العدالة الانتقالية والانتقال السياسي:
دراسة مقارنة للحالة اليمنية مع المعايير الدولية والتجربة التونسية في الفترة (2011- 2015)
Transitional Justice and Political Transition: A Comparative Study of the Yemeni Case with International Standards and the Tunisian Experience of the period (2011- 2015)
فيصل حسن محمد محبوب -الجمهورية اليمنية ، باحث دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة تونس المنار
Faisal Hassan Mohammed Mahboub, Republic of Yemen, PhD researcher (University of Tunis El Manar)
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 30 الصفحة 29.
Abstract:
This research paper aimed to study and analyze the role of transitional justice in the political transition process in the Republic of Yemen during the transitional period, which was extending from the date of the signing of the Gulf Initiative and its implementation mechanism on November 23, 2011 to January 21, 2015, the date on which the President of the Republic and the Prime Minister submitted their resignations. Then, there was the breakdown of the political process, as well as the failure of the country’s political transition process. The aim of this paper was to study and analyze the role of transitional justice in the Republic of Yemen’s political transition process, by the aims and demands of the youth revolution, provisions of the Gulf Initiative and its implementation mechanism about transitional justice.
As well as studying and analyzing the immunity law, and the draft of transitional justice law which was established by the Minister of Legal Affairs and subsequently changed by the President of the Republic. Moreover, the identifying the most important basic elements that it included, and compare them with each other, then determine the extent of commitment by the Yemeni government in preparing the draft law with international standards for transitional justice which defined by the International Center for Transitional Justice.
Additionally, studying and analyzing the third draft of the Transitional Justice and National Reconciliation law which was prepared by the Ministry of Legal Affairs in accordance with the outcomes of the National Dialogue, by identifying the most important basic elements that it included with a focus on the mechanisms for achieving transitional justice defined by the International Center for Transitional Justice. After that, comparison it with to the Tunisian Law Establishing and Organizing Transitional Justice, and determine the points of agreement and disagreement between them.
Key words: Transitional Justice, the Transitional Period, the Political Transition Process, the National Dialogue Conference.
الملخص:
هدفت هذه الورقة البحثية إلى دراسة وتحليل دور العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية خلال المرحلة الانتقالية الممتدة من تاريخ التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وحتى 21 كانون الثاني/ يناير 2015 تاريخ تقديم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء استقالتهما، ومن ثم انهيار العملية السياسية، وتعثر عملية الانتقال السياسي في البلاد.
وقد ركزت الورقة على دراسة وتحليل موقع العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية، من خلال دراسة وتحليل أهداف الثورة الشبابية ومطالبها، وبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، وكذلك دراسة وتحليل قانون الحصانة، ومشاريع قانون العدالة الانتقالية الذي تم إعداده من قِبل وزارة الشئون القانونية، ومن ثم تم تعديله من قِبل رئيس الجمهورية، وتحديد أهم العناصر الأساسية التي تضمنته، ومقارنتهما فيما بينهما، وتحديد ومدى التزام الحكومة اليمنية في إعداد مشروع القانون بالمعايير الدولية للعدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
بالإضافة إلى دراسة وتحليل المسودة الثالثة من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتي تم إعدادها من قِبل وزارة الشئون القانونية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، من خلال تحديد أهم العناصر الأساسية الذي تضمنتها، مع التركيز على آليات تحقيق العدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ومقارنتها مع قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي، وتحديد عوامل الاتفاق والاختلاف بينهما.
الكلمات المفتاحية: العدالة الانتقالية، المرحلة الانتقالية، عملية الانتقال السياسي، مؤتمر الحوار الوطني.
مقدمة:
شهدت العديد من تجارب الانتقال السياسي في مختلف قارات العالم الأخذ بالعدالة الانتقالية باعتبارها آلية من آليات تتبناها الدول للانتقال إلى الديمقراطية، والتي تهدف إلى معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ولأن اليمن خلال تاريخها السياسي الطويل بشطرها الشمالي منذ ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 وقيام الجمهورية العربية اليمنية، وشطرها الجنوبي منذ الاستقلال عن بريطانيا في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، وكذلك في عهد دولة الوحدة منذ 22 أيار/ مايو 1990، شهدت العديد من الصراعات السياسية والتي أسفر عنها العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان من قبيل الخطف والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج القانون. ومع انطلاق الثورة الشبابية في 11 شباط/ فبراير 2011 ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح طُرح موضوع العدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
ومع دخول الجمهورية اليمنية في مرحلة انتقال سياسي بدءاً من 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بعد توقيع السلطة ممثلةً بالمؤتمر الشعبي العام والمعارضة ممثلةً بأحزاب اللقاء المشترك للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، تم تبني موضوع العدالة الانتقالية كآلية من ضمن سلسلة آليات للانتقال السياسي في البلاد.
ومن هذا المنطلق تأتي هذه الدراسة للإجابة على السؤال التالي:
“ما هو دور العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية في الفترة (2011- 2015)؟”
وتركز هذه الورقة البحثية على المرحلة الانتقالية الممتدة من تاريخ التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وحتى 21 كانون الثاني/ يناير 2015 تاريخ تقديم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء استقالتهما، ومن ثم انهيار العملية السياسية، وتعثر عملية الانتقال السياسي في البلاد.
وتهدف هذه الورقة البحثية إلى دراسة وتحليل دور العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية، وذلك من خلال:
- دراسة وتحليل موقع العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية، من خلال دراسة وتحليل أهداف الثورة الشبابية ومطالبها، وبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، وكذلك دراسة وتحليل قانون الحصانة، ومشاريع قانون العدالة الانتقالية الذي تم إعداده من قِبل وزارة الشئون القانونية، ومن ثم تم تعديله من قِبل رئيس الجمهورية، وتحديد أهم العناصر الأساسية التي تضمنته، ومقارنتهما فيما بينهما، وتحديد ومدى التزام الحكومة اليمنية في إعداد مشروع القانون بالمعايير الدولية للعدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
- دراسة وتحليل المسودة الثالثة من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتي تم إعدادها من قِبل وزارة الشئون القانونية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، من خلال تحديد أهم العناصر الأساسية الذي تضمنتها، مع التركيز على آليات تحقيق العدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ومقارنتها مع قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي، وتحديد عوامل الاتفاق والاختلاف بينهما.
ويعتمد الباحث في إعداد هذه الورقة على المنهج المقارن، كونه يساعد في مقارنة نصوص مشاريع قانون العدالة الانتقالية التي تم إعدادها في اليمن، مع كلاً من المعايير الدولية للعدالة الانتقالية، والتجربة التونسية، باعتبارها إحدى دول الربيع العربي التي قطعت شوطاً في هذا المسار، حيث تم إصدار قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، وتشكيل هيئة الحقيقة والكرامة.
وعليه، سيتم تقسيم هذه الورقة البحثية إلى ثلاثة محاور رئيسية، وذلك على النحو التالي:
- المحور الأول: مفهوم العدالة الانتقالية ومعاييرها الدولية.
- المحور الثاني: العدالة الانتقالية وعملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية.
- المحور الثالث: مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في الجمهورية اليمنية في ضوء المعايير الدولية والتجربة التونسية.
المحور الأول: مفهوم العدالة الانتقالية ومعاييرها الدولية
برزت العدالة الانتقالية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وجاءت كاستجابةً للتغيرات السياسية في أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا، وترتبط عادةً بمرحلة حاسمة من التاريخ السياسي للدول، تتمثل: إما في الانتقال من بيئة سياسية شمولية محكومة بالاستبداد وبالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى الديمقراطية. وإما بالانتقال من بيئة صراع سياسي مسلح إلى بيئة السلم المدني في إطار اتفاقات سلام بين طرفين أو أكثر([1]).
وفي المنطقة العربية، وخلال ما عُرف بثورات الربيع العربي، احتل موضوع العدالة الانتقالية مكانة متميزة، باعتبارها آلية من ضمن سلسلة آليات تتبناها الدول للانتقال إلى الديمقراطية، والتي تهدف إلى معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ومع سقوط رموز الأنظمة السياسية في كلٍ من: تونس ومصر وليبيا واليمن، تم إدراج موضوع العدالة الانتقالية ضمن الوثيقة الدستورية، كما في مصر وتونس، واعتماد قوانين أو وضع مشاريع قوانين لذلك، كما في تونس واليمن، وإحداث وزارات متعلقة بذلك، كما في تونس ومصر([2]).
أولاً: مفهوم العدالة الانتقالية:
عرف الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي في عام 2004 العدالة الانتقالية بأنها “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المسائلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة”. وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة بأن هذه الآليات قد تشمل آليات قضائية وغير قضائية على السواء، مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية أو عدم وجودها مطلقاً، ومحاكمات الأفراد، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري، وفحص السجل الشخصي، للكشف عن التجاوزات والفصل أو اقترانهما معاً([3]).
كما عرفها المركز الدولي للعدالة الانتقالية بأنها “استجابة للانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وتهدف إلى تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية”. وأوضح المركز الدولي في تعريفه بأن العدالة الانتقالية ليست نوع خاص من أنواع العدالة، بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يُلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان، سواء حدثت هذه التحولات على حين غرة، أو حدثت على مدى عقود طويلة”([4]).
ويرى الباحث من خلال التعريفات السابقة، بأن العدالة الانتقالية أشبه بطريق له بداية ونهاية، وتتمثل البداية في كشف حقيقة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، وتتمثل النهاية في الوصول إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة، بما يعمل على تعزيز عملية الانتقال الديمقراطي، والانتقال من ماضٍ منقسم إلى مستقبل يُشارك فيه الجميع، وما بين البداية والنهاية طريق طويل لا بد من المرور به، للوصول إلى خط النهاية.
ويرى الباحث بأن التعريف الثاني أكثر تعبيراً عن العدالة الانتقالية، كونه يربط بين الهدف من إعمال مسار العدالة الانتقالية، والنتيجة المراد الوصول إليها، ألا وهي المصالحة الوطنية والانتقال إلى الديمقراطية، ولذلك فإن الباحث سيقوم بالأخذ به في هذه الورقة.
وتمثل المصالحة الوطنية والانتقال إلى الديمقراطية الهدف النهائي من إعمال مسار العدالة الانتقالية، فالانتقال إلى مجتمع ديمقراطي يستوعب الجميع، يتطلب التعامل مع أخطاء الماضي، كما أن عملية المصالحة تبدأ من اعتراف الأطراف كافة بأخطائها السياسية([5]). ففي جنوب أفريقيا، وعلى الرغم من أن الأغلبية السوداء قد وقع عليها الظلم التاريخي الأكبر، فإن عملية المصالحة تطلبت اعتراف المؤتمر الوطني الأفريقي ضمناً بخطأ استخدام العنف في صراعه السياسي للحصول على حقوق الأغلبية، ولذا كان كشف الحقائق والجرائم والاعتراف بها ركناً أساسياً من أركان عملية المصالحة([6]).
ثانياً: المعايير الدولية للعدالة الانتقالية:
اكتسبت العدالة الانتقالية أساساً مهماً في القانون الدولي، ويُمثل القرار الصادر عن محكمة الدول الأمريكية في 29 تموز/ يوليو 1988 في قضية فيلاسكويز رودريغز ضد هندوراس جانب من الأساس القانوني للعدالة الانتقالية، والذي خلصت فيه المحكمة إلى أن جميع الدول تقع على عاتقها أربعة التزامات أساسية في مجال حقوق الإنسان، وهي:
- اتخاذ خطوات معقولة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.
- إجراء تحقيقات جادة بشأن الانتهاكات عند وقوعها.
- فرض عقوبات ملائمة على المسئولين عن الانتهاكات.
- ضمان تقديم تعويض لضحايا الانتهاكات.
وقد أكدت المحكمة هذه المبادئ صراحةً في قراراتها اللاحقة، كما تم التأكيد عليها في قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات، كاللجنة المعنية بحقوق الإنسان. وكان قرار إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في 17 تموز/ يوليو 1998 من التطورات المهمة في هذا المجال، والتي تأسست بصفة قانونية في الأول من تموز/ يوليو 2002 بموجب ميثاق روما، وبحسب النظام الأساسي للمحكمة تقع على عاتق الدول التزامات بالغة الأهمية، مما يستوجب منها القضاء على ظاهرة إفلات الجناة من العقاب، وترسيخ احترام حقوق الضحايا([7]).
وكان المركز الدولي للعدالة الانتقالية قد حدد خمسة آليات رئيسية تُشكل في مجموعها منظومة العدالة الانتقالية، وتشمل:
- الكشف عن الحقيقة.
- الدعاوى الجنائية.
- التعويض وجبر الضرر.
- جهود تخليد الذكرى.
- إصلاح المؤسسات.
وأكد المركز الدولي للعدالة الانتقالية بأن المشكلات الكثيرة النابعة من انتهاكات الماضي قد يكون من الصعب معالجتها بواسطة إجراء واحد، وأكد بأن فعالية العدالة الانتقالية مرهونة بشمولها لعدة إجراءات تكمل بعضها بعض، فليس هناك إجراء واحد تكون فعاليته بمفرده بمثل فعاليته مجتمعاً مع الإجراءات الأخرى([8]).
فعلى سبيل المثال، فبدون أي جهود للكشف عن الحقيقة أو التعويض، فإنه قد يُنظر إلى معاقبة قلة قليلة من الجناة على أنه شكل من أشكال الانتقام السياسي، كما أن الكشف عن الحقيقة بمعزل عن الجهود الرامية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات ولإصلاح المؤسسات، يمكن اعتباره مجرد أقوال بلا أفعال. وبالمثل فإن إصلاح المؤسسات بدون أي محاولة لتلبية التوقعات المشروعة للضحايا بشأن تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة والتعويضات، ليس عديم الجدوى من منظور المسائلة فحسب، بل من المستبعد أن يفلح في تحقيق النتائج المرجوة منه([9]).
كما أن التعويضات وجبر الضرر غير المرتبطة بالإجراءات الأخرى، قد تُصبح ذات أثر عكسي، فالتعويض دون اتخاذ خطوات للكشف عن الحقائق المتعلقة بانتهاكات الماضي، قد يعتبرها البعض بأنها بمثابة دية، ومحاولة لشراء صمت الضحايا، ويشجع على إنكار ما حدث. وبالمثل فإن التعويض دون إصلاح المؤسسات أو دون اتخاذ خطوات أخرى للحيلولة دون ارتكاب انتهاكات أخرى في المستقبل، يجعل التعويض وعداً أجوف يخلو من إرادة عدم التكرار، وأن أي برنامج للتعويض لا ترافقه إجراءات تضمن محاسبة الجناة، إنما هو بمثابة الطلب من الضحايا أن يتنازلوا عن حقهم في العدالة مقابل أخذ معونة هي في الواقع حق من حقوقهم([10]).
في الفقرات التالية، سيتم توضيح كل من العناصر الخمسة التي تُشكل في مجموعها منظومة العدالة الانتقالية، وذلك على النحو التالي:
- الكشف عن الحقيقة:
تعتبر معرفة الحقيقة والكشف عنها، وخاصةً معرفة حقيقة مصير الضحايا، حق للمواطنين، وواجب على الدولة، ويتم ذلك من خلال الإجراءات القضائية وغير القضائية، وعلى الدولة السعي إلى معرفة الحقيقة حول الانتهاكات، بغض النظر عن إمكانية إجراء محاكمات جنائية فورية. وتشمل عملية معرفة الحقيقة ما يلي:
- هوية مرتكبي الانتهاكات.
- الأسباب التي أدت إلى تلك الانتهاكات.
- وقائع الانتهاكات وظروفها.
- المصير النهائي للضحايا، ومكان وجودهم بالنسبة لحالات الإخفاء القسري([11]).
ويتم ذلك من خلال إنشاء لجان الكشف عن الحقيقة، وقد أصبح عددها في ازدياد، إذ أن غالبية تجارب العدالة الانتقالية أخذت بهذه الآلية، وقد جاءت تلك اللجان غالباً في فترات الانتقال السياسي([12])، ويوكل إلى تلك اللجان النظر في اختصاصين، أحدهما نوعي، والآخر زمني. فالاختصاص النوعي يتعلق بنوعية الانتهاكات الجسيمة أو الممنهجة لحقوق الإنسان التي تتصدى لها من خلال الكشف عنها، ودراستها، وتحليلها، واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها، أما الاختصاص الزمني، فيتعلق بالحقبة التاريخية التي تعمل عليها اللجنة، وهي فترة قد تطول أو تقصر بحسب خصوصية كل بلد، ونطاق الانتهاكات الحاصلة فيه([13]).
وتشمل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان جرائم من قبيل التعذيب، والإخفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري، والعنف الجنسي. وقد توسع دورها مع مرور الزمن لتشمل الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، بالإضافة إلى أن بعضها أصبح ينظر في قضايا اقتصادية، وأخرى مرتبطة بالفساد([14]).
- الدعاوى الجنائية:
يعتبر مبدأ عدم الإفلات من العقاب من المبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية، وذلك من خلال إمكانية رفع الدعاوى القضائية على الجناة ومرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن المحاكمات لا تزال مطلباً رئيسياً للضحايا، إلا أن الملاحقات القضائية وحدها لا يمكنها تحقيق العدالة بمعزل عن تدابير أخرى. فالطبيعة الواسعة النطاق لهذه الجرائم تُظهر أنه غالباً ما يتعذر معالجتها عبر نظام العدالة الجنائية العادي، ما يولد ثغرة الإفلات من العقاب. وغالباً ما تركز الملاحقة الفاعلة الخاصة بالجرائم الواسعة النطاق على الرؤوس الكبيرة، باعتبارهم مسئولين عن القدر الأكبر من المسئولية، أكثر منه على ذوي المراكز الأقل شأناً أو مسئولية. ومن الممكن أن يساهم تطبيق آلية الملاحقة القضائية إلى جانب مبادرات أخرى، مثل الكشف عن الحقيقة، وبرامج التعويض وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، في سد ثغرة الإفلات من العقاب، بملاحقة الجرائم التي تشمل عدداً كبيراً من الضحايا والجناة([15]).
وعلى الرغم من أهمية هذه الآلية ضمن منظومة العدالة الانتقالية، إلا أن هناك العديد من العراقيل التي تحول دون تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، حيث شهدت بعض عمليات الانتقال السياسي، الاتفاق بين أطراف الصراع على وضع مجموعة من الآليات للإفلات من العقاب، منها ما هو ذو طبيعة تشريعية، ومنها ما هو ذو طبيعة سياسية وقضائية، الأمر الذي جعل الإفلات من العقاب يتخذ أشكالاً مختلفة، منها: الدفع بالحصانة، والعفو، ومسألة التقادم([16]).
ومع ذلك، فهناك بعض التجارب الدولية قامت بالأخذ بالعفو كإجراء استثنائي، كما جرى في جنوب أفريقيا، حيث تم التركيز على الكشف عن الحقيقة، ومنح العفو لكل المتهمين الذين تعاونوا في الكشف عن حقيقة ماضي الانتهاكات، وهناك تجارب أخرى فضلت عدم إعمال الملاحقات القضائية، كما جرى في إسبانيا والمغرب وغيرهما، إلا أن ذلك يجب أن يرتبط بضمانات تحيط به، من خلال إعمال باقي آليات العدالة الانتقالية، من معرفة الحقيقة، وتحديد المسئولين عن الانتهاكات، والتعويض وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات، ورد الاعتبار لهم، والإصلاح المؤسسي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم التكرار، فالعفو ليس نسياناً، ولا طياً لصفحة الماضي دون قراءتها، واستخلاص الدروس منها([17]).
- التعويض وجبر الضرر:
إن التعويض وجبر الضرر عنصر أساسي من عناصر العدالة الانتقالية، وتزداد فاعليته عندما يقترن بإجراءات أخرى، مثل الكشف عن الحقيقة، والدعاوى الجنائية والملاحقة القضائية، وإصلاح المؤسسات. وفي الوقت نفسه، فإن آليات العدالة الانتقالية التي لا تتضمن مبادرات التعويض وجبر الضرر تكون أقل فاعلية، لأنها لا تساعد على إحداث تغيير مباشر في الأوضاع التي يجد الضحايا أنفسهم فيها، فالآليات الأخرى لا تهدف إلى تحقيق مطالب الضحايا والمجتمعات التي تعرضت للانتهاك، فالتعويض يعتبر دليلاً على الرغبة في بناء الثقة وإعادة الكرامة، وذلك عن طريق الالتزام الواضح بحقوق الإنسان، كما أنه يساعد على تعزيز العدالة بطريقة مباشرة للضحايا، ويخفف إلى حدٍ ما من المعاناة التي كابدوها([18]).
- جهود تخليد الذكرى:
تندرج هذه الآلية ضمن مبادرات التعويض وجبر الضرر، ولكنها تتعلق بالإجراءات الرمزية، وتعتبر مهمة بالنسبة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو ذويهم، نظراً لعجزهم عن النسيان، ولذلك من واجب الدول الحفاظ على ذكرى تلك الجرائم والانتهاكات، بما يساهم في فهم المجتمع للانتهاكات الماضية([19]).
وتتضمن مبادرات تخليد الذكرى، إقامة المتاحف، وبناء النصب التذكارية، والإصدارات التوثيقية التي تحفظ الذكرى العامة للضحايا وما تعرضوا له، وترفع مستوى الوعي الأخلاقي بشأن جرائم وانتهاكات الماضي، وذلك بإرساء حافز دائم للمجتمع يحول دون تكرار الانتهاكات في المستقبل([20]). كما قد تتضمن إصدار اعتذار رسمي بما جرى من انتهاكات في الماضي، وإطلاق اسم معين على أحد الشوارع تكريماً لأحد الضحايا، والكشف عن المواضع التي تضم رفات الضحايا، وعمل مراسم دفن ملائمة، وإعادة دفنها في مقابر لائقة، بالإضافة إلى إقامة الاحتفالات التذكارية للضحايا وتكريمهم([21]).
- إصلاح المؤسسات:
يعد إصلاح مؤسسات الدولة التي كانت لها صلة مباشرة في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، كالقوات المسلحة، وأجهزة الشرطة، والمخابرات، والقضاء، أمراً أساسياً في مراحل الانتقال الديمقراطي، كما يُشكل أحد تدابير العدالة الانتقالية المهمة التي تروج لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، ويساعد في ضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل، ويهدف إصلاح المؤسسات كآلية للعدالة الانتقالية إلى بناء الثقة بين كافة المواطنين ومؤسساتهم العامة، وتحويل تلك المؤسسات من مؤسسات ساهمت في انتهاكات حقوق الإنسان إلى مؤسسات تدعم الانتقال الديمقراطي، وتحقيق السلام، وتحافظ على سيادة القانون([22]).
ثالثاً: أنواع العدالة الانتقالية:
من واقع تجارب العدالة الانتقالية المختلفة حول العالم، تبلور نوعين للعدالة الانتقالية، هما:
- العدالة الجنائية:
يقوم هذا النوع من العدالة الانتقالية على أساس إمكانية القبض على منتهكي حقوق الإنسان، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم محاكمة عادلة، وفي هذا النوع لا مجال لتخفيف العقوبات أو العفو عنهم، فتتم المحاكمات في المرحلة الانتقالية بتطبيق القوانين النافذة، وهي قوانين تتميز بتشديد العقوبات، مع الالتزام بتعويض الضحايا عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابتهم([23]).
وطُبقت هذه العدالة في البلدان التي انهارت فيها قوة منتهكي حقوق الإنسان، وسقطوا في أيدي العدالة للنظام الجديد أو وقعوا في يد العدالة الدولية([24]). ومن التجارب الدولية على العدالة الانتقالية الجنائية، تجربة الأرجنتين.
- العدالة التصالحية:
يقوم هذا النوع من العدالة الانتقالية على أساس الأخذ بمبدأ التعويض والترضية لكل من انتهكت حقوقهم، وعلى الصفح والغفران والتسامح، ومرد سلوك هذا النوع من العدالة يعود إلى تعذر تطبيق العدالة الجنائية التي تستدعي القبض على مرتكبي الانتهاكات ومحاكمتهم، أو لخطورة تطبيقها، نظراً لهشاشة الوضع العام في البلاد([25]).
وفي هذه الحالة عادةً ما يُرجح المجتمع في مثل هذه الظروف أهمية الانتقال إلى مرحلة جديدة تحقق التوافق السياسي والاجتماعي وعودة السلم على إحلال العدالة الجنائية الكاملة([26]). ومن التجارب الدولية على العدالة الانتقالية التصالحية، تجربة جنوب أفريقيا.
المحور الثاني: العدالة الانتقالية وعملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية
مع انطلاق شرارة الثورة الشبابية في 11 شباط/ فبراير 2011 ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، طرح الشباب في ساحات الحرية والتغيير أهدافهم ومطالبهم والمتمثلة في إسقاط النظام ومحاكمة رموزه. وبعد شهرين من انطلاقها، دخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على خط الثورة من خلال تقديمه في 3 نيسان/ أبريل 2011 لمبادرة سياسية لإنهاء الأزمة في البلاد، وتحقيق تسوية سياسية بين السلطة والمعارضة، والتي تقوم على فكرة نقل السلطة من رئيس الجمهورية إلى نائبه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة المعارضة.
ومع إصرار الرئيس صالح على إيجاد ضمانات قانونية مقابل تخليه عن السلطة سلمياً، جعل مجلس التعاون لدول الخليج العربية يقوم بإدراج هذا الأمر ضمن بنود مبادرته، إذ أكد على ضرورة الالتزام بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة لرئيس الجمهورية ولجميع أقاربه وأركان نظامه من خلال إقرار القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية له ومن عملوا معه خلال فترة حكمه([27]).
وفي المقابل أدرجت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بنداً نص على ضرورة أن يبحث مؤتمر الحوار الوطني في اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً. كما أقرت الآلية التنفيذية أن يتم اتخاذ القرارات في كلٍ من مجلس النواب والحكومة بالتوافق([28]).
وبعد دخول المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية حيز التنفيذ بعد توقيعها من قبل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وأحزاب اللقاء المشترك وشركاءه في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، كان لزاماً على طرفيها التوافق من أجل إقرار قانون الحصانة، وقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وبما يتوافق مع التزامهما ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وفي هذا المحور سيتم دراسة وتحليل موقع العدالة الانتقالية في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية، من خلال دراسة وتحليل أهداف الثورة الشبابية ومطالبها، وبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، وكذلك دراسة وتحليل قانون الحصانة، ومشاريع قانون العدالة الانتقالية الذي تم إعداده من قِبل وزارة الشئون القانونية، ومن ثم تم تعديله من قِبل رئيس الجمهورية، وتحديد أهم العناصر الأساسية التي تضمنته، ومقارنتهما فيما بينهما، وتحديد ومدى التزام الحكومة اليمنية في إعداد مشروع القانون بالمعايير الدولية للعدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
أولاً: قانون الحصانة:
استحدثت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية معوقاً قانونياً أمام تحقيق العدالة الانتقالية، وخاصةً في الجانب القضائي منها، والقائم على المسائلة والمحاسبة لمنتهكي حقوق الإنسان، وأسستا لمبدأ الإفلات من العقاب([29]).
وكانت المهمة الأولى لطرفي المبادرة الخليجية بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني بالمناصفة بينهما، إعداد مشروع قانون الحصانة، والذي يمنح الرئيس السابق ومساعديه حصانة عن أعمالهم.
واجهت الحكومة منذ البداية صعوبات في الوصول إلى توافق بشأن مشروع القانون، فهناك من رأى بأن يصدر قانون للعدالة الانتقالية ويشمل في طياته قانون الحصانة (العفو)، وأن لا يكون هناك قانون مستقل بالعفو، لأن الأساس هو إيجاد مصالحة وطنية، والمدخل الأساسي إليها هو قانون للعدالة الانتقالية. وفي المقابل هناك من أصر على أن يجري إصدار قانون الحصانة، باعتباره محدود المواد، بعكس قانون العدالة الانتقالية الأوسع، والذي يحتاج إلى وقت طويل للمناقشة([30]).
وفي الأخير، جرى التوافق على أن يصدر قانون الحصانة أولاً، ثم يليه مباشرةً إصدار قانون العدالة الانتقالية([31])، وعملت الحكومة على إدراج مادة في قانون الحصانة تنص على أن على الحكومة تقديم مشروع قانون حول العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية إلى البرلمان.
وفي 21 كانون الثاني/ يناير 2012 تم إصدار قانون الحصانة، وحُدد نطاق سريانه على الأفعال الواقعة خلال فترة حكم الرئيس السابق منذ 17 تموز/ يوليو 1978 وحتى تاريخ صدور القانون، وقد انقسمت الحصانة فيه إلى نوعين: فهناك حصانة كاملة من الملاحقة القانونية والقضائية، وهي مقتصرة فقط على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهناك حصانة من الملاحقة الجنائية، وتشمل كل المسئولين الذين عملوا معه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية خلال فترة حكمه، وارتكبوا انتهاكات أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية، وارتكبوها بسبب دوافع سياسية([32]).
ثانياً: مشاريع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية:
بعد صدور قانون الحصانة، قامت وزارة الشئون القانونية بإعداد المسودة الأولى من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في شباط/ فبراير 2012، وتقديمها إلى الحكومة، إلا أن مشروع القانون لاقى معارضة قوية من قبل طرفي العملية السياسية (المؤتمر والمشترك)، وتركز الخلاف الأساسي بينهما- كما سيتم توضيحه بالتفصيل لاحقاً- في جانبين: الأول، الخلاف حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية، والثاني، الخلاف حول الفترة الزمنية التي يغطيها مشروع القانون.
ونظراً لفشل الحكومة في التوافق حول صيغة القانون، والتي استمرت لقرابة أربعة أشهر، تم إحالة مشروع القانون إلى كلٍ من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في حزيران/ يونيو 2012، وفقاً لنص الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، التي تنص على أن “تتخذ حكومة الوفاق الوطني قراراتها بتوافق الآراء، وإذا لم يكن التوافق الكامل موجوداً بشأن أي قضية يتشاور رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية للتوصل إلى توافق، وفي حال تعذر التوافق بينهما، يتخذ رئيس الجمهورية القرار النهائي” (البند 12)([33]). وقد أجرى رئيس الجمهورية تعديلاته عليه، وقدم المسودة الثانية من مشروع القانون إلى مجلس النواب في 6 كانون الثاني/ يناير 2013.
وتضمنت مسودتي مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية التي تم إعدادها من قِبل وزارة الشئون القانونية، ومن ثم تم تعديلها من قِبل رئيس الجمهورية، ما يلي:
- تعريف العدالة الانتقالية:
عرف مشروع القانون المقدم من وزارة الشئون القانونية العدالة الانتقالية بأنها “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية تحقيق العدالة التصالحية، للكشف عن الحقيقة، وجبر ضرر الضحايا، وحفظ الذاكرة الوطنية، ومنع تكرار انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل” (المادة 2)([34]).
وعرفها مشروع القانون المعدل من رئيس الجمهورية بأنها “مجموعة الإجراءات والتدابير التي تُتخذ لمواجهة الانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان خلال الفترة الزمنية المحددة بهذا القانون بغية جبر ضرر الضحايا، ومنع تكرار الأفعال الماسة بحقوق الإنسان في المستقبل” (المادة 2)([35]).
وبمقارنة الآليات التي جاء على ذكرها تعريف العدالة الانتقالية في مسودتي مشروع القانون مع الآليات التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، نجد أن مشروع القانون الأول قد نص صراحةً بعدم الأخذ بالعدالة الجنائية، واستبدلها بالعدالة التصالحية، وبالتالي تم إسقاط آلية الدعاوى الجنائية، وهو ما يتوافق مع التزامات طرفي العملية السياسية ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومضمون قانون الحصانة. ولكنه في المقابل أكد على أهمية لجان الكشف عن الحقيقة، باعتبارها الآلية الأهم من آليات العدالة الانتقالية، والتي تساعد في معرفة وقائع الانتهاكات ومرتكبيها، مع تأكيده على الآليات الأخرى والمتمثلة في: التعويض وجبر الضرر، وجهود تخليد الذكرى، والإصلاح المؤسسي.
وأسقط مشروع القانون الثاني ثلاث من آليات تحقيق العدالة الانتقالية، وهي: الدعاوى الجنائية، والكشف عن الحقيقة، وجهود تخليد الذكرى من التعريف، واكتفى بجبر ضرر الضحايا، والإصلاح المؤسسي، وبالتالي لم يبقى من العدالة الانتقالية إلا اسمها، فالعدالة الانتقالية منظومة متكاملة، تزداد فعاليتها عندما تقترن عناصرها ببعضها البعض، وتكون أقل فعالية عندما يتم إسقاط أو اختزال أي آلية من آليات المنظومة.
وبعيداً عن التعريف، فقد تضمنت نصوص مسودتي مشروع القانون أربعة من آليات العدالة الانتقالية، والمتمثلة في: الكشف عن الحقيقة، والتعويض وجبر الضرر، وجهود تخليد الذكرى، وإصلاح المؤسسات، إلا أن مضامينها تم اختزالها، بما أفرغها من محتواها، والهدف المراد منها، وخاصةً المتعلق بالكشف عن الحقيقة والإصلاح المؤسسي.
ومن ذلك، حدد مشروع القانون المقدم من وزارة الشئون القانونية الاختصاص النوعي لهيئة الإنصاف والمصالحة، والذي يتمثل في نطاق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتشمل: القتل خارج نطاق القانون، الاختفاء القسري، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، حجز الحرية، الاغتصاب الممنهج، الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، والحقوق الوظيفية، وغيرها من الانتهاكات.
إلا أن مشروع القانون المعدل من رئيس الجمهورية أجرى تعديلاً على ذلك، حيث استبعد كلاً من: الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، والحقوق الوظيفية، من الانتهاكات التي تتصدى إليها الهيئة في عملها، على الرغم من أن تلك الانتهاكات المستبعدة تعتبر ذات أهمية كبرى، وخاصةً في ما يتعلق بالقضية الجنوبية. فالبعد الحقوقي لهذه القضية، يتمثل في مطالب الأفراد المتضررين من نتائج حرب صيف 1994، التي تم الاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة ومصادرتها، كما تم تسريح الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين من أبناء المحافظات الجنوبية من وظائفهم([36])، وهناك من يبرر هذا الاستبعاد بأنه مرتبط بالفترة الزمنية التي يغطيها مشروع القانون المعدل.
- الفترة الزمنية التي يغطيها مشروع القانون:
أكد مشروع القانون المقدم من وزارة الشئون القانونية إلى أن أحكامه تسري على الضحايا الذين انتهكت حقوقهم نتيجةً للصراعات السياسية التي حدثت منذ العام 1990 وحتى صدور القانون، مع تأكيده على إمكانية النظر في الشكاوى وتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة قبل عام 1990 في حال استمرار آثار هذه الانتهاكات حتى صدور القانون، ولم يتم معالجتها حتى الآن.
من الملاحظ بأن مشروع القانون حدد فترتين لسريان أحكامه، الأولى، في عهد دولة الوحدة والتي تمتد منذ 22 أيار/ مايو 1990 وحتى تاريخ صدور القانون، والثانية في عهد الدولة الشطرية في كلٍ من الشمال والجنوب، ولكنه اشترط من أجل النظر في الانتهاكات التي جرت في هذه الفترة، أن يكون لها آثار مستمرة، وألا يكون قد حدث لها جبر ضرر.
وما يؤخذ على هذا النص، بأن لجنة الكشف عن الحقيقة “هيئة الإنصاف والمصالحة” لا تمتلك سلطة التحقيق في الانتهاكات التي جرت قبل 22 أيار/ مايو 1990، إلا إذا استمرت آثار تلك الانتهاكات، وهو أمر لا يمكن ضبطه.
ورأى الدكتور محمد المخلافي وزير الشئون القانونية أنه في حالة جعل فترة سريان القانون على الانتهاكات التي ارتكبت قبل عام 1990 تلقائية، وإلزام الهيئة بالتحقيق من تلقاء نفسها، بغض النظر عن استمرار الضرر من عدمه، سوف ينيط بالهيئة مهمة عسيرة التحقيق، الأمر الذي سوف يؤثر سلباً على تحقيق العدالة الانتقالية في الفترات ذات الأولوية الخاصة بالمصالحة الوطنية، والتي تشمل: الانتهاكات التي حدثت منذ عام 1994، وما حدث في حروب صعدة منذ العام 2004، وقمع التجمعات السلمية للحراك الجنوبي منذ العام 2007، والانتهاكات الواسعة خلال الثورة الشبابية في العام 2011([37]).
في المقابل، أكد مشروع القانون المعدل من رئيس الجمهورية بأن أحكامه تسري على الضحايا الذين انتُهكت حقوقهم نتيجةً للصراعات السياسية التي حدثت منذ 1 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى 21 شباط/ فبراير 2012.
ومنذ طرح المسودة الأولى من مشروع القانون على الحكومة، انقسمت الحكومة على نفسها بشأن الفترة الزمنية التي ينبغي أن يشملها، فهناك من رأى أنه لا حاجة لنبش صراعات الماضي، وفضل قصر مشروع القانون على الأحداث التي جرت خلال الثورة الشبابية في العام 2011، فيما رأى آخرون أن قصر مشروع القانون على هذه الفترة فيه إجحاف كبير بحق من تضرروا من الصراعات قبل العام 2011([38])، وهناك من تمسك بتحديدها بالفترة التي شملها قانون الحصانة، أي منذ عام 1978، وهناك من رأى أن الفترة يجب أن تمتد إلى ما قبل ذلك.
فوزراء المؤتمر الشعبي العام في الحكومة عارضوا فترة سريان مشروع القانون منذ عام 1990، وتمسكوا باقتصار سريانه على الأحداث التي جرت خلال الثورة الشبابية في العام 2011، والغاية من ذلك استبعاد الفترة التي كان هو المسئول الرئيسي عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال فترة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية، وحصرها بفترة قصيرة بهدف إشراك شركائهم في الحكومة المسئولية، لاعتقادهم بأن المسئولية في الانتهاكات التي ارتكبت خلال الثورة الشبابية، تقع على جميع الأطراف، وارتكبت من قِبل أطراف الصراع المختلفة([39]).
أما وزراء أحزاب اللقاء المشترك في الحكومة، فقد انقسموا فيما بينهم، فالحزب الاشتراكي اليمني، رفض أن يتم قصر مشروع القانون زمنياً بضحايا انتهاكات أحداث عام 2011، وطالب بأن يشمل الفترة الممتدة منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 أيار/ مايو 1990، وبما يحقق الإنصاف لضحايا حرب صيف 1994، ولكنه في الوقت ذاته يرفض أن تشمل الفترة الانتهاكات ما قبل عام 1990، حتى لا يتم إدخال ما تُعرف بأحداث 13 كانون الثاني/ يناير 1986، والتي شهدتها مدينة عدن بين أجنحة الحزب، وحصدت الآلاف من الضحايا، وما يزال هناك الكثير مصائرهم مجهولة حتى الآن([40]).
وأصر التنظيم الوحدوي الناصري على ضرورة أن يسري مشروع قانون العدالة الانتقالية على الفترة ذاتها التي يسري عليها قانون الحصانة، أي من 17 تموز/ يوليو 1978، بحيث يشمل الانتهاكات التي تعرضت لها قياداته عقب فشل انقلابهم على الرئيس السابق علي عبدالله صالح في تشرين الأول/ أكتوبر 1978، أو أن تكون قبل ذلك، بحيث يشمل الانتهاكات ضد قياداته وأعضاءه منذ اغتيال الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي في تشرين الأول/ أكتوبر 1977([41]).
ونتيجةً لتلك الاعتراضات من قبل الأطراف السياسية، وخاصةً من أحزاب اللقاء المشترك، فقد قرر رئيس الجمهورية سحب مشروع القانون من مجلس النواب، وذلك حفاظاً على التوافق السياسي والتسوية السياسية.
من خلال كل ما سبق، يرى الباحث بأن كلاً من آليات تحقيق العدالة الانتقالية، والفترة الزمنية التي يغطيها مشروع القانون، قد تم توظيفهما توظيفاً سياسياًَ من قِبل الأطراف السياسية اليمنية لحماية تاريخ الانتهاكات الخاصة بكل طرف، فكل طرف يعارض مشروع القانون إذا تم تحديد فترة زمنية تدينه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
واستمر الخلاف بين طرفي العملية السياسية (المؤتمر والمشترك) حول نفس المسألتين، إلى حين انطلاق مؤتمر الحوار الوطني في 18 آذار/ مارس 2013، والذي تم فيه تقسيم قضايا الحوار الوطني على تسعة فرق، من بينها فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وكان لابد من البدء بالتوافق على تلك المسألتين، بما يساعد على استكمال الحوار في الموضوعات الأخرى المتعلقة بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
وهنا توافق أعضاء فريق العدالة الانتقالية بمؤتمر الحوار الوطني على اعتبار كل الصراعات السياسية السابقة جزء من تاريخ اليمن، تتحمل مسئوليتها كل الأطراف التي اشتركت فيها، ووجوب رد الاعتبار لكل من أسيء إليهم من ضحايا الصراعات السياسية في أي مرحلة خلال مختلف مراحل نظم الحكم الشطري والوحدوي، ابتداءً من ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 في الشطر الشمالي، والاستقلال في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 في الشطر الجنوبي، وحتى الآن([42]).
بالإضافة إلى ذلك، توافق أعضاء الفريق، على أنه يجب أن يحدد القانون برامج العدالة الانتقالية، ويجب ضمان عدم إفلات منتهكي حقوق الإنسان وتنصلهم من المسائلة، وتحقيق مبدأ اعتراف واعتذار الجناة للضحايا، واعتبار الكشف عن الحقيقة ركناً أساسياً للعدالة الانتقالية، ولا يجوز أن تحول أية عوائق دون تحقيقه، ويجب أن تُنفذ برامج العدالة الانتقالية وفق منهج متكامل يشمل جميع آليات العدالة الانتقالية من تدابير، بما فيها الكشف عن الحقيقة، وبرامج التعويض وجبر الضرر، وتخليد الذاكرة، والإصلاح المؤسسي([43]).
ولم يتطرق المتحاورون إلى آلية الدعاوى الجنائية كإحدى آليات تحقيق العدالة الانتقالية، وفي هذا المقام يقول الدكتور عبدالباري دغيش رئيس فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، أنه ومن أجل تحقيق التوافق داخل الفريق، تم الاتفاق على استبعاد كل مفردة من قبيل المحاسبة والمحاكمة والمقاضاة من نصوص قرارات الفريق، مع الإبقاء على مفردة المسائلة، كونه لا يمكن كشف الحقيقة من غير مسائلة([44]).
المحور الثالث: مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في الجمهورية اليمنية
في ضوء المعايير الدولية والتجربة التونسية
بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في 25 كانون الثاني/ يناير 2014، قامت وزارة الشئون القانونية بإعداد المسودة الثالثة من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، كما قامت لجنة صياغة الدستور بإعداد مسودة الدستور الجديد.
أولاً: مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية:
في هذا القسم، سيتم دراسة وتحليل المسودة الثالثة من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتي تم إعدادها من قِبل وزارة الشئون القانونية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، من خلال تحديد أهم العناصر الأساسية الذي تضمنتها، مع التركيز على آليات تحقيق العدالة الانتقالية التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ومقارنتها مع قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي، وتحديد عوامل الاتفاق والاختلاف بينهما.
- تعريف العدالة الانتقالية:
عرف مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اليمني العدالة الانتقالية بأنها “مجموعة الآليات والوسائل والتدابير المقررة بموجب القانون لفهم ومعالجة آثار ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها والمسئولين عنها، وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم، بما يُحقق المصالحة الوطنية الشاملة، ويحفظ الذاكرة الوطنية الجماعية ويوثقها، ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات مستقبلاً” (المادة 2)([45]).
وعرفها قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي بأنها “مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، بكشف حقيقتها، ومسائلة ومحاسبة المسئولين عنها، وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم، بما يُحقق المصالحة الوطنية، ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها، ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات، والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي، يُساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان” (الفصل 1)([46]).
وبمقارنة الآليات التي جاء على ذكرها تعريف العدالة الانتقالية في مشروع القانون اليمني، والقانون التونسي، مع الآليات التي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، نجد بأن مشروع القانون اليمني لا يختلف في الصياغة عن القانون التونسي، حيث أكد كلاهما على أهمية الكشف عن الحقيقة، واعتبراها الآلية الأهم من آليات العدالة الانتقالية، وذلك من أجل فهم ومعالجة آثار انتهاكات الماضي والمسئولين عنها، بالإضافة إلى ذلك، أكد التعريفان إلى الآليات الأخرى والمتمثلة في التعويض وجبر الضرر، وجهود تخليد الذكرى، والإصلاح المؤسسي والتي تمثل الضمانة الأساسية لمنع الانتهاكات في المستقبل.
ويكمن الفرق بينهما، في أن مشروع القانون اليمني لم يتطرق إلى آلية الدعاوى الجنائية، كونه ينسجم مع ما أخذت به الجمهورية اليمنية من نوع العدالة الانتقالية، وهي العدالة التصالحية. بينما تطرق القانون التونسي إليها من خلال النص على مسائلة ومحاسبة المسئولين عن ماضي الانتهاكات، وهو ما ينسجم مع ما أخذت به الجمهورية التونسية من نوع العدالة الانتقالية، وهي العدالة الجنائية.
- الفترة الزمنية التي يغطيها مشروع القانون:
أكد مشروع القانون اليمني إلى أن أحكامه تسري على ضحايا الانتهاكات التي حدثت خلال الفترة الممتدة من 26 أيلول/ سبتمبر 1962 في شمال اليمن، و30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 في جنوب اليمن، وحتى تاريخ صدور القانون (المادة 4). في حين حددها قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي بالفترة الممتدة من 1 تموز/ يوليو 1955 وحتى تاريخ صدور القانون (الفصل 17).
من الملاحظ بأن مشروع القانون اليمني عمل على توسيع فترة سريان القانون بشكل أكبر، بحيث وسع من نطاق الانتهاكات لتشمل انتهاكات لم يأتي ذكرها أثناء السجالات السابقة على المشروع السابق الذي تم إعداده من قِبل وزارة الشئون القانونية في شباط/ فبراير 2012، فكان أقصى فترة تم المطالبة بضمها هي تشرين الأول/ أكتوبر 1977 تاريخ اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في شمال اليمن. إلا أن مشروع القانون حددها من تاريخ قيام النظام الجمهوري في شمال اليمن، ومن تاريخ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن.
وبذلك ستكون هيئة العدالة الانتقالية ملزمة باستلام ملفات ضحايا محطات الصراعات والحروب ما بين شطري اليمن سابقاً، والصراعات السياسية والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والنزاعات المسلحة، والتحقيق في تلك الأحداث وخلفياتها وملابساتها، والانتهاكات المرافقة لها في ظل الحكم الشطري في الشمال والجنوب، وفي ظل الوحدة، وحتى تاريخ صدور القانون.
وبالمثل، فقد وسع القانون التونسي من نطاق الانتهاكات التي سيتم البحث عنها والكشف عن حقيقتها، ليشمل فترتين، الأولى في عهد الاستعمار الفرنسي، وهي الفترة الممتدة من 1 تموز/ يوليو 1955 وحتى تاريخ نيل تونس استقلالها عن فرنسا في 20 آذار/ مارس 1956، والثانية في عهد الاستقلال، وهي الفترة الممتدة من تاريخ الاستقلال وحتى تاريخ صدور القانون في أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر 2013.
- آليات تحقيق العدالة الانتقالية:
أ. الكشف عن الحقيقة:
أكد مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اليمني على أهمية الكشف عن الحقيقة، واعتبره ركن أساسي من أركان العدالة الانتقالية، وأكد أنه لا يجوز أن تحول دون تحقيقه أية عوائق، وعلى أن معرفة وكشف حقيقة الانتهاكات حق مكفول لكل المواطنين والمنظمات والقوى السياسية دون المساس بحماية الحقوق الشخصية، وبمراعاة مصلحة وكرامة جميع الأطراف (المادتين 6،5). كما أكد على ذلك القانون التونسي، بالنص على أن كشف حقيقة الانتهاكات حق يكفله القانون لكل المواطنين، مع مراعاة مصلحة الضحايا وكرامتهم، ودون المساس بحماية الحقوق الشخصية (الفصل 2).
ومن خلال ما سبق، نجد بأن كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي، أكدا على أهمية الكشف عن الحقيقة، واعتبراه حق للمواطنين، وواجب على الدولة.
ونص كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي على إنشاء هيئة وطنية تسمى في الأول “هيئة العدالة الانتقالية”، وتسمى في الثاني “هيئة الحقيقة والكرامة”، وتتمتع كلا الهيئتين بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، ويكون مقرهما في عاصمة البلدين، وحدد مشروع القانون اليمني مدة عمل الهيئة بأربع سنوات، تبدأ من تاريخ صدور قرار رئيس الجمهورية بتشكيلها، قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، إما لمدة مماثلة أو أقل، وبقرار من مجلس النواب (الفقرة 5 من المادة 7)، وحدد القانون التونسي مدة عمل الهيئة بأربع سنوات، تبدأ من تاريخ تسمية أعضائها، قابلة للتمديد لمرة واحدة، لمدة سنة، بقرار معلل من الهيئة، يُرفع إلى مجلس نواب الشعب قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها (الفصل 18).
وما يؤخذ على مدة عمل هيئتي كشف الحقيقة في كلٍ من اليمن وتونس، أنها في الأولى 4 سنوات، وقد تصل إلى 8 سنوات، وفي الثانية 4 سنوات، وقد تصل إلى 5 سنوات، وتعتبر هذه المدة طويلة مقارنة بتجارب لجان الكشف عن الحقيقة في العالم. فعلى سبيل المثال مدة عمل لجنة الحقيقة والمصالحة في البيرو سنتين، بينما مدة عمل لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا ثلاث سنوات.
وحدد كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي اختصاص هيئتي كشف الحقيقة في النظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الصادرة عن أجهزة الدولة أو أفراد أو مجموعات تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها، وإن لم تكن لهم أي صفة أو صلاحية تخول لهم ذلك، كما يشمل الانتهاكات الصادرة عن الجماعات المسلحة، ولكنه في مشروع القانون اليمني حصر اختصاص هيئة العدالة الانتقالية في النظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولكنه لم يسمي تلك الانتهاكات (الفقرة هـ من المادة 2)، في حين وسع القانون التونسي من اختصاص هيئة الحقيقة والكرامة، لتنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تشمل: القتل العمد، الاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، التعذيب، الاختفاء القسري، الإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى نظرها في الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات، وبالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية (الفصل 8).
وحول صلاحيات الهيئة، أعطى مشروع القانون اليمني للهيئة صلاحيات وسلطات لتنفيذ مهامها المناطة بها، منها: إجراء كافة التحريات والتقصي والتحقيقات التي تراها لازمة للكشف عن الحقيقة، واستدعاء أي من الأفراد أو المسئولين أو الشهود، والاستماع إليهم، والحصول على الوثائق الرسمية التي تطلبها، والاطلاع على الأرشيفات، وألزم كل من تستدعيهم الهيئة للمثول أمامها، سواء كانوا أفراداً أو جهات رسمية أو غير رسمية بتوفير كافة ما تطلبه منهم، والإفصاح والتعاون مع الهيئة لكشف الحقيقة، والإدلاء بكامل المعلومات المطلوبة، وذلك مع احترام الحقوق القانونية الواجبة (الفقرة ب من المادة 9).
ونص القانون التونسي على أن تتمتع الهيئة بصلاحيات للقيام بمهامها، منها: التحقيق في كل الانتهاكات بجميع الوسائل والآليات التي تراها ضرورية، مع ضمان حقوق الدفاع، واستدعاء كل شخص ترى فائدة في سماع شهادته أو التحقيق معه، ولا تجوز مجابهتها بالحصانة، إلى جانب النفاذ إلى الأرشيفات العامة والخاصة، وألزم القانون التونسي مختلف مؤسسات وهيئات الدولة، وجميع موظفيها، مد الهيئة بالوثائق والمعلومات والتي تندرج ضمن مهام الهيئة، أو من شأنها أن تساعد الهيئة على القيام بمهامها، ولا يجوز مواجهة طلبات الهيئة بواجب الحفاظ على السر المهني (الفصول 40، 51، 54).
من خلال ما سبق، نجد بأن الهيئة في اليمن ليس لها صلاحية إلزام من تستدعيهم في الإفصاح والتعاون معها للكشف عن الحقيقة، والإدلاء بما في حوزتهم من معلومات مهمة في التحقيق، وخاصةً ممن يتم استدعائهم من المشتبه بهم في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، فبدلاً من النص على أنه في حالة مخالفة أو تقصير من قامت باستدعائهم، يخضعون للمسائلة القانونية وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات، تم النص على احترام الحقوق القانونية لهؤلاء الأشخاص، والتي منها الحق في الامتناع عن الشهادة ضد أنفسهم، وهذا يعتبر إخلال بمعيار أساسي من معايير العدالة الانتقالية التصالحية، حيث أن منح العفو لمنتهكي حقوق الإنسان يكون في مقابل كشفهم عن حقيقة ما جرى، على الرغم من أن مشروع القانون نفسه، نص في موضع آخر على أن تقوم هيئة العدالة الانتقالية بمسائلة الجناة، وضمان عدم تنصلهم من تحمل المسئولية عن ارتكاب الانتهاكات، واعترافهم بذلك، وتقديم اعتذارهم للضحايا، في مقابل عدم تطبيق أي نص من نصوص قانون العقوبات لمن يمتثل لإجراءات الهيئة (المادة 6).
ينما نجد بأن الهيئة في تونس تحظى، ولو من الناحية النظرية، بصلاحيات كبيرة في عملها، حيث لا يجوز لأي من تستدعيه لسماع شهادته، أن يتحجج بحصانته، كما لها حق الحصول على الوثائق أو المعلومات من مختلف مؤسسات الدولة، حتى وأن كانت سرية.
ومن أجل ضمان قيام الهيئة بمهامها بدون عرقلة أو إعاقة، حدد مشروع القانون اليمني العقوبات التي سيتم تطبيقها على الأطراف المعيقة، والتي تتراوح ما بين الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أو الغرامة المالية بما لا يزيد عن ثلاثمائة ألف ريال (1.395 دولار أمريكي تقريباً)، وذلك على كل شخص:
- يقوم بعمل من شأنه ازدراء الهيئة أو إعاقة عملها بشكل متعمد أو عدم الامتثال لدعوتها للإدلاء بشهادته، أو تسليم ما لديه من وثائق أو بيانات متعلقة بالموضوعات التي تُحقق فيها الهيئة.
- يُدلي بشهادة زوراً أمام الهيئة أو أي من لجانها المتخصصة، أو يمدها بوثائق أو بيانات مزورة أو يتلف أدلة أو وثائق أو مواد ذات صلة بأي من موضوعات التحقيقات أو الإجراءات التي تقوم بها الهيئة (الفقرة أ من المادة 22).
ونص القانون التونسي على أنه يُعاقب بالسجن لمدة أقصاها ستة أشهر، وبغرامة مالية قدرها ألفا دينار (714 دولار أمريكي تقريباً)، على كل شخص:
- يقوم بأي عمل أمام الهيئة يُشكل في حال حصوله ازدراء لها.
- يعيق عمل الهيئة بشكل متعمد.
- لا يمتثل عمداً لدعوة الهيئة، للإدلاء بالشهادة، أو يحول دون النفاذ إلى الوثيقة أو المعلومة المطلوبة.
كما نص على أن يتم تطبيق أحكام المجلة الجزائية في حق كل من يدلي بشهادة زور أمام الهيئة، أو يمدها بوثائق مزورة، أو يتلف أية وثيقة أو مادة ذات صلة بأي من التحقيقات أو الإجراءات المنصوص عليها في القانون (الفصل 66).
وفي ختام أعمال الهيئة، نص كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي على أن تقوم هيئتي كشف الحقيقة بإعداد تقرير نهائي شامل عن مهامهما، يتضمن: الحقائق التي توصلوا إليها بعد التثبت والتحقق، وتحديد المسئوليات، والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الانتهاكات، والتوصيات التي تكفل عدم تكرارها في المستقبل، وكذلك التدابير التي يمكن اتخاذها للتشجيع على المصالحة الوطنية، وحماية حقوق الأفراد، والتوصيات والمقترحات والإجراءات التي تدعم التحول الديمقراطي وتعززه، وتساهم في بناء دولة القانون، بما يكفل عدم تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان مستقبلاً. إلا أن القانون التونسي تفرد بالنص على أن التقرير الصادر عن هيئة الحقيقة والكرامة التونسية سيتضمن جانب آخر لن يتضمنه التقرير الصادر عن هيئة العدالة الانتقالية اليمنية، ألا وهو أن من صلاحيات الهيئة وضع التوصيات المتعلقة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية والقضائية والإعلامية والتربوية والثقافية وغيرها، بما يجنب عودة البلاد إلى حالة القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وسوء التصرف في المال العام (الفصل 67).
ب. الدعاوى الجنائية:
يأتي مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اليمني كاستمرار لمشاريع القانون السابقة التي تُسقط الدعاوى الجنائية والملاحقة القضائية من آليات تحقيق العدالة الانتقالية، ومع ذلك، نص مشروع القانون على أنه في حال قيام أي طرف بإعاقة الآليات والإجراءات الموضوعة بموجب القانون أو التخلف عن التعاون مع الهيئة، فإن الطرف المعيق سيخضع للملاحقة القضائية (الفقرة ب من المادة 22). بالإضافة إلى ذلك، نص على أن يُحال إلى القضاء كل من استمر في ارتكاب الانتهاكات بعد صدور القانون، وفي هذه الحالة يجب على القضاء أن يتخذ إجراءاته القضائية، ومعاقبته على الانتهاكات السابقة واللاحقة (الفقرة 1 من المادة 28).
ونص قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي على أن المسائلة والمحاسبة هي من الآليات التي تحول دون الإفلات من العقاب أو التهرب من المسئولية، وأكد على أن المسائلة والمحاسبة من اختصاص الهيئات والسلطات القضائية والإدارية حسب التشريعات النافذة. ولتحقيق ذلك نص على أن يتم إنشاء دوائر قضائية متخصصة بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف، تتكون من قضاة يقع اختيارهم من بين القضاة الذين لم يشاركوا في محاكمات ذات صبغة سياسية، ويتم تكوينهم تكويناً خاصاً في مجال العدالة الانتقالية. كما نص القانون على أن تحيل الهيئة إلى النيابة العامة الملفات التي يثبت لها فيها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان (الفصول 6، 7، 8، 42).
ج. التعويض وجبر الضرر:
يتفق كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي على أن جبر ضرر ضحايا الانتهاك حق يكفله القانون، وأن الدولة ملزمة بتوفير أشكال الجبر الكافي والفعال، بما يتناسب مع جسامة وطبيعة الانتهاك، ووضعية كل ضحية، وعرفاه بأنه “نظام يقوم على التعويض المعنوي أو المادي أو كليهما، ورد الاعتبار، وإعادة الحقوق والتأهيل والإدماج، ويمكن أن يكون فردياً أو جماعياً”. إلا أن القانون التونسي أضاف الاعتذار إلى التعريف، باعتباره أحد آليات جبر الضرر.
وحدد مشروع القانون اليمني أن من صلاحيات الهيئة وضع وتنفيذ المعايير والضوابط اللازمة لتقدير التعويضات وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات، على أن تشمل الأشكال التالية:
- الاسترداد: وتتضمن استرجاع الحرية، والحقوق القانونية، والوضع الاجتماعي، والحياة الأسرية، والعودة إلى مكان الإقامة، واسترداد العمل، وإعادة الممتلكات المنهوبة.
- التعويض: ويتم تقييمه اقتصادياً، ويشمل: الضرر البدني أو الذهني، بما في ذلك الألم والمعاناة والاضطراب العاطفي، والضرر بالسمعة والكرامة، وتكاليف المساعدة القانونية أو مساعدة الخبراء، والأدوية والخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية.
- جبر الضرر الشخصي والجماعي، ويشمل: رد الاعتبار عن طريق كشف الحقيقة ومحو آثار الانتهاكات، والتأهيل الصحي والنفسي، وإعادة الإدماج الاجتماعي، وتسوية الأوضاع القانونية، وبرامج التنمية (المادة 18).
ونص مشروع القانون اليمني على أن اتخاذ قرارات التعويض وجبر الضرر لضحايا الانتهاكات هي من مهام واختصاصات هيئة العدالة الانتقالية، وذلك بإصدار قرارات ملزمة للحكومة، تشمل: تعويض وجبر ضرر ضحايا الانتهاكات الذين لم يتم جبر ضررهم من قبل، بما في ذلك رد الحقوق الوظيفية والممتلكات المنهوبة، كما تقوم الهيئة بتعويض ورثة من قضوا نحبهم من جراء تلك الانتهاكات، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة تأهيل وإدماج واسترداد ورد اعتبار كل ضحايا الانتهاكات، وضمان علاج وإعادة تأهيل الضحايا المصابين جراء الصراعات السياسية، وتوفير تكاليف العلاج في الخارج عندما لا يكون ذلك متوفراً في اليمن. كما تشمل إنماء مناطق الضحايا المحرومة، وبناء مختلف المؤسسات التربوية والصحية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التنمية (الفقرة ب من المادة 9).
ونص القانون التونسي على أن تتولى الهيئة مهمة وضع برنامج شامل لجبر ضرر فردي وجماعي لضحايا الانتهاكات، يقوم على:
- الإقرار بما تعرض له الضحايا من انتهاكات، واتخاذ قرارات وإجراءات جبر الأضرار لفائدتهم، مع مراعاة كل ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات إدارية أو قضائية سابقة لفائدة الضحايا.
- ضبط المعايير اللازمة لتعويض الضحايا.
- تحديد طرق صرف التعويضات، وتراعى في ذلك التقديرات المخصصة للتعويض.
- اتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة للضحايا (الفصل 39).
من خلال ما سبق، نجد بأن مشروع القانون اليمني عمل على وضع معايير عامة لنظام التعويض وجبر الضرر، ومن ثم عمل على تحديد أشكال التعويض وجبر الضرر لتلك المعايير، في حين اكتفى القانون التونسي بوضع معايير عامة للتعويض وجبر الضرر، وترك للهيئة وضع الأشكال المناسبة للتعويض وجبر الضرر.
د. جهود تخليد الذكرى:
أكد كلاً من مشروع القانون اليمني والقانون التونسي على أن حفظ الذاكرة حق للأجيال المتعاقبة، وهو واجب تتحمله الدولة لتخليد ذكرى الضحايا في الذاكرة الوطنية الجماعية، ولاستخلاص العبر من ذلك.
ونص مشروع القانون اليمني على أن اتخاذ قرارات تخليد ذكرى ضحايا الانتهاكات هي من مهام واختصاصات هيئة العدالة الانتقالية، وذلك بإصدار قرارات ملزمة للحكومة، تشمل: بناء النصب التذكارية، وإنشاء المتاحف لتخليد ذكرى الضحايا، وإصدار الاعتذارات الرسمية، وتخصيص يوم للذاكرة الوطنية وغيرها من الإجراءات المناسبة (الفقرة ب من المادة 9). بالإضافة إلى ذلك نص على أن يتم ترضية الضحايا أو ذويهم من خلال إلزام الدولة بتسليم رفاة من تم إعدامهم عقب محاكمات سياسية أو جنائية أو بدون محاكمة، ولم تُسلم جثامينهم لذويهم، واعتبار جميع من تم إعدامهم شهداء للوطن وحركته الوطنية (المادة 27).
ونص القانون التونسي على أن تتولى الهيئة تقديم توصياتها باتخاذ كل التدابير التي تراها ضرورية لحفظ الذاكرة الوطنية لضحايا الانتهاكات، كما يمكن لها إقامة الأنشطة اللازمة لذلك (الفصل 44).
من خلال ما سبق، نجد بأن مشروع القانون اليمني كان أشمل في تحديد أشكال تخليد الذكرى، وعمل على وضع أشكال مختلفة لذلك، بينما كان القانون التونسي قاصراً على تقديم توصيات من قِبل هيئة الحقيقة والكرامة لتخليد الذكرى، دون التطرق إلى أي من أشكالها.
هـ. إصلاح المؤسسات:
أكد مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اليمني على أن الهدف من الإصلاح المؤسسي هو إصلاح مؤسسات وأجهزة الدولة التي شاركت أو تورطت بأي صورة كانت في ارتكاب الانتهاكات، وذلك من خلال إعادة هيكلتها، ومراجعة وإصلاح تشريعاتها وسياساتها، وإعادة تأهيل منتسبيها، بما يضمن استقلالها وخضوعها للمسائلة والمراقبة، وإزاحة العناصر التي ثبت ارتكابها أو مساهمتها في ارتكاب الانتهاكات (الفقرة ح من المادة 2).
كما أكد على أن من مهام واختصاصات هيئة العدالة الانتقالية تقديم التوصيات للسلطات المختصة حول كيفية إصلاح تلك الأجهزة، بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية، ووضع آليات للمسائلة والمراقبة، لضمان احترام حقوق الإنسان أثناء تأديتها لعملها. كما نص على أن يحظر تعيين أو استمرار أي شخص في أي وظيفة عامة تم إحالته إلى القضاء، وثبت تورطه بحكم قضائي بات في انتهاكات لحقوق الإنسان، كما يحظر عليه الترشح لأي من الهيئات العامة المنتخبة كمجلس النواب ومجلس الشورى أو المجالس المحلية (الفقرة ب من المادة 9) و(الفقرة 2 من المادة 28).
وأكد قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها التونسي على أن إصلاح المؤسسات يهدف إلى تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد، ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات واحترام حقوق الإنسان وإرساء دولة القانون، وذلك من خلال مراجعة التشريعات، وغربلة مؤسسات الدولة ومرافقها، ممن ثبتت مسئوليته في الفساد والانتهاكات، وتحديث مناهجها، وإعادة هيكلتها، وتأهيل موظفيها (الفصل 14).
كما أكد على أن تتولى هيئة الحقيقة والكرامة إنشاء “لجنة الفحص الوظيفي وإصلاح المؤسسات”، والتي تتولى تقديم مقترحات عملية لإصلاح المؤسسات المتورطة في الانتهاكات، وتقديم مقترحات لغربلة الإدارة وكل القطاعات التي تستوجب ذلك. كما تصدر اللجنة للجهات المختصة توصيات بالإعفاء أو الإقالة أو الإحالة على التقاعد الوجوبي في حق كل شخص يشغل إحدى الوظائف العليا بالدولة، بما في ذلك الوظائف القضائية، إذا تبين أنه قدم تقارير أو معلومات للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل أو البوليس السياسي نتج عنها ضرر أو انتهاك، وقد ثبتت مسؤوليته في الانتهاكات. كما نص القانون على أن تتولى هيئة الحقيقة والكرامة صياغة التوصيات والاقتراحات المتعلقة بالإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية والقضائية، وغربلة الإدارة، لتجنب العودة إلى القمع والاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان (الفصل 43).
من خلال ما سبق، نجد بأن كلاً من القانون اليمني والتونسي أخذ بالإصلاح الشامل للمؤسسات التي ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، من خلال مراجعة وإصلاح تشريعاتها وسياساتها، وإعادة تأهيل منتسبيها، بالإضافة إلى إزاحة العناصر التي ثبت ارتكابها أو مساهمتها في ارتكاب الانتهاكات، ولكن القانون التونسي كان أكثر حزماً في ذلك، حيث نص على الإعفاء أو الإقالة أو الإحالة على التقاعد الوجوبي في حق كل شخص ثبتت مسئوليته في الانتهاكات، في حين كان القانون اليمني أقل حزماً في ذلك، حيث قصر الفصل على من تم إحالتهم إلى القضاء، وأوضح مشروع القانون أن من يتم إحالتهم إلى القضاء، هم من استمروا في ارتكاب الانتهاكات بعد صدور القانون، أما ما دونهم فإنهم يظلوا على رأس أعمالهم.
- المصالحة الوطنية:
أكد مشروع القانون اليمني إلى أن الهدف النهائي من تحقيق العدالة الانتقالية هو إجراء مصالحة وطنية شاملة مبنية على أُسس من الاعتراف بالخطأ وارتكاب الانتهاكات، وطلب العفو والاعتذار والتسامح والتصالح لطي صفحة الماضي، والتطلع نحو المستقبل بعيداً عن روح الانتقام والثأر، وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم والتعايش الاجتماعي، وبناء دولة القانون، وإعادة الثقة للمواطن بمؤسسات الدولة والقانون، وتعزيز قيم الديمقراطية، والحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان (المادة 3).
وأكد القانون التونسي بدوره على أن المصالحة الوطنية تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعي، وبناء دولة القانون، وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، كما أكد بأن المصالحة لا تعني الإفلات من العقاب، وعدم محاسبة المسئولين عن الانتهاكات (الفصل 15).
من خلال ما سبق، نجد بأن كلاً من القانون اليمني والتونسي أكدا على أن المصالحة الوطنية هي عملية لاحقة للعدالة الانتقالية، بل هي المحصلة النهائية لمسار العدالة الانتقالية.
كما نص مشروع القانون اليمني على أن يتضمن التقرير النهائي الصادر عن هيئة العدالة الانتقالية الخطوات التي يمكن اتخاذها للتشجيع على المصالحة الوطنية، والتوصيات والمقترحات والإجراءات التي تدعم التحول الديمقراطي وتعززه، وتساهم في بناء دولة القانون (الفقرة 2 من المادة 14)، وهو ما أكده القانون التونسي (الفصل 67).
بالإضافة إلى ذلك، نص القانون التونسي على أن يتم إنشاء لجنة للتحكيم والمصالحة ضمن هيكل الهيئة، يُعهد إليها النظر والبت في مطالب الصلح بعد الحصول على موافقة الضحية. ونص على أن يتم تقديم طلب التحكيم والمصالحة إلى اللجنة، ويكون ذلك بطلب من المتهم بالانتهاك، ولكن بشرط موافقة الضحية. وفي هذه الحالة يعتبر إقرار طالب المصالحة بما اقترفه كتابياً، واعتذاره الصريح، شرطاً لقبول طلب التحكيم والمصالحة، كما يجب النص في الطلب على القبول بالقرار التحكيمي، واعتباره قراراً نهائياً غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة. ويعتبر القرار التحكيمي نافذاً بعد توقيعه من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس في أجل أقصاه ثلاثة أيام من تاريخ إيداعه لديه، ويعتبر القرار التحكيمي في هذه الحالة نهائياً، وغير قابل لأي وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة (الفصول 45، 46، 50).
من خلال ما سبق، نجد بأن مشروع القانون التونسي عمل على وضع آلية عملية لتحقيق المصالحة الوطنية، في حين اكتفى مشروع القانون اليمني بتقديم هيئة العدالة الانتقالية لتوصيات من أجل إرساء المصالحة الوطنية.
ثانياً: مسودة الدستور الجديد:
وضع فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار الوطني أسس ومبادئ الدستور الجديد، إلى جانب معايير تشكيل لجنة صياغة الدستور، وعدد أعضائها، وقد توافقت المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في الفريق على أن دور لجنة صياغة الدستور فني فقط، حيث تقوم بالصياغة الدستورية لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني([47]). وعليه، فمن الضروري أن تأتي نصوص مسودة الدستور منسجمة مع ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني.
وفيما يتعلق بموضوع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، فقد تضمنت مسودة الدستور ضمن أحكامها الانتقالية ثلاث مواد متعلقة بذلك، حيث نصت الأولى منهن على أن تلتزم الدولة وفق سياسة وطنية باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، على أن تتضمن:
- كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان في الفترة الماضية.
- عدم التنصل من المسئولية عن الانتهاكات، ووضع آلية للمساءلة ومحاسبة الأفراد والجماعات والمؤسسات المسئولة عن هذه الانتهاكات.
- رد الاعتبار وجبر الضرر والتعويض العادل للضحايا.
- إصلاح المؤسسات التي مارست الانتهاكات.
- ضمان عدم تكرار الانتهاكات (المادة 432)([48]).
ومن الملاحظ من خلال نص هذه المادة، بأنها تضمنت أربعة من المعايير الدولية للعدالة الانتقالية، ولم يتم التطرق إلى جهود تخليد الذكرى، ومن ناحية أخرى، تضمنت الفقرة الثانية كلمة “محاسبة”، وهو مخالف لما تم التوافق عليه في فريق العدالة الانتقالية، وما تضمنته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، حيث تم التوافق على إعمال مبدأ المسائلة، كونه لا غنى عنه من أجل معرفة وكشف الحقيقة، واستبعاد كل ما يتعلق بالمحاسبة والمحاكمة.
كما نصت مسودة الدستور على أن يصدر قانون للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وفقاً لوثيقة الحوار الوطني، كما نصت على إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية وفقاً لهذا القانون (المادتين 433، 434). وعلى الرغم من أن مسودة الدستور تم طرحها في كانون الثاني/ يناير 2015، أي بعد طرح مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بقرابة ثمانية أشهر، إلا أن مسودة الدستور تطرقت إلى القانون، وإلى هيئة العدالة الانتقالية، مما سيحصنهما من الدفع بعدم الدستورية مستقبلاً بعد إقرار الدستور، على الرغم من كون الهيئة مؤقتة ومحددة الاختصاص نوعياً وزمنياً.
وهو ما تم أيضاً في التجربة التونسية، إذ أن القانون صدر في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2013، وتمت المصادقة على الدستور من قِبل المجلس الوطني التأسيسي في 26 كانون الثاني/ يناير 2014، وقد تضمن الدستور التونسي ضمن أحكامه الانتقالية مادة وحيدة حول العدالة الانتقالية، والتي نصت على أن تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها، والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها، ولا يُقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين، أو بوجود عفو سابق، أو بحجية اتصال القضاء، أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن (الفقرة 9 من الفصل 148)([49]).
خاتمة:
من خلال ما جاء في محاور الورقة البحثية، نجد بأن العدالة الانتقالية كانت من الآليات الهامة في عملية الانتقال السياسي في الجمهورية اليمنية والتي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن عملية الانتقال السياسي توقفت في البلاد، بعد ثلاث سنوات من بدئها، ولم يكن قد تم الوصول إلى إقرار حتى قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، إذ كان يمثل موضوع العدالة الانتقالية محل خلاف بين الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فقد كان من الضروري عليها التوافق من أجل إقرار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ولكن من دون الإخلال بالتزاماتهما ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
فعلى الرغم من التوافق بين طرفي العملية السياسية على إصدار قانون يمنح الرئيس السابق وكل من عملوا معه خلال فترة حكمه حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، إلا أنهم لم يستطيعوا التوافق حول مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وذلك بسبب استمرار خلافهم في جانبين: الأول، الخلاف حول الفترة الزمنية التي يغطيها القانون، والثاني، الخلاف حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية والتي يتضمنها القانون.
فقد كانت مشاريع القانون قبل مؤتمر الحوار الوطني عبارة عن محاولات من أجل إنصاف الضحايا، ولو من الناحية النظرية فقط، من خلال احتوائها لآليات تحقيق العدالة الانتقالية، والتي حددها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، حيث تضمنت جميعها أربعة من آليات العدالة الانتقالية، والمتمثلة في: الكشف عن الحقيقة، والتعويض وجبر الضرر، وجهود تخليد الذكرى، وإصلاح المؤسسات، مع إسقاطها للدعاوى الجنائية والملاحقات القضائية، كون اليمن أخذت بالعدالة الانتقالية التصالحية، إلا أن مضامين تلك الآليات تم اختزالها، بما أفرغها من محتواها، والهدف المراد منها، سواءً من خلال تحديد فترة سريان مشروع القانون، أو من خلال آليات تحقيق العدالة الانتقالية، وخاصةً المتعلق بالكشف عن الحقيقة والإصلاح المؤسسي، بسبب غلبة الطابع السياسي على الهدف الأساسي المراد تحقيقه.
إلا أنه ومع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ودخول أطراف سياسية واجتماعية جديدة (كالحراك الجنوبي، والحوثيون، والشباب، والنساء، ومنظمات المجتمع المدني، وأحزاب سياسية أخرى) إلى جانب طرفي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، تم التوافق على تجاوز تلك الخلافات، بحيث تم توسيع الفترة الزمنية التي يغطيها القانون، ومعالجة الاختلالات في آليات تحقيق العدالة الانتقالية، ومن ثم صياغة مشروع قانون جديد وفقاً لمخرجات الحوار الوطني.
توصيات الدراسة:
نظراً لعدم إقرار مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والذي تم إعداده من وزارة الشئون القانونية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، فإن الباحث يوصي بما يلي:
- تعديل مشروع القانون بما يتلافى القصور الوارد في آليات تحقيق العدالة الانتقالية، وخاصةً فيما يتعلق بالكشف عن الحقيقة، والإصلاح المؤسسي.
- تعديل مشروع القانون بحيث يتم إفراد فصل كامل خاص بالمصالحة الوطنية باعتبارها المحصلة النهائية لتحقيق العدالة الانتقالية، بالاستفادة بما جاء في التجارب المختلفة، بما فيها التجربة التونسية والواردة في قانون إرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.
قائمة المراجع
أولاً: الوثائق:
- الدساتير:
- دستور الجمهورية التونسية، الرائد الرسمي، تونس، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، شباط/ فبراير 2014.
- القوانين:
- القانون رقم (1) لسنة 2012 بشأن منح حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، الجريدة الرسمية، صنعاء، وزارة الشؤون القانونية، كانون الثاني/ يناير 2012.
- القانون الأساسي عدد (53) لسنة 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، الرائد الرسمي، تونس، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، كانون الأول/ ديسمبر 2013.
- مشاريع القوانين:
- مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المقدم من وزارة الشئون القانونية.. شباط/ فبراير 2012، موقع الاشتراكي نت، 6/6/2012، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/3ohSu3f
- مشروع قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية المعدل من رئيس الجمهورية.. كانون الثاني/ يناير 2013، موقع مركز معلومات محافظة تعز، 11/1/2013، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/39tnzwq
- مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المقدم من وزارة الشئون القانونية.. أيار/ مايو 2014، موقع الاشتراكي نت، 8/5/2014، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/39wH1si
- وثائق أخرى:
- مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 21 أيار/ مايو 2011.
- الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.
- مسودة دستور اليمن الجديد، صنعاء، لجنة صياغة الدستور، كانون الثاني/ يناير 2015.
ثانياً: الكتب:
- بنيوب، أحمد شوقي. تقرير حول المسار المفضي إلى وضع مشروع قانون للعدالة الانتقالية في تونس، الجمهورية التونسية، وزارة حقوق الإنسان، تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
- غونزالس، إدواردو وهاورد فارني. البحث عن الحقيقة: عناصر إنشاء لجنة حقيقة فاعلة، نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، 2013.
- بلكوش، الحبيب. العدالة الانتقالية: المفاهيم والآليات، كتاب العدالة الانتقالية في السياقات العربية، كرم خميس (محرر)، القاهرة، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، 2014.
- عبدالإله، القباقبي. المسائلة الجنائية في العدالة الانتقالية، برلين، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2018.
- ماغاريل، ليزا. التعويض: نظرياً وعملياً، نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، 2007.
- المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ما هي العدالة الانتقالية، نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، [د.ت].
ثالثاً: الدوريات:
- محفوظ، إسعون. مفهوم العدالة الجنائية التصالحية في الجرائم الإرهابية، مجلة المفكر، الجزائر، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد (16)، كانون الأول/ ديسمبر 2017.
- بلكوش، الحبيب. العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في السياق العربي، مجلة سياسات عربية، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد (18)، كانون الثاني/ يناير 2016.
- توفيق، راوية. هل الدولة والمجتمع في مصر مستعدان للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: دروس من جنوب أفريقيا، مجلة سياسات عربية، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد (6)، كانون الثاني/ يناير 2014.
رابعاً: التقارير:
- تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع، نيويورك، منشورات الأمم المتحدة، وثيقة رقم 616/2004، 23 آب/ أغسطس 2004.
- التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2009، صنعاء، المرصد اليمني لحقوق الإنسان، حزيران/ يونيو 2010.
- تقرير فريق بناء الدولة، وثيقة الحوار الوطني، صنعاء، مؤتمر الحوار الوطني، كانون الثاني/ يناير 2014.
- تقرير فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وثيقة الحوار الوطني، صنعاء، مؤتمر الحوار الوطني، كانون الثاني/ يناير 2014.
خامساً: الأوراق المقدمة في المؤتمرات:
- اللهبي، حميد محمد. دور سلطات الدولة في تطبيق العدالة الانتقالية، ورقة مقدمة في ورشة العدالة الانتقالية، وزارة حقوق الإنسان، صنعاء، 8-9/12/2012.
سادساً: المصادر الإلكترونية:
|
([1]) أحمد شوقي بنيوب، تقرير حول المسار المفضي إلى وضع مشروع قانون للعدالة الانتقالية في تونس، (الجمهورية التونسية، وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، تشرين الأول/ أكتوبر 2013)، ص 4.
([2]) الحبيب بلكوش، العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في السياق العربي، مجلة سياسات عربية، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد (18)، كانون الثاني/ يناير 2016)، ص 77- 79.
([3]) تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع، (نيويورك، منشورات الأمم المتحدة، وثيقة رقم 616/2004، 23 آب/ أغسطس 2004)، ص 6.
([4]) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ما هي العدالة الانتقالية، (نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، [د. ت])، ص 1.
([5]) راوية توفيق، هل الدولة والمجتمع في مصر مستعدان للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: دروس من جنوب أفريقيا، مجلة سياسات عربية، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد (6)، كانون الثاني/ يناير 2014)، ص 96.
([7]) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مرجع سابق ذكره، ص 3.
([8]) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مرجع سابق ذكره، ص 1- 2.
([10]) ليزا ماغاريل، التعويض: نظرياً وعملياً، (نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، 2007)، ص 2.
([11]) إدواردو غونزالس وهاورد فارني، البحث عن الحقيقة: عناصر إنشاء لجنة حقيقة فاعلة، (نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، 2013)، ص 3- 4.
([12]) عبدالعزيز النويضي، إشكالية العدالة الانتقالية: تجربتي المغرب وجنوب أفريقيا، مركز الجزيرة للدراسات، 14/2/2013، شوهد في 12/12/2018، في: https://bit.ly/36poEUc
([13]) أحمد شوقي بنيوب، مرجع سابق ذكره، ص 5- 6.
([14]) إدواردو غونزالس وهاورد فارني، مرجع سابق ذكره، ص 11.
([15]) العدالة الجنائية، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، [د. ت]، شوهد في 12/12/2018، في: https://bit.ly/3obqNZD
([16]) القباقبي عبدالإله، المسائلة الجنائية في العدالة الانتقالية، (برلين، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2018)، ص 50.
([17]) الحبيب بلكوش، العدالة الانتقالية: المفاهيم والآليات، كتاب العدالة الانتقالية في السياقات العربية، كرم خميس (محرر)، (القاهرة، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، 2014)، ص 44.
([18]) ليزا ماغاريل، مرجع سابق ذكره، ص 2.
([19]) الحقيقة والذاكرة، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، [د. ت]، شوهد في 12/12/2018، في: https://bit.ly/3qietsA
([20]) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مرجع سابق ذكره، ص 1، 2.
([21]) ليزا ماغاريل، مرجع سابق ذكره، ص 3.
([22]) إصلاح المؤسسات، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، [د. ت]، شوهد في 12/12/2018، في: https://bit.ly/2JubU5G
([23]) يحيى محمد الماوري، مشروع قانون العدالة الانتقالية: أفكار للنقاش، صحيفة الجمهورية، 7/7/2012، شوهد في 18/12/2018، في: https://bit.ly/2VnhPMw
([25]) إسعون محفوظ، مفهوم العدالة الجنائية التصالحية في الجرائم الإرهابية، مجلة المفكر، (الجزائر، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد (16)، كانون الأول/ ديسمبر 2017)، ص 702.
([27]) مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 21 أيار/ مايو 2011.
([28]) الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.
([29]) حميد محمد اللهبي، دور سلطات الدولة في تطبيق العدالة الانتقالية، ورقة مقدمة في ورشة العدالة الانتقالية، وزارة حقوق الإنسان، صنعاء، 8-9/12/2012.
([30]) وزير الشئون القانونية يقدم إيضاحات حول مشروع قانون العدالة الانتقالية، مؤتمر الحوار الوطني الشامل، 14/5/2013، شوهد في 6/2/2019، في: https://bit.ly/36qOJ5g
([32]) القانون رقم (1) لسنة 2012 بشأن منح حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، الجريدة الرسمية، (صنعاء، وزارة الشؤون القانونية، كانون الثاني/ يناير 2012).
([33]) الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، مرجع سابق ذكره.
([34]) مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المقدم من وزارة الشئون القانونية.. شباط/ فبراير 2012، الاشتراكي نت، 6/6/2012، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/3ohSu3f
([35]) مشروع قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية المعدل من رئيس الجمهورية.. كانون الثاني/ يناير 2013، مركز معلومات محافظة تعز، 11/1/2013، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/39tnzwq
([36]) التقرير السنوي لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن 2009، (صنعاء، المرصد اليمني لحقوق الإنسان، حزيران/ يونيو 2010)، ص 149.
([37]) محمد المخلافي، هناك أطراف تسعى إلى تعطيل العدالة الانتقالية والعفو لا سند له في مشروع القانون، وزير الشئون القانونية، مقابلة أجراها أنور العامري، الاشتراكي نت، 8/11/2012، شوهد في 29/1/2019، في: https://bit.ly/2KWPuL9
([38]) علي ناجي الرعوي، العدالة الانتقالية.. ومستقبل اليمن، المؤتمر نت، 7/6/2012، شوهد في 12/12/2018، في: https://bit.ly/2VlGaT1
([39]) محمد المخلافي، العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هما منطلق نهضة اليمن، وزير الشئون القانونية، مقابلة أجراها منصور الغدرة، الاشتراكي نت، 26/6/2012، شوهد في 20/12/2018، في: https://bit.ly/3mr2bM8
([40]) علي ناجي الرعوي، مرجع سابق ذكره.
([41]) عقيل الحلالي، جدل واسع في اليمن بشأن قانون المصالحة الوطنية، صحيفة الاتحاد، 8/1/2013، شوهد في 3/2/2019، في: https://bit.ly/39tdSy3
([42]) تقرير فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وثيقة الحوار الوطني، (صنعاء، مؤتمر الحوار الوطني، كانون الثاني/ يناير 2014)، ص 58.
([44]) عبدالباري دغيش، هيئة العدالة الانتقالية ليست محكمة، رئيس فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بمؤتمر الحوار الوطني، مقابلة أجراها حسين اللسواس، المصدر أونلاين، 9/1/2014، شوهد في 6/2/2019، في: https://bit.ly/37lkNXu
([45]) مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المقدم من وزارة الشئون القانونية.. أيار/ مايو 2014، الاشتراكي نت، 8/5/2014، شوهد في: 20/12/2018، في: https://bit.ly/39wH1si
([46]) القانون الأساسي عدد (53) لسنة 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، الرائد الرسمي، (تونس، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، كانون الأول/ ديسمبر 2013).
([47]) تقرير فريق بناء الدولة، وثيقة الحوار الوطني، (صنعاء، مؤتمر الحوار الوطني، كانون الثاني/ يناير 2014)، ص 285.
([48]) مسودة دستور اليمن الجديد، (صنعاء، لجنة صياغة الدستور، كانون الثاني/ يناير 2015)، ص 91.
([49]) دستور الجمهورية التونسية، الرائد الرسمي، (تونس، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، شباط/ فبراير 2014).