حقوق المرأة المالية
البروفيسور كروش نعيمة (كلية الحقوق – جامعة الجزائر1)
محاضرة ألقيت خلال الدورة التكوينية حول حقوق المرأة المنعقدة في 10 و11 مارس 2023 .
الملخص :
للمرأة حقوقا مالية تتعدد مصادر اكتسابها لها منها : العمل ، الميراث ، النفقة وغيرها وهي حقوق تكرسها و تقرها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية وأحكام الشريعة الإسلامية وفقا لأنظمة قانونية تختلف في محتواها من حيث إقرار نظام استقلالية الذمة المالية للمرأة، والنظام المالي للزوجين فضلا عن أحكام ميراث المرأة .
الكلمات المفتاحية :حقوق مالية ، ذمة مالية، نظام مالي، ميراث .
Summary:
Women have financial rights from multiple sources of acquisition, including: work, inheritance, alimony, and others. These rights are enshrined and approved by international human rights instruments, national legislation, and the provisions of Islamic Sharia in accordance with legal systems that differ in their content in terms of approving the system of financial independence for women, and the financial system for the spouses, as well as the provisions of women’s inheritance.
key words : Financial rights, financial disclosure, financial system, inheritance
مقدمة :
حقوق المرأة المالية فئة مهمة من الحقوق ، والتي أصبحت تحتل حيزا هاما من النقاش على مستويات مختلفة دولية ووطنية ، اجتماعية واقتصادية وذلك بفضل تفعيل الدور الاقتصادي للمرأة ، ومساهمتها في مختلف الأنشطة الاقتصادية تجسيدا لحقها في العمل وما يترتب عليه من أجر وحوافز مالية ، إذ أصبح العمل مصدرا مهما لمالها ، ولو أنه لا يعد المصدر الوحيد لذلك ،حيث تتمتع المرأة بحقوق مالية أخرى تنتج عن حقها في الميراث والصداق والنفقة .لا تشير الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بشكل مباشر لحقوق المرأة المالية رغم تأكيد الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على حق المرأة في التمتع والتصرف و إدارة حقوقها المالية ، وهذا على خلاف بعض الأنظمة القانونية والتشريعات الوطنية التي أقرت أنظمة خاصة لأموال المرأة وفقا لمفاهيم متباينة بين تكريس نظام استقلالية الذمة المالية للمرأة’ والأموال المشتركة للزوجين . كما تضمنت الشريعة الإسلامية أحكاما خاصة بميراث المرأة الذي يدور بشأنه جدل خاص بين رفض بعض الأعراف في بعض الدول لتوريث المرأة و اشتراط اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث .
وعليه نطرح الإشكالية التالية : ما لمقصود بحقوق المرأة المالية ؟ ومدى تكريس الصكوك الدولية لحقوق الإنسان لهذه الحقوق؟ وهل للمرأة حرية في التصرف في أموالها ؟
وهو ما يجعلنا نتناول حقوق المرأة المالية من خلال :
المبحث الأول : تصنيف حقوق المرأة المالية وفقا لمصادرها وأنواعها
المبحث الثاني : حق المرأة في التصرف في أموالها
المبحث الأول : تصنيف حقوق المرأة المالية وفقا لمصادرها وأنواعها
تتنوع مصادر حصول المرأة على الأموال منها ما تنتج عن استحقاقات مالية تتلقاها نظير ما تقدمه من عمل ، ومنها حقوقا مالية تمنح لها بحكم رابطة الزوجية أو القرابة .
المطلب الأول: حقوق المرأة المالية الناشئة عن علاقة العمل
تعزز المركز المالي للمرأة بفضل اهتمام منظمة الأمم المتحدة بعمل المرأة ودورها الاقتصادي ، إذ أكدت على الدول الأعضاء ضرورة تجسيد المساواة في العمل بين الرجل والمرأة ، وبفعل عمل منظمة العمل الدولية على توفير الظروف الملائمة والمناسبة لعمل المرأة من خلال مجمل الاتفاقيات الدولية الخاصة بشروط عملها من عطل وأجر وحوافز ([1])، وكذلك بفضل تجسيد مختلف الدول للحقوق الاقتصادية للمرأة وفقا لما كرسته الصكوك الدولية لحقوق الإنسان لحق المرأة في العمل ، وفي حقها في تولي الوظائف دون أي تمييز بين الرجل والمرأة ، و حقها في الأجر أو الراتب نظير العمل المنجز ، إذ أكدت المادة الثالثة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على : ” لجميع الأفراد دون أي تمييز الحق في أجر متساو” ، وأكدت بدورها المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على : “ضمان للمرأة أجرا يساوي أجر الرجل “
المطلب الثاني : حقوق المرأة المالية الناشئة عن علاقة القرابة
تنقسم حقوق المرأة المالية الناشئة عن علاقة القرابة إلى حقوق مالية للزوجة ، وحقوق ترتبط بميراث المرأة .
الفرع الأول : الحقوق المالية للزوجة
تعد الحقوق المالية للزوجة من الحقوق الأكثر نقاشا نظرا للنزاعات التي تثور بشأنها بين الزوج وزوجته ، ومن الحقوق الأكثر نقاشا على مستويات متعددة قانونية وشرعية. تنقسم الحقوق المالية للزوجة ثلاثة أنواع من الحقوق وهي : الحق في الصداق الحق في النفقة والحق في الميراث .
أولا ) حق الزوجة في الصداق : الصداق حق مالي خالص للمرأة ([2] )أقرته الشريعة الإسلامية دونا عن القوانين والنظم الوضعية بأن يدفع الرجل للمرأة أو من يقترن بها مهرا يعرف بالصداق وفقا لقوله تعالى في الآية الكريمة الله تبارك وتعــــالى : ﴿ وَآتُــــوا النِّسَـاءَ دُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾([3])، عرفه المشرع الجزائري من خلال نص المادة 14 من قانون الأسرة على أنه:” صداق هو ما يدفع نحلة للزوجة من نقود أو غيرها من كل ما هو مباح شرعا وهو ملك لها تتصرف فيه كما تشاء “([4])
ثانيا) حق الزوجة في النفقة : تعتبر النفقة مصدر من مصادر أموال الزوجة ، و هي مال مفروض من الزوج على زوجته و يشمل : الطعام، الكسوة والمسكن .
ثالثا ) حق المرآة في الميراث : الإرث حق مالي فرضته الشريعة الإسلامية وهو انتقال المال الذي يتركه المتوفي لذوي الأصول والفروع وفقا لفروض محددة للمرأة ضمن هذه الفروض نصيب من الميراث تبعا لمركزها من العلاقة فترث كجدة ، كأم ، كأخت و كبنت . ومن الحالات التي يثور بشأنها جدل كبير اليوم الحالة التي ترث المرأة فيها عند اجتماعها مع الأخ الشقيق ، أين يكون لهذا الأخير ضعف حصتها وفقا لقوله تعالى ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾([5] ) ، وهو ما اعتبرته اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ” سيداو ” من خلال التوصية رقم 21 -13 لسنة 1992 تمييز ا في توزيع الميراث بالنص في المادة الخامسة والخمسين منها على أن : ” بخصوص موضوع الإرث حصول المرأة على نصيب قليل بكثير من ذلك الذي يتلقاه الرجل ” ، وفي هذا السياق أكدت المادة السادسة عشر من نفس الاتفاقية على : ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية والتماثل في الحقوق والمسؤوليات بين الرجل والمرأة سيما تلك الخاصة بالأمور المالية “، وفي هذا إشارة صريحة إلى إلغاء أحكام الشريعة الإسلامية العادلة ، مع العلم أن النسبة للحالات التي تأخذ فيها ا لمرأة نصيب أقل من الرجل تعادل 13,33% فقط وأن الباقي 86,58% ،٪ إما أن ترث مثلما يرث الذكر أو أكثر، فضلًا وفي أغلب أحوالها 90٪ تأخذ نصيبها فرضًا( [6]) ، وما يشهده الواقع الخاص في بعض الدول من رفض لتوريث المرأة أو رفض منحها حقها الشرعي لا ينسب إلى الشريعة السمحاء إنما يرد إلى خروج بعض الأعراف عن الأحكام الشرعية و هو ما يجب رفضه والتصدي له لأن فيه خرق لأحكام الشريعة الإسلامية أولا ، وعن التشريع الذي يعتبرها مصدرا احتياطيا من مصادر القانون كما هو الشأن للعديد من الدول العربية والجزائر وفقا لنص المادة الأولى من القانون المدني الجزائري .
المبحث الثاني : حق المرأة في التصرف في أموالها
تتمتع المرأة بحق التصرف في أموالها وإدارتها في كل الأحوال سواء قبل أو بعد زواجها كأصل عام قيدت بشأنه بعض التشريعات الوطنية حالة المرأة المتزوجة ، وذلك بسبب الإشكالات المطروحة عمليا و المعروضة بكثرة على القضاء تخص النظام المالي للمرأة المتزوجة .
المطلب الأول :حق المرأة في التصرف في أموالها
تجمع النصوص القانونية من صكوك دولية وتشريعات وطنية ، بل وحتى المواقف الفقهية على حق المرأة في التصرف في أموالها وإدارتها ، إذ تتمتع بذمة مالية ([7]) )مستقلة تماما عن أموال زوجها ومنه لها حرية التعامل والتصرف الكامل بأموالها دون اعتراض زوجا ([8])، وفي هذا الصدد أكد بروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في نص المادة السادسة منه على أن : ” يكون للمرأة أثناء زواجها الحق في اكتساب ممتلكاتها الخاصة بها وإدارتها بكل حرية “([9])). و أصدر بخصوص هذا الحق مجمع الفقه الإسلامي الدولي([10] ) قرارا حول اختلافات الزوج والزوجة الموظفة وانفصال الذمة المالية بين الزوجين حيث أكد :” للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة ولها ثروتها الخاصة ، ولها حق التملك والتصرف بممتلكاتها ، ولا سلطان للزوج على مالها ، ولا تحتاج لإذن من الزوج في التصرف في مالها ” ونص المشرع الجزائري في هذا الصدد في نص المادة السابعة والثلاثين من الأمر رقم 205 المؤرخ 7 فبراير 2005 على : “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر “
المطلب الثاني : النظام المالي للزوجين
بالنطر إلى كثرة النزاعات بخصوص أموال المرأة المتزوجة أقرت بعض التشريعات الوطنية حلولا قانونية تنظم الأموال المكتسبة بعد الزواج تعرف بالنظام المالي للزوجين ، والذي يحدد القواعد التى تنظم المصالح المالية بين الزوجين، والشروط التى تكفل لهما الحفاظ على الأموال المكتسبة قبل الزواج، والأموال المكتسبة بعد الزواج، وطريقة التصفية والقسمة بينهما على التساوي للمحافظة على الحقوق المالية للطرفين خلال فترة الزوجية أو بعد انحلالها . أقرت بعض التشريعات الوطنية حلولا متنوعة لتنظيم أموال الزوجين والتي يمكن تفسير ها بمحاولة إرضاء مقترحات متعددة سواء من جانب النساء أو الرجال ، من بين ذلك التشريع الفرنسي الذي اعتمد نظام الأموال المشتركة والذي تصبح بموجبه كل الأموال المكتسبة من تاريخ الزواج مشتركة بين الزوجين وتشكل كتلة واحدة تقسم عند انحلال الزواج، وكذلك نظام المساهمة فى المكتسبات الذي يحتفظ بموجبه كل من الزوجين بحرية التصرف والانتفاع بالأموال دون التمييز بين ما هو مملوك قبل الزواج أو يملكه بعد ذلك مهما كان مصدر الممتلكات([11]) ، وترك المشرع الجزائري الخيار للأزواج في تحديد النظام المالي وذلك بموجب المادة السابعة والثلاثين من قانون الأسرة و المذكورة أنفا إذ نصت على :” غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا فى عقد الزواج أو فى عقد رسمى لاحق حول الأمور المشتركة بينها التى يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التى تؤول إلى كل واحد منهما” .
الخاتمة :
نخلص من خلال هذه المحاضرة إلى أن موضوع حقوق المرأة المالية أصبح من الحقوق المهمة والذي على الرغم من تكريس الصكوك الدولية لحقوق الإنسان حق المرأة في التصرف وإدارة أموالها ، واستقرار المواقف القانونية الوطنية بخصوص الذمة المالية المستقلة للمرأة إجمالا وذلك وفقا لما أقرته الشريعة الإسلامية ، إلا أن النظام المالي للزوجين أو بالأحرى مال المرأة المتزوجة لا يزال يطرح إشكالات مهمة وهو ما أدى بالعديد من الدول إلى اعتماد أنظمة متعددة بخصوصه وهو ما يؤدي بنا إلى القول أن موضوع استقلالية الذمة المالية لم يعد يشهد تطبيقا مطلقا .
الهوامش:
[1] ) عائشة دويدي :” حقوق المرأة بين الصكوك الدولية والتشريعات الجزائرية ( دراسة مقارنة )، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية ، مارس 2017 ، المجلد الأول ، العدد الأول ، ص 201.
[2] ) سمير محمد العواودة : ” الحقوق المالية للزوجة – دراسة فقهية قانونية مقاصدية ” ، Journal of Islamic Studies Volume 17 Issue 4 p8
[3] ) سورة النحل الآية 4
[4] ) الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 18 محرم عام 1426 الموافق 27 فبراير سنة 2005 الجريدة الرسمية رقم 15 المؤرخة في 27 فبراير 2005
[6] ) د. عبد العظيم أبو زيد : “ حقوق المرأة المالية في الإسلام ” الأحكام والقضايا الفقهية الدراسات الإسلامية الفكر الإسلامي والاجتماع ، أنظر الموقع
[7] ) الذمة المالية هي مجموعة من الحقوق والالتزامات ذات قيمة مالية يتمتع بها الفرد ، أنظر في ذلك مصطفى محمد أمين و نوري عبد الرحمن إبراهيم : ” الذمة المالية للزوجين بين الشريعة والقانون العراقي” 0)-2-9036-9922-ILIC2019 ISBN (978-International Legal Issues Conferenceth 4
وكذلك جوادي شمس الدين : ” استقلالية الذمة المالية للزوجة في التشريع الجزائري بين تكريس قانون الأسرة وغاية قانون العقوبات ” مجلة أثار علمية ،2021، المجلد 13،العدد 2 ، ص 528.
[8] ) عز الدين كيحل : ” التصرفات المالية للزوجة ومدى تأثيرها على الحياة الزوجية ، دراسة فقهية مقارنة ” مجلة العلوم الإنسانية ، جامعة محمد خيضر بسكرة ، سبتمبر 2005، العدد الثامن ، ص 150 .
[9] ) اعتمدته الجمعية العامة لرؤساء دول وحكومات الإتحاد الإفريقي وذلك أثناء انعقاد قمتها العادية الثانية في العاصمة الموزنبيقية / 11 يونيو 2003
[10] ) المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشر بدبي في دورته المنعقدة بين 9- 10أفريل 2005 .
[11] ) علاء رضوان”الكد والسعاية” فى التشريعات العربية.. “أنظر الموقع https://www.parlmany.com/News/2/474680