
التغير المجالي بين المخطط والتلقائي بالمغرب: وادي زم أنموذجا
CHANGE SAPATIL BETWEEN PLANIFICATION AND SPONTANIE OF MAROCCO
الباحث دحماني لحسن/جامعة ابن طفيل القنيطرة- المغرب
DAHMANY LAHCEN / UNIVERSITY OF IBNO TOUFAIL-MAROCCO
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 66 الصفحة 23.
ملخص:
عرف المجال الواد زمي تغيراً ملحوظاً مع دخول الاستعمار الفرنسي، حيث عمل هذا الأخير على إنشاء مركز عسكري ما لبث أن تحول –بعد اكتشاف الفوسفاط- إلى مدينة منجمية، عرفت نمواً ديموغرافياً كبيراً بفعل الهجرة القروية. وقد كان هذا التغير المجالي في هذه المرحلة تغيراً مخططاً، خاضع لاستراتيجيات المستعمر لاستغلال ثروات المنطقة، وانعكس هذا التخطيط على مستوى المجال والعمران أيضاً… لكن بعد الاستقلال سيعرف المجال تغيراً مركباً: تغير مخطط من طرف الدولة والذي طغى عليه طابع المراقبة والضبط، وهو بالتالي استمرارية لرؤية استعمارية، وتغير تلقائي من طرف الفاعلين شاغلي/ مستعملي المجال من خلال استراتيجياتهم وتمثلاتهم وذاكرتهم الجماعية في تنظيم المجال.
الكلمات المفتاحية: التغير، المجال، التخطيط، التلقائي، الفاعل.
Abstract :
The territory of Wed Zam watched notable changes due to the French colonisation. Indeed , the French colonizer , that made of Wed Zam a military center, transformed it into a mine city after the discovery of the phosphate. As a result, the city saw a demographic growth because of rural migration. Such territorial change in that period was planned to meet the strategies of the colonizer meant to make use of city wealth . The planification affected the territorial as well as the urban fields. The territory of Wed Zam, however, would witness a complex change after the independence: a planned change by the state that was marked by supervision and regulation following the model of the colonizer, unplanned and spontanous changes made by actors and dwellers according to their own strategies, representations, and collective Memory .
Key concepts : change, territory, planification, spontanous, actor
تمهيد:لقد عمدت الإدارة الاستعمارية منذ توقيع الحماية، إلى القيام بمجموعة من العمليات التمهيدية لبسط سيطرتها على التراب الوطني. ولعل مدينة وادي زم، كانت إحدى المجالات التي اهتمت بها السلطات الاستعمارية، باعتبارها نقطة استراتيجية لمراقبة القبائل الواقعة تحت نفوذها. لكن مع اكتشاف الفوسفاط، عمدت السلطات الاستعمارية إلى إعطاء الأولوية للتنظيم الإداري، وذلك بإحداث أجهزة لتوجيه ومراقبة الإدارة المغربية بعد خضوعها للانتقاء، وإحداث أجهزة سياسية وإدارية وتقنية تسيطر عليها الأطر الفرنسية، وتعمل على تطبيق الأوامر وتوفير سبل الدراسات والتجهيز، كالبنيات التحتية اللازمة للاستغلال، من طرق؛ سكك حديدية، إدارات ووسائل اتصال.
لقد تميز التخطيط الحضري على عهد الحماية، باعتباره وسيلة استعمارية لتسهيل عملية استغلال المغرب والسيطرة عليه، وقد بدأ هذا النظام يتجسد منذ التوقيع على معاهدة الحماية مع فرنسا سنة 1912. إذ ما إن استتب لها الأمر حتى قامت سلطاتها باتخاذ جملة من التدابير تتعلق بالنظام الحضري، كان لها نتائج كبرى على تغير المجال بالمغرب، سواء على مستوى المدن العتيقة، أو على مستوى إنشاء مدن جديدة تتميز بطابعها الأوربي كمدينة وادي زم. إذا، ما دور الاستعمار في تغير المجال الوادزمي؟ وكيف ساهم التخطيط في هذا التغير؟ وهل التغير الذي شهده المجال الوادزمي منذ الحماية إلى اليوم كان تغيراً مخططا، أم تغيراً تلقائياً يرتبط بالفاعلين شاغلي المجال؟
تحديدات مفاهيمية:
التغير يقابل الثبات باعتباره “صفة ما لا يكف عن أن يكون هو نفسه”[1] أي بدون انقطاع وبدون تغير، أي هو في كل زمان، بمعنى الديمومة، أي مقاومة التلف.
إن التغير لا ينتهي دائماً إلى نفي تام أو نهائي للقديم، بل إن هذا القديم يتواصل بأشكال متعددة ومختلفة في ظل الحديث، لفترة تنتهي بالاضمحلال إما نهائياً بفعل لا فاعلية أوليات (ميكانيزمات) المقاومة أو الاندماج ضمن هذا الجديد بشكل يضمن له الاستمرارية في الوقت الذي تستمر معه مقاومة التغير.
إن الوقوف عند مفهومي الثبات والتغير والتمييز بينهما يستدعي الوقوف أيضاً على الفرق بين التغير والتطور والتمييز بينهما. فقد شكل موضوع التطور الاجتماعي موضوع السوسيولوجيا الكلاسيكية، أما التغير فهو موضوع السوسيولوجيا المعاصرة من خلال مناهجها ومقارباتها المتعددة. فالتطور هو جملة من التحولات يعرفها المجتمع خلال فترة زمنية طويلة تمتد على أكثر من جيل، أما التحول الحاصل على مستوى التغير الاجتماعي فهو معطى للملاحظة مثلما للتحليل على مدى أو فترات قصيرة على خلاف التحولات في معنى التطور الاجتماعي. ثم إن التغير الاجتماعي لدى غي روشي يختلف عن التطور من حيث كونه مموضع على صعيدي الجغرافيا والسوسيولوجيا، بمعنى قابليته الأكيدة للملاحظة في زمن أقل ومجال أضيق مما هو عليه بالنسبة للتطور الاجتماعي.[2]
يدعو غي روشي إلى ضرورة أن نمفصل بين التغير الاجتماعي والفعل التاريخي والسيرورة الاجتماعية . فالفعل التاريخي يستند إلى الفاعلون في التغير الذين هم أفراد أو جماعات أو حركات معينة، على أن فعل الفاعلين في التغير إما يتجه إلى مستوى المضمون أي محتوى التغير ذاته أو يمس من نسقه في اتجاهي الدفع أو على العكس البحث عن كبحه أي تعطيل تسارع التحولات. وقد يتجه فعلهم خارج فعل التعديل إلى منع حصول هذه التحولات ذاتها سواء كلياً أو في جزء من التنظيم الاجتماعي. يحيل هذا القول إلى أن الفاعلون في التغير يلعبون دوراً أساسياً في مساره ونسقه، سواء بشكل سلبي من خلال المقاومة والرفض لكل ما هو جديد والعمل على تعطيل تعممه وتجذره في النسق الاجتماعي، ومحاربة كل المحفزات والدوافع التي يمكن ان تؤدي إلى التغير. أو بشكل إيجابي من خلال دعمهم للتجديد ودفعهم إلى إحداث التغير.
إن هذا التعريف للتغير يؤكد على حضور مقولة الاختلاف والتباين، وتسمح لنا هذه المقولة بإدراك وتمييز حالتين يفضيان إلى ملاحظة حصول التغير. معنى ذلك أن التغير يتمفصل لدى آشي عبر مفهوم الحالة في المجال (المكان/الفضاء) والزمن في ذات الوقت. فالتغير لديه تحول قابل للملاحظة في الزمن على أن يمس بنية أو اشتغال التنظيم الاجتماعي لجماعة ما في الزمن والمجال.
ويفترض في التحول في معنى التغير لدر غي روشي أن تتلوه بلورة لهذا التنظيم سواء في مجمله أو في بعض مكوناته أي تغيير جزئي أو شامل ينبغي معه أن يكون هذا التغير قابلا للملاحظة والتعيين ووصف هذه المشكلات الحاصلة في عناصر أو كل التنظيم الاجتماعي، ويختلف التغير الاجتماعي عن الحدث العرضي. فهو يبرهن عن دوام أي استمرارية في مستوى التحولات الملاحظة. لتصنع هذه الديمومة الفارق المفاهيمي بين التحول بمعنى التطور وفي معناه المحيل إلى التغيير مثلما تسمح لهذه التحولات بأن تفعل في التنظيم الاجتماعي[3].
إن أهم ما يستدعيه موضوع التغير هو الرفض أو المقاومة ضمن المعاش اليومي المجالي (المكاني/الفضائي) والسلوكي والتواصلي للفاعلين المجاليين سواء كانوا أفراداً أو جماعات. هذه المقاومة لا يجوز أن ينظر لها على كونها مجانية أي لا تحيل إلى معنى وإلى دلالة تكشف موقع الفاعلين ومدى مشاركتهم أو انخراطهم او إقصائهم وتهميشهم من التخطيط للتغيير المجالي والاجتماعي.
تتقنع هذه المقاومة في أشكال عدة، ويتخذ الفاعلون ضمنها استراتيجيات فعل متعددة ومختلفة منها التغير التلقائي الذي يتواجد ضمن التغير المخطط والموجه، حتى وإن كان غير باد بشكل مباشر. ومن هذا المنطلق وجب التمييز بين التغير المخطط والتغير التلقائي سواء على المستوى المجالي أو الاجتماعي.
- التغير المخطط:
يعرف أحد أهم منظري التغير المخطط تيساي و تلياي التغير على أنه القابل لاحتواء كل محاولة تحضير أو تمدين عقلانية لتحول النسق الاجتماعي. ويحيل هذا الشكل من التغير مباشرة إلى العقلاني الذي يرادف التخطيط مثلما لمفهوم القصدية. يصبح التغير المخطط تغيراً عقلانياً قصديا يستجيب لإكراهات أعوان التغيير والجماعات التي يخدم مصالحها وأهدافها. وتحيل القصيدية إلى معنى الجبرية المتجسدة عبر المراقبة ووسائل الإكراه داخل المجال المديني منطلق ومسرح وهدف التخطيط بالنظر لبينة السلطة وموازين القوى ضمنه. وقد يكون التغيير المخطط القصدي الموجه نتيجة لا سلطة فاعل-جماعة، بل نتيجة تفاوض على أن هذه النتيجة تكشف عن تساوي ميزان القوى رغم التقاء الأهداف.[4]
إن هذا النوع من التغير يشترط التقاء الفاعلين في الأهداف والمصالح والتمثلات والتصورات أيضا، أي مناهج ووسائل تجسيد هذه الأهداف والمصالح. لكن الأمر في غاية الصعوبة، لأنه إذا تم التوافق على مستوى الأهداف والمصالح، فإن الاختلاف يبقى على مستوى تحديد وتعريف المشاكل ورصد الحلول. إذا فالتحالف يبين الفاعلين يكشف على نوع من التنازلات التي تخضع لبنية السلطة داخل هذا التحالف واستراتيجيات القوة أو القوى الأكثر تأثيراً. ويمكن أن نستعين ب لادروت ريموند في كتابه السوسيولوجية الحضرية sociologie Urbaine الذي سمى هذه القوى بالفاعلين العموميين والفاعلين الخواص. ويعتبر طبيعة العلاقة بين هؤلاء فيما بينهم وبين السلط والتجمعات والمؤسسات هي المحددة “للنماذج الجماعية الممكنة للفعل والنظام”[5]، أي أن هناك علاقات محددة بين بنية الفعل وبنية السلطة، وبين هاته الأخيرة والبنية المجالية، ثم بنية المؤسسات وبنية الفعل. ليصبح التغير بهذا المعنى، موجها بطبيعة العلاقة بين هذه البنى وأن أي تغير يجد تفسيره في هذه العلاقة بين الفاعلين الجماعيين.
إن التغير المخطط يضعنا أمام الجانب الشكلي للتنظيم الاجتماعي داخل المجال، ويستدعي مفاهيم: الفاعلين الاجتماعيين، الفعل الاجتماعي، الرفض والمقاومة، المراقبة والاكراه، واستراتيجيات الفعل والتخطيط.
- التغير التلقائي:
إذا كان التغير المخطط يعنى بالشكلي والعقلاني والقصدي والتخطيط الموجه والسلطة نحو المشاركة، فإن التغير التلقائي يحيلنا على اللاشكلي، إلى المخفي والمقدس والخيالي والرمزي، وإلى المقاومة والفاعل المجالي، أي مستعمل المجال وشاغله. إن استعمال المجال هو وحدة البحث الضرورية لتعقل وفهم تعاطي الفاعلين للمجال الذي يشغلونه ويتحركون ضمنه كجسد وذاكرة ويتفاعلون ويحيونه عبر إدراكهم وتمثلاتهم له، ويحيى فيهم ومعهم وبهم المجال. وتقرأ الذاكرة من خلال استعمال المجال باعتباره مجال المجازات، وبالتالي المعاش المجالي للفاعلين. فالتغير الاجتماعي بهذا المعنى عملية مجالية ، الأمر الذي يجعل من مقاربته سوسيولوجيا ترتبط بالمعاش اليومي حتى البسيط منه. فالتغير التلقائي يجد تفسيره في الوضعيات البسيطة للمعاش اليومي، باعتبار هذا الأخير تموضع الذاكرة في المعمار والتوزيع الوظيفي والترتيب اليومي للمجالي واستعماله، وبالتالي فالمجالي يرتبط بالمخيال الجماعي والرمزي والمقدس واللامُقال الخفي. وهو ما يذهب إليه مافيزولي ميشيل في اعتباره أن التعلق بالمنزل وبالأرض وبالمكان وبالعادات يقوم على هذه الخاصية المقدسة. [6]
لا يطرح التغير التلقائي نفسه كبديل للتحولات التي هي نتاج وموضع المراقبة الاجتماعية وإنما كتعبير رمزي للرأسمال الثقافي للذاكرة المجالية لجماعة أو جماعات اجتماعية معينة ورفض ومقاومة للتجديد وما يشكله من تهديد لقيمها ومعاييرها وتمثلاتها ومع صورتها لذاتها ولما حولهان التي تحقق لها تواصلاً مزدوجاً مع المجال: تواصل مع الماضي، وبالتالي الذاكرة عبر المجالي، والمعاش عبر الصورة والتمثلات المجالية للأهداف. وهو ما يخرج الفاعل من اجتماعيته الدوركايمية وعقلانيته المفرطة التي تحيل إلى الوعي الخالص الكانطي وتقصي الجانب اللاواعي الفردي الفرويدي كما الجماعي، أي يخرج التحليل من الاختزالية في بعديها الفرداني والجمعي.
يمكن أن نضيف إلى التعاريف السابقة تعريفا للتغير هو ما نسميه التغير المركب، وهو التغير الذي يحدث من خلال تدخل الفاعلين الاجتماعيين الجماعيين والفرديين الخواص بشكل مخطط من أجل إحداث تغيير على مستوى المجال والمجتمع، وهو ما يصطلح عليه بالتغير المخطط، أو من خلال تغير تلقائي يرتبط بالفاعل اليومي الذي يعيش بالمجال ويلتصق به ويستعمله ويعمل على تغييره وفق منطقه وتمثلاته وذاكرته المجالية، باعتبارها جزء لا يتجزأ من هويته المجالية، من خلال استراتيجيات للفعل ترتبط بالأهداف المتوخاة أو المشاكل المطروحة على الفاعليين.
1- التغير المجالي المخطط على عهد الحماية
لقد عمدت الإدارة الاستعمارية منذ احتلالها للتراب الوطني على عملية التخطيط من أجل تسهيل استغلال المغرب، وقد كان لمجال وادي زم نصيب من هذا الفعل التخطيطي الذي غير من بنية المجال ووظيفته أيضا.
- 1 وادي زم من مجال قبلي إلى مركز عسكري:
لقد كان المجال الواد زمي جزء لا يتجزأ من المجال القبلي لتادلة، باعتبارها إقليماً تقطنه تسع قبائل، أربع منها تقطن بالجنوب والباقي تقطن الشمال، وهي من الشرق إلى الغرب: بني زمور، السماعلة، بني خيران، ورديغة، بني مسكين، فهي قبائل تقطن الخيام وتملك قطعاناً كثيرة المواشي.[7]
كانت الانطلاقة الفعلية لمدينة وادي زم سنة 1913 نظراً لموقعها الحيوي، إذ بنيت بها ثكنة عسكرية، ورافق ذالك استقراراً بشريا يتكون من المرافقين للجيوش الفرنسية (فرنسيون، إيطاليون، إسبان وجزائريون) الذين سكنوا بيوتا مسقوفة بالقصدير لا زال بعضهما صامداً إلى اليوم.
الخريطة رقم 1 : النواة الأولى لمدينة واد زم 1913.
41
المصدر: عمل شخصي بناءا على تصاميم التهيئة2014.
صورة 1 : نواة مدينة وادي سنة 1920.
المصدر: شبكة الأنترنيت.
بعد تشييد الثكنة العسكرية واستقدام المعمرين، بدأت بعض البنايات البسيطة كدور السكنى ودكاكين للتجارة أنشأها مغاربة جاؤوا من مناطق أخرى، بعد ذلك أنشئ الحي الإداري قرب الثكنة العسكرية وضم عدة منشآت كالمستشفى العسكري والمحكمة والسجن ودار القايد وفرع شركة النقل بالمغرب CTM وغيرها من المنشآت. كما ساهم أبناء المنطقة في توسع المركز الحضري من خلال إنشاء سوق للحبوب المعروف في يومنا الحالي “بالهرية”. وفي سنة 1917 أنشئت السكة الحديدية لنقل الفوسفاط الموجود بالمنطقة، وفي سنة 1924 وضع أول تصميم معماري للمدينة من طرف سلطات الحماية بلغ تصوره لمساحة النواة الأولى للمدينة 30 كيلومتراً مربعاً، فتكون بذلك مركز حضري عصري يجدب تيارات الهجرة القروية.
صورة 2: محطة السكة الحديدية لمدينة وادي زم على عهد الحماية.
المصدر: شبكة الأنترنيت.
ونتيجة لهذا التوسع ستعرف المدينة الناشئة تطوراً مضطرداً أدى إلى نمو الأنشطة التجارية والخدماتية، وظهور مقاهي المعمرين ومحلات تجارية عصرية لتجار يهود، بالإضافة إلى تأسيس البريد.
بعد النشأة، عرفت المدينة دينامية بفضل ظهور مركز تجاري حضاري بمقاييس أوربية، يتوفر على سكة حديدية و على شبكة طرقية ومركز بدأ يعرف توافد هجرة قروية وأخرى وطنية ليشكل بداية تشييد عمراني بالموازاة مع التعمير الاستيطاني.
الخريطة رقم 2: المعالم الأولى لنمو مدينة وادي زم.
المصدر: عمل شخصي2014 .
وقد ظهرت ثلاثة أحياء رئيسية خلال هذه المرحلة (انظر الخريطة رقم 8 ):
- الحي الأوروبي: كان منطقة سكنية لها تصميم أوروبي خصصت للمستوطنين و الأطر العسكرية والمدنية من أسر الفرنسيين وغيرهم، وقد بنيت فيه كنيسة و مدرسة تسمى حاليا مدرسة “شوقي”.
– حي الأقواس: كان يسكنه قواد الدائرة و الأعوان و الموظفون، وشيد به فيما بعد مستشفى مدني و مدرسة “الفتح” إعدادية عمر بن الخطاب حاليا.
- الحي الشعبي: يسكنه أبناء القبائل المجاورة للمدينة بنى به المستعمر مدرسة تسمى اليوم “النجاح”.
إن التخطيط للنواة الحضرية الأولى المتمثلة في الحي الأوروبي عمل إضافة إلى بناء المساكن على بناء كنيسة للنصارى و دير لليهود و صيدلية و مقاهي سنة 1926 وملحقة لقنصلية فرنسا بالمغرب و بنكا أطلق عليه (Banque de France ) سنة 1935، ثم بنك) (BMCI سنة 1944 و ملعبا لكرة القدم و مدرسة أوربية وملعبا للكرة الحديدية ونادي للضباط و شركة للمشروبات (La Cigogne) وشركة للتبغ (Régie de Tabac)، وفرعا لشركة النقل المغربية (CTM) بجانبه فندقا و حانة ومطعما، و شيدت دار الضريبة و تعاونية فلاحية… هذه المنشآت بعضها اختفى وبعضها لازال قائما إلى الآن.
في نفس الفترة بدأ الحي العربي (Le quartier Arabe) يزداد نموا للاستجابة لحاجيات السكان فأصبحت المدينة مركزاً لنقل المنتوجات الفلاحية والمعدنية ومخزنا للأسلحة والوقود.
صورة 3 : جانب من الحي العربي.
المصدر: شيكة الأنترنيت
و استمرت المدينة تكبر عمرانيا بازدياد المرافق الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، إذ شيد المستعر مستشفى مدني وآخر عسكري ومجموعة من الشركات ثم عدداً من المراكز لحماية المصالح: كالدرك 1950 والقباضة و الأشغال العمومية ثم الشرطة فيما بعد.
لقد ظلت المدينة تنمو ببط ء معتمدة على الفوسفاط و موقعها بالنسبة للمحاور الطرقية والسكة الحديدية، فبرزت معالم نمو حضري متحكم فيه بنوع من التنظيم والانسجام من خلال تشييد أحياء منفصلة و مناطق متمايزة: حي أوروبي- حي شعبي- حي الأقواس- منطقة صناعية- حي إداري و سوق محلي. وبالتالي اتسم التوسع الحضري آنذاك بأنه كان توسعاً أفقيا كما أن جل المساكن كانت تتوفر على بهو و حديقة و بئر.
عرفت مدينة وادي زم تطوراً من مركز حضري ذي طابع عسكري بداية العشرينات من القرن الماضي إلى مدينة صغيرة قاربت ساكنتها 20 ألف نسمة سنة 1957، حيث وضع أول تصميم تهيئة للمدينة في عهد الاستقلال.[8]
تصميم م 3: لمدينة وادي زم 1957.
المصدر: صالح شكاك، 2005.
- التغير المجالي المخطط على عهد الحماية
احتلت وادي زم موقعا هاما في الطريق الرابطة بين مكناس ومراكش، وشكلت نقطة ماء حيوية بين ابن احمد و أبي الجعد، ومعبراً بين منطقتين مختلفتي السطح والمناخ، وموضعاً وسطاً بين قبائل تادلة الرتمة. وشكلت المنطقة لبعض الدواوير منتجعا أثناء فصل الربيع، و على هذا الأساس اتخذت منها القوات الفرنسية برئاسة ” كايدون دودفيس” مقرا لثكنتها[9].
ومنذ استكمال السيطرة على المنطقة، تحول الثقل العسكري نحو قصبة تادلة، وأصبحت وادي زم نقطة تموين خلفية. وإلى الغرب من الثكنة العسكرية تكونت نواة المدينة الجديدة، ففي سنة 1916 كانت النواة تتكون من عدة متاجر وفندقا ومطعما بجانب الطريق العابرة للمركز والرابطة بين بن احمد من جهة، وأبي الجعد والفقيه بن صالح من جهة أخرى. واستقر بالمركز حوالي 20 من التجار اليونان، بينما بلغ عدد السكان حوالي 400 نسمة، وساهم وصول السكة الحديدية وبناء محطة القطار والمصالح التابعة لها في وصول المزيد من الأوربيين، مما أتاح إمكانية توسع وادي زم في اتجاه الشمال الشرقي.
وفي زيارة للمقيم العام ليوطي لمدينة وادي زم في دجنبر 1920، اجتمع بالمعمرين والمسؤولين العسكريين، وبعد اطلاعه على الوضع المرفولوجي للمدينة، تدخل في وضع تصميم للمدينة، مبديا توجيهاته نحو الأماكن التي يمكن أن تتموضع فيها القرية الأهلية والفنادق والأهرية والشرطة والمكتب التجاري، المساحة الإدارية، البلدية، الكنيسة، المدارس والقضاء…الخ. وبهذا العمل يكون الجنرال ليوطي المهندس الحقيقي للمرفولوجية التي ستكون عليها مدينة وادي زم طيلة فترة الحماية.
وبهدف تحديد المجال العقاري الذي تبنى عليه المدينة اجتمعت بمكتب مراقبة المدينة، يوم 22 يوليوز 1921، لجنة ضمت ممثلين الإدارات المختلفة، كالمصلحة الخاصة بالهندسة وتصميم المدن، والأشغال العمومية ومصلحة أملاك الدولة ورئيس مكتب الاستعلامات بوادي زم، ومن القضايا التي بثت فيها هذه اللجنة:
- البث في قضية الأراضي المسلمة سابقا للأعيان، وحددت أسعار الأرض بوسط المركز، أي بساحة الكنيسة و على طول شارع القياد في 20 فرنكا للمتر مربع،
- وضع تصميم جديد للمدينة يراعي اتجاه الأزقة ومساحة البقع الموزعة ويوفر شروط الصحة وتوفير الماء والكهرباء.
لقد قدمت وادي زم نموذجاً أساساً في مسألة التسيير البلدي، فكانت من وراء إحداث الشؤون المحلية « Commissions d’intérêts locaux » ، وطبق هذا عوض النظام البلدي، وانتظمت وادي زم في هذا الإطار بموجب قرار 8 أكتوبر 1921، وتكونت لجنة مصالحها المحلية من ثمانية أفرد، ثلاثة منهم مغاربة. ويتم تجديد الأعضاء على رأس كل سنة. وتطبيقا لظهير 10 دجنبر 1927، وأصبحت اللجنة تتكون من 11 عضوا خمسة منهم مغاربة، وأصبح الأعضاء يعينون لمدة ثلاث سنوات. وقد اعتبر القائد رئيسا لها والمراقب المدني عضواً مشاركاً، وحددت مهامها في تقديم اقتراحات وحلول تؤخذ بعين الاعتبار في كل ما يتعلق بالتنظيم المحلي كمد الطرق والإنارة والنظافة والبناء والتهيئة الحضرية وأشغال الصيانة.
2- التغير المجالي لوادي زم بين المخطط والتلقائي في فترة ما بعد الاستقلال
لقد عرفت مدينة وادي زم- شأنها في ذلك شأن كل المدن المغربية- توسعا ملحوظا لفترة ما بعد الاستقلال، وذلك لما عرفته من تزايد في عدد السكان بفعل الهجرة القروية من المناطق المجاورة، ويمكن تقسيم توسع المدينة إلى مرحلتين أساسيتين هما: المرحلة الأولى وتبدأ مع سنة الاستقلال 1956 وتنتهي 1967. أما المرحلة الثانية فسنعالج فيها تطور وتوسع المدينة ما بعد 1967 إلى اليوم. لنرصد بذلك أهم التغييرات على المشهد العام للمدينة، وما هي أهم الاختلالات التي عرفتها المدينة خلال فترات توسعها هذه؟
- 1956- 7196 : بناء حي المكتب الشريف للفوسفاط
استمر النمو الحضري لمدينة وادي زم حيث شكلت قبلة لمزيد من الهجرة الداخلية، مما جعل العرض المجهز من القطاع المبني أو القابل للبناء يعجز عن احتواء الطلب، الشيء الذي دفع الجهات المسؤولة إلى إخراج تصميم تهيئة سنة 1975 الذي فتح مرحلة جديدة من التوسع المتميز بسمات التخطيط الحضري المغربي. كان من أبرزها إنشاء حي الفوسفاط سنة 1196 الخاص بموظفي المكتب الشريف للفوسفاط بالإضافة إلى إنشاء وحدتين صناعيتين إضافيتين الأولى لصناعة القطن، و الثانية للغاز مع ما رافق ذلك من ازدياد في القطاع المبني.
و بعد تزايد النزوح القروي بسبب الجفاف و استقدام العمال من مناطق مختلفة للعمل في مناجم الفوسفاط تزايد التوسع الحضري من الجهات الثلاث للمدينة: شمالا و جنوبا و بشكل أكبر نحو الغرب يعني مدخل المدينة من الطريق القادمة من خريبكة. أما جهة الشرق و الشمال الشرقي فقد ظلت السكة الحديدية والمنطقة الصناعية و الثكنة العسكرية حواجز حالت دون توسع المدينة في هذين الاتجاهين. هذه الناحية من المدينة هي المتوقع أن يحولها تصميم التهيئة الجديد 2010-2020 إلى مناطق للتعمير و السكن نظرا لانحصار المجالات الصالحة للبناء ضمن المجال الحضري.
– التوسعات لما بعد 1967
نظراً للوضعية العمرانية التي عرفتها مدينة وادي زم خلال العقود الأخيرة و التي ظهرت معها مناطق عشوائية عديدة بل وظهرت أحياء عشوائية شمال وجنوب المدينة، فإن البحت عن حلول لمشاكل التعمير تطلب الاعتماد على دراسات سابقة كالتصميم المديري والإعداد الحضري لسنة 1982، كما تطلب إنجاز دراسات تعميرية جديدة و بلورة تصميم التهيئة لسنة 1998، ثم دراسة التصميم المحلي للسكنى والتنمية الحضرية لوادي زم لسنة 2003، وترتكز كلها على توسيع المجال الحضري للمدينة أولا، و على محور السكن العشوائي ثانيا، ثم إنتاج بعض التجزئات العمومية ثالثا، وتشجيع منتوج القطاع الخاص على الرغم من ضعفه رابعاً، والبحث عن مجالات جديدة للتوسع الحضري في ظل محاصرة السكن العشوائي لجل جهات المدينة. و في ظل إكراهات التضاريس و كثرة مقالع الأحجار و قلة الأراضي المملوكة أو التابعة للجماعة الحضرية… عرفت أثمان البقع المجهزة ارتفاعاً مهماً، في حين ظلت القدرة الشرائية متدنية للباحثين عن السكن.
إضافة إلى ضعف مداخيل المدينة، وبالتالي ضعف ميزانية المجلس البلدي، خاصة بعد تراجع المداخيل المستخلصة من القطاع الصناعي، لذلك عملت المجالس البلدية على تجاوز إكراهات السكن و انحصار توسع المدينة. فسعى تصميم التهيئة الجديد إلى تشجيع القطاع الخاص من خلال عمليتي “ودادية ابن طفيل 1998 ب 63 بقعة أرضية” و “تجزئة بني سمير سنة 1999 بـ 8 بقع”، وإلى تنشيط القطاع العمومي من طرف ERAC والأشغال العمومية عبر إنشاء مجموعة من التجزئات كتجزئة 20 غشت سنة 1997 على مساحة 20 هكتار، و تجزئة بني سمير سنة 1998 ب 74 بقعة أرضية، وتجزئة السويقة سنة 2000 على مساحة هكتار واحد، ثم تجزئة الشباب التي انطلقت سنة 2005 على مساحة 56 هكتار.
أعطت هذه العمليات الأخيرة نتائج إيجابية مثل اختفاء شبه كامل للأحياء الصفيحية، وكذا إصلاح المنطقة الخضراء للبحيرة، ثم المساهمة في تأسيس مجموعة مرافق عمومية كالملحقات الإدارية، المقاطعات، المستشفى، المسبح و دار المواطن، ومجموعة تجزئات جديدة. كما قام المجلس بتجديد شبكة الصرف الصحي والشبكة الطرقية وتقوية الشبكة الكهربائية، وعملت البلدية على محاولة إنعاش فرص شغل إضافية عن طريق الإنعاش العمومي.
ف على مستوى الموضع الجغرافي يمتد الوادي على طول المدينة مع انتشار الكديات، أما مقالع الأحجار فتنتشر في شكل حفر عميقة على امتداد شرق المدينة، زيادة على ذلك فصلابة الركيزة الصخرية تزيد من صعوبة تهيئة مجالات عقارية جديدة، الشيء الذي يتسبب في غلاء البقع ونذرتها، طالما أن تهيئة مجالات جديدة للتوسع الحضري غير متوفرة بسبب عجز الجهات المسؤولة وبسبب غياب المنعشين العقاريين الخواص.
بالإضافة إلى ذلك، ينتج عن الهجرة القروية إلى المدينة خاصة في سنوات الجفاف إلى انتشار البناء العشوائي الذي حاصر أغلب جهات المدينة، مما أدى إلى انحصار المساحات القابلة للبناء، فازدهرت المضاربة العقارية في ظل ضعف العرض العقاري القانوني المجهز من التجزئات، وفي ظل ارتفاع الطلب الناجم عن التزايد الديمغرافي، وقد نجم عن ذلك توظيف سيء لأموال الهجرة وارتفاع أثمان العقار دون عائد اقتصادي حقيقي في الوقت الذي تشكو فيه الساكنة من ضعف القدرة الشرائية، علاوة على ذلك لا يمكن إغفال العامل الثقافي المتمثل في انتشار ثقافة السكن الخاص بالأسرة “شراء و بناء”. هذه الإكراهات في السكن رافقتها إكراهات أخرى على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات السوسيواقتصادية العمومية.
أما على مستوى الآليات فإننا نجدها قليلة و إدارية في غالب الأحيان، حيث أنجزت المؤسسات التابعة للدولة كالمؤسسة الجهوية للتهيئة و البناء ERAC والأشغال العمومية جل مشاريع تهيئة الأحياء السكنية والتجزئات بشكل متقطع، بينما تظل تجزئات الخواص محدودة وصغيرة من قبيل انتظام بعض الأشخاص المهنيين في وداديات سكنية محدودة و صغيرة أيضا. ويمكن إجمال النتائج في قلة أنواع السكن ومحدوديتها في أربعة هي السكن التقليدي (عائلي) بنسبة 97%، وسكن الفيلات ب 1,8%، والسكن الاقتصادي (شقق) 0,9%، ولا زال السكن ذو الطابع القروي حاضراً بنسبة 0,1%. أما العمارات فهي قليلة جدا مما يفسر انتشار سكن الملك الخاص بحوالي 66,8 %. وحسب دراسات السكنى و التعمير(2012)، فإن السكن بوادي زم يتسم بسمات أهمها: انتشار السكن الاجتماعي وانتشار دور الصفيح في لحظات عديدة من تاريخ المدينة، وأخيرا انتشار السكن العشوائي بشكل كبير بحيث يحتضن حوالي 40% من الساكنة التي تقطن أحياء المصلى والحاج امبارك ودرب سعيد ودار الضو ودرب السلاوي والدخان والمسيرة والزيدانية وآيت الفاطمي والحرشة ولعتورة والسكيكيمة ودالاس (انظر الخريطة رقم 4 الخاصة بالسكن العشوائي)، هذه الأحياء الهامشية تعرف ضعفاً في شبكة الصرف الصحي وغياباً شبه كلي للمرافق العمومية.
ومن الصفات البارزة للتوسع الحضري، تلك المتمثلة في توسع مناطق السكن على شكل بقع الزيت، وهو توسع غير منتظم وغير متوازن لكونه يسبب ضعفا مفاجئا على المجال السكني وسط المدينة و على هوامشها.
خلاصة القول، لقد عرفت مدينة وادي زم حسب فترات متعددة تغيراً مجالياً عرف تارة بالتنظيم والتخطيط المحكم وتارة أخرى بعدم الانتظام والعشوائية والتلقائية. والملاحظ أن المدينة لم تعرف توسعاً كبيراً كما في بعض المدن المجاورة مثل خريبكة والفقيه بن صالح، رغم أنها أنشئت بعد مدينة وادي زم.
- أشكــال التوسع المجالي العمراني
لقد عرفت مدينة وادي زم منذ نشأتها إلى اليوم تغيراً ملحوظا نتيجة عدة عوامل أهمها الارتفاع الديموغرافي المتزايد، وقد عرف هذا التغير المجالي شكلين أساسيين من التعمير هما: التعمير المنجمي، وهو التعمير الذي ارتبط ظهوره بظهور مناجم الفوسفاط بوادي زم. أما الشكل الثاني فارتبط أساسا بأشكال التغير المخطط (القانوني) والتلقائي (غير القانوني)، أي النمط العشوائي الذي عرفته ضواحي المدينة خاصة في السنوات الأخيرة مع الحراك العربي. إذن ما هي أهم سمات هذا التعمير وخصائصه بمدينة وادي زم؟
3-1- التعمير المنجمي
لقد عمل المكتب الشريف للفوسفاط على بناء حي (ocp) أو ما يسميه السكان المحليين “بالفيلاج”. أنشأ هذا الحي سنة 1961 وينقسم إلى قسمين أساسيين: القسم الأول خاص بموظفي المكتب الشريف للفوسفاط، والقسم الثاني خاص بعمال المناجم. يتميز القسم الاول بخصائص السكن الراقي “الفيلات”، وتتكون هذه الأخيرة من فناء وحديقة ثم السكن ويحيط به سور يصل ارتفاعه إلى مترين تقريبا، وتتراوح مساحة السكن الواحد بين 265 متر مربع و 365 متر مربع. أما القسم الثاني؛ أي السكن الخاص بعمال المناجم فتتراوح مساحة المسكن الواحد بين 90 و 120 متر مربع، وهي عبارة عن مساكن تتكون من طابقين ( سفلي +1). لكن تطور هذا النوع من التعمير لم يكتب له النجاح بشكل كبير بمدينة وادي زم، وذلك نتيجة استقرار الكثير من العمال بمدينة خريبكة والتي تتميز بانتشار هذا النوع من التعمير.
- التعمير ما بعد المنجمي : التغير المديني التلقائي
حسب دراسة التصميم المحلي للسكنى و التنمية الحضرية لوادي زم سنة 2003 فإن التوسع الحضري للمدينة سجل بداية من منتصف 1970 العودة بها إلى التعمير المنظم بتجهيزات أقامتها الدولة ممثلة في وزارة السكنى والتعمير ومصالحها الخارجية، سمح ذلك التعمير بتجهيز وإعداد أكثر من 90 هكتار خلال الفترة الممتدة بين 1977 و 1998. ويتبين أن سرعة التوسع الحضري القانوني كانت محدودة في 4,29 هكتار في السنة الواحدة. لكن عدم كفاية المناطق المجهزة نتج عنه ارتفاع وثيرة تعمير غير منظم و غير قانوني و غير مجهز و عشوائي وقصديري؛ ويرجع ذلك إلى النزوح القروي المكثف حيث قدر النمو السكاني في الفترة الممتدة بين 1971 و1982 ب 5,29%.
أما تزايد السكان المهاجرين إلى المجال الحضري وعدم كفاية نمو هذا الأخير بشكل نظامي بنفس الوثيرة، أدى إلى ظهور الأحياء العشوائية في كل جهات المدينة، والملاحظ أنها عرفت انتشاراً مهولا خلال سنة 2011، حيث استغل السكان ظرفية الربيع العربي ليشيدوا سكنا عشوائيا على هوامش المدينة.
الخريطة رقم 4 : مناطق البناء العشوائي بمدينة وادي زم.
المصدر: تصميم السكنى والتنمية المحلية للتهيئة، 2003-2010.
يظهر أن مدينة وادي زم عانت من الضغط المتزايد للطلب على السكن من جهة، وضعف العرض وغلائه من جهة أخرى مقارنة بالقدرة الشرائية للساكنة، بل تعرضت المدينة إلى مزيد من الهشاشة و الفقر، وهو ما جعل المدينة تعاني من خصاص في إيجاد مناطق للتوسع القانوني.
أما باقي أنواع السكن غير المهيكل فقد تنامت في غياب الوعي بمخاطر السكن العشوائي وغياب الصرامة في المراقبة و تطبيق قوانين التعمير، و كذلك ضعف تدخل السلطات لتوفير السكن اللائق، بل إن الصراع في الانتخابات جعل المرشحين يشجعون على بناء السكن غير اللائق[10].
أما بالنسبة للقطاع الخاص فقد ظلت مساهمته محدودة وغير مربحة في السوق العقارية نظراً لغلاء الملك وارتفاع كلفة التجهيز وقلة المنعشين العقاريين إلا في المضاربات غير المعقولة.
- الفاعلون في تغير المجال الوادي زمي
إن الفعل الاجتماعي يرتبط بالفاعل الاجتماعي واستراتيجياته في إطار عملية التغير سواء المخطط أو التلقائي. كما أن أي تنظيم “لا يوجد إلا عبر وساطة الفاعلين”[11] على اعتبار التنظيم هو “بناء اجتماعي أو نشاط إنساني.”[12]
تستدعي، إذاً، مقاربة التغير المجالي والاجتماعي تحديد ماهية الفاعلين في هذا التغير. ويمكننا إن نصنف الفاعلين إلى ثلاثة أصناف أساسية : الفاعل الرسمي الذي يرتبط بمقولات التخطيط والعقلنة، أي الفاعل التنظيمي والتدبيري الذي يقوم بمقتضى تفويض ظاهري أو ضمني من الإدارة بالحث على تغير مخطط ضمن إطار الأفعال المنسجمة والعقلانية. والفاعل المجالي الخاص/الذاتي الذي لا يستجيب للإلزامات البنيوية التي تشكل السياق الذي يحيى ضمنه الفاعل. ثم الفاعل الشاغل والمستعمل للمجال الذي يرتبط به من خلال تمثلاته وتصوراته وذاكرته.
فالصنف الأول ينطوي تحته الفاعلين الجماعيين (نسبة إلى الجماعة الترابية) وموظفي وأعوان الخدمات العمومية للإدارات المركزية. ويعطي موقع الفاعلين الجماعيين لسلوكهم وتصرفاتهم مكانة ودلالة مميزة ضمن الأفعال التي لها تأثير على المجال محل تدبيرهم وتسييرهم، وينضاف إلى هذا الصنف الفاعل السياسي المنتخب الذي يسهر على تدبير الشأن المحلي لمجال ما (سواء كان جماعة قروية أو حضرية).
- يتسم دور أعضاء الجماعة الحضرية بالشمولية بالنظر للمستخدمين، حيث يرتبط فعلهم بالاختيارات الأساسية ضمن التخطيط والتنمية الحضريين، أي التغير المديني.
- دور المستخدمين هو دور جزئي باعتباره مرتبط بغايات مخصصة .
أما الصنف الثاني فيرتبط بالفاعلين الخواص/الذاتيين، فهؤلاء لا ترتبط قراراتهم بمرجعية الجماعة بشكل مباشر، لكن طبيعة العلاقة التي تربطهم بالفاعلين الجماعيين تحتل مكانة مهمة وحساسة في مسألة الاندماج الحضري. فالفاعلين الخواص/الذاتيين تمارس مؤسساتهم وخدماتهم تأثيراً في ترتيب المجال والنمو الحضري بفعل المبادرات التي يقبلون عليها. فيلعب التجار والحرفيين ورؤساء المؤسسات والمنعشين العقاريين دوراً مهما في نمذجة المجال (الحضري) أو على الأقل في جزء من فعل التشكيل أو النمذجة [13].
أما الصنف الثالث، فيرتبط بساكني وشاغلي المجال باعتباره مجالا معاشاً، فحركة ساكني المجال بين العمل واستهلاك السلع والخدمات وكل مقومات العيش الأخرى هو ما يجعل من المجال يعيش معهم، فتكرار هذه الحركة يفرز تحولات يكون لها تأثير على المجال. إن مقاربة منظري التغير المخطط “لادروت” للفاعل شاغل المجال حتى وإن أعطوا أهمية لفعله في التحليل فإن هذه الأهمية تبقى ضمن مجال ضيق وهو في آخر التحليل يعزل فعله عن تمثلاته وأحلامه ذاكرته التي تتمظهر عبر المجال الذي لا يشغله فقط بل يحياه رمزياً. ويرجع منظروا التغير المخطط هذا الأمر إلى كون الفاعل شاغل المجال لا ينخرط في عملية التغيير من خلال عزوفه عن الانخراط في الحياة الجماعية للمجال والمشاركة في بلورة السياسات التنموية إما مباشرة أو عبر السلوك الانتخابي، باعتبارها استراتيجية فعل. لكن في مقابل ذلك يغضون الطرف عن كون استراتيجيات فعل الفاعلين لا ترتبط دائما ببنية السلطة التدبيرية للمجال، بل يمكن أن تكون على العكس من ذلك استراتيجيات خارجة عن بنية السلطة ونمط تخطيطها، باعتبار هذا الأخير لا يتوافق مع أهداف ومصالح شاغلي المجال. لذلك فحركة الجسد وانتقاله داخل المجال مثلما تحيل إلى مكانة الفرد ومستوى عيشه فإنها تستجيب لكل مخزونه الثقافي والرمزي. فتواصل الذات مع المجال الذي تحيى فيه وتتفاعل معه وفي إطاره مع وعبر كل ذاكرتها الفردية والجماعية هو تواصل مع الماضي واستدعاء له في الحاضر المعاش، ينعكس في اليومي أي الاستعمال المطرد للمجال. فعبر الاستعمال، أي الممارسة المجالية الرمزية بالأساس، يتحدد معنى والوظيفة الفعلية للمجال لدى ساكنه/شاغله. إن ما يسميه لادروت بالمتساكنين[14]/ شاغلي المجال يلعبون دوراً في سيرورة التغير المجالي عبر إخضاعهم المجال الخاص مثلما المجال العام لتمثلاتهم المجالية ولأهدافهم الفردية أو الجماعية. فالفرد يكيف مجاله الخاص وظيفياً ومعمارياً وجمالياً وسلوكياً وفقاً لتمثله لذاته وللآخر من أجل تقديم صورة عن نفسه لا تكون مطابقة لذاته، وإنما تستجيب لتصوره للآخر وما ينتظره منه المجال المحيط به، وهنا نستحضر المثل الدارجي” دير مدار جارك ولا بدل باب دارك”، فالأمر لا يرتبط بما نريده وتمثلانا لمجالنا الخاص، بل يرتبط بالآخر وكيف تريد الذات أن تظهر أمامه.
فكل فرد لدى قوفمان ينخرط في الفاصل بين ما يريد أن يكونه وما هو عليه في نظر الآخرين، وبالتالي يفهم الاجتماعي لا في معناه الموضوعي بل في المعنى المفكر فيه ذاتياً من قبل الذين يؤدونه. فشاغلي المجال هم فاعلون يحتكمون إلى هوية ومخزون ثقافي يموضعهم جماعياً ويمارس عليهم إكراهات تنعكس في فعلهم مثلما في تمثلاتهم، لكنهم في ذات الوقت يوظفون مخزونهم، بصفة واعية، وفق استراتيجيات فعل ملائمة لتجسيد أهدافهم.[15]
- استراتيجيات الفاعلون / استرتيجيات التغير
يعبر مفهوم الاستراتيجية على مجموع الوسائل المستخدمة والأفعال الملتزم بها من طرف الفاعل الاجتماعي ضمن مجال ما بغية بلوغ هدف أو أهداف معينة. وبذلك فالاستراتيجية ترتبط بالفاعل الاجتماعي للتغير المخطط والتلقائي على حد سواء. فالتغير المخطط يقوم على أساس توفر الوسائل والإمكانيات من أجل الوصول إلى الغايات المرسومة. بيد أن هذا الأمر يحيلنا أيضا على التغير التلقائي، أي فعل الفاعلين الاجتماعيين في النسق الذي يتلقون إكراهاته وإلزاماته، لكنهم لا يذوبون بشكل كلي ويتماهون مع تحديداته. فالفاعل كائن ذو عقل يمكنه من المبادرة والتجاوز والاستقلالية، يقدره على الحساب والتكيف والتغيير في علاقته بالتنظيم، وبالتالي يحتكم ضمن أفعاله إلى مصالح أو أهداف قد تتفق مع الرسمي الموجه والمخطط وقد تتعارض معه. من هنا يوظف الفرد وسائل لبلوغ أهدافه، أي استراتيجياته المتراوحة بين التكيف والاندماج والتماهي أو مقاومة التجديد والتغيير ، المرتبطة بمدى التقارب أو التعارض بين التجديد وأهداف الفاعلين الاجتماعيين وتصوراتهم وتمثلاتهم وقيمهم ومعاييرهم الثقافية.
إن مقولة الاستراتيجية سواء على مستوى التغير المخطط أو التلقائي تقود حتما إلى التخطيط والعقلانية. إلا أن المغالاة في القول بعقلانية الفاعل الاجتماعي وبالتالي عقلانية الفعل الاجتماعي، أو جبريته الاجتماعية التي تغتال الفاعل وتعزله عن فعله وتحوله نتاجا آليا/ ميكانيكيا للنسق أو السياسة التخطيطية للمجال، هي نظرة تجزيئية للتغير المجالي والاجتماعي.
إن المجال لا يستجيب دائما لوظيفته التخطيطية ولا يفرز التغير المخطط له عبره وضمنه. لأن المجال يؤول ويعاش عبر كل الموروث القيمي والمعياري المرتبط بالمجال المرجعي/ المجال المستعمل لشاغلي المجال، أي عبر الوجه الآخر للواقع، غير المغاير بالضرورة، وهو وجه الخيالي والخارق والمقدس والرمزي في بعده لا الفردي بل الجماعي. فالمجال هو حقل تفاعلات بين الشكلي المخطط الخاضع لمنطق المراقبة والضبط، واللا شكلي التلقائي المرتبط بالمقاومة والرفض، أي بين استراتيجيات فعل متعددة ومختلفة ونتاج له. إن هذه المقاربة تستدعي التساؤل عن ماهية الفاعلين في التغير؟
على سبيل الختم:
لقد عرفت مدينة وادي زم تغيراً مجالياً، حيث انتقلت من مجال قبلي يقوم أساساً على ثقافة الرعي، إلى مجال مركب. فقد عرف المجال الواد زمي تغيراً ملحوظاً مع دخول الاستعمار الفرنسي، حيث عمل هذا الأخير على إنشاء مركز عسكري ما لبث أن تحول –بعد اكتشاف الفوسفاط- إلى مدينة منجمية، عرفت نمواً ديموغرافياً كبيراً بفعل الهجرة القروية. وقد كان هذا التغير المجالي في هذه المرحلة تغيراً مخططاً، خاضع لاستراتيجيات المستعمر لاستغلال ثروات المنطقة، وانعكس هذا التخطيط على مستوى المجال والعمران أيضاً… لكن بعد الاستقلال سيعرف المجال تغيراً مركباً: تغير مخطط من طرف الدولة والذي طغى عليه طابع المراقبة والضبط، وهو بالتالي استمرارية لرؤية استعمارية، وتغير تلقائي من طرف الفاعلين شاغلي/ مستعملي المجال من خلال استراتيجياتهم وتمثلاتهم وذاكرتهم الجماعية في تنظيم المجال.
قائمة المراجع:
- البحث الميداني: التصوير الشخصي للمجال والعمران.
- بنمير م، “التنظيم وأساليب العمل بالادارة العمومية والمحلية”، سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، عدد 09، المطبعة والوراقة الوطنية.
- الجولان فادية عمر: التغير الاجتماعي، مدخل النظرية الوظيفية لتحليل التغير، دار الاصلاح للطباعة والنشر، 1984.
- شكاك صالح، المغرب العميق – ورديغة الكبر 1873_1956، دار أبي رقراق ، الرباط ، الطبعة الأولى 2010.
- ع اللطيف ج، ع الحق أ، “توزيع وتخطيط الخدمات والمرافق السياحية في مدينة أريحا”، بدون سنة.
- المندوبية السامية للتخطيط HCP.
- الوكالة الحضرية للسطات: تصميم التهيئة لمدينة وادي زم 2010.
- اليحياوي شهاب: توزيع الفضاء المديني والتغير الاجتماعي الحفصية نموذجا، مركز النشر الجامعي، تونس 2013.
[1] اليحياوي شهاب: توزيع الفضاء المديني والتغير الاجتماعي الحفصية نموذجا، مركز النشر الجامعي، تونس 2013، ص 116.
[2] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 117.
[3] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 119.
[4] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 120.
[5] Rymond (ledrut) : Sociologie Urbaine ; paris puf ; 1968 ; p 25.
[6] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 120.
[7] شكاك صالح، المغرب العميق – ورديغة الكبر 1873_1956، دار أبي رقراق ، الرباط ، الطبعة الأولى 2010، ص. 113.
[8] شكاك صالح، المغرب العميق – ورديغة الكبر 1873_1956، دار أبي رقراق ، الرباط ، الطبعة الأولى 2010، ص 210.
[9] شكاك صالح، المغرب العميق – ورديغة الكبر 1873_1956، دار أبي رقراق ، الرباط ، الطبعة الأولى 2010، ص 210 و 211.
[10] البحث الميداني.
[11] Rymond (ledrut) : Sociologie Urbaine ; paris puf ; 1968 ; p 54.
[12] Rymond (ledrut), Op. Cit.p 55.
[13] Rymond (ledrut) , Op. Cit. p 21.
[14] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 130.
[15] اليحياوي شهاب، مرجع سابق، ص 130.