
فن المسرح والقضايا الاجتماعية والوطنية الفكاهي السيد تشوب – تشوب Tchop-Tchop نموذجًا
د.سعيد علي/جامعة نغاونديري، الكاميرون.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 33 ص 9.
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز مزايا وخصوصيات المسرح المحلي الكاميروني ومكانته ضمن منظومة فنون الأدب العالمي، ومدى مشاركته في معالجة القضايا الوطنية، وكشف الظواهر الشاذة، والسلوكيات المنحرفة، والتصرفات السلبية، ومساهمته في دعم جهود السلطات المحلية في مساعيها لمحاربة الظواهر الاجتماعية المنحرفة، والأعمال الضارة والتصرفات التي لا تتماشى مع البرامج التنموية وأهدافها التطويرية، وفن المسرح سلاح ذو حدين يستعمل في جوانب الخير والصلاح والبناء والتطوير كما يمكن استعماله في عكس ذلك، فالرسالة التي تحملها المسرحية يجب أن تكون في الأساس رسالة إيجابية، رسالة الحث على البناء والتطوير لا الهدم والتخريب، والتقدم والازدهار لا التدمير والتخلف، التحريض على التمسك بالقيم النبيلة والعادات والتقاليد الفاضلة، والنقد البناء للظواهر الاجتماعية الشاذة والفاسدة، لا إرسائها، وتشهيرها لا سترها، وكراهيتها ومحاربتها لا حبها والترويج لها، والتنفير منها، لا الانغماس في التخلل الخلقي، والانحراف السلوكي، وهو شديد التأثير، سريع الانتشار والتمدد بحكم احتوائه على العديد من عناصر التشويق، والترفيه والترويح والقوة التأثيرية، يستوي في ذلك شريحة الشباب والشيوخ، والعامة والخاصة، والغني والفقير، وكل من له ذوق سليم، وتفكير سديد، وتصور دقيق، وتخيل صقيل.
الكلمات المفتاحية: الأدب- المسرحية- المحلي- تشوبْ-تشوبْ:- معالجة- القضايا.
مقدمة:
المسرحية فن من فنون الأدب، نشأ منذ 490 ق.م على يد مؤسسه أب المسرح الإغريقي إسخيلوس،[1] ويعتبر المسرح من أهم فنون الأدب النثري، وأعظما شأنا، وأكثرها فتكا، وأشدها تأثيرا، وأبلغها بيانا، وذلك نظرا لما يصاحب هذا الفن من جماليات حركية، ودلالات كلامية، وفكاهات ترفيهية وترويحية، و”تعتبر المسرحية من أكثر الفنون الأدبية الأخرى توفيرا للذة؛ لأنها تستجيب لعدة رغبات في الإنسان، كرغبة التقليد، وتظهر بوضوح عند الأطفال، ورغبة الترويج؛ لأنها تنسي الإنسان واقعه ولو لفترة من الزمن، ورغبة التنفيس؛ لأنها تثير انفعالات مثل الخوف، والرحمة، والحب، والضحك، والكره وغيرها”.[2]
المطلب الأول: فن المسرح المفهوم والنشأة والوظيفة
وأما عن تحديد معنى المصطلح وتعريفه، فقد استعرض ابن منظور في لسان العرب مجموعة من التعريفات اللغوية للكلمة، منها، أن المسرح مأخوذ من السرح، والسرح يأتي بمعاني كثيرة، هي: الإرسال، والإطلاق، والإخراج، أو التسهيل، والإراحة، والإهمال، والإسامة، والمسرح هو موضع ومكان السرح، أي الرعي والإسامة، ومنه قوله تعالى: “حين تريحون وحين تسرحون”، قال أبو الهيثم في معنى الآية: “يقال سرحت الماشية أي أخرجتها بالغداة إلى المرعى”، فالمسرح هو مكان الخروج، يقال: سرحت ما في صدري أي أخرجته، وسمي المسرح مسرحا؛ لأنه يسرح فيخرج، ويطلق المسرح أيضا على موضع التفريج والإراحة، ويجمع على مسارح، كما ورد في حديث أم زرع: له إبل قليلات المسارح،” أي المراعي، والمسرح بكسر الميم أو فتحه، هو المرعى الذي تسرح فيه الدواب للرعي، وقال أبو حنيفة: “السرحة على “دوحة محلالواسعة، يحل تحتها الناس في الصيف”.[3]
ولعل أقرب التعريفات اللغوية بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، هي: الإرسال حيث يسترسل أصحاب المسرحية في الكلام، وينطلقون بكل حرية من القيود الصارمة، بهدف إراحة الجمهور وترويحه، وإخراجه أو إخراج ما فيه من الهموم والغموم والكروب والأحزان، وفي هذا الانتقال من الدلالة اللغوية إلى المعنى الاصطلاحي نكت ونتف بلاغية من تشبيهات وتمثيلات، فقد شبه الجمهور بالدواب السارحة الراعية السائمة المتحررة من القيود، وشبه المسرح ومكان العرض والتمثيل بالمرعى الذي تسرح فيه تلك الدواب، ثم شبهت عملية المشاهدة والتفرج والترويح برعي الدواب وأكلها الكلأ.
فينقل لنا الدكتور عبد الحكيم العبد في كتابه ثالوث القيمة في المسرح والفنون، ينقل عن معجم أكسفورد تعريفات عدة، منها: أنه “مبنى أو باحة في الهواء الطلق لعرض التمثيليات والمشاهد الدرامية” أو هو “صالة أو حجرة مجهرة بها مقاعد متدرجة الارتفاع صفوفا للمحاضرات والعروض العملية” “على حجرة العمليات في المستشفى” “فضلا عن مواقع العمليات أو الوقائع التاريخية الهامة”، “وعلى ضرب من الكلام أو المظاهر المتغرض للتأثير والظهور المتكلف غير الطبيعي”[4]، والتعريفان الأول والأخير هما أكثر تداولا في أوساط دراسات فن المسرح، وجاء في المعجم الوسيط، “المسرح… مكان تُمثَّل عليه المسرحية”،[5] كما ورد في المعجم الوسيط أيضا: “مثَّل… المسرحية، عرضها على المسرح عرضا يُمثِّل الواقع للعظة والعبرة”.[6]
وأن هذا الفن يتمتع بالسرعة الفائقة على الانتشار والتمدد، وقطع المسافات البعيدة، وعبور الحواجز الثقافية والأيديولوجية، والتغلغل داخل كل الشرائح الاجتماعية المختلفة، الكبار والصغار، الرجال والنساء، الفقراء والأغنياء، المثقف والعامي، كل يأخذ نصيبه، ويستفيد من جانبه، وهو يقوم بدور التربية والتوعية على القيم الفاضلة والترويج لها من خلال الترفيه والترويح والتفرج، ويؤدي مهمة النقد الاجتماعي عبر الأسلوب الحركي، والإشارات غير المباشرة، ويحمل رسالة إلى الراعي والرعية.
فدور الخطيب قاصر على توجيه النصح والإرشاد والوعظ والتذكير إلى الحضور، وهم جزء في المجتمع، وكذلك الشاعر يخاطب فئة معينة، والقاص يقص قصته على طبقة خاصة، والكاتب يكتب لطائفة قليلة، ولكن صاحب المسرحية يرسلها إلى المسلم وغير المسلم، وإلى المتدين وغير المتدين، وإلى العامي والمتعلم، وإلى الرجال والإناث، والصغار والكبار معا بأسلوب سلس مرن هادف، فيؤثر فيهم تأثيرا كبيرا.
يستطيع صاحب المسرحية أن يغير سلوك الناس نحو الأفضل، ويغرس فيهم القيم الاجتماعية أو الثقافية والدينية، أو العكس، فهي سلاح ذو حدين، يستعمل فيما ينفع وفيما يضر، فيما يبني وفيما يهدم، حيث يمكن أن تتضمن المسرحية رسالة تخريب وتدمير، وهدم وتفكيك؛ فهناك العديد من الجرائم والسلوكيات المنحرفة، والعادات السيئة، والتقاليد المخالفة لما هو متعارف عليه في المجتمع، اكتسبها الشباب وتبنوها من خلال مشاهدة المسلسلات المسرحية التي تبث في القنوات الموجهة لتخريب الشباب وإلهائه، فـ”من خلال المسرحية نستطيع معرفة الرذائل فنتجنبها، والفضائل فنحبها، كما أنها تجعل العمل الأدبي أشد تأثيرا في النفس من الإنصات إلى تلاوته بغير تمثيل، أو مطالعته في كتاب، وكلنا يدرك القطعة الأدبية حيث تمثل على المسرح ببراعة وإتقان تجذب إلى الاستمتاع بها عددا كبيرا من الملمين بالقراءة وغير الملمين بها، فيسهل بها تثقيف الجماهير على مختلف مستوياتهم الثقافية”.[7]
إذا فالرسالة التي تحملها المسرحية يجب أن تكون في الأساس رسالة الحث على البناء والتطوير لا الهدم والتخريب، والتقدم والازدهار لا التدمير والتخلف، التحريض على التمسك بالقيم النبيلة والعادات والتقاليد الفاضلة، والنقد البناء للظواهر الاجتماعية الشاذة والفاسدة، لا إرسائها، وتشهيرها لا سترها، وكراهيتها ومحاربتها لا حبها والترويج لها، والتنفير منها، لا الانغماس في التخلل الخلقي، والانحراف السلوكي.
الفارق بين الأدب التقليدي الكلاسيكي والأدب الحديث والمعاصر، شعرا، ونثرا، قصة، وكتابة وصحافة، ومسرحية أن الأدب الحديث والمعاصر يستقيان موضوعاتهما، من الواقع الاجتماعي المعاش، بعيدا عن الذاتية والمصالح الخاصة، والمواقف والميول والاتجاهات الشخصية كالمدح رغبة في العطاء وطمعا في التكريم، وهربا من العقاب، ورهبا من الإهانة، ويعتبر المسرح واحدا من ذلك.
فأهم الموضوعات التي تكون ساحة للمسرحية الحديثة، الأمور التي تهدد استقرار الدول، وتهدد تماسك الأمم، وتعرقل عملية التطور والازدهار، وتصعب المحاولات الرامية لتثبيت الأمن والاستقرار في المجتمع، ومن هذه القضايا: البطالة، والجريمة، وانتشار الأمية، وتفشي الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية، والعنصرية، والتمييز على أساس اللون، أو الجنس، أو المعتقد، أو الانتماء السياسي، وشيوع الرشوة، وتناول المخدرات، والاغتصاب، والسطو، والنهب، والسرقة، والمرأة ، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وظهور الفساد، وتهريب الأموال العامة، وحرية الرأي والتعبير، والاستعمار، والعلاقات الاجتماعية بين الصغار والكبار، والرجال والنساء، والصراع بين الحداثة والأصالة، وبين المعاصرة والمحافظة على القيم الاجتماعية أو الدينية، أو يستقيها من الرواسب التاريخية، والبطوليات القومية والوطنية.
عرفت الساحة الكاميرونية عددا من الفكاهيين والمسرحيين، منهم جان ميشيل كانكان، والسيد تشوب تشوب، وهو أحد رموز الأدب المسرحي الكاميروني، وله عدة مساهمات في هذا المجال، وتتميز مسرحياته بالواقعية ومواكبة الأحداث الوطنية، كمسرحية القسيس، ومسرحية حادثة القطار، ومسرحية اختيار ابنته للزوج، وهذه الأخيرة تشبه من حيث الشكل والمضمون بمسرحية قاسم مطرود التي بعنوان “الأيدي الملطخة”، وهي عبارة عن “صرخاتضد التعسف اللاإنساني الذي يقطن البسيطة، خاصة وطني”[8].
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما أهمية هذه المسرحية التي اخترناه في هذه المقالة؟ ولعل الجواب يكمن لا في صاحب المسرحية ولا في شخصياتها، وإنما في قضيتها المثارة، وطريقة العرض، وأساليب الإثارة والتأثير، فقضية الفساد والارتشاء من القضايا الشائكة، والحساسة، وأضرارها ليست قاصرة على الأفراد، وإنما تتعداهم لتمس مؤسسات الدولة، وأنطورتشخوف الذي اختار موضوع “مضار التبغ” عنوانا لمسرحيته، بهدف إلى كشف أضرار وأخطار تعاطي التبغ، وأنه لا يقتصر على المتعاطي فحسب، بل يتعداه إلى من بجواره”.[9]
المسرحية هي أحد الفنون الأدبية القديمة الحديثة، وهو موجود لدى كل الشعوب والأمم، فما من شعب ولا أمة إلا عرفت قدرا ولو يسيرا هذا الفن، فعرفته الهنود والصينيون واليونان والرمان والفرس والعرب، فقد عرف لدى كل الأمم رجال تمتعوا بمهارة الكلام والفكاهية والإضحاك بهدف الترفيه والترويح والتفريج.[10]
وهي فن أدبي قوامه الحركة المنظورة، والكلمة المسموعة في مكان محدد وجمهور مشاهد، أو قصة تمثيلية تُعرض فكرة أو موضوعا أو موقفا من خلال حوار يدور بين شخصيات مختلفة وعن طريق الصراع بين هذه الشخصيات يتطور الموقف المعروض حتى يبلغ قمة التعقيد ثم يستمر هذا التطور لينتهي بانفراج ذلك التعقيد ويصل إلى الحل المسرحي المطلوب”.[11]
هناك شبه بين القصة والمسرحية، فهما يتفقان في أنهما تصوران التجارب الإنسانية بحوادثها وأشخاصها ومشاعرها ونقل مشاهدها، ويفترقان في أن الحرية المتاحة للقصة أوسع بينما تضيق المساحة في المسرحية، حيث لا بد من التقيد بمساحة الزمان والمكان ، الزمن المخصص للمسرحية مقيدة بطاقة الممثلين والمتابعين، وللحركة دور فاعل في المسرحية، فليس هناك حركة مستقلة، أو دور لها في إثارة المشاعر وتحريك العواطف، فلا بد أن توضع هذه الحركات في مواضعها المناسبة وتقع في وقتها الملائم دون تقديم أو تأخير، ودون زيادة أو نقصان.
ولفن المسرح أنواع، فهناك المسرحية الكلاسيكية التقليدية وتعرف بتراجيديا Tragédie ، وهي التي تثير مشاعر الإعجاب والرحمة والخوف، وتصور تعاسة الأبطال في إرضاء إرادتهم وعواطفهم، كما تقوم بالتحليل النفسي، والنوع الآخر هو مسرحية المأساة الحديثة وتسمى drama، وهذه تصور جانبا من الحياة شره وخيره، حزنه وفرحه، وأخيرا مسرحية الملهاة وتعرف بالكوميديا comédie، وهي تقسم إلى ثلاثة أقسام، مسرحية ملهاة الطباع، وهي تصور طبائع الناس وصفاتهم وأخلاقهم من البخل والكذب، والمكر، والخدام، والخيانة، وعكس ذلك. ومسرحية ملهاة العادات والسلوك، تهدف إلى معالجة الانحراف والشذوذ ومخالفة القوانين والتقاليد المألوفة والمتعارف عليها، وقواعد السلوك المتبعة في المجتمع. وأخيرا مسرحية ملهاة العاطفة، وهذه تعالج مشكلات الأسرة والمشاعر الإنسانية، كمشاعر الحب الكاذب أو الصادق.[12]
وتتضمن المسرحية فصول، ومشاهد، وحوار، وتعقيد، وحل، وتطبيقا على هذا يمكن أن نعتبر مسرحيتنا التي نحن بصدد دراستها أنها من النوع الأخير، أي أنها مسرحية “ملهاة الطباع، وهي تمثل البخل، والنفاق، والكذب، وغيرها من الطباع التي تعد تصلبا ضد الحياة الاجتماعية، وشذوذا ينفر منه المجتمع، ويكون هدف الملهاة في هذه الحالة: السخرية من التصلب، والشذوذ، بقصد إرجاع الشاذ إلى طريق المجتمع”.[13]
المطلب الثاني: نص المسرحية
أصله تسجيل صوتي في قرص قام بنسخه الطالب عمر بوكار أدغاي[14]، ونحن قمنا بترجمته من الفرنسية إلى العربية، وهذا هو نص المسرحية:
” الفكاهي تشوب تشوب، واختيار ابنته للزوج”
السيد تشوب-تشوب هو أحد الفكاهيين الكاميرونيين المعاصرين، الذين اشتهروا بالنقد الاجتماعي، وكشف الانحرافات السلوكية الضارة، والأعمال التخريبية، التي لا يقتصر ضررها وأخطارها على الأفراد فحسب، بل تؤثر على كل المجتمع، والمسرحية التي نحن بصدد عرضها وتقديمها هي واحدة من تلك الأعمال المسرحية التي قدمها لنا فكاهينا.
الشخصية | نص المسرح |
تشوبْ-تشوبْ: | إيابيييياب مدام (السيدة) غوغولوغوغوإغال، كيف آن ماري ندزيي غامَّا غوغولوك. |
بيريسكا:[15] | بابابابا. |
تشوبْ-تشوبْ: | كيف ابنتي، جئت يا ابنتي، مرحبا بيريسكا:. بيريسكا:. |
بيريسكا: | بابابابا حي بابا!؛ |
تشوب-تشوب: | عانقيني يا ابنتي، أنا فرحان برؤيتكِ، ماذا بيدكِ؟؛ |
بيريسكا: | حي بابا! بابا انظر. |
تشوبْ –تشوبْ: | ما هو؟؛ |
بيريسكا: | هو صورة خطيبي الجديد، أخيرا وجدته. |
تشوبْ-تشوبْ: |
هوو! ماذا قلت لكِ يا ابنتي؟ فمنذ سنتين، رفضتُ خطيبيكِ، ففعلتِ مشاكلَ، ها هو الثالث، سقط دون أن ينزلق، (ينفجر ضحكا)، أرجو أن يكون قد وفر كل الشروط. |
بيريسكا: | وفر كل الشروط يا أبي. |
تشوبْ-تشوبْ: | وبخاصة شرطي الضروري. |
بيريسكا: | انظر صورته. |
تشوبْ-تشوبْ: | دعيني بصورته، لنذهب على الطول إلى الهدف. |
بيريسكا: | هو جميل، حار، أنيق، لبق، وفر كل الشروط بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: | هذا الذي يؤكل؟! اذهبي على الطول إلى الهدف، كسر لي القطعة. |
بيريسكا: | بابا أصلا، أنا أحبه كثيرا، لا أستطيع أن أصف حبي له بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: |
حي! أي حبٍ؟! الحب في الجيب، وأنتِ تقولين لي، تحبينه كثيرا! حتى لم أسمع ماذا يعمل، لم تخبريني عن عمله، قولي لي ما عمله؟؛ |
بيريسكا: | هو مدرس بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: |
مسكين مرة أخرى، خذي لي مساكينكِ واخرجي، أما قلت لكِ لا أريد المسكين؟ أولا جئت لي بالطالب ثم الآن تَجَمُّعِ المصائب تأتني بمدرس؟ لكن ما هذه البنت؟! بنات الناس، بنات المحظوظين يخرجن، ويعدن برجال جيدين، وأنتِ تذهبين وتأتي لي بمساكين!؛ |
بيريسكا: | لكن بابا، إذا اجتهد الطالب سيجد. |
تشوبْ-تشوبْ: |
ألا تستحيي؟ تأتي أبيكِ بطالب خطيبا! منذ مدة إخوانكِ موجودون في البيت، ولهم كل الشهادات الجامعية، منذ لا يجدون العمل، والآن خمس سنوات هم موجودون في البطالة، لا يجدون العمل، وكل مساء يجتمعون ليتقاسموا السرير المتواضع الذي في الغرفة الخارجية، تقولين حي، سيجدون، لكن كيف؟!؛ |
بيريسكا: | لكن بابا أليس جئتكَ ايضا بطبيب، ورفضتَ؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ |
اسمعوا لي الحماقة! أي طبيب؟ من هو؟ الطبيب المسكين في قرية مييوميسال[16] الذي تأتي به هنا، لهم كم مرضى في مييوميسال، قلت لكِ إما طبيب المستشفى لاكنتيني[17] أو لا شيء. |
بيريسكا: | لكن بابا، لماذا لا بد من طبيب المستشفى لاكنتيني مع أنهم كلهم لهم نفس الراتب؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ: |
نفس الراتب، ولكن ليس نفس الامتيازات، الذين في المستشفى لاكنتيني لهم عدد كبير من المرضى بالإضافة أن لهم عددا من الامتيازات، انظري، اذهبي إلى لاكنتيني الآن، نصبوا وسطاء في مدخل المستشفى يثبون على المرضى كالسنور التي تثب على الفئران، وكل مريض يدفع ألف فرنك سيفا للوسيط قبل مقابلة طبيبه، وتعرفينالنسبة المرتفعة للمرضى في مدينة دوالا مع أصحاب الدراجات الهوائية الذين يسقطون الناس من هنا وهناك، وبهذا يكون للوسيط على الأقل خمسين زائد يوميا لطبيب واحد في لاكنتيني، بمعنى له خمسين ألف فرنك سيفا (50.000)، وشهريا تضاعف هذا المبلغ في عشرين على راتبه الشهري، ولا أتحدث أصلا عن وصفاتهم الطبية التي يتقنونها جيدا، يكتبون تحت كل وصفة اسم الصيدلية، وفي نفس الوقت تحليل طبي مسجل مع اسم المختبر الذي يجب عليه أن يذهب إليه. |
بيريسكا: | هذا بابا! لماذا هذا الميل المبالغ فيه لأجل المال؟!؛ |
تشوبْ-تشوبْ | لا تفهمين شيئا، دفعت ثمان مئة ألف (800.000) مهرا لأمكِ، وهذا تعويض لكل تكاليف. |
بيريسكا: | ثمان مئة ألف؟!؛ |
تشوبْ-تشوبْ |
نسيتِ، أمكِ تنتمي لأسرة مالكة، والصداق لا ينتهي هناك، حتى اليوم أعمامكِ يواصلون التردد هنا عندنا، وهي لم تنجب إلا الذكور، وأنتِ البنت الوحيدة، لا بد أن تساعديني لتجاوز هذه العقبة، وتعرفين كنت ضحية للتقاعد المبكر، وحاليا إخوانكِ عاطلين، لا بد من رجل غني متصل دائما بالنقود، ليخرج أسرتنا من الشقاوة الضيق، هذه هي مشكلتي يا ابنتي. |
بيريسكا: | هوو! أي التقاعد المبكر في أي عمر؟! في سبعين عاما تتكلم عن التقاعد المبكر؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ |
هل لي سبعين سنة؟ هل أنتِ التي فعلتِ شهادة ميلادي؟ ما هذا؟ انظري، زملائي في العمل، الكوسيلو ابنه الأول له أربع وخمسون سنة، وهو له ثمانية وأربعون سنة حسب شهادة ميلاده الجديدة، ويواصل في العمل، كنت طلبت أن يصادقوا لي شهادة ميلاد أخيكِ الأكبر ويعطونيها، طالبوني بمئة ألف فرنك سيفا (100.000)، من سيدفع هذا المبلغ؟ لا بد أن تجدي لي شخص جيد ثري، ذلك اليوم رأيتكِ تعانقين جمركي عند ليلة تأبين ابنة كوسيلو، وعند ما أخبرتني بأنكِ وجدتِ خطيبا جديدا، ظننت أنك تقولين لي هو هذا الجمركي الذي جئتني به، وإذا كان جئتني بجمركي فالآن أوقع عقد قرانكِ حتى قبل رئيس البلدية. |
بيريسكا: | لكن بابا الجمري أليس قلت لا تريد الموظف؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ: | الجمركي ليس موظفا عاديا. |
بيريسكا: | هو تابع لوزارة المالية. |
تشوبْ-تشوبْ: |
لكن هم أغنى من الموظفين في وزارة المالية، لأنه يوجد صنفان من الموظفين ابنتي، الموظفون بإف الكبير(F) وبإف الصغير، تصوري حيي! سيد المسيح! هل يمكن أن تأتني ابنتي بجمركي؟، ابنتي حبي للجمركي لا تستطيع فهمه. كنت في ميناء دوالا، حتى يضع مفتش الجمارك توقيعه على ورقة لإخراج العربة من الميناء لا بد أن يدفع له 500.000 لمفتش الجمارك، والجمركي العادي الذي لا يحمل أية رتبة يدفع له 50.000 وأيضا مهما كان صغيرا، لا أعرف الجمركي الذي يرجع إلى بيته يوميا بأقل من أربع مئة ألف فرنك سيفا (400.000)، لا يوجد، انظري قليلا مدينة دوالا، حارة بونموسادي[18] مقسمة إلى قسمين، رجال الجمارك استحوذوا على القسم الأكبر وسموه Dain vair، تنمو البيوت هناك كالفطيرة[19] ، حي! يا شقاوتي! والسيارات الجميلة التي تتجول، هوو ابنتي! لا لا، إما جمركي أو لا. |
بيريسكا: | لكن بابا، هذا لا يشرف، يتصرفون كالمتسولين أمام الصيدلية. |
تشوبْ-تشوبْ: |
لكن ابنتي فكري هنا، عندي إذاعة منذ الخمسينيات، إذا وجدت مثل الجمركي، سيشتري لي محطة الإذاعة الموسيقية، سيشتري لي التلفاز، ماينيتيسكوب magnétoscope جهاز إذاعة، والثلاجة، والمجلدة congélateur يا ابنتي. |
بيريسكا: | أنت متأكد سيشتري لك كل هذا؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ: |
هل هو الذي سيشتري حتى؟ لا يشتري، فقط عندما يزور العربة ناقلة الإذاعات في الميناء، ليفتح، مقابل هذه الزيارة يقولون فقط: أعطوه هذه الإذاعة يعطون، لوالد زوجته من يناقش؟، أعطوه … حي ابنتي! هل يشتري الجمركي الأجهزة؟ هو مجانا. |
بيريسكا: | أفهم الآن، لماذا يموتون مبكرا قبل الأوان، لأجل المجان! لا أريد أن أكون أرملة قبل الأوان. |
تشوبْ-تشوبْ: |
أرملة سعيدة، ما هذه الحمقاء؟ يوقع عقد قرانك منتصف النهار، ويموت بعد الظهر أين المشكلة؟ تستحوذين على ممتلكاته يا ابنتي، حي حي! ماذا انتظر، عندما يموت زوجك لتنتفع أسرتنا بماله، السيارات هذه نضعها للأجرة، والأخرى للاستئجار، والبيوت التي بناها في كل مكان نضعها للإيجار، أليس إخوانكِ يبدؤون ليكونوا مديرين للشركة التي تؤسسها بعد وفاة زوجكِ؟؛ |
بيريسكا: | لا، لا أريد بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: |
أرملة سعيدة، هذا جيد جدا، كونك أرملة لجمركي هو جيد، الجمارك يموتون موتا سيئا؛ لأنهم يأكلونتماما، كيف يا ابنتي، إذًا، إذا لا تريدين الجمركي خذي الشرطي؛ |
بيريسكا: | أه! بابا، لماذا هذا الشهم من أجل الفلوس؟!؛ |
تشوبْ-تشوبْ: | لأنهم هم الذين على اتصال دائم مع الفلوس، خذي رجل الأمن من فضلكِ، إذا لا تريدين الجمركي، هاتني رجل أمن أو شرطيا. |
بيريسكا: | أه ! رجل أمن، ماذا عندهم؟ ليس لهم شيء، قل لي قائد سلاح البحرية. |
تشوبْ-تشوبْ: |
كل قواد سلاح البحر ليس لهم شيء حتى العقيد ليس لهم شيء، ليس لهم إلا السلطة والنفوذ، أما رجل أمن فله صفارته، وتصفيرة واحدة يكلف صاحب السيارة ثلاث مئة فرنك سيفا، خاصة عندما يصفر لسائق سيارة الأجرة، وعندما يصفر على حافلة نقل عامة يساوي خمس مئة فرنك سيفا، ولا نتكلم عندما يرى سيارة أجنبي وهذا يساوي خمسة آلاف فرنك سيفا، إذًا يا ابنتي، كوني واقعية ، افتحي عينيكِ، مع ذلك!؛ |
بيريسكا: | لا بابا، لا أستطيع. |
تشوبْ-تشوبْ: | كيف؟! جيد، إذا كان أصحاب بزلات العمل يزعجونك كثيرا، اذهبي إلى إدارة النقل، وابحثي خطيبكِ. |
بيريسكا: | حي! هؤلاء إذن، ماذا عندهم؟، كم عندهم؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ: | ماذا؟!، تسألين كم عندهم!، إدارة النقل؟! إذا كنت أباكِ الذي يقدم لك النصائح، إذا تعرفين كم يكلف رخصة القيادة؟؛ |
بيريسكا: | رخصة القيادة يقدمها مدرسة تعليم القيادة. |
تشوبْ-تشوبْ: |
سيارة، وأي مدرسة؟ ، ما هي؟ رخصة القيادة في هذا البلد يتحصل عليها عبر الهاتف، ومدرسة تعليم القيادة فيما بعد فقط لإكمال الإجراءات، ها هم إخوانكِ العاطلين في هذا البيت، كنت اشتريت لكل واحد منهم رخصة القيادة، اذهبي واسألني من يعرف القيادة من بينهم، لا أحد، إذا إدارة النقل، إذا كان لك خطيب هناك، إما مسؤول الإدارة، وإما أي واحد هناك، يوميا يمكن أن يأتيك بخمسة عشر ألف فرنك سيقا (15000)، خاصة لتسجيل السيارات المسروقة، تتذكرين عندما كان مازمبي حيا هنا في دوالا، تظنين هو يصنع تعريفات السيارات في السماء، هو هنا في إدارة النقل، وحتى أنت تعرفين ماذا يعني ذلك يا ابنتي. |
بيريسكا: | أه! كل هؤلاء فاسدين بابا، هذا هو الفساد، كل هذا سينتهي، أصلا رئيس الحكومة أعلن حملة ضد الفساد. |
تشوبْ-تشوبْ: |
حي حي انظر كيف هذه! رئيس الحكومة، ماذا سيفعل؟ أين هو مع حملة الآن؟ ستقولين لرئيس حكومتكِ، منذ أن كان الكاميرون كاميرونًا الفساد موجود، وإذا هاجم فسادنا، هو الذي سيذهب وفسادنا يبقى، وما دام الكاميرون حي يتنفس فالفساد حي، وقولي له: إذا انحنى ليرى دبر إنسان فليعلم أن الذي من خلفه أيضا يرى دبره، كيف، أصلا إذا لم يكن الفساد هل سنجد لقبا عالميا؟ الفساد رتبة يا ابنتي، إذا تريدين إذن، إذا رفضتِ أصحاب الفساد، اذهبي وتزوجي بقاض إذن. |
بيريسكا: | أه بابا، نفس الأناس، رئيس الدولة عند خطابه الأخير ذكرهم كلهم بابا |
تشوبْ-تشوبْ: |
اتركي يا ابنتي، هذه هي السياسة، لا تفهمين، دعي رئيس الدولة مع قضاته، قلت لكِ هاتني فقط بقاض المحكمة الجنايات، هل زوجاتهم يشتكين؟ قاض المحكمة الجنايات هو إلاه، لا تعرفين شيئا، إذن قولي لي إذا رفضتِ كل الذين اقترحت لك، ماذا ستفعلين إذن؟؛ |
بيريسكا: | لكن بابا إذن سأبقى هكذا من غير زوج؟؛ |
تشوبْ-تشوبْ: |
مئة زوج، اقترحت لك حوالي تسعة وتسعون زوج ورفضت، الآن تسألينني، إذا كنت ستبقين هكذا دون زوج؟، خذي على الأقل حارس سجن، هذا آخر سوق، خذي حارس سجن. |
بيريسكا: | حيي بابا صار أمر الفلوس جنونا. |
تشوبْ-تشوبْ: | أنت مجنونة، انظري الأشياء واضحة أمامكِ، انظري الأشياء واضحة، حارس السجن جيد، إذا تريدين، سأوضح لك امتيازاتهم؛ |
بيريسكا: | بابا ليس لهم شيء، مساكين. |
تشوبْ-تشوبْ: |
هل سمعت يتكلمون عن الهروب المثير للسجناء؟ يعني يخرجون من جلسة المحاكة ليعودوا إلى السجن، يرجعون بعدد أقل، هذا الهروب المثير تظنين كيف يحدث؟، هي أشياء مدبرة لأن بعض المجرمين أغنى من الوزير في هذا البلد؛ لأنهم إذا قتلوا يكون جيبهم ثقيل، وبعد الجلسة يتفاوضون مع حارس السجن، ويقفز من العربة، ويمكن أن يعود حارس سجن في جيبه بمبلغ ميلون فرنك سيفا كلعبة، هذا هو، إذا لا تريدين إذن دبري أمورك. |
بيريسكا: | لا بابا بدل حارس سجن، أفضل أن أبقى عازبة، المدرس أفضل لي. |
تشوبْ-تشوبْ: | المدرس أفضل من حارس سجن؟ أنت مجنونة يا ابنتي. |
بيريسكا: | لكن يمكن أن يكون مديرا للثانوية يا أبي |
تشوبْ-تشوبْ: | أه هذا الذي أخفيتِ لي، مدير الثانوية يا ابنتي؟!؛ |
بيريسكا: | نعم بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: |
أنت متأكدة لما تقولين؟! لماذا ضيَّعتِ لعابي هكذا؟ لو قلتِ لي من البداية أنه يمكن أن يكون مديرا للثانوية، لما تعاركنا هكذا، مدير الثانوية من الأنواع المهمة يا ابنتي. |
بيريسكا: | إذن بابا. |
تشوبْ-تشوبْ: | تعرفين ما يسمى بموسم بقرة سمينة، (مثل بمعنى: الأجواء الجميلة، الطبيعة الخضراء التي يطيب الحياة فيها)، عند بداية السنة الدراسية، تعرفين لماذا يا ابنتي؟؛ |
بيريسكا: | لا. |
تشوبْ-تشوبْ: |
التسجيل في الصف الأول الاعدادي مئة ألف فرنك سيفا، وعلى الأقل سنويا يتقدم ألف تلميذ للتسجيل في الصف الأول الاعدادي، ووي! إذا كان هكذا إذن، لكن كيف؟ لماذا لم تقولي لي هذا؟ أيه! في النهاية يمكن أن أنشد أغنيتي، أخيرا ابنتي صارت مهمة الآن، لا بد أن نبدأ نعد قدور طبخ الدجاجات؛ لأن أولياء أمور التلاميذ سيبدؤون يأتون بالدجاجات، والماعز وغير ذلك هيي! إيافهيي ينفجر الأب والبنت ضحكا. |
المطلب الثالث: دراسة النص المسرحية وتحليله:
المسرح أحد فنون الأدب الحديث الذي يؤدي أدوارا مختلفة ومهام متنوعة، ووظائف عديدة، سواء كان الدور التربوي، والمهمة التوعوية، والوظيفة الإصلاحية التوجيهية، أو ذلك الدور الإمتاعي والترويحي والترفيهي؛ ذلك من خلال التناغم بين الأصوات والتعابير اللفظية والحركات البدنية مع المواقف التي تثار، والقضايا التي يهدف صاحب المسرح إلى معالجتها، والمواقف المختلفة التي يتضمنها المسرح، يقول رومان ياكبسون في كتابه قضايا الشعرية: “لقد حكى لي ممثل قديم بمسرح ستانبلافسكي بموسكو كيف كان المخرج الشهير يطلب منه حينما كان يؤدي عرضا تجريبيا لمسرحية ما، أن يستخرج أربعين رسالة مختلفة من العبارة … بواسطة تنويع التلوينات التعبيرية، وكان وضع قائمة مكونة من بضعة أربعين موقفا انفعاليا، وبعد ذلك تلفظ بالعبارة المذكورة في توافق مع كل موقف من هذه المواقف. هذه المواقف التي على المستمعين أن يتعرفوا عليها انطلاقا … من تعبيرات التشكيل الصوتي”.[20]
يعالج هذامسرحيتنا قضية الفساد، ويكشف منابعه، ومدى تجذره في مفاصل مؤسسات الدولة، وتعتبر محاربة الارتشاء والفساد أحد أوليات حكومات الكاميرون المتعاقبة، وأحد التحديات التي تواجه البلد، وتجعل أمن البلد واستقراره وتقدمه وتطوره محفوفا بالمخاطر، فبدل أن تؤخذ تلك الأموال الضخمة وتصرف في بناء المؤسسات التعليمية، والمرافق الصحية، وتوفير الأدوية والمياه الصالحة للشرب، وإنشاء الطرق والجسور والموانئ والسدود من أجل تزويد الشركات والمصانع بالطاقة الكهربائية الكافية، يسرقونها ويكدسونها في البنوك الغربية.[21]
فبقدر نجاح الحكومة من الوقوف للتصدي لهذا الوباء، والحد من تفشيه وتمدده يكون تقييم نجاح الحكومة أو فشلها، فهناك بعض الحكومات الكاميرونية أكثر أعضائها قد زج بهم إلى السجون بدء من رئيس الحكومة فمرور بكبار أعضاء حكومته، وكل ذلك كان بسبب هذا المرض، قال رئيس الجمهورية ” الفساد وباء غير خاص بالكاميرون، بل هو ظاهرة عالمية، ولكن كنا نظن أن بلدا مثل بلدنا الذي ليس لديه موارد هائلة، لديه مصلحة في الحد من تضييع الأموال، ونحن عازمون على المضي قدما في محاربة هذا الوباء، وليس فقط تقديم المسئول أمام المحاكم، وإنما تأسيس مؤسسات متخصصة، وشن قوانين صارمة ضد هذا المرض العضال” .[22]
المطلب الرابع: الرشوة مفهومها ومجالاتها في منظور تشوب-تشوب
تعريف الارتشاء والفساد: يمكن تعريف الارتشاء والفساد بأنه: “اختلاس أو تهريب استغلال الوظيفة، ويسمى غير فعال أو سلبي إذا كان الشخص الذي يترك نفسه يباع بأرخص ثمن من أجل وعود، أو هدايا، أو عطايا، أو غنم ما مقابل قيامه بمهمة ما، أو امتناعه عن عمل ما، ويكون مؤثر وفعال إذا دفع شخص ما مقابل مالي بنفس الطريقة والوسيلة لإرضاء شخص يؤدي مهمة هو مكلف ومأمور بأدائها أصلا بدون مقابل”.[24]، وقد عرفت منظمة التعاون من أجل التنمية الاقتصادية كلمة الارتشاء أو الفساد المعروفة بالفرنسية corruption تعريفا يمكن اعتباره كمرجع لإعداد كخطة وسياسة عامة، كما يمكن الاستفادة منه عند القيام بالتوعية والحملات الدعائية ضد الفساد والارتشاء، أو لوضع استراتيجية لمحاربة الوباء، عند وضخ خطة عمل، أو لشن تدابير للحد من انتشار الظاهرة وتفشيها، فتقول المنظمة: “استغلال الوظيفة العامة أو الخاصة لمصالح شخصية”،[25] وأما منظمة الشفافية الدولية فتعرفه بأنه “سلوك من قبل موظف في القطاع العام، وهم السياسيون والموظفون الذين يجمعون أموالا بطرق غير قانونية وغير شرعية، من خلال استغلال المنصب أو السلطة الممنوحة لهم”،[26] ويذهب البنك الآسوي للتنمية نفس اتجاه منظمة الشفافية الدولية إلا أنه لم يخصص القائم بأن يكون في القطاع العام فقط، بل أدخل القطاع الخاص أيضا، كما اتفقت اللجنة الكورية المستقلة لمحاربة الفساد مع منظمة التعاون من أجل التنمية الاقتصادية في تعريف الفساد والارتشاء، فعرفته بأنه “كل عامل أو موظف تورط في استغلال مكانته، أو نفوذه وسلطته، أو مخالفا للقانون، في إطار منصبه الرسمي، بهدف جلب منفعة لحسابه الشخصي، أو لحساب غيره”.[27]
وقد تناولت مسرحيتنا المجالات التي تأثرت بالرشوة والفساد، فهي كالتالي:
أولا: التعليم: يصور لنا المسرح كيف دخل وباء الفساد والارتشاء هذا المجال، حيث إنه أصابه في المقتل وشمل كل المراحل التعليمية، الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم الجامعية، وخصوصا معاهد التأهيل والتكوين المهني والإداري، حيث يتخرج الأطر والكوادر المهنية من الإداريين والموظفين الحكوميين والأطباء والجنود والشرطة والجمارك والدرك الوطني، فقبول الراغبين في الالتحاق بتلك المؤسسات أحيانا تخضع ليس فقط لشروط ومعايير مهنية رسمية بل لعلاقات وإتاوات ومبالغ تدفع للمشرفين على قبولهم وامتحانهم.
ثانيا: الصحة: يتزاحم حاملي الشهادات العلمية للدخول في مؤسسات التأهيل في أقسام التخصصات الطبية ليس رغبة في خدمة الناس في هذا المجال الذي من المفترض أن يكون المنتسب إليه يقدم الإنسانية والمصلحة العامة على الذاتية والمصالح الخاصة، ولكن الواقع يقول العكس، فتعامل الطيب مع المرضى خاضع لما يحصل من هذا المريض، فإذا كان غنيا فأهلا ومرحبا يعامل بالمعروف ويستقبل بالإحسان، ويقدم له كل الخدمات، وإذا لم ميسور الحال، أو لا يريد أن يدفع مبلغا رشوة، فليتم إن شاء أو يحيى فلا يبالي به الطبيب.
ثالثا: الشرطة: الشرطة هو ذلك العنصر المكلف بتقديم خدمات للمجتمع، والحفاظ على أمنه وسلامته، والمحافظة على النظام العام، وفرض القانون ومراقبة تنفيذه بكل عدالة ومساواة وشفافية، كما يقوم هذا العنصر بتحقيق الأمن والأمان والسلام والطمأنينة والاستقرار، من أجل سعادة الناس ورخائهم، ولتفريغ الجهود في سبيل البناء والتطور والازدهار والتقدم، من خلال مراقبة المجرمين، والضبط على الجناة، والحد من كل ما يعرقل سلامة الحياة ومنع كل مل يكدر صفوته، ولكن عند ما يتوغل طاعون الارتشاء في أوصال هذا العنصر، سيتحول إلى عنصر إزعاج بدل طمأنينة وراحة ونظام، فقد صور لنا صاحب مسرحيتنا جانبا من هذا الصنف.
رابعا: الجمارك: الهدف من هذه الشريحة العمل من أجل ضبط الصادرات والواردات في البلد، وجلب الضرائب وتنفيذ قوانين متعلقة بالرسومات الجمركية، ولكنها تحولت إلى مهنة تكسبية، بدل أن تقوم بجمع الضرائب لخزينة الدولة تعمل لحسابها، وتجمع الأموال لصالحها، كما صور لنا صاحبنا.
خامسا: القضاء، يعتبر القضاء السلطة الثالثة من السلطات الثلاثة، بعد السطلة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ والأعيان، والسلطة التنفيذية التي هي الحكومة، وللسلطة القضائية أهمية بالغة، ودور فعال، وهي المنوطة بها في فصل الخصومات بين الأفراد مع بعضهم بعضا، وبينهم وبين الحكومة، فهي صاحبة الكلمة الفصل، واليد الطولى، والقول الأخير، وعند ما تسيء استخدام سلطتها يقع ما لا يحمد عقباه من الفساد والانحلال الخلقي، إذ هي المراقبة على الجميع، والمؤدبة لكل من يخالق القانون، أو يتعدى الحدود، ويتجاوز الحواجز، وينتهك الحرمات، أو يتقاعس عن مهمته، ويتهاون عن واجبه، ولم يترك صاحبنا هذا الصنف أيضا بل شخص لنا كيف دخل مرض الفساد والارتشاء فيه، وأخرجه من جادة الطريق، وسواء السبيل.
سادسا: السجون، زج الإنسان في السجن يكون لجريمة ارتكبها، أو مخالفة وقع فيها، أو تقصير، أو تفريط، أو تجاوز للحد، وعند ما يدخل الفرد في هذا المكان، يكون لردعه، وزجر أمثاله، والحد من انتشار الجرائم، ولكن عند ما يقع المشرفين على دور السجون في المحاباة أو التكسب، فيحبس الفقير، ويطلق سراح الغني لماله، يشجع ذلك ازدياد الجرائم، وتفشي المخالفات، وقد صوره لنا صاحب مسرحيتنا.
قائمة المصادر والمراجع:
أولا: الكتب العربية:
- شلش، علي، الأدب الإفريقي، عالم المعرفة، مارس1993؛
- القماطي، وآخرون، الأدب والنصوص والبلاغة، مكتب الإعلام والبحوث والنشر، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، دار الكتب الوطنية، بنغازي، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، ديسمبر 1427 من ميلاد الرسول محمد: ؛
- ابن منظور، لسان العرب، طبعة جديدة اعنتى بتصحيحها عبد الوهاب أمين محمد، والعبيدي، محمد الصادق، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1419هـ1999؛
- العبد، عبد الحكيم، ثالوث القيمة في المسرح والفنون، بدون؛
- أحمد، حامد حسين، وآخرون، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 1425ه2004 ؛
- تشيخوف، أنطور، الأعمال المختارة، المسرح، دار الشروق، مدينة نصر، القاهرة، مصر، ط1، 2009؛
- د. سراج الدين، محمد، فن المسرحية سعته في الأدب العربي، دراسات الجامعة الإسلامية بشيتاغونغو، المجلد الثالث، ديسمبر 2006؛
- ياكبسكون، رومان، قضايا الشعرية، ترجمة الوالي، محمد وحنوز، مبارك، دار ثوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1 ،1988؛
ثانيا: الكتب الأجنبية:
- OCDE (organisation de coopération et de développement économique), CORRUPTION, glossaire de normes pénales internationales, 2008
ثالثا: المواقع الإلكترونية:
http://www.khayma.com/medhatfoda/m3th/adb%203th/3THA10.HTM
[1]– شلش، علي، الأدب الإفريقي، عالم المعرفة، مارس1993: 75؛
[2]– القماطي، وآخرون، ديسمبر 1427 من ميلاد الرسول محمد: 240؛
[3]– ابن منظور، لسان العرب، طبعة جديدة اعنتى بتصحيحها عبد الوهاب أمين محمد، والعبيدي، محمد الصادق، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1419هـ1999:ج6، 229-230
[4]– العبد، عبد الحكيم، ثالوث القيمة في المسرح والفنون، بدون:30
[5]– أحمد، وآخرون، المعجم الوسيط، ط4، 1415هـ2004: 426؛
[6]– المصدر السابق: 853؛
[7]– المصدر السابق:240؛
[8]– مطرود، قاسم، الأيدي الملطخة، بدون:1
[9]– تشيخوف، أنطور، الأعمال المختارة، المسرح، دار الشروق، مدينة نصر، القاهرة، مصر، ط1، 2009 :مجلد4، 8 وما بعدها؛
[10] د. سراج الدين، محمد، فن المسرحية سعته في الأدب العربي، دراسات الجامعة الإسلامية بشيتاغونغو، المجلد الثالث، ديسمبر 2006 :1
[11]–http://www.khayma.com/medhatfoda/m3th/adb%203th/3THA10.HTM
[12]– القماطي وآخرون، مصدر سابق:238-240
[13]– المصدر السابق:239
[14]– هو بوكار، طالب في قسم التاريخ بجامعة انغاونديري، مرحلة الماستر.
[15]– بيريسكا: هي تمثل ابنة الفكاهي تشوبْ-تشوبْ:.
[16]– إحدى القرى في إقليم الوسط، تبعد عن العاصمة السياسية ياوندي بحوالي.
[17]– إحدى المستشفيات الراقية في العاصمة الاقتصادية بالكاميرون.
[18]– إحدى الأحياء الراقية في مدينة دوالا.
[19]– نوع من النبات، يتكاثف ويكون القبعة
[20]– ياكبسكون، رومان، قضايا الشعرية، ترجمة الوالي، محمد وحنوز، مبارك، دار ثوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1 ،1988: 29
[21]– rapport sur l’état de la lutte contre la corruption au Cameroun en 2013, http://www.Conac.cm
[22]– فرنسا 24، 31/10/2007، http://www.Conac.cm
[23]-IBID
[24]-IBID
[25] -OCDE (organisation de coopération et de développement économique), CORRUPTION, glossaire de normes pénales internationales, 2008 :24
[26] -IBID : 2008 :25
[27] -IBID : 2008 :25