
أخطاء روبوت التداول الخوارزمي العامِل بالذكاء الاصطناعي
-دراسة استشرافية في آفاق المسؤولية المدنية بالبورصة-
Future Prospective for Civil Liability in the Exchange:
The Faults of the Artificial Intelligence’s Robot via Algorithmic Trading (AT) -Outlook Study-
د. همام القوصي، دكتوراه في القانون التجاري تخصص قانون وأنظمة بورصة الأوراق المالية من جامعة حلب – الجمهورية العربية السورية
Dr. Humam Al Qussi PhD in Commercial law, Securities Exchange Law & Rules from Aleppo University, Syrian Arab Republic.
مقال منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 41 الصفحة 11.
Abstract
The research summarizes in determining the future vision of civil liability arising from errors of the robot during the algorithmic (automatic) trading on the stock exchange.
The topic of the research is also focused on the algorithmic trading method that uses artificial intelligence techniques to implement a large number of trading operations within seconds.
Whereas, the algorithm trading technique is carried out by a robot that is automatically automated, so the robot is able to logical trial at an advanced level, then make decisions and even improvise in some situations.
These technological elements emerging on the exchange trading system raise questions such as: Are the rules of civil liability for trading robot errors considered fair during algorithmic trading conditions? And who will be responsible for the error of the robot during the algorithmic trading from the civil point of view after developing the capabilities of the robot and recognizing its virtual character?
More importantly, could the future liability regimes that would treat the robot as a hypothetical person be more fair than the ones we see today?
The research is part of the first Arab forward-looking studies that try to find an answer to these questions in order to protect the legal and regulatory environment for Arab stock exchanges before the spread of algorithmic trading technologies.
Key words: Civil Liability, Tort Liability (Non-Contractual), Contractual Liability, Robot, Artificial Intelligence, Exchange, Algorithmic Trading (AT), High-Frequency Trading (HFT).
المُلخَّص
يتلخَّص موضوع البحث في تحديد الرؤية المستقبلية الخاصَّة بالمسؤولية المدنية الناشئة عن أخطاء الروبوت خلال التداول الخوارزمي (الأوتوماتيكي) في البورصة.
ويتركَّز موضوع البحث أكثر في أسلوب التداول الخوارزمي الذي يقوم على استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي بغرض تنفيذ عددٍ ضخمٍ من عمليات التداول خلال ثوانٍ. حيث إنَّ تقنية التداول الخوارزمي يقوم بها روبوت برمجي يعمل بشكل ذاتي آلي، فيكون الروبوت قادراً على المحاكمة المنطقية بمستوى مُتقدِّم، ثم اتخاذ القرار وحتى الارتجال في بعض المواقف، الأمر الذي يُعرِّض نشاط روبوت التداول لمخاطر الأخطاء التقنية.
تطرح هذه العناصر التكنولوجية الطارئة على نظام التداول في البورصة تساؤلات مثل: هل تعتبر قواعد المسؤولية المدنية عن أخطاء روبوت التداول عادلةً خلال ظروف التداول الخوارزمي؟ ومَنْ سيكون المسؤول عن خطأ روبوت التداول من الناحية المدنية حالياً، وبعد تطوُّر قدرات الروبوت والاعتراف بشخصيته الافتراضية؟
والأهم هل يمكن أن تكون الأنظمة المستقبلية للمسؤولية التي ستتعامل مع الروبوت كشخص افتراضي أكثر عدالةً من تلك التي نراها اليوم؟
يندرج البحث ضمن الدراسات العربية الاستشرافية الأولى التي تحاول إيجاد إجابة عن هذه التساؤلات تحصيناً للبيئة القانونية والتنظيمية الخاصَّة بالبورصات العربية قبل انتشار تقنية التداول الخوارزمي فيها.
الكلمات المفتاحية: المسؤولية المدنية، المسؤولية التقصيرية (غير العقدية)، المسؤولية العقدية، الروبوت، الذكاء الاصطناعي، البورصة، التداول الخوارزمي، التداول عالي التردد.
المقدمة
في الوقت الذي بدأ فيه تسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة التداول في البورصة، نشأت على الفور إشكاليات قانونية وتقنية مُعقًّدة؛ حيث اندمجت تلك الإشكاليات بعوامل العرض والطلب الحسَّاسة على تشكل سعر السوق ومدى تعبيره عن القيمة السوقية الحقيقة.
وبشكلٍ مُبسَّطٍ، نستطيع القول أنَّ البورصة تعتمد على التلاقي الطبيعي للعرض بالطلب للتداول على القيم المنقولة كالأسهم أو السلع، هذا التلاقي هو حرٌّ بطبيعته الأساسية، الأمر الذي يجعل سعر السوق مُعبِّراً عن القيمة السوقية الحقيقية العادلة في البورصة ذات الكفاءة العالية في التشغيل والتسعير.
وقد أصبح التعبير عن الرغبة بالتداول يتمُّ بشكلٍ الكترونيٍّ صرفٍ بعد دخول نظام التداول الالكتروني؛ وهكذا باتت عقود التداول الناتجة عن تلاقي أوامر الشراء (الطلب) مع أوامر البيع (العرض) تتمُّ بشكل الكتروني.
إلاَّ أنَّ الأتمتة الالكترونية المذكورة في آلية عمل البورصة أصبحت مرحلة ماضيةً تقليديةً من عمر التداول فيها، ذلك بعد دخول الروبوتات البرمجية ذاتية التصرُّف ضمن آلية العرض والطلب في البورصة.
تَعملُ هذه الروبوتات بـ: “الذكاء الاصطناعي” “Artificial Intelligence”؛ ممَّا يَجعلُ منها قادرةً على التصرُّف بموجب معادلاتٍ خوارزميةٍ معينةٍ، ولهذا بات التداول يُسمَّى بـ: “التداول الخوارزمي” “Algorithm Trading (AT)”، ومن أكثر أنواع خوارزميات التداول سرعةً وكميةً وحساسيَّةً على البورصة، ما يُسمَّى بـ: “التداول عالي التردد” “High Frequency Trading (HFT)”[1].
تَقومُ فكرة التداول الخوارزمي على تنفيذ أوامر البيع والشراء في البورصات على كمياتٍ ضخمةٍ وفي أوقات قياسيةٍ دون أخطاءٍ تُذكر عبر استخدام روبوت خاصٍّ تمَّت برمجته بغرض دراسة السوق وتنفيذ عمليات التداول هذه.
يتمُّ استخدام التداول الخوارزمي حالياً من شركات ذات قدرات تكنولوجية فائقة تقوم بالتداول في البورصة لحسابها أو لحساب عملائها كوسيط مالي أو كصانع سوق.
تنشأ إشكاليات عديدة بخصوص الشخص المسؤول عن أخطاء هذا الروبوت من الناحية القانونية مدنياً بالنظر إلى الآلية ذاتية القرار من روبوت التداول الخوارزمي، ذلك وفقاً للبيئة القانونية الحالية واستشرافاً للبيئة المدنية المستقبلية بعد أن يُصبِحَ الروبوت شخصاً افتراضياً في نظر القانون.
أهداف البحث
1- توضيح آلية عمل روبوت التداول الخوارزمي بغرض تحديد الشخص المسؤول عن أخطائه في الوقت الحالي وفق القواعد العامة المدنية التقليدية.
2- توضيح نقاط التناقض الفكري والقانوني بسبب بلوغ الروبوت الخوارزمي لمبلغٍ راقٍ من الإدراك، في الوقت الذي ما يزال الشخص المُشغِّل له مسؤولاً عنه مسؤولية كاملة على مبدأ حارس الأشياء.
3- افتراض منح روبوت التداول الخوارزمي للشخصية القانونية، ثم تحديد الكيفية التي يمكن أن تكون عليها المسؤولية عن أخطائه مستقبلاً.
4- تحديد الدور الذي يمكن أن تلعبه الأنظمة القانونية المستقبلية الناظمة للروبوت كشخصٍ افتراضيٍّ في الحدِّ من الآثار السلبية للتداول الخوارزمي.
أهمية البحث
1- إنَّ نجاح نظام المسؤولية عن روبوت التداول الخوارزمي سيُساهم بانتشال البورصة من أزمات السيولة.
2- إنَّ فشل نظام المسؤولية عن روبوت التداول الخوارزمي وعالي التردد سيؤدِّي إلى انعدام جدوى عملية التداول فيها كسوقٍ مُنظَّمةٍ، الأمر الذي يعني تحوُّل البورصة إلى مكوِّنٍ سلبيٍّ من مُكوِّنات الاقتصاد؛ لأنَّها ستكون سبباً في سحب السيولة من المستثمرين لمصلحة الشركات القادرة على استغلال روبوت التداول الخوارزمي دون إمكانية مساءلتها عن أخطاء هذا الروبوت.
منهج البحث
سننتهج مناهج البحث التالية:
1- المنهج التحليلي النقدي؛ لدى تحليل قواعد النظريات المدنية التقليدية بغرض توضيح عدم مناسبتها لعصر الذكاء الاصطناعي.
2- المنهج الاستقرائي الاستشرافي؛ عبر دراسة الأفكار الجزئية المتعلقة بالمسؤولية عن خطأ روبوت التداول بغرض استخراج مبدأٍ عامٍّ مفاده مناسبة الأنظمة القانونية الحالية من عدمها، ذلك وفق إمكانيات الروبوت الراهنة من جهة، والمستقبلية من جهة أخرى؛ عبر افتراض تطوُّر إمكانيات روبوت التداول الخوارزمي بما يسمح له بالحصول على الشخصية القانونية الافتراضية، ثم بيان كيف يمكن أن تكون قواعد المسؤولية عن أخطائه في مثل هذا النظام القانوني المستقبلي.
إشكالية البحث
“ما هي الصورة المستقبلية لأنظمة المسؤولية المدنية عن أخطاء روبوت التداول الخوارزمي في البورصة؟”
مصطلحات البحث
“الذكاء الاصطناعي”؛ هو قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري بعد مرورها بمرحلة تعلم الآلة.
“الروبوت”؛ هو الآلة الذكية العامِلة بموجب الذكاء الاصطناعي.
“المرحلة الشيئية”؛ هي المرحلة التي يكون فيها الروبوت كآلة ذكية مجرد شيء في نظر القانون بغض النظر عن مدى ذكائه.
“المرحلة الشخصية”؛ هي المرحلة التي ينتقل فيها الروبوت كآلة ذكية من مجرد شيء إلى شخص ذو أهلية بنظر القانون، بغض النظر عن مستوى هذه الأهلية وحقوقها من اعتبارها كأهلية الصغير غير المُميِّز أو المُميِّز أو حتى كالشخص الراشد.
مُخطَّط البحث
تختلف المسؤولية المدنية عن روبوت التداول الخوارزمي فيما إذا كان القانون ينظر للروبوت على أنَّه شيء كما هو عليه الأمر الآن أم شخص كما يُتوقَّع أن يكون عليه الأمر في المستقبل.
ولذلك سنرى كيفية إقامة المسؤولية المدنية على روبوت التداول الخوارزمي كما يلي:
المبحث الأول: المسؤولية المدنية عن روبوت التداول الخوارزمي خلال المرحلة الشيئية
المطلب الأول: المسؤولية التقصيرية خلال المرحلة الشيئية
المطلب الثاني: المسؤولية العقدية خلال المرحلة الشيئية
المبحث الأول: المسؤولية المدنية عن روبوت التداول الخوارزمي خلال المرحلة الشخصية
المطلب الأول: المسؤولية التقصيرية خلال المرحلة الشيئية
المطلب الثاني: المسؤولية العقدية خلال المرحلة الشيئية
المبحث الأول
المسؤولية المدنية عن روبوت التداول الخوارزمي خلال المرحلة الشيئية
يمكننا تقسيم هذه المسؤولية المدنية وفق نوعيها التقصيرية (المطلب الأول)، والعقدية (المطلب الثاني).
المطلب الأول
المسؤولية التقصيرية خلال المرحلة الشيئية
تعتمد المسؤولية المدنية التقصيرية على فكرة “الخطأ” من حيث المبدأ[2]؛ فلا بدَّ من قيام الخطأ حتى تقوم مسؤولية الشخص في ذمته المالية، ذلك بعد إثبات “الضرر” و”العلاقة السببية بين الخطأ والضرر”[3].
إلاَّ أنَّ الحاجة لوجود شخصٍ عاقلٍ مسؤولٍ عن الشيء الذي لا يعقل، قد أدَّت إلى نشوء “نظرية حارس الأشياء” حيث تقوم المسؤولية المدنية بافتراض الخطأ[4].
وقد تمَّ اقتراح تخفيف هذه النظرية بخصوص المسؤولية عن روبوت التداول نظراً لحركته الذاتية، على أن يكون أساس مسؤولية حارس الروبوت إهمال هذا الحارس[5] أو رعونته[6] واجبة الإثبات خلال تشغيل الروبوت[7].
وبالعكس من هذا الموقف، فقد تمَّ اقتراح تشديد أساس المسؤولية عن الروبوت، على اعتبار أنَّه يوجد لنظرية الخطأ المفترض استثناءات مثل نفي السببية بموجب القوة القاهرة[8]، تلك التي من الممكن أن تضيع على المضرور حقَّه بالتعويض، الأمر الذي أدَّى إلى اقتراح “المسؤولية الموضوعية”[9]؛ أي تحمُّل تبعة أخطاء الشيء دون الحاجة لعنصر الخطأ من الأساس[10].
هذه النظريات الثلاث هي الأساس القانوني للمسؤولية المدنية التقصيرية التي يمكن أن تترتب على خطأ الروبوت كشيء، رغم أنَّها في الواقع مجرد قياسٍ غير دقيقٍ بين الشيء الجامد وبين الروبوت العامل بالذكاء الاصطناعي[11].
ونتساءل هنا: ما هي ماهية الخطأ في التداول الخوارزمي؟ ومَن هو المسؤول عنه؟
لا يبدو من السهل تحديد ماهية الخطأ التداولي في البورصة، ولا الشخص المسؤول عنه، ويزداد الأمر تعقيداً إلى درجة أقرب للاستحالة عند الحديث عن التداول الخوارزمي أو التداول عالي التردد.
حيث إنَّ الخطأ يقترن بمخالفة القانون، إلاَّ أنَّ روبوت التداول، إذ هو يخلط أوراق المستثمرين نظراً لبطء ردة فعلهم في مواجهته، فهو يستغلُّ قدراته الذهنية الفائقة ولا تثريباً قانونياً على ذلك.
فما هو خطأ روبوت التداول الخوارزمي في صورته غير المقصودة؟ وهل يمكن أن يحمل صورةً مقصودةً؟
أولاً: الخطأ غير المقصود من الروبوت الشيء
يمكن طرح المثال عن الخطأ غير المقصود؛ كأن يُسبِّب روبوت التداول الخوارزمي اضطراباً في البورصة نتيجة إدخاله لأوامر تداولٍ كثيفةٍ على أسهم غير مدرجةٍ في السوق A، بينما تكون مدرجةً في السوق B.
يمكن أن يتسبَّب روبوت التداول هذا بإصابة نظام التداول الالكتروني في البورصة بالشلل في هذه الحالة، الأمر الذي يسمح لشركات الوساطة في البورصة أن تطلب التعويض عن خطأ الروبوت الشيء من الجهة التي تقوم على تشغيله (حارس الشيء)؛ مثل شركة التداول أو صانع السوق أو غيرهما.
يظهر هنا من خطأ روبوت التداول أنَّه مُجرَّد شيءٍ غير عاقلٍ يقوم بعمل آليٍّ ضمن نسبة خطأ ممكنةٍ، الأمر الذي يجعل من مساءلة الشخص المُشغِّل أمراً مقبولاً. فلو أنَّ مُشغِّل الروبوت قد بذل الجهد المعقول في برمجة وتوجيه روبوت التداول لَمَا وقع الروبوت بهذا الخطأ، ونظراً لصعوبة إثبات خطأ المُشغِّل فإنَّ خضوعه لنظرية الخطأ المفترض يكون حرصاً على حقوق المتضرِّرين من أخطاء الأشياء.
ولكن هل إنَّ نظرية حارس الأشياء تشترط قيام خطر فيزيائي من الشيء حتى يتمَّ افتراض الخطأ؟
تبدو الصورة التقليدية لنظرية حارس الأشياء الخطرة محصورةً في إطار الخطر الفيزيائي الذي يؤدِّي إلى أضرار بدنية مثل السيارات، ولكن روبوت التداول هو عبارة عن برنامج لا خطراً فيزيائياً منه.
بناءً عليه، يبدو أنَّ قياس الخطر المالي على الخطر الفيزيائي بغرض إلباس خطأ روبوت التداول لباس الخطأ المفترض، يبدو هذا القياس غير منضبطاً برأينا، الأمر الذي يطعن في إمكانية تطبيق نظرية حارس الأشياء على الروبوت في وقتنا الحالي بسبب الخطأ غير المقصود، فماذا عن الخطأ المقصود؟
ثانياً: الخطأ المقصود من الروبوت الشيء
نرى أنَّ المثال الأهم لخطأ روبوت التداول المقصود ينحصر في التداول الهادِف للإخلال بقوى العرض والطلب بغرض التلاعب بسعر السوق.
لمعت هذه الفكرة في ذهن جانب الفقه الأمريكي عندما أشار إلى إمكانية استخدام الشركات للذكاء الاصطناعي بغرض خرق القانون[12]؛ سواءً أكان استخدام التداول الخوارزمي أو حتى عالي التردد بغرض التلاعب بالأسعار أم استغلال المعلومات السرية الجوهرية قبل الإفصاح عنها للجمهور في البورصة[13].
ولكن، ألا يَستند هذا الخطأ المقصود على الوعي المُترافِق بسوء نية؟ فكيف يمكن الادِّعاء بإدراك ووعي الروبوت وهو ما يزال شيئاً بنظر القانون؟
تقوم آلية عمل الروبوت حقيقةً على محاكاة السلوك البشري؛ أي ببساطة تقليد طريقة تفكيره واتِّخاذ القرارات وحتى الارتجال، فإن قام الروبوت بالتلاعب بالأسعار، فهو يقوم بتقليد الإنسان عندما يستهدف من تعاملاته التأثير بسعر السوق.
ولكن، كيف يمكن هنا حلَّ التناقض الفكري بين اعتبار الروبوت سيء النية خلال التداول من جهة، وإقامة مسؤولية الشركة التي تُشغِّله كون الروبوت ما يزال شيء تحت الحراسة من جهة أخرى؟
يبدو من هذه الإشكالية أنَّ فيها تناقضٌ فكريٌّ واضحٌ، والسبب أنَّ أنظمة المسؤولية قد نشأت على أساس إقامة مسؤولية الإنسان المؤهَّل لتحمُّل المسؤولية بالنظر إلى إدراكه ووعيه أمام القانون، وليس على أساس وجود آلة ذكية كالروبوت.
وعلى اعتبار أنَّ العصر التكنولوجي الحالي هو عصر انتقالي من الآلة الذكية إلى الآلة خارقة الذكاء، فإنَّ الذكاء الاصطناعي الذي تتمتَّع به الآلة لم يصلْ بعدُ إلى مستوى الإنسان من حيث الإدراك والوعي.
بناءً عليه، لا يمكن اعتبار روبوت التداول مسؤولاً عن نفسه؛ لأنَّ جميع ما يرتكبه من أخطاء -حتى المقصودة منها- تندرج ضمن الأخطاء الإنسانية في تصنيع وبرمجة الروبوت وتعليمه أساليب التداول[14]، ثم توجيهه لتنفيذها على ما يطلب الإنسان المُشغِّل لهذا الروبوت.
ولكن حلقة الوصل بين خطأ الإنسان سيء النية للتلاعب بالأسعار وبين قيام روبوت التداول الخوارزمي بالتأثير على الأسعار لا تبدو سهلة الإثبات في جميع الأحوال والظروف[15].
حيث إنَّ التقنية عالية التردد مثلاً تعتمد على استراتيجية التداول الضخم الخاطف الذي يؤثِّر بالأسعار على هيئة التلاعب تماماً ولكن في اتِّجاه السوق، بينما التلاعب سيء النية يعتمد عادةً على تشكيل اتِّجاه تداول مصطنع مُخالِف لاتِّجاه السوق.
إلاَّ أنَّ الحالتين المذكورتَيْن يغشاهما الغموض؛ حيث إنَّ المتلاعب كثيراً ما يظهر بمظهر المضارب أو بالعكس، الأمر الذي يطعن في عدالة تطبيق نظرية حارس الأشياء على الأخطاء المقصودة لروبوت التداول الخوارزمي حتى في زمننا هذا.
المطلب الثاني
المسؤولية العقدية خلال المرحلة الشيئية
يمكن إجمال أهم العقود التي يقوم روبوت التداول بتنفيذها نيابةً عن مُشغِّله في عقد الوساطة المالية بالارتباط مع عملاء الوسيط، وعقد صناعة السوق بالارتباط مع البورصة.
سنرى كيف يمكن إقامة المسؤولية العقدية عن أخطاء روبوت التداول الخوارزمي وهو ما يزال شيئاً بنظر القانون كما هو الحال اليوم[16]، وذلك من خلال هذين العقدين الأساسيين عقد الوساطة أولاً، وصناعة السوق ثانياً.
أولاً: تنفيذ عقد الوساطة من الروبوت الشيء
يمكننا تحديد مفهوم عقد الوساطة كما يلي؛ فهو ببساطةٍ عبارةٌ عن تفويض من الشخص الذي يرغب بالتداول في البورصة إلى شركة وساطة مالية مُرخَّصة بغرض تنفيذ أوامر التداول التي يُصدرها المتداوِل (العميل) داخل نظام التداول الالكتروني الخاصِّ بهذه البورصة، ذلك في مقابل أتعاب يتقاضاها الوسيط.
ويَستَخدِمُ الوسيط المالي كادراً وظيفياً متخصِّصاً بأسواق المال، بحيث يكون قادراً على استيعاب الأهداف الاستثمارية للعملاء، ثم ترجمتها لعمليات تداول في البورصة.
وإذا استخدم الوسيط الروبوت الخوارزمي، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى اختلالٍ كبيرٍ في ميزان الحقوق والواجبات؛ حيث إنَّ الرؤية التقليدية للوسيط باتت تتَّصف بالسطحية بعد قيام ثورة الخوارزميات في البورصة كما أشار جانب من الفقه الأمريكي[17].
إنَّ مَنْ سيقوم على تنفيذ أوامر العميل التداولية في حالة تشغيل روبوت التداول الخوارزمي من الوسيط هو آلةٌ ذكيةٌ تكون أكثر دقَّةً من الإنسان في تنفيذ الأوامر بوقتها وبكمياتها[18] من جهة، إلاَّ أنَّ الخوارزميات تبقى في وقتنا هذا مجرَّد تكنولوجيا قد تُخطئ بشكلٍ مكلفٍ جداً للعميل بفعل ضخامة أوامر التداول الخوارزمي أو عالي التردد من جهة أخرى.
كما أنَّ روبوت الوسيط المالي قد يُقدِّم بيانات خوارزمية بغرض التنبؤ[19]، واستشراف حركة السوق بيعاً وشراءً واتِّجاه الأسعار فيها ارتفاعاً وانخفاضاً[20].
فكيف سيتمُّ حل إشكالية المسؤولية عن الروبوت الشيء؟
ببساطةٍ، فإنَّ شركة الوساطة ستتحمَّل المسؤولية، ليس من باب المسؤولية عن الشيء فقط كما في المسؤولية التقصيرية، بل لأنَّ الشركة لم تقمْ على تنفيذ بنود العقد كما تمَّ إبرامه نظراً لضعفٍ في تجهيزاتها التكنولوجية (روبوت التداول)؛ حيث يدخل الروبوت ضمن مفهوم الأشياء المستخدمة في تنفيذ العقد[21].
وبالتالي، فإنَّ الإسناد القانوني للمسؤولية العقدية سهل من حيث الإثبات على عميل شركة الوساطة؛ فما عليه سوى إثبات تنفيذ أمر التداول على غير ما اشترط العميل من شروطٍ خاصَّةٍ بنوع أمر التداول وسعره ووقته وكميَّته إلى غير ذلك من الشروط.
يبدو هذا التحليل القانوني مقبولاً منطقياً في ظلِّ تعاقد شركة الوساطة مع العملاء المتداولين بشكلٍ شخصيٍّ ثم، قيام الروبوت -الذي تقوم تلك الشركة على تشغيله- بارتكاب خطأ في تنفيذ أمر التداول.
لكن كيف سيكون عليه الأمر في حال كان روبوت التداول الخوارزمي هو ذاته المجيب الآلي الذي تعاقد مع العملاء ضمن المفهوم المعاصر للوسطاء العاملين بالخوارزميات[22]، ليس كآلةٍ تعمل على خدمة شركة الوساطة بل كعامِلٍ آليٍّ مُستخدَم لديها؟
تُعتبرُ كل الآلات الذكية التي تعمل في خدمة شركة الوساطة وكل الروبوتات العامِلة لديها في ظلِّ المرحلة الشيئية التي نعيش، أشياءً لا شخصية لها أمام القانون؛ ولذلك ترجع المسؤولية على شركة الوساطة تماماً وفق القواعد العامة في المسؤولية العقدية[23]، دون إمكانية الرجوع على الروبوت وحده مباشرةً أو التنفيذ عليه كتابع للشركة.
ويمكن للعميل المُتضرِّر من انتهاك عقد الوساطة المالية الرجوع على الشركة، ثم التنفيذ على جزءٍ من أموالها سواءً أكان روبوت التداول ضمن هذه الأموال أم لا.
لا يتناسب هذا الواقع الحالي مع التعاقد عبر الخوارزميات، الذي لا يكون فيه أي تدخِّل بشريٍّ سواءً من شركة الوساطة أم من العملاء المتداولين[24]؛ حيث تقوم الروبوتات البرمجية العامِلة لدى كلٍّ منهما بالتفاوض والتعاقد بشكل آليٍّ على اعتبار أنَّ الروبوت هو في الواقع نائبٌ تابعٌ للشخص المُشغِّل له، ذلك وإن لم يعترف القانون بهذه النيابة بعدُ.
بناءً عليه، فإنَّ ازدياد وقائع تسخير الروبوتات في عالم تعاقدات التداول في البورصة سيزيد من غُربَةِ القواعد العامة للمسؤولية العقدية عن طبيعة التعاقدات من جهة، وعن صفة الأشخاص المتعاقدين من جهة أخرى.
ثانياً: تنفيذ عقد صناعة السوق من الروبوت الشيء
عندما تضرب آفة نقص السيولة في البورصة التي تُحرِّكها أوامر المتداولين –مثل معظم البورصات العربية- فإنَّ إدارة البورصة تجد نفسها مضطرةً للترخيص بنشاط صناعة السوق[25].
حيث تقوم البورصة بالتعاقد مع شركة تكون على شكل بنك أو وسيط مالي على الأغلب بغرض إلزام هذه الشركة (الصانع) بتقديم السيولة بنسب معينة خلال كل جلسة تداول بما يضمن إعادة التوازن بين العرض والطلب من جهة وضخ سيولة متوازنة لا تفسد عمل السوق.
وفي مقابل تقديم صانع السوق للسيولة، فإنَّ عقد صناعة السوق يتضمَّن منح الصانع صلاحية التسعير بعد ترك هامش بين الأسعار التي يشتري بها وبين تلك التي يبيع بها، وبهذه الطريقة يتشكَّل هامش ربح للصانع بعد قيامه بالتزاماته بضخِّ السيولة امتثالاً لعقد صناعة السوق.
ولكن ماذا إذا استخدم هذا الصانع روبوت التداول الخوارزمي لتنفيذ عمليات صناعة السوق؟
يُعتبرُ هذا الفرض أمراً قائماً اليوم في العديد من البورصات العريقة مثل بورصة برلين، حيث يتمكَّن الصانع من إصلاح الخلل في قوى العرض والطلب السوقية بسرعةٍ كبيرةٍ بفعل القدرات الهائلة للتداول الخوارزمي في تنفيذ عمليات ضخمة خلال أجزاء من الثانية[26].
إلاَّ أنَّ الصانع المُشغِّل لروبوت التداول الخوارزمي سيقف موقف المُساءَلة أمام البورصة في حال أخلَّ هذا الروبوت ببنود عقد صناعة السوق المبرم بين الصانع والبورصة.
فهنا كيف ستتمُّ إقامة المسؤولية المدنية العقدية عن هذه الوقائع؟
يقول التحليل القانوني التقليدي أنَّ صانع السوق مسؤولٌ عن أداء تجهيزاته التكنولوجية ومن ضِمنها التداول الخوارزمي.
بالتالي، فإنَّ أيَّ خللٍ آليٍّ في التسعير على طرَفَي الشراء والبيع، أو أيَّ تنفيذٍ لعقود التداول في البورصة بما يُخالِف نسب التداول المشترطة على الصانع في عقد الصناعة المبرم مع البورصة، كل هذه الوقائع تستحقُّ إقامة مسؤولية صانع السوق العقدية عن أيَّة أضرارٍ تحيقُ بالبورصة في قيمتها أو سمعتها بسبب هذا الخلل الآلي الناتج عن خطأ روبوت التداول الخوارزمي.
حتى أنَّ جانباً من الفقه الأمريكي قد أشار إلى أنَّ الرؤية التنظيمية الحالية تذهب أكثر نحو تشديد التزامات صنَّاع السوق[27].
ولكن هذا التحليل القانوني التقليدي غير منطقيٍّ إزاء قيام شركة صناعة السوق بتخصيص روبوت حتى يقوم بالتعاقد مع البورصة وتنفيذ هذا العقد من الألف إلى الياء دون أيِّ تدخلٍ بشريٍّ؛ فهذه الحالة أقرب ما تكون إلى حالة النائب التابع، ذلك في الوقت الذي ما زال فيه القانون ينظر تجاه الروبوت وكأنَّه ينظر إلى الأثاث أو غيرها التجهيزات المكتبية.
يطعن هذا التناقض في عدالة قواعد المسؤولية المدنية العقدية بين كل من صانع السوق والبورصة، الأمر الذي سيدفع الشركات العالمية المختصَّة بالصناعة المالية إلى النفور من تقديم خدمة صناعة السوق الروبوتية، والاكتفاء بالصناعة التقليدية التي كثيراً ما أخفقت في إعادة التوازن للبورصة بالسرعة والكيفية التي يُقدِّمها روبوت التداول الخوارزمي.
وبالمقابل، فإنَّ تساهل القانون مع هذه الشركات سيؤدِّي إلى تهرُّبها من تحمُّل مسؤوليتها بإفساد السوق تجاه البورصة، فما هو الحلُّ الأكثر عدالة لهذا التناقض؟
من الحلول الممكنة إيجاد ذمة مالية مُستقلَّة للروبوت تكون هي محل الرجوع عليها من البورصة، حيث يمكن التنفيذ على الروبوت وبيعه، ذلك قبل النقاش حول الرجوع على الصانع مُشغِّل الروبوت.
بناءً عليه، يبدو لنا بشكلٍ واضحٍ أن أيَّة آفاقٍ مستقبليةٍ لتغيير المسؤولية المدنية (تقصيريةً كانت أم عقديةً) عن عمل روبوت التداول الخوارزمي وعالي التردد لن تكون ذات أثرٍ في إعادة التوازن المنطقي للحقوق والواجبات في ظلِّ بقاء ذات القواعد العامة المدنية التي تنظر إلى الروبوت كشيء غير عاقلٍ، الأمر الذي يوجب على المشرعين النظر بقليل من التعمق في آفاق مرحلة الروبوت الشخص، ذلك بعد توفِّر شيءٍ من الفكر الاستشرافي للإمكانيات المستقبلية فائقة الذكاء للروبوتات، والتي باتت تطرق أبواب الحاضر.
المبحث الثاني
المسؤولية المدينة عن روبوت التداول الخوارزمي خلال مرحلة الشخصية
لسنا مع فكرة منح الروبوت الشخصية القانونية الافتراضية كغايةٍ بحدِّ ذاتها؛ حيث إنَّ هذا الأمر هو عبارةٌ عن مرحلةٍ في الطريق إلى الانتقاص من المكانة البشرية دون أدنى شكٍّ[28].
تفرض مقتضيات الواقع على المشرعين عدم التعامي عن الواقع التكنولوجي، الذي يحتاج إلى فرض قواعد قانونية عادلة للأشخاص الذين يقومون بتشغيل الروبوتات أو الذين يتعاملون مع مُشغِّليه.
نقوم بطرح أفكار هذا المبحث ضمن هذا الإطار الضيق، وبعد ضمان عدم تطوير المنهجية الفكرية للروبوتات إلى درجة الإنسان، ذلك بناءً على استشراف وصول الروبوت إلى مرحلة الشخص ذو الأهلية الناقصة أو حتى الكاملة[29].
حيث سنفترض تطور إمكانيات الروبوتات في المستقبل القريب إلى درجةٍ قريبةٍ من الإنسان، فكيف سيكون عليه الأمر إزاء قواعد المسؤولية المدنية التقصيرية (المطلب الأول) أو العقدية (المطلب الثاني).
المطلب الأول
المسؤولية التقصيرية خلال مرحلة الشخصية
تسعى صناعة الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق أكبر قدر من الاستقلال الذاتي للروبوتات في المستقبل، وتندرج روبوتات التداول الخوارزمي ضمن هذا الإطار في السعي نحو تشكيل شخصية مُستقلَّة عن الشخص المُشغِّل[30].
ستصل آفاق المسؤولية التقصيرية في المستقبل إلى أبعد مدىً ممكنٍ في إطار المسؤولية عن الروبوتات بشكلٍ عامٍّ، وروبوتات التداول الخوارزمي بشكلٍ خاصٍّ، ذلك بسبب الخدمات الكثيرة التي ستحلُّ فيها الروبوتات محلَّ الإنسان.
وسنرى هذه الآفاق فيما يخصُّ الأخطاء غير المقصودة أولاً، أو المقصودة ثانياً.
أولاً: الأخطاء غير المقصودة للروبوت الشخص
يبدو أنَّ الشخصية القانونية الافتراضية للروبوت -في زمنٍ قريبٍ قادمٍ-، ستكون مسألةً مفروغاً منها؛ فالذكاء الاصطناعي سيقترب في محاكاته من الذكاء البشري.
تبدو هذه الفكرة في عالم البورصة وأسواق المال مؤثرةً جداً على سيولة السوق؛ حيث إنَّ القيام بالتداول عبر الروبوت قد أضحى أمراً أساسياً ابتداءً من الانتقال إلى نظام التداول الآلي في التسعينيات، إلى تسخير التكنولوجيا ضمن الصناعات المالية في يومنا هذا.
وعلى فَرَضِ أنَّ روبوت التداول قد أضحى شخصاً أمام القانون، فكيف سيكون شكل القواعد القانونية التي تحكم مسؤوليته التقصيرية عن أخطاء التداول؟
يمكننا القول مبدئياً بأنَّ الانفكاك الكامل بين الشركة المتداوِلة التي تقوم على تشغيل الروبوت وبين المسؤولية عن أخطائه هو من الأمور المُستبعَدَة في المستقبل المنظور، ذلك ليس بالاستناد على أنَّ الخطأ الذي ارتكبه الروبوت ينبع من قرار بشريٍّ[31]، بل لأنَّ الإنسان هو مرجعية المسؤولية عن الروبوت الشخص أمام القانون؛ تماماً مثلما يكون الأب هو المسؤول بالمال عن ابنه القاصر.
فحتى وإن بلغ إدراك ووعي روبوت التداول مبلغاً راقياً، إلاَّ أنَّ المرجعية في المسؤولية ستكون على الشركة المُشغِّلة له ضمن نشاط التداول، ولكن عبر أسلوب جديد لبناء المسؤولية، فكيف ستلعب شخصية الروبوت دوراً في تغيير البيئة القانونية لهذه المسؤولية؟
يقول الواقع بأنَّ المستقبل المنظور قد يصل بذكاء الروبوت إلى مستوى الإنسان، إلاَّ أنَّ منح الروبوت الشخصية القانونية الكاملة هو أمر مستبعدٌ من الناحية التشريعية؛ نظراً لكون المسألة تمسُّ بالمساواة بين الإنسان والآلة دستورياً، وكذلك حقوق الإنسان أيضاً.
بناءً عليه، فإنَّ المستقبل الذي سيحمل معه الاعتراف بالشخصية الافتراضية للروبوت سيدفع المشرع إلى التفرقة بين مركزَيْن قانونيَّيْن لروبوت التداول:
1- روبوت التداول غير المُميِّز؛ ذلك الذي يتمتَّع بذمةٍ ماليةٍ مُستقلَّةٍ عن مالكه، إلاَّ أنَّه محرومٌ من حقه بإدارة أمواله نظراً لعدم ارتقاء شخصيَّته إلى حدود الأعمال التي تدور بين النفع والضرر.
فهنا يمكن القول بأنَّ الذمة المالية لروبوت التداول غير المُميِّز ستكون في المستقبل هي محل التنفيذ بعد قيام المسؤولية المدنية التقصيرية عن خطأ الروبوت غير المقصود.
سيكون ذلك برأينا كمرحلة تنفيذ أوليٍّ، فإن كانت ذمة الروبوت غير كافيةٍ للتعويض، جاز حينئذٍ الرجوع على مُشغِّله استناداً على أنَّ المُشغِّل مسؤولٌ وفق الخطأ المفترض (حارس الأشياء)، أو -كما استشرف البرلمان الأوروبي- استناداً على كون المالك هو النائب الإنساني للروبوت (النائب الإنساني المسؤول[32])، فيمكن هنا أن يعتمد المشرع في المسؤولية على أساس الخطأ المفترض أو واجب الإثبات، كما أنَّها قد تستند على فكرة المسؤولية الموضوعية لإدارة الخطر دون وجود ركن الخطأ[33].
نرى ببساطة أنَّ الوسيط المالي سيكون مسؤولاً عن خطأ الروبوت غير المُميِّز بإدخال أوامر التداول الخوارزمي أو عالي التردد بشكل خاطئٍ تجاه أيِّ مستثمرٍ مُتضررٍ من هذا الخطأ، ذلك تأسيساً على المسؤولية التقصيرية بعد الرجوع على ذمة الروبوت المالية وعدم كفايتها لتسديد مبلغ التعويض، وذلك مع إلغاء ركن الخطأ تأسيساً على مسؤولية موضوعية تقوم على النائب الإنساني؛ فلا يجوز هنا إرهاق المضرور بعبء إثبات خطأ الوسيط، ولا يجوز بالمقابل الاستناد على الخطأ المفترض عن الأشياء كون الروبوت قد أصبح في ذلك الوقت شخصاً مُتمتِّعاً بذمة مالية مُستقلَّة.
هكذا يتمُّ التوازن بين قدرات روبوت التداول الذاتية التي لا يمكن للوسيط المالي إدارتها بشكل كامل، فلا يجوز الرجوع عليه أولاً، وبين فرض قاعدة الرجوع على ذمة الروبوت أولاً التي ستصبُّ فيها أجوره وموارده.
2- روبوت التداول المُميِّز؛ سيتمتَّع هذا الروبوت بحقوقٍ مدنيةٍ راقيةٍ تصل إلى حدود إدارته لأمواله بيعاً وشراءً، فهنا يمكن للروبوت التداول في البورصة لحسابه الشخصي، ويمكن له حتى أن يكون مرخصاً له بنشاط صانع السوق ترخيصاً شخصياً باسمه. إلاَّ أنَّ الروبوت المُميِّز هذا سيبقى مملوكاً للإنسان، وهذا ما يفتح التساؤلات عن تبعة أخطاء هذا الروبوت.
يبدو لنا أنَّ روبوت التداول المُميِّز سيكون مسؤولاً بشكلٍ كاملٍ عن تصرُّفاته، فإن قام بخطأٍ في صناعة السوق عبر التداول الخوارزمي، فلا يجوز للمُتضرِّرين من المستثمرين الرجوع إلاَّ على ذمته المالية المُستقلَّة دون ذمة مُشغِّله.
أمَّا إذا استطاع المضرور إثبات خطأ المُشغِّل، فهنا بإمكانه الرجوع عليه استناداً على المسؤولية التقصيرية ذات الخطأ واجب الإثبات، وهذا يعني أنَّ وصول روبوت التداول لمستوى التمييز سيعني انتهاء عصر تحمُّل تبعة أخطائه من الإنسان.
ثانياً: الأخطاء المقصودة للروبوت الشخص
إذا كان الروبوت البرمجي قادرٌ على ارتكاب ممارسات مقصودة نتيجة محاكاة الذكاء الاصطناعي للبشري، فمِنَ الأَولَى الحديث عن الأخطاء المقصودة للروبوت الشخص في البورصة سواءً أكان مُميِّزاً أم غير مُميِّز.
وهو الأمر الذي اختصره جانب من الفقه الأمريكي ضمن مفهوم التلاعب بالأسعار عبر روبوت الخوارزميات[34]، وقد شكَّك جانبٌ آخر من ذات الفقه بقدرة العقوبات التأديبية في البورصة على مواجهة الأخطاء المقصودة في عصر تكنولوجيا التداول[35]، خاصَّة بخصوص تعاملات التداول عالي التردد التي تكون كثيفة غير واضحة المعالم والمقاصد.
فمن الممكن أن تسعى شركة الوساطة المالية المُشغِّلة لروبوت التداول إلى تطبيق مُخطَّطات تداول عالي التردد حتى تؤثِّر على الأسعار، فهنا كيف سيتم تطبيق قواعد المسؤولية المدنية التقصيرية على الروبوت الشخص؟
الحقيقة أنَّ مسألة سوء النية ستكون قائمةً بشكل ثابتٍ علمياً لدى الروبوت الشخص في المستقبل نتيجة تقليد البشر؛ حيث سيحظى الروبوت بوعي وإدراكٍ قادرٍ على تملُّك ذمةٍ ماليةٍ في مرحلة انعدام التمييز، وقادرٍ على إدارة ذمته المالية في مرحلة التمييز[36].
وبالتالي، فإنَّ الروبوت الشخص سيكون مسؤولاً عن أضرار المستثمرين المُترتِّبة على تلاعب روبوت التداول بالأسعار، ذلك بعد قيام الدليل على وجود خوارزمياتٍ هادفةٍ إلى التأثير في الأسعار ضمن برمجة هذا الروبوت؛ كأن يستهدف التداول عالي التردد رفع أو خفض أو تثبيت الأسعار مثلاً[37].
نرى هنا أن تقوم المسؤولية على ذمة الروبوت المالية المُستقلَّة عن ذمة مُشغِّله في المستقبل، فإن لم تكفِ هذه الذمة، فنرى أنَّ الرجوع على المُشغِّل -الذي لم تثبتْ سوء نيته- سيكون استناداً على:
1- المسؤولية الموضوعية دون وجود ركن الخطأ بخصوص الروبوت غير المُميِّز.
2- المسؤولية التقصيرية واجبة الإثبات لركن الخطأ بخصوص الروبوت المُميِّز بعد انتهاء عصر تحمُّل تبعة الروبوت.
إلاَّ أنَّ ما يُميِّزُ المسؤولية عن الخطأ المقصود للروبوت هو أنَّ العديد من الأشخاص ستنالهم المسؤولية المدنية، كالمُبرمِج الذي يزرع خوارزميات التلاعب بالأسعار في برمجة الروبوت، والمُشغِّل الذي يطلب من المبرمج توفير هذه الخوارزميات.
وبالتالي، فإنَّ المسؤولية عن خطأ الروبوت المقصود سيحظى بذممٍ ماليةٍ عديدةٍ يمكن للمضرور الرجوع عليها مباشرةً؛ ذلك نظراً لاشتراك مجموعةٍ من الأشخاص بممارسات الروبوت المقصودة.
بناءً عليه، فإنَّ قدرة المضرور على إثبات سوء نية الروبوت الشخص خلال التداول، قد تؤدِّي تعني امتداد المسؤولية إلى مجموعةٍ من الأشخاص المشتركين بتجهيز الروبوت للتداول بسوء نية.
المطلب الثاني
المسؤولية العقدية خلال مرحلة الشخصية
ستكون آفاق المسؤولية المدنية العقدية على موعدٍ مع تحدِّياتٍ قانونيةٍ جذريةٍ إزاء تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، فإذا وصلت القدرات الذهنية الإدراكية للروبوت إلى درجةٍ قريبةٍ من القدرات البشرية؛ ففي هذه الحالة، ستكون البورصة كتاباً مفتوحاً أمام روبوت التداول.
فكيف يمكن هنا إقامة المسؤولية العقدية على روبوت التداول الخوارزمي؟
سنُجيب عن هذا التساؤل من خلال دراسة أهم عقدَيْن في البورصة؛ عقد الوساطة المالية أولاً، وعقد صناعة السوق ثانياً.
أولاً: تنفيذ عقد الوساطة من الروبوت الشخص
عندما يصل روبوت التداول الخوارزمي إلى درجة الوعي القادرة على التعاقد مع العملاء نتيجة تعلُّمه المزيد من الخوارزميات المُتقدِّمة[38]، فإنَّنا سنكون هنا بصدد احتمالَيْن:
1- الروبوت الشخص خلال تشغيله من الوسيط المالي؛ فهنا سيكون للروبوت ذمةً ماليةً مُستقلَّةً قادرةً على تحمُّل الالتزامات وتلقِّي الحقوق، ولذلك فبإمكان المضرور الرجوع على الروبوت أو على الوسيط المُشغِّل له، فلا نرى إمكانية وجود تسلسلٍ للرجوع كما جاء بصدد المسؤولية التقصيرية عن الروبوت غير المُميِّز، فالمسؤولية العقدية تقوم على الوسيط المالي بمجرد انتهاك العقد.
سيكون الوسيط بصدد المسؤولية العقدية مسؤولاً بشكل تلقائي عن أخطاء الروبوت بعد انتهاك عقد التداول مع العميل، ليس استناداً على نظرية حارس الأشياء، بل على أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع[39].
2- الروبوت الشخص بعد الترخيص له بعمل الوساطة المالية استقلالاً؛ فهنا يكون الروبوت قد وصل إلى مرحلة التمييز التي تسمح له بإدارة أمواله والحصول على الترخيص اللاَّزم لتقديم خدمة الوساطة ضمن مشروعه الخاص.
فعلى الرغم من أنَّ الروبوت سيبقى -على الأغلب- مملوكاً للإنسان حتى بعد وصوله إلى مرحلة التمييز، إلاَّ أنَّ روبوت التداول المُميِّز سيكون قادراً على تأسيس وترخيص شركته الخاصَّة بالوساطة المالية، ذلك قياساً على القاصر المُميِّز.
بناءً عليه، سيكون الروبوت وحيداً أمام المسؤولية العقدية عن انتهاك عقد الوساطة، فلا يوجد شركة وساطة تقوم على تشغيله، بل إنَّ الروبوت في هذه المرحلة سيكون قادراً على إدارة الشركة بذاته، مثل شركات “الفاينتك” “FinTech” لكن بصورة أكثر تطوُّراً عن تلك التي نراها اليوم[40].
ولكن التساؤل هنا: هل يمكن للعملاء الرجوع على مالك -وليس مُشغِّل- روبوت التداول المُميِّز في حالة انتهاك عقد التداول[41]؟
يبدو لنا أنَّ فكرة الملكية ستكون في زمن الروبوت المُميِّز محلاًّ لنقاشٍ فلسفي وأخلاقيٍّ كبير، إلاَّ أنَّ المبدأ العام للملكية هو قيام مسؤولية الشخص عن الأضرار التي تُسبِّبها أملاكه مهما كان شكلها.
وبالتالي، فإنَّ عدم تدخُّل المشرع لإعفاء مالك روبوت التداول -كشخصٍ مُميِّز- عن المسؤولية الناتجة عن أخطاء هذا الروبوت، سيؤدِّي إلى إمكانية رجوع عملاء التداول على مالك الروبوت.
إلاَّ أنَّنا نرى أنَّ مسؤولية المالك -غير المُشغِّل- عن الروبوت المُميِّز -صاحب الشركة- لن يكون في زمنه عنصراً جاذباً للاستثمار في سوق الروبوتات فائقة الذكاء، الأمر الذي سيؤدِّي إمَّا إلى تقويض سوق الصناعة التكنولوجية في مجال البورصة؛ حيث تكثر الأخطاء والمسؤوليات والخسائر، أو إلى قيام تكتُّلاتٍ خاصَّةٍ بمُلاَّك روبوتات التداول بغرض تشكيل نفوذٍ دوليٍّ واسعٍ قادرٍ على تشريع القوانين التي تُعفيهم من المسؤولية.
فقد تبدَّى -في هذه النقطة بالذات- أنَّ الأعمال التشريعية الدولية كثيراً ما ترضخ لنفوذ الشركات الضخمة عابرة القارات، خاصةً تلك التي تعتمد على قطاع التكنولوجيا في خدماتها وصناعاتها.
حيث شاهدنا عام 2017 كيف بشَّر المشرع الأوروبي بأهلية الروبوت[42]، ذلك قبل وجود أيِّ ضمانٍ هندسيٍّ أو برمجيٍّ بغرض إبقاء الروبوت مُسخَّراً لخدمة الإنسان[43]، وأيضاً قبل إقرار أيَّة ضوابطٍ تضمن حماية المستثمرين في البورصة من استخدام روبوتات التداول الخوارزمي[44].
فإذا كانت حتى السلطات التنظيمية العريقة للبورصة الأمريكية، غير قادرةٍ على مواجهة أفضلية السرعة الفائقة لروبوتات التداول عالي التردد كما جاء في جانب من الفقه الأمريكي[45]، فكيف سيكون عليه الأمر بعد ارتقاء الروبوت إلى مرتبة الشخص؟
بالتأكيد، فإنَّ الأفضلية المطلقة في مستقبل التداول ستكون للذكاء الاصطناعي على حساب جمهور المتداولين.
ثانياً: تنفيذ عقد صناعة السوق من الروبوت الشخص
سيكون تأثير خطأ روبوت التداول الشخص بخصوص صناعة السوق حسَّاساً جداً ليس على مصالح المتداولين أو توازن البورصة فقط، بل على سيولة الاستثمار في أسواق المال، وسيكون الأمر أكثر سوءاً إذا كانت بنية البورصة التي تعمل فيها روبوتات التداول غير قادرةٍ على مواكبة السرعة والكميات التي تعمل بها هذه الروبوتات[46].
مثل هذه التأثيرات العميقة تُشيرُ إلى أنَّ الاعتماد على الروبوت الشخص غير المُميِّز في تنفيذ التزامات صناعة السوق من تسعير وتنفيذ عمليات سيكون في إطار تسخير التكنولوجيا في القطاع المالي فقط وليس استقلالها.
ببساطة، فإنَّ رقابة الشركة المُرخَّصة بصناعة السوق على روبوت التداول الخوارزمي ستكون أكبر من رقابة شركة الوساطة على روبوت نتفيد تداول العملاء.
حيث إنَّ نشاط الوساطة المالية يقترب من الروتين امتثالاً لشروط أوامر التداول المذكورة من العميل، بينما يتضمَّن نشاط صانع السوق الكثير من العمل الارتجالي الذي يتطلَّب استشعار انخفاض أو ارتفاع كل من العرض والطلب، ثم الاستجابة لهذه المتغيرات بالسرعة والكمية الكفيلة بإعادة التوازن في السوق دون إفساد التلاقي الطبيعي بين جانب العروض في مواجهة جانب الطلبات.
بناءً عليه، تبدو ذمة الروبوت قبل مرحلة التمييز غير كافية وحدها لتحمُّل المسؤولية عن أخطاء صناعة السوق التي كثيراً ما تفشل، وكثيراً ما تؤدي إلى خسائر فادحة في القيمة السوقية للبورصة.
يبدو هنا أنَّ الرجوع على ذمة شركة صناعة السوق مع ذمة الروبوت أمراً لا بدَّ منه، ليس على مبدأ التسلسل الوارد في المسؤولية التقصيرية، بل على أساس المسؤولية العقدية نظراً لانتهاك بنود عقد من جهة، وعلى أساس مسؤولية المتبوع (صانع السوق) عن أخطاء التابع (الروبوت غير المُميِّز).
وكذلك في حالة الروبوت المُميِّز، فإنَّ فشل تكنولوجيا التداول الخوارزمي في القيام بالتزامات الشركة صانعة السوق تجاه البورصة سيؤدِّي إلى إقامة مسؤولية كل من الشركة والروبوت المُميِّز عن انتهاك العقد.
ولكن يثور هنا تساؤل: بالنظر إلى المخاطر الكبيرة لصناعة السوق على توازن البورصة، فهل يمكن الترخيص للروبوت المُميِّز بصناعة السوق استقلالاً؟
يبدو لنا أنَّ الروبوت المُميِّز قد يمتلك شركة لصناعة السوق في البورصات الافتراضية أو ضمن منصات التداول غير الرسمية (السوق غير المُنظَّمة)، أمَّا بخصوص البورصات المُنظَّمة الرسمية فيصعب تصوُّر اعتماد هذه البورصات -التي تؤثِّر وتتأثَّر بالاقتصاد الوطني بشكلٍ كبيرٍ- على روبوت لصناعة سوقها.
خاصَّةً أنَّ فكرة مسؤولية مالك روبوت التداول المُميِّز عن أخطاء هذا الروبوت ستكون محلَّ نقاشٍ؛ ممَّا سيُضيعُ على البورصة الكثير من قيمتها التداولية في حالة تعاقدها مع روبوت لصناعة سوقها.
بناءً عليه، ستبقى فكرة روبوت التداول المُرخَّص كصانع سوق مستقل رهناً بالمزيد من التطوُّر الذهني للذكاء الاصطناعي، ذلك إلى الدرجة التي ستقترب فيها إمكانيات الروبوت من الإنسان الراشد، إلاَّ أنَّ امتناع المشرعين عن منح روبوت التداول الشخصية القانونية الراشدة سيكون مُستنِدَاً على مبرِّراتٍ أخلاقيةٍ أكثر منها تكنولوجية أو مالية[47].
ستتواجه في المستقبل هذه التناقضات القانونية والتكنولوجية مع المقترحات التي أبداها جانب من الفقه الأمريكي بضرورة الفصل بين وعي الروبوت وبين وعي الإنسان المُشغِّل له[48]؛ حيث يبدو أنَّ هذا الطرح سيؤدِّي إلى الاعتراف الأكيد بوعي الروبوت كشخصٍ راشدٍ أمام القانون في المستقبل.
يتمُّ النظر هنا إلى أنَّ مواجهة روبوت التداول كشخصٍ راشدٍ في البورصة ستتطلَّب أتمتة عملية تنظيم ومراقبة البورصة[49] بشكلٍ متكافئٍ مع روبوتات التداول والتنظيم من حيث الذكاء الاصطناعي.
الخاتمة
ليست الحكمة في الإبقاء على القواعد العامة إزاء الإمكانيات الحالية لروبوتات التداول الخوارزمي، ولا في الانسياق وراء حُمَّى التكنولوجيا بغرض تشريع قواعدٍ تجعل من الروبوت شخصاً متكافئاً مع الإنسان بنظر القانون، حتى في ظل الإمكانيات المستقبلية لهذه الروبوتات.
والحل يمكن في تعديل قواعد المسؤولية عن روبوت التداول الخوارزمي بما يكفل عدالة هذه القواعد في الحاضر من جهة، وتحصينها من ضياع المكانة البشرية في المستقبل من جهة أخرى.
النتائج
1- يقدر روبوت التداول على القيام بكل النشاطات المالية في البورصة عبر تقنية التداول الخوارزمي المستندة على الذكاء الاصطناعي.
2- تبدو القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية بعيدةً عن الواقع بعد تطوُّر إمكانيات الروبوت (الشيء) في التداول.
3- يمكن لمُشغِّل روبوت التداول (الشيء) التهرُّب من المسؤولية المستندة على الخطأ المفترض استناداً على نظرية حارس الأشياء بعد إثبات القوة القاهرة.
4- ستكون المسؤولية العقدية عن روبوت التداول (الشيء) واضحة التأصيل على أساس انتهاك العقد مع العملاء في حالة عقد الوساطة، أو مع البورصة في حالة عقد صناعة السوق.
5- سيؤدِّي منح روبوت التداول الشخصية الافتراضية كشخصٍ غير مُميِّز أمام القانون إلى منح الروبوت ذمةً ماليةً مُستقلَّةً يمكن الرجوع عليها أولاً إزاء المسؤولية التقصيرية.
6- سيؤدِّي ارتقاء الروبوت إلى درجة الشخص المُميِّز إلى انتهاء عصر المسؤولية عن الروبوت كشيء إلاَّ بموجب الخطأ واجب الإثبات.
7- ستكون الذمة المالية المُستقلَّة للروبوت الشخص -سواءً أكان مُميِّزاً أم غير مُميِّز- محلاًّ ممكناً للرجوع عليها على أساس المسؤولية العقدية استناداً على مسؤولية المتبوع (الشركة المُشغِّلة) عن أعمال التابع (الروبوت الشخص).
8- سينشأ في المستقبل تناقضٌ بين مسؤولية مالك روبوت التداول الشخص المُميِّز عن خطأ هذا الروبوت، في الوقت الذي سيحقُّ للروبوت تأسيس شركاتٍ خاصَّةٍ به لممارسة الوساطة المالية وصناعة السوق.
المقترحات
1- في الحاضر:
أ- بخصوص المسؤولية التقصيرية تجاه المستثمرين والجمهور:
- فرض قاعدة المسؤولية الموضوعية دون النظر لخطأ الشركة مُشغِّلة للروبوت.
- فرض قاعدة التنفيذ على الروبوت ذاته كمالٍ منقولٍ، قبل الرجوع على الشركة المُشغِّلة له، فإن لم يكفِ ثمن الروبوت أو لم تتدخَّل الشركة لتغطية النقص أو لتسديد التعويض أساساً، أمكن للمنفِّذ الرجوع على الشركة بكامل ذمتها المالية.
ب- بخصوص المسؤولية العقدية تجاه عملاء الوسيط المالي أو تجاه البورصة:
- فرض المسؤولية العقدية عن أخطاء روبوت التداول الخوارزمي على الشركة المُشغِّلة نظراً لكون الروبوت جزءاً من البيئة التشغيلية لهذه الشركة.
- فرض قاعدة التنفيذ على الروبوت ذاته كمالٍ منقولٍ قبل التنفيذ على الشركة المُشغِّلة له في حالة التعاقد بالخوارزميات فتكون الروبوتات هي مَن قامت بالتعاقد على طرفي العقد.
2- في المستقبل:
أ- بخصوص شخصية روبوت التداول الخوارزمي مع اشتراط تقييد تطوير هندسة الروبوت في إطار الخضوع للحضارة البشرية:
- يُصبحُ الروبوت شخصاً بنظر القانون بعد منح روبوت التداول الخوارزمي الشخصية الافتراضية، ذلك بما يتساوى مع:
- الإنسان غير المُميِّز؛ بغرض منحه الحق بذمة مالية مُستقلَّة عن الشركة المُشغِّلة.
- الإنسان المُميِّز؛ بغرض منحه الحق بالتداول لحسابه.
- عدم منح روبوت التداول الحق بالوصول إلى شخصية الإنسان الراشد مهما بلغت إمكانياته الذهنية والإدراكية.
ب- بخصوص المسؤولية التقصيرية تجاه المستثمرين والجمهور:
- فرض المسؤولية على روبوت التداول غير المُميِّز في إطار ذمته المالية أولاً، ثم فتح إمكانية الرجوع على الشركة المُشغِّلة على أساس المسؤولية الموضوعية دون وجود ركن الخطأ (انتهاء عصر الخطأ المفترض لحراسة الشيء).
- فرض المسؤولية على روبوت التداول المُميِّز في إطار ذمته المالية أولاً، ثم فتح إمكانية الرجوع على الشركة المُشغِّلة بشرط إقامة الدليل على خطأ التشغيل (انتهاء عصر تحمل تبعة الروبوت).
ج- بخصوص المسؤولية العقدية تجاه عملاء الوسيط المالي والبورصة:
- بالنسبة للروبوت غير المُميِّز العامِل، فتكون المسؤولية على الذمة المالية للروبوت وعلى الشركة المُشغِّلة بناءً على مسؤولية المتبوع.
- بالنسبة للروبوت المُميِّز العامِل، فتكون المسؤولية أيضاً على الذمة المالية للروبوت وعلى الشركة المُشغِّلة، فيما يمكن الاتفاق على غير ذلك.
- بالنسبة للروبوت المُميِّز صاحب الترخيص بالوساطة المالية أو صناعة السوق، فتكون ذمته المالية هي الضامنة للمسؤولية العقدية الناشئة عن تعاقداته دون إمكانية الرجوع على مالكه إلاَّ إذا ثبت خطأ هذا المالك.
المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
– أبو سرور، أسماء، ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري والقانون المدني الأردني، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير في القانون، جامعة النجاح
– عثمان، أميد، المسؤولية المدنية عن أضرار السجائر الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 16، العدد 1، يونيو 2019.
– العيال، عبد الله، الأشياء المستخدمة في تنفيذ العقد، لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة واسط، العراق، العدد 25، عام 2017.
– السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي، عام 1968.
– القوصي، همام:
- إشكالية الشخص المسؤول عن تشغيل الروبوت (تأثير نظرية “النائب الإنساني” على جدوى القانون في المستقبل) -دراسة تحليلية استشرافية في قواعد القانون المدني الأوروبي الخاص بالروبوتات-، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، مجلة دولية محكمة تصدر عن مركز جيل للبحث العلمي JILRC، طرابلس، لبنان، العدد 25، مايو 2018.
- منهج نشاط صانع السوق بإضافة هامش السيول، (بين القيمة النقدية والحجم الكمي) -نموذج بورصة الكويت، والبورصة المصرية، وبورصة ونيويورك-، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية EJLES، مجلة علمية محكمة، مصر، العدد 11، يوليو 2018.
- نظرية الشخصية الافتراضية للروبوت وفق المنهج الإنساني -دراسة تأصيلية تحليلية استشرافية في القانون المدني الكويتي والأوروبي-، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، مجلة دولية محكمة تصدر عن مركز جيل للبحث العلمي JILRC، طرابلس، لبنان، العدد 35، سبتمبر 2019.
- ضبط نشاط صانع السوق ومزود السيولة خلال التداول الخوارزمي والتداول عالي التردُّد -مقارنة بورصات لندن وبرلين وأوساكا مع بيئة البورصات العربية-، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، مجلة دولية محكمة تصدر عن مركز جيل البحث العلمي JILRC، طرابلس، لبنان، العدد 39، مارس 2020.
– مرجاجو، حنان، المسؤولية المدنية الناشئة لمقدمي خدمات التصديق الالكتروني، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في القانون، كلية الحقوق، جامعة أم البواقي، الجزائر، نوقشت عام 2016.
ثانياً: المراجع باللغة الإنجليزية
– BARNETT, Jeremy, Algorithms and the Law, 2017. See:
https://Legalfutures.co.uk (29-4-2020).
– BATEMAN, Will, Algorithmic Decision-Making and Legality: Public Law Dimensions, SSRN Papers, 2019. See:
https://ssrn.com/abstract=3496386 (29-4-2020).
– BREEDON, Francis, et. al., Judgment Day: Algorithmic Trading around the Swiss Franc Cap Removal, Swiss Institute of Banking and Finance, Working Papers on Finance No. 12, 2019.
– BURK, Dan L., Algorithmic Legal Metrics, SSRN Papers, 2019. See:
https://ssrn.com/abstract=3537337 (29-4-2020).
– COSME Jr., Orlando, Regulating High-Frequency Trading: The Case for Individual Criminal Liability, Journal of Criminal Law and Criminology, Vol. 109, No. 2, Spring 2019.
– DIAMANTIS, Mihailis E., The Extended Corporate Mind: When Corporations Use AI to Break the Law, ComplianceNet, Working Paper Series, Article 11, 2019.
– DOLGOPOLOV, Stanislav, Providing Liquidity in a High-Frequency World: Trading Obligations and Privileges of Market Makers and a Private Right of Action, Brooklyn Journal of Corporate, Financial & Commercial Law, Vol. 7, No. 2, 2013.
– KORSMO, Charles R., High-Frequency Trading: A Regulatory Strategy, University of Richmond Law Review, Vol. 48, No. 2, 2014.
– MARKHAM, Jerry W., Regulating the Sale of Stock Exchange Market Data to High-Frequency Traders, Florida Law Review, Vol. 71, 2019.
– MCNAMARA, Steven R., The Law and Ethics of High-Frequency Trading, Minnesota Journal of Law, Science & Technology, Vol. 17, No. 1, 2016.
– MITTS, Joshua, A Legal Perspective on Technology and the Capital Markets: Social Media, Short Activism and the Algorithmic Revolution, SSRN Papers, 2019. See:
https://ssrn.com/abstract=3447235 (29-4-2020).
– PASQUALE, Frank, Toward a Fourth Law of Robotics: Preserving Attribution, Responsibility, and Explain ability in an Algorithmic Society, OHIO State Law Journal, Vol. 78, No. 5, 2017.
– SCOPINO, Gregory, Do Automated Trading Systems Dream of Manipulating the Price of Futures Contracts? Policing Markets for Improper Trading Practices by Algorithmic Robots, Florida Law Review, Vol. 67, No. 1, January 2016.
– SCHOLZ, Lauren Henry, Algorithmic Contracts, Stanford Technology Law Review, Vol. 20, Vol. 2, Fall 2017.
– YADAV, Yesha:
- Failure of Liability in Modern Markets, Virginia Law Review, Vol. 102, 2016,
- Insider Trading and Market Structure, UCLA Law Review, Vol. 63, 2016.
[1] أنظر في جانب من الفقه العربي لدى: د. القوصي، همام، ضبط نشاط صانع السوق ومزود السيولة خلال التداول الخوارزمي والتداول عالي التردد -مقارنة بورصات لندن وبرلين وأوساكا مع بيئة البورصات العربية-، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، مركز جيل البحث العلمي، طرابلس، لبنان، العدد 39، مارس 2020، الصفحة 11.
[2] أبو سرور، أسماء، ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية دراسة مقارنة بين القانون المدني المصري والقانون المدني الأردني، أطروحة مقدمة لنيل درجة الماجستير في القانون، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، نوقشت عام 2006، الصفحة 38.
[3] د. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار إحياء التراث العربي، عام 1968، الصفحة 743.
[4] المرجع السابق، الصفحة 1096.
[5] “Most obviously, it means tort-like liability to parties who are harmed by (HFT) misconduct. In this sense, plaintiffs will be able to take advantage of the doctrine of negligence per se to recover from HFTs who engage in market manipulation or otherwise fail to comply with applicable protective regulation”. See: KORSMO, Charles R., High-Frequency Trading: A Regulatory Strategy, University of Richmond Law Review, Vol. 48, No. 2, 2014, page 606.
[6] “Recklessness”. See: YADAV, Yesha, Failure of Liability in Modern Markets, Virginia Law Review, Vol. 102, 2016, page 1056.
[7] هكذا قد تُصبِحُ المسؤولية التقصيرية عن الأشياء واجبة الإثبات من حيث الخطأ، الذي يُعرَّفُ بالإخلال بالتزامِ سابقِ يكون على شكل الامتناع عن العنف، والكف عن الغش، والإحجام عن عمل لم تتهيأ له الأسباب من قوة أو مهارة، واليقظة في تأدية واجب الرقابة على الأشياء. هذا الطرح يستند على تعريف الفقيه بلانيول لركن الخطأ في المسؤولية. أنظر: أبو سرور، أسماء، مرجع سابق، الصفحة 42.
[8] د. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، الجزء الأول، الصفحة 1100.
[9] “a robust regime of liability”. See: KORSMO, Charles R., op. cit., page 609.
[10] Ibid, page 1061.
[11] راجع في فشل أنظمة المسؤولية الحالية في الأسواق الحديثة لدى:
YADAV, Yesha, Failure of Liability in Modern Markets, op. cit., page 1031.
[12] DIAMANTIS, Mihailis E., The Extended Corporate Mind: When Corporations Use AI to Break the Law, ComplianceNet, Working Paper Series, Article 11, 2019, page 3.
[13] “… securities markets are dominated by a cohort of “structural insiders,” namely a set of traders able to utilize close physical and informational access to trade at speeds measured in milliseconds and microseconds, a practice loosely termed high frequency trading (HFT)”. See: YADAV, Yesha, Insider Trading and Market Structure, UCLA Law Review, Vol. 63, 2016, page 968.
أنظر في عمليات بيع المعلومات للمتداولين عبر روبوتات التداول عالي التردد في جانب من الفقه الأمريكي، لدى:
MARKHAM, Jerry W., Regulating the Sale of Stock Exchange Market Data to High-Frequency Traders, Florida Law Review, Vol. 71, 2019, page 1209.
[14] أنظر في شرح البرمجة الخاصة بروبوتات خوارزميات التداول لدى:
YADAV, Yesha, Insider Trading and Market Structure, op. cit., page 992.
[15] أي ببساطة الارتباط بين الركن المادي والمعنوي للجريمة باستخدام الذكاء الاصطناعي. راجع حول هذا الموضوع في جانب من الفقه الأمريكي:
COSME Jr., Orlando, Regulating High-Frequency Trading: The Case for Individual Criminal Liability, Journal of Criminal Law and Criminology, Vol. 109, No. 2, Spring 2019, page 365.
[16] للتوسُّع في المسؤولية العقدية عن الأشياء، راجع في جانب من الفقه العربي: د. العيال، عبد الله، الأشياء المستخدمة في تنفيذ العقد، لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة واسط، العراق، العدد 25، عام 2017، الصفحة 222.
[17] MITTS, Joshua, A Legal Perspective on Technology and the Capital Markets: Social Media, Short Activism and the Algorithmic Revolution, SSRN Papers, page 1. See:
https://ssrn.com/abstract=3447235 (29-4-2020).
[18] وهو الأسلوب التداولي الذي يُطلَق عليه: “وكالة التداول الخوارزمي” “Agency AT” أي أنَّ الخوارزميات تصبح وكيلةً عن الوسيط في تنفيذ عمليات التداول الخاصَّة بالعملاء. أنظر:
BREEDON, Francis, et. al., Judgment Day: Algorithmic Trading around the Swiss Franc Cap Removal, Swiss Institute of Banking and Finance, Working Papers on Finance No. 12, 2019, page 2.
وقد خرجت هذه الدراسة بأنَّ التداول عبر الحواسيب باستخدام هذا الأسلوب قد أدَّت إلى انخفاض سوق العملات. أنظر:
“We find that computer trading contributed to the decline in the market quality of the currency pairs directly affected on the event day and afterwards”. See: Ibid.
[19] وهي ما أطلق عليها جانب من الفقه الأمريكي: “خوارزميات التنبؤ” “Predictive algorithms“. أنظر:
BURK, Dan L., Algorithmic Legal Metrics, SSRN Papers, 2019, page 1. See:
https://ssrn.com/abstract=3537337 (29-4-2020).
[20] وهو ما أطلق عليه جانب آخر من الفقه الأمريكي بـ: “المستشار الروبوتي” “Robo-advisor”. أنظر:
BARNETT, Jeremy, Algorithms and the Law, 2017, page 4. See:
https://Legalfutures.co.uk (29-4-2020).
[21] أنظر في المسؤولية عن الأشياء ضمن الإطار المسؤولية العقدية لدى: د. العيال، عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 228.
[22] YADAV, Yesha, Insider Trading and Market Structure, op. cit., page 992.
[23] د. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، الجزء الأول، الصفحة 540.
[24] تقوم الخوارزميات بتحديد التزامات أطراف العقد في العقد الالكتروني، أنظر في جانب من الفقه الأمريكي:
“Algorithmic contracts are contracts in which an algorithm determines a party’s obligations”. See: SCHOLZ, Lauren Henry, Algorithmic Contracts, Stanford Technology Law Review, Vol. 20, Vol. 2, Fall 2017, page 128.
ستنشأ بخصوص التعاقد عبر الخوارزميات منازعاتٍ عديدةٍ حول مسؤولية الجهة التي تُقدِّم خدمة التصديق الالكتروني للتوقيع الالكتروني. أنظر حول مسؤولية مُقدِّم خدمة التصديق الالكتروني في جانب من الفقه العربي لدى: مرجاجو، حنان، المسؤولية المدنية الناشئة لمقدمي خدمات التصديق الالكتروني، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في القانون، كلية الحقوق، جامعة أم البواقي، الجزائر، نوقشت عام 2016، الصفحة 16.
[25] للتعمُّق في المنهجيَّة التي يستخدمها صانع السوق بغرض إضافة السيولة والتسعير، راجع في جانب من الفقه العربي: د. القوصي، همام، منهج نشاط صانع السوق بإضافة هامش السيول، (بين القيمة النقدية والحجم الكمي) -نموذج بورصة الكويت، والبورصة المصرية، وبورصة ونيويورك-، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية EJLES، مجلة علمية محكمة، مصر، العدد 11، يوليو 2018، الصفحة 308.
[26] حول القيام بنشاط صناع السوق عبر التداول عالي التردد، راجع:
DOLGOPOLOV, Stanislav, Providing Liquidity in a High-Frequency World: Trading Obligations and Privileges of Market Makers and a Private Right of Action, Brooklyn Journal of Corporate, Financial & Commercial Law, Vol. 7, No. 2, 2013, page 303.
وبخصوص تطبيق هذه التكنولوجيا في البورصات العربية، أنظر: د. القوصي، همام، ضبط نشاط صانع السوق ومزود السيولة خلال التداول الخوارزمي والتداول عالي التردد، مرجع سابق، الصفحة 24.
[27] “… the current push in the direction of more stringent trading obligations of market makers…”. See: Ibid, page 359.
[28] د. القوصي، همام، نظرية الشخصية الافتراضية للروبوت وفق المنهج الإنساني -دراسة تأصيلية تحليلية استشرافية في القانون المدني الكويتي والأوروبي-، مجلة جيل المحكمة للأبحاث القانونية المعمقة المحكمة، مركز جيل للبحث العلمي JILRC، طرابلس، لبنان، العدد 35، سبتمبر 2019، الصفحة 11.
[29] عبر جانب من الفقه الأمريكي عن هذه المسألة بالجملة التالية: “الخوارزميات كشخص اصطناعي” “Algorithms as artificial persons”. أنظر:
BARNETT, Jeremy, op. cit., page 10.
[30] “The cutting edge of the AI, machine learning, and robotics fields emphasizes autonomy, whether of smart contracts, high-frequency trading algorithms (at least in time spans undetectable by humans), or future robots”. See: PASQUALE, Frank, Toward a Fourth Law of Robotics: Preserving Attribution, Responsibility, and Explain ability in an Algorithmic Society, OHIO State Law Journal, Vol. 78, No. 5, 2017, page 1253.
[31] BATEMAN, Will, Algorithmic Decision-Making and Legality: Public Law Dimensions, SSRN Papers, 2019, page 1. See:
https://ssrn.com/abstract=3496386 (29-4-2020).
[32] د. القوصي، همام، إشكالية الشخص المسؤول عن تشغيل الروبوت (تأثير نظرية “النائب الإنساني” على جدوى القانون في المستقبل) -دراسة تحليلية استشرافية في قواعد القانون المدني الأوروبي الخاص بالروبوتات-، مجلة جيل المحكمة للأبحاث القانونية المعمقة المحكمة، مركز جيل للبحث العلمي JILRC، طرابلس، لبنان، العدد 25، مايو 2018، الصفحة 88.
[33] “… causes of action impose liability without requiring any proof as to the mental state of the actor, a circumstance that makes one liable even for accidental or inadvertent violations of the law”. See: SCOPINO, Gregory, Do Automated Trading Systems Dream of Manipulating the Price of Futures Contracts? Policing Markets for Improper Trading Practices by Algorithmic Robots, Florida Law Review, Vol. 67, No. 1, January 2016, page 253.
يمكن طرح مثال بخصوص المسؤولية عن المنتجات الالكترونية دون الحاجة لإثبات وجود الخطأ في المسؤولية عن السجائر الالكترونية في القانون الفرنسي والأمريكي، تلك التي تستند على مُجرَّد قيام العيب في السلعة. أنظر: عثمان، أميد، المسؤولية المدنية عن أضرار السجائر الإلكترونية: دراسة تحليلية مقارنة، مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية، المجلد 16، العدد 1، يونيو 2019، الصفحة 480.
[34] SCOPINO, Gregory, op. cit., page 221.
[35] “Although uncertainty might itself deter intentional fraudsters or other egregious actors, the Dodd-Frank penalty regime covers all wrongdoing, both intentional and unintentional. The Commission should consider the impact of uncertainty on behavior that falls on the borderline of legality, potentially resulting in the over deterrence of some socially beneficial behavior”. See: LIEBMANN, Samuel N., Dazed and Confused: Revamping the SEC’s Unpredictable Calculation of Civil Penalties in the Technological Era, Duke Law Journal, Vol. 69, 2019, page 446.
[36] الأمر الذي سيؤدِّي إلى إيجاد بيئةٍ مُفصَّلةٍ أكثر من العقوبات التأديبية التي تفرضها لجنة البورصة على الروبوت الشخص والجهة المُشغِّلة، راجع في جانب من الفقه الأمريكي:
“The imprecise framework also results in unpredictable and incomprehensible penalty calculations that incentivize excessive settlement rates and could stymie desirable behavior”. See: LIEBMANN, Samuel N., op. cit., page 463.
[37] “High-Frequency Trading (HFT) may involve manipulative or parasitic trading strategies”. See: KORSMO, Charles R., op. cit., page 528.
[38] يرى جانب من الفقه الأمريكي أنَّ تعاقدات الشركات فيما بينها ستعتمد شيئاً فشيئاً على الخوارزميات التي تتعلَّمها روبوتات هذه الشركات. أنظر:
“Machine learning algorithms are increasingly involved in the formation of business-to-business contracts, so it is important to think about how law comes into play when analyzing how algorithms are in contract formation”. See: SCHOLZ, Lauren Henry, op. cit., page 169.
[39] د. السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط، الجزء الأول، الصفحة 1012.
[40] تتَّجه معظم الشركات نحو تحويل نشاطها باتِّجاه الأتمتة؛ لأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تخفيض التكاليف وزيادة الإنتاجية والسرعة في التنفيذ، إلاَّ أنَّ القانون سيكون عاجزاً -شيئاً فشيئاً- عن مواجهة هذه الشركات بسبب قصور الأدوات القانونية عن ملاحقة الصورة التكنولوجية الحديثة للشركات في حالة مخالفتها للقانون. أنظر في جانب من الفقه الأمريكي:
“Automation is the future for many corporations. That future will make them faster and cheaper, but it will not eliminate corporate harm. The law, as it presently stands, will soon find itself without any tools to address broad swathes of corporate misconduct”. See: DIAMANTIS, Mihailis E., op. cit., page 27.
[41] ولهذا تبدَّى لجانب من الفقه الأمريكي ضرورة ابتكار صُنَّاع السياسات التنظيمية في أسواق المال لمنهجية جديدة تقوم على حماية المستثمرين من التغييرات التكنولوجية التي تحيط بالبورصة. أنظر:
“… policymakers should rethink what (investor protection) means in a world which is undergoing rapid technological change”. See: MITTS, Joshua, op. cit., page 50.
[42] Section 59 (f), General principles, The European Parliament, Civil Law Rules on Robotics of 2017.
[43] د. القوصي، همام، إشكالية الشخص المسؤول عن تشغيل الروبوت، مرجع سابق، الصفحة 102.
[44] YADAV, Yesha, Insider Trading and Market Structure, op. cit., page 1012.
[45] “… the speed advantage of the HFTs’ computerized algorithmic trading and their use of high-speed lines and other modern communication advances“. See: MARKHAM, Jerry W., op. cit., page 1259.
[46] يرى جانب من الفقه الأمريكي أنَّ إهمال عملية إصلاح البورصة سيجعل منها محلاًّ ممكناً لممارسة استغلال المعلومات السرية الجوهرية في البورصة. أنظر:
YADAV, Yesha, Insider Trading and Market Structure, op. cit., page 1030.
[47] راجع في تجاذبات الأخلاق مع الذكاء الاصطناعي لدى جانب من الفقه الأمريكي لدى:
MCNAMARA, Steven R., The Law and Ethics of High-Frequency Trading, Minnesota Journal of Law, Science & Technology, Vol. 17, No. 1, 2016, page 71.
[48] “The cornerstone of Balkin’s proposal is to create obligations of responsibility in systems that do not necessarily share the human experience of intent”. See: PASQUALE, Frank, op. cit., page 1254.
[49] “… the automation of statutory powers”. See: BATEMAN, Will, op. cit., page 14.