بتاريخ 24 فبراير 2023، أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ندوة علمية افتراضية تحت إشراف رئيسته الأستاذة الدكتورة سرور طالبي، وبإدارة رئيسة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية د.غزلان هاشمي، تكريما لعضو لجنة التحكيم الباحث المغربي الدكتور فيصل أبو الطفيل نظير جهوده المبذولة في المجلة، وقد تمت فيها مناقشة كتابه الموسوم بـ”أبو الطيب المتنبي في انزياحات نحوية وبلاغية”، وذلك بمشاركة أسماء علمية مغربية تتمثل في البروفيسور عبد الرحمن إكيدر، د.رضوان كعية، د.محمد عواج.
افتتحت رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي الجلسة، حيث رحبت بالحضور وعلى رأسهم المحتفى به الدكتور فيصل، وبالسادة الأساتذة المحاضرين وبالحضور من أساتذة وطلبة الماستر والدكتوراه، وقد نوهت بجهود أسرة المجلة وأكدت على أن هذه الندوات تجمع بين الاحتفاء والنقاش المعرفي، ثم أحالت الكلمة إلى مديرة الندوة التي رحبت بدورها بالحضور، وأثنت على جهود الدكتور فيصل وسعيه الحثيث إلى الارتقاء بالمجلة، لتقدم الكلمة بعدها إليه، حيث عرض ملخصا حول محتويات كتابه وأهم الإشكاليات التي ارتكز عليها.
وجه الدكتور فيصل شكره إلى مركز جيل ممثلا في شخص رئيسته الأستاذة سرور ورئيسة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الأستاذة غزلان ، مثمنا جهودهما في إرساء ثقافة الاعتراف ،والاحتفاء بمنجزاتهم المعرفية ،واعتبر المتن الشعري الذي تناوله في هذا الكتاب فريدا من نوعه ،حيث حظي باهتمام كبير من قبل الأدباء والنحويين واللغويين والبلاغيين والنُّقّاد قديما وحديثا، و”اختلفت حوله الشروح والتفسيرات ـ حسب قوله ـ ، ونُعتَ في ظواهره اللغوية بالانزياحات والمُشكلات، واجتُهد في تلقّفه وتلقّيه ما بين التأويلات والضرورات والمسوّغات، وأثار شعره في حياته وبعد مماته خصومات ومساجلات. هو ذا شعر أبي الطيب المتنبي أعظمِ شاعر عرفته العربية، وصاحِبِ أكثر الدواوين الشعرية قراءة وحفظا وشرحا وتأويلا”.
فالكتاب تم تأليفه من أجل إثارة إشكاليات واستنبات مجموعة من المداخلات والمناقشات بالنظر إلى مجالين أساسيين:النحو والبلاغة ،لذلك عرض قول طه حسين الذي تحدث فيه عن الثورة الشعرية التي أحدثها أبو الطيب المتنبي في شعره: “ولكنه تعمد الإغراب، وتعمد أن يثير حاجة النحويين إلى الاستطلاع والبحث، وأن ينبئهم بأنهم إن كانوا ريحاً فقد لاقوا إعصاراً، وأنهم سيجدونه حين يذكرون الغريب، ويخوضون في حل المشكلات النحوية واللغوية”.”
وانطلاقا من هذا القول بين أن المتنبي فتح “بشعره الذي تعمّد أن يضمّنه عددا كثيرا من الظواهر النحوية واللغوية والبلاغية أبوابا من الأسئلة بخصوص الألفة التي تحولت إلى غرابة، وعن النص المتنبي الذي حفّز النحاة والبلاغيين على استكشاف بنيته العميقة، وعلى تذوق مواضع الجمالي في الانزياح باللفظ والمعنى معا مستحدثا أسلوبا جديدا في التعبير والتصوير”.
وانتهى إلى القول:”إن شعر المتنبي يمثل النص الجامع المانع؛ إنه ذلك الجحر الأكبر الذي تنضوي تحته جحور صغرى في القراءة والفهم والتأويل…يفرّ القارئ من مشكلة لغوية ليصادف مشكلة بلاغية. ولكي يضمن تأشيرة العبور في قصائد المتنبي لا بد له من دفع مكوس التأمل وحشد معارفه وخبراته ليكون مِن زمرة مَن “يسهر جراها ويختصم”.”
أحالت رئيسة الجلسة الكلمة إلىد. الرحمان إكيدر من جامعة الحسن الثاني ،الدار البيضاء/المغرب ،والذي قدم مداخلة موسومة بـ” انفتاح الدلالة وتشييد المعنى: قراءة في كتاب “المتنبي في انزياحات نحوية وبلاغية” للدكتور فيصل أبو الطفيل”
حاول فيها الإجابة عن تساؤل مفاده:لماذا اهتم الباحث بدراسة التشبيه في شعر المتنبي من بين كل المباحث البلاغية ؟،حيث تحدث عن محتويات الكتاب ووضح خصوصية التشبيه في نصوصه ،معتبرا أن القراءة المنتجة التي اعتمدها حاولت أن تنبش عميقا في طبقات المعنى داخل هذه التشبيهات التي تضمر جدلية الحضور والغياب.
هذا و برر اختيار هذا المبحث بقوله :”هذا المبحث من أكثر المباحث البلاغية التي اهتم بدراستها البلاغيون في إطار المقاييس التي تحكم على القيمة الفنية للشعر من حيث الجودة والرداءة، دون أن ننسى أن كثيرا من أبيات المتنبي نالت مكانتها من الاستشهاد البلاغي في كتب النقد والبلاغة، حيث تتسم صور أبي الطيب التشبيهية بانفتاح بنيتها على أنماط من القراءات التي تسمح بانفتاح دلالاتها؛ فتشبيهات المتنبي يتحرر فيها الدال من سيطرة المدلول الواحد (المعجمي)، مما يؤهل نصوصه لأن تكون بؤرة لإنتاج دلالات ومعان متجددة”. وقد خلص إلى أن هذه القراءة المنتجة لم تكتف بإيراد أقسامه وبيان أركانه وتقديم آراء النقاد والبلاغيين، وإنما كانت بصمة الباحث فيها حاضرة من خلال المناقشة والتعليق ،بل وارتكزت على التغاير والاختلاف والتأويل المتعدد ،تماشيا مع نصوص المتنبي التي تعد خالدة.
وأما د. رضوان كعية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين مراكش آسفي/ المغرب فقد قدم مداخلة بعنوان”الانزياح الأسلوبي والنحو: قراءة في كتاب (أبو الطيب المتنبي في انزياحات نحوية وبلاغية) للدكتور فيصل أبو الطفيل”
حيث مهد لها بأهمية الانزياح الأسلوبي والنحوي وتباين آراء النقاد والبلاغيين فيه ،وتراوحها بين الرفض والتأييد ، وركز على القصيدة التي يعزي فيها سيف الدولة في وفاة عبده يماك التركي ،مبرزا خصوصية الانزياحات النحوية فيها والتي تجعل البعض من الباحثين يتعصبون ويبتعدون عن الموضوعية متهمين إياه بالضعف والغرابة ،إذ دافع على هذه الخصوصية في شعره ،رادا على منتقديه بحجج عقلية ومنطقية، وفي هذا الصدد يقول د.رضوان:”لقد احتكم عدد كبير من الدارسين للانزياح الأسلوبي إلى نظام اللغة، وهو نظام يحتكم إلى القواعد النمطية التي تنظر إلى النص البليغ نظرتها إلى النص العادي دون تمييز منهجي بين الأداء الحسن والأداء العادي، فلا يهمها في النص سوى مدى احترامه لقواعد النحاة وأقيستهم. ونتيجة لذلك ضاعت الصور الفنية التي يرسمها الأديب من خلال الخرق المتعمد لقواعد اللغة، وضاعت معها الأبعاد الجمالية في النص الأدبي”.
وقد خلص إلى أن الهدف من هذه المداخلة محاولة التركيز على بعض الجوانب الدلالية التي تكشفها انزياحات المتنبي النحوية.
قدم د. محمد عواج أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي / المغرب مداخلة موسومة بـ”الأثر الدلالي للجناس في شعر أبي الطيب المتنبي قراءة في كتاب “أبو الطيب المتنبي في انزياحات نحوية وبلاغية” للدكتور فيصل أبو الطفيل”
بين فيها أهمية شعر المتنبي والسجالات النقدية التي أثيرت حول شعره ،فالكتاب حسب قوله جاء في هذا السياق من أجل مناقشة هذه الآراء النقدية المتعارضة المتعلقة ببعض الاستخدامات النحوية والبلاغية التي وردت في شعره، والتي راوح فيها بين الامتثال للقواعد اللغوية والصور البلاغية وبين مخالفتها والانزياح بها إلى أنساق وأبعاد جديدة،مركزا في ذلك على مبحث الجناس في شعره من منظور الباحث ،الذي لم يكن غرضه تقديم عملية جرد للجناس وإنما الوقوف على قيمته البلاغية وأبعاده الجمالية والدلالية.
فتحت رئيسة الجلسة النقاش أمام الحضور حيث طرحت الناقدة الجزائرية الأستاذة الدكتورة آمنة بلعلى جملة تساؤلات ،في بدايتها أيدت جهود الباحث في سبيل الالتفات إلى تراثنا العربي ،وبينت أنه لفت انتباهها تركيز كل الأساتذة على الجوانب الجزئية ولم يتحدثوا عن الخطاب الشعري، وإنما عن الجمل الشعرية والأبيات ،فكل واحد وقف عند أبيات معينة ،منهم من ركز على الجناس منهم من ركز على التشبيه.. ،وهنا تساءلت:”هل مهمة كانت مرتبطة بتوصيف قراءات هؤلاء النقاد ،خاصة أن القراءات التراثية كانت لاتتجاوز الغرضية وتحدث أصحابها فقط عن جمل جزئية وظواهر بلاغية ؟،هل مهمة الباحث ارتبطت فقط بعملية توصيف وعرض هذه القراءات أم تجاوزها وقدم إضافات فيها؟ ،فما لاحظته أن المحاضرين لم يذكروا ماهي الإضافات في قراءة فيصل لشعر المتنبي ؟ هل نربط نمط الاستعارات بهذه الثقافة المختلفة التي مزت الشعراء عن بعضهم؟. إلى أي مدى ساهمت الظواهر في إعطاء خصوصية في الاستعارات الكلية والظواهر البلاغية في شعر المتنبي؟ وإلى أي مرجعية استند إليها في هذه الدراسة خاصة مع ذكر السادة لبعض أعلام الغرب كرولان بارط وغيره..؟”.
هذا وتساءل طالب الدكتور فيصل في سلك الدكتوراه ” عبد اللطيف زاهري ” قائلا:”من بين ما استوقفني اللغة التي يكتب بها الدكتور فيصل،والتي تجمع بين الإمتاعية والشاعرية ،ماسر هذه الشاعرية في كتابته النقدية؟”.كما تساءلت طالبته “إلهام زكابى” :ماهو في نظرك السبب الذي جعل شعر المتنبي خالدا إلى اليوم؟”،بينما أشاد “عادل ماضي” بالأستاذ الذي حببهم في شعر المتنبي ،وشكر له لباقته مع طلبته ،وطرح سؤالا للجميع قائلا:”بما أن الشعر مؤثر بإيقاعه،إذن المتنبي لم يكن جاهلا بمعيارية اللغة ،فماحدود تجاوز هذه الحدود المعيارية ؟” ،هذا وقدم بعض زملاء وطلبة الأستاذ فيصل من مرحلتي الماستر والدكتوراه شهادات في شخصه ،تثمن جهوده وتبرز مثالبه ،منهم: الأستاذ خالد شكري ، الطالبة شيماء تناري ، الطالبة سعاد فيزادي ،الطالبة بن زادي حنان..”
وبعد رد الدكتور فيصل على تساؤلات السادة ،ختمت رئيسة الجلسة فعاليات الندوة ،قائلة:”في ختام الجلسة ،أوجه شكري الكبير إلى السادة المحاضرين ،عبد اللرحمن إكيدر ،رضوان كعية، محمد عراج ،اللذين لبوا الدعوة للمشاركة في الاحتفاء بالأستاذ فيصل من خلال مساءلة ومحاورة إحدى مؤلفاته ،شكري الكبير للمحتفى به الأستاذ فيصل على جهوده في المجلة ،ولرحابة صدره في الإجابة على تساؤلات السادة ،شكري الكبير للأستاذة الناقدة الجزائرية الكبيرة آمنة بلعلى الوفية دائما لندواتنا حضورا ونقاشا فاعلا ومتميزا،شكري الجزيل للسادة الحضور أساتذة وطلبة والذين أدهشني حضورهم بهذا العدد وهو مايعكس وعيا معرفيا متميزا وحبا للمعرفة لدى المغاربة ،وهذا حقيقة ليس بغريب عنهم فقد شهدته قبل سنوات طويلة من خلال تعاملي معهم ومشاركتهم الكثير من النقاشات والمشاريع العلمية.على أمل لقياكم في فعاليات قادمة أترككم في رعاية الله”.