
جماليّات التعبير المكانيّ في الشعر العربيّ القديم
من خلال “المفضّليّات” و”المعلّقات”
د.عمارة الجدّاري ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة تونس
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 38 الصفحة 63.
ملخّص:يمثّل المكان في النص الشعري القديم عنصرا رئيسا ذا حضور لافت كثافة وتنوّعا. والبحث في بنائه يكشف عن جماليّات تعبير مهمّة. ولعلّ التوسّل بكتابيْن مهمّيْن مثل “المفضّليّات” و”المعلّقات” كفيل بإبراز هذا التشكّل الجماليّ بناءً ودلالة ومقصدا.
*- الكلمات المفاتيح: المكان، التعبير، الجماليّة، المفضليّات، المعلّقات.
Résumé
La poésie arabe classique est bien suppliée par les lieux. Et ces derniers sont bien construits pour exprimer des formes esthétiques, linguistiques et rhétoriques.
Et les deux exemples poétiques <<al-mufadhaliat>> et <<al-muallakat>>, qui sont deux livres du choisis poétiques, peuvent exprimer les rôles artistiques et esthétiques des lieux.
يتّخذ المكان أشكالا ومستويات مختلفة تعكس أهمّيّته في النصّ الشعريّ وتتأتّى هذه الأهمّيّة من بعدين، يتمثّل الأوّل في تشكيل النصّ والنهوض بمعناه، ويتجلّى الثاني في دور المكان ذاته إذ يمثل ذات الشاعر ومحيطه لما له من اتّصال بالحياة الاجتماعية والحضاريّة.
والمكان بهذا الإحساس وهذا المنحى وهذه الفعاليّة اللغويّة يصبح بؤرة المعنى لذلك تجاوز بعده باعتباره إطارا محايدا وكيانا فيزيائيا كما تقبله العلوم، وأضحى مكمن الشعريّة بل مكوّنا أساسيّا في العمليّة الإبداعيّة.
ولعل المكان بهذا المنحى قد اكتسب من علاقته بالشعر القديم جماليات مخصوصة تبعث على الإدهاش والإيحاء[1]
ذلك هو منطلقنا في تنزيل قراءتنا المهتمّة بإشكالية المكان وجماليات تعبيره التي ينهض بها من خلال أشعار “المفضّليّات” و“المعلّقات”.
1- المدوّنة:
نعتمد في هذا المبحث مدوّنة من مختارات الشعر العربيّ القديم تتمثل في “المفضّليّات” و“المعلّقات”. وتكتسب هذه المدو|نة قيمتها من مستوييْن رئيسيْن. يتمثّل الأوّل في كونها تغطّي تجارب الشعر العربي القديم من البدايات إلى حدود القرن الثاني الهجري تقريبا. ويتمثل الثاني في كون هذه المدوّنة تعدّ من المختارات، والاختيار ذاته عمل فنّيّ متميّز.
1-1- المفضليات:
تمثّل المفضليّات مجموعة من أشعار العرب اختارها وجمعها المفضّل الضبّي[2]. وتعبّر عن فترة زمنيّة تمتدّ من بداية الإنشاء الشعريّ العربيّ حتّى منتصف القرن الأوّل الهجريّ. وتعدّ أقدم مجموعة صنعت في اختيار الشعر العربيّ إذ كان الروّاة قبلها يصنعون أشعار القبائل. ولئن لم تحظ بدراسة شافية[3] فإنّها مثّلت مستندا لبعض الدراسات المتناولة للشعر العربيّ ومقاربة معانيه. وتحتوي “المفضليات”مائة وثلاثين (130) نصّا بين قصيدة وقطعة[4] بعد أن أضاف إليها المحقّقان أربعة نصوص من روايات مختلفة[5] مثل المفضّليّة الأخيرة التي تمثل إعادة للمفضّليّة الواحدة والثمانين إلاّ أنّ الرواية قد اختلفت بالزيادة والنقص والتقديم والتأخير[6]. ومثّل عدد نصوص “المفضّليّات” إشكالا. إذ لئن صمت بلاشير عن ذلك وتحدّث بصفة إجماليّة “نصوص شعريّة وردت أحيانا في شكل قطع وغالبا في شكل قصائد تبدو تامّة”[7] فإنّ بروكلمان يرى أنّ “المفضليّات مائة وستّ وعشرون أومائة وثمان وعشرون قصيدة”[8] ويعني بالقصيدة النصّ بصفة عامّة وتواتر هذا الرأي في المؤلفات القديمة بداية من “الفهرست” لابن النديم[9] وهو أنّ “المفضّليّات” مائة وستّ وعشرون أومائة وثمان وعشرون قصيدة قد تزيد وقد تنقص تتقدّم فيها وتتأخّر بسبب الرواية عنه (المفضّل الضبّي) والصّحيحة التي رواها ابن الأعرابيّ وهي أشعار مختارة جمعها المفضّل للمهديّ[10].
1-2- المعلقات أو السبع الطّوال:
سبعة نصوص تنوّعت تسميتها بين المعلّقات[11] والقصائد[12] والمذهّبات[13] والسموط[14] والسبعيّات[15]. وشعراء المعلّقات سبعة امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهيّر بن أبي سلمى وعنتر بن شدّاد وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلّزة ولبيد بن ربيعة.
ويجعل القرشيّ[16] في اختياره قصيدة النابغة ومعلّقة الأعشى مكان الحارث وعنترة، فكان التركيز على العدد “سبعة” متواترا. فضلا عمّا ذهب إليْه بعض الجمّاع والشرّاح بعدّها تسعا بإضافة النابغة الذبياني والأعشى[17] باستثناء التبريزي[18] الذي أضاف في جمعه ثلاثة نصوص لتستقرّ معه عند عشرة نصوص.
ويروي ابن الكلبيّ من أنّ أشهر الشعر وأجوده يعلّق على ركن من أركان الكعبة وسمّيت بـ“المذهّبات” لأنّها كانت تكتب بماء الذهب حسب رواية ابن رشيق[19] ولئن تنوّعت هذه الأخبار فإنّها تُجْمِعُ على شهرة هذه المختارات وأهمّيتها إذ أنّه “إنّما كان يتوصّل إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيّته ومكانه في مضر”[20]
وتعليق الشعر بالكعبة وكتابته بالذهب يسهم في قداسة النّصّ وإكسابه مفاهيم أسطوريّة مختلفة.
2- جماليات وصف الأمكنة:
يجري وصف الأمكنة بطرق مختلفة مرورا بعدة مستويات من التصوير والصياغة، وكثيرا ما يراها الدارسون مبعث إدهاش وجمال[21] وما الحضور اللافت للأمكنة في مطالع القصائد إلاّ دليل على هذا الإيحاء والتدلال.
ولعلّ توسّلنا بتلقّي هذه الأمكنة صياغة وتصويرا نكتشف مستويين من الأمكنة: أمكنة موصوفة مباشرة أو موضّحة للصورة الشعرية، بلاغيا، فتدعم المشبه به. وأمكنة حاضرة في صورة موازية للعنصر المحكي الأصلي.
2-1- المستوى الأوّل: الأمكنة موصوفة وصفا مباشرا:
تحضر الأمكنة في هذا المستوى بصفة مباشرة مصوّرة في ذاتها ومثال ذلك وصف الرسوم والديار ووصف الفلاة ووصف ساحة الوغى، يقول مزرد بن ضرار الذبياني [من الطويل]:
“مَعَاهِد تَرْعَى بَيْنَهَا كُلّ رعْلَةٍ *** غَرَابِيبُ كَالهِنْدِ الحَوَافِي الحَوَافِدِ“[22]
فيصف هذه المعاهد بعد أن أقفرت وسكنها الوحش فغدت مثل السيوف الحافية. وتحضر المعاهد باعتبارها مكانا شعريا، موصوفة في ذاتها ويتفنّن الشاعر في تصويرها وتقريبها من المتقبل. وفي نفس المستوى يتنزّل وصف الفلاة فتبدو مكانا موصوفا وصفا مباشرا يقول عبدة بن الطيب [من البسيط]:
“إذا تجَاهَدَ القومُ في شَركٍ *** كَأَنّهُ شطبٌ بِالسرْوِ مَرْمُولٌ”[23]
فيصف الفلاة ويقدّمها مكانا شبّهه في استوائه بالحصير، واستواء الطريق دليل على قلّة استعماله. وقد يعْبُرُ هذا المعنى النصّ الواحد فيتنزّل الطريق مشبّها بالحصير في استوائه إذ يقول المخبّل السعدي [من الكامل]:
“وَمُعَبّدٍ قَلِقِ المَجَازِ كَبَـا *** رِيّ الصنَاعِ إكَامَـهُ دُرْمُ”[24]
فيقدّم طريقا صعب المرور يصير من تلقائه عابِرُهُ مجبولا على الإسراع طلبا للنجاة لصعوبته ولاستواء إكامه بالأرض مثل الحصير فيبدو دون آثار ممّا يجعله صعب المسلك لغياب آثاره وضياع مساربه.
ويتعدّى وصف الطريق هذه السمات إلى وصف مباشر يعكس عسر المرور به لا لضياع مساربه فحسب وإنّما لاشتباكها. يقول المثقب العبدي [من الطويل]:
“علَى طرُقٍ عنْدَ الأرَاكَةِ ربةٍ *** تُؤازِى شَرِيم البَحْر وَهْوَ قَعيدُهَا“[25]
فيجعل هذا الطريق متشابكا بكثرة مساربه واشتباهها والأصمعي يقول: “إنّما جعلها طرقا مختلفة لأّنه أشدّ للسير فيها لاشتباهها”[26]. فتبدو الفلاة مكانا موصوفا في ذاته. ثمّ يحدّد الشاعر سماتها المخصوصة للنهوض بالمعنى الشعري شأن ساحة الوغى في قول الحصين بن الحمام المري [من الطويل]:
“بِمُعْتَرَكٍ ضَنِكٍ بِهِ قَصْدُ القنَا *** صَبِرْنَا لَهُ قَدْ بَلّ أفْرَاسَنَا دَمًا”[27]
فيصف ساحة الحرب مبرزا ضيقها وما تكسّر بها من رماح لشدّة هذه الحرب ولضراوتها. وتبدو لنا مكانا يشكّل المشهد الذي يتقبّله المتلقي. فيجد نفسه منذ لحظة القراءة الأولى إزاء مكان معيّن يحشده الشاعر بالصفات. لذلك اعتبرنا المكان في هذا المستوى موصوفا لذاته فهو أسّ المعنى الشعري.
وحين يكتسب المكان هذه الشاكلة فإنّ الشاعر يجعل منه محور الحدث الشعري فيبدو رسما يأبى الامّحاء وقد غادره أهله وارتحلوا عنه، أو فلاة يصعب طرْقُها لصعوبة مسلكها وقلّة ورودها، أو ساحة حرب ضيّقة تتلوّن بالدماء وبقايا الرماح.
2-2- المستوى الثاني: الأمكنة الرافدة لموصوف مباشر:
لا يحضر المكان في هذا المستوى حضورا مباشرا بعدّه مكمن المعنى وإنّما يكون على علاقة بوصف أشياء أخرى تنأى عن المكان مثل وصف الناقة حيث تُشبّهُ عند الشعراء بأماكن مبهمة يتفنّنون في تركيبها. وكثيرا ما تحضر صورة القصور في تشبيه الإبل. يقول ثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني [من الكامل]:
“تُضْحِي إذَا دقّ المطيّ كَأَنَّهَا *** فدَنُ ابن حيّة شادَهُ بالآجُرِ”[28]
فيصف علوّ ناقته مستحضرا القصر مكانا مبهما. ويبرز علوّه وقد شيّد بالآجر. ويذهب هذا التشبيه عديد الشعراء إذ يقول عمرو بنالأهتم بن سمي السعدي المنقري [من الطويل]:
“وَقُمْتُ إلَى البرْكِ الهَوَاجِدِ فَاتّقَتْ *** مَقَاحِيدَ كُومٍ كَالمَجَادِلِ رُوقُ
بأدمَاءَ مِربَاعِ النتَاجِ كَأَنـّــــهَا *** إذَا عَرَضَتْ دُونَ العِشَارِ فَنِيقُ”[29]
فيشبّه إبل الحي/البرك بالقصور الراقية لعلوّها. ويقول متمم بن النويرة [من الكامل]:
“بِـمَجَدّةٍ عَنِسٍ كَأنّ سَرَاتَهَا *** فَدَنٌ تَطِيفُ بِهِ النبِيطُ مُرَفّعُ”[30]
فيستحضر المكان الشعري ليبرز علوّ ناقته الصابرة المُجِدّة في السير فإذا هو قصر مرفّع تدور حوله النبيط[31]. ويعدُّ القصر مكانا عاليا شامخا يُهْتدَى به. وهذا العلوّ كثيرا ما شدّ الجاهليَّ فاستحضره في تشبيهاته ليبرز هذا الشموخ والعلوّ لا سيّما أنّ الصورة الشعريّة بهذا المعنى بقدر ما تكون واضحة المعالم للجاهليّ الذي يعلم القَصْرَ وقد شدّه علوّه، تكون مغربة في العلاقة بين النوق والقصور. وقد تحتاج صفات الناقة من علوّ وسعَة صدر إلى أكثر من مكانٍ فيحيل الشاعر إلى تشبيهها بالجبل كما في قول المسيّب بن علس [من الكامل]:
“وَكَأنّ غَارِبَهَا ربَاوَة مِخْرَمِ *** وَتَمُدّ ثِنْيَ جَدِيلِهَا بِشِرَاعِ”[32]
فيصفها ويصوّرها باستحضار مكان شعريّ يكرّس هذه الصفات، فجعل ما بين سنامها وعنقها مثل منقطع الغلظ من منقطع أنف جبل [رباوة مخرم] ليعيّن امتداد عنقها. وكثيرا ما كان المكان في هذا المستوى مختزلا لصفات الممدوح ومن أبرز أمثلة ذلك ما ورد في قول المسيّب بن علس [من الكامل]:
“وَلأنْــــتَ أَجْوَدُ من خليج مُفْعَمِ *** مُتَرَاكِمِ الاذِي ذِي دِفَـــاعِ
وَكَــأنَّ بُلْقَ الخَيْلِ فِي حَافَاتِـــهِ*** يَــرْمِي بِهِنّ دَوَالِي الزرّاعِ
وَلأنْــتَ أشْجَعُ فِي الأعَادِي كُلـّهَا *** مِــنْ مِخدَرِ لَيْثٍ مُعِيدِ وقاع”[33]
فيتفنّنُ في تركيب هذا المكان وترتيبه وفق المعنى الذي يرمي إليه من مدح. فيبدو المكان على تماسّ مع غرض المدح فيشكّل مفردات تختزل جملة صفات لتكوّن صورة للممدوح. فإذا هو مكان مبهم تنهض به جملة من الصور الشعريّة في فضاء لغويّ فريد، خليج متراكم المياه تتدافع فيه الأمواج وما هذا التدافع إلاّ للعطايا عند الممدوح. فالمكان بهذه الصورة يعيّن صفة الكرم عند الممدوح. ويقدّمُ المكانَ بصورة مختلفة صفة ثانية للممدوح يجعله ليثا مخدرا، وحضور الخدر يجعل الأسد أشدّ بطشا بمن ينوي الاقتراب من عرينه وكذلك كان الممدوح في قلاعه. ومن ثمة تعين المكان/الخدر بالنسبة إلى الليث مخدرا ليكون أكثر دفاعا. فكان المكان مسهما في تعيين الشعريّ وتحديده باعتباره أساس النصّ وقوامه.
2-3- المستوى الثالث: الأمكنة الموصوفة موازية لموصوف مباشر:
تحضر الأمكنة، في صورة ثانية متاخمة للمعنى الأصليّ في البيت فيدور المعنى في البيت حول غرض معيّن ويدعمه مشهد ثان يكُون بمثابة الموازي للمعنى الأصلي إلاّ أنّه يوضّحه ويكثف شعريّته. وفي هذا المشهد الثاني يحضر المكان المبهم لينهض بجملة من المعاني. فيصف الشاعر الناقة وبأسَهَا وصبْرَهَا ويقيم لها مشهدا ثانيا يصوّرُ فيه الحمار الوحشيّ على وجه المقاربة والمشابهة ويحضر المكان المبهم ليبرز جملة صفات للحمار الوحشيّ ويدعم المعنى ناهضا بالغرض العامّ للقصيدة يقول المرار بن منقذ [من الرمل]:
“مِثْلَ عدّاءٍ بروْضَاتِ القطا *** قلَصَتْ عَنْهُ ثِمَادٌ وَغُدْرُ[34]
فهذا الحمار قد ارتفعت عنه بقايا الماء والغدر فسدّت عليه الطريق وهو يعدو فكان يحاذيها طورا ويبتعد عنها طورا آخر شأنه شأن الناقة التي “تتّقي صوّان الحصى” في الصبر والمعاناة. وهذا الحمار يختار الأماكن فيبتعد عن الحرّ ويختار المرتفعات للتهوئة كما في قوله [من الرمل]:
“لَهَبَان وَقَدَتْ حِزّانَـــهُ *** يرْمُضُ الجنْدُبَ مِنْهً فَيَصِرْ
ظلّ فِي أعْلَى يَفَاعٍ جَاذِلاً *** يُقْسِمُ الأمْرَ كَقَسَمِ المُؤتَمِرْ
ألِــسَمْنَانَ فَيَسْقِيهَا بِهِ *** أمْ لِقَلْبٍ مِنْ لُغَاطٍ يَسْتَـمِرْ”[35]
إذْ هجر المكان الأوّل لِحَرّهِ وسكن المرتفع واختار مِنْ أيْن يَسْقِي أتانَه، وهذا الحمار في حيرته وفي تعبه وصبره يدعم حالة الناقة في صبرها على الشدائد.
ويتجلّى حضور الأمكنة على هذه الشاكلة لوصف المرأة وتشبيهها ببيضة الخدر. ويتفنّن الشاعر في وصف الخدر باعتباره مكانا مبهما ينهض بجملة من المعاني في مثل قول المخبّل السعدي [من الكامل]:
“أوْ بَيْضَةِ الدِعْصِ التِي وُضِعَــتْ *** فِي الأرْضِ لَيْسَ لَمَسّهَا حَجْمُ
سَـبَقَتْ قَرَائنضهَا وَأدْفَأهَـــــــــــــا *** قرد الجناحِ كَأنّهُ هَـــــــــــــــدمُ
وَيَضُمّها دون الجناحِ بِدَفــــــــهِ *** وَتعفُهُنّ قَوادمُ قُتْــــــــــــــــمُ[36]
إذ كثيرا ما يشبّه الشعراء الحبيبة ببيضة النعام الأولى فيبيّن الشاعر في هذه الصورة مناعة المكان وعلوّه فوق تلّ من الرمل (الدعص) وما به من رقّة حتى صارت ليّنة ليس بها نتوء. ويحضر المكان الشعري بالطريقة نفسها في التغزّل بالحبيبة فيشبه المزرّد أخو الشماخ عيْنيْها بعيْنيْ مهاة ويستحضر المكان في الصورة الثانية الموازية [من الطويل]:
“وَعَيْنَيْ مَهَاةٍ فِي صُوَارٍ مَرَادُهَا *** رِيَاضٌ سَرَتْ فِيهَا الغُيُوثُ الهَوَاطِلُ”[37]
ينعت الشاعر صاحبته في تشبيب فيجعل عينيْها عينيْ مهاة، ثم يذكر مرعاها فإذا هو رياض أمطرت ليلا، والمطر ليلا أحمد عند العرب. وترعى هذه المهاة في قطيع فهي محميّة وترود مراعي خصبة. فيحضر المكان في هذا المستوى ليدعم المشهد الأصلي فيصف الناقة في مشهد ثم يدعمه بمشهد ثان يتعلق بوصف الحمار الوحشي فيكون فيه للمكان حضور مهمّ في دعم المعنى وتعيين الشعري والتفاعل بين الأمكنة والمعاني.
3- التدقيق الوصفي للأمكنة :
تشحن الأمكنة بالتحديد المفرط التدقيق[38] لتنهض بصورٍ فريدة ومشاهدَ ذات بناء فنيّ شفّاف من حيث العمليّة الوصفيّة القائمة على مستويات مختلفة من التحديد وتقديم الحيّز الفضائي الأمثل.
وتتأتّى عملية التدقيق الوصفي بتكرار الأمكنة وتتاليها في حشد لجملة الأماكن العامّة أو المواضع التاريخية لتضفي على النصّ تحديدا فريدا من حيث التدقيق الوصفي. ويمكن للشاعر أن يعتمد لغاية التدقيق الوصفي آليّات لغويّة مختلفة باعتماد الظروف بطرق تشكّل مستويات متنوّعة نتناولها بالتحليل تباعا.
3-1- المستوى الأول: التساوي بين الأمكنة:
تمرّ عمليّة التدقيق الوصفي للأمكنة بحشد النصّ بجملة مواضع في تتال نابع من وَعْيٍ مخصوص بالتداعي لغاية امتلاك الفضاء من جانب وتحديده من جانب ثان. ومن أمثلة ذلك صورة رحلة الظعائن وتحديد الرسم /الطلل حيث لم تخل هذه المواضع من ذكر أمكنة مختلفة متّسمة بتتابع وتتال يشي بدلالات ترتدّ إلى أهميّة هذه الأقسام في القصيدة العربية.
ويمكن أن نستدلّ على مسألة القول بالتدقيق الوصفي للأمكنة في رحلة الظعائن يقول المرقش الأكبر [من الرمل]:
“جَاعِلاتٍ بَطْنَ الضبَاعِ شمَالا *** وَبِرَاقِ النِعَافِ ذَاتِ اليَمينْ”[39]
يذكر الشاعر طريق الظعن فيحدّد هذا المكان ويدقّقه بين يمين وشمال لغاية إبراز المكان إبرازا يمكن أن ينهض بمعنى الفراق حيث يعيّن شوقه وحزنه للفراق. فكان للوصف أبعاده في النهوض بالمعنى الشعري.
ويمكن أن يتجلى تحديد الأمكنة تحديدا وصفيّا ثابتا في وصف الطلل. حيث يشحن الشعراء الأقسام الطللية بأماكن موصوفة وصفا دقيقا. ويجري هذا الوصف بتقديم المواضع التاريخية المحيطة بالرسم ومنْ أمثلة ذلك قول عبد الله بن سلمة الغامدي [من الكامل]:
“لِمَنْ الديارُ بِتُولَع فَيَبُوس *** فَبَيَاضُ رِيطَةَ غَيْر ذَاتِ أنِيسِ”[40]
وقول الحارث بن حلزة اليشكري [من الكامل]:
“لِمَنْ الديَارُ عَفَوْنَ بِالحَبْسِ *** آيَاتُهَا كَمَهَارِقِ الفُرْسِ[41]
فيطنب الشعراء في تحديد الرسم وبيان أوصافه ودوامه وعدم امّحائه وفعل الرياح وظباء الوحش فيه ومداومته للزمن بمعاندته السيول والهواطل. وتتجلّى عمليّة التدقيق الوصفيّ في هذا المستوى في تميّزها باستحضار آليّات لغويّة معيّنة مثل الظروف يصرفها الشاعر على طرق شتّى تخفي تدقيقا في عمليّة الوصف.
ويجري هذا التدقيق في تساوي موصوفيْن، موصوف أوّل متعيّن يسعى الشاعر إلى إثباته، وموصوف ثابت مسبقا. أو أنْ تتساوي الأمكنة الموصوفة أفقيّا ويغلب هذا الحضور على النصوص إذ كثيرا ما يعتمده الشعراء لغاية الدقة في التصوير. ويقتضي التدقيق الوصفي استخدام ظروفٍ وحروفٍ معيّنةٍ تسْهِمُ في تركيزِ المعنى وتكثيف لحظته الشعرية. حيث تساعد على تحديد سمات الأمكنة ونوعيّتها والمعاني التي أفادها حضورها. وتحدّد الظروف المستخدمة حيّزا مجاليّا معيّنا يتّسم غالبا بالأهمّيّة من حيث الخصوصيّة اللغويّة، باعتباره ظرفا مخصوصا، وإفادته المعنى الشعريّ عامّة. ومن أبرز هذه الظروف المستخدمة “بيْن” كما في قول عوف بن عطية [من الوافر] :
“وَنرْعَى مَا رَعَيْنَا بَيْنَ عَبْسٍ *** وَطَيْئهَا وَبَيْنَ الحَيّ بَكرْ[42]
فيُحدّد بالظرف “بيْن” حيّزا معيّنا يشكّل بِهِ مَرْعاهم وسط الأعداء فيشي بقدرتهم الرعي حيث شاءوا. فأفاد الظرف بذلك معنييْن، معنى قريب يتعلّق بتحديد الحيّز المجالي للمكان بدقّة فائقة في الوصف والتعيين، ومعنى يتجاوز هذا التحديد ويتعلق بقدرتهم الرعي بين قبائل الأعداء فبدا جليا النفاذ فيهم. ويمكن أن تتجلى هذه الإفادة في تعيين الطلل في استهلال امرئ القيس لمعلقته “بين الدخول فحومل” تعيينا يتأتى من تشاكل موصوف مخصوص يسعى الشاعر إلى إثباته [مكان الرعي أو الطلل]، وموصوف ثابت مسبقا بعدّه مكانيْن تاريخيّين راسخين في الحيز الجغرافي الواقعي وفي ذهنيّة المتلقي باعتبارهما جزءا من ثقافة جمعية.
ولئن تعدّدت الظروف وأسماء الجهات فإنّها تشترك في تحديد سمة التساوي بين أمكنة وحيّزات مختلفة فتنهض بالمعنى الشعري. وكثيرا ما يرتبط الظرفُ بمكانٍ علمٍ فيتساوى معه وتتحدّدُ بذلك بنيةٌ بَصَرِيّةٌ أفقيّة يظلّ من تلقائها مشاركا له في صفات العَلَمِيّةِ والثبات والتعيين مثلَ وصْفِ الطلل وإثبات المعاني الشعريّة وتقديم إطارها الفضائيّ المعيّن. وقد تحتاج عمليّة التدقيق في الوصف والتصوير إلى طريقة مختلفة في صياغة بنية لغويّة فريدة تتنزّلُ على شاكلة مخصوصة تُبْنَى فيها الأمكنةُ مُرَكّبَةً منْ ظرفيْن أو حرف جرّ وظرف وربّما كشف ذلك عن تجوز طريف للقاعدة. أمّا مَا كُوّنَ من ظرفيْن فمِثَالُهُ قول زهير [من الطويل]:
“فشدّ فلمْ يفْزَعْ بُيُوتًا كَثِيرَةً *** لَدَى حَيْثُ ألْقَتْ رَحْلَهَا أمّ قُشْعُم”[43]
فَكَنّى عن المنيّة “بأم قشعم” وأراد من قوله :“حمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه ولم يفزع بيوتا كثيرة أي لم يتعرض لغيره عند ملقى رحل المنية، وملقى الرحل المنزل لان المسافر يُلْقِي به رَحْلَه، أراد عند منزل المنية“[44] فجعل ملقى رحل المنيّة مكانا قوامه ظرفان يحيلان على مكانٍ مطلقِ الإبهامِ. ولعلّ ذلك يُرَدُّ إلى الجهل التامّ بعالم الموت، فكان اقتران الظروف بفضاءاتٍ مُعَيّنَةٍ سبيل الشاعر إلى التعبيرِ عن حالٍ شعريّةٍ معيّنة. فكانت دقّةُ التصوير لمكان غير ثابت مادّيا تقتضي اقتران ظرفين مطلقين. ويكون الإقرار بأنّ التعبيرَ الشعريّ عن ظاهرة معيّنة (مثل عالم الموت) يقتضي اختيارات لغوية مثلى.
أمّا مَا كُوِّنَ مِنْ حرفِ جرٍّ وظرفٍ فمُتَنوّعُ الحضورٍ إذْ كثيرا ما نعثر على “من حيث”[45] و“من بين”[46] و“من فوق”[47] و“في بين”[48] وهي ظواهر تعبيريّة مختلفة تستحضرُ المُتاحَ اللغويَّ على شاكلات مختلفة منها ما يكون مُتَدَاوَلا ومنها ما يشرف على الشذوذ لقِلّةِ تداوله مثل “في حيث” في قول بشر بن أبى خازم [من الوافر]:
“فابْلغْ إنْ عَرَضَتْ بِنَا رَسُولاً *** كنَانَةَ قَوْمنَا فِي حَيْثُ صَارُوا”[49]
ويتحدّث الشارح عن هذا البيت فيراه دليلَ إثباتٍ لجوَازِ الجَمْعِ بين “في” و“حيث” وشعريّا جمع بين الظرفين للدلالة على مكان مطلق يحاول الشاعر أنْ يدقّق في وصفه وتصويره وكأن الشاعر يقول إنّ قومه موجودون في أي مكان صاروا إليه ولم يجدْ تعبيرا أمثل عن هذا المكان المطلق التصوّر ليقيّد إطلاقه ويحسن تصويره ويدقّق في وصفه -إن صحّ التعبير- إلاّ اقتران حرف جرّ بظرف قد يكون تجوّز به القاعدة فيصبح الإنجاز اللغويّ ممتثلا للإبداع والخلق الشعريّيْن.
4- جماليات التعبير المكاني:
يستحضر الشاعر الأمكنة ليتوسّل بها التعبير. فهي تمثّل آليّة تسهم في إنشاء النص والتعبير عن مضامينه وتقريبه من المتلقي. فكانت تمثل وسيلة فريدة لصياغة المعاني وإيضاحها. فمرّ هذا الحضور بطريقتيْن مخْتلفتين، إذْ كان الشاعر يستحضرُ الأمكنةَ للتعبير عن موصوفات محسوسة مرئيّة، أو للتعبير عن مجرّدات يصعب حصرها مرئيّا.
4-1- التعبير عن محسوسات:
يعبّر المكان في عديد المواضع من النصّ الشعريّ عن محسوسات مثل الطرق والجبال في قسم الرحلة واصفا الناقة والحمار الوحشيّ… فيتأتّى تعبيرا عن مشاهد محسوسة مدركة بالعين دون إجهاد أو إعمال للفكر. فيصف بشامة بن عمرو ناقته مشبّها صدرها بالطريق [من المتقارب]:
“وَصَدْرٍ لَهَا مَهْيَعٍ كَالخليفِ *** تَخَالُ بِأنّ عَليْهِ شَلِيلا”[50]
فعبّر المكان [الخليف/الطريق] عن سعة صَدْر الناقة وكان وسيلة لتكريس صفاتها وليبرز الشعراء بأس هذه الناقة وصبرها على الشدائد جعلوا طريقها مكانا خادما للغرض ومثال ذلك قول المرّار بن منقذ [من الرمل]:
“تتّقِي الأرْضَ وَصوّانَ الحَصَى *** بِوقَاحٍ مُجْمر غيْرِ معرْ”[51]
فجعل المكان الذي تطؤه الناقة غليظا صعب المراس يختلط صوّانه بالحصى ممّا يبرز قوة هذه الناقة وبأسَها لصعوبة المكان الذي تقطعه. ويَقَرّبُ استحضارُ الأمكنة، على هذه الشاكلةِ، العلاقةَ بين الشاعر والمكان حيث يتشكّلُ باعتباره ملاذ التفسير فيغدو من الوسائل التصويريّة المهّمة إذ يحتاجه الشاعر ليقدم الصورة المثلى للناقة عسى أن يلفي المتقبل مكانتها عنده[52]. فينفتح مجال التواصل معه. فكان الوصف متأتيّا من أمكنة مبهمة تُعبّرُ عن أشياء محسوسة. وكان الموصوف ناقة يموج صدرها من سعته فعبّر المكان [الطريق] عن هذه الصفة وإذا غاربها مثلّث البنية ولا أدلّ على الصفة من تشبيهها برباوة مخرم[53] وإذا علوّها مثل القصور المشيّدة[54]. ونقصد بالمجرّدات ما لا يُدْرَكُ بالعين والرؤية إدراكا مباشرا وإنّما يخيّل إلى الرائي. والشاعر يعبّر عن المجردات بالأمكنة. فيستحضر المحسوس للتعبير عن المجرد المتخيّل الذي لا يجسّد. ومن أمثلة هذه المقاربة قول الأسود بن يعفر النهشلي [من الكامل]:
“نامَ الخَلِيّ ومَا أحِسّ رقادِي*** وَالهَمُّ مُحْتَضَرٌ لَدَيّ وِسَادِي”[55]
حيث تظهر العلاقة واضحة بين المكان والهمّ فيصبحُ المُجرّدُ (الهمّ) مكانا محسوسا (الوسادة) وحين يقرن الشاعر بين الهمّ والوسادة، فإنّ ذلك يُرَدّ إلى محاولة تقريب الصورة إلى المتلقي في تجسيد المجرّد والإسهام في تكثيف اللحظة الشعرية. ولا أدلّ على ذلك من حضور المكان بهذه الخصائص للتعبير عن مجرّد كثيرا ما أقضّ الشعراء والنقاد ألا وهو الرئيّ أو شيطان الشعر إذ يقول سويد بن أبي كاهل اليشكري [من الرمل]:
وَأتَانِي صَاحبٌ ذُو غَيْـــــــثٍ *** زفيانٍ عِنْدَ انْفَادِ القَــــرَعْ
قَـالَ : لبّيْك, وَمَا اسْتَصْرَخَتْهُ *** حَاقِرًا للناسِ قَوّالِ القَـــذَعْ
ذُو عُبَابٍ زَبِدٍأذيّــــــــــــــــــهُ *** خمطِ التيّارِ يَرْمِي بالقَلَــعْ
زغْربيّ مُسْتعزّ بِحَـــــــــــرّهِ *** لَيْسَ للمَاهِرِ فِيهِ مُطّلِــــــعْ
هَلْ سُوَيد غَيْر لَيْثٍ خَــــــادِرٍ *** ثَئِدَتْ أرْضٌ عَلَيْه فانْتَـــجَعْ”[56]
ومن عادة الشعراء أن يذكروا صاحبهم من الجن يوحي إليهم الشعر. والشاعر يذكر رئيّه ويقدّم له مكانا محسوسا مرئيّا ينهض بالمعنى العام الذي يحيط بالجن والطيف فإذا هو ذو عباب متلاطم الأمواج كثير المياه. فكان التعبير بمكان محسوس عن مجرّد لا يُجَسّدُ.
إنّ التعبير بالمكان عن مجرّدات غير مرئيّة مثل “الهمّ” و”الجنّ” يُرَدُّ أساسا إلي جوهر عمليّة الإنشاء، حيث كانت مقاييس الصياغة ومعاييرها نفعية تقوم على المشافهة بين المتكلم والمتلقي إذ يسهم استحضار محسوسات مثل الأمكنة في تقريب الصورة إلى المتلقي وفي إنشاء النصّ وكأنّنا بالشاعر يرمي إلى استحضار الأمكنة عن وعي. فكانت عملية الإنشاء تقتضي حضور هذه الأمكنة.
5- جماليات البناء المثنوي للأمكنة:
يجري المكان في الشعر العربي القديم وفق بناء مثنوي، فقد تجسّدت الأمكنة على طرفي تناقض، إذ تقيم المكان ثنائية يشكلها الاختلاف والتناقض ممّا يسمه بالفرادة. والبناء الثنائي للمكان يتأتّى وفق مقولات مختلفة وجاهزة مسبقا، لغويّة كانت أو دلاليّة. فمقولات اللغة (التعريف والتنكير أوالظرف ومظروفه, أي ما يتعلق به) والدلالية (العلوي والسفلي) وعملية الإدراك (الرؤية والسماع والانطباع) تتحكم في تقديم البناء الثنائي للأمكنة حيث يختزل المكان بناء ثنائيا قائما على التناقض (Dualismes paradoxale) فيعبّر عن المكان تعبيرا مخصوصا يقيم النصّ ويسهم في تحقيق جماليّته باعتباره موضوعا استطيقيّا بالأساس.
5-1- ثنائية التعريف والتنكير:
يعيّن المكان أحداثا وأزمنة غيرِ مُحَدّدَةٍ إنّما متلبّسة بالغموض والإبهام فكان المكان الواقعيّ مسهما في رفع هذا اللبس وكان مشكلا لبناء مخصوص قائم على ترتيب ثنائيّ لمعروف بطبعه (مكان علم) ولنكرة يتمثل في زمن مطلق (“غداة” و”يوم”) أومكان عام (طلل…).
5-2- مكان معرفة-زمن مطلق:
وقف بعض الدارسين على سيميائيّات المكان فتشكّل تضادّ يتجاوز حدود المكان إلى البعد الزمني شأن ما ذهب إليه حبيب مونسي في الفصل السابع الموسوم بـ “المكان الزماني نص التضاد “ من كتابه فلسفة المكان في الشعر العربي قـراءة موضوعاتـية جمالية[57]. لكنّنا في هذا البحث وإن تشكّل في بعض المراحل تضادّ وتقابل بين ما هو زمنيّ وما هو مكانيّ شأن التضادّ بين مستويات مكانيّة في ذاتها. فإننا نقف على مستويات تعبيرية طريفة يتكامل فيها المكانيّ مع الزمانيّ المطلق.
ونقصد بالزمن المطلق ما كان غير محدّد في التاريخ وإنّما هو مجرّد كلمات تفيد مدلولاتها اللغوية زمنا عاما مثل ليلة وغداة ويوم… وتَرِدُ هذه الأسماء، نحويّا، في محلّ مضاف لمكان علم فيعيّنها ويثبتها تاريخيّا. واحتواء المكان العلم لزمن مطلق يعكس أحداثا مختلفة إذ أنّ اقتران زمن ما يقتضي ضرورة وجود حدث ما.
وتجري الأحداث على شاكلتين، منها ما كان ذاتيّا متعلّقا بالشاعر في تجاربه الغزلية أو الفخرية ومنها ما كان عامّا يختزل معاني تقوم على الفخر القبلي أو التوثيق ليوم من أيام العرب أمّا الأحداث الذاتية التي يرتبط فيها الزمن المطلق بمكان علم فيمكن أن تتجلّى في التجربة الغزليّة حيث تختزل معاني اللقاء بالحبيبة أو الفراق. يقول عبد الله بن سلمة الغامدي [ من الوافر]:
“وَلَمْ أرَ مِثلَ بِنْتِ أبِي وَفَاءٍ *** غَدَاةَ بِرَاقِ ثَجْر وَلا أَحُوبُ”[58]
فيسعى بإثبات الزمن إثباتا واقعيّا يتاتّى من موضع علم ليبين مرآه المعجب منها فيتأكد المعنى ويمرّ أساسا بإثبات زمن الموقف وثبات الزمن يتأتى من ارتباطه بمكان واقعيّ. فكان الحدث ذاتيّا خاصّا وأثبت واقعيّته باستناده إلى مكان مخصوص “براق ثجر“.
والحدث الغزلي المتعيّن في زمن مطلق مرتبط بمكان علم يمكن تبيّنه أيضا من قول امرئ القيس [من الطويل]:
“ألاَ رُبّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنّ صَالِحٍ *** وَلاَ سِيّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلٍ”[59]
فيثبت حدثا ذاتيّا فاز فيه بوصال النساء وظفر بعيش صالح منهنّ فكان إثباتا شعريّا على الأقلّ وفق غاية الشعر وإباحاته وتجوّزاته. فكثّف اللحظة الشعرية بإثبات يمرّ عبر تحديد زمن الحدث. وليبرز لقاءه بالحبيبة يستحضر الشاعر زمنَ اللقاء ومكانه، فيجعله مكانا واقعيّا يضاف إليه زمن مطلق كما في قول الحادرة [من الكامل]:
“وَتزَوّدَتْ عَيْنِي غَدَاةَ لَقِيتُهَا *** بِلوَى البُنَيْنَةِ نَظْرَةً لَمْ تُقْلَعِ”[60]
إنّ اللقاء بالحبيبة حدث ذاتيّ يمرّ بعمليّة إثبات واقعيّ مردُّهُ إلى المكان الواقعيّ فيسهم في الإيحاء بهذا اللقاء وإضفاء الواقعية على الحدث. فدعّم المكان الواقعي اللقاء وأثبته ثبات النظرة. وقد يهتزّ شوق الشاعر حبيبته فيدعو صاحبه ظعائنها ويقدم له المكان العلم وزمن الرحلة كما في قول المرقش الأصغر [من الطويل]:
“تَبَصّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظعَائِنٍ *** خَرَجْنَ سِرَاعًا وَاقْتَدَعْنَ المَفَاقِمَا
تَحَمّلْنَ مِنْ جَوّ الوَرِيعَةِ بَعْدَمَــا *** تَعَالَى النَهَار وَاجْتَزَعْنَ الصرَائِمَا”[61]
يعطي الشاعر حدثه الذاتي زمنا مطلقا، “بعدما تعالى النهار”، ويقرنه بمكان علم فينهض المعنى الشعري في تفاعل هذه الأركان الثلاثة حدث وزمن ومكان.
وقد يتجاوز البعد الفخري الحدث الذاتي فيشمل القبيلة كلها ويتحدث الشاعر بلسان قبيلته ومن ذلك قول الحصين بن الحمام المرّي [من الطويل]:
“شَدَدْنَا عَلَيْهِمْ ثَمّ بِالجَوّ شَدّةً *** فَلاَ لَكُمْ أُمّا دَعَوْنَا وَلاَ أبًا”[62]
فيتعلّق المكانُ العلمُ بحدثٍ قبليّ يفتخر فيه الشاعر بشدّة بأس قومه. وقد يتجاوز الحدث الذات والقبيلة إلى توثيق يوم من أيام العرب المشهورة[63].
5-3- مكان علم-مكان مبهم:
يتعلّق، في مستوى البناء الثنائي مكان علم-مكان مبهم، المكانُ الواقعيُّ بتعيين مكان مطلق الإبهام فيحدّده ويؤطّره بإثبات حدوده من جهات مختلفة ومن ذلك قول عبد الله بن سلمة الغامدي [من الكامل]:
لِمَنْ الديَارُبِتُولَع فَيَبُوسُ***فَبَيَاضُ رِيطَةَ غَيْر ذَاتِ أنِيسِ[64]
وقول بشامة بن الغدير [من الكامل]:
لِمَنِ الدِيَارُ عَفَوْنَ بِالجَزْعِ***بِالدَوْمِ بَيْنَ بحَارٍ فَالشَرْع[65]
فيسعى الشاعر إلى إثبات الطلل لأنّه في العادة وإن خاطب رسما دارسا فإنّه يخاطب مكانا متعيّنا في التاريخ وفي الواقع لا تفعل فيه الظروف والأحوال ولا سبيل إلى تعيين هذا المكان المبهم إلاّ بإحاطته بأماكن واقعيّة معروفة مسبقا سواء كان ذلك معرفة واقعيّة بوجود المكان في الفضاء الجغرافي أو معرفة نصيّة من جراء تداول النصوص. فينهض المكان العلم وفق ذلك بأبعاد مختلفة فنيّة ومعنويّة.
وما يمكن أن نخلص إليه من مقاربة التنكير والتعريف هو أنّ المكان الواقعي، بصفة العلميّة فيه، احتوى النص من جوانب مختلفة، إذ اقترن بكلّ ما يمكن أن يكون مطلقا مثل “الزمن” متشكّلا في “غداة” و”يوم” ومثل المكان في وصف “الأطلال” فاحتوى صفاتها وأثبتها واقعيّا وأسهم في تلقّيها من قبل المتقبل الذي يشترك في إنشاء النصّ. فاختزل اسم المكان العلم في العمليات التواصليّة ملفوظا أو خطابا وصفيّا مطوّلا ضمنيّا لا سيّما أنّه “أتي بالأعلام للاختصار وترك التطويل بتعداد الصفات”[66]. واحتمل المكان العلم بذلك جملة دلالات تثيرها بنية الخطاب الذي يحتويه وظروف إنشائه وطرق صوغه. وبيّن بوضوح أنّ الطبيعة المعقّدة للخطاب تجعل العمليّة التواصليّة في حاجة إلى العلميّة لتبسّطها وتختزلها وتسهم في إيضاحها من جانب وربما أعطتها بعدا تخييليّا من جانب ثان[67]. فتتحدّد ماهيّة الشيء وإن قام على إيحاء جدليّ بين المتخيّل والمعقول محاولة لتحديد جانب اللاوعي الجمعي وللذاتي المخصوص في هذا الوعي. إلاّ أنّ مقاربة النص الشعري تجعلنا على مشارف جدليّة قائمة بين ما هو عقليّ، قائم على العلميّة من تسمية وتصنيف وتخصيص، وبين ما هو ناء عن العقلي، قائم على المجرّدات والتخييل باعتباره الخصيصة المثلى للشعر. فالشعر محاولة للانفلات من المرجعيّة والواقعيّة بفضل أبعاده التخييليّة ودلالاته المنزاحة فيقوم الشاعر، بحثا عن التخييل، إلى انتقاء موادّ متفرّقة في الحافظة ثم يسعى إلى تأليفها وإبرازها في صورة جديدة أو يسعى إلى إيجاد تخيلات فائقة وإنْ كان يستخلص المعاني وينظمها وفق الذوق السليم ومراعاة ذات التقبل. لكنّ هذه الخصيصة المثلى للشعر القائمة على التخييل قد تتضارب وحضور المكان الواقعي وهو ما يفتحنا على إشكال يتماشى وبنية الشعر ذاتها في مقاربة بين الواقعي والتخييلي فيحضر الواقعي بذكر أماكن مرجعية في نصّ قائم على التخييل.
5-4- ثنائيّة المرئيّ والمسموع في الأمكنة:
تسهم عمليّة الإدراك في تحديد سمات المكان وملامحه العامّة الناهضة بالمعنى الشعريّ. والسماعُ والرؤيةُ عمليّتا إدراك بالأساس تُوهِمَان بتناقض خفيّ بين حاسّتي الرؤية بالبصر والسماع بالصوت. ويعتمل هذا التناقض في إضفاء نبض جمالي على العمل الإنشائي. وإنْ بدا البعد المرئيّ/البصري خفيّا في حديثنا إلاّ أنّه متلبّس بالمكان الذي يمثّل المظهر الحسّيّ للعمل الفني[68] فكان مرئيّا بطبعه ويسمه الشاعر، سعيا إلى تحقيق الجمالية، ببعد سماعي فيتنزّل وفق ذلك باعتباره مكانا مسموعا فيجمع التناقض مكانا قائما على الحسّية ومسموعا باعتباره يدرك بالسماع احتكاما إلى جملة الأصوات التي يذكرها الشاعر في نصّه. فمن نوعيّة الأصوات يدرك المكان وقد وردت معظم الأماكن المسموعة في قسم الرحلة حيث تتحدّد سمات الفلاة من جملة الأصوات المذكورة في النص. وتسهم الأصوات في تحديد المكان بدرجة أولى وتُعَيّنُ سماته ثمّ تنهض بجملة من المعاني. يقول ربيعة بن مقروم [من البسيط]:
“فِي مَهْمَهٍ قُذُفٍ يُخْشَى الهَلاكُ بِهِ *** أصْدَاؤُهُ مَا تَنِي بالليْلِ تَغْرِيدَا”[69]
فيُسْهِمُ تغريد البوم في تحديد الملامح العامّة للمكان القفر من وحشة وصعوبة واجتياز. والشاعر بهذا التصوير المخصوص بالأصوات للمكان المبهم يحاول إبراز معاناته في الرحلة. ويقول المرقش الأكبر [من الطويل] :
“وَتَسْمَعُ تزْقَاءً مِنَ البُومِ حَوْلَنَا *** كَمَا ضُرِبَتْ بَعْدَ الهُدُوءِ النوَاقِسُ”[70]
فيتعيّنُ هذا المكان بتغريد البوم الذي يُشبّهُهُ الشاعر بأصوات النواقس والأجراس بعد هدوء لتكونَ أشدّ ضرْبًا وأبعدَ صَدًى. وشدّةُ الأصوات وإحداثها الدويّ والصدى يمكن أن تعود إلى فكرة تحديد المكان من حيث صعوبته وشدّته. فتحدّدت صورة الفلاة من خلال أصوات موحشة توحي بالخلاء والقفار كما في قول الأسود بن يعفر [من البسيط]:
“مَهَامِهًا وَخُرُوقًا لا أنِيسَ بِهَا *** إلاّ الضوَابِحُ والأصْدَاءُ وَالبُومَا”[71]
تظل الفلاة، من تلقاء هذا التصوير الصوتي الذي يقيمه تغريد البوم وضباح الثعالب وعواء الذئاب، مكانا لا يقدر على طرقه إلاّ ذو جرأة وصبر على الصعاب. وإذا كان المكان مُصَوّرًا تصويرا يجعل القارئ يعايش التجربة ويباشر مكانا قد تشكّل في فضاء تبعث فيه الريح صوتا خرافيّا كما في قول بشر بن أبي خازم [من الوافر]:
“وَخَرْقٍ تَعْزِفُ الجِنّانُ فِيهِ *** فَيَافِيهِ تَحِنّ بِهَا السِهَامُ[72]
يصف الشاعر هذا الطريق فيجعل له من القسوة صوتا شديدا يعكسه العزيف والخرق وحنين الرياح الحارة. وما هذا الوصف الصوتي إلاّ إبراز لمعاناة الشاعر في رحلته فيجعل الأصوات خير تمثيل ليسهم في تكثيف اللحظة الشعرية إذ أنّ الأصوات تنهض بجملة معان من صعوبة الطريق ووحشته والسير على غير هدى. وهي تعبير عن مكان متنزّل في قسم الرحلة لذلك كان من الضروريّ أن يكون متلبّسا بغرض الفخر.
5-5- ثنائيّة المحسوس والانطباعيّ:
يتعيّن المكان مجالا محسوسا قائما على الرؤية في تسميته “طريق أو فلاة…” غير أنّ تلبّسه بقضيّة معيّنة وإشكال وجوديّ يتمثّله الشاعر يصبح المكان ذا سمة مجردة وانطباعيّة وفق التجربة التي احتوته في النص. فيتأتّى مكانا محسوسا مرئيّا متجسّدا في الواقع باسمه وملامحه العامّة وانطباعيّا باعتباره رصدا لعمليّة الانطباع في النفس. فيبدو قائما على ثنائيّة متناقضة بين محسوس يتعيّن بالرؤية وكيان تقومه كلمات تولّدها المخيّلة ويخفق لها القلب فتنطبع في النفس أوّل الأمر ثم يسلّم بها الذهن. فنقاربه استنادا إلى المنهج الانطباعيّ في الأدب “وهو إلاّ يوصف الشيء أو الموقف في ذاته وإنّما يعبّر عن المشاعر والانطباعات التي أثارها الشيء أو الموقف في نفس المؤلف”[73]
والمكان الانطباعيّ لحظة شعوريّة تلبّست بتجربة وجوديّة. فكان مرتبطا بعمليّة إدراك نفسيّ أو حدسيّ خاصّة أنّ هذا المكان تعلّق بتجربة الموت والمرء، كما يراه باسكال، “في حالة جهل تام بكل شيءـ فكل ما يعرفه أنّه لا بدّ أن يموت يوما ما ولكنه يجهل كل الجهل هذا الموت الذي لا يستطيع تجنبه”[74]. وهذا الإحساس المقيت ومشكليّته من الناحية الوجوديّة[75] يجعل الشاعر يتصوّر هذا الموت ويعبّر عنه بالمكان الانطباعيّ فيتأتى باعتباره يمرّ بمكان مبهم إلاّ أنّ انطباعيّته تنبعث من كونه طريقا شأن قول متمم بن النويرة [من الكامل]:
“ذَهَبُوا فَلَمْ أُدْرِكْهُمْ وَدَعَتْهُمْ *** غُولٌ أَتَوْهَا وَالطرِيقُ المَهْيَعُ”[76]
ويجعل الطريق إلى الموت واضحا بيّنا رغم أنّ تجربة الموت فريدة من حيث إدراكها فهي تقع مرة واحدة. وصاحب التجربة لا يستطيع أن يخبر عنها إلاّ أنّه يعلم هذه التجربة وما يحيط بها من أعمال وطقوس كما يقول عبدة بن الطبيب [من الكامل]:
“وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأنّ قَصْرِي حُفْرَةً *** غَبْرَاءَ يَحْمِلُنِي إلَيْهَا شَرْجَعُ[77]
فنجده يعلم هذه النهاية ويجعلها مرتبطة بمكان عامّ متعيّن بجملة صفات “غبراء” ولعلّ عِلْمًا مسبقا يمرّ من لحظة الانطباع الأولى بل لعلّه إخفاء للسّؤال عن الموت وكأنّه وعي بالموت الذي لا نمارسه[78] أو بحث في عمليّة ما ورائيّة ظلّت تؤرق الإنسانيّة سواء في الثقافات الموغلة في القدم أو البالغة أرقى درجات التقدّم والتطوّر. وقد يصل الشاعر إلى التسليم بهذا المسار ويقدّم له صور أمكنة مثل الجبال كما في قول الأسود بن يعفر النهشلي [من الكامل]:
“إنّ المَنِيَّةَ والحُتُوفَ كِلاَهُمَا *** يُوفِي المَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سَوَادِي”[79]
فالموت والأقدار يعلوان منقطع أنف الجبل (المخرم) يرقبان الشخص والشاعر قد اختار مكانا بالغ العلوّ ليبرز إشرافها ومراقبتها. فكان المكان بذلك خادما لغرض المكانة التي يعطيها الشاعر للمنيّة لينهض بالمعنى الأصلي.وحين تَرْكُنُ نفسُ الشاعر إلى الموت يسعى إلى اختيار مكان معيّن عساه يظفر بقبس طمأنينة يبعثها الاختيار ويقضّها الانتظار كما في قول متمّم بن النويرة [من الكامل]:
“لاَبُدّ مِنْ تَلَفٍ مُصِيبٍ فَانْتَظِرْ *** أ بِأرْضِ قَوْمِكَ أَمْ بِأخْرَى تُصْرَعُ”[80]
إلاّ أنّ هذا الاختيار منوط بقدرة غيبيّة. فالإنسان لا يملك إلاّ الانتظار حينها يفقد المكان قيمته فسيّان كان مقيما في أرضه أو مسافرا فلا ردّ لتلف مصيب. فامتلك المكان معنى آخر مختلفا فهو جزء من الذات. ومتى اندثرت الذات فقد الوعي بالمكان وبأهميّته ولم يعدْ بِيَدِ الشاعر في تصويره لأماكن اصطلحنا عليها بالانطباعيّة إلاّ التفجّع بمقدّمة غنائيّة أو تأمليّة يذكر فيها صبره على حكم الموت ونائبات الدهر أو ثورته على ذلك[81]. ومن هذا التفجّع التعبير عن الموت بالمكان الانطباعي بتجريده، فيتجلّى بذلك حالةً شعوريّة متلبّسة بتجربة جماليّة باعتباره متعلّقا بنصّ شعريّ يمرّ إنتاجه بتكوين جملة خصائص فنّية قد تعكس حالة شعوريّة تمرّ عبر تجربة معيشة تتعلّق بالمحيط الذي يعيشه الجاهلي/الشاعر بمرئياته وماورائية.
5-6- ثنائية العلوي والسفلي:
يجري التعامل مع الأمكنة وفق مقتضيات دلاليّة قائمة على العلوّ والتحتيّة باعتماد ظروف أوحروف جرّ تتعلّق بفضاءات فتعيّن العلوّ أوالتحتيّة وتتشكل ثنائيّات فريدة تستدعي جدلا بين اللغويّ، القائم على قواعد تواصل مسبقة، والشعريّ، القائم على التخييل. فنباشر هذا التركيب الثنائي من مستويين مختلفين يبدو فيهما تناقض في التعامل مع أمكنة مختلفة تتجلّى في مستويات العلوّ والتحتيّة كلّما اقتضى المعنى الشعري تصرّفا معيّنا معها.
5-6-1- المستوى الأول:[العلويّ]:
يتنزّل الفضاء في علاقة بظرف متسم بالعلو، ولعلّ أبرز ظرف يحمل هذا المعنى “فوق” لكثرة اعتماده من قبل الشعراء ولتنوّعه من حيث المعاني التي يكتسبها النصّ إذ يحضرعند لبيد ثلاث مرّات ليفيد معاني مختلفة ففي موضع أوّل يقول [من الكامل]:
“رُحلا كَأنّ نِعَاجَ تُوضَحَ فَوْقَهَا *** وَظِبَاءُ وَجْرَةَ عُطّفًا أرْآمُهَا”[82]
يسهم الظرف “فوق” في بناء الصورة، فجعل إناث بقر الوحش، كناية عن النساء، فوق الإبل وبتشبيه النساء ببقر توضح وظباء وجرة في اكتحال أعينها جعلها تعتلي الإبل وتنتصب في الهوادج، فكان الظرف “فوق” محددا المكانة التي يعطيها الشاعر للنساء وهنّ قد تربّعن على الإبل المتسمة عادة بالعلو والرفعة لا سيّما أنّه كثيرا ما شبّهت بالقصور والجبال كناية عن العلوّ. وفي موضع ثان يقول[من الكامل]:
“أوْرَجْعُ وَاشِمَةٍ أسِفّ نَؤورُهَا *** كَفَفًا تَعْرِضُ فَوْقَهُنّ وِشَامُهَا”[83]
فيبدو الظرف أكثر دقّة في مقاربة بين الطلل والوشم حيث تظهر السيول الأطلال مثلما تعيد الواشمة الوشم، فكان الظرف محدّدا للنؤور-وهو ما يُتّخَذُ من دخان السراج أو النار-وتغطيته الوشم فيميز التصوير بضرب من الدقة. وفي موضع ثالث يقول[من الكامل]:
“بِأحِزّةِ الثلبُوتِ يَرْبَأ فَوْقَهَا *** قَفْر المَرَاقِبِ خوفَهَا أرْآمُهَا”[84]
فيبرز الظرف في هذا المجال رعاية الحمار أتانه ويعتني بها، فيعتلي الآكام يرقب الأعلام خوف تستر الصيادين بها. فكان مكانا مظروفا جامعا للعلو من جانبين، يتعلق الجانب الأول بالإفادة اللغوية للظرف “فوق” ويتعلق الجانب الثاني بالمقام الذي أفاد معنى المراقبة لأنّ المراقب عادة ما تتميّز بالعلوّ والإشراف شأن قول زهير بن أبي سلمى في دعوته لرؤية الظعائن [من الطويل]:
“تَبَصّرْ خَلِيلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظعَائِنَ *** تَحَمّلْنَ بِالعَلْيَاءِ مِنْ فَوْقِ جُرْثُم[85]
فيقترن فعل الأمر “تبصّر” بالرؤية التي ينتهجها الرحّل. فكان أن اقترن فعل “تبصّر” بـ”جرثم” المكان العلم المتّسم بالعلوّ، وكان الظرف “فوق” بذلك خادما للغرض. فرؤية الظعائن وهي تنأى تقتضي المراقبة من عل. فارتدّ الظرف إلى سعي الشاعر إلى التدقيق البصري باعتماد ألفاظ وظروف (دوالّ) تجتمع على الرؤية والعلوّ.
وكثيرا ما يصاغ من “فوق” تصغيرا، لتصبح “فويق” مثل قول امرئ القيس [من الطويل]:
“ضَلِيع إذَا اسْتَدْبرْته سَدّ فَرْجَهُ *** بِضَافٍ فُوَيْقَ الأرْضِ لَيْسَ بِأعْزَلِ”[86]
فجعل فرسه عظيم الإضلاع يسدّ الفضاء الذي بين رجليْه بذنبه، وشرط كونه فويق الأرض لأنّه إذا بلغ الأرض وطئه برجليه وذلك عيب. واستواء عسيب ذنبه من دلائل العتق والكرم. فكان الظرف “فويق” تصغير تقريب لـ”فوق” واستعماله على هذه الشاكلة إيحاء بدقة التصوير وبرغبة دفينة في التعبير الشعري بتقديم المشهد الأمثل وتقريبه من المتلقي.
5-6-2- المستوى الثاني:[السفلي]:
نقف في هذا المستوى على جملة أركان وصفية يقوم من خلالها المكان المظروف على صفات تحتيّة لينهض بمعان تحدّد من تلقائها زاوية النظر قيمة معيّنة للمكان المظروف إذ أنّ المكان المظروف التحتيّ يكون مرتبطا بظروف معنى التحتية مثل “أسفل” الذي ورد في قول معاوية بن مالك [من الوافر]:
“مِنَ الأجْزَاعِ أسْفَلَ مِنْ نَمِيلٍ *** كَمَا رَجعْت بِالقلَمِ الكِتَابَا”[87]
فيصف دروس الدار وآثارها ويحدّد مكانها باستعمال “ظرف” يحيل على معنى المكانيّة بصفة دقيقة فإذا هي صفات تتميز بالتحتية محصورة في البنية اللغوية لــ”أسفل” وفي المعنى الشعري الذي يرمي إليه الشاعر. وما يمكن أن نلحظه في هذا المستوى أنه قلما يستعمل ظروفا دالة على السفلي والتحتي. ولا تتجاوز هذه الحدود بعض الموصوفات مثل الدمن والآثار أو في هجاء الشاعر الأعداء حيث يجعلهم في مرتبة سفلى ودون الدرجة الرفيعة. وَمَيْلُ الشعراء إلى استعمال الظروف الفوقية يرتدّ إلى ذات الشاعر الراغبة في الاستعلاء والى تلبس الشعر في عمومه بالنفس الفخري الذي يراود الجاهلي عامّة الراغب في تحقيق ذاته تجاه كل الظروف المريبة مثل الفضاء القفر والمسائل الغيبيّة…
5-7- ثنائية الظرف والفضاء:
تولّد عملية الإنشاء مفارقة متاخمة للجدل بين اللغوي والشعري يقيمها تناقض الظرف مع الفضاء ولعلّ هذا التناقض أساس تساوق طرفي مكان مظروف قائم على ظرف وفضاء يبدوان في تركيب ثنائي مختلف ومتناقض ويجري ذلك على مستويات مختلفة تعكسها زوايا النظر بين الفوق والتحت والعميق (الداخل).
5-7-1- ظرف (متّسم بالتحتيّة)- فضاء فوقيّ (يناقضه):
تقوم بين الظرف والفضاء علاقة تضادّ تسهم في تحديد المكان المظروف للنهوض بالمعنى الغزلي كما في قول طرفة [من الطويل]:
“وَتَقْصِيرُ يَوْمِ الدجْنِ والدجْنُ مُعْجِبٌ *** بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِبَاءِ المُعَمّدِ”[88]
فيقدم خصلة من خصاله، أن يقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة. ويجعل هذا التمتع في مكان مظروف يرتبط فيه الظرف بمعنى التحتية، وليزداد المعنى تظافرا مع اللغة يجعل الخباء معمّدا. والاستمتاع بالحبائب يمرّ عبر تستّر قِوَامِهِ مكان مظروف متّسم بالتحتيّة وفضاء مرفّع بالعمد فتشاكل الظرف مع الفضاء للنهوض بالمعنى الشعري. وكثيرا ما يتجلى المكان المظروف متّسما بالتحتيّة مقاربا لمأتى علوّ معين مثل قول الحارث بن حلزة [من الرمل]:
“مَا جَزَعْنَا تَحْتَ العَجَاجَةِ إذْ وَلّــ***ـوا شلالا وَإذْ تلَظّى الصِلاءُ”[89]
وقول بشر بن أبي خازم [من الكامل] :
“فَفَضَضْنَ جَمْعَهُمْ وَأفْلَتَ حَاجِبُ *** تَحْتَ العَجَاجَةِ فِي الغُبَارِ الأقْتَمِ”[90]
يتميز “المكان المظروف” الدال على التحتية بمأتى علوّ معيّن يتشاكل وحضور المعنى الشعريّ فكلّما اشتدّت الوغى علا غبارُها وصار المحاربون تحت “العجاجة”.
5-7-2- ظرف (يحيل على العمق)- فضاء متّسع (يناقضه):
تلتقي في هذا المستوى ظروف تحيل على بعد “الداخل” أو “العميق” وفضاءات تتميز بالتوسّع. فتنهض الأمكنة بالمعنى الشعري ممّا يكشف عن طريقة معيّنة لاحتواء الفضاء وللتعبير عن معان فخرية مختلفة مثل وصف الانتصار على الأعداء وتفرقتهم في قول الحارث [من الرمل]:
“وَجَبَهْنَاهُمْ بِطعْنٍ كَمَا تُنْــ*** ــهَزُ فِي جمّةِ الطوِيّ الدِلاَءُ”[91]
فَلِيُبْرِزَ قوّةَ قوْمه وبأسَهم وإهلاكهم الأعداء، يقدّم الشاعر صورة لحركة الرماح في الأجساد فإذا هي مثل تحرّك الدلاء في ماء البئر المطويّة بالحجارة. فكان المكان المظروف في المشهد الثاني الذي قام عليه المشبّه به مسهما في النهوض بالمعنى الشعريّ. فبدا المكان بهذه الصياغة متعيّنا تعيينا دقيقا قد تفنّن الشاعر في تأثيثه لغاية تقديم الصورة الرئيسيّة القائمة على تحريك الرماح في أجساد الأعداء. لذلك نرى الشاعر يطنب في تأثيث هذا المكان، القائم على ظرف أو حرف جرّ وفضاء، لغاية تقديم الصورة المثلى وتقريبها من المتلقّي فكانت الرغبة ذات بعدين بعد إيضاح لتقريبها من المتلقي وبعد تخييل لغاية بناء شعريّ فريد. وثنائيّة الظرف والفضاء تقودنا إلى طبيعة مخصوصة في استخدام الظروف والحروف الدالّة على المكان، وربّما ارتدّ ذلك إلى رغبة الشاعر في احتواء الفضاء والتعبير عنه تعبيرا شعريّا فائق الدقّة ممّا يكشف للمكان عن بعدين: أمّا البعد الأوّل فشعريّ يقوم على تناقض بين لفظي/ركني المكان المظروف (الظرف أو حرف الجرّ والفضاء) إذ كلّما دلّ الظرف أو الحرف على التحتيّة كان مرتبطا بفضاء علويّ وكلمّا دلاّ على العمق أو الداخل كانا مرتبطين بفضاء أوسع. وأما البعد الثاني فيقوم على الطبيعة الانفعاليّة للشاعر مع الفضاء التي تنبني على رغبة الشاعر في احتوائه الفضاء بتصويره بدقة فائقة قائمة على تنوّع الظروف ومقاربة الفضاء عن طريق التصوير ممّا جعل الظرف يعكس علاقة للشاعر مع الفضاء.
إنّ البناء المثنويّ للأمكنة يمكن أن يحيلنا إلى أنّ الشاعر يقيم نصّه على انفعال ذاتيّ تجاه المظهر الحياتي العام المتجسّد في فضاء قاحل حكم على الجاهلي بنواميس مختلفة من إقامة وترحّل وطقوس وعبادات مختلفة ورؤية للمتجسّد وخفاياه.
وقد تمثّلت النصوص الشعريّة هذه الطبيعة الانفعاليّة فأثّر ذلك في بنيتها وتشكيل معانيها.
والأمكنة، باعتبارها معاني تدعم البنية الإنشائيّة للنصّ الشعري، ظلّت تحتوي هذه المضامين متأثّرة بتفاعل الشاعر مع الفضاء ومتمثّلة لإنشاء يقوم على تكثيف اللحظة الشعريّة من جانب وعلى تصوير ما يعتمل في الذات الشاعرة تجاه الأمكنة من جانب ثان فيعتمد تدقيقا وصفيّا لهذا الانفعال في تقديم لوحة لا تتعلّق بالمكان مثلما يتعيّن في الواقع وإنّما يصفه الشاعر باعتباره صورة ذهنيّة تستمدّ أصولها وأركانها ممّا يتمثّله في انفعالاته ويسعى بهذا الوصف المخصوص القائم على البناء المثنوي إلى تقريبها من المتلقي.
6- خاتمة:
كشفت لنا دراسة جماليّات التعبير المكانيّ في الشعر العربي القديم عن أنّ الفضاءات على تعدّد مظاهرها وتنوّعها ترتدّ إلى المكان باعتباره التصوّر العامّ الذي تنسب إليه هذه الفضاءات بما يتمثّل فيها منه. فكانت الفلاة والطلل والمناخ والطريق والقصر العالي البنية الحسيّة التي يتمثّل فيها المكان باعتباره تصوّرا ذهنيّا يختزل كل التفاعلات التي تحياها الذات الشاعرة ومن ثمّة كانت البنية المكانيّة تختزل رؤية تعدّد في صيغة مفرد. ويرتدّ هذا التعدّد إلى رغبة الشاعر في التصوير تصويرا دقيقا فيعبّر عن المشاعر والإحساسات التي تخالج الذات الشاعرة وتعتمل فيها فكانت الأمكنة متعدّدة متنوّعة محاولة لاختزال هذه المشاعر الراغبة في احتواء الفضاء والتعبير عنه تعبيرا مخصوصا يقترب من ذات التقبل فكان المكان موصوفا وصفا حسّيّا وانطباعيّا. فاختزل كل أنماط عمليّة الإدراك. وعبّر عن مواضيع وصفيّة مختلفة من مجرّد وذهنيّ ومحسوس ممّا أسهم في تشكيل مكان ذي حضور مخصوص في تعدّده وصياغته القائمة على ثنائيّة تصل إلى حدّ التقابل أحيانا فمثّل بناء مثنويّا على قدر إثباته المكان فضاء موصوفا مستجيبا للتمحيص، يسهم في إبرازه باعتباره آليّة تعبير مخصوصة تقترب من الجاهلي متقبّلا للنص الشعري فكان تمرّسه بالأمكنة مسهما في تقبّله النصّ الشعريّ الذي يحتوي الأمكنة موضوع وصف وآليّة تعبير في آن. فحقّقت الأمكنة بهذا الحضور المخصوص هدفين، يتمثل الهدف الأوّل في تقديم ما يعتمل في ذهنيّة الذات الشاعرة إلى المتلقي وتحقّق تواصلا فريدا يختزل علاقة بين الشاعر والمتقبل يؤسّسها الفضاء الذي ينتميان إليه بمستوياته المختلفة لتلمّسهما أركانه والتمرّس بها والوعي بملابساتها.
ويتمثّل الهدف الثاني في تكثيف اللحظة الشعريّة والإسهام في بنيته الحكائيّة والنهوض بالحادثة الشعريّة. فكان لهذا التحقّق المزدوج الأهداف إبراز قيمة الحضور المكانيّ. فنقرّ بأنّ بنية المكان تشاكل التعبير الشعريّ بصفة عامّة سواء في اعتباره ضربا من التخييل الجيّد أو في تحقيقه ضربا من التفضيل الجماليّ من لدن المتلقّي. وقد تجاوز ذلك العمليّة الشعريّة إلى التجربة الأدبيّة بصفة عامّة حيث تشاكلت البنية المكانيّة مع الإنجاز الشعريّ الأدبيّ سيّان كان ذلك تماهيا مع الموضوع ونمط الكتابة الذي يحكمه أو مع ما تسعى الذات المنشئة إلى تحقيقه في النصّ فيرتبط الإنشاء المكانيّ بالذات المنشئة. والبنية بتنوّعها وتماثلها مع المعنى الشعريّ تحققّ جملة من الأبعاد التي يتمثّلها المكان ويبعث فيها من نمطيّته.
المصادر والمراجع:
المصادر:
* ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليّات، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، ط5 دار المعارف، [د.ت].
*الزوزني، شرح المعلّقات السبع الطوال, دار صادر, بيروت, [د.ت].
* الضبّي (المفضّل),المفضّليّات, تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام محمّد هارون,ط7, دار المعارف,[د.ت].
* القرشي(أبو زيد)، جمهرة أشعار العرب، تحقيق خليل شرف الدين، ط2، دار الهلال، بيروت1991.
* النحّاس (أبو جعفر أحمد بن محمد)، شرح القصائد التسع المشهورات، تحقيق أحمد خطاب، دار الحرّيّة للطباعة، مطبعة الحكومة بغداد، 1973.
المراجع:
*إبراهيم (زكريّاء), مشكلة الفنّ, مشكلات فلسفيّة,مكتبة مصر,[د.ت].
مشكلة البنية, مشكلات فلسفيّة,مكتبة مصر,[د.ت].
الأصمعي, الاصمعيّات, تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام محمّد هارون,ط3, دار المعارف,القاهرة,1967.
*باشلار(غاستون),جماليّة المكان,ترجمة راغب هلسا,ط1.
*الباقلاني(القاضي أبو بكر), إعجاز القرآن, طبعة عالم الكتب,[د.ت].
*بدوي(عبد الرحمان), الموت والعبقريّة,دار القلم, لبنان, بيروت,[د.ت].
*بروكلمان, تاريخ الأدب العربي تعريب عبد الحليم النجّار, دار المعارف, [د.ت]
*بلاشير(رجيس), تاريخ الأدب العربي تعريب إبراهيم الكيلاني, طبعة الدار التونسيّة للنشر والمؤسّسة الوطنيّة للكتاب بالجزائر,تونس 1960, بيروت1347هـ
*البهبيتي(نجيب), المعلّقات سيرة وتاريخا, دار الثقافة, الدار البيضاء[د.ت].
*ابن خلدون, المقدّمة, مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني, بيروت,1979
*خليف(ميّ يوسف), القصيدة الجاهليّة في المفضّليّات, مكتبة غريب,[د.ت].
*ابن رشيق,العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده, تحقيق محمّد موحي الدين عبد الحميد,ط5,دار الجيل, بيروت,1981.
*ابن عبد ربّه, العقد الفريد , تحقيق أحمد الزين وإبراهيم الأنباري, بيروت لبنان, .1962
*المنّاعي(مبروك), المفضّليّات: دراسة في عيون الشعر العربي القديم, دار اليمامة للنشر والتوزيع,تونس, 1991.
* مونسي (حبيب)، فلسفة المكان في الشعر العربي قـراءة موضوعاتـية جمالية، منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق، 2001.
*ابن النديم, الفهرست، طبعة بيروت, [د.ت].
*ابن يعيش, شرح المفصّل، تحقيق عبد الحسن مبارك، عالم الكتب, مكتبة النهضة العربيّة, بيروت,[د.ت].
*وهبة(مجدي)، معجم المصطلحات الأدبيّة,ط2, مكتبة لبنان بيروت ,1984.
مراجع أجنبية:
*ABDESSLAM (Med) Thème de la mort dans la poésie arabe jusqu’à la fin 3è ,9èmesiècle S.H. » Publication de l’université tunisienne ,1977 .
*Blanchot (Maurice), L’espace littéraire, Gallimard, 1988.
[1] – غسان فلاح أوغلي، جماليات المكان في الشعر الجاهلي، مركز زايد للدراسات والبحوث، 2014. ص14
«أنه لا يزال الشعر الجاهلي في الحقيقة، قادرا على الإيحاء والإدهاش وإشباع الذائقة الجمالية مع كل قراءة جديدة فيه، ولا يزال الشعر الجاهلي بحاجة إلى مزيد من الدراسات”
[2]– نجد ترجمات عدّة للمفضّل الضبّي
– ابن النديم، الفهرست، طبعة بيروت، ص .102
– ياقوت الحموي، معجم الأدباء، دار الكتاب العربي، بيروت، ج7 ص 117
والمفضّل الضبيّ هو أبو العبّاس بن محمّد بن يعلى بن عامر بن سالم الضبيّ, كوفيّ لغويّ أديب, له سير وترجمات تواترت في المعاجم والمؤلّفات النقديّة القديمة والحديثة.ورغم اختلاف هـذهالمراجع مجتمعة في تاريخ حياته الدقيق مولدا ووفاة فإنّها تطنب في ثقة روايته وعلمه بالشعر واللّغة. ولئن سكت المؤلّفون عن تاريخ مولدهووفاته, فإنّ خبر قدومه إلى البصرة[2] وقصّة تعليمه للمهديّ يدفع إلى الإقرار بأنّه قد عاش فترة ما قبل نهاية القرن الثاني للهجرة ويمكن استصفاء تاريخ يقارب الدقّة لوفاته سنة 178هـ. غير أنّ أهمّ ما يمكن أن يتّفق عليه حول المفضّل الضبي,ّ أنّه كان عالما بالنحو والشعر والقراءات وراوية ثقة إذ رغم معاصرته لحمّاد الراوية فإنّه لم يلق ما لقيه من اتهامات وقدح في الرواية ففضّل عليه لثقته وتبصّره بالعلوموالأنساب. وما يزيده قيمة اهتماماته متنوّعة المواضيع وإن تعلّقت أغلبها بالشعر إذ تتّفق المعاجم القديمة على أنّ للمفضّل مؤلّفات أربعة إلى جانب المفضليّات منها ما هو مطبوع معروف مثل “أمثال العرب” ومنها ما هو مفقود غير موجود مثل “كتاب معاني الشعر” و”كتاب العروض”و”كتاب الألفاظ”. وقد تنوّعت مصادر علم المفضّل فقد تعلّم على شيوخ علماء في اللغة والحديث والقراءات والتفسير مثل سمّاك بن حرب(ت123هـ) وأبي إسحاق السّبيعي(ت187هـ) وعاصم بن أبي النّجود(ت128هـ) ومجاهد بن رومي(ت154هـ) وسليمان بن مهران الأعمش(ت148هـ).
وتتلمذ على يديه علماء وشرّاح شعر وروّاة مثل الكسائي(ت 189هـ)والفرّاء(ت 207ه) وابن الأعرابي(ت231هـ) والجحدري(ت231هـ )
[3]– مبروك المناعي، المفضليّات: دراسة في عيون الشعر العربي القديم، ط1، دار اليمامة للنشر والتوزيع، تونس،1991 . يشير إلى عدم وجود دراسة شافية للمفضليّات. وقد وجدت دراسة قامت بها ميّ يوسف خليف, القصيدة الجاهليّة في المفضليّات, مكتبة غريب [د.ت].
[4]– تميّز النصّ الشعري بين القصيدة والقطعة تمييزا يعتمد التصنيف العددي فالنصّ ذو البيت الواحد يسمّى يتيما وذو البيتين يسمّى نتفة وذو الثلاثة إلى السبعة يسمّى قطعة وما فاق السبعة يسمّى قصيدة. والمفضّليّات تضمّ مائة وخمس عشرة(115) قصيدة وخمس عشرة(15) قطعة.
[5]– المفضل الضبي، مقدّمة المفضّليّات المفضّليّات، تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام محمّد هارون، ط7، دار المعارف، [د.ت]، ص10.
[6]– تتمثّل الزيادة في الأبيات (3 –7) و ( 11– 15)
[7]– بلاشير, تاريخ الأدب العربي، ج1 ص164.
[8]– بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة عبد الحليم النجّار دار المعارف [د.ت].ج1 ص73.
[9]– ابن النديم، الفهرست، طبعة بيروت، [د.ت] ص 68
[10]– مبروك المناعي، المفضليّات: دراسة في عيون الشعر العربي القديم، ص 16 – 17
[11]– نعثر على تسمية “المعلّقات” في مراجع مختلفة: ابن عبد ربّه العقد الفريد ج5 ص269 وابن رشيق في العمدة ج1 ص61 وابن خلدون في المقدّمة ص532
[12]– يجمع معظم الروّاة و الشرّاح على تسميتها بالقصائد السبع الطوال مثل ابن الأنبا ري و ابن كيسان ..
[13]– نجد صدى هذه التسمية في العقد الفريد ج5 ص269 و العمدة ج1 ص61 وقد جمعت في ذلك بين تسميتي “المذهبات” و”المعلّقات“
[14]– يعتبرها القرشي من السّموط .
[15]– القاضي أبو بكر الباقلاّني، إعجاز القرآن، طبعة عالم الكتب، ص42 .
[16] – أبو زيد القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحقيق خليل شرف الدين، ط2، دار الهلال، بيروت1991.
[17] – أبو جعفر أحمد بن محمد النحّاس، شرح القصائد التسع المشهورات، تحقيق أحمد خطاب، دار الحرّيّة للطباعة، مطبعة الحكومة بغداد، 1973.
[18] – الخطيب التبريزي، شرح القصائد العشر تحقيق وتعليق وضبط: محمد محيي الدين عبد الحميد الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده – القاهرة [د.ت]
[19]– ابن رشيق ج1 ص61 .
[20]– ابن خلدون ص542
[21] – غسان فلاح أوغلي، جماليات المكان في الشعر الجاهلي، مركز زايد للدراسات والبحوث، 2014. ص14
“تأتي دراسة جماليات المكان في الشعر الجاهلي، بما للمكان من حضور عميق فيه، تتجلّى في أحد مظاهره البسيطة في استهلال كل الأعمال الشعرية الجاهلية الكبيرة بمعالجة للمكان بصورة أساسية، ومحاورة لكل ما فيه، وتماه مع مكنوناته وانصهار روحي فيها، حتى إن الأسماء المجردة للأماكن تتوالى وتحتشد، وكأنما يتمسك الشاعر من خلال تعدادها بأجزاء نفسه التي تواجه رحيلا لا تنتهي فصوله، ويتخذ منها تعويذة ضد الشتات، وضد الفناء، وتلاشي الذكريات التي يتشكّل من مجموعها وجوده»
[22]– المفضلية15(4) معاهد: أماكن/الرعلة القطعة من النعام/غرابيب: سوداء الحوافي الحوافد: حافية متقاربة الخطو: يشبه النعام برجال الهند.
[23]– المفضلية 26(13) تجاهد: اشتد/الشرك: الطريق/شطب: سعف النخيل/السرو: مكان باليمن/المرمول: منسوج: طريق كأنّه حصير منسوج لاستوائه.
[24]– المفضلية 21(22) المعبد: الطريق/قلق المجاز:يتعب عابره/الباري: الحصير المنسوج/إكام: النشر من الأرض.
[25]– المفضلية 28(9) الأراكة: موضع/الربة: المجتمع/ الشريم: خليج انشرم من البحر/قعيدها ملازم لها.
[26]– الأصمعي, الأصمعيّات, تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، بيروت لبنان الطبعة الخامسة [د.ت]، قصيدة المثقب العبدي ص89.
[27]– المفضلية 12(24) ص 67 : معترك : موقع المعارك/فنك : ضيّق/قصد القنا : ما تكشر من الرّماح.
[28]– المفضلية 24(8) ص 129: دق المطيّ: ضمر لطول السفر/الفدن: القصر
[29]– المفضلية 23(12–13) ص 126 : البرك : إبل الحيّ/الهواجد : النيام/اتقت : تحاشت/مقاحيد : سمان/ المجادل : القصور.
[30]– المفضلية 9(5) ص49 : المجدّة : المسرعة/العنس : الصلبة/سراتها : أعلاها.
[31]– النبيط : قوم من العجم كانوا ينزلون بين العراقيين سمّوا نبطا لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين.
[32]-المفضّليّة11(11) ص 62: الغارب : ما بين العنق والسنّام/الرباوة : منقطع الغلظ من الجبل/مخرم : منقطع أنف الجبل/الجبيل : الزمام.
[33]– المفضلية 11(20–21–22) ص63 الآذيّ: الموج أو السيل/ذي دفاع: الماء يدفع بعضه بعضا/الدوالي آلة للسّقي، شبه أمواج الخليج بخيل بلق.
[34]– المفضلية 16(31) عدّاء : حمار يعدو, قلصت : ارتفعت, ثماد : بقايا الماء, غدر : جمع غدير.
[35]– نفسه 16(34–35–36) اللهبان: وهج الحرّ، الخران: غليظ الأرض،يرمض من الرمضاء: الرمال الساخنة من شدة الجر، يفاع:المرتفع من الأرض،جاذلا: منتصبا، المؤتمر:الذي يختار أمرا لنفسه.
[36]– المفضلية 21(16–17–18) الدعص: الجبيل من الرمل-الحجم:النتوء, قرد الجناح:ذكر النعام , الهدم: الكساء. الدف:الجنب.
[37]– المفضلية 17(9): صوار: قطيع البقر, مرادها: مرعاها, سرت فيها الغيوث: أمطرت ليلا.
[38]– القاضي أبو بكر الباقلاني, إعجاز القرآن, ص156. ينتقد كثرة ذكر المواضع ويعيبها على امرئ القيس في قوله من المعلقة :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومـنزل**بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقرات لم يعف رسمها**لما نسجتها بين جنوب وشمــأل
فيرى أن في البيتين مالا يفيد من ذكر هذه المواضع, وتسمية هذه الأماكن : من الدخول وحومل وتوضح والمقراة وسقط اللوى, وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف ببعض هذا. وهذا التطويل إذ لم يفد كان ضربا من العي”. ونرى في ذلك أنّ الباقلاني يحركه قادح المسّ من الشعر عوض البحث عن محاسنه لابراز القيمة الإعجازية للنص الدّيني.
[39]– المفضلية 48(2) ويمكن أن نستدلّ أيضا على ذلك بالأمكنة التالية :
المفضلية130(3– 5): “لدن شال أحداج القطين عدية ** على جلهة الوادي مع الصبح توسق
تطالع ما بين الرحي فقراقر ** عليهن سربال السراب يرقـــرق
وقد جاوزتها فيرين شارف ** محرمة فيها لوامع تخفــــــق”
المفضلية 56(10): “سلكن القرى والجزع تحدى جمالهم ** وورّقن قوا واجتزعن المخارما”
[40]– المفضلية :19(1)
[41]– المفضلية :25(1)
[42]– المفضلية : 95(6): أي نرعى حيث شئنا من بلاد هؤلاء وكلّهم لنا عدوّ.
[43]– ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، تحقيق عبد السلام هارون، الطبعة الخامسة، دار المعارف [د.ت.] ص244 معلقة زهير بن أبي سلمى.
[44]– الزوزني، شرح المعلقات السبع، طبعة دار صادر، ص 83.
[45]– ومثال ذلك المفضلية97(29) “بكل قرارة من حيث جال..** ركية سنبك فيها انثلام”.
[46]– ومثال ذلك المفضلية 102(4) “حلق أحلوها الفضاء كأنهم ** من بين منبج والكثيب قيول”
[47]– ومثال ذلك قول زهير في معلقته ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص243:
“تبصر خليلي هل ترى من طعائن ** تحملن بالعلياء من فوق جرثم”
[48]– ومثال ذلك المفضلية 112(6) “فاقني حياءك إنّ ربك همه ** في بين حزرة والثوير طفيف
[49]– المفضلية : 98(4).
[50]– المفضلية : 10(17).
[51]– المفضلية : 16(30).
[52]– تمثل الناقة بالنسبة إلى الجاهلي عنصرا مهمّا ولعلّ الصورة التي يعكسها الشعر العربي تجلو عن هذه الأهميّة ممّا جعل النقاد يذهبون مذاهب شتّى في تفسير هذه الظاهرة.
[53]– يمكن أن نستدل على هذا لتشبيه ببيت المسيب بن علس [من الكامل]:
“وكأنّ غاربها رباوة مخرم ** تمدّ ثني جديلها بشراع” 10(17).
[54]– ويمكن أن نستدل على ذلك بقول الشاعر ثعلبة بن صعير بن خزّاعي المازني في المفضلية 24(8) [من الكامل]
“تضحي إذا دقّ المطيّ كأنها ** فدن ابن حيّة شاده بالآجر”.
[55]– المفضلية : 44(1): الخليّ: الخالي من الهموم, محتضر: حاضر.
[56]– المفضلية : 40(104–108): الزفيان: الخفيف السريع, القذع: الكلام السيّء القبيح, ثئدت أرض عليه فانتجع:لمّا فسد عليه موضع انتقل إلى آخر.
[57] – حبيب مونسي، فلسفة المكان في الشعر العربي قـراءة موضوعاتـية جمالية – منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – 2001
[58]– المفضلية : 18(2): لا أحوب: لا أكذب.
[59]– ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال، ص32، معلقة : امرئ القيس.
[60]– المفضلية : 8(2).
[61]– المفضلية : 56(9-8) : اجتزعن: قطعن.
[62]– المفضلية : 90(6)
[63]– كثيرا ما يرتبط اسم أشهر أيّام العرب بأسماء مواضع ممّا يكسبها بعدا من التوثيق وسنـتعرض لذلك في موضعه لاحقا.
[64]– المفضلية :29(1)
[65]– المفضلية : 122(1)
[66]– ابن يعيش، شرح المفصّل، ج1 ص 27
[67]– يمكن أن يحدث ذلك جدلية بين التخييل والإيضاح سنقف على تحليلها في البعد الفنّي للمكان.
[68]– زكريا إبراهيم, مشكلة الفن, ص27.
[69]– المفضلية : 43(7):مهمه: قفر لا ماء فيه, قذفك بعيدة, الأصداء: ج.صدى: ذكر البوم, ما تني: ما تقصّر.
[70]– المفضلية :47(9): التزقاء: الصياح.
[71]– المفضلية : 125(11): الخروق: الفلاة تتخرّق فيها الرياح, الضوابح: الثعالب.
[72]– المفضلية :97(9): الجنّان: الجنّ, العزيف: صوت كصوت الطبل, تحنّ: تصوت, السهام: رياح حارّة.
[73]– مجدي وهبة, معجم المصطلحات الأدبية: (الانطباعية ص65، والنقد الانطباعي ص(417 .
[74]– عبد الرحمان بدوي ,الموت والعبقرية, دار القلم ,لبنان,[د.ت.] ص6.
[75]– نفسه ص7 :“نرى أنّ الموت سواء من الناحية الوجودية ومن ناحية المعرفة كله إشكال(.) يحاول أن ينقده إلى سرّه العميق حينما يشعر الإنسان شعورا قويّا واضحا بهذا الإشكال وحينما يحيا هذا الإشكال(…)يحاول أن ينقده إلى سره العميق ومعناه الدقيق من حيث ذاته المستقلة وهذا كله يقتضي أشياء من الناحية الذاتية وأخرى من الناحية الموضوعية”.
[76]– المفضلية : 9(43): الغول:ما اغتال الشيء وذهب به وقصد به الشاعر المنيّة, المهيع: الواضح البيّن وعني به طريق الموت.
[77]-المفضلية : 27(23): قصري:آخر أمري, الشرجع: خشب يشدّ بعضه إلى بعض يحمل عليه الموتى.
[78]– Maurice Blanchot, L’espace littéraire, Gallimard,1988:“Mais donne moi la mort qui ne soit pas la mienne, mais la mort de personne, le mourir qui soit vraiment issu de la mort” P.19
[79]– المفضلية : 44(6):الحتوف: الموت, يوفي: يعلو, المخارم: منقطع أنف الجبل, سوادي: شخصي.
[80]– المفضلية :9(44): التلف: الهلاك أي لابدّ للإنسان من التلف مقيما أو مسافرا.
[81]–Mohamed Abdessalem, Thème de la mort dans la poésie Arabe jusqu’à la fin du 3ème 9ème siècle S.H. l’Université tunisienne, 1977.
[82]– ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ص531، معلقة لبيد
[83]– نفسه ص527.
[84]– نفسه ص543.
[85]– نفسه ص244، معلقة زهير بن أبي سلمى.
[86]– نفسه ص90،معلقة امرئ القيس.
[87]– المفضلية : 105(7): الأجزاع: منعطف الوادي: يصف دروس الدار وآثارها.
[88]– ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ص196، معلقة طرفة.
[89]– نفسه، ص494، معلقة الحارث بن حلزة.
[90]– المفضلية : 99(14).
[91]– ابن الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ص499، معلقة الحارث بن حلزة.