منهج القضاء السوداني في تفسير وتطبيق قانون الإجرائية المدنية، في ضوء السلطة التقديرية للقاضي
The Approach of the Sudanese Judiciary in Interpreting the civil Procedural Law in the Light of judge’s discretion
د/ محمد المدني صالح الشريف؛ العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة وادي النيل بالسودان؛ رئيس قسم القانون الخاص بجامعة ظفار؛ سلطنة عمان
Muhammad al-Madani Saleh al-Sharif; Dhofar University; Sultanate of Oman
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 45 الصفحة 11.
Abstract
This research deals with the explanation and analysis for the study of some real cases facing the trial court when applying the civil procedure law of 1983 to the facts of conflict, especially the procedural articles related to closing the door of pleadings and determining the deadlines for appeals in order to determine the general understanding of the Sudanese judging to apply these articles , as to when to take up with them explicitly interpreting them , making the ruling of justice and fighting the exploitation of these procedures for procrastination as its links in determining its jurisprudential rulings. Therefore, the problem of the research is possible in determining the criteria that the judiciary adheres to in order to apply the provision of this law in fairness. A number of results have been obtained. Perhaps the most important of which is that Sudanese judiciary is working to interpret and apply this law in general and the aforementioned articles in particular with flexibility in line with the intention of the legitimacy, where it didn’t adhere to its formalities nor did it deviate from its apparent significance without a legal justification, but rather took a middle way that balances the meanings of the term law and its expressions between its aims and objectives. The study also concluded that the Sudanese legislator for the rules of this law made them designed in a way that the judiciary can interpret and apply in a way that achieves justice among litigants as well as granting it the discretionary power , necessary to achieve this goal, and that is why the Sudanese judiciary was able to rule on the appearance of these texts when the situation requires that, they can be applied on their face, and work to interpret them when it becomes clear, that it is applied in a professional manner that avoids the ruling of instalment and wastes in interests of the of the opponents
Procedures Rules: key words, Literal Interpretation of the text, Justice, Objective of Legislator
ملخص :
يتناول هذا البحث بالشرح والتحليل دراسة بعض الحالات الواقعية التي تواجه محكمة الموضوع عند تطبيقها لقانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م على وقائع النزاع وبخاصة المواد الإجرائية التي تتعلق بقفل باب المرافعات وبتحديد آجال الطعون والاستئنافات، للوقوف على الفهم العام للقضاء السوداني لتطبيق هذه المواد, ومتى يتمسك بظاهر ما تدل عليه من أحكام بحرفيه، ومتى يعمل على تأويلها جاعلاً من حكم العدل ومحاربة استغلال هذه الإجراءات للتسويف والمماطلة بوصلته في تقرير أَحكامه الاجتهادية، ولذلك تمكن مشكلة البحث في تحديد المعايير التي يلتزمها القضاء في سبيل تطبيق أحكام هذا القانون بعدالة وانصاف, وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج لعل أهمها أن القضاء السوداني يعمل على تفسير وتطبيق هذا القانون بصفة عامة والمواد المشار إليها آنفاً بصفة خاصة بمرونة متمشياً مع قصد المشرع من شرعتها فلم يتمسك بشكلياتها بإطلاق ولم يخرج على دلالتها الظاهرة دون مسوغ قانوني, بل اتخذ طريقاً وسطاً يوازن بين معاني الفاظ القانون وعباراته وبين مقاصده وغاياته, كما خلصت الدراسة إلى أنَّ المشرع السوداني قد صمم قواعد هذا القانون بما يمكن القضاء من تفسيره وتطبيقه بما يحقق العدل بين الخصوم, كما منحه السلطة التقديرية اللازمة لتحقيق هذا الهدف, ولهذا استطاع القضاء السوداني أن يحكم بظاهر هذه النصوص حينما يقتضي الحال أن تطبق على ظاهرها, وأن يعمل على تأويلها عندما يتضح له أن في تطبيقها بحرفية مجافاة لحكم القسط, وتضييع لمصالح الخصوم.
الكلمات المفتاحية: القواعد القانونية الإجرائية، التفسير الحرفي، العدالة، مقاصد التشريع.
مقدمة
العلم بالقواعد القانونية في عمومها وتجريدها لا يعدو أَن يكون بمثابة الخطوة الأُولى في طريق تقرير الأَحكام القانونية العادلة, تليها خطوات أُخرى تتمثل في تكييف الوقائع وتفسير النصوص القانونية لمعرفة مدى شمول حكمها للوقائع التي جرى تكييفها, وهو ما يعكس مدى أَهمية أَن يكون رجل القانون متمكناً من جميع العلوم المتعلقة بتفسير النص القانوني وتكييف الوقائع كعلم دلالات الألفاظ وعلم القياس, وعلم تحقيق مناط الأَحكام في صور الوقائع ولذلك من الأهمية بمكان أَن تحظى هذه العلوم بقدر من العناية والاهتمام يوازي كونها الوسيلة المؤدية لفهم قواعد القانون, وتطبيقها على مشخصاتها في الواقع العملي, وهي مهمة ليست بالأَمر السهل, لكون الموازنة بين المصالح المتعارضة, وجلب المصالح, ودرء المفاسد, واستيعاب مستجدات الواقع وتقلباته, بحاجة إلى الكثير من العلم والخبرة, لكون القواعد القانونية وإن كانت واضحه المعنى من الناحية النظرية إلا أنَّه قد تواجهها الكثير من الاشكاليات عند تطبيقها في الواقع, كمجافاتها لحكم العدل في بعض الحالات التي يؤخذ فيها بظاهر ما يدل عليه النص القانوني دون الالتفات إلى الحكمة من تشريعه, كمنع المدعي من ادخال شاهد في المراحل المتأخرة من نظر القضية, على الرغم من أنَّه قد يعين المحكمة بدرجة كبيرة على الفصل العادل في النزاع, أَو حرمان المحكوم عليه من استئناف الحكم لفوات المواعيد المحددة بموجب القانون على الرغم من وجود عذر مشروع حال بينه وبين الالتزام بمواعيد الاستئناف, وغير ذلك من الحالات التي يتعارض فيها إعمال ما يقتضيه ظاهر النص مع حكم العدل.
وبما أن جميع القوانين تتعرض لهذه الإشكاليات عند تطبيقها في الواقع العملي إلا أنَّ هذه الدراسة معنية بالمنهج المتبع من قبل القضاء السوداني في تفسير وتطبيق قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م مع التركيز على المادة (33) والمادة (303) لمعرفة متى تأخذ المحاكم بحرفية النص الإجرائي ومتى تأخذ بمعناه ومقصده, ولأَنَّ هذا المسلك يحتاج إلى تمتع القاضي بقدر من السلطة التقديرية لإجراء هذه الموازنة, لذلك تعرضت في المبحث الأَول للتعريف بهذه السلطة مبيناً مفهومها, وخصائصها, وأَهميتها في تطبيق القوانين بصورة عادلة, مع التعرض لمبدأ الاقتناع القضائي لارتباطه الوثيق بمفهومها, ثم خصصت المبحث الثاني للحديث عن منهج القضاء السوداني في تفسير وتطبيق قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م وخاصة المادة (303) وقد رأيت أنَّه منهجاً وسطاً يميل إلى الاعتدال في تفسير وتطبيق هذا القانون, دون أَن يغلِّب الشكليات على معاني العدل أو يجهض العدالة تمسكاً بالرسوم والشكليات, وتبين لي أَنَّ المشرع السوداني قد صمم هذا القانون لتحقيق هذا المنهج الوسط, وذلك من خلال النص على بعض المواد الاجرائية التي تخصص ما جاء عاماً وتقيد ما جاء مطلقاً في بعض المواد مما اتاح للقضاء أن يعمل على تخصيص أو تقييد بعض النصوص عند تطبيقها على بعض الحالات التي يقتضي حكم العدل تُأويلها, دون أن يكون في مسلكه هذا خروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات, أَو تجاوزاً لحدود وظيفته في تفسير وتطبيق القانون, وقد استشهدت بالعديد من السوابق القضائية التي تؤكد رسوخ هذا المنهج وتبين معالمه, وفي الختام خلصت إلى عدد من النتائج والتوصيات اشرت إليها في موضعها .
أولاً – أهمية موضوع البحث
يستمد هذا البحث أهميته مما يلي
1 – دراسته لقانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م دراسة تبين معالمه الرئيسية من حيث المقصد العام من شرعته، وبيان كيف عمل المشرع السوداني على وضع قواعده بما يتفق مع مقاصده ومع المبادئ العامة التي يرتكز عليها أي قانون والتي تهدف إلى إقامة العدل بين الناس ورعاية مصالحهم واحقاق الحقوق ورد المظالم إلى أهلها.
2 – استقراء تجربة القضاء السوداني التي تعكس فهمه وتفسيره لهذا القانون من خلال السوابق القضائية التي ارساها للوقوف على مدى التوافق بين الرؤية النظرية لهذا القانون والتطبيق العملي لقواعده في الواقع العملي.
لذلك يهدف هذا البحث لما يلي:
1 – التعرف على الاشكاليات المرتبطة بتفسير وتطبيق قانون الاجراءات المدنية السوداني لسنة 1983وبخاصة المادة (33) بفقرتيها (1) و (2) والمادة (303) وهي اشكاليات متوقعة بسبب ظهور أدلة جديدة بعد قفل باب المرافعات، أو فوات مواعيد الاستئناف على المحكوم ضده بسبب عذر مشروع، والوقوف على الكيفية التي عالج بها المشرع السوداني مثل هذه الإشكاليات عند سنه لقواعد هذا القانون.
2 – الوقوف على تجربة القضاء السوداني في تطبيقه لقانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م تطبيقاً يراعي في آن واحد حكم العدل، والالتزام بظاهر ما تقضي به النصوص، في اعتدال، دون افراط في التمسك بحرفية دلالات النصوص على ما تتضمنه من أحكام، أَو تفريط في مقاصدها والغاية منها.
3 – معرفة متى تستخدم المحكمة سلطتها التقديرية في تفسير قواعد قانون الاجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م وبيان مقتضيات الحال التي تحمل المحكمة على استخدامها لهذه السلطة والتوسع فيها لمحاربة حالات التسويف والتعطيل التي تتخذ من الإجراءات ذريعة لعرقلة العدالة، والحالات التي توظف فيها المحكمة سلطتها التقديرية لتحقيق العدالة.
ثانياً – مشكلة البحث
تطبيق النصوص القانونية – إجرائية كانت أم موضوعية – على واقعها عمل عقلي اجتهادي، عرضة للصواب والخطأ، نظراً لكون أغلب النصوص القانونية ظنية الدلالة على معناها، بالإضافة إلى متغيرات الواقع المحكوم بقواعد القانون التي تتصف بالثبات والعموم، فكان من الأهمية بمكان معرفة تلك الحالات التي يجب فيها على المحكمة أن تأخذ فيها بظاهر النص، وتلك الحالات التي يجب عليها أَن تعمل على تأويله، ومتى يقال إن المحكمة عملت على تطبيق القانون بصورة حرفية؟ ومتى يقال أنَّها راعت مقاصد التشريع ومعنى العدل؟ وماهي الضوابط التي تحكم ضروب الاجتهاد المقاصدي في تطبيق قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م من قبل القضاء السوداني؟
ثالثاً – حدود البحث
تنحصر حدود هذه الدراسة في قانون الاجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م، مع التركيز على المادة (33) بفقرتيها (1) و(2) والمادة (303) والمادة (69) من الجدول الثاني الملحق بهذا القانون، وبعض المواد الأٌخرى المرتبطة بهاتين المادتين كالمادة (70) والمادة (77) والمادة (85)، مع الاشارة إلى تطبيقات القضاء السوداني لقانون المرافعات المدنية لسنة 1972م وكذلك القواعد الأصولية في الفقه الإسلامي، لكون المشرع السوداني قد جعلها المرجع في تفسير النصوص القانونية بصفة عامة.
رابعاً – منهجية البحث
يتبع هذا البحث المنهج التحليلي والمنهج الاستقرائي بالإضافة إلى المنهج الاستنباطي، والمنهج المقارن.
خامساً – خطة البحث
يتكون هيكل البحث من مبحثين يتعلق المبحث الأَول بالتعريف بالسلطة التقديرية, وخصائصها ومدي أَهميتها بالنسبة للقاضي في تطبيقه للقانون بعدالة ونزاهة, والاتجاهات الفقهية في الأخذ بها وعلاقتها بمبدأ الاقتناع القضائي, وخصصت المبحث الثاني للحديث عن منهج القضاء السوداني في تفسير وتطبيق قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م تناولت فيه معالم المنهج الذي اختطه القضاء السوداني في تفسيره مختصراً حديثي على التخصيص والتأويل, ثم تناولت منهجه في تطبيق هذا القانون مبيناً أن القضاء السوداني يعتبر إقامة العدالة هي الغاية الأسمى كما أنه لا يتفادى الغلو في التمسك بالإجراءات الشكلية.
المبحث الأَول
التعريف بالسلطة التقديرية ومبدأ الاقتناع القضائي
لم يشأ المشرع السوداني أن يرسم طريقاً محدداً للقاضي يلزمه أن يسير عليه عند قيامه بعملية تفسير وتطبيق قواعد قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م حينما يواجه بمتغيرات الواقع التي قد تفرض عليه أن يفسر القانون انطلاقاً من حكم القانون وانطلاقاً من حكم الواقع في آن واحد, لذلك منحه سلطة تقديرية, وفق ضوابط محددة, قد تتسع وقد تضيق بحسب الحال ومقتضياته , ليصل القاضي من خلالها للموازنة بين الالتزام بحدود القانون, وبين تقرير الحكم العادل الذي يبث في قواعد القانون الفعالية اللازمة ويحقق مقاصدها, لذلك سوف أقسم هذا المبحث على ثلاثة مطالب، أخصص الاول منهما لبيان ماهية السلطة التقديرية مستعرضا تعريفها وخصائصها واهميتها ، واتناول في المطلب الثاني أهميتها والاتجاهات الفقهية المتعلقة بها, واتناول في المطلب الثالث مبدأ الاقناع القضائي واستعراض علاقته بمفهوم السلطة التقديرية, بإيجاز لا يخل بكونه مبحثاً تمهيدياً يشكل مدخلاً للدراسة.
المطلب الأول – ماهية السلطة التقديرية، وخصائصها
يتناول هذا المطلب التعريف بالسلطة التقديرية وأهم الخصائص التي تتميز بها، وذلك من خلال الفقرتين التاليين .
أَولاً – ماهية السلطة التقديرية
عرف فقهاء القانون السلطة التقديرية بأنَّها : نشاط ذهني يقوم به القاضي من خلال تقديره لوقائع النزاع للتمكن من إعطاء الوصف القانوني لمعطيات هذا الواقع أي فهم القانون وإعمال أثره ([1]) كما عرِّفت بأنَّها : نشاط ذهني وعقلي يقوم به القاضي بغرض فهم الواقع لاستنباط العناصر التي تدخل هذا الواقع في نطاق الحكم العام لقاعدة قانونية معينة بناءً على تقدير القاضي بأنَّها تحكم النزاع المطروح أمامه, أو هي مكنه وحرية لمواجهة ظروف تطبيق القانون ([2]), وفي مجال القانون الإداري يعرفها البعض بأنَّها : القسط من الحرية الذي تتمتع به الإدارة في تصرفاتها وهي تمارس مختلف اختصاصاتها ([3]) .
خلاصة ذلك أنَّ تعريف السلطة التقديرية يتضمن ثلاثة عناصر هي : العنصر الشخصي, وهو النشاط الذهني الذي يطلع به القاضي, وعنصر الواقع المتغير, وعنصر القانون الذي يتسم بالعموم والتجريد والثبات, وقد منحها المشرع للقضاء لكي يواجه بها الظروف الواقعية التي قد تجعل من تطبيق حكم القاعدة القانونية غير ملائم في بعض الحالات, أو قد تبين أَنَّ قواعد القانون لم تعط حلاً للنزاع المطروح ([4]) خاصة أن طبيعة التشريع لا تتسع للمسائل التفصيلية الدقيقة بحيث يستطيع القاضي أن يجد حلاً مباشراً في قواعد القانون لكل المسائل التفصيلية التي تحفل بها حركة الحياة, ولذلك لا مناص من منح القاضي سلطة التقدير والحكم في آن واحد, وهذا يؤكد أَنَّ الفصل بين السلطة التشريعية, والسلطة القضائية ليس فصلاً كاملاً ولا يجب أن يكون كذلك, فما لا يسعه القانون بقواعده قد يسعه بروحه, والقاضي هو الذي يبث في القانون الروح ويمنح قواعده الفعالية اللازمة لتجعل منه قانوناً عادلاً محققاً للغاية منه, وهذه العملية لا تتم إلا بمنح القاضي سلطة تقديرية في فهم وتطبيق القانون في الواقع الذي لا يستطيع أحد أن يدرك حقيقته غير القاضي الذي ينظر في النزاع .
ثانياً – خصائص السلطة التقديرية
بناءً على تعريف مضمون السلطة التقديرية يتبين أَنَّ لها عدداً من الخصائص يمكن الإشارة إليها فيما يلي ([5]) :
أولاً – السلطة التقديرية سلطة قانونية يمنحها المشرع للقاضي لمواجهة فرضيات لا يستطيع المشرع مواجهتا وتنظيمها بموجب أحكام القانون، وهذه الفروض تتمثل في متغيرات واقع الحياة التي تكون بحاجة إلى معالجة تتعدد وتختلف تبعاً لتعددها واختلافها، فعنصر القانون يمتاز بالثبات بينما عنصر الواقع يمتاز بالحركية والتجدد.
ثانياً – مضمون السلطة التقديرية واحد في جميع أفرع القانون العام والخاص، ولا تختلف إلا في مداها فقد تتسع في موطن وتضيق في موطن آخر وتنعدم في بعض الحالات حسب تقدير المشرع.
ثالثاً – بما أنَّ القوانين الموضوعية والقوانين الإجرائية يراد لها أن تنظم وتحكم وقائع الحياة، فلذلك نجد أنَّ السلطة التقديرية توجد في القوانين الموضوعية، والقوانين الإجرائية على حدٍ سواء
رابعاً – الجهة التي تمنح السلطة التقديرية هي المشرع، لذلك يجب على القاضي الالتزام بها واستخدامها لتحقيق الهدف الذي قصده المشرع من وراء سنها وتقريرها.
خامساً – تختلف طبيعة السلطة التقديرية عن طبيعة القاعدة القانونية لكون الأولى تعالج حالات استثنائية لمواجهة ظرف أو ظروف معينة، بخلاف الثانية فإنَّ حكمها عام في كل الأحوال.
المطلب الثاني – أَهمية السلطة التقديرية ورأي الفقه القانوني في الأخذ بها
يتناول هذا المطلب التعريف بأهمية السلطة التقديرية، والاتجاهات الفقهية في الأَخذ بها وذلك من خلال الفقرتين التاليتين
أَولاً – أَهمية السلطة التقديرية
تستمد السلطة التقديرية أهميتها من كونها تجعل من قواعد القانون أداة طيعة في يد القاضي يطور بها القانون ويواجه بها المتغيرات, ويستوعب بها مستجدات الحياة لتنتظم في سلك القانون, فهي كما رأينا من تعريفها مكنة تتعلق بمهارات القاضي وقدراته الذاتية المكتسبة من فقهه بالقانون واحاطته بمقاصده العامة والخاصة, وعلمه بفقه الواقع وما يجب فعله في هذا الواقع ودربته وما اكتسبه من خبرة, فهي تعد إحدى الوسائل الضرورية لتمكين القاضي من تكوين عقيدته نحو اتجاه معين يقرر حكمه في القضية بناءً عليه, وعن طريقها يتمكن القاضي من فهم النصوص القانونية وتفسيرها وتحليلها واستنباط الأحكام التي تدل عليها ومن البديهي أنَّ القاضي حينما يقوم بهذه العملية يجب ألا يخالف القانون في أحكامه الجزئية, أو في مبادئه العامة, بل يجب عليه أن يستند على أسباب سائغه ومعقوله يشير إليها في أسباب حكمه لتتمكن محكمة الاستئناف من الوقوف على سلامة ما توصل إليه من تفسيرات واستنباطات “[6]” فالخروج عن ضوابط الاجتهاد الفقهي السليم, يمكن أن يرقي إلى مخالفة القانون مما يبرر تدخل المحكمة الأعلى لكي تعيد النظر في سلامة ما توصل إليه القاضي من حكم بناءً على ما استنبطه من الأدلة الثابتة, تأسيساً على أّنَّ مجافاة المبادئ القانونية المستقرة في تحقيق العدالة كالخروج عن المبدأ القانوني أياً كان مصدره “[7]“, وتأكيداً على أَهمية السلطة التقديرية في تفسير وتطبيق قانون الاجراءات المدنية السوداني عمل المشرع على منح القاضي سلطة تقديرية واسعه لتمكينه من تفسير وتطبيق هذا القانون بما يحفظ حقوق المتقاضين وبما يتفق مع قصد المشرع من تشريع هذا القانون, وهو ما سوف نشير إليه لاحقاً عند الحديث عن منهج القضاء السوداني في تطبيق قانون الإجراءات المدنية في الواقع العملي .
ويقوم أَساس السلطة التقديرية بناءً على أنَّ تفسير القاضي لمدلول بعض المصطلحات, وتقدير ما يجب فعله في بعض الحالات عملية ذهنية تقوم على اعمال الفكر والعقل والمنطق, وهذا التدبير والتقدير ليس له وجود في القانون نفسه, وإنَّما يتعلق بمكنات ووسائل تطبيق القانون لمجابهة الظروف والمتغيرات التي تصاحب تطبيقه, فالسلطة التقديرية عبارة عن مِكنة منحها المشرع للقضاة لإعمال الفكر والمنطق لتوجيه النصوص القانونية صوب العدل كلما تطلب الأمر ذلك ولهذا يرتبط استعمالها بحالات الفراغ التشريعي وكذلك حالات غموض النص التشريعي أو قصوره وعدم استيعابه بالكامل للحالة موضع التدفيق والنظر من المحكمة المختصة لمجابهة الظروف والمتغيرات التي تصاحب تطبيق القانون ولا يجوز اللجوء إليها طالما أن القانون اعطى حلاً واضحاً للنزاع .
ثانياً – الاتجاهات الفقهية في الأَخذ بالسلطة التقديرية
تعددت الاتجاهات الفقهية بخصوص السلطة التقديرية للقاضي بين من لا يرى ضرورتها وبين من يرى أنَّ القاضي لابد له من مساحة في تقدير الأمور عند تطبيقه للقانون “[8]“, وقد أخذ المشرع السوداني كغيره من المشرعين بهذا الاتجاه الأخير حيث منح القاضي سلطة تقديرية عند تطبيقه للقانون, بما في ذلك قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م, وفق ضوابط محددة مثل مبدأ حياد القاضي, ومبدأ المواجهة, ومنع القاضي من الحكم استناداً على علمه الشخصي, واحترام حق الخصوم في تقديم دفوعهم, والعمل بمبدأ التقاضي على درجتين, وغيرها من القيود التي يضعها المشرع متلازمة مع تقرير هذه السلطة “[9]” بل ذهب المشرع السوداني إلى أَكثر من ذلك حيث منح القاضي سلطة معالجة نقص التشريع أو انعدامه “[10]” وبما أنَّ سلطة القاضي التقديرية تجد سندها في القانون, فيمكن القول إنَّ النصوص القانونية تتضمن نوعين من القواعد في هذا الخصوص, منها ما يلزم القاضي أو المحكمة باتخاذ إجراء معين دون سواه يتجلى ذلك في نوع الصياغة التي اختارها المشرع لمضمون القاعدة القانونية مثل يجب على القاضي, أو يجب على المحكمة, أو على القاضي, أو على المحكمة, وغير ذلك من الصيغ الدالة على الوجوب بحيث لا تترك مساحة للقاضي لكي يتدخل وفقاً لتقديراته أو تترك له خيارات محدودة لا يجوز له تعديها, ويطلق على هذا النوع من القواعد, مسمى القواعد الجامدة, ومن قواعد القانون ما يترك مساحة للقاضي لإعمال تقديراته تبعاً للظروف المحيطة بوقائع النزاع, مثل يجوز للقاضي أو للمحكمة أو بحسب الأحوال وغير ذلك من المصطلحات التي تشير إلى اقرار ووجود هذه السلطة وحينئذ يستطيع القاضي اعمال سلطته التقديرية للبحث عن الحلول الواجبة بالقدر اللازم من المرونة في تطبيق أحكام القانون, ويطلق علي هذا النوع من القواعد مسمى القواعد المرنة, ولذلك قسم فقهاء القانون القواعد القانونية من هذه الحيثية إلى قواعد جامدة, وقواعد مرنة ([11]) الأمر الذي يعني اعتراف المشرع بضرورة منح القاضي سلطة تقديرية في تطبيق القانون على الواقع العملي, وهو اتجاه يجد سنده في كون النصوص متناهية والوقائع غير متناهية ويستحيل أن يحيط ما هو متناهي بما هو غير متناهي كما قال بذلك علماء الأصول .
المطلب الثالث – السلطة التقديرية ومبدأ الاقتناع القضائي
بما أنَّ الهدف من عملية البحث والتمحيص والتحقيق وجميع النشاط العقلي والذهني الذي يقوم به القاضي في فهم القانون وفهم الوقائع هو الوصول إلى الحقيقة، فإنّ اطمئنان القاضي إلى ما توصل إليه من قناعة يسمى بالاقتناع القضائي، وسوف نتعرض في هذا المطلب لتعريف هذا المبدأ وبيان علاقته بالسلطة التقديرية للقاضي.
أولاً – تعريف الاقتناع القضائي
يمكن تعريفه الاقتناع القضائي بأنَّه : حالة ذهنية ذاتية تستنتج من الوقائع المعروضة, تؤدي لاقتناع القاضي بحقيقة ما بيقين تام أو بظن غالب ([12]) فهو عبارة عن مبدأ يحكم سلطة قاضي الموضوع في تقديره لوزن الأدلة أو الترجيح بينها أو قناعته في ما يستنتجه من الوقائع وما يحتف بها من ظروف وملابسات, فالعبرة في جميع الأَحكام القضائية أن يكون القاضي مقتنعاً بما يصدره من حكم في الوقائع المعروضة أمامه ومن ثم لا يجوز أن يفرض عليه أي أمر يتعارض مع قناعاته, وعند نظر القاضي في النزاع يقوم بعدد من العمليات بغرض الوصول إلى الحقيقة, حيث يقوم بتكييف الوقائع, ثم العمل على اختيار القاعدة القانونية التي تحكمها وفق ضوابط معينة مما يعني أَنَّ حرية القاضي في تكييف الوقائع وتفسير النصوص القانونية ليست مطلقة بل هي مقيدة بمبدأ الشرعية, وخاضعه لمبدأ سيادة القانون؛ وضوابط الاجتهاد القضائي لكون القاضي لا يستمد سلطته في التفسير وتكييف الوقائع من نفسه بل يستمدها من القانون, لذلك يجب أَن يمارسها في حدود ما خوله القانون ([13]) ومع أنَّ محكمة النقض لا تراقب القاضي في تكوينه لعقيدته وقناعاته التي توصل إليها إلا أنَّها بلا شك تعرض ما توصل إليه من نتيجة إلى قواعد المنطق واصول الاستدلال الفقهي السليم, الأمر الذي يعرِّض حكمه للنقض في حال مجافاته لذلك ([14]) ويُعد حكم المحكمة مشوباً بفساد الاستدلال إذا ما انطوى على عيب يمس سلامة الاستنباط, كأن تستند المحكمة على أدلة غير صالحة للاستدلال, أو أن تعمل على ترجيح الدلالة الضمنية على الدلالة الصريحة, أو تجتهد مع النص القطعي, أو النص المفسر, أو ترجح دلالة المفهوم على دلالة المنطوق, أو تعمل بدلالة الاشارة, مع وجود دلالة العبارة, وغير ذلك مما يعد خروجاً على قواعد الفهم والاستنباط المتعارف عليها.
وتأكيداً لأَهمية مبدأ الاقتناع القضائي دأبت الكثير من النظم القانونية على النص عليه في قوانينها من ذلك على سبيل المثال ما نص عليه المشرع الفرنسي في المادة (17) من القانون الجنائي لسنة 1971 بأنه: (على المحلفين أن يبنوا قناعاتهم بصورة خاصة على الأَدلة والمناقشات التي تطرح أَو تدور أَمامهم فمن خلال قناعاتهم الشخصية يطالبهم القانون والمجتمع بإصدار حكمهم…” كما نص المشرع المصري على هذا المبدأ بقوله: “يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته ([15]) وقد عبرت محكمة النقض المصرية عن ذلك بقولها : ” العبرة في المحاكمات .. هو باقتناع القاضي بناءً على الأَدلة المطروحة عليه فلا يصح مطالبة قاضي الموضوع بالأخذ بدليل معين فقد جعل له القانون سلطة أن يأخذ أي بينة أو قرينة يرتاح إليها كدليل لحكمه وله أن يطرح أي دليل لا يرتاح له [16] “
ثانياً – شروط الاقتناع القضائي
على الرغم من أنَّ القانون منح القاضي سلطة تقديرية لتطبيق القانون ومنحه حرية واسعة في تكوين عقيدته تجاه النزاع المطروح أَمامه, كما لم يلزمه بتعليل قناعاته بدليل معين دون سواه, لكن مع ذلك فإنَّ لمبدأ الاقتناع القضائي قيود تضبطه, لعل أهمها الضوابط التالية ([17]).
1 – أن يقتصر القاضي في بناء حكمه على الأدلة التي تقدم بها أطراف النزاع في مجلس القضاء, وتشمل كلمة دليل كل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم عملي على سبيل القطع أو الظن الغالب ([18]) وبذلك تشمل الأدلة القانونية قواعد القانون المكتوبة والعرفية, كما تشمل جميع الاستنباطات التي يتوصل إليها القاضي من روح القانون ومقاصده العامة والخاصة, بشرط ألا يخرج القاضي في حكمه عما أدلى به أطراف النزاع حتى لا يفقد حياده, كما يجب أن تكون العقيدة التي تكونت لدى القاضي مبنية على الأدلة القانونية التي توصله إلى قناعة بمستوى الظن الغالب في القضايا المدنية وفوق مستوى الشك المعقول في مسائل الجنايات وأن تكون مشروعة أيضاً ([19]) .
2 – أن يكون ما توصل إليه القاضي مسنوداً بالمنطق القانوني السليم أي أن تكون تفسيراته للقانون وفق طرق الفهم والاستنباط المتعارف عليها، كأن لا يحيد عن ظاهر اللفظ أو لا يحمله معنى لا يحتمله، وأن تكون استنتاجاته التي توصل إليها في حدود المعقول، أي في إطار العقل والمنطق كما يجب أن تكون مستمدة من وقائع النزاع المعروضة أمام المحكمة بعيده عن الظن والتخمين ([20]) بالإضافة إلى أهمية أن يكون تكييف القاضي للوقائع المتنازع عليها تكييفاً يتفق مع صحيح القانون لارتباطه بالقاعدة أو القواعد القانونية واجبة التطبيق على الوقائع المتنازع عليها إذ أن كل خطأ في التكييف يترتب عليه خطأ في اختيار الحكم القانوني الواجب التطبيق.
3 – أن يلتزم القاضي بتسبيب حكمه تسبيباً صحيحاً أي عليه بيان الأسانيد والأسس الواقعية والقانونية التي بنى عليها حكمه ([21]( فتسبيب الحكم القضائي من الأهمية بمكان، حيث يؤدي عدم التسبيب إلى وجوب نقض الحكم وبطلانه، لكونه يعد الوسيلة الوحيدة لتحقق الخصوم من عدالة الحكم وبعد ذلك يكون لهم الخيار في قبوله أو الطعن فيه أمام المحكمة الأعلى درجة, كما أنَّه يعد ضمانة لعدم القضاء بناءً على الهوى أو الميل الشخصي، مما يحمل القاضي على الحرص لإصدار حكمه بعدالة ويقظة وتبصر مما يكسب الأحكام القضائية القوة والرصانة, ولكي يكون التسبيب صحيحاً يجب عرض وتلخيص الوقائع المعروضة في الدعوى بإيجاز وشمول وبيانها بجلاء بالقدر اللازم للفصل في موضوعها وتحديد الوقائع المنتجة في الدعوى والمعلومات التعريفية بالمدعي والمدعى عليه، وسبب الدعوى وطلبات المدعي وتاريخ الإجراءات وما شابهه كما يجب تحديد المشاكل القانونية والموضوعات التي تتناولها القضية بوضوح وتركيز، مع عدم الخوض في الأمور البديهية حفاظاً للوقت والجهد. كما يجب ألا يكون التسبيب غامضاً أَو متناقضاً حتى تتمكن المحكمة الأعلى في مرحلة الاستئناف من التثبت من احاطة محكمة الموضوع بكل جوانب النزاع واطلاعها على جميع الأدلة والمستندات التي قدمها الأطراف في الدعوى، وأنها قامت بدراستها بالقدر الذي يمكنها من استخلاص البينة التي تعينها على تقرير حكم عادل ([22]) .
المبحث الثاني
منهج القضاء السوداني في تفسير وتطبيق قانون الإجراءات المدنية
يتناول هذا المبحث مطلبين خصصت المطلب الأول منهما للحديث عن منهج القضاء السوداني في تفسيره لقواعد قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983ه، كما خصصت المطلب الثاني للحديث عن منهج القضاء السوداني في تطبيقه لقواعد هذا القانون من خلال دراسة استقرائية للسوابق القضائية التي أرساها في مسيرته.
المطلب الأَول – منهج القضاء السوداني في تفسير قانون الإجراءات المدنية
سوف اتناول في هذا المطلب أهم طرق الاستنباط التي اعتمد عليها القضاء السوداني في تفسيره لقواعد قانون الإجراءات المدنية، أعني بذلك التخصيص، والتأويل، لذلك سيأتي هذا المطلب متناولاً تعريف التخصيص، وأنواعه، وكذلك تعريف التأويل وأسبابه ودواعيه، بإيجاز، وذلك على النحو التالي:
أَولاً – التأويل
وردت كلمة تأويل في القرآن الكريم في عدد من المواضع منها قول الله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ[23]) وقوله تعالى : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ[24]) ولمعنى هذه الكلمة اصطلاحات متعددة عند العلماء, وذلك بحسب اختلاف مدارسهم العلمية, ولكن ما يعنينا هنا, ذلك المعنى الذي يسود فهمه في مجال القضاء, وعند علماء الأصول, وقد عرَّف هؤلاء التأويل بعدة تعاريف متقاربة الألفاظ متحدة المعنى منها قول إمام الحرمين الجويني أنَّ التأويل هو : ( رد الظاهر إلى ما إليه مآله في دعوى المؤول[25]) كما نقل أبو الحسن الآمدي في كتابه الإحكام في أُصول الأحكام أنَّ الأمام الغزالي عرَّف التأويل بأنَّه : ( عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر[26] ) وبأوضح من ذلك عرَّفه أبي الفرج ابن الجوزي بأنَّه : (صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لاعتضاده بدليل يدل على أنَّ مراد المتكلم بكلامه ذلك الاحتمال المرجوح[27]) .
خلاصة هذه التعاريف أنَّ التأويل يعني صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه بمنطوقه اللغوي إلى معنى آخر مرجوح استناداً إلى دليل آخر يدل على أنَّ مراد المتكلم بخطابه ليس المعنى الظاهر المتبادر، وهي عملية تهدف إلى تغليب مقاصد المتكلم على مقاصد الخطاب اللغوي. وللعمل بالتأويل عند علماء الأصول, وعند فقهاء القانون والقضاة أيضاَ مجال واحد, وهو النصوص الظنية في دلالتها على معناها, إذ لا يجوز عند جميع هؤلاء الاجتهاد في مورد النص, وهذا ما أكده المشرع السوداني في المادة الثانية من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م كما سيأتي بيانه لاحقاً, وعليه فأنَّ النصوص القطعية, والنصوص المفسرة ليست مجالاً للتأويل, ونظراً إلى كون التأويل عمل اجتهادي في نصوص ظنية في دلالتها على أحكامها, فمن الطبيعي أَن يكون منه ما هو صحيح, ومنه ما هو فاسد, فإذا حمل المفسر النص على غير ظاهره لما يظن أنَّه دليل وليس هو بدليل فتأويله فاسد ([28]) أما إن كان حمل النص على غير ظاهره يستند إلى دليل استدعى ذلك, وهو القرينة المرجحة كان التأويل صحيحاً, بل قد يكون ضرورياً لا مناص منه في بعض الأحيان التي يؤدي فيها تطبيق النص بحسب ظاهره إلى تحيق مفسدة ومجافاة لحكم العدل, أو تضيع مصلحة معتبرة, على أنَّه لا يجب الحيدة عن الأخذ بظاهر النص و اللجوء إلى تأويل حكمه إلاَّ عندما يتوفر دليل قوي يحمل القاضي, أو المفتي على ذلك ([29]) ولهذا اشترط العلماء شروطاً للأخذ بالتأويل, منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه, وهي : أن يكون كلا الدليلين صحيحاً, وألا يؤدي التأويل إلى بطلان النص أو جزء منه, وأن يكون النص المراد تأويله قابلاً للتأويل بأن يكون محتملاً لذلك بوضعه اللغوي ولو كان احتمالاً بعيداً ([30]) وأن يحتمل اللفظ المعنى الذي أوَّل إليه, وأن يستند التأويل إلى دليل صحيح يصرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى غيره وإلا فإنَّ الأصل الأخذ بظاهر اللفظ, وأن يكون الناظر في الأدلة بغرض التأويل أهلاً لذلك أي أن يكون لديه ملكة فقهيه تؤهله للنظر والاستدلال ([31]) وأخيراً عدم معارضة التأَويل لنص قطعي في دلالته ([32]).
ويؤكد أخذ العلماء بالتأويل كطريق من طرق استنباط الأحكام من النصوص على حقيقة مؤداها إنَّ الفهم السليم للنصوص بصفة عامة, شرعية أم قانونية ينبغي ألا يرتكز على ظاهر دلالتها اللغوية وما يفيده منطوقها اللغوي البحت, دون الالتفات إلى المصلحة المستجلبة, أو المفسدة المدرءة بحكم النص, وإلا أُفرغت من روحها وأصبحت مجرد رسوم وشكليات لا معنى لها وضاعت بذلك الكثير من المصالح والحقوق, وانتشرت المظالم بين الناس, وفي هذا قال ابن القيم ( فالذي يقف عند ظواهر الألفاظ دون الالتفات إلى المعاني مثله مثل الرجل الذي قيل له أذهب فأملاء هذا الإناء فذهب فملاءه, ولكن تركه في مكانه, وكمن وكل في بيع شيء تساوي قيمته مائة دينار فباعه بدرهم, أو دينار واحد, فهذا جاء بمطلق البيع, وعند من يقف مع الظواهر يلزمه أن يقول بصحة هذا البيع..[33]) .
وتأكيداً على أهمية استصحاب المعاني عند فهم الخطاب, قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات أنَّه يجب : ( أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأَعظم بناءً على أنَّ العرب إنَّما كانت عنايتها بالمعاني, وإنَّما أَصلحت الألفاظ من أَجلها وهذا الأَصل معلوم عند أَهل العربية, فاللفظ إنَّما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد والمعنى هو المقصود [34] ) وقال أيضاً : ( أنَّ معهود العرب إلا ترى الألفاظ تعبُداً عند محافظتها على المعاني, وإن كانت تراعيها أَيضاً, فليس أحد الأمرين عندها بملتزم, بل قد تبني على أحدهما مرة وعلى الآخر مرة أُخرى, ولا يكون ذلك قادحاً في صحة كلامها وسلامته [35]) ولذلك كان لا بد من الموازنة في الفهم بين ما تفيده النصوص بظاهرها وبين غاياتها ومقاصها باعتباره المنهج الوسطي المعتدل في فهم الخطاب شرعياً أكان أم قانونياً, ولكي يسلك القاضي هذا المسلك يجب عليه ألا يكون خاضعاً خضوعاً تاماً للكلمات الواردة في القانون, أي يجب عليه ألا يكون مجرد أداة في مركز القوى المحركة لعلم دلالات الألفاظ بل عليه أن يكون المشرف على ادارة دفة الكلمات ليوجهها نحو الحق والعدل, فمن يصوغ التشريعات لا يمكن له أن يتمثل جميع ما يمكن أن يحدث في المستقبل, لذلك على القاضي أن يدرك أَنَّ الكلمات هي أكثر الأدوات نقصاً في التعبير عن الإرادة, ولا مناص حينئذٍ من أَن يكون هو سيد الموقف فيعمل على تطويع الكلمات بالطرق الملائمة لذلك وبما يمكن أَن يطلق عليه الميل صوب العدل ([36]) كأن يلجأ القاضي مثلاً إلى تأويل النص القانوني الذي يرى أَنَّ في تطبيقه على الوقائع محل النزاع بحسب معناه الظاهر المتبادر يتجافى مع حكم العدل أَو يتعارض مع المصلحة.
ومن النصوص القانونية التي عمل القضاء السوداني على تأويلها خلال التطبيق العملي لقواعد القانون ما ورد بالفقرة (2) من المادة (33) من قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983والتي تنص على أنَّه لا يسمح بتقديم أي مستندات أو سماع أي شهود لا يقدم بهم كشف وفق حكم البند (1) حيث ذهب هذا القضاء إلى أنَّ حكم الفقرة (2) من المادة (33) ليس مراد به العموم المطلق, ذلك أَنَّ المشرع حينما نص في الفقرة (1) من المادة نفسها أي المادة (33) على ضرورة ارفاق المستندات وكشف يتضمن أَسماء الشهود مع مذكرة الدفاع, ثم أعقب ذلك بحكم المنع في الفقرة (2) الذي يقضي بعدم السماح بتقديم أَي شهود, أَو مستندات لا يقدم بهم كشف وفق الفقرة (1) كان غرضه من ذلك تنظيم اجراءات التقاضي وتفادي الكثير من المعوقات, مثل المفاجأة التي قد تحدث أثناء سير الدعوى بإبراز مستندات جديدة, , أو استدعاء شهود قد يكونون محل اعتراض من الخصم الآخر, أو سبباً لطلب تأجيل النظر في القضية, بالإضافة إلى تحديد عدد الشهود منذ الوهلة الأولى وعدم تركه لمزاج الخصوم لكونه يؤدي إلى عرقلة سير الدعوى بتأجيلها كلما تم تطلب الأمر استدعاء شاهد جديد, وغير ذلك من المعوقات, يدل على ذلك أنَّ المادة (69) من الجدول الثاني الملحق بقانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م تجيز للمحكمة قبول شهود جدد لم يكن قد ورد ذكرهم في قائمة الشهود الذين تضمنتهم عريضة الدعوى إذا قدم الخصم عذراً مقبولاً يبرر عدم ذكرهم أول مرة, وفي هذا تخصيص لحكم الفقرة (2) من المادة (33) وأَنَّ الجزاء الصارم الذي تتضمنه هذه المادة كان المقصود منه محاربة الحالات التي تستغل إجراءات التقاضي للمماطلة والتسويف وتعويق سير العدالة.
غير أَنَّ تفسير النصوص القانونية عن طريق تأويلها بصرفها عن ظاهرها الراجح إلى معنى آخر مرجوح, لا يكون عادة إلاَّ في النصوص التي بحاجة إلى تفسير, أي النصوص ظنية الدلالة, أما إذا كان النص واضحاً وقطعياً في دلالته على معناه, أَو كان مفسراً فلا يسع المحكمة حينئذٍ غير تطبيقه على الوقائع, وقد قررت المحكمة العليا السودانية عند نظرها لإحدى القضايا ([37]) بأنَّه : ( إذا كان نص المادة 20/2/ب) من اللائحة واضحاً بحيث قصر مسؤولية المطعون ضدها عن التعويض في حدود مبلغ معين يصبح لا مجال للمحكمة للاجتهاد بهدف الوصول إلى تفسير مغاير مهما كانت الاعتبارات, أَو المبررات إذ ينطوي ذلك على تجاوز لحكمة المشرع وإهدار لنص تشريعي صريح ), وبهذا يتبين أَنَّ المشرع السوداني قد أَباح للقضاة الاجتهاد في تفسير النصوص القانونية إلا في حالتين : الحالة الأولى : أن يكون النص القانوني مفسراً, والحالة الثانية : أَن يكون النص القانوني قطعي في الدلالة على معناه ([38]) ومن خلال استقراء السوابق القضائية التي أرساها القضاء السوداني في مسيرته الطويلة, يتبين أنَّ المحكمة لا تلجأ إلى تأويل النص القانوني إلا حينما يتضح لها أنَّ تطبيق حكمه العام على وقائع النزاع بحسب ما يفيده ظاهره يتجافى مع العدل, وحينئذ تعمل على تطويعه عن طريق تأويله بصرفه عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح استناداً إلى دليل آخر متقيدة في ذلك بضوابط الاجتهاد الفقهي السليم .
ثانياً – التخصيص
يعد التخصيص أحد أهم طرق استنباط الأحكام من النصوص بصفة عامة, شرعية أكانت أم قانونية, وقد عرَّف علماء الأُصول التخصيص بأنَّه : قصر العام على بعض أَفراده بإخراج بعض ما تناوله بدليل متصل بالنص أو مستقل عنه ([39]) وبأوضح من ذلك عرفه الدكتور مصطفى الزلمي بأَنَّه : بيان عدم شمولية حكم النص العام لبعض أَفراده بدليل متصل أو منفصل ([40]), وقد استخدم علماء الشريعة الاسلامية التخصيص كطريق لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة منها قوله تعالى : (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصي بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ[41]) فلفظ رجل وكذلك لفظ امرأة الواردين في الآية الكريمة نكرة في سياق النفي موصوفة بجملة (يورث كلالة) والنكرة في سياق النفي تفيد العموم إلا أنَّ العموم هنا ليس مراد وإنَّما المراد الأَخ من الأم والأخت من الأم لوجود آيات أُخرى بينت ميراث الإخوة والأخوات من الأبوين فكان عموم الآية مخصصاً, بالصفة, أي قوله (يورث كلالة) كما قد يُخصص عموم السنة بالسنة, من ذلك على سبيل المثال قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( فيما سقت السماء والعيون, أَو كان عثرياً, العشر وفيما سُقى بالنضح نصف العشر[42]) فكلمة (ما) تشمل القليل والكثير مما تجب فيه الزكاة من المحصولات الزراعية, وهذا المعنى غير مراد, ولهذا خصص الرسول عليه الصلاة والسلام هذا العموم وبين الحد الأَدنى في نصاب زكاة المحصولات الزراعية, بقوله : ( ليس فيما دون خمسة أَوسق من الثمر صدقة[43]) وهذا من باب تخصيص النص العام بدليل منفصل عنه ([44]).
وقد عد المشرع السوداني التخصيص طريقاً من طرق استنباط الأحكام من النصوص القانونية حيث نجد قانون تفسير القوانين والنصوص العامة السوداني لسنة 1974م نص في المادة (6) الفقرة (4) على أن : (يعتبر أي قانون خاص أو أي حكم خاص بأي مسألة في أي قانون استثناء من أي قانون عام أو نصوص عامة في أي قانون يحكم تلك المسألة( ومن الأمثلة على تخصيص النص العام في القانون ما نصت عليه المادة (77) من قانون الاجراءات المدنية لسنة السوداني 1983م بأنَّه : ( لا يجوز للمحكمة أن تسمح لأي طرف من الأطراف بتعديل مذكراته بعد اكتمال المذكرات إلا في حالتين هما : إذا تبين للمحكمة أنَّ الفصل العادل في الدعوى يقتضي التعديل بالضرورة, وإذا تبين للمحكمة أن حقاً واضحاً سيضيع إذا لم تعدل المذكرات ) وهو من قبيل تخصيص النص العام بالاستثناء ([45]) ولكي يكون العمل بالتخصيص صحيحاً لا بد أن تتوفر فيه عدد من العناصر, تتمثل في وجود نص عام يدل ظاهره على أَنَّ جميع أفراده ينطبق عليها الحكم الوارد بالنص, وأن يكون الحكم قابلاً للتخصيص ببعض أَفراده دون البعض الآخر, وأن يكون عموم النص غير مراد في الأَصل, وأن يكون هنالك تعارض ظاهري بين النص العام وبين الدليل المخصص, وأن يكون الدليل المخصص معترفاً به كطريق للتخصيص أي غير متعارض مع ضوابط الاجتهاد الفقهي السليم ([46]) .
وبصفة عامة فإنَّ تخصيص النص العام, إمَّا أن يتم استناداً على نص آخر, وهو ما يسمى بالتخصيص المتصل, أو استناداً على أي عامل من العوامل الأُخرى المخصصة للنص العام كالعقل والقياس والمصلحة والعرف ([47]) وهو ما يسمى بالتخصيص المنفصل, وعند تخصيص النص العام فلن يكون حينئذٍ شاملاً لكل ما يظهر أنَّه داخلاً تحت حكمه العام, وقد اتخذ القضاء السوداني من تخصيص النصوص الإجرائية العامة طريقاً لاستنباط الأحكام القانونية من أدلتها, خاصة وأنَّ قانون أُصول الأَحكام القضائية السوداني لسنة 1983م قد أحال القضاة إلى القواعد الأُصولية في الفقه الاسلامي لتكون الأداة في تفسيرهم لجميع القوانين – إجرائية أم موضوعية – عند تطبيقها على الواقع العملي, حيث جاء في الفقرة (ج) من المادة (2) من هذا القانون : ( يفسر القاضي المصطلحات والألفاظ الفقهية على ضوء القواعد الأُصولية واللغوية في الفقه الإسلامي ) وباستقراء تطبيقات المحاكم العملية لقواعد قانون الإجراءات المدنية, نجد الكثير من تلك الحالات التي عملت فيها المحكمة على تخصيص النصوص القانونية العامة, أعني النصوص التي تحتمل الاجتهاد البياني, أي النصوص الظنية في دلالتها لكون النصوص التشريعية قطعية الدلالة, والنصوص التشريعية المفسرة من قبل المشرع, لا تقبل الاجتهاد ومن ثم لا تقبل التخصيص أو التأويل حيث يجب على القاضي التقييد بحكمها الواضح البين .
وحينما يعمل القضاء السوداني على تخصيص أو تأويل النصوص القانونية عندما يستدعي ذلك حكم العدل, أَو المصلحة, إنَّما يقوم بذلك استناداً على سلطته التقديرية في تفسير وتطبيق قواعد القانون, الممنوحة له بموجب قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م وهي سلطة واسعة تتجلى في الكثير من الحالات, ومن القواعد القانونية التي تدل على ذلك, سلطة القاضي في قبول أو عدم قبول الشهود الذين لم ترد اسماؤهم في عريضة الدعوى “[48]” وسلطته في اللجوء إلى الإعلان البديل استناداً على أسباب كافية يتم تدوينها في المحضر الخاص بالدعوى”[49]“, وسلطته في تأجيل الدعوى أو مد الميعاد عند الضرورة “[50]“, وسلطته في اصدار الأَمر الذي يراه مناسباً عند غياب المدعى, أو المدعى عليه عن احدى جلسات المحاكمة ([51]) وسلطته في العمل على أن تكون جلسة المحاكمة سرية عندما يقتضى ذلك النظام العام, أو المحافظة على الأَدلة ([52]) وسلطته في تعديل المذكرات إذا اقتضى ذلك الفصل العادل في الدعوى, أَو ترتب عليه ضياع حقوق أحد المتقاضيين, ([53]) وسلطته في رفض عدم الضم – أي ضم أحد الأطراف للدعوى – إذا لم يتوفر شرط المصلحة الجدية, وكان القصد من تقديم الطلب تأخير الفصل في الدعوى وعرقلة سير إجراءات المحاكمة ([54]) وسلطته في الادخال إذا تبين أَنَّ هذا الإدخال ضرورياً ومعيناً للمحكمة على الفصل في الدعوى فصلاً عادلاً, أَو منهياً للخصومة ([55]) وأخيراً وليس آخراً سلطة القاضي في تأخير أو تأجيل النطق بالحكم, عند توفر أسباب كافية ومقنعه ([56]) كما تنص المادة (85) من ذات القانون على أنَّه : ( يجوز للمحكمة كلما كان ذلك ضرورياً في أَي وقت سواء من تلقاء نفسها, أَو بناءً على طلب الخصوم أَن تكلف بالحضور أَي شخص لأداء الشهادة, أَو لتقديم مستند, أَو أَي شيء آخر من الأشياء التي يمكن تقديمها كدليل, وأَن تأمر أَي شخص يكون حاضراً بأن يؤدي الشهادة, أَو يقدم أَي مستند, أَو أَي شيء آخر يكون في حيازته, أَو تحت تصرفه ) وغير ذلك من المواطن التي تكون بحاجة إلى معالجة لم ينص عليها القانون صراحة ولم يضع لها حلاً, لكونها من الامور العملية التي يفرزها الواقع ولا يمكن للمشرع أن يضع لها حلاً في صلب القانون ([57])
واستناداً إلى ما نص عليه القانون فقد استعمل القضاء السوداني هذه السلطة التقديرية في الكثير من الحالات التي تستدعيها, منها ما جاء في احدى القضايا التي نظرتها محكمة استئناف الخرطوم ([58]) أنَّه : ( يحق للمحكمة أن تتدخل لوقف التنفيذ قبل اتمامه بموجب المادة (180) أو أن تتدخل فيه بعد اتمامه بموجب المادة (303/2) من قانون الإجراءات المدنية التي تطلق يد المحكمة في إصدار ما تراه ضرورياً لتحقيق العدالة ومنع سوء استغلال الإجراءات) كما قضت ذات المحكمة في قضية أخرى بأنَّ : ( صلاحية محكمة التنفيذ في الأَمر بإعادة الحال لما كان عليه بعد أن تصدر أمراً بوقف التنفيذ ريثما يستصدر المحكوم عليه أمراً بإيقاف التنفيذ من المحكمة المرفوع إليها الطعن, ويكون التنفيذ قد تم قبل صدور الأَمر, أو تنفيذ الأمر بإيقافه, هذه الصلاحية مستمدة من سلطات المحكمة الطبيعية بموجب المادة 303/2) ([59]) وفي سابقة أخرى قضت محكمة الاستئناف بأنَّه : ( رغم أنَّ القانون لم ينص على دخول الدائن في مزايدة في حالة العقار إلا أنَّه لم ينص على المنع أيضاً وبما أنَّ الإجراءات ليست هدفاً في حد ذاتها وإنَّما هي وسيلة لتحقيق غايات هي العدالة وعدم الإضرار بالمدين فإنَّ قرار المحكمة بدخول الدائن للمزايدة لا يكون معيباً طالما يحقق العدالة بدرجة أكبر كما أنَّ المادة 303 من قانون الإجراءات المدنية تكفل للمحكمة اتخاذ ما تراه ضرورياً لتحقيق العدالة [60]) .
المطلب الثاني – منهج القضاء السوداني في تطبيق قانون الإجراءات المدنية
يهدف هذا المطلب إلى بيان أهمَّ المعالم التي تكشف عن منهج القضاء السوداني في تطبيقه لقانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م ومن خلال استقراء وتتبع السوابق القضائية التي ارساها هذا القضاء عند تطبيقه لهذا القانون وكذلك قانون المرافعات المدنية السوداني لسنة 1972م ([61]) يتبين للباحث أَنَّ هذا القضاء يولي العدل أَهمية ترفع من شأنه فوق الإجراءات والشكليات التي يفرضها القانون, كما أنَّه يبتعد في أحكامه عن الغلو في التمسك بالإجراءات الشكلية, وسوف أبسط القول عن هذين المعلمين من خلال الفقرتين التاليتين :-
أولاً – اعتبار اقامة العدالة هي الغاية الأسمى
إقامة العدال واحقاق الحقوق ورد المظالم إلى أهلها هي الغاية الاسمى للقانون, وبالنظر إلى أَنَّ حكم القواعد القانونية بصفة عامة يتسم بالثبات والعموم والتجريد, وأن وقائع الحياة الذي من المفترض أن تنظمه هذه القواعد متغير ومتجدد وغير ثابت, فإنَّه من العسير تحقيق العدالة في الأحكام القضائية دون أن يكون للقاضي سلطة تقديرية واسعة تمكنه من العمل على تفسير النصوص القانونية بغرض تطبيقها على واقعها تفسيراً موسعاً يراعي فيه اقامة العدل بين الناس ملتزماً بالضوابط اللازمة لاجتهاده, دون أن يخرج عن حدود وظيفته بحسب ما يقضي به مبدأ الفصل بين السلطات, ولعل هذا هو المنهج الذي سلكه القضاء السوداني حيث عمل على تفسير نصوص قانون الإجراءات المدنية تفسيراً موسعاً راعي فيه المقاصد والغايات ومالات الأحكام وأعلى من شأن حكم العدل فوق كل الاعتبارات, مستهدى في ذلك بالعديد من المبادئ القانونية العامة ويأتي على رأس هذه المبادئ ما نص عليه المشرع السوداني في الفقرة (أ) من المادة (2) من قانون أُصول الأَحكام القضائية لسنة 1983م بقوله : ( يستصحب القاضي أَنَّ المشرع لا يقصد مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية تعطيلاً لواجب قطعي, أَو إباحة لمحرّم بين, وأَنَّه يُراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة ), ومن نافلة القول أن العدل من أهم مقاصد أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها العامة, ولذلك تعكس السوابق القضائية التي ارساها القضاء السوداني منذ نيل السودان استقلاله تمتع القضاة بسلطة تقديرية واسعة كان لها الأثر البالغ في مساعدتهم على تطبيق القانون بنزاهة وعدالة, دون تمسك بالإجراءات التي تفرضها القوانين من غير تبصر في نتيجتها أو في ما يؤول إليه تطبيقها في الواقع .
ومن المظاهر التي تعكس اهتمام القضاء السوداني بإعلاء قيمة العدل واعلاء شأنه فوق كل الاعتبارات ما أمكن ذلك, أنَّ المحكمة قد تعمل على مد ميعاد الطعن زيادة عن المدة المحددة في القانون استناداً على سلطاتها الطبيعية عندما ترى أنَّ ذلك معيناً لها للفصل العادل في القضية, جاء في سابقة وديع الجاك النصري ( ضد) عبد القادر محمد الأَمين, قول محكمة الاستئناف : ( لقد أَصبح راسخاً إلا في حالات محددة ألا مانع من استخدام المحكمة لسلطاتها الطبيعية في مد الميعاد – أي ميعاد الطعن في الحكم – وفقاً للمادة (70) من قانون الاجراءات المدنية, متى ثبت أنَّ التأخير في تقديم الاستئناف لم يكن يعزى لإهمال المستأنف ؛لأَنَّ المستأنف أَثبت جديته في تقديم الاستئناف[62]) كما قد تقبل المحكمة طلب أحد الأطراف بمراجعة الحكم القضائي عندما يتحصل على بينات جديدة تؤثر فيه ([63]) .
على أنَّه من الضروري الإشارة إلى أنَّ استعمال المحكمة لسلطاتها الطبيعية محكوم بضوابط قانونية يجب الالتزام بها, ولذلك قررت المحكمة العليا السودانية بمناسبة نظرها لإحدى القضايا بأَنَّه : ( متى ما حدد المشرع بوضوح طرق الطعن في الأحكام لا يحق لأي محكمة اعمالاً لسلطاتها الطبيعية بموجب المادة) 302/ (2من قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م أَن تلغي من تلك الطرق, أو أن تفتح أَي طريق لم ينشئه المشرع, لأنَّ ذلك يكون خارج نطاق تلك السلطة ومخالف لما هو مقصود بها[64]) وفي سابقة مشابهة قضت المحكمة العليا بأَنَّه : ([65]) من الثابت فقهاً وقضاءً أَنَّ المحكمة لا تستطيع إعمال سلطاتها الطبيعية الممنوحة لها بموجب المادة 303/2 بلا حدود أو ضوابط ولذلك لا يجوز لها استناداً على سلطاتها الطبيعية أن تتجاهل النصوص القانونية الصريحة التي وردت في القانون حتى لو كان الهدف من ذلك تحقيق العدالة, فالسلطة الطبيعية مكنة اضافية مكملة لما نص عليه القانون صراحة ولم يقصد بها أَن تستخدم بالقدر الذي يجعلها تتعارض مع النصوص القانونية الصريحة في دلالتها بل يجب أَن يكون استخدامها مقصوراً على الحالات التي لا يوجد نص صريح يعالجها, حيث يحق للمحكمة في هذه الحالة أَن تتصرف بما ترى أَنه يحقق العدل, ويمنع سوء استغلال الإجراءات ([66]), وبناءً على ذلك لا يجوز للمحكمة أَن تستخدم سلطتها الطبيعية بما يتناقض مع القانون, أَو أن تسود لتحل محل النصوص الصريحة, بل هي مكنة تقديرية منحها المشرع للقاضي لكي يعمل بموجبها على تكملة القوانين, حيث يوجد غموض, أو عدم تناسق, أو عدم عدالة تتأتي من الحرفية ([67]) أو لغرض منع سوء استغلال اجراءات المحاكمة, أو لغرض تحقيق العدالة بين الطرفين وغيرها من الأسباب الواضحة التي لها سند في القانون, ([68]), ولهذا قضت محكمة استئناف الخرطوم بأَنَّه : (اذا كانت المخالفة للقانون وليس للنظام الأساسي يكون استخدام السلطة التقديرية خاطئاً, لأَنه يهزم غرض التشريع ويحيل النظام الأساسي إلى درجة أَدنى بما لا يتفق واتجاه التشريع في الحد من تدخل السلطة في حرية النقابات لمباشرة واجباتها[69]) خاصة أَنَّ المشرع السوداني قد نص في المادة (6) الفقرة (1) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974م على أَن : (تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شُرع من أجله ويفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على سواه) .
ولكن حينما تستخدم المحكمة سلطاتها الطبيعية لغاية يقرها القانون كالهدف من منع سوء استغلال الإجراءات, أَو الهدف من تحقيق العدالة, فإنَّ استخدامها في هذه الحالة يكون صحيحاً, ومن السوابق القضائية التي استخدمت فيها المحكمة العليا سلطتها الطبيعية لمنع سوء استغلال الاجراءات, ما قررته في قضية تتعلق وقائعها بدعوى رفعها المالك ضد المستأجر مطالباً بإخلاء العقار لحاجته الشخصية الماسة للسكن فيه, وفي مرحلة تنفيذ الحكم لصالح المدعي – مالك العقار – تقدم طرف ثالث كان مستأجراً للعقار من الباطن, بطلب استشكال إلى المحكمة على الرغم من سكوته طوال فترة إجراءات القضية ضد المستأجر الأصلي, إلا أَنَّ المحكمة رفضت هذا الطلب وقررت بناءً على ذلك : ( أَنَّ سكوت المستشكل المستأجر من الباطن طوال إجراءات دعوى إخلاء المستأجر الأَصلي وعدم تدخله في الدعوى لمعارضة الإخلاء ([70]) مع علمه بها تصرف ينطوي على سوء استغلال الإجراءات مما يتعين معه رفض منازعته في التنفيذ[71]) .
ومن الحالات التي استخدمت فيها المحكمة سلطتها الطبيعية بهدف تحقيق حكم العدل سابقة جعفر سليمان ضد حليمة حسن جبريل, حيث جاء فيها يجوز مد ميعاد الطعن تحت المادة (70) تطبيقاً لسلطات المحكمة الطبيعية بموجب المادة (303) من قانون الإجراءات المدنية إذا رأت المحكمة أن هناك أسباب وجيهة سواء ذكرها مقدم الطلب أم لم يذكرها كأن يتبين لها أَنَّ الحكم ممعناً في الخطأ وبُني على أساب معيبة ([72]) ومنها : سابقة : ورثة الزاكي حاج عمر ضد علي العوض علي, وقد جاء فيها : “تملك المحكمة سلطة واسعة لمد مواعيد الطعن استناداً على المادة (303) حتى لو كانت الأسباب التي أبداها الطاعن غير كافية إذا تبين لها أنَّ العدالة تقتضي المد والفصل في الطعن موضوعاً دون الوقوف على الشكل “ومنها سابقة : أحمد عبد الحميد الساوي ضد يوسف التجاني والتي قضت فيها محكمة الموضوع بإصدار حكم غيابي ضد المدعى عليه وعندما تقدم محاميه لاحقاً بطلب لإلغاء هذا الحكم, رفضت محكمة الموضوع الطلب استناداً على تقديمه بعد فوات المواعيد المقررة لتقديمه قانوناً, لاحقاً عملت محكمة الاستئناف على نقض هذا الحكم, وقد قرر القاضي الذي نظر في هذه القضية أَنَّه يتعين على محكمة الموضوع أَن تستمع لمقدم الطلب ولما قد يسوقه من أَدلة لتبرير عدم تقديمه لطلب الغاء الحكم في المواعيد المقررة لذلك بحسب القانون, ثم تابع قائلاً : ( لأغراض المناقشة الصرفة التي قد تعود بالفائدة أُسجل اتفاقي التام مع محامي الطاعن في قوله بأَنَّه في كل الأَحوال كان ينبغي على المحكمة أَن تمدد المواعيد لكي تتدخل في الحكم الذي يكون معيباً وواضح الخطأ والحقيقة أَنني لا أرضى بأَن أُعطي الحماية والسند لحكم اقتنع بأَنَّه واضح الظلم, أو الخطأ لمجرد أَنَّ المحكوم عليه فشل في الوفاء بشكل من الأَشكال الإجرائية كأن يتأخر قليلاً عن المواعيد المقررة, ومع اقتناعي بأن الالتزام بالأَشكال الإجرائية المرسومة ومن بينها المواعيد أَمر هام, فإنَّ قناعتي أَكبر بأنَّه لا ينبغي للشكل أن يضيع جوهر الموضوع, أَو يطغى عليه, لكون المقصود من المسائل الشكلية والإجرائية أَن تؤدي بالمحكمة لمعرفة الحقيقة, ومن ثم كان من غير المستقيم إن لم يكن من القبيح أَن تسمح المحكمة لنفسها بالظهور وكأنها تتخذ من تلك المسائل الإجرائية ذريعة تتهرب بها من القيام بواجبها الأَصلي وهو التصدي الحقيقي للنزاع والفصل فيه بما يُعطي كل ذي حق حقه[73]) وبناءً على ذلك وعلى العديد من السوابق القضائية التي قررها القضاء السوداني, يتضح أَنَّ استخدام المحكمة لسلطاتها الطبيعية يكون أمراً لازماً تقوم به من تلقاء نفسها متى تبين لها أّنَّ الحكم الذي ينتظر منها أَن تتدخل لإلغائه, أَو لمراجعته, أَو لتعديله قد شابه عيب صارخ, أَو خطأ قانوني, أَو اجرائي جسيم أدي إلى نتيجة غير عادلة .
وامعاناً في تحقيق العدالة فقد عمد القضاء السوداني إلى استحداث الكثير من التقاليد التي جرى العمل بها في ساحات المحاكم حتى أَصبحت راسخة يجب الالتزام بها من كافة القضاة, منها استقراره على جواز تأسيس الادانة على شاهد واحد طالما اطمأن وجدان المحكمة بصدق روايته, بالنظر إلى أَنَّ العبرة باطمئنان الوجدان وليس بتعدد الشهود ([74]) كما استقر على الأخذ بأقوال المتوفي عندما تتطابق مع اقوال الشهود ولم يشترط أن تكون قد صدرت منه ساعة الاحتضار, ولا يؤثر في ذلك أن يكون الشخص الذي صدرت منه الأقوال فقد الأمل في الحياة أم مازال لديه الأمل) كما درج هذا القضاء على أن يتولى مهمة الدفاع عن المتهم عندما لا يتيسر له تعيين محام ينوب عنه ولم تعين له الدولة من يتولى مهمة الدفاع عنه ([75]) وفي المعنى نفسه قضت المحكمة العليا على أنَّه ( بالرغم من أَنَّ المحكمة المدنية غير ملزمة بتبصير أي من طرفي الدعوى بحقوقه الموضوعية, أو الإجرائية إلاَّ أَنَّ القضاء قد استن سنة حميدة مراعاة لاعتبارات عملية ذات آثار في تحقيق العدالة, وهي أَن يرشد الطرف الضعيف كلما بدأ أَنَّه لا يدرك مصلحته [76]) .
أيضاً من الأحكام الجارية على هذا المنوال استحداث القضاء السوداني لمبدأ الأَمانة الراجعة, ويسمى أيضاً بمبدأ الأَمانة المقررة حكماً على الغير, وقد ابتدعه القضاء السوداني بمناسبة قضية ([77]) تتلخص وقائعها في أنَّ المدعية أقامت دعواها مطالبة بتغيير سجل أرض طلبت من المدعى عليه, وهو عمها أن يشتريها لها ففعل, ولكنه قام بتسجيل الأرض باسمه, فقضت المحكمة لصالح المدعية احقاقاً للحق وتمسكاً بمبادئ العدالة, بعد أن تأكد لها بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المدعية هي المالكة الحقيقية لقطعة الأرض وإن لم يشهد لها القانون بذلك لكون القطعة لم تكن مسجلة في سجلات الدولة باسمها, وقد قررت المحكمة في هذه القضية أنَّ : ( مبدأ الأمانة المقررة حكماً على الغير مبدأ أخذت به المحاكم – على الرغم من أنه ليس له ما يسنده في القانون – ويجوز بموجبه تعديل السجل وإن كان سبب التعديل مما لا تشمله المادة (85) من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها[78]) فكل هذه السوابق المذكورة وغيرها من السوابق الأخرى التي لا يسع المجال ذكرها تصلح أن يستنبط منها الباحث بالتتبع والاستقراء حكماً عاماً بمستوى الظن الغالب – على أقل تقدير – مؤداه أنَّ القضاء السوداني يحرص على تحقيق العدالة بفهم ثاقب يوظف القانون لتحقيق مقاصده مبتعداً عن التعدية الآلية غير المتبصرة بعواقب تطبيق أحكام القانون على أرض الواقع, ولعل في ما تضمنته المادة (303/2) من قانون الاجراءات المدنية السوداني1983م التي تنص على أَنَّه (لا يعتبر ما جاء في هذا القانون ماساً أو مقيداً لسلطات المحكمة الطبيعية في إصدار الأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة أو منع سوء استغلال إجراءات المحكمة) مع ما قررته المحاكم السودانية من سوابق تمت الإشارة إلى بعضها في ثنايا هذا البحث ما يشير إلى وحدة هذا المنهج الذي خطه المشرع ابتداءً, وأيده القضاء بإحكام جارية على نسق القانون جعلت العدل هو الغاية الأسمى, دون تفريط في الالتزام بالنصوص القانونية القطعية في دلالتها على حكمها التي لا تقبل الاجتهاد القضائي البياني موازناً بين تحقيق العدالة وبين الالتزام بما ينص عليه القانون.
ثانياً – عدم الغلو في التمسك بالإجراءات الشكلية
على الرغم من القانون يفرض على المحاكم أن تتقيد بقواعد المرافعات في الخصومة ولا تتعداها ([79]) إلا أنَّه في بعض الأحيان قد لا يُعير القضاء مثل هذه الاجراءات أي اعتبار, إذا تبين له أَنَّ التمسك بها لا يُغير من النتيجة التي انتهى إليها حكم المحكمة بل ستظل كما هي في حالة الالتزام بها أو عدم الالتزام بها, ومن هذه الحالات ما قضت به محكمة استئناف الخرطوم بأنَّ ([80]) : ( سماع قضية الدفاع أولاً قبل سماع قضية الادعاء إجراء غير سليم – متى كان عبء الإثبات على الادعاء – ولكن طالما لم يؤثر على الحكم ولم يضار منه المستأنف فلن يكون سبباً لنقض الحكم) وفي سابقة أخرى ([81]) قضت المحكمة العليا السودانية بأنَّ : ( القواعد العامة التي تسترشد بها محاكمنا مؤداها أن عدم اتباع إجراءات معينة لا يؤدي بالضرورة إلى البطلان إلا إذا ثبت أن تلك المخالفة قد أدت إلى اجهاض العدالة ) ولذلك قضت محكمة استئناف الخرطوم في قضية تتعلق وقائعها بطلب اخلاء للمنزل محل الايجار وبأفراد الأسرة الذين يعتد بهم في تقدير الحاجة الماسة أن : (الخطأ الشكلي في عدم تقديم اعلام شرعي يوضح أَنَّ المدعية مالكة على الشيوع ضمن الورثة الآخرين في العقار الذي تدعي حاجتها الماسة للسكن فيه لا يرقى لإبطال الإجراءات طالما كان أمام المحكمة ما يثبت أَنَّ المدعية هي أَحد الورثة المالكين على الشيوع في العقار موضوع الدعوى) ولعل هذا المسلك الذي تعبر عنه هذه السوابق القضائية مما يتفق تماماً مع نظرة المشرع السوداني للقوانين الإجرائية ومن ثم رأى قضاء الاستئناف وقضاء المحكمة العليا أنَّه ليس من اللازم نقض بعض الأَحكام التي أُبرمت بسبب أنَّ المحكمة لم تتقيد ببعض الإجراءات الشكلية التي لا يغير عدم التقيد بها في الحقيقة شيئاً, بحيث لا تضيع حقاً ثابتاً ولا تثبت حقاً لا وجود له .
ولعل ما جاء في سابقة عمر علي عثمان ضد أحمد درفيل, ما يعكس فهم القضاء السوداني لكيفية تفسير وتطبيق قواعد قانون الإجراءات المدنية, إذ ورد في حكم المحكمة العليا في هذه القضية أن المادة (303) ( تنحصر وظيفتها في الرقابة على الاجراءات تحوطاً من أن يؤدي التمسك بحرفية النصوص الاجرائية إلى اختلال ميزان العدالة, وهي لذلك لا تنطبق على المادة (10/أ) من قانون تقييد الايجارات؛ لأنَّ الأخيرة ليست مادة اجرائية), ومما يدعم هذا الفهم أيضاً ما جاء في سابقة تتلخص وقائعها في أنَّ محامي المستأنف (المدعي) قدم طلباً إلى محكمة الاستئناف ضد حكم المحكمة الابتدائية, يذكر فيه أَنَّ محكمة الموضوع لم تعط موكله فرصة لإحضار شهوده للاستعانة بهم في تأييد دعواه, وكان عليها فعل ذلك استناداً على سلطاتها الطبيعية, رد محامي الطرف الآخر على ذلك بأَنَّ القانون يلزم المدعي بالإفصاح عن شهوده في عريضة الدعوى, وقد فشل المدعي في ذلك, مما يتعين رفض طلب الاستئناف المقدم من محامي المستأنف, قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المطعون فيه واعادة اوراق القضية إلى محكمة الموضوع لسماع شهود الادعاء, ومن ثم إصدار حكمها بناءً على ذلك, وقد جاء في هذا الحكم : ( حينما يستوثق في طلب تقديم الشهود أَنَّ اضافة أَسماء شهود في مراحل متأخرة من القضية يقصد به تعويق سير الدعوى وتعطيل سير الإجراءات, يتعين رفض الطلب والتمسك بنص المادة (33/2) تفويتاً لهذا القصد, ولكن حينما يتبين لأَحد الخصوم, أَو للمحكمة أَنَّ جلب شاهد, أَو أَكثر قد يساعد في الوصول إلى الحقيقة, فلا مفر من اتاحة الفرصة وسماع الشاهد ), وقد أبدى القاضي الفاضل الدكتور على ابراهيم الإمام تأييده لهذا الحكم بقوله : ( أَنَّ المادة (33/ 2) استحدثها قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م بغرض التقليل من فرص المماطلة وتعطيل القضايا بأساليب المطل, ولكن لم يكن ولن يكن من أَهدافها إجهاض العدالة, أَو تفويت الفرصة المعقولة للخصوم في عرض قضاياهم, وتقديم حججهم, وشهودهم, وأَسانيدهم, أَنَّ النص الجامد في المادة (33) هو سيف للمحكمة تشهره في وجه من يبقى المطل والتسويف لا أَكثر, ولكن لا يجوز الاستناد عليه لحرمان الخصم الجاد من حقه تمسكاً بحرفية النص, والشكل, والذي قُصد منه تحقيق العدالة الناجزة, وليس الإجهاز على الحقوق مضيعة بذلك الجوهر والمضمون من أَجل الشكل[82]) ولم يكن ما قامت به محكمة الاستئناف في هذه القضية إلا ضرب من ضروب التأويل, حينما عملت على صرف الحكم الظاهر الراجح للمادة (33/2) إلى حكم آخر مرجوح لما رأته من أن تطبيق حكمها بحسب ما يفيده ظاهر النص على الحالات التي يكون فيها الخصم جاداً وصادقاً يتجافى مع قواعد العدالة, وعملت على تأويله تأويلاً سائغاً يتفق مع قواعد الاجتهاد السليم, مستندة في ذلك إلى النصوص القانونية التي تؤكد أنَّ المشرع لم يرد من الإجراءات الشكلية أن تكون سبباً في ضياع الحقوق والحاق الظلم بالناس, لذلك عملت على تفسير هذه المادة بما يتفق مع قصد المشرع من التشريع, وهي على وعي من أَنَّ المشرع السوداني قد قصد من حكم المادة (33/2), تحقيق أمرين هما : تحقيق العدالة الناجزة بالبت في القضايا في زمن معقول, ومحاربة تلك الممارسات في أروقة المحاكم التي تتخذ من المتطلبات الإجرائية للتقاضي ذريعة لتعطيل سير العدالة وتضييع الحقوق على أصحابها تمسكاً بالمعنى الحرفي في تفسيرها للقوانين الإجرائية بصرف النظر عن الحكمة من سنها وتشريعها, وبهذا يتبين أنَّ المحاكم السودانية لا تدع قوالب الشكل تطغى على الأُمور الجوهرية بما يهدر حقوق المتقاضين ([83]) الأمر الذي يعني إساءة فهم غرض المشرع من التشريع .
الخاتمة
في ختام هذا البحث توصلت إلى عدد من النتائج والتوصيات يمكن ايجازها في النقاط التالية:
أولاً – النتائج
1- عند تصدي القضاء السوداني لتفسير قواعد قانون الإجراءات المدنية، فإنَّه لا يفسرها وفقاً لمنطوقها اللغوي فحسب، وإنَّما يستصحب في تفسيره جميع العوامل التي لها صلة وثيقة بفهم النص القانوني كالعدل، والمصلحة، وواقع الحال وما يجب فعله في الواقع، ومقصد المشرع، وحكمة التشريع، متقيداً في ذلك بضوابط الاجتهاد الفقهي السليم مولي عنايته الكبيرة لمآل تطبيق أحكام القانون في الواقع، ملاحظاً المقصد الأسمى للتشريع وهو اقامة العدل في المجتمع.
2 – القاعدة العامة أنَّ جميع القوانين يجب أن تطبق بحسب ما يفيده ظاهرها, ولكن هذه القاعدة ليست على اطلاقها إذ تفرض بعض الحالات الاستثنائية على المحكمة أن تعمل على تأويل النص لكون تطبيقه على ظاهرة يناقض قصد المشرع من التشريع ويتجافى مع حكم العدل, ولهذا سلك القضاء السوداني طريقين في تفسيره للفقرة (2) من المادة (33) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م فقد أَخذ بعمومها المطلق في بعض الحالات لمحاربة سوء استغلال الإجراءات, بينما عمل على تخصيصها في بعض الحالات التي يرى أنَّ في تطبيقها تطبيقاً حرفياً يتعارض مع حكم العدل
3 – من خلال استقراء قواعد قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م، والسوابق القضائية التي ارساها القضاء بناءً على فهمه لهذا القانون يتضح أَنَ المشرع السوداني قد منح المحاكم سلطة تقديرية واسعة في تفسيرها وتطبيقها لهذا القانون، تحقيقاً للعدل، مما جنب المحاكم السودانية الوقوع في مزالق التفاسير الحرفية وما يترتب عليها من آثار سالبة على بسط العدل بين الناس.
4 – تعد السلطة التقديرية بمثابة ضمانه لتحقيق أكبر قدر من العدالة، وعاملاً مهماً في تطوير القانون؛ لكونها تتيح للقاضي أن يقوم بدور كبير في التعامل مع كافة الظروف المصاحبة لتطبيق القانون بقدر كبير من الحرية والمرونة في تكوين عقيدته فيما يتعلق بالنزاع محل النظر، وهذا ما اتاح للقضاء السوداني أَن يتعارف على الكثير من الإجراءات التي لم ينص عليها القانون صراحة إمعاناً منه في الحذر والحيطة عند اصدار الأحكام ضماناً لعدالتها.
5 – خلال استقراء الأحكام التي تعكس تطبيق القضاء السوداني لحكم الفقرة (2) من المادة (33) تبين أنَّه يتمسك بظاهر تفسيرها الحرفي حينما يلمس من أحد أطراف الخصومة أن الغرض من تقديم طلبه للمحكمة اضافة أَي مستندات أو سماع أي شهود لم يتقدم بهم وفق ما تقضي به الفقرة (1) هو المماطلة وتعطيل سير الإجراءات, بينما يعمل على تفسيرها تفسيراً مرناً فيعمل على قبول الطلب حينما يلمس من مقدمه الجدية كأن يكتشف مستندات كانت غائبه عنه أو يظهر له شهود لم يكن يعلم بهم حينما قدم للمحكمة شهوده ومستنداته للمرة الأولى وفق ما تقضي به الفقرة (1) من المادة (33) وهو ما يعكس معنى تغليب العدالة على ما تفرضه شكليات القانون
6 – من خلال النظر الاستقرائي في السوابق التي أَرستها المحاكم السودانية عند تفسيرها وتطبيقها لقانون الإجراءات المدنية يتضح للباحث أنَّ هذا القضاء قد سلك منهجاً وسطاً في تفسيره وتطبيقه لهذ القانون وما يفرضه من شكليات يجب الالتزام بها عند التقاضي، يعكس فهمه لغاياته ومقاصده العليا دون إفراط في التمسك بالشكليات الإجرائية، أو التفريط في أحكامه لكونها قانون واجب الاتباع.
ثانياً – التوصيات
1- تضمين ما درج عليه القضاء السوداني من أعراف وما استنه من سنن حميدة في صلب قانون الاجراءات المدنية بغرض تطويره بقواعد منبثقة من التجربة العملية مما يجعله أكثر ملائمة وأكثر إحكاماً خاصة أن القصد منها مراعاة اعتبارات عملية لها أثرها الكبير في تحقيق العدالة كالحالات التي أباح فيها القضاء لنفسه أن يعمل بإجراءات لم ترد في صلب القانون امعاناً منه في التحلي بالحيطة والحذر في اصدار الأحكام بوجدان مطمئن.
2 – يقرر الفقه القانوني في كتاباته أنَّ مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ نسبي ومع ذلك فأنَّ السوابق القضائية التي عملت فيها المحاكم على الحيدة عن النص الصريح في بعض الحالات التي تبين لها فيها أن في تطبيقه مجافاة لحكم العدل جرى نقض حكمها في مرحلة الاستئناف مما يستلزم تخصيص هذا المبدأ صراحة من قبل المشرع بمبدأ آخر يقضي بجواز اجتهاد القاضي مع النص الصريح – وفق ضوابط محددة – في الحالات الاستثنائية التي يفضي فيها تطبيقه إلى مجافاة حكم العدل حتى يستند عليه القاضي في حكمه دون أن ينعت بأنه خرج عن حدود وظيفته في تطبيق القانون وأَنَّه اجتهد مع النص الصريح
3 – تخصيص مقرر للطلاب يعتني بالمبادئ العامة التي تحكم تفسير النصوص القانونية، كمراعاة جانب العدل، والمصلحة، ومآل الحكم القانوني في الواقع ومدى اتفاقه مع إرادة المشرع وحكم القسط، وتخصيص مقررين آخرين أحدهما يتعلق بالتفسير على أن تكون الشواهد والأمثلة التي يتضمنها مأخوذة من النصوص القانونية والتطبيقات القضائية، والثاني يخصص لتدريب الطلاب على تكييف الوقائع القانونية لعلاقته الوثيقة بالتفسير.
المصادر والمراجع
أَولاً – القران الكريم
ثانياً – كتب الفقه واصوله
1 – إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، (ط1) الناشر: دار ابن عفان، 1997م.
2 – أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، الإحكام في أُصول الأَحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، (ط1) بيروت، دمشق، 1401ه
3 – أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، المستصفى، تحقيق، محمد عبد السلام عبد الشافي (ط 1) دار الكتب العلمية، 1993م
4 – عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة 1308ه
5 – عبد اللطيف البر زنجي، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، (ط 1) الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993م
6 – عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي إمام الحرمين، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب عبد العظيم الديب، (ط 1) الناشر: دولة قطر 1399ه
7 – عبد الوهاب بن علي تاج الدين السبكي جمع الجوامع في أصول الفقه، تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم، (ط 2) لناشر: دار الكتب العلمية،
8 – فهد بن محمد الجوزي السدحان, الايضاح لقوانين الاصلاح في الجدل الاصولي الفقهي, (ط 1 ) الناشر مكتبة العبيكان, الرياض1430ه
9 – محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية أبو عبد الله، أعلام الموقعين عن رب العالمين، (ط1) المملكة العربية السعودية، دار بن الجوزي، 1423ه
10 – محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة، أصول السرخسي، دار المعرفة، بيروت 1997م
11 – محمد بن إسماعيل الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، تحقيق حازم علي بهجت القاضي، (ط1) الناشر مكتبة نزار مصطفى الباز، 1995م
12 – محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، نيل الأوطار، تحقيق عصام الدين الصبابطي، (ط 1) دار الحديث، مصر, 1993م
13- مصطفى إبراهيم الزلمي، أُصول الفه في نسيجه الجديد، أربيل، (ط 25) مكتبة التفسير،2015م
14 – معجم مصطلحات اصول الفقه، تأليف علاء الدين بن نجم الطبعة الاولي 2004م مكتبة الرشد بيروت.
15 – يحيى بن شرف النووي محي الدين أبو زكريا، المجموع شرح المهذب، محمد نجيب المطيعي تحقيق، لناشر: مكتبة الإرشاد.
ثالثاً – كتب القانون
1 – أحمد أبو الوفاء، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، (ط 1) دار المطبوعات الجامعية 2007م
2 – أحمد فتحي سرور، أصول الاجراءات الجنائية (ط 1) دار النهضة العربية، القاهرة , 1969م
3 – أحمد فتحي سرور، أصول الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة , 1969م
4 – حسن السيد بسيوني، دور القضاء في المنازعة الإدارية، (ط1) القاهرة، الطبعة 1981م
5 – حمد أبراهيم البدارين، الدعوى بين الفقه والقانون، (ط 2) دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2010م
6 – حيدر أحمد دفع الله تسبيب الاحكام القضائية وتطبيقاتها للدكتور (ط 1) 2011 م
7 – خير الدين كاظم الأَمين، سلطة القاضي التقديرية في القانون الدولي الخاص، بحث منشور بمجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية، المجلد 15 , العدد (2) 2008م
8 – سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، دراسة مقارنة، عين شمس، (ط 6) بيروت،1991م
9 – سمير أبو شادي، مجموعة المبادئ التي قررتها محكمة النقض المصرية, 1966م دار الكتاب العربي للنشر
10 – علي راشد، الاقتناع الشخصي للقاضي، الطبعة (3) 1953م.
11 – اللورد ديننج، ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود، ترجمة هنري رياض، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأُولى, 1981
12 – محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون، (ط 2) دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1995م
13 – محمد عبد الخالق عمر، النظام القضائي المدني، (ط1) دار النهضة العربية، القاهرة , 1976م
14 – محمد عطاء البناء القباني، الرقابة القضائية لأعمال الإدارة (ط1) مكتبة القاهرة الحديثة، 1971م
15 – محمد فهيم درويش، فن القضاء بين النظرية والتطبيق، المحاكمات المدنية والجنائية، (ط 1) مطابع الزهراء للإعلام العربي, 2007م
16 – مصطفى مجدي، الإثبات في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية (ط 1) الإسكندرية, 2000م
17 – نبيل اسماعيل عمر، امتناع القاض عن القضاء بعلمه الشخصي في قانون المرافعات (ط 2) منشأة المعارف الإسكندرية 1989م
18 – نبيل إسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية، (ط 1) دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2002م
19 – نبيل إسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية، (ط 1) منشأة المعارف الإسكندرية، 1984م
20 – نبيل صقر، العربي عبد القادر، الاثبات في المواد الجزائية في ضوء الفقه والاجتهاد القضائي، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة الجزائر, 2006م
رابعاً – السوابق القضائية
1 – سابقة: مهدي عبد الحميد المهدي (الطاعن) ضد هيئة السكة حديد (المطعون ضدها) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1978م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
2 – سابقة: ميلاد محفوظ (الطاعن) ضد عبد الحميد أبو القاسم (المطعون ضده) بالرقم (م ع / ط م / 57/ 1982م) مجلة الأَحكام القضائية، لسنة 1982م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
3 – سابقة: مجلس شعبي تنفيذي الخرطوم وآخر (مستأنف) ضد آمنة سليمان وأخريات (مستأنف ضدهم) بالنمرة (م أ/ أ س م/ 835/ 1975م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1975, السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
4 – سابقة: محمد صالح الكتاني (المستأنف والمدعي) ضد أحمد محمد أحمد (المستأنف ضده والمدعي عليه) بالنمر (م أ/ أ م س/ 396/ 1976) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1976م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
5 – سابقة: شركة تلكسترية لصناعة التريكو (المستأنف) ضد بنك جوبا أم درمان (الوحدة) أم درمان (المستأنف ضده) بالنمرة (م أ / أ س م/ 280/ 1979) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
6 – سابقة بالرقم (40/ 1406ه، الصادر بتاريخ 9/ مارس 1986م، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1986م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 44.
7 – سابقة بالرقم (م ع/ ط م / 63/ 1975م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1975م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
8 – سابقة: يوسف محمد صالح (الطاعن) ضد سعدية محمد مصطفي (المطعون ضده) بالرقم (م ع/ ط م/ 182/ 1979)
9 – سابقة: فتحية أَحمد عزالدين (الطاعن) ضد ورثة ميرغني أَحمد (المطعون ضده) بالنمرة (م ع/ ط م/ 164/ 1980م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1980م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 291.
10 – سابقة: حكومة السودان ضد اسحق أحمد محمد المصطفى بالنمرة (م أ/ م ك / 38/ 83) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م المكتب الفني، الخرطوم
11 – سابقة: حكومة السودان ضد أحمد عجبنا معلا وآخرين بالنمرة م ع / م ك / 151/ 74) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1974م، السلطة القضائية، المكتب الفني
12 – سابقة: أحمد السنوسي عبد الرحمن ” طاعن ” ضد حمد دفع الله ” المطعون ضده” بالنمرة (م ع/ ط م/ 9/ 1981م) مجلة الأحكام القضائية، لسنة 1981م
13 – سابقة الرقم: (م أ / س ج/ 30/ 1977م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1977م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم
14 – سابقة أم الحسين الحسن (مقدمة طلب الاستئناف والمدعية) ضد ورثة الماحي السافلاوي (مقدم ضدهم ومدعى عليهم) بالنمرة (م أ/ أن / 670/ 1970) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1972م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم
15 – سابقة بالرقم: رقم (82/ 1983) الصادر في يوم الخميس الموافق 15/ 11 / 1983م، مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
16 – سابقة: هجوه يوسف محمد (المستأنف) ضد قسم الله عبد الله (المستأنف ضده) بالنمرة (م أ/ أ س م/ 274/ 1979م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم
17 – سابقة: حكومة السودان ضد نصر عبد الرحمن وآخر بالنمرة (م أ / أ ن ج / 487/ 1975م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1974م المكتب الفني الخرطوم
18 – سابقة بالرقم (3784) بتاريخ 11/ مارس/ 1984م المحكمة العليا التونسية وقد قضت فيها بأَنَّه: (إذا ما تعارضت القاعدة الإجرائية مع الحق وأَصبحت حائلاً دون تأمينه بل سبباً في هدره وضياعه، فإنَّه يصبح من أوكد واجبات القضاء وهو الحارس الأَمين على حقوق المتقاضين ألا تصده الإجراءات الشكلية عن تغليب جوهر الحق عليها).
خامساً – المجلات القضائية
1 – مجلة الأحكام القضائية السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم لسنة 1974م’ 1975م, 1977م, 1978م’ 1979م, 1981م, 1983م, 1984م, 1985م, 1986م 1987م
سادساً – القوانين
1 – قانون أُصول الأَحكام القضائية السوداني لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني.
2 – قانون الاجراءات المدنية السوداني 1983م
3 – الجدول الثاني الملحق بقانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1983م.
4 – قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م
الاربعاء الموافق 27/ يناير 2021م
[1]/ نبيل إسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2002م ص 121 وما بعدها.
[2]/ عمر، اسماعيل نبيل، مرجع سابق ص 16.
[3]/ سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، دراسة مقارنة، عين شمس، بيروت، الطبعة السادسة , 1991م ص 46
[4]/ محمد عطاء البناء القباني، الرقابة القضائية لأعمال الإدارة، مكتبة القاهرة الحديثة، الطبعة الأُولى 1971, ص (1/ 58).
[5]/ خير الدين كاظم الأَمين، سلطة القاضي التقديرية في القانون الدولي الخاص، بحث منشور بمجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية، المجلد 16 , العدد (2) 2008م، ص 4.
[6]/ حسن السيد بسيوني، دور القضاء في المنازعة الإدارية، القاهرة، الطبعة الأُولى 1981م، ص 321.
[7]/ سابقة: ميلاد محفوظ (الطاعن) ضد عبد الحميد أبو القاسم (المطعون ضده) بالرقم (م ع / ط م / 57/ 1982م) مجلة الأَحكام القضائية، لسنة 1982م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 232 – 233.
[8]/ نبيل اسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية، مرجع سابق ص 100.
[9]/ حمد أبراهيم البدارين، الدعوى بين الفقه والقانون، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2010م ص 224؛ 225, ابو الوفاء، أحمد نظرية الدفوع في قانون المرافعات، دار المطبوعات الجامعية 2007م ص 887؛ نبيل اسماعيل عمر امتناع القاض عن القضاء بعلمه الشخصي في قانون المرافعات، منشأة المعارف الإسكندرية 1989م ص 11؛ محمد عبد الخالق عمر، النظام القضائي المدني، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة , 1976م، ص 47 – 55.
[10]/ ينظر: المادة (3) الفقرة (ب) من قانون أُصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1983م.
[11]/ ينظر: عمر، اسماعيل نبيل عمر، سلطة القاضي التقديرية، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الأولى , 1984 ص 16؛ محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون، دار النهضة العربية للطباعة، والنشر 1995م ص 20-21.
[12]/ ينظر في هذا المعنى، علي راشد، الاقتناع الشخصي للقاضي، الطبعة الثالثة, 1953م ص 140.
[13]/ محمد حسين منصور المدخل للعلوم القانونية، مرجع سابق ص 20.
[14]/ مصطفى مجدي، الإثبات في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية – الإسكندرية , 2000م ص 54.
[15]/ المادة (302) من قانون الإجراءات الجنائية المصري لسنة رقم (105) لسنة 1950 المعدل
[16]/ سمير أبو شادي، مجموعة المبادئ التي قررتها محكمة النقض المصرية, 1966م دار الكتاب العربي للنشر، ص 30
[17]/ أحمد فتحي سرور، أصول الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة , 1969م ص 161.
([18]) معجم مصطلحات اصول الفقه ، تأليف علاء الدين بن نجم, مكتبة الرشد بيروت (ط 1) 2004م, ص 59 ” بتصرف ” .
[19]/ نبيل صقر، العربي عبد القادر، الاثبات في المواد الجزائية في ضوء الفقه والاجتهاد القضائي، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة الجزائر, 2006م ص 34.
[20]/ محمد فهيم درويش، فن القضاء بين النظرية والتطبيق، المحاكمات المدنية والجنائية، (ط 1) مطابع الزهراء للإعلام العربي, 2007م ص 340
([21]) تسبيب الاحكام القضائية وتطبيقاتها للدكتور حيدر أحمد دفع الله (ط 1) 2011 ص 23 .
[22]/ حيدر أَحمد دفع الله، تسبيب الاحكام القضائية، المرجع السابق ص 34-35-36
[23]/ سورة الأعراف الآية: 53
[24]/ سورة آل عمران الآية: 7
[25]/ عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي إمام الحرمين، البرهان في أصول الفقه (1/ 511) تحقيق عبد العظيم الديب عبد العظيم الديب، الناشر: دولة قطر، الطبعة الأولى.
[26]/ أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، الإحكام في أُصول الأَحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان ص 48.
[27]/ فهد بن محمد الجوزي السدحان, الايضاح لقوانين الاصلاح في الجدل الاصولي الفقهي, الناشر مكتبة العبيكان, الرياض, ص 20 .
[28]/ عبد الوهاب بن علي تاج الدين السبكي، جمع الجوامع في أصول الفقه، تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم، لناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، ص 8
[29]/ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، المستصفى، تحقيق، محمد عبد السلام عبد الشافي مطبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1993م ص 197.
[30]/ محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، نيل الأوطار (1/ 197) عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة الأُولى, 1993م؛ يحيى بن شرف النووي محي الدين أبو زكريا النووي، المجموع شرح المهذب (1/ 485) محمد نجيب المطبعي تحقيق، لناشر: مكتبة الإرشاد
[31]/ الغزالي، المستصفى، مرجع سابق ص 197, جمع الجوامع، مرجع سابق ص 88؛ محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة أصول السرخس (1/ 127)، دار المعرفة، بيروت؛ عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 44) دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة وتاريخ.
[32]/ البر زنجي، عبد اللطيف، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الاولى, 1993م، ص 213 – 236.
[33]/ محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية أبو عبد الله بن القيم، أعلام الموقعين عن رب العالمين (3/129) المملكة العربية السعودية، دار بن الجوزي، الطبعة الأولى 1423ه
[34]/ إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، الموافقات (2/ 66) تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1997م.
[35]/ الشاطبي، الموافقات، مرجع سابق (2/66).
[36]/ اللورد ديننج، ترشيد الفكر القانوني في تفسير القانون والوصايا والعقود، ترجمة هنري رياض، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأُولى, 1981م، ص 91.
[37]/ سابقة: مهدي عبد الحميد المهدي (الطاعن) ضد هيئة السكة حديد (المطعون ضدها) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1978م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 59.
[38]/ ينظر المادة الثانية من قانون أُصول الأَحكام القضائية السوداني لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني.
[39]/ مصطفى ابراهيم الزلمي، أُصول الفه في نسيجه الجديد، أربيل، مكتبة التفسير، الطبعة الخامسة والعشرون, 2015م ص 433 – 434.
[40]/ الزلمي، مصطفى ابراهيم، أصول الفقه في نسيجه الجديد، المرجع السابق، ص 433 – 434.
[41]/ سورة النساء الآية: 12.
[42]/ محمد بن إسماعيل الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام (2/174) تحقيق حازم علي بهجت القاضي، الناشر مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأُولى 1995م –
[43]/ محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، اليمني، نيل الأوطار (4/158) تحقيق، عصام الدين الصبابطي، الناشر دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 1413هـ – 1993م.
[44]/ الدليل المخصص للعام إمَّا أَن يكون جزءاً من النص الذي تضمن صيغة العموم، أو يكون مستقلاً عنه، وفي الحالة الأُولى يسمى مخصصاً متصلاً، وفي الحالة الثانية يسمى مخصصاً منفصلاً، والمثال المذكور من قبيل التخصيص بالدليل المنفصل وهو الاستثناء.
[45]/ من الأمثلة على تخصيص النص العام في القانون بالاستثناء أَيضاً ما جاء في المادة (64/ أ) من قانون أُصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971م بقولها : ( لا يجوز توجيه أَي سؤال إلى الشاهد إلا بإذن القاضي) فلفظ أي الوارد في النص من صيغ العموم لكونه من الأَسماء الموصولة وقد خصص عمومه بكلمة إلاَّ ومن ذلك أَيضاً ما نصت عليه المادة (5) من القانون المذكور آنفاً بقولها : ( لمن لا قدرة له على الكلام أَن يُدلي بشهادته كتابة, أَو بالإشارة المعهودة إن كان لا يستطيع الكتابة) فإدلاء الشاهد لشهادته بالإشارة لا يقبل من الشخص الأَخرس عندما يكون قادراً على الكتابة, فيفهم أَنَّ عموم النص مخصص بالشرط
[46]/ الزلمي، أُصول الفقه في نسيج الجديد، المرجع السابق، ص 435.
[47]/ الزلمي، مصطفى ابراهيم، المرجع نفسه، ص 448.
[48]/ راجع المادة (69) من الجدول الثاني الملحق بقانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1983م.
[49]/ المادة (44) اجراءات مدنية.
[50]/ المادة (70) اجراءات مدنية.
[51]/ المادة (63) والمادة (64).
[52]/ المادة (68).
[53]/ المادة (77).
[54]/ المادة (94).
[55]/ المادة (95).
[56]/ المادة (101).
[57]/ المواد (44) و (70) و(77) و (80) 94).
[58]/ سابقة: مجلس شعبي تنفيذي الخرطوم وآخر (مستأنف) ضد آمنة سليمان وأخريات (مستأنف ضدهم) بالنمرة (م أ/ أ س م/ 835/ 1975م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1975, السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 287.
[59]/ سابقة: محمد صالح الكتاني (المستأنف والمدعي) ضد أحمد محمد أحمد (المستأنف ضده والمدعي عليه) بالنمر (م أ/ أ م س/ 396/ 1976) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1976م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 499.،
[60]/ سابقة: شركة تلكسترية لصناعة التريكو (المستأنف) ضد بنك جوبا أم درمان (الوحدة) أم درمان (المستأنف ضده) بالنمرة (م أ / أ س م/ 280/ 1979) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 455.
[61]/ نص هذا القانون على السلطة التقديرية للقاضي في المادة (82)
[62]/ مجلة الأحكام القضائية، لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 97.
[63]/ قرار النقض بالرقم (40/ 1406ه، الصادر بتاريخ 9/ مارس 1986م، مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1986م, السلطة القضائية, المكتب الفني, الخرطوم, ص 44 .
[64]/ مجلة الأحكام القضائية، لسنة 1985م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 253.
[65]/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 77.
[66]/ المرجع السابق، ص 77.
[67]/ ينظر: قرار المحكمة العليا السودانية بالرقم (م ع/ ط م / 63/ 1975م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1975م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 67 – 68.
[68]/ سابقة: يوسف محمد صالح (الطاعن) ضد سعدية محمد مصطفي (المطعون ضده) بالرقم (م ع/ ط م/ 182/ 1979) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979, السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 241.
[69]/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1987م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 299.
[70]/ نظراً لكونه صاحب مصلحة في القضية.
[71]/ سابقة: فتحية أَحمد عزالدين (الطاعن) ضد ورثة ميرغني أَحمد (المطعون ضده) بالنمرة (م ع/ ط م/ 164/ 1980م) مجلة الأَحكام القضائية لسنة 1980م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 291.
[72]/ نشرة الأحكام القضائية لسنة 1978م، يناير، فبراير، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 76.
[73]/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 250.
[74]/ ينظر: سابقة: حكومة السودان ضد اسحق أحمد محمد المصطفى بالنمرة (م أ/ م ك / 38/ 83) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م المكتب الفني، الخرطوم ص 1812.
[75]/ سابقة: حكومة السودان ضد أحمد عجبنا معلا وآخرين بالنمرة م ع / م ك / 151/ 74) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1974م، السلطة القضائية، المكتب الفني، ص 358.
[76]/ سابقة: أحمد السنوسي عبد الرحمن ” طاعن ” ضد حمد دفع الله ” المطعون ضده” بالنمرة (م ع/ ط م/ 9/ 1981م) مجلة الأحكام القضائية، لسنة 1981م ص 178.
[77]/ كذلك نجد أنَّ القضاء السوداني قد أباح لنفسه أن يعمل بإجراءات لم ترد في صلب قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م امعاناً منه في التحلي بالحيطة والحذر في اصدار الأحكام بوجدان مطمئن، جاء في سابقة حكومة السودان ضد عزالدين علي هارون: (ليس ثمة نص في القانون على وجوب تأييد بينة الشريك، ولكن جرى العمل على وجوب التأييد في حالة الجرائم الكبرى الخطيرة) ينظر: سابقة بالنمرة: (م أ / س ج/ 30/ 1977م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1977م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم ص 584.
[78]/ سابقة أم الحسين الحسن (مقدمة طلب الاستئناف والمدعية) ضد ورثة الماحي السافلاوي (مقدم ضدهم ومدعى عليهم) بالنمرة (م أ/ أن / 670/ 1970) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1972م السلطة القضائية المكتب الفني، الخرطوم، ص 50.
[79]/ ينظر / قرار النقض رقم (82/ 1983) الصادر في يوم الخميس الموافق 15/ 11 / 1983م، مجلة الأحكام القضائية لسنة 1983م، السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم، ص 71.
[80]/ سابقة: هجوه يوسف محمد (المستأنف) ضد قسم الله عبد الله (المستأنف ضده) بالنمرة (م أ/ أ س م/ 274/ 1979م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1979م السلطة القضائية، المكتب الفني، الخرطوم ص 444.
[81]/ سابقة: حكومة السودان ضد نصر عبد الرحمن وآخر بالنمرة (م أ / أ ن ج / 487/ 1975م) مجلة الأحكام القضائية لسنة 1974م المكتب الفني الخرطوم، ص 638.
[82]/ مجلة الأحكام القضائية لسنة 1987م، السلطة القضائية، المكتب الفني، ص 296.
[83]/ لعل من المفيد أن نورد القرار الصادر عن محكمة التعقيب بتونس العاصمة بالرقم (3784) بتاريخ 11/ مارس/ 1984م وقد قضت فيه بأَنَّه: (إذا ما تعارضت القاعدة الإجرائية مع الحق وأَصبحت حائلاً دون تأمينه بل سبباً في هدره وضياعه، فإنَّه يصبح من أوكد واجبات القضاء وهو الحارس الأَمين على حقوق المتقاضين ألا تصده الإجراءات الشكلية عن تغليب جوهر الحق عليها).