التطابق العطفي في الرتبتين العربيتين فعل-فاعل وفاعل-فعل: تحليل أدنوي في ضوء طابِق ثنائية الاتجاه
Conjunct Agreement in Standard Arabic VS/SV Word Orders: A Bidirectional Agree-based Analysis
د.ابراهيم لحمامي (جامعة محمد الخامس بالرباط، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط-المغرب)
Dr. Brahim LAHMAMI, Mohammed V University Rabat-Morocco.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 80 الصفحة 29.
ملخص
ندرس، في هذه الورقة، ظاهرة التطابق العطفي (conjunct agreement) في التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف (VS/SV) في اللغة العربية وفق منظور أدنوي (minimalist perspective) في ضوء فرضية طابِق ثنائية الاتجاه (bidirectional agree) المدافع عنها في بيكر (2008) Baker. ولتحقيق هذا المسعى، سنقتصر في مناقشتنا لهذا الموضوع على تحليلين مركزيين بالنسبة لظاهرة التطابق العطفي الرتبي في اللغة العربية هما عون وآخرون (1994) Aoun et al. وسلطان (2007أ،ب) Soltan. وأثناء انتهائنا من عرض التصورين المؤسسين لهذين الاقتراحين، سنبين أهم المشاكل والتحديات النظرية والتجريبية التي تواجه هذين التحليلين. في المقابل، سندافع عن تحليل أدنوي يستثمر افتراض طابِق ثنائية الاتجاه المقترح في بيكر (2008) من جهة، وفرضية المركبات المسابير (probing phrases) المقدمة في هينات (2008) Heinat من جهة أخرى لنتمكن من اشتقاق التطابق العطفي في التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف في العربية، ومن تجاوز إشكال إعراب الرفع (nominative case) في المعطوف الذي أغفلته جل التحاليل التي بحثت قضية تطابق العطف الأول.
الكلمات المفاتيح — التطابق العطفي، التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف، اللغة العربية، الأدنوية، طابِق ثنائية الاتجاه، إعراب الرفع في المعطوف.
Abstract
In this paper, we examine First Conjunct Agreement in Standard Arabic VS/SV Word Orders from a minimalist perspective as outlined in Baker’s (2008) Bidirectional Agree. To this end, we focus our discussion on two central analyzes, namely: Spec-Head configuration and Coordination Reduction (Aoun et al. (1994)), and Agree theory and Postcyclic Merge (Soltan (2007a,b)). As we will finish presenting the two founding visions for these proposals, we will point out the theoretical and empirical problems that they encounter. By contrast, we will assume, according to baker (2008) and Heinat (2008), that Agree operation operates bidirectionally, and that not only heads, but also phrases act as probes, in order to derive conjunct agreement in VSO/SVO Word Orders in Standard Arabic, and to solve the problem of Case in last conjunct agreement.
Keyword: Conjunct Agreement, VSO/SVO Word Orders, Minimalism, Bidirectional Agree, Nominative Case.
تمهيد
تختلف اللغات بخصوص تطابق العطف، فبعض اللغات تبرز تطابقا مع المعطوف عليه/أو المعطوف الأول[1] (first conjunct agreement)، محققة التطابق الجزئي (partial agreement) (العربية مثلا)، وبعضها يظهر تطابقا مع المعطوف/أو المعطوف الأخير (last conjunct agreement) (اللغات الجرمانية: الألمانية (Dutch) فان كوبن (2007) Van Koppen، والبافارية (Bavarian) فوب (2014) Fub) ، بينما تبين أخرى تطابقا مع المركب العطفي بأتمه resolved agreement)) (العربية، الإنجليزية مثلا)، مشتقة التطابق التام (full agreement). وللعربية والإنجليزية أيضا، الإمكانية في تحقيق التطابق مع المعطوف عليه كما في (1) و(2)، كما لهما الإمكانية في تسويغ التطابق مع المركب العطفي بأتمه كما في (3) و(4).
(1) نجح الطالبُ والطالبةُ
(2) There is/*are a man and a woman in the house
البيت في امرأة حد تنكير ورجل حد تنكير رابطة حاضر+مفرد/حاضر+جمع هناك
’هناك رجل وامرأة في البيت‘
(3) الطالبُ والطالبةُ نجحا في الامتحان
(4) Mary and David are/*is in the garden
الحديقة في رابطة حاضر+مفرد/حاضر+جمع ديفد عطف ميري
’ميري وديفد في الحديقة‘
وقد اختلفت التحاليل التوليدية، إزاء هذه الظاهرة اللغوية، في الكيفية التي يتم وفقها رصد اشتقاق تطابق العطف؛ فمن هذه الأعمال من حلل هذه القضية باعتبارها بنية مكونة من جملتين حذفت إحداهما عن طريق العملية “اختزال العطف” (coordination reduction) (عون وآخرون (1994) ABS)، ومنها من فسرها من خلال العملية طابِق (Agree) (سعيد (2015) Saeed)، ومنها من حددها في طابِق والضم المتأخر (agree and late merge) (سلطان (2007أ،ب) Soltan.
نتناول، في هذه الورقة، ظاهرة التطابق العطفي في التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف في اللغة العربية وفق منظور أدنوي، يستثمر فرضية طابِق ثنائية الاتجاه المقدمة في بيكر (2008) Baker. ولتحقيق هذا الهدف، سنقتصر في منقاشتنا على تحليلين بالنسبة لظاهرة تطابق العطف الرتبي في اللغة العربية هما عون وآخرون (1994) وسلطان (2007أ،ب). وعندما سننتهي من عرض التصورين المؤسسين لهذين الاقتراحين، سنقف عند المشاكل النظرية والتجريبية التي تواجه هذين التحليلين. في المقابل، سندافع عن تحليل أدنوي يستثمر افتراض طابِق ثنائية الاتجاه من أجل اشتقاق تطابق العطف في التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف في العربية، ولتجاوز إشكال إعراب الرفع في المعطوف الذي أغفلته جل التحاليل التي بحثت قضية التطابق العطفي في العربية.
1. تحاليل سابقة لتطابق العطف في الرتبتين ف-فا وفا-ف
1.1. عون وآخرون (1994)
افترض عون وآخرون (1994) Aoun et al. أن التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف في العربية يمكن اشتقاقه من خلال الترابط التركيبي مخصص-رأس (spec-head configuration) بين الفاعل في مخصص الصُّرفة والرأس الصُّرفي (inflectional head). ففي الرتبة ف-فا ينتقل الفعل فوق الفاعل إلى الرأس “أ” (F) حيث يفقد تطابق العدد. أما بالنسبة لتطابق المعطوف عليه في الرتبة ف-فا، فإن تحليل عون وآخرون يرى أن وجود هذا النمط من التطابق ليس حقيقيا، مفترضا أن ثمة عملية تعرف بـِ”اختزال العطف” تُطبق على بنية عطفية جملية أساس على النحو الموجود في (5ب).
(5) أ) جاء [ زيد و عمرو]
ب) [جاء زيد] و [جاء عمرو]
وبما أن التنوعات اللغوية للعربية (اللبنانية والمغربية مثلا) تظهر في الرتبة ف-فا تطابقا مع المعطوف الأول أو مع المركب العطفي بأتمه، فإن تحليل عون وآخرون يصنف النوع الأول في خانة التطابق الجملي (clausal coordination) كما في (6أ،ب)، ويدخل النوع الثاني في خانة التطابق المركبي (phrasal coordination) كما في (7)، في حين يعتبر المركب العطفي في الرتبة فا-ف مكونا مركبيا مخصصا بالتطابق التام كما في (8).
(6) أ. [مشى عمر] و [مشى علي] (العربية المغربية)
ب. [راح كريم] و [راح مروان] (العربية اللبنانية)
(7) راحو [عمر وعلي] (العربية اللبنانية)
(8) [عمر وعلي ] مشاو (العربية المغربية)
عون وآخرون (207-208: 1994).
ولتقرير افتراض اختزال العطف، استند عون وآخرون إلى روائز الجمع الدلالي (semantic plurality) في العربية اللبنانية مثل (سوا (sawa)، تنينيتن (tnyneetun)، حالن (haalun)، بعضن (baʕḍon)، لتقو (Ltaɂo))، معتبرا أن تطابق العطف الأول (التطابق الجملي) لا يتماشى وورود عنصر الجمع الدلالي مثل (سوا) كما في (9)، بينما يتوافق مع التطابق التام سواء في الرتبة ف-فا أو فا-ف كما يتضح من (10أ،ب).
(9) * راح كريم ومروان سوا
(10) أ. راحو كريم ومروان سوا
ب. كريم ومروان راحو سوا
عون وآخرون (211:1994-214) (العربية اللبنانية).
ليستنتج تحليل عون وآخرون أن لحن التراكيب التي يتوارد فيها تطابق العطف الأول مع عناصر الجمع الدلالي دليل صالح لافتراض تطابق جملي متحقق في كل مرحلة من مراحل الاشتقاق، بحيث يضطلع كل فاعل داخل المركب العطفي باشتقاق جملته الخاصة به، وأن سلامة البنيات التي تظهر عناصر الجمع عبارة عن عطف مركبي.
إذا كانت روائز الجمع الدلالي المقترحة من قبل عون وآخرون تقدم نتائج إيجابية بالنسبة للبنانية والمغربية، فإنها، وفقا لسلطان (2007)، تتنبأ خطأ في سياق تطابق المعطوف الأول في العربية المعيار بتوارد عبارات مثل “معا” كما في (11أ) أو العائد التشاركي “بعضهم البعض” كما في (11ب) أو الفعل اللازم “التقى” كما في (11ج).
(11) أ. جاءت هند وزيد معا
ب. تحب هند وأخواها بعضَهم البعض
ج. التقت هند وأخواها في الحفلة
(سلطان (2007أ:202))
وتنطبق الملاحظة نفسها على معطيات من اللغة الولزية، فقد بين هاربرت وبهلول (60:2002) Harbert & Bahloul أن تطابق المعطوف عليه يمكن أن يتوارد مع عناصر الجمع مثل “ein gilydd” (بعضهم بعضا) في (12أ)، ومع فاعل الفعل “cwrdd” (التقى) كما في (12ب)، ومع الحرف “rhwng” (بين) الذي يظهر تطابقا مع المعطوف الأول رغم تطلبه مفعولا جمعا كما في (13أ،ب).
(12) أ. Es i a’m brawd gyda ein gilydd
عائد تشاركي مع أخي و أنا ذهب
’أنا وأخي ذهبنا مع بعضنا البعض‘
ب. Cwrddais i a’m brawd ym Mharis
باريس في أخي و أنا التقى
’أنا وأخي التقينا في باريس‘
(13) أ. Cynnen rhyngof fi a thi
أنت و أنا بين1+مفرد الصراع
’الصراع بيني وبينك‘
ب. cwlwm o gariad sydd rhyngoch chwi a hi هـــــا و أنتم بين2+جمع موصول حب إضافة عهد
’عهد الحب الذي بينكم وبينها‘
ومن الأدلة أيضا على ضعف تحليل عون وآخرون (1994)، عدم إقراره في البنية (14) بتطابق المعطوف الأول مفترضا أن هناك حذفا للفعل وإصعادا لعجرة المركب الحرفي (right node rising) إلى يمين البنية.
(14) لعبت مريم وزيد في الحديقة
وبما أن هذا التحليل يتنبأ بأن تكون عجرة المركب الحرفي مفردة كما في (14) لوجودها ضمن مجالين جمليين مفردين، فإننا نتفق مع دورون (2005) Doron في أن روز التطابق في المجالين غير ممكن في سياق عدم إبراز عجرة المركب الحرفي أي تطابق ضمن هذين المجالين. وعليه، فإن هذا التحليل ليست له القدرة على رصد التطابق ضمن عملية إصعاد العجرة “يتجولان في الغابة” إلى اليمين كما يتبين من المعطى الوارد في (15).
(15) كانت هند وزيد يتجولان في الغابة
ففي (15) توسم العجرة الصاعدة “يتجولان في الغابة” بالمثنى، ما يجعل تحليل عون وآخرون يتنبأ خطأ بصعودها من مجالين جمليين موسومين بالمثنى، وهو ما يخالف الوسم التطابقي (المفرد) الذي يظهر على المعطوفين في البنية (15).
2.1.سلطان (2007أ،ب)
1.2.1. العملية طابِق
حذف تشومسكي، في إطار التطورات التي عرفها المشروع التوليدي بخصوص التحليل السماتي، العلاقة التركيبية مخصص-رأس من تصميم النحو لتحل محلها العملية طابِق على مسافة بعيدة (agree) (تشومسكي (2000، 2001) وأعمال لاحقة). إذا كانت السمات الصرف-تركيبية تتحقق في النسخة الأولى من خلال عملية الفحص (checking)، فإنها تشتق في النسخة الثانية عن طريق التقييم (valuation) المتبادل بين مسبار يتحكم مكونيا في هدف موجود ضمن مجاله المحلي، ما يجعل كل السمات التي يمكن حذفها (deleting) من خلال عملية النقل متاحة للتقييم على مسافة بعيدة انسجاما مع مبدأ الاقتصاد الذي قدمه تشومسكي سنة (1995).
وتشترط العملية طابِق توافقا (matching) بين المسبار والهدف في السمات المراد تقييمها. كما تشترط أن يتوفر المسبار والهدف، على الأقل، على سمتين غير مقيَّمتين تجعلهما عنصرين نشيطين. في (16) نقدم الصياغة العامة للعملية طابِق كما في تشومسكي (2001).
(16) يتطابق المسبار “أ” مع الهدف “ب” بحيث:
أ. “أ” يتوفر على سمات غير مؤولة
ب. “ب” يتوفر على سمات مؤولة موافقة لِـ”أ”
ج. “ب” نشيط لتوفره على إعراب غير مقيم
د. “أ” يتحكم مكونيا في “ب”
ر. ليس هناك هدف متدخل بين “أ” و”ب”.
2.2.1. اشتقاق التطابق العطفي في الرتبتين ف-فا وفا-ف
اقترح سلطان (2007أ،ب)، خلافا للتحليل الذي يدافع عن العلاقة مخصص-رأس بالنسبة لتطابق العطف الرتبي، مقاربة مؤسسة على العملية طابِق، مفترضا أن للرتبتين ف-فا وفا-ف في العربية بنيتين شجريتين مختلفتين غير مشتقة إحداهما من الأخرى. تتضمن بنية الرتبة فا-ف “ضم صغير” (pro) يتم ضمه خارجيا في مخصص المركب الفعلي الخفيف، بحيث يتطلب تعيينا (identification) ينتج عنه تطابق تام في وجيهة الصورة الصوتية (phonetic form) ليتقاطع الاشتقاق. وضمن الرتبة نفسها (فا-ف)، يعد المركب الحدي الذي يتصدر الرتبة فا-ف موضعا (topic) مولدا في موقع غير محوري (A-bar position) هو مخصص المركب الزمني.
ويفترض سلطان، لتقييم السمات الصورية في المسار الاشتقاقي للرتبة فا-ف، أن التطابق التام مع المركب العطفي بأتمه يشتق عن طريق دخول المسبار (probe) الزمن في طابِق مع الهدف (goal) “ضم صغير” المضموم في مخصص المركب الفعلي الخفيف استجابة لدواعي تعيين “ضم صغير” في الصورة الصوتية، بينما يشتق التطابق الجزئي مع المعطوف عليه في الرتبة ف-فا من خلال الخطوتين الآتيتين:
1. طابِق الزمن مع المعطوف عليه.
2. ضُمَّ المعطوف ملحقا (adjunct) للمعطوف عليه ضما بعد-سلكيا (postcyclic merge) في الصورة الصوتية.
لقد افترض سلطان (2007أ،ب) بنية لاتناظرية (asymmetric) للعطف مبنية على عملية الإلحاق كما في (مون (1993، 1999) Munn)، بحيث يشكل الرأس العطفي (head conj) وفضلته (DP2 complement) (م.حد2) ملحقا للمركب الحدي المعطوف عليه (م.حد1) كما يتضح من (17). كما افترض أن سمات المركب الحدي بأتمه (#م.حد#) تتحدد عن طريق حوسبتها من خلال “قواعد التصرف” (features resolution) المقترحة في كوربت (1983، 2000) Corbett؛ كأن تُصرف سمة الشخص الأول إذا تواردت مع سمة الشخص الثاني، ويصرف الجمع إذا توارد المفرد مع المثنى، كما يصرف المذكر إذا توارد مع المؤنث … إلخ.
(17) #م.حد#
م.حد1 م.عطف
عطف م.حد2
وبناء على تحليل سلطان لتطابق العطف في الرتبة فا-ف، تأخذ البنية (18أ) الاشتقاق الوارد في (18ب) (سلطان (2007أ: 207)).
(18) أ. زيد وهند قرآ الكتابَ
ب. [م.مص مص [م.ز #م.حد# موضع ز Φ/صنف/م.إ.م [م.ف* ضم صغير ف* [م.ف …]]]]
طابِق
أما في ما يخص تطابق العطف في الرتبة ف-فا، فإن سلطان يقترح للبنية (19أ) الاشتقاق الوارد في (19ب) (سلطان (2007أ: 208)).
(19) أ. قرأ زيد وهند الكتابَ
ب. [م.مص مص[م.ز ز تجرد/صنف[م.ف*[#م.حد# م.حد1[م.عطف عطف م.حد2]]ف*[م.ف …]]]]
طابِق ضم متأخر
بالرغم من أن اقتراح سلطان تمكن إلى حد ما من رصد اشتقاق تطابق العطف في الرتبتين ف-فا وفا-ف في العربية معتمدا في ذلك على طابِق والضم بعد-السلكي في الصورة الصوتية، فإن تحليله يواجه مشاكل نظرية وتجريبية كما سنبين تباعا.
1. لا يقدم تحليل سلطان تحليلا موحدا (unified) لتطابق العطف في الرتبتين ف-فا وفا-ف؛ ففي الرتبة ف-فا يتطابق المعطوف عليه مع الزمن، ويضم المعطوف ملحقا في الصورة الصوتية، بينما يتطابق المركب العطفي بأتمه في الرتبة فا-ف من خلال طابِق بين الزمن وضم صغير، وضم المركب الحدي العطفي بأتمه خارجيا في التركيب الظاهر (overt syntax). كما لا يقدم أيضا رصدا موحدا للفاعل المحوري في الرتبتين؛ ففي الرتبة فا-ف يتحقق الفاعل ضميرا فارغا (ضم صغير)، في حين يتحقق في الرتبة ف-فا مركبا حديا مملوءا. ولأن التحليل الأدنوي الذي يروم التوحيد بين الظواهر اللغوية يَفضُل غيرَه من التحاليل، فإنه يجب التخلي عن تحليل سلطان لأنه لا يكترث لمبدأ التوحيد
2- في تحليل سلطان تعد سمة الصنف سمة حشوية (redundant feature)، لأنها متضمنة بشكل لازم في سمات التطابق باسم الجنس كما في تشومسكي (2001).
3. لا يتنبأ افتراض الضم المتأخر للمعطوف في الصورة الصوتية بالعلاقة الإحالية بين المفسر وعائده التي تتطلب تحكما مكونيا يشتق في التركيب الظاهر كما يتضح من (20أ،ب) و(21أ،ب)
(20) أ. ماضي الإنسانأ وحاضرهأ يحددان مستقبله
ب. *حاضرهأ وماضي الإنسانأ يحددان مستقبله
(رشاد (2016))
(21) أ. Every man and his dog left
انسحب كلبه و رجل كل
’انسحب كل رجل وكلبه‘
ب. * His dog and every man left
انسحب رجل كل و كلبه
’كلبه وكل رجل انسحبوا‘
(جانك (14:2008) Zhang)
4. لا يبدو أن عملية الضم المتأخر للعناصر التركيبية في الصورة الصوتية تنسجم مع التصميم الأمثل والمحكم (optimal and perfect design) للملكة اللغوية (language faculty). فالضم بعد- السلكي يشبه عملية الملاذ الأخير (last resort) التي لا يؤتى بها إلاّ لإنقاذ الاشتقاق من الفشل. ولذلك، فإن هذا النوع من الضم (الضم المتأخر) يجب تجنبه كما نقل كوتو (2017) Goto عن تشومسكي (2017ب).
2. تحليل جديد لظاهرة التطابق العطفي في الرتبتين فعل-فاعل وفاعل-فعل
1.2. عن بنية العطف الرتبي
استنادا إلى دليل الربط والنقل (Binding & Movement) (مون (1993))، التطريز (Prosody) (روس (1967) Ross)، تطابق المعطوف عليه (جوهنسن (1993، 1998)، مون (1993، 1999)، نفترض، تبعا لمون (1993، 1999)، لارسن (2013) Larson من بين آخرين)، أن بنية المركب العطفي الفاعل بنية لا تناظرية كما يتضح من (22ب)، المقابلة للتشجيرة المسَطَّحة (flat structure) كما في (22أ)، يُضم داخلها المعطوف في التركيب الظاهر (overt syntax)، ملحقا بالمعطوف عليه بحيث يتحكم المعطوف الأول مكونيا في المعطوف الثاني.
(22) أ. م.عطف ب. م.حد
زيد و عمر زيد م.عطف
وعمرو
وفي ما يتعلق بحوسبة سمات التطابق في سياق تطابق المركب الحدي العطفي بأتمه، تعمل قواعد التصرف المقترحة في كوربت (1983، 2000) على تصريف التطابق في المعطوفين، كأن يُصرف الشخص الأول إذا توارد الشخص الأول مع الشخص الثاني، ويصرف الجمع إذا توارد المفرد والجمع، ويصرف المذكر في حال توارد مع المؤنث.
2.2. طابِق ثنائية الاتجاه
حاول بيكر (2008)، بناء على طابِق المقترحة في تشومسكي (2001)، أن يبلور نظرية للتطابق تتسم بالمرونة، مركزا على القيم الوسيطية التي تختص بها لغة دون لغة. فقد نص بيكر على أن اتجاهية التطابق نحو الأسفل المدافع عنها في تشومسكي (2001) ليست خاصية ملازمة لنظرية التطابق، ما دفعه إلى افتراض اتجاهية مرنة تعمل نحو الأسفل كما تعمل نحو الأعلى أيضا. ويرى بيكر (2008) أن طابِق ثنائية الاتجاه يمكن صياغتها على النحو الموجود في (23) الممثل له شجريا في (24).
(23) يتطابق مسبار يتوفر على سمة غير مقيمة (س) في الرأس (د) مع هدف (ي) يتوفر على سمة مقيمة (س) فقط إذا كان (د) يتحكم مكونيا في (ي) أو يتحكم (ي) مكونيا في (د).
(24) م.أ
س: م |
أ …
… م.ب
س: غ.م |
طابِق نحو الأعلى ب …
… م.د
س: م |
د
طابِق نحو الأسفل
3.2. اشتقاق التطابق العطفي في الرتبتين ف-فا وفا-ف
يتأسس اقتراحنا لاشتقاق تطابق العطف الرتبي في العربية على الافتراضات الآتية:
1) طابِق ثنائية الاتجاه (بيكر 2008). 2) المركبات مسابير[2]. 3) السمات الصرف-تركيبية (الإعراب والتطابق تحديدا) تَسبِر في انفصال عن بعضها البعض (بوسكوفيتش (2007) Bosković، يوسري (2011) Ussery من بين آخرين كثر).
وبناء على هذه الافتراضات، نقترح أن اشتقاق تطابق المعطوف عليه في البنية (25) يتم من خلال التشجيرة (26).
(25) جاء زيد وهند
(26) م.ز
ز‘
ج، ش،ع، م.إ.م م.ف*
جاء
م.حد Φ ف*‘
طابِق نحو الأسفل زيد م.عطف
وهند جاء م.ف
جاء
في (26) يُضم الزمن إلى الاشتقاق بتطابق غير تام (-عدد) يضطلع بجعل سمات التطابق في المركب الحدي بأتمه (م.حد) غير نشيطة (inactive)[3] لأنه محل للتطابق التام. ووفقا لطابِق ثنائية الاتجاه، يُقيِّم الزمنُ سمةَ الجنس من المركب الحدي “زيد” محققا التطابق الجزئي. ولأن سمة مبدأ الإسقاط الموسع (م.إ.م) سمة كلية (تشومسكي (2008)، دونر (2019) Doner مثلا) ونشيطة في الرأس الزمني، فإننا نفترض أن تقييمها في الرتبتين ف-فا وفا-ف يتحقق عن طريق عمليتين:
1) في الرتبة ف-فا، ينتقل الفعل سلكيا (cyclically) إلى الرأس الزمني كما في تحليل ألكسيادو وأنكنستبولو (1998) Alexiadou & Anagnostopoulou.
2) في الرتبة فا-ف، ينتقل المركب الحدي الفاعل إلى مخصص الزمن كما في تحليل تشومسكي (1995).
ففي البنية (26) ينتقل الفعل (جاء) من موقع الفعل المعجمي عبر الفعل الخفيف وصولا إلى الرأس الزمن حيث يقيم سمة (م.إ.م).
أما بالنسبة لتطابق المركب الحدي العطفي بأتمه مع الفعل في الرتبة فا-ف كما في البنية (27)، فإن الزمن يدخل بسمات تطابقية تامة (شخص، جنس، عدد) تسوِّغ نشاط سمات التطابق في المركب الحدي العطفي بأتمه لأنه محل للتطابق التام. ولتحقيق التطابق التام بين الفاعل بأتمه والفعل، يدخل الزمن في طابِق مع الهدف (م.حد Φ) ليُقيِّم الأول التطابقَ من الثاني بشكل تام. وبما أن سمة (م.إ.م) نشيطة في الرأس الزمن، فإنها تدفع المركب الحدي بأتمه (م.حد) إلى الانتقال إلى مخصص الزمن قصد تقييم هذه السمة مشتقة الرتبة فا-ف كما يتضح من (28).
(27) زيد وهند جاءا
(28) م.ز
م.حد
زيد وهند ز‘
ج، ش،ع، م.إ.م م.ف*
طابِق نحو الأسفل جاءا
م.حد Φ
زيد م.عطف ف*‘
و هند جاءا م.ف
جاءا
غير أن بقاء سمة الرفع في المعطوف بدون تقييم يطرح مشكلا لتقاطع الاشتقاق، فكل سمة تصل إلى المستويين الوجيهيين بدون تقييم تتسبب في فشل الاشتقاق. وبما أن معظم التحاليل، التي تناولت تطابق العطف الرتبي في العربية، ركزت على الكيفية التي يتم وفقها اشتقاق تطابق العطف سواء كان التطابق تاما أو جزئيا، غير ملتفتة إلى الطريقة التي ترصد تقييم إعراب الرفع في المعطوف، فإن حل هذا المشكل ممكن إذا افترضنا أن سمة الرفع في المعطوف والمعطوف عليه تسبر الزمنَ نحو الأعلى (upward) وفي وقت متزامن (simultaneously) قصد تقييمها منه كما يتضح من (29).
(29)
رفع:م |
ز
ش،ج،ع |
م.ف*
م.حد
طابِق نحو الأعلى وفي وقت متزامن |
زيد م.عطف
و هند
خلاصة
بحثنا في هذا العمل ظاهرة التطابق العطفي في التناوب الرتبي ف-فا وفا-ف في اللغة العربية وفق تصور أدنوي يستند إلى فرضية طابِق ثنائية الاتجاه المقدمة في بيكر (2008)، حيث ركزنا على تحليلين أساسيين هما عون وآخرون (1994) وسلطان (2007أ،ب)، مبينين خصائصهما وجوانب القصور فيهما. وسعيا إلى تجاوز مشاكل هذين التحليلين، دافعنا، تبعا لمجموعة من الأعمال (بوسكوفيش (2007)، بيكر (2008)، هينات (2008) يوسري (2011)، عن تحليل بديل يسمح لسمات التطابق والإعراب بالسبر بشكل منفصل في الاتجاهين الأعلى والأسفل من أجل اشتقاق تطابق العطف الرتبي، ورصد تقييم إعراب الرفع في المعطوفين.
المراجع العربية
لحمامي، ابراهيم. (2021). مبادئ الربط الإحالي في اللغة العربية: الضمير المنعكس نموذجا. بحث لنيل شهادة الدكتوراه في اللسانيات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط-المغرب.
لحمامي، ابراهيم. (2019). أن وعلاقتها بالمراقبة: افتراض النقل أم طابِق ضم الكبير؟. مجلة “اللسانيات العربية”، تصدر عن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية. العدد: التاسع. ص: 132-157.
لحمامي، ابراهيم. (2018). الرابط بين الموضوع والمحمول في تراكيب الإسناد الاسمي والفعلي: نحو تحليل كلي وموحد. مجلة “اللسانيات العربية”، تصدر عن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية. العدد: السادس. ص: 132-157.
رشاد، المصطفى. (2016). البنية التركيبية للعطف في اللغة العربية. الندوة الدولية الثانية التي نظمتها كلية الآداب بالجديدة في موضوع “تخطيط متن اللغة العربية” سنة 2016.
المراجع الأجنبية
Alexiadou, A & Anagnostopoulou, E.: (1998). “Parametrizing Agr: Word order, V-movement and EPP checking” Natural Language and Linguistic Theory 16: 491-539
Aoun, J & Sportiche, D & Benmamoun, E.: (1994). “Agreement, Word Order, and Conjunction in some varieties in Arabic”. Linguistic Inquiry 25(2): 195-220.
Baker, M (2008): “The Syntax of Agreement and Concord” Cambridge Studies in Linguistics.
Bosković, Z.: (2007). ‘On the Locality and Motivation of Move And Agree’. Linguistic Inquiry, Vol. 38, No 4, pp. 589-644. The MIT Press.
Chomsky, N.: )1995(.‘The Minimalist Program’. Current Studies in Linguistics 28. Cambridge, Mass.: MIT Press, 2015.
Chomsky, N.: (2001). ‘Derivation by Phase’. In Ken Hale: a life in language, ed. Michel Kenstowicz, 1-52. Cambredge, Mass.: MIT Press.
Chomsky, N.: (2008). ‘On phase’. In Foundational issues in linguistic theory: essays in honor of Jean-Roger Vergnaud, ed. by Robert Freiden, Carlos P. Otero and Maria Luisa Zubizareta, 133-166. Cambridge, MA: MIT Press.
Corbett, G.: (1983). “Resolutions Rules: Agreement in person, number and gender”. In Order, Concord and Constituency, ed. by Gerald Gazdar and Geoffrey K. Pullum, 175-214. Dordrecht: Foris Publications.
Corbett, G.: (2000). “Number”. Cambridge: Cambridge University Press.
Doron, E.: (2005). “VSO and left-conjunct agreement: Biblical Hebrew vs. Modern Hebrew”. In Universal Grammar in the Reconstruction of Ancient Languages, ed. by Katalin E. Kiss. Mouton de Gruyter Berlin • New York.
Fub, E.: (2014). “Complementizer agreement (in Bavarian): Feature inheritance or feature insertion”. In Günther Grewendor, ed. Bavarian syntax: contributions to the theory of syntax, Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
Goto, N.: (2017). “ELIMINATING THE STRONG/WEAK PARAMETER ON T”. in Proceedings of GLOW in Asia XI, volume 2, edited by Micheal Yoshitaka Erlewine. MIT Working Papers in Linguistics #85. Cambridge, MA: MIT Working Papers in Linguistics.
Harbert, W & Bahloul, M.: (2002). “Postverbal subjects in Arabic and the theory of agreement”. In Themes in Arabic and Hebrew Syntax, ed. by Jamal Ouhalla and Ur Shlonsky, 45-70. Dordrecht: Kluwer Academic Publishers.
Heinat, F.: (2008). ‘Probes, Pronouns and Binding in the Minimalist Program’. VDM. Verlag Dr. Müller.
Johanessen, J, B.: (1993). “Coordination. A Minimalist Approach”. Doctoral Dissertation, University of Oslo.
Johanessen, J, B.: (1996). “Partial agreement and coordination”. Linguistic Inquiry 27 (4): 661-676.
Johanessen, J, B.: (1998). “Coordination”. New York/Oxford: Oxford University Press.
Larson, B.: (2013). “Arabic Conjunct-Sensitive Agreement and Primitive Operation”. Linguistic Inquiry 44(4): 611-631.
Munn, A. : (1993). “Topics in the syntax and semantics of coordinate structure”. Doctoral Dissertation, University of Maryland.
Munn, A. : (1999). “First conjunct agreement: Against a clausal analysis”. Linguistic Inquiry 30(4): 643-668.
Ross, J, R.: (1967). ‘Constraints on variable in syntax’. Doctoral Dissertation, MIT, Cambridge, Mass.
Soltan, U.: (2006). ‘Standard Arabic subject-verb agreement asymmetry revisited in an agree-based minimalist syntax’. In Agreement Systems, ed. by Cedric Boeckx, 239-265. Amsterdam: John Benjamins
Soltan, U. : (2007a). ‘On agree and postcyclic merge in syntactic derivations: first conjunct agreement in Standard Arabic revisited’. In Perspectives on Arabic Linguistics, ed. by Elabbas Benmamoun, 191-216. Amsterdam: John Benjamins.
Soltan, U. : (2007b). ‘On Formal Feature Licensing in Minimalism: Aspects of Standard Arabic Morphosyntax’. Doctoral Dissertation, University of Maryland.
Ussery, C.: (2011). “Variability in Icelandic agreement: An interaction of DP lincensing and multiple agree”. Proceeding of NELS 40, Robert Staubs, et al. University of Massachussetts, Amherst, MA. [Distributed by GLSA].
Van Koppen, M.: (2007). “Agreement with Coordinated Subjects: A Comparative Perspective”. Linguistic Variation Yearbook 7: 121-161.
Zhnag, N. : (2010). “Coordination in Syntax”. Cambridge University Press.
[1] – نوظف العبارات والرموز الآتية للدلالة على: المعطوف عليه= المعطوف الأول. المعطوف= المعطوف الأخير. م.مص= مركب مصدري. مص= مصدري. م.ز= مركب زمني. ز= الرأس الزمن. م.حد= مركب حدي. م.ف= المركب الفعلي المعجمي. ف= الفعل المعجمي. م.ف*= المركب الفعلي الخفيف. ف*= الفعل الخفيف. م=مقيمة. غ م=غير مقيمة.
[2]– انظر هذا الافتراض بتفصيل في هينات (2008) Heinat. وعن استثماره في بعض القضايا الإحالية في اللغة العربية، انظر لحمامي (2018، 2019، 2021).
[3]– قد يكون التوافق/أو عدم التوافق السماتي (matching/mismatch features) بين الرأس الزمن والمركب الحدي بأتمه هو المسؤول عن نشاط أو عدم نشاط سمات التطابق في هذا المركب.