
الحوار بين مطرقة التواصل الاجتماعي وسندان الانفصال
Dialogue between the hammer of social communication and anvil of separation
أ.د. أبكر عبدالبنات آدم إبراهيم- جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم- ولاية الجزيرة- السودان.
Prof/ Abaker Abdelbanat Adam Ibrahim. University of The Holy Quraan And Taseel of Sciences- Sudan.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 11 الصفحة 79.
Abstract
The study dealt with the dialogue between the hammer of social communication and secession secrecy to understand the role of social communication in the development of the physiological and biological needs of the human being, which show the harmony and interaction between individuals and groups through communication messages. Since communication is the backbone of achieving the minimum knowledge of others, the concept of dialogue in essence is not contrary to the idea of social communication in its physical and moral aspects to reach humanity into the ranks of rational education, through the information revolution and the scientific boom we live in. The study aimed at revealing the role of social communication in building relations and spreading the culture of dialogue among nations. The researcher used the descriptive and analytical method to reveal the role of communication and communication messages in exchanging ideas and ideas to build a society free of obstacles to communication according to Islamic teachings.
Keywords: Dialogue- Social communication- Humanity
مستخلص
تناولت الدراسة الحوار بين مطرقة التواصل الاجتماعي وسندان الانفصال لمعرفة دور التواصل الاجتماعي في تنمية الحاجات الفسيولوجية والبيولوجية للإنسان، والتي تنم عن التوافق والتفاعل بين الأفراد والجماعات من خلال الرسائل الاتصالية. وبما أن التواصل هو العمود الفقري في تحقيق الحد الأدنى من المعرفة بأحوال الآخرين، فإن مفهوم الحوار في جوهره ليس نقيضاً لفكرة التواصل الاجتماعي بجوانبه المادية والمعنوية للوصول بالإنسانية إلى مصاف التربية الرشيدة، من خلال الثورة المعلوماتية والطفرة العلمية التي نعيشها. وقد هدفت الدراسة إلى الكشف عن دور التواصل الاجتماعي في بناء العلاقات ونشر ثقافة الحوار بين الأمم. استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي للكشف عن دور الرسائل التواصلية والاتصالية في تبادل الآراء والأفكار لبناء مجتمع خالي من معوقات التواصل وفق التعاليم الإسلامية.
الكلمات المفتاحية: الحوار- التواصل الاجتماعي- الإنسانية.
مقدمة
كثيراً ما يكون سبب الاختلاف بين الناس الوقوع في الخطأ أو عدم استخدام بعض مهارات الحوار، وتعد مهارة الحوار من المهارات الهامة في التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كما أن لكل مجال نطاقه فإن للحوار مجالاته المختلفة حتى يتسنى لكل من المتحاورين في ضع خطة واضحة في بيئة مستنيرة، لأن عدم وضوح مجال التعامل ونطاقه من شأنه إضاعة الوقت دون طائل وتبديد الطاقة دون فائدة، وعلى العكس من ذلك كلما اتضح مجال التعامل ونطاقه وتحددت معالمه كان ذلك أدعى إلى استغلال الوقت والجهد لأن كلا المتعاملين يعلم مجال تعامله الذي يمكن أن يصرف جهده إليه. فالتواصل كأحد المحاور الأساسية التي يستطيع الإنسان على ضوئها تغيير نمط حياته وإصلاح حاله والتعامل مع الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة. وحتى تكون الدعوة إلى الله تعالى دعوة شاملة يجب أن تكون قنوات التواصل الاجتماعي لا تخرج عن منهج الكتاب والسنة، علماً بأن للمصدرين دورٌ كبيرٌ في تنمية الوعي العقلي والفكري.
فالاتصال بمستوياته المختلفة يمثل الأنموذج الأمثل في الحوار بين المخالفين في الرأي والفكر، كما يعتبر من أهم الوسائل التي ساعدت في انتشار الدعوة الإسلامية خلال الفترتين المكية والمدنية. وقد تكمن أهمية البحث في الكشف عن أهمية التواصل الاجتماعي كوسيلة لتحقيق الحد الأدنى من المعرفة بأهمية الحوار في بسط الأمن الروحي والفكري في حياة الإنسان، والوصول بالإنسانية إلى مصاف التربية الرشيدة، وتفعيل دور الدعاة بنقل الأخبار والمعلومات إلى المدعوين أو إلى المتلقين بصورة تحقق الغرض من الاتصال، بجانب معرفة مدى فاعلية الرسالة المرسلة في كشف الشكوك ورفع الظنون عند المتحاورين.
المبحث الأول: مفهوم الحوار وأهميته وآدابه
جاء في “لسان العرب”: لفظ الحوار من محاورة ومَحُورة، وأحار عليه أي: جوابه؛ ورد إليه فالتحاور هو التجاوب[1]. وجاء في معجم المصطلحات العربية الحوارDialogue هو تبادل الحديث بين الشخصين أو أكثر[2]. وذهب آخرون بأنه هو مراجعة الكلام بين شخصين يطغاهم الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب. فالحوار من المُحاورة؛ وهي المُراجعة في الكلام[3].
أما اصطلاحاً فيرى الكثيرون أنه: هو التحول من حال إلى حال، فالمحاور يتنقل في حواره من حالة إلى أخرى، فمرة يكون مستفسراً، وأخرى يكون مبرهناً، وثالثة يكون مُفنّداً… وهكذا. كما هو وسيلة من وسائل الاتصال بين الناس، بحيث يتعاون المتحاورون على معرفة الحقيقة والتوصل إليها؛ ليكشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها. أيضاً عُرّف بأنه هو عبارة عن مطلب إنساني يتم فيه استخدام أساليب ووسائل مختلفة لإشباع حاجة الإنسان للاندماج والتواصل مع محيطه[4].
كما يرى آخرون بأنه تبادل جملة من الأفكار والحقائق والمعلومات والخبرات بين المتحاورين، بغرض معرفة كل فريق بالآخر بطريقة موضوعية، والكشف عن نقاط التوافق والاختلاف، مع احتفاظ كل طرف بمعتقداته، في جو من الاحترام المتبادل والمعاملة بالتي هي أحسن، بعيداً عن نوازع التشكيك[5].وعلى ما سبق، فالحوار هو بمثابة مراجعة الكلام التي تحدث بين شخصين أو أكثر، ووسيلة من وسائل التفاعل الاجتماعي بين الأشخاص بهدف الوصول إلى حقيقة ما.
فالله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين متباينين في: ألوانهم وأشكالهم وعقولهم وأفئدتهم. فكان من البديهي أن يواجه الفرد في حياته من يخالفه في العقيدة أو الفكر أو الرأي، وإذا ما أراد الفرد الاتصال بمن يخالفه فليس أمامه إلا سبيلان: الأول: الحوار والتخاطب بالتي هي أحسن، والثاني: القهر والعنف والغلبة مع الآخر، ولا ريب أن الإنسان السوي يدفعه عقله نحو نبذ السبيل الثاني والنفور منه، وإلى اتباع السبيل الأزل(الحوار) واللوذ به تحقيق السلم الاجتماعي. وللحوار أهميته البالغة، ممثلة في النقاط التالية:
- الحوار هو السبيل الأسمى لضبط الخلاف والاختلاف، وتفعيل قيم التعاون والتآلف والتكاتف، وبدونه تكون الساحة ملئ بالنزاعات والصراعات والحروب والفرقة والشتات، فالحروب الأهلية وعمليات الإقصاء والتهميش والتمييز والتعصب الأعمى ما هي إلا لغياب عنصر التفاهم والتواصل.
- الحوار ركيزة أساسية في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى: فالدعوة إلى الله تعالى في الأساس هي حوار بين الحق والباطل، وبين أهل الإيمان وأهل الضلال، وبين الكلمة الطيبة والخبيثة[6].
- الحوار ضروري لاكتساب العلم وتلقي المعرفة: يمثل الحوار السبيل الوحيد لكشف الحقائق العلمية والمعرفية، إذ بدونه لا يمكن أن تنتقل الخبرات من جيل إلى جيل ومن أمة إلى أمة. كما أن الحوار كفيل بأن يجعل الفكر ينبض بالحياة والحركة، والتجدد من خلال التواصل بين الشعوب[7].
- الحوار أداة للتفاهم مع الآخرين: ذلك أن الحوار يهدف إلى شرح وجهة نظر الآخر، واستيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف الطرفين المتحاورين[8].
- يعمل الحوار على إبراز الجوامع المشتركة بين المتحاورين في العقيدة والأخلاق والثقافة.
- يعمل الحوار على تعميق المصالح المشتركة بين المتحاورين.
- تحديد مجالات نطاق التحاور: لابد من استناد محاور الحوار إلى معايير يؤمن بها المتعاملان، فإذا كان التعامل بين مؤمنين وملحدين كان المعيار هو العقل والحقائق العلمية المتفق على التسليم بها، والمحاكمة إلى حقائق دينية يؤمن بها كل من الفريقين.
- تحديد آليات الحوار: لابد من تحديد الغاية من الحوار، إذ بدون تحديد أهداف ومرامي الحوار لن يصل المتحاورين إلى غايات مرجوة، فتحديد القضايا والأهداف يشكل مدخلاً هاماً في الحوار.
- استناد التعامل إلى معايير يؤمن بها المتحاورين: وهما ركيزتان أساسيتان في التعامل مع الآخر، ففي ظل فقدان العدالة والموضوعية، وغياب المعايير والمقاييس المنضبطة تصبح النظرة إلى الآخر جائرة، والأحكام المسبقة قاسية على الآخرين.
- تحديد الغاية من الحوار: على المتحاورين أن يتقيدوا في ما بينهم بحسن الخطاب والتزام القول الحسن وتجنب تسريب المعلومات، ذلك أن احترام الآخرين من الأمور الإيجابية التي تسهم في إنجاح التعامل والارتفاع به إلى آفاق متقدمة. وهذه الآداب الإيجابية لها من الآثار الطيبة التي تسهم في بلورة معطيات وأسس الحوار وهذا يتطلب الانفتاح والقبول لدى كل الأطراف[9].
وعلى ما سبق، يجب أن يتوفر الأهلية الكافية لدى المتحاورين، أي أهلية المحاور من حيث العلم والثقافة الواسعة والمعرفة بالقضية المطروحة للحوار، ومن هنا لابد أن يكون كل طرف في الحوار حكيماً فطناً عالماً بمتطلبات العصر، فقيهاً في قضايا الفكر وتحولاته، قوياً مستقيماً، عارفاً بجذور المختلف حوله، مدركاً لرسالته الراهنة، متفتح العقل ذكي الفؤاد، واسع الأفق محيطاً بمعارف عصره، على قدر كبير من الثقافة والخبرة والدراية في الأمور التي تطرح للحوار، وبهذا المعنى فإن الحوار قوة وسلاح من أسلحة السجال الثقافي والمعركة الحضارية خصوصاً في عصرنا الراهن، وهو أيضاً وسيلة ناجحة من وسائل الدفاع عن المصالح العليا للأمة، وشرح قضاياها، وإبراز اهتماماتها وأهدافها، وتبليغ رسالتها، وإظهار حقيقتها… إلى غير ذلك.
المبحث الثاني: آداب الحوار
* عفة اللسان والموضوعية في الطرح: على المحاور أن يكون لسانه مقوماً وكلامه بليغاً من غير تقعر أو تشدق، وأن يسلك الأسلوب السهل بعيداً عن الكلام المبتذل، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الأنبياء كانوا على درجة عالية من البلاغة وحسن الأسلوب والبيان الأمر الذي ساعدهم على تبليغ دعوتهم وحوارهم لأقوامهم، لقوله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)[10].
* الإصغاء الجيّد، وحسن الاستماع: حسن الإنصات والاستماع الجيّد، وتجنب المقاطعة من أقوى عوامل نجاح عملية الحوار، فعدم الاستماع الجيد يدفع الآخرين إلى تجاهل الذين يتجاهلون حديثهم[11].
* احترام شخصية المحاور: وذلك من خلال الآتي:
- اهتمام المحاور بالطرف الآخر اهتماماً ودياً، وذلك بالانتباه لكلامه، وعدم تجاهله.
- عدم اللجوء إلى النقد الشخصي الصافر في ما يخص سيرته الذاتية أو العائلية، وتجنب استخدام ألفاظ التهديد أو الوعيد.
- إفساح المجال أمام الطرف الآخر للدفاع عن وجهة نظره كاملة، والتعامل مع أفكاره بصدر رحب عن طريق إتاحة الوقت الكافي لعرضها وبيانها.
- الحوار بهدوء ورؤية ثاقبة: وذلك لأن الانفعال والتوتر النفسي في الحوار يفضي بالنتيجة إلى فشل المحاورة وعدم الإفادة منها، فلا حاجة إلى الاستمرار فيها، بل إن ضرر المحاورة التي يسودها الانفعال يكون أكثر من نفعها. فقد يكون المحاور على خطأ في الفكرة أو المعلومة التي يطرحها، ولكن المرونة والهدوء يعملان على استمرار الحوار واستكمال موضوعاته، أما التوتر والتعصب فهي أمور لا تخدم أهداف الحوار[12].
- الالتزام بالوقت المحدد: على كلا المتحاورين الالتزام بالوقت المحدد في الحوار والمناقشة عند كل طرف من الأطراف، لأن هذا الالتزام يجعل الطرف الآخر إيجابياً في استجابته وتفهمه، وهو في نفس الوقت عدل في تقسيم الوقت وتوزيعه بين المتحاورين.
- التسليم للحق والاعتراف بالصواب بعد قيام الحجة والدليل من أحد المتحاورين.
- الانطلاق من المبادئ المتفق عليها: ليكون الختام مسكاً من خلال التزام الجميع بما تعاهدوا عليه في بداية الحوار من الإنصاف والرجوع للحق بدلاً عن الشخصنة، امتثالاً لقوله تعالى:( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)[13].
- أن يكون الهدف الوصول للحق، وليس الانتصار للنفس.
- يجب أن يتجنب المتحاورين التوتر والانفعال الزائد من اللزوم.
المبحث الثالث: الحوار وبناء قاعدة التواصل الاجتماعي
التواصل لغة: هو الاقتران والاتصال والترابط والالتئام والإبلاغ والإعلام والاجتماع وغيرها[14].أما اصطلاحاً: هو نقل معلومة ما من شخص إلى آخر، وإخباره بها واطلاعه عليها[15]. وعرّفه (لاكان):” بأنّه نقل معلوماتInformationمن مرسل إلى متلقٍ بواسطة قناة محددة، بحيث يستطيع المتلقي فهم الرسالة وفك رموزها والاستفادة منها، مع ضرورة وضع الاعتبار للتفاعلات التي تحدث أثناء عملية التواصل”[16].
بينما يرى بعض علماء الاتصال بأنه هو التفاعل الايجابي الناتج عن استعمال الحواس في إرسال الخطاب واستقباله، النابع من رغبة صادقة في للتواصل مع الآخر والاتصال بوجدانه عن طريق الفهم والإفهام والمنطق للوصول إلى المعرفة الحقة[17].
كما عُرّف بأنه عبارة عن علاقة ترابط بين شخصين أو أكثر بوسائل مختلفة(كاللغة أو الرموز أو الكتابة أو الأصوات) تتوخى أهدافاً واضحة. وقد ذهب آخرون بأنه هو التبليغ والتوعية والتوجيه عن طريق الاتصال بالجماهير[18]. فالتواصل هو الآلية التي بواسطتها تبنى العلاقات الإنسانية، من خلال الاستخدام الأمثل لوسائل الاتصال المختلفة، لتحقيق غرض التواصل أما بالتأثير أو الاقناع أو الاغراء أو نقل المعلومات، وذلك باستخدام وظائف وجدانية مثل التبادل Exchange والتبليغTransfer والتأثيرImpact [19].
وعلى ما سبق يرى الباحث أن التواصل هو فن التعامل مع الآخرين من خلال الاتصال أو الحوار لبناء علاقات التعايش، واحترام الآخرين وتقديرهم، فالتواصل هو ربط شيء بشيء، ويتمثل في وصول فكرة أو كلمة أو معنى أو إحساس من شخص إلى آخر بهدف إحداث تأثير في سلوكه وقيمه وأخلاقه. وبمعنى آخر هو سلوك أفضل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء من مرسال الرسالة إلى المستقبل بغرض التأثير والتوجيه والإقناع بما يحقق الأهداف والأغراض المرجوة.
فالاتصال الذي يحقق أهداف الحوار بالتي هي أحسن هو عبارة عن تبادل الأفكار والمعلومات والآراء لتحقيق فهم جديد لم يكن معروفاً من قبل، أو هو عملية نقل الأخبار والأفكار والمشاعر والمهارات والخبرات بين شخص أو أكثر باستخدام رموز(كلمات+ صور+حركات)[20]. لذلك من الضرورة بمكان أن يبدأ الشخص بنفسه أولاً ثم بالآخرين، حتى يستطيع أن يحقق معاني الوحدة والتواصل الاجتماعي، والتعايش السلمي من خلال ممارسته للشعائر العبادية والتعبدية، فكل العبادات تحقق معاني التواصل عند الاتصال برب العالمين، وهذا يشير إلى أهميّة التواصل الاجتماعي من خلال الترافق بالإشارات التواصلية للقيم الآنية والمستقبلية.
كما يرجع أصل كلمة الاتصالCommunication إلى اللفظ اللاتيني Communes ومعناها Common أي مشترك. وجاء في معجم اُكسفورد بأنه: إبلاغ أو نقل أو تبادل الأفكار والمعرفة من المصدر إلى المتلقي، وهذا ما يعرف بالاتصال المتبادل بين شخص أو أكثر بواسطة رموز أو منبهات أو إشارات كلامية أو صورية أو حركية[21]. وقد عرّفه كارل هوفلاندCarl Hovelaned بأنه:” العملية التي يقّدم من خلالها القائم بالاتصال منبهات(رسالة) كي يعدل في سلوك الأفراد، وهذا ما يسمى ب(مستقبل الرسالة The future of the message)”.
ومن خلال تلك التعاريف السابقة نستنتج أن الاتصال هو عملية نقل المعلومات Information لتفعيل الصورة الذهنية كي تسهم في أمر أو طلب ما بغية تحريك مفاهيم الحياة الاجتماعية. وهذا ما مارسه سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم لنشر الدعوة الإسلامية، والتي من خلالها نجحوا في إرساء دعائم الدعوة بين الملوك والأمراء.
وعلي الرغم من عدم توفر وسائل الاتصال حتى تلك اللحظة إلا أن مجلس دولة المدينة المنورة كانت بمثابة المؤسسة الإعلامية التي تستقى منها برامج الاتصال علي كافة الأصعدة، لذلك فإن الاتصال كظاهرة اجتماعية تقام غالباً بين طرفين لتحقيق هدف أو أكثر من خلال نقل حقائق ومعلومات وأفكار أو آراء في اتجاهات قد تكون مضادة ولكنها تسعي لتحقيق تفاهمات متبادلة أي بمعني أنه يحقق النسق الاجتماعي الذي يتم فيه إحداث تغيير في الممارسات بواسطة رموز ودلالات مصحوبة بأهداف وغايات يرمي إليها المصدر، عندما يرسل رسالة لعدد من الجهات. أيضاً هنالك من يري أن عملية تفاعل وتبادل المعلومات بين طرفين أو أكثر أحداهما مرسل الرسالة والأخر مستقبل الرسالة تهدف في مضمونها إلى إثارة سلوك المستقبل، وهو بمثابة حوار اجتماعي يستخدمه الشخص لتنظيم أو لتغيير أنماط من الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية، ونقل أشكالها ومعناها من جيل إلى جيل عن طريق التربية والتعليم[22].
فالتواصل بأنواعه المختلفة هو جزء من العملية الاتصالية التي تهتم بالذات الإنسانية منذ قديم الزمان، وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم التواصل كمحور من محاور الاتصال اليومي مع أصحابه في شتى ضروب الحياة امتثالاً لقوله تعالى:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[23]. فالحوار والمجادلة بالتي هي أحسن هو أحد المقومات الأساسية التي تقوم عليها عملية التواصل الاجتماعي، لذلك جاء القرآن الكريم مخاطباً العقل للتمييز عن أساليب السحرة والكهنة الذين يخاطبون الوجدان والعواطف استناداً على أفعال آلهتهم.
وكثيراً ما تُبنى العلاقات الإنسانية بين المتحاورين من خلال الاتصال الجماهيري بفضل تأثير الرسائل المرسلة، والتي يجب أن تقوم على مبدأ الأمانة والتحلي بالقيم الأخلاقية الفاضلة التي تعكس نفسية الداعي والمدعو في أمر الدعوة إلى الله تعالى، لقوله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}[24]. فالإنسان كغيره من الكائنات الحية له مطالب ضرورية وحاجيه وتحسينية لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق التفاعل مع الآخرين[25]، فالتواصل هو محور حياة الإنسان، كما هو محور كل التفاعلات الاجتماعية التي تؤدي إلى استقرار المجتمع.
فالناظر لمصادر الإسلام، من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، يجد بكلّ وضوح وجلاء أنَّ كثيراً من وصايا الإسلام وواجباته وأحكامه تدعو إلى إزالة معوقات التواصل بين الأفراد والجماعات، ولم يأتِ الإسلام لهدمِ الإنسانية، إنما جاء لهدم الحواجز التي يمكن أن تفصل الإنسان عن أخيه الآخر، ونبذ العصبيات والكبر والغرور والحقد والحسد وسوء الظن… وغيرها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[26].
فالمجتمع الذي لا أخلاق له، والذي يفصل بين أبنائه بالحقد والحسد والبغضاء والكبر، ولا يثق المرء بأخيه، والذي لا يقوم على قاعدة الحب والإخلاص والصفاء، لا يمكن أن يرتقي أو يبني حضارة إنسانية يمكن أن يخلص الأمة المسلمة من براثن الخلاف والاختلاف. فالتعاليم الإسلامية يبني المجتمع على السلام والأمن والأمان، وعلى المحبة والتواصل والتعاون والإخاء والتكافل، أي مجتمع خالي من الحواجز النفسية والاجتماعية المتشابكة.
المبحث الرابع: التدرج في الحوار سنة إلهية في الأديان السماوية
إن التدرج في الحوار سنةٌ ربَّانية في جميع الرسالات السماوية، ابتداءً بنوح عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عجبَ في ذلك؛ فإن جميع الرسالات جاءت من عند اللهِ الواحد الأحد، وجميعُ الرسل أرسَلهم الله تعالى ليُبلِّغوا للخلقِ رسالة واحدة، وهي رسالة التسليم والانقياد لله رب العالمين، وليأمروا الناس بعبادته، ونَبْذ عبادة الأصنام والأوثان، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[27]. وقد بدأ الرسولُ صلى الله عليه وسلم دعوتَه إلى توحيد الله تعالى باللِّين والرفق، مستنداً على الأدلة والبراهين التي تؤكد وجود المولى عزّ وجلّ، كما استخدم أسلوب الترغيب قبل الترهيب، حتى لا يجد أصحابُ المصالح الدنيوية مسلكاً يخوضون له بالتكذيب وإلقاء الاتهامات، وقيادة حملات التشكيك والطعن في بشريته صلى الله عليه وسلم، أو يطعنون في صدقه، أو في نبل الغاية التي جاء لأجلها، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام يُتَّهَم بأنه في ضلال مبين، لقوله تعالى:{ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[28].
وبناءً على تلك المعطيات فإن التدرُّج في سير الدعوة عامٌّ في جميع الرسالات السماوية، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرسل رحمة للعالَمين، فلم يَدْعُ على قومِه بالهلاك، بل دعاهم إلى عبادة الله بالهداية ليُخرِجَهم من أصلاب المكذِّبين والمشركين. ومن مشيئته تعالى ألا يكون عذابُها استئصالاً، لهم، لقوله تعالى: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[29]. وذكر الرازي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: لَمَّا نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، شق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال:(ما بقاء أمتي إن عوملوا بذلك؟)، فقال جبريل:(إنما أنا عبدٌ مثلك، فادعُ ربَّك لأمتك)، فسأل ربه ألا يفعل بهم ذلك، فقال جبريل:(إن الله قد أمَّنهم من خصلتين: ألا يبعث عليهم عذاباً من فوقِهم كما بعثه على قوم نوح ولوط، ولا من تحت أرجلهم كما خسف بقارون، ولم يُجِرْهم من أن يَلْبِسَهم شيعاً بالأهواء المختلفة، ويُذِيق بعضهم بأس بعض بالسيف)[30]. وعلى ذلك المنوال، يجب على الأطراف المتنازعة أن ينحو منحى العزة والكرامة في حفظ الحقوق، وأن يكون الحوار هو السبيل الوحيد لإحقاق الحق، وإبطال الباطل.
المبحث الخامس: أثر وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة الحوار
بتطور أنماط التواصل الاجتماعي انتقل تحليل الشبكات الاجتماعية من كونه منهج تحليلي لنماذج مختلفة، مصحوباً بالبيانات الخاصة بالشخص المرسل للرسالة، إلى الأساليب والبرامج التي تساعد على تحليل البيانات، والكشف عن علاقة الفرد بالآخرين. وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعيSocial Media من أحدث التطورات التي طرأت على حياة البشرية اليوم خاصة عندما استخدم الإنسان تكنولوجيا الاتصالات(الشبكة العنكبوتيةnetwork ) بشكل تفاعلي أكبر، وذلك بإدخال بيانات ومعلومات من المستخدم إلى المستقبل، لتبادل المعلومات بين المشتركين مع إمكانية التفاعل المباشر والحر علي المواقع دون تكلفة، كما أنه أتاح الفرصة للمتلقين بأن يصنعوا برامجهم دون قيد أو شرط. وفي هذا السياق يمكن لكل فرد أن يستخدم قنوات التواصل الاجتماعي لغزو العالم، خاصة عندما يتفاعل مع الأحداث بصورة واقعية أو غير واقعية، وهذا ما نلحظه اليوم خاصة عندما اجتاحت الثورات العربية منطقة الشرق الأوسط، والاحتجاجات التي عمت العديد من الدول الأوروبية والأمريكية والقارة الأفريقية.
فالشخص الذي يعيش الأحداث يستطيع أن يصورها أو يكتب عنها، بل في مقدوره أن يكيف نفسه بها، وهذا ما يسمى بالتواصل الاجتماعي. ومن خلال تلك المعطيات فإن مصطلح التواصل الاجتماعي يشير إلى مقدرة مدخل البيانات في استخدام تكنولوجيا الإنترنت والمحمول لتحويل الاتصال إلى حوار تفاعلي بين الأفراد والجماعات. وقد يرى اندرياس كابلان ومايكل هانلين أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي هي بمثابة: “مجموعة من تطبيقات الإنترنت التي تبني على أسس أيديولوجية وتكنولوجية تسمح بإنشاء قنوات لتبادل المعلومات”[31] وقد تأخذ تكنولوجيا وسائط التواصل الاجتماعي عدة أنماط أو أشكال منها:
* الوسائط النقالة: تشير وسائل التواصل النقالة إلى مجموعة من الأجهزة المحمولة التي تسمح بإنشاء وتبادل المعلومات أو المحتوى من المقدم إلى المستخدم سواء أفراد أو جماعات.
* مواقع التواصل الاجتماعي: وهي عبارة عن تبادل الرسائل من المرسلين إلى المستقبلين، بحيث تتناسب الرسالة مع الموقف المعين، مثل نشر رسائل فيس بوكFace book، تويترTwitters، واتساب Whatsapp، أو مسنجر Messengerأو أية تحديثات أخرى.
فالتواصل والاتصال بين المتحاورين يمكن أن يتم بطريقتين: تواصل مباشر، وتواصل غير مباشر ، أي عبر وسيط. وهما يتشابهان في عدة جوانب منها:
* كلا النوعين من التواصل بحاجة إلى مرسِل ومستقبِل، فلا تكتمل دائرة التواصل إذا فقد أحد طرفيه.
* التشابه في تفعيل علاقات التواصل؛ فكلما كان الإدراك عالياً، كلما صار التواصل أكثر تأثيراً.
* يمثلان مركز الحضارة الإنسانية، فلولاهما لما تطورت علاقات التعاون بين البشر، ولما نشأت العلاقات العامة الأسرية والمجتمعية والدولية.
* يقاس بهما الرقي الإنساني والدولي، وذلك من خلال تقديم مستويات ومعدلات للتواصل الاجتماعي.
ومن خلال تلك الملاحظات فإن عمليات التواصل الاجتماعي تنطوي على تناقضات داخلية أو أخرى خارجية يستحيل التخلص منها. فكلما زاد الاتصال الإلكتروني انخفض التواصل الإيجابي. فالمفارقة الحقيقية هي التناقض الصارخ بين التكاليف الاقتصادية من جانب، وبين التكاليف النفسية والاجتماعية والإنتاجية من جانب آخر.
فإذا استخدم الفرد وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مقبول، يمكن أن تفعَّل المهارات الإدراكية بكل سهولة، وهذا يساعد في إعطاء مساحة واسعة في تدفق المعلومات، وإشاعة الموضوعية في توثيق المعلومات. وهنا يسمح للأفراد الإعلان عن أنفسهم وتكوين الصداقات فيما بينهم. لذلك تشير بعض الدراسات إلى أن المشاركين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية. فأكثر النّاس يفضلون الرسائل النصية المباشرة التي تسهم في خلق مشاعر الوحدة والألفة والمودة. فالاتصال من خلال قنوات التواصل الاجتماعي أكثر خصوصية، فالجميع لديهم القدرة على صنع المحتوى، الذي يوفر للأفراد فرصاً الوصول إلى الجمهور بشكل أـكثر فاعلية. وعلى ذلك، يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على مكانتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، كما أنها تتَيح للمتحاورين القدرة الكافية للتعبير عن ذاتهم وقضاياهم بطريقة غير مسبوقة. وفي هذا يمكن أن يكون التواصل الاجتماعي انفصالاً إذا ما تم استخدامه بالصور التالية:
* مخاطبة وسائل التواصل الاجتماعي بالمزاج الشخصي: رغم أن بعض الوسائط الاجتماعية توفر للمستخدمين فرصة المشاركة على المستوى الفردي، إلا أن هنالك ضعف بين التوافق والمشاركة، مما يؤدى إلى إنشاء مخازن للمعلومات تحكي عن قضايا مخالفة للنظام الاجتماعي المحافظ، وهنا تظهر الازدواجية في التعامل بين الوسائط الإعلامية التي تساعد في عزل البيانات الواردة عن المستخدمين الآخرين، وبين الذين يمارسون الحوار لأجل إحقاق الحق وإبطال الباطل.
* تفشي ظاهرة القرصنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتعامل مع الظواهر السالبة بصورة مخالفة لمقاصد وأحكام التشريع الإلهي، وهنا يظهر النقصان في التفاعل الاجتماعي بشقيه الفردي والجماعي.
* تعرض المجتمع لحالة من التدهور القيمي والأخلاقي والسلوكي.
* خلط المستخدمون بين فاعلية وسائل الاتصال الجماهيري، والتواصل الاجتماعي والحوار، وهنا يميل كل فرد إلى التصرف بشكل مختلف، الأمر الذي يسبب الكثير من التوتر والقلق والكبت النفسي، مما يدفع البعض إلى الخوف من التعرض للاختراق والقرصنة.
* يلجأ الكثير من مستخدمي قنوات التواصل الاجتماعي إلى تكريس مفهوم العزلة الاجتماعية: تشكل العزلة الاجتماعية أكبر شكل من أشكال الانفصال بين البشر، خاصة عندما يغيب الرؤية الصائبة في تناول موضوع الحوار، وهذا يمثل أكبر التحديات والتهديدات للمتحاورين.
* بعض المتحاورين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للهيمنة والسيطرة(ثورات الربيع العربي).
* الاستخدام الأناني لبعض وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الحوار.
* غياب الموضوعية في تبادل الأفكار والآراء.
* غياب الرؤية الكلية لأهداف وأهمية الحوار.
وانطلاقاً من تلك المعطيات فإن التواصل قد تخطى حيزه الاجتماعي المعروف، عندما يظهر في الأفق نزاع بين المستخدمين أنفسهم، فمنهم من يرى أنه شأن خاص، ومنهم من يرى أن هنالك عدم مسؤولية في نقل وتبادل الأخبار والمعلومات، وهذا إن دلّ إنما يدل على شكل الانحراف الذي يظهر في القيم والسلوك عند بعض الشباب الذين يستخدمون هذا المواقع، وما يؤكد ذلك العدد غير المألوف التي ظهرت بها المواقع، وما يدور حولها من الأخبار غافلين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لقي أخاه المسلم بما يحبُّ ليسرَّهُ بذلك سرهُ الله عزّ وجلّ يوم القيامة”[32]، فالذي يدخل السرور في نفس أخيه المسلم ييسر الله سبحانه وتعالى أمره يوم القيامة، أمّا الذين يلهون ويلعبون بقصد الترفيه والمؤانسة فهم يريدون التحيز وعدم المبالاة وذاك أخطر على حياة الأمة المسلمة.
وعلى ما سبق فالتواصل الاجتماعي وجهان لعملة واحدة، فكما تقدم النفع للبشر، أيضاً تقدم المساوئ ومنها الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتمثل في نشر الرذيلة والأفكار الهدامة المخالفة للشرع والقانون، وإدمان الإباحية، وانتهاك الخصوصية الفردية، ونشر الشائعات، والتطرف بشتى أنواعه وخلق الصراعات الفكرية، الأمر الذي خلق نوعاً من التفكك الاجتماعي والانفصال، بدلاً من التواصل بالمعروف. وفي ظل المتغيرات الدولية الراهنة علينا أن نفكر جميعاً في كيف يمكن صياغة المجتمع نحو تحقيق غاية الوجود من خلال الاعتراف بحق الآخرين في العيش الكريم، وحفظ آدميتهم.
ولتحقيق تلك المطلب علينا تقديم تأويل علمي للتواصل الاجتماعي بين الآخرين بشكل رصين، وهذا مما يتيح الفرصة للتعامل مع الظواهر الاجتماعية والدينية والسيكولوجية وفق حاجة الإنسان، فإذا ما تحقق تلك الفرص يمكن للفرد والجماعة أن يخلق نوعاً من الانسجام التناسبي والمواءمة في حل القضايا الآنية والمستقبلية سواءً بين الفرد وذاته أو بين الجماعة أو المجتمع.
المبحث السادس: العلاقة بين قيم وضوابط التواصل الاجتماعي وثقافة الحوار
لكي يحقق التواصل الاجتماعي أهدافه ينبغي أن يضبط بقيم شرعية توجه النوايا بصورة مثالية، ومن أهمها :
* إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، وحسن الظن بالناس، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }[33].
*التعارف ونشر قيم الخير والسلم بين الناس يحقق الأمن والأمان في المجتمع.
* تطوير مهارات التواصل وتنميتها بنيةٍ خالصةٍ يحقق العدالة في العيش الكريم.
*جودة القيم التنظيمية يحقق الاحترام المتبادل، والإقبال عليه بوجه طلق.
*التكامل بين معايير الصدق والأمانة والحياء والتواضع والرفق بالآخرين والخضوع للحق، يحقق فاعلية التواصل بين الآخرين.
وقد تشمل ضوابط التبليغ والإرسال مثل حسن البيان والرفق بالمخاطب ومخاطبته بالحكمة والموعظة الحسنة لقول رسول الله صلى الله عليه والسلام:” إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ”[34]،فالرفق بالمتلقي ومخاطبته بالحسنى والكلمة الطيبة في التلقي وحسن الاستقبال والإنصات والإقبال وعدم المقاطعة والتثبت ضرورة واقعية لنجاح عملية الحوار، لقوله تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[35].
المبحث السابع: العلاقة بين معوقات التواصل الاجتماعي وآفات الحوار: للتواصل الاجتماعي عدة معوقات منها:
*المعوقات النفسية: وهي بمثابة المشاعر النفسية السلبية التي يخفيها أحد أطراف التواصل خاصة التي تحد من قدرته على التبليغ أو الاستجابة، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[36]، وتصنف كالتالي :
أ- معوقات الإرسال: وتشمل آفات التعالي والإعجاب بالنفس، وهي من الخصال التي تنفر المخاطبين. ب- معوقات الاستجابة: وتشمل آفات الكبر والجحود واحتقار الآخرين، وغيرها من المعوقات التي تحول دون استجابة المخاطبين للمتصف بها.
*المعوقات السلوكية: وتتمثل في عدم احترام الآخر، والجنوح نحو الازدراء والاستهتار…. وغيرها.*
معوقات التبليغ: وتشمل الغضب والعنف في الخطاب اللذان يحولان دون تواصل المتحاورين فيما بينهم، كالتأنيب والانتقاد والإهانة والتنكيل والسخرية وغيرها.
* معوقات الإعراض: وتشمل آفات الغفلة التي تحول دون تفعيل عناصر التواصل بين المتحاورين.
كذلك للحوار عدة آفات نذكر منها:
1- رفع الصوت: كما يقال من لم يكن ذئباً أكلته الذئاب.
2- تهويل مقالة الطرف الآخر.
3- الضعف في شخصية المحاور.
4- الاعتداء أو وصف الآخر بالخيانة والجبن… وغيرها.
5- أخذ زمام الحديث بالغلظة والشدة.
وخلاصة القول فإن من أهم مبررات الحوار ودواعيه، أن الأصل في الحوار أن يبدأ نقاشاً وجدالاً بحسب أهمية الاختلاف، وهذه سنة الحياة لابد أن تكون متطلبات الحياة ثنائية، فلا تتولد الحياة نفسها إلا بالتفاعل بين الحق والباطل أو بين الخير والشر، وما من دعوة إلا وتبدأ بالحوار والجدال، ونحن كمسلمين بحاجة للمحافظة على مقاصد الشرع الاسلامي دفاعاً عن النفس أو حماية عن الأرض والعرض، لأن واقع الحياة اليوم مرتبط بالهيمنة والسيطرة سواء كان على وسائل الإعلام أو على نوع الخطاب. عليه يجب على المسلمين أن يبادروا بالحوار والنقاش في حل المشاكل الآنية والمستقبلية لأننا أصحاب رسالة، فلابد من تبليغها، ومن هنا فالضرورة الشرعية تقتضي العمل بمبادئ الحوار، وهذا يتطلب من الجميع معرفة طبيعة الآخرين وتاريخهم ودوافعهم وحقائقهم وإمكانياتهم، ثم الالتفات إلى جانب التدريب والتأهيل، والتفاعل مع الأحداث بواقعية لتأسيس أرضية ثابتة، ومحاولة الالتقاء حول نقاط مشتركة في الحقوق والواجبات، والعمل على التقريب بين المختلف فيه دون أن تشكل عقبة في نشر ثقافة الاعتراف بالآخر.
خاتمة
أكدت الدراسة إن للحوار والتّواصل الاجتماعيّ صورتان، صورة إيجابية وأخرى سلبية، فمن الإيجابيات هي:
أ. التواصل قيمة اجتماعية لا يستغنى منه الإنسان.
ب. التواصل فطرة طبيعية، يستطيع كل فرد أن يخلق علاقة مع ذاته ومع الآخرين من حوله.
ج. الذين يستخدمون قنوات التواصل الاجتماعي هم الذين يتحكمون بين خيار الاتصال الإيجابي والسلبي.
د. إن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدَّين، فالواجب على الشخص السوي أن يَستعمِل هذه المواقع للتواصل والتعارف، وليس للتناحر والتطرف والانفصال.
هـ. الحوار كمفهوم شامل يساعد على معرفة ثقافة الآخرين.
ومن النتائج السلبية:
- عدم تقبُّل الرأي الآخر، وظهور النقاشات الحادة أحياناً بين الأطراف المتواصلة يسبب أحياناً الكثير من معوقات التواصل والاتصال.
- إضاعة الوقت في التنقُّل عبر صفحات المواقع.
- إن ثقافة العزلة الاجتماعية تعوق من عملية نجاح الحوار.
- غياب الرقابة القانونية لرسائل التواصل الاجتماعي، قد أفضت إلى غياب الحوار الإيجابي.
- عندما يغيب آداب الحوار بين المتحاورين تتفشي ثقافة التطرف والإرهاب والغلو .
التوصيات
- تنمية المهارات الفكرية والإدراكية للشباب المسلم.
- ضرورة تأسيس جهات رقابية لمعرفة ما يمكن نشره في قنوات التواصل الاجتماعي.
- الاهتمام بالمرجعيات الدينية والتشريعية في بناء علاقات التواصل الاجتماعي، والحوار بالحكمة.
- إنشاء مواقع تهتم بنشر الوعي الإسلامي، وبالقيم الفاضلة للإنسان.
- ضرورة توجيه الخطاب الدعوي وفق مستجدات العصر.
- مجابهة التهديدات والتحديات الماثلة للثقافة الإسلامية.
قائمة المصادر والمراجع
- المراجع باللغة العربية
- ابن حميد، صالح بن عبد الله(بدون تاريخ). أصول الحوار وآدابه في الإسلام. دار المنارة،جدة،ط1.
- ابن منظور، محمد بن مكرم(1416هـ). لسان العرب. دار إحياء التراث العربي، بيروت،ط2.
- إمام، إبراهيم(1964م). أصول الإعلام الإسلامي. دار الفكر العربي،القاهرة،ط1.
- الباهي، حسان(2004م). الحوار ومنهجية التفكير النقدي، إفريقيا الشرق،ط2.
- بدر، أحمد(1974م). الاتصال بالجماهير والدعاية الدولية. دار القلم،الكويت،ط1.
- الترمذي، محمد بن عيسى(بدون تاريخ). الجامع الصحيح. دار إحياء التراث العربي، بيروت،ط2.
- الجاز، هاشم(2000م). الإعلام السوداني. مطبعة جامعة القرآن الكريم،امدرمان،ط1.
- الحسن، يوسف(1997م). الحوار الإسلامي المسيحي الفرص والتحديات، المجتمع الثقافي، أبو ظبي، ط1.
- الرازي، فخر الدين محمد بن عمر(بدون تاريخ).تفسير مفاتيح الغيب. دار الغد العربي القاهرة ط3.
- رشتي، جيهان(1997م).الأسس العلمية لنظريات الاعلام. دار الفكر العربي، القاهرة،ط2.
- الزهيري، محمد(1992م).فن الاتصال اللغوي ووسائل تنمية. مكتبة الفلاح، الكويت،ط1.
- زيادة، خليل عبد المجيد(بدون تاريخ). الحوار والمناظرة في القرآن الكريم. دار المنار، ط1.
- السقا، منقذ بن محمود(بدون تاريخ). الحوار مع أتباع الأديان- مشروعيته وآدابه. دار رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، ط 4.
- السماك، محمد(1428هـ). ثقافة الحوار في الإسلام، حرية الاختيار وحق الاختلاف، بحث في الإنترنت تاريخ: 8/1/1428، ط1.
- الشنقيطي، محمد الأمين(بدون تاريخ). آداب البحث والمناظرة. مكتبة ابن تيمية، القاهرة،ط1.
- الشنقيطي، سيد محمد(1994م). نحو تأصيل الدراسات الاتصالية. دار القرآن الكريم للنشر والتوزيع الرياض،ط1
- عبد الرحمان، طه(2007م). في أصول الحوار وتجديد علم الكلام. المركز الثقافي العربي، بيروت،ط3.
- عبد الكريم، لاكان(2001م). مقدمة في وسائل الاتصال. مكتبة دار زهران،جدة،ط1.
- العليان، عبد الله علي(2004م). حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين، رؤية إسلامية للحوار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1.
- فضل الله، محمد حسين(1994م). في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي. دار الملاك، ط1.
- محمد نصر، حسني(2000م). مقدمة في الاتصال الجماهيري. مكتبة الفلاح،الامارات.ط1.
- الهيثمي(بدون تاريخ). مجمع الزوائد. بيروت، دار القلم،ط3.
- وهبة، لمجدي، وكامل المهندس(بدون تاريخ). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب. مكتبة الأمل، بيروت، ط2.
- المراجع باللغة الأجنبية:
– 1Kaplan، Andreas M.؛ Michael Heinlein (2010). “Users of the world, unite! The challenges and opportunities of Social Media”. Business Horizons 53 (1): 59–68. doi:10.1016/j.bushor.2009.09.003. ISSN 0007-6813.2010-09-15.
[1] – ابن منظور، محمد بن مكرم(1958مـ).لسان العرب. دار الجيل،بيروت،ط2ج1/751
[2]– وهبة، وكامل المهندس(بدون تاريخ). معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب. مكتبة الأمل، بيروت، ط2.ج3 /154.
[3]– ابن منظور(1958مـ).مصدر سابق.ج1/751).
[4]– العليان، عبد الله علي(2004م). حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين، رؤية إسلامية للحوار، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1ص223.
[5]– الباهي، حسان(2004م). الحوار ومنهجية التفكير النقدي، إفريقيا الشرق،ط2.ص54
[6]– العليان(بدون تاريخ).مصدر سابق.ص223.
[7]– ابن حميد، صالح بن عبد الله(بدون تاريخ). أصول الحوار وآدابه في الإسلام. دار المنارة،جدة،ط1.ص3
[8]– السماك، محمد(1428هـ). ثقافة الحوار في الإسلام، حرية الاختيار وحق الاختلاف، بحث في الإنترنت، تاريخ: 8/1/1428، ط1.ص11.
[9]– زيادة، خليل عبد المجيد(بدون تاريخ). الحوار والمناظرة في القرآن الكريم. دار المنار، ط1.ص18
[10]– سورة إبراهيم: ٤
[11]– العليان(2004م).مصدر سابق.ص105.
[12]– السقا، منقذ بن محمود(بدون تاريخ). الحوار مع أتباع الأديان- مشروعيته وآدابه. دار رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة،ط4ص44.
[13]– سورة القصص: ٥٥.
[14]– ابن منظور(1958مـ).مصدر سابق،ص134.
عبدالكريم،لاكان(2001م). مقدمة في وسائل الاتصال. مكتبة دار زهران، جدة،ط1ص22.-[15]
الجاز، هاشم(2000م).الاعلام السوداني. مطبعة جامعة القرآن الكريم،امدرمان،ط1،ص4.-[16]
فضل الله، محمد حسين(1994م). في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي. دار الملاك، الأردن،ط1ص13.-[17]
الشنقيطي،سيد محمد(1994م).نحو تأصيل الدراسات الاتصالية. دار القرآن الكريم للنشر ،الرياض،ط1،ص43.-[18]
بدر، أحمد(1974م).الاتصال بالجماهير والدعاية الدولية .دار القلم،الكويت،ط1،ص51.-[19]
محمد نصر، حسني(2000م).مقدمة في الاتصال الجماهيري. مكتبة الفلاح،الامارات.ط1،ص17.-[20]
محمد نصر، حسني(2000م). المصدر نفسه.ص17.-[21]
إمام،إبراهيم(1964م).أصول الإعلام الإسلامي. دار الفكر العربي،ط1ص175.-[22]
[23] -سورة النحل:125.
[24] -سورة الرعد:11.
-[25] عبد الكريم، لاكان(2001م).مصدر سابق. ص30.
5- الترمذي، محمد بن عيسى(بدون تاريخ).الجامع الصحيح. تحقيق أحمد شاكر، وآخرون، دار إحياء التراث العربي،بيروت،ط2،حديث رقم345. أو مسند الإمام أحمد،ج1: ص381،حديث رقم:89
[27]– سورة النحل: 36.
[28]– سورة الأعراف: 60.
[29]– سورة الأنعام: 65.
[30]– الرازي، فخر الدين محمد بن عمر(بدون تاريخ).تفسير مفاتيح الغيب.دار الغد العربي، القاهرة،ط3ج6/359.
[31]– Kaplan، Andreas M.؛ Michael Haenlein (2010). “Users of the world, unite! The challenges and opportunities of Social Media”. Business Horizons 53 (1): 59–68. doi:10.1016/j.bushor.2009.09.003. ISSN 0007-6813.2010-09-15.
[32]– الهيثمي(بدون تاريخ). مجمع الزوائد. بيروت، دار القلم،ج8/196.
[33]– سورة الحجرات:12.
الزهري، أبو الفضل(بدون تاريخ).موسوعة الحديث الشريف. حديث رقم:98.-[34]
[36]– سورة الحجرات:40.