتى عناوين النصوص، أيضا مرجعيات النص العجائبي وقد غفل عن مرجعية هامة وهو القارئ أو المتلقي الذي يعد ركيزة في تقديم العجائبية في النص، فما نعيشه من سريالية وعجائبية واقعية لابد من وجود القارئ وقدرته على محاورة النص، قدم الكاتب نصوصا ووفق كثيرا في تحديد الأمكنة والأزمنة، لكن الشخوص مثلا والأسماء والعناوين لا تحيل إلى البنية السردية العجائبية، لأن التسميات كانت واقعية مألوفة لا تثير المتلقي ببعد عجائبي فيها…، كنت أتمنى أن تتقاطع التحليلات مع النصوص، أي ما الذي يميز منجزات هذه المنطقة بالذات، معناه محاولة إيجاد بنى متقاطعة تجمع بين هذه النصوص في عجائبيتها”، كما ناقشه في المنهج إذ لم يجد منهجا مذكورا في المقدمة .
شكر الأستاذ ضياء الدكتور عزوز على مداخلته ورد على ملاحظاته بالقول: “الإهداء لا علاقة له بالجانب النقدي، أحببت أن آتي بمفارقة، فالإهداء يكون فيه شيء من المداعبة، بالنسبة للقارئ ذكرت رأي تودوروف أي دور القارئ في النص العجائبي وهو مذكور في النسخة المصححة، العناوين ليس شرطا أن تكون عجائبية حتى يكون النص عجائبيا، فمثلا رواية اعشقني تجدها عجائبية رغم أن عنوانها عادي ويحيل على الواقعي… ، ذكرت في مقدمة الكتاب الرابط بين هذه الدراسات وهو خيط الاستجماع والاشتراك”.
بعدها تم فتح باب النقاش حيث طرحت الباحثة أصيل عبد العباس من العراق العديد من الأسئلة: “هل نعد الأساطير نصوصا غرائبية؟ ماهي شروط العجائبية حتى نطلق على النص نص عجائبي؟ مرة تقول غرائبية ومرة عجائبية، فهل هناك تطابق بينهما؟ من هم أهم رواة العجائبية في ذي قار في هذه الفترة؟ هل الأسطورة بيئة للعجائبي؟ ما الفرق بينهما؟ من الكل ومن الجزء بين الأسطورة والعجائبي؟ هل كانت مدينة الناصرية مكانا عجائبيا؟.
بينما تساءلت الباحصة هدى صباح من العراق : هل نجد العجائبية فقط في الروايات أم نستطيع أن نجدها في الشعر؟
ليطرح بعدها الدكتور عزوز تساؤله : هل هناك توجه لحركة أدبية في العراق نحو العجائبي؟ سريالية الواقع العراقي انعكس في المنجز السردي كيف ترى هذا مستقبلا: هل هو نبوءة أم مأساوية مستمرة؟
أجاب الأستاذ ضياء عن الأسئلة المطروحة موضحا الفروق بين العجائبي والغرائبي، لتختم الدكتورة غزلان الندوة شاكرة الأستاذ ضياء على سعة صدره واستفاضته في تقديم الكتاب وفي الرد على الاستفسارات بصدر رحب ورجاحة عقل واتزان، كما شكرت المحاضرين على قراءتهما القيمة التي قدماها في حق الكتاب.