مقترح دعامات لسياسة تربويّة تضمن حقّ المتعلّم (ة) التونسيّ (ة) في تعليم ذي جودة
Proposed pillars for an educational policy that guarantees the right of the Tunisian learner to a quality education
محمّد بالرّاشد- أستاذ باحث في علم الاجتماع/جامعة جندوبة، تونس
Mohamed Berrached – Research Professor of Sociology/ University of Jendouba – Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 92 الصفحة 9.
ملخّص :
يعتبر التعليم جيّد النوعيّة مطلبا ملحّا اليوم في مختلف دول العالم وذلك لما له من أهميّة في بناء الإنسان في مختلف أبعاده الذهنيّة والنفسيّة والبدنيّة والاجتماعيّة…، وأمام الصّعوبات التّي تواجهها المنظومة التّربويّة التونسيّة والتّي جعلتها تفقد بريقها وكذلك ثقة النّاس فيها، يكون من المهمّ تبنّي سياسة تعليميّة مغايرة تقوم على دعامات واضحة ومترابطة ومتكاملة وذلك حتّى يمكن ضمان حقّ الأجيال القادمة في تعليم ذي جودة يضمن للمتعلّمات والمتعلّمين القدرة على اكتساب معارف العصر وتنمية مهاراتهم وذكاءاتهم المختلفة، وذلك بعد أن بات من غير الممكن اختزال عمليّة التّعليم والتّعلّم في الالتحاق بمقاعد الدراسة.
الكلمات المفتاحية : السياسة التّربويّة، التعليم حقّ، التّعليم ذو الجودة .
Abstract:
Good quality education is considered an urgent requirement today in various countries of the world because of its importance in building the human being in his various mental, psychological, physical and social dimensions, and in the face of the difficulties faced by the Tunisian educational system, which made it lose its luster, as well as the people’s confidence in it. It is important to adopt a different educational policy based on clear, interconnected and integrated pillars, in order to guarantee the right of future generations to quality education that guarantees the learners and learners the ability to acquire modern knowledge and develop their skills and various intelligences, after it has become impossible to reduce the process of teaching and learning to simply being at school.
Keywords: educational policy, education is a right, quality education.
مقدّمة :
تبدو الحاجة ملحّة اليوم في تونس إلى وضع سياسيّة تربويّة جديدة من شأنها أن تتيح للمتعلّمات والمتعلّمين التمتّع بالحقّ في تعليم ذي جودة، ذلك أنّه لم يعد مقبولا اختزال الحقّ في التعلّم في التّمدرس أو بالأحرى في الالتحاق بمقاعد الدّراسة مثلما دأب القائمون على الشأن التربويّ قوله، فاليوم باتت القناعة راسخة أنّ السّياسة التربويّة الحاليّة لم تعد قادرة على تلبية حاجيات الأفراد كما المجتمع، وعليه، فإنّ رهان أي سياسة تربويّة جديدة هو رهان ينشد إرساء تعليم ذي جودة يضع حدّا للهدر المدرسيّ ويتيح للمتعلّمات والمتعلّمين الانفتاح على المشترك الإنسانيّ في أبعاده القيميّة والعلميّة والتكنولوجيّة والنّهل منها، ويحرّر طاقات الأطفال ومهاراتهم تماما مثلما يحرّر طاقات المعلّمات والمعلّمين، ومن ثم فإنّ البحث في دعائم ذلك التّعليم الجيّد وجيه ومشروع بل وواجب، لأنّ جودة التعليم تقتضي تشييده على دعامات صلبة تُعيد للمدرسة بريقا بدأت تفقده وثقة تراجعت حتّى أنّ الكثيرين من خرّيجيها اليوم يتّجهون بأبنائهم إلى التّعليم الخاصّ، ما يؤشّر على عطالة السياسة التربويّة الرّاهنة.
الإشكاليّة:
تُثير المسألة التّربويّة في اللّحظة الرّاهنة، في تونس – كما في بلاد كثيرة في العالم- إشكاليّات عدّة وتساؤلات كثيرة مداراتها متشابكة، منها ما يتّصل بملاءمة مُخرجات المؤسّسة التّربويّة لسوق شغل سريع التغيّر ويتطلّب زيادة على المهارات الفنيّة المهارات الحياتيّة التّي تيسّر التّواصل مع الآخر والعمل ضمن فريق…الخ، ومنها ما يتعلّق بمنظومة القيم وصلة الوطنيّ بالكونيّ، ومنها أيضا ما يلامس متانة مكتسبات المتعلّمين المعرفيّة والمنهجيّة ومدى قدرتهم على تعبئتها وتوظيفها في حياتهم العمليّة…، هذا فضلا عن الإشكاليّات التقليديّة من قبيل الانقطاع المدرسيّ والتّفاوت بين الجهات…إن مختلف هذه الإشكاليّات تجعلنا نتساءل عن الدّعائم التّي ينبغي أن ترتكز عليها السّياسة التربويّة حتّى يتمّ التغلّب على هذه الإشكاليّات وتُتاح بذلك للمتعلّمات والمتعلّمين فرص التمتّع بتعليم جيّد النّوعيّة، ومن هنا جاء التّساؤل: ما هي الدعائم الرئيسيّة لسياسة تربويّة تونسيّة تسهم في رفع التّحدّيات التّي أربكت أداء المؤسّسة التّربويّة وترسي تعليما جيّد النّوعيّة؟
منهجيّة الدراسة
هذه الدراسة وصفيّة تحليليّة تقوم على تأمّل حصاد السياسات التّربويّة التّونسيّة السّابقة بغرض الوقوف على نقاط القوّة ونقاط الضّعف بما يساعدنا على تقديم مقترحات دعائم لسياسة تربويّة تونسيّة تستجيب لانتظارات مجتمع تونسيّ مؤمن بالتّربية وأهميّتها في حياة الإنسان، ولا أدلّ على ذلك من الثّمن الباهظ الذي تدفعه الأسرة التونسيّة لأجل تعليم أبنائها (دروس خصوصيّة- التجاء إلى المؤسّسات التّربويّة الخاصّة…).
أهميّة الدّراسة:
تستمدّ هذه الدّراسة أهميّتها من عدّة نقاط يمكن إيرادها على النّحو الآتي:
- بات التعليم جيّد النّوعيّة مطلبا عالميّا، فالمنافسة العالميّة والقناعة الرّاسخة بأنّ الفوارق بين المجتمعات تصنعها بالأساس الكفاءات البشريّة جعلتا التّعليم جيّد النوعيّة مطلبا ملحّا، بمعنى أنّ اختزال التّعليم في التّمدرس بات غير كاف، ولا يجعل العمليّة التّربويّة جذّابة، كما لا يمكّن المجتمع التونسيّ من الاستفادة الفعليّة من طاقاته البشريّة والشبابيّة منها على وجه التّحديد، ولهذا فإنّ المؤسّسة التربويّة التّونسيّة تستدعي مقاربة سياسيّة جديدة تؤطّر عملها.
- يعتبر السّياق العامّ في تونس اليوم في حاجة ماسّة إلى لتعليم ذي جودة لأنّ واقع الفعل التّربويّ التّونسي شابته شوائب كثيرة، فقد أبان الواقع التونسيّ عن عجز في شدّ عدد كبير من المتعلّمات والمتعلّمين إلى مقاعد الدّراسة، لذلك نرى نسب الانقطاع تحوم سنويّا حول 100 ألف منقطعة ومنقطعا عن الدراسة، كما كشف راهن النّسق التّربويّ التونسيّ عن ضعف في إدماج فئة الشّباب أصحاب الشهادات العلميّة في سوق الشغل ومشهد الدكاترة المعطّلين أمام وزارة التّعليم العاليّ تعبير صارخ عن ذلك الوهن في العلاقة بين الفضاءين التربويّ والعمليّ، لذلك فإنّ جودة التّعليم دون غيرها كفيلة بأن تجعل المدرسة قادرة على تجاوز اختزال مهامّها “في مجرّد آلة توزّع الشّهادات وتصنيف الطلاّب وترتيبهم على أساس معارفهم وقدرتهم على استيعاب الموادّ الدّراسيّة، والتّوافق على أنّها إعداد للحياة وتسليح للشّباب لمواجهة التّحديات الجديدة[1]“.
- يعكس تجديد السّياسات التّربويّة من ناحية الوعي بأهميّة التّجديد في تطوير الشّأن التّربويّ، حيث لا يمكن الاستمرار في ذات السياسة التّربويّة خاصّة في عصر تسارعت فيه التغيّرات وتكثّفت فيه عوامل التغيّر فتصبح المؤسّسة التّربويّة مُكرهة على مجاراة تلك التحوّلات. ففي هذا العصر، حيث صارت المؤسّسة التّربويّة تحتكر طرائق تقديم المعارف لا غير، بات من الضّروريّ التّفكير في سياسة تربويّة تنسجم مع المرحلة، ومن ناحية أخرى يعكس تجديد السّياسات التربويّة قناعة بأنّ حسن أداء المدرسة مرتبط بما يوفّره لها المجتمع من سياق تشتغل ضمنه، بمعنى أنّ المدرسة التونسيّة اليوم تحتاج إلى سياسة تربويّة جديدة تشكّل لها سياق اشتغال يخرج بها من الواقع الذي باتت عليه (اهتراء البنية الأساسيّة- كثرة الانقطاع- ضعف التّحصيل الدّراسيّ- ضعف التمفصل بين مختلف المراحل وخاصة بين المرحلة الأولى والثانية من التّعليم الأساسيّ…). وعليه، فإنّ وضع سياسة تربويّة جديدة من شأنه أن يعطي معنى للمدرسة التونسيّة بعد أن تسبّبت السياسات التّربويّة السّابقة في خفوت بريقها لدى الكثير من التّونسيّات والتّونسيّين.
مفاهيم الدراسة:
السياسة التربويّة
تُعرّف بكونها “المبادئ والأهداف والمناهج أو الطّرق والوسائل التّي تحدّدها الدولة في خطّة أو برنامج وطنيّ للمنظومة التّربويّة في فترة زمنيّة محدّدة، أو أنّها برنامج وطنيّ لتنمية وإدارة العمليّة التعليميّة وفقا لمبادئ وأهداف ومناهج ووسائل محدّدة بصفة قانونيّة[2]“، بمعنى أنّ السّياسة التّربويّة برنامج وطنيّ رسميّ وقانونيّ لإدارة الشأن التّربويّ في بلد ما في حقبة زمنيّة محدّدة، وعلى هذا الأساس يُنظر إليها على أنّها ” مجموعة من الأهداف والمبادئ والاتّجاهات التّي يقوم عليها التّعليم في أي مجتمع من المجتمعات وإطاره العام ونظمه المختلفة، وأنّها التّنظيم العام الذي تضعه الدولة لقيام أوضاع التّعليم فيها بأجهزته الفنيّة والإداريّة وفق ما تراه من أسس وقواعد ولوائح منظّمة لإتمامه[3]“.
تعبّر السياسة التّربويّة عن السياسة العامّة للدولة في المجال التّربويّ، أو ليست السّياسة العامة في نهاية المطاف مثلما عرّفها توماس داي Thomas Dye هي “اختيار الحكومة للقيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام بعمل[4]“، ولهذا فإنّ وضع السّياسة التّربوية لا يختلف عن وضع السّياسات العامّة في الميادين الأخرى، إذ هي سلسلة من الأعمال الفنيّة والتّفاعلات السّياسيّة التّي تتمّ أثناء البحث عن الحلول للمشاكل التّي تظهر في قطاع من قطاعات المجتمع[5]“.
وبعبارة مغايرة، يدلّ مفهوم السّياسة التّربويّة «دلاليّا وعلى حدّ سواء على ما يُشار إليه باللّغة الانجليزيّة بكلمة Policy أي اتّجاه في سلوك القرار أو استراتيجيّة أو ما يسمّى عادة ب Politics باعتبارها تتّبع من أجل تحقيق الغايات الكبرى من العمليّة[6]“، ومن ثم تجسّم السّياسة التربويّة خيارات المجتمع والحكومة في تدبير الشّأن التّربويّ فكانت بذلك تعبيرا “عن الكيفيّة التّي يفكّر فيها المجتمع في ذاته، وكيف يتطلّع ويستشرف آفاقه المستقبليّة، ومع أنّ السّياسات التّربويّة هي نتاج للدولة وللأجهزة المركزيّة، فهي أيضا نتاج للهيئات والتّنظيمات التّابعة والمتّصلة بها مثل التّنظيمات الجهويّة والمقاولات، ومع ذلك فإنّ الدولة تبقى هي العامل المنظّم والضّامن للحدّ الأدنى من الانسجام والتّماسك والمنتج للمخطّطات والبرامج، بحيث تكتسب الجهات الفاعلة في التّربية أهميّتها وفقا للدور المنوط بها ووفقا للوظيفة التّي تؤدّيها في هذا الميدان[7]“.
بناء على ما سبق، تجسّد السّياسة التّربويّة الخيار التّربويّ للمجتمع بمختلف قواه وتنظيماته السّياسيّة والمدنيّة وإن كان للدولة الدّور الأساسيّ في وضع الخيط النّاظم والضّامن لتماسك مختلف العناصر المكوّنة للسياسة التّربويّة، ونظرا إلى أهميّة هذه السّياسة فإنّها تبدأ بالأهداف أو أنّ “النّقطة الأولى لأي سياسة تربويّة تبدأ من حيث تعيين الأهداف[8]“، لذلك فإنّ “اللّحظة الأولى للسياسة التّربويّة تبدأ في ضبط الأهداف، وإذا كانت الأهداف تعني معطيات قابلة للملاحظة مثل رفع نسبة النّجاح، مساهمة إيجابيّة في المجتمع، نتائج متميّزة في التقييمات…، فإنّ ذلك التّحديد لا يمكن له أن يتمّ إلا من خلال خيارات رئيسيّة أكثر عمقا تتمثّل ببلورة الغايات المعلنة سياسيّا[9]“.
وانطلاقا ممّا تقدّم، تكون السّياسة التربويّة خيار المجتمع بقيادة الدولة في تدبير الشأن التّربويّ، وهو تدبير موجّه بالأهداف المحدّدة والتّي يمكن إجمالها في هدفين كبيرين ” الأوّل هو أنّ التّعليم أداة توظّف من أجل خلق جيل جديد منتج وواع، بينما الهدف الثّاني هو القدرة والوعي بكيفيّة ممارسة الحقوق السّياسيّة ومشاركة المواطنين في صناعة القرارات والتّعبير بحرّية[10]“، ومن هذا المنطلق تكون السّياسة التربويّة حصيلة تفاعل قوى المجتمع الداخليّة مع بعضها البعض وكذلك نتيجة تفاعل المجتمع مع محيطه الخارجيّ (من خلال المقارنة أو الاستئناس بتجارب الآخرين والاستفادة من المكاسب التّي حقّقها الآخرون في المجال التربويّ)، وتكون تلك السّياسة موجّهة بالأهداف التّي يظلّ تحقيقها معيار الحكم على مدى نجاعة سياسة تربويّة ما أو على فشلها.
التّعليم حقّ
ويعني ذلك أنّ التعليم ليس امتيازا، بل هو حقّ ضمنته الصكوك الدوليّة وفي مقدّمتها الشّرعة الدوليّة لحقوق الإنسان؛ حيث ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) هذا الحقّ[11]، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة (1966)[12]، وفي نفس الاتّجاه سارت الاتّفاقيّة الدّوليّة لحقوق الطفل[13]، وتبنّت النّصوص التشريعيّة الوطنيّة ذات المبدأ، فأقرّ الدستور التونسيّ (25 جويلية 2022 ) الحقّ في التعليم وكذلك مجلّة حماية الطفل…الخ.
ويقودنا تشديد مختلف الصكوك الدوليّة والتّشريعات الوطنيّة على أن التّعليم حقّ “إلى نتيجة واحدة لا يمكن تجنّبها: يجب إيجاد الوسائل التّي تنقذ حياة الطفل من أن يكون خرابا لذاته ولعنة على مجتمعه، وفي هذا برهنة على الحقّ المطلق لكلّ كائن إنسانيّ يخرج إلى الوجود في التّعليم، ومن ثم يكون التّعليم حقّا وليس امتيازا[14]“. ويكتسي الحقّ في التّعليم أهميّة خاصّة باعتباره “أب الحقوق الأخرى، لأنّه لا حياة ولا حرّية ولا كرامة ولا شغل ولا عدل ولا مساواة ولا غيرها من تلك الحقوق لإنسان لا يعلم، مادام جاهلا بالأساس لكلّ ما حوله[15]“.
ولكون التّعليم حقّا، فإنّ له “أهميّة قصوى في ممارسة الإنسان لحقوقه ووفائه بمسؤوليّاته، إذ لا شكّ أنّ المعرفة تعدّ من الأدوات الأساسيّة في تحقيق خصائص المواطنة ومسؤوليّاتها في المجتمع الحديث[16]“، وعليه يكون التّعليم حقّا وليس امتيازا لأنّه الحقّ الضامن – ولو إلى حدّ – لتمتّع الإنسان بحقوقه الأخرى وبقدرته على المساهمة في تدبير شأن مجتمعه، وحتّى يؤدّي التعليم دوره على الوجه الأكمل لابدّ أن يكون جيّد النّوعيّة.
التّعليم ذو الجودة
قبل تحديد معنى التعليم ذي الجودة حريّ بنا أن نتوقّف عند معنى الجودة، التّي يتمّ تعريفها في الغالب على أنّها “ما يجعل شيئا ما أو شخصا جيّدا أو أفضل، وبعبارة أخرى ما يجعله موصى به أو مطلوبا أو يجعله ذا قيمة[17]“، فتصبح الجودة “حكم قيمة نصدره بصدد منتوج ما أو بضاعة أو عمل يعتبر في تقديرنا أنّه يستجيب لمجموعة من الشّروط المحدّدة سلفا، ويتميّز بمجموعة من الخصائص التّي نرى أن توفّرها في العمل أو المنتوج موضوع التّقدير يعتبر ضروريّا، ومن جملة هذه الشّروط والخصائص ما يلي: الإتقان والتميّز وإحداث تطوّر نوعيّ[18]” .
وبما أنّ المجال لا يتّسع للخوض في تاريخ مفهوم الجودة وتطوّره نقول إنّ الجودة حكم يصدر على منتوج أو على شخص عندما تتوفّر فيه مجموعة شروط وخصائص، وأنّ الاهتمام بها في قطاع التّعليم المدرسيّ يعود “بشكل ملموس إلى عقد التسعينات حيث ارتفعت الأصوات في كلّ اتّجاه إلى مقاربة هذه الخدمة العموميّة بمنهجيّة الجودة[19]“، وقد صارت صفة الجيّد تطلق على التّعليم “الذي يمكّن المتعلّمين جميعهم من تحقيق القدرات التّي يحتاجونها ليصبحوا مواطنين منتجين وفعّالين اجتماعيّا وتطوير سبل العيش المستدام والمساهمة في بناء قيم السّلام والديمقراطيّة وتعزيز الرّفاه في المجتمعات[20]“، وحتّى يتحقّق ذلك لابدّ من “تحقيق جودة الأداء المهنيّ للفاعلين (ات) التربويّين (ات) على اختلافهم وتطوير المناهج والبرامج والتّكوينات والارتقاء بحكامة المنظومة التّربويّة والرّفع من مستوى البحث العلميّ والتّقنيّ والابتكار[21]“.
لا يتحقّق التّعليم ذو الجودة إلاّ في إطار سياسة تربويّة تضمن جودة أداء الفاعلين التّربويّين وحسن تسيير المنظومة التربويّة فضلا عن تطوير المنهاج بمكوّناته المختلفة نظرا إلى أنّه “يضمّ ليس فقط برامج مختلف الموادّ، ولكن أيضا تحديدا لغايات التربية ولأنشطة التّعليم والتّعلّم التّي يتضمّنها برنامج المحتويات، وأخيرا إشارات دقيقة حول الطريقة التّي يسلكها كلّ من المدرّس والتّلميذ خلال كلّ مراحل العمليّة التّعليميّة- التّعلّميّة بجميع مكوّناتها الصفيّة[22]“.
وأصبحت جودة التعليم اليوم مطلبا ملحّا نظرا إلى عوامل عديدة منها حاجة المؤسّسة التربويّة إلى مسايرة محيط سريع التغيّر متنوّع الطلبات وشديد الانتقادات لأداء تلك المؤسّسة التّي ظلّت لفترة طويلة قاطرة التّغيير فصارت اليوم تبحث في سبل مسايرة ذلك التّغيير، وليست الجودة في التّعليم مطلب الدّول النّامية فحسب، فحتّى الدّول المتقدّمة وعلى الرّغم من “القوّة الهائلة التّي تتميّز بها…وريادتها التّنمويّة بشكل عام، إلاّ أنّها لا تتوقّف عن السّعي لإصلاح منظوماتها التّربويّة وتجويد أدائها، وذلك في إطار حرصها الدّائم ووعيها الرّاسخ بأهميّة التّعليم الجيّد والتّعليم المستدام لمواكبة التغيّرات العالميّة وتجنيب شعوبها مخاطر الوقوع في شبح التّخلّف والانحطاط[23]“، بمعنى أن جودة التّعليم ليست خيارا، وإنّما هي مدخل إلزاميّ لجعل التّعليم أكثر فاعليّة في حياة الأفراد كما المجتمعات، ولهذا لا غرابة أن نصّ الهدف الرّابع من أهداف الأمم المتّحدة للتنمية المستدامة 2030 على “ضمان التّعليم الجيّد المنصف والشّامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع”.
السّياسات التربويّة التونسيّة لتونس المستقلّة: الإطار القانونيّ والدّعامات
يمكننا القول إن تونس عرفت منذ الاستقلال إلى اليوم ثلاث سياسات تربويّة تجسّدت من خلال الإصلاحات الثلاثة الكبرى التّي عرفتها المنظومة التربويّة منذ الاستقلال، وهي إصلاحات 1958 و1991 و2002، وأمّا السّياسة التّربويّة الأولى فقد أطّرها القانون رقم 118 لسنة 1958 المؤرّخ في 4 نوفمبر 1958، وقد بُنيت تلك السياسة على الدّعامات الآتية[24]:
- توحيد التّعليم وتونسته (في مستوى إطاراته)،
- إكساب التّعليم صبغة وطنيّة (في مستوى محتواه)،
- جعله متماشيا مع حاجيات البلاد (في مستوى الإطارات والتّوجّه)،
- نشره أفقيّا وعموديّا (نحو ديمقراطيّة التّعليم وإجباريّته).
ويمكن القول إن الهدف الرّئيسيّ لتلك السّياسة كان جعل التّعليم أداة توثيق لعرى الوحدة الوطنيّة وتجسيم خيارات النّخبة السياسيّة في تحديث البلاد، ولذلك اعتبر الرّئيس بورقيبة أنّ التّعليم يهدف “إلى تعميم تثقيف النشء من جهة وخلق مناهج قوميّة تونسيّة من جهة أخرى تضمن للشّباب القيام بواجباته والتّصرّف في حقوقه والانسجام مع إخوانه في العائلة التّونسيّة لأداء رسالته وإعانة الدولة على أداء رسالتها[25]“.
وحتّى تضمن الدولة تحقيق السّياسة التّربويّة لأهدافها وخاصّة منها توثيق عرى الوحدة الوطنيّة وتجاوز الانتماءات الأوّليّة لصالح الولاء للدولة وللجمهوريّة الوليدة دون غيرها، خصّصت الدولة – وهي مهندسة تلك السّياسة- ما يقارب ربع ميزانيّة الدولة، فكانت الميزانيّة المخصّصة للتّعليم سنة 1966 24.3 %[26]، ولهذا يمكن القول إن السّياسة التربويّة الأولى لتونس المستقلّة وجّهها الهدف المركزيّ للنّخبة السّياسيّة وهو تحديث البلاد ونشر قيم الجمهوريّة الوليدة وحاجاتها من الكادر البشريّ.
أمّا السّياسة التربويّة الثانية فقد أطّرها القانون عدد 65 لسنة 1991 المؤرّخ في 29 جويلية 1991، وقد اعتمد في هذه السياسة “نظام التّعليم الأساسيّ وتعريب تدريس الموادّ التّعليميّة في الابتدائي والإعدادي[27]“، وقد أقرّت السّياسة التّربويّة الثانية إجباريّة التّعليم، وأحدثت دينامية بيداغوجيّة على الفعل التّربويّ في الفصل بعد أن انتصرت لبيداغوجيا الأهداف على حساب بيداغوجيا المحتويات التّي كانت سائدة في السياسة التّربويّة الأولى، الأمر الذي أوجب تكثيف التّكوين المستمرّ للمدرّسات والمدرّسين، فأحدثت المراكز الجهويّة للتربية والتكوين المستمرّ بكلّ الولايات بغرض تعهّد مختلف الفاعلين التربويّين ولاسيّما منهم المدرّسات والمدرّسون بتكوين مستمرّ يستجيب لحاجيات مدرسة التّعليم الأساسيّ، التّي نجم عن إرسائها ارتفاع في أعداد التّلاميذ بالمرحلة الثانية من التّعليم الأساسيّ والتّعليم الثّانوي، حيث قفز العدد الإجمالي لتلاميذ المرحلتين من 485.090 في العام الدراسيّ 1989-1990 إلى 908.248 سنة 1999-2000 [28] ورافق ذلك الارتفاع ارتفاع آخر في عدد المدرّسين.
وعموما، يمكن القول إن السّياسة التربويّة الثّانية كانت عبارة عن تفاعل المجتمع التونسيّ مع واقع جديد عاشته تونس بعد التغيير الذي عرفته البلاد التونسيّة سنة 1987 بما يعنيه ذلك التحوّل -مثلما سُمّي آنذاك- من إعادة النّظر في مختلف مكوّنات السّياسة العامة للبلاد بما فيها السياسة التّربويّة، ولكن تلك السّياسة، وعلى الرّغم من أهميّة الدعامات التّي أُسّست عليها، والتّي أفضت إلى رفع نسب التّمدرس وتجديد الفعل البيداغوجيّ على مستوى التّعليم والتّقييم إلاّ أنّها أحدثت خللا بإلغائها التّعليم المهنيّ دون أن تكون لها رؤية استشرافيّة تُعوّض ذلك التّعليم الأمر الذي سينعكس سلبا لاحقا على عالم الشّغل، وهي مسألة سنأتي على توضيحها لاحقا.
وأمّا بالنّسبة إلى السّياسة الثالثة فقد أطّرها القانون عدد (80-2002) المؤرّخ (في 23 جويلية 2002). ومن التوجّهات الكبرى التّي ركّزت عليها[29]:
- اعتماد المقاربة بالكفايات.
- اعتماد بيداغوجيا المشروع.
- إرساء التّقنيات الحديثة في مجالي تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في التّعليم.
- فتح مجال أوسع للتّوجيه المدرسيّ من خلال الشّعب المؤدّية إلى البكالوريا (الثّانويّة العامّة) في محاولة لإحداث تفاعل مع سوق الشّغل.
وقد جسّدت هذه السّياسة التّربويّة التّي تبنّتها تونس في مطلع الألفية الجديدة تفاعل البلاد التونسيّة تربويّا مع العولمة وتحدّياتها على مستويات عديدة منها تحوّلات سوق الشغل ومنها الاستثمار في الذكاء البشريّ والتّركيز على الإنسان كمصدر وصانع للثروة، ولهذا حملت تلك السياسة رؤية تجديديّة منها وضع التّلميذ في قلب العمليّة التّعليميّة وفي محور النّظام التّربويّ بما يتطلّبه ذلك من إجراءات[30].
لم تقتصر النزعة التجديديّة في تلك الأسس التي سبق ذكرها بل تجاوزت ذلك إلى محاولة التّعالي عن الموادّ، فتمّ إيجاد المجالات، مجال اللّغات، مجال العلوم، مجال التكنولوجيا، مجال الاجتماعيّات[31]، وشملت الرّغبة في تجاوز النزّعة التفكيكيّة للموادّ من خلال التعلّمات الاختياريّة التّي مثّلت من ناحية محاولة لإدماج بيداغوجيا المشروع في صلب أنشطة التعليم والتعلّم والتّقييم ومن ناحية محاولة إيجاد تقاطعات بين المواد تعطي التعلّمات معنى غير تقليدي[32].
حصاد السّياسات التّربويّة: حساب الحقل ليس حساب البيدر
من المهمّ للغاية التوقّف عند حصاد السّياسات التربويّة لأنّ الحكم على نجاعة أيّ سياسة كانت يكون من خلال نتائجها، أو ليست السياسة عامة إنجازات! وعليه يكون من المنطقيّ التوقّف عند نتائج تلك السّياسات التربويّة التونسيّة والتّي يمكن القول إنّها حملت نقاط قوّة ينبغي تثمينها والمحافظة عليها، فقد أفضت تلك السّياسات التربويّة إلى نشر المؤسّسات التعليميّة في مختلف مناطق البلاد وجهاتها بما في ذلك تلك النّائية والقصيّة، وهو ما دفع ببيار أندريه لويس Pierre André Louis إلى القول إن المدرسة في تونس هي التّي ذهبت إلى الطفل وليس العكس[33]، وقد أثمر ذلك الانتشار ارتفاع نسب الملتحقين بمقاعد الدراسة حيث فاقت تلك النسبة ال99بالمائة من العام الدراسي 2008-2009 [34]، كما يسجّل لهذه السّياسات ارتفاع نسب الالتحاق بمقاعد الدراسة لدى الجنسين، حيث كانت النسب متقاربة[35]، وهو ما يعني أن تلك السّياسات ربحت رهان ديمقراطيّة التّعليم من ناحية الكمّ أي من ناحية ارتفاع نسب الالتحاق.
لم يكن الطّابع الكمّي الغُنم الوحيد لتلك السّياسات التربويّة التونسيّة، فالكادر التونسيّ – من خرّيجي تلك السياسات- منتشر في بلاد كثيرة في العالم، ويقدّم إضافات نوعيّة في مجالات مختلفة منها الصحّة والتّعليم …الخ، وهو ما يعني أن تلك السّياسات التربويّة نجحت في مهمّة تكوين إطارات تونسيّة على درجة من الكفاءة تجلب لها الاحترام في بقاع مختلفة من العالم. كما سمحت السّياسات التربويّة المُنتهجة منذ الاستقلال أيضا بنشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، ولا غرابة أن تصدّرت تونس الدول العربيّة في المطالبة بإرساء الديمقراطيّة وبناء عقد اجتماعيّ محوره المواطنة، فقد أظهر أحداث ما سُمّي ب “الرّبيع العربيّ” رغبة التونسيّات والتونسيّين في أن تكون قيم الجمهوريّة هي القيم السّائدة في المجتمع والتّي ينبغي نقلها من جيل إلى جيل، ولعلّ ذلك التمسّك بالمواطنة والجمهوريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان وخاصّة منها حقوق المرأة كلّها عوامل تبيّن أثر سياسات التعليم المدنيّ العام التّي اتّبعتها تونس منذ الاستقلال، ولعلّ عدم انجرار التونسيّين وراء العنف مثلما كان الشأن في مجتمعات عربيّة أخرى يعود – في جانب مهمّ منه- إلى تأثير السّياسات التّعليميّة التّي كان لها دور محوري في نشر ثقافة التّعايش والتّسامح.
وعموما، يمكن القول إن تونس نجحت إلى حدّ كبير من خلال السّياسات التّربويّة التي انتهجتها في كسب عدد من الرّهانات الكبرى التّي كانت مطروحة على جلّ دول العالم النّامي ومنها على وجه التّحديد رهان دمقرطة التّعليم ولكنّ ذلك النّجاح لا ينبغي أن يخفي نقائص شابت أداء المنظومة التربويّة التونسيّة عبر مختلف السياسات المنتهجة والتّي تجعلها تحتاج فعلا إلى سياسة تربويّة تضمن جودة التّعليم.
بشيء من التّفصيل نقول إن الشوائب التّي تعلّقت بالسّياسات التربويّة في تونس تلامس مسائل مختلفة منها على وجه الخصوص ضعف العلاقة مع سوق الشّغل والتّي ستنجرّ عنها ولادة صورة سلبيّة للمؤسّسة التربويّة التونسيّة (مدرسة وجامعة)، فقد جعل ضعف تلك العلاقة العديد من التونسيّين والتونسيّات ينظرون “إلى المدرسة والجامعة على أنّهما ليستا وسيلة للتّكوين النّافع وللتّرقي المهنيّ والاجتماعيّ والصّعود المراتبيّ، وإنّما باعتبارهما آلة لتفريخ المعطّلين من الشباب لإعادة إنتاج الإحباط والبؤس[36]“، بمعنى أنّه “لم يعد للمدرسة معنى المصعد الاجتماعيّ، بعد أن أصبح اليوم التّعليم التونسيّ بكلّ درجاته تعليما لا ينتج إلاّ البطّالين بأعداد غزيرة، كما أصبح تعليما طبقيّا يعيد بنسبة كبيرة إنتاج المنظومة الاجتماعية القائمة على التفاوت بين الطبقات الاجتماعية[37]“، ولهذا طالب أحد وزراء التربية السابقين بـ “إعلان حداد وطنيّ على التّعليم في تونس مضيفا اليوم التلميذ يقرا باش يحرق، يقرا ويقعد بطّال[38]“.
أدّى ضعف العلاقة بين واقع الشغل ومخرجات المدرسة إلى ضعف ثقة التونسيّات والتونسيّين في المؤسّسة التربوية، بمعنى أنّ صورة المدرسة فقدت بريقها ولم تعد جذّابة بالنسبة إلى التّلاميذ (حتّى من حيث المظهر والفضاء) وبالنّسبة إلى الأولياء لأنّها لم تعد قادرة على ضمان مستقبل أفضل لأبنائهم، وضمن هذا السياق أشار الباحث الهادي التيمومي إلى “ظاهرة لها دلالة انفردت بها تونس، وهي ظاهرة تمزيق تلاميذ التعليم الثّانوي لكرّاساتهم وكتبهم في آخر السنة المدرسيّة ونثرها في الشّارع أمام المدارس وفي وضح النّهار وعلى مرأى ومسمع من الجميع، أليست هذه الظاهرة مؤشّرا على أن المدرسة لم تعد بالنسبة إلى التّلاميذ مصعدا اجتماعيّا، أليس الشّعار الذي أصبح يردّده التّلاميذ والطلبة هو “تقرا وِلاّ ما تقراش المستقبل ما ثمّاش[39]“.
من المهمّ التأكيد في هذا السّياق على مسألتين كانا لهما دور في غياب التّناغم والانسجام بين مخرجات المدرسة ومتطلّبات سوق الشغل، تتّصل الأولى بالطابع الديناميكي للشغل حيث بدأت مهن في الاختفاء وأخرى في البروز، وهو ما يتطلّب رؤية استشرافيّة للتّعامل مع ذلك العالم المتغيّر باستمرار، وتتعلّق الثانية بصورة الشغل في المخيال الجمعي التونسيّ حيث ظلّت مرتبطة شديد الارتباط بعالم الوظيفة والشّغل القارّ، الأمر الذي نجم عنه نفور الشباب – خاصّة المتعلّم – من مهن أخرى من جهة، وعدم إقدامهم على المهن الحرّة من جهة أخرى، وهو ما يعكس ضمنيّا غياب ثقافة المبادرة لدى خرّيجي تلك السياسات التربويّة، وبعبارة أخرى، “على الرّغم من فرص العمل المحدودة للشباب المتعلّمين، يحاول الآباء والأمّهات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا جعل الاستثمارات التّعليميّة لأطفالهم على أساس ما يتطلبّه سوق العمل، لكن مع هذا يبقى الآباء والطلاّب على حدّ سواء يرون أن “الوظائف الجيّدة” تتطلّب شهادة جامعيّة بغضّ النّظر عن مستوى المهارات التي يمتلكها أبناؤهم[40]“.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك، تخلّي الدولة بدءا من السّياسة التعليميّة الثانية عن التّعليم المهنيّ الذي كان عامل نجاح للسّياسة الأولى (توفير التّقنيين والفنيّين وأعداد من الصناعيين…)، وذلك على الرّغم من العودة المحتشمة للمدارس الإعداديّة التّقنية والتّي لم تقدّم إضافة نوعيّة في إدماج الشباب في سوق الشغل منذ إحداثها في العام الدراسيّ 2007-2008 ، سنكون أمام معضلة عميقة متعدّدة الأبعاد تحتاج إلى مقاربة أخرى تجمع بين الاستشراف وتنمية مهارات المبادرة والتّعليم التّقنيّ القادر على تكوين تقنيّين وصناعيّين يندمجون بطريقة سهلة في سوق العمل، وبعبارة أخرى غابت عن السّياسات التربويّة التونسيّة الرؤية الاستشرافيّة العميقة التّي تؤهّلها للمواءمة بين مخرجات المؤسّسة التعليميّة وطلبات سوق الشغل، ويجد هذا الكلام شرعيّة له في العدد الكبير مثلا من الكلّيات والمعاهد العليا التّي تدرّس طلبة سيجدون لا محالة صعوبة في الاندماج في سوق الشغل.
لم يكن ضعف العلاقة بين مخرجات المؤسّسة التربويّة والتّعليميّة ومتطلّبات سوق الشغل نقطة الضعف الوحيدة التّي عانت منها تلك السّياسات بل كانت هناك نقاط أخرى منها ضعف أداء التّعليم التّونسيّ، وفي هذا السياق يرى الباحث التّونسي عماد السديري أنّه “بالعودة إلى بيانات دوليّة…تبيّن كذلك أنّ المؤشّرات الدّالة على ضعف أداء التّعليم التّونسي ومساهمته في حرمان فئات واسعة من الاستمرار في التّعليم قد كانت كبيرة منذ سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، فعلى سبيل المثال في العام 1990 لم يتجاوز الأداء التّعليميّ للفئة العمريّة 25 سنة فما فوق 3.4 سنوات لا غير، أي أنّ المستوى التّعليمي للشعب التونسيّ في تلك الفترة لم يتجاوز السنة الثالثة من التّعليم الابتدائيّ[41]“.
يشير ضعف الأداء المشار إليه أعلاه إلى أنّ نشر التّعليم لم تصحبه قوّة في الأداء، وهو ما نجم عنه ضعف المعدّل العام للمستوى التعليميّ للتونسيّات والتونسيّين الذي لم يتعدّ الخامسة ابتدائي سنة 1990، ولعلّ ما يسترعي الانتباه أكثر في هذا السّياق ما أورده نفس الباحث كذلك من أنّ البيانات الدوليّة “تكشف بشكل مؤلم أنّ تونس قد دخلت الألفية الجديدة (العام 2000) بمستوى تعليميّ عامّ للشعب التونسيّ (الفئة العمريّة 25 سنة فما فوق) لم يصل حتّى إلى السّنة الخامسة الابتدائيّ، وهي معطيات محبطة تعكس فشلا هائلا في إرساء منظومة تربويّة داعمة للشعب التونسيّ وممكّنة له[42]“.
وقد اتّخذ ضعف الأداء طابعا آخر فمن “خلال بحث علميّ أجري عام 2013 بالمركز الوطنيّ للتّجديد البيداغوجيّ والبحوث التّربويّة التّابع لوزارة التربية بتونس، تبيّن أنّ حوالي 20 % من تلاميذ السّنة السّابعة من التّعليم الأساسيّ لهم مستوى دراسيّ متدنّ جدّا؛ منهم من لا يستطيع كتابة اسمه، بعضهم يكتب الحروف دون التّفريق بينها (وضع كلمات في سطر متواصل) ومنهم من يقرأ نصّا لا يفهمه[43]“، وهو ما يعني أن ضعف الأداء صار معطى هيكليّا في المنظومة التربويّة التونسيّة ولا يمكن بحال من الأحوال التغلّب عليه دون اتّباع سياسة تربويّة تضمن تعليما جيّدا.
رافق ضعف الأداء أو بالأحرى نجم عنه ارتفاع أعداد المنقطعين عن الدراسة، و”في هذا السياق يوثّق تقرير برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ أنّ حوالي 7 % قد انقطعوا عن الدراسة قبل أن يكملوا تعليمهم الابتدائيّ ما بين الأعوام 2007 و2016 وهو رقم مفزع ومقلق جدا، إذ يعني أن حوالي 700 ألف طفل تونسي ممّن ولدوا في الألفية الجديدة (بعد العام 2000) لم يتمكّنوا من إتمام تعليمهم الابتدائيّ وحُرموا من الاستمرار في الدّراسة وإكمال تعليمهم الأساسيّ[44]“.
ويكمن خطر الانقطاع المدرسيّ بالأساس في الارتداد إلى الأميّة وما ينجم عن ذلك من معيقات للفرد كما للمجتمع، أي أنّ ارتفاع نسب الانقطاع ستكبّل قدرات المجتمع باعتبارها تمنعه من الاستفادة من طاقات جميع أبنائه وبناته، وستكبّل طاقات الأفراد لا سيما في هذا العصر الذي بات فيه حسن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال من الضروريّات ومن عوامل الاندماج في المجتمع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإبداع، بعبارة أخرى، يشكّل الانقطاع وجها آخر لضعف الأداء كما يبرز عجز سياسات تربويّة على التّعاطي مع ظاهرة الانقطاع بشكل يحدّ منها.
ومن أوجه القصور الأخرى التّي شابت السّياسات التربويّة التونسيّة معضلة التّفاوت بين تلاميذ الوسط الحضريّ وزملائهم في الوسط الرّيفيّ، إذ “لا يتلقّى الأطفال والشباب في المناطق الرّيفيّة تعليما بنفس جودة تعليم الأطفال في المدينة، في جميع المناطق الرّيفيّة في تونس تباطأ معدّل الالتحاق بالمدارس في أواخر الثمانينات كما يتّضح من النموّ الضعيف في معدّل الالتحاق بين 6 و9 سنوات في إحصاء عام 1989 مقارنة بتعداد عام 1984 (81.6 % و 78.4 % )[45]“، بمعنى أنّ تفاوتا في الالتحاق بين الأطفال بناء على انتمائهم إلى المدينة أو الرّيف، وهو تفاوت يخلّ بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي هو هدف محوريّ لكلّ سياسة تربويّة.
وقد رافق هذا التّفاوت بين الوسطين الحضريّ والرّيفيّ معطى مهمّ ذو تأثير في أداء المنظومة التّربويّة ويتعلّق الأمر بنوعيّة المدرّسين عابري السّبيل الذين يعبرون الرّيف متّجهين إلى المدن، وهنا تصبح مدارس وإعداديّات ومعاهد المناطق الرّيفيّة نقاط عبور إلى المؤسّسات التربويّة لا يقيم بها المدرّسون إلا لفترة وجيزة تنتهي في الغالب بالحصول على التّرسيم، الأمر الذي ينعكس سلبا على نتائج بنات تلك الأرياف وأبنائها، وتتضاعف أزمة علاقة الرّيف بالمدرسة عندما يصبح خرّيجو المدرسة من الرّيفيّين لا يحبّذون الاستقرار بالرّيف، بل حتّى أولئك الذين حصلوا على مستوى دراسيّ محدود يحرصون على الالتحاق بالمدينة، لقد أصبح التّعليم عامل انجراف اجتماعيّ بالنسبة إلى الرّيف حسب عبارة عالم الاجتماع الصيني في Fei[46] و”باختصار لا تلعب المدرسة دورا في دمج الشباب في المناطق الرّيفيّة، جميع الذين ذهبوا الى المدرسة ولو كان ذلك لبضع سنوات، يرفضون العمل الزّراعي، أمر يبرز الفجوة بين تطلّعات الشّباب والظّروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة للبيئة، تتداخل العوامل النفسيّة والمؤسّسيّة والاقتصاديّة لإحداث شعور بالإحباط بين الشباب[47]“.
في دعامات سياسة تربويّة تضمن حقّ التلميذ(ة) في تعليم جيّد
أمام الصعوبات التّي تواجهها السياسة التربويّة التونسيّة في الوقت الرّاهن، تبدو الحاجة ملحّة إلى سياسة تربويّة مغايرة خاصّة أمام تراجع صورة المدرسة العموميّة في السنوات الأخيرة نتيجة عدّة عوامل منها عدم قدرة السّياسة التّربويّة الثالثة مثلا على معالجة الثّغرات التّي كانت سبب ولادتها مثل ضعف مردود المؤسّسة التّربويّة وسيطرة المنحى الكمّي وضعف مكتسبات التّلاميذ[48]، ومنها أيضا الوضع المضطرب لأداء المنظومة التربويّة بعد ثورة شتاء 2010-2011، إذ أنّ “الثورة أنتجت ظاهرة جديدة وهي كثرة الاحتجاجات في إطار المطالبة بالحقوق والتي طالت قطاع التربية من خلال دخول الإطار التربويّ بدوره (أساتذة ومعلّمين وإداريين) في احتجاجات للمطالبة بحقوقهم المادّية والمعنويّة ممّا عطّل الدّروس شهورا عديدة[49]“، وقد نجم عن اضطراب أداء المؤسّسة التعليميّة توجّه الكثير من الأولياء إلى المؤسّسات الخاصّة، فقد ذكر رئيس النّقابة الوطنيّة للتّعليم الخاص أنّ “تضاعف عدد المؤسّسات التّربويّة الخاصّة وتلاميذها خلال السّنوات الأخيرة، يترجم تفور الأولياء من التّعليم العموميّ[50]“؛ حيث “أشار إلى أنّ تضاعف عدد المؤسّسات الخاصّة من 670 مؤسّسة تربويّة خلال السّنة الدّراسيّة 2015-2016 إلى 1254 مؤسّسة خلال السنة التّربويّة 2021-2022 وتزايد عدد التّلاميذ من ما يزيد عن 119 ألفا خلال السنة الدراسيّة 2015-2016 إلى 183 ألفا خلال السنة الدّراسيّة 2020-2021 هو برهان قاطع على نفور الأولياء من القطاع العموميّ واستنجادهم بالقطاع الخاصّ[51]“.
في خضمّ ما تعانيه المدرسة التونسيّة اليوم، يكون من الوجيه التّفكير في دعامات سياسة تربويّة هدفها إعادة إشعاع المؤسّسة التّربويّة التونسيّة ومن هذه الدعامات:
دعامة المحافظة على طفولة المتعلّم: تعدّ العناية بطفولة المتعلّمات والمتعلّمين دعامة أساسيّة لأي سياسة تربويّة تروم تمتيع الأطفال بتعليم جيّد، ولكن الملاحظة والمتابعة اليوميّتين للفعل التّربويّ في تونس تبيّنان أنّ المتعلّم (ة) يأتي إلى المدرسة طفلا ولكنّه يعامل في الغالب على أنّه راشد، حتّى أنّ قدومه إلى المدرسة صار مخصّصا لأداء الواجبات المدرسيّة وليس للتمتّع بحقّ الطفل في التّعليم والتعلّم.
ليست الطفولة مرحلة عادية في حياة الإنسان، “بل هي من أهمّ مراحل حياة الإنسان إن لم تكن أهمّها ففيها تتشكّل شخصيّة الفرد، فإذا كان هناك اهتمام بهذه المرحلة وإشباع لجميع الحاجات والمتطلّبات في جميع الجوانب المادّية وكذلك المعنويّة والرّوحيّة، فإنّ ذلك ينتج جيلا متّزنا، متكاملا في تربيته؛ وفي المقابل فإن إهمال هذه المرحلة قد يجعل من الطفل الذي سيكبر ويصبح أحد أفراد المجتمع الذين يعوّل عليهم، سيجعله ذلك عضوا غير نافع وعالة على مجتمعه وما ذلك إلاّ لأنّه لم يلق العناية الكافية في طفولته…، لذلك كان لابدّ من إدراك أهميّة هذه المرحلة ونموّ الطفل فيها وأهمّ خصائصها[52]“، فالوعي بأهميّة مرحلة الطفولة، يستدعي من كلّ سياسة تربويّة احترام خصائص تلك المرحلة، وفي هذا السّياق مثلا “تحترم المدرسة الفنلندية كثيرا الإيقاع البيولوجيّ للطفل بهدف تفادي أي إرهاق حتّى حدود السنّ الإلزاميّ أي 16 سنة بحيث أنّ الحصّة لا تتعدّى 45 دقيقة مع تخصيص 15 دقيقة للاستراحة، وبين كلّ حصّة وأخرى تمنح فيها حرّية تامّة للتّلاميذ لاسترجاع أنفاسهم (استعمال الحاسوب، الجلوس بقاعة مخصّصة للرّاحة، الحضور بالممرّات، مناقشة حرّة…الخ)[53]“، وهو ما يبيّن أهميّة الطفولة في هذا البلد الرّائد تربويّا.
ليس الإيقاع البيولوجي هو البعد الوحيد الذي يجب أن توليه السياسات التربويّة أهميّة خاصّة بل كلّ أبعاد شخصيّة الطفل، بمعنى أنّه لمّا كانت” المدرسة بمناهجها التّعليميّة وطرقها البيداغوجيّة ووسائلها الديداكتيكيّة ومدرّسيها، خلقت من أجل التّلميذ ولم يخلق التّلميذ من أجلها[54]“، فإنّ على السّياسة التّربويّة تبنّي مدخل حقوقيّ لإرساء أي خطط وأهداف تربويّة لأنّ هذا المدخل يقوم “على مسلّمة مفادها أنّ المدرسة وُجدت لفائدة الطفل، وهو المستفيد الأوّل والرّئيسيّ منها، ويجب أن تكون جودة أداء المؤسّسة التّربويّة وحكامتها مرتبطتين ارتباطا وثيقا بمدى تجسيد حقوق الطفل في الفضاء المدرسيّ[55]“.
إنّ جودة التّعليم مرتبطة باحترام حقوق الطفل، وهذا الاحترام لا يكون إلا ب”إدراج حقوق الإنسان عامّة وحقوق الطفل خاصّة في التّكوين الأساسيّ والمستمرّ للمقبلين والمشتغلين في الحقل التّربويّ شأنها في ذلك شأن المقاربات البيداغوجيّة التّي تيسّر ترجمة هذه الحقوق إلى واقع في الممارسة اليوميّة[56]“، وهذا يعني أنّ كلّ سياسة تربويّة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الأرضيّة الحقوقيّة والبيداغوجيّة التّي تؤدّي إلى إرساء دعامة حماية الطفولة وجعل الفضاء التّربويّ فضاء يتمتّع فيه الطفل بحقوقه وليس فقط مجالا لتأدية الواجبات.
دعامة تكوين الفاعلين التّربويّين:
يعتبر الباحث عبد الجليل العكاري أنّه من الضّروريّ “ضمان أن يكون المعلّمون وقادة المدارس مؤهّلين وتمّ اختيارهم بشكل جيّد ولديهم الرّغبة الحقيقيّة في التطوّر المهنيّ المستمرّ لأنّهم من أهمّ المدخلات في إحداث التعلّم[57]“، بمعنى أنّ لتكوين الفاعلين التربويّين أهميّة خاصّة في تحقيق تعليم ذي جودة، ومن ثمّ يكون من المهمّ أن يتوفّر لهم تكوين جيّد النوعيّة.
تكوين المعلّمين: من المؤكّد أن “للمعلّم دورا أساسيّا في العمليّة التّنمويّة للمجتمع، وأيّ إهمال أو تقصير لدوره، ينعكس على مسيرة العمليّة التنمويّة انعكاسا سلبيّا مؤثّرا[58]“، وعليه فإنّ حسن تكوين المعلّم عامل ضروريّ لنجاحه في أدائه لوظيفته ” متعدّدة الجوانب والغايات، عظيمة الأهميّة وشديدة الأثر في المساهمة في تكوين شخصيّات التّلاميذ، والكشف عن مواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم الشّخصيّة مع الحرص على تكوين الصفات والعادات الحميدة والأخلاق الكريمة وترسيخ روح التّسامح والمودّة والتّعوّد على تبادل الآراء والأخذ بأفضلها دون التّعصّب للرّأي الشخصيّ والتّعاون مع زملائه بروح المحبّة وتأكيد مفهوم الصّالح العام[59]“.
وبما أنّ مهامّ المعلّم اليوم لم تعد قابلة للاختزال والاختصار في نقل المعارف، أي “لم تعد تقتصر على نقل معلومات وخبرات للأجيال الصّاعدة، بل تعدّت ذلك إلى التّجديد والتّجدّد باستمرار في التّكوين والتّواصل والتّوجيه والإرشاد والمصاحبة وتكييف الوسائل الحديثة واستغلالها الاستغلال الأمثل[60] “، ونظرا إلى هذا التحوّل النّوعيّ الكبير في مهامّ المعلّمين والذي فرض عليهم التّعالي عن النظرة الاختزاليّة لمهامّ المعلّم في نقل المعارف وامتحان التّلاميذ فيها، بات من اللاّزم إحداث تغيّر في سياسة تكوين المعلّمين حتّى يكون ذلك التّكوين أكثر عمقا وملامسا لمختلف أبعاد شخصيّة المعلّم، وبعبارة أخرى، باتت القناعة اليوم راسخة أنّ المعلّم عاجز عن أداء تلك المهامّ الموكولة إليه دون تكوين أساسي ومستمرّ يستجيب لذلك.
يشمل التّكوين في بعديه الأساسيّ والمستمرّ مختلف مكوّنات مهامّ المدرّس بما فيها تلك المتّصلة بالجانب التّواصليّ أي العلائقيّ لأنّ التّجربة بيّنت أنّ للعلاقات التربويّة دورا مركزيّا في نجاح العمليّة التعليميّة التعلّميّة بل إن “علاقة تلاميذ المرحلة الثانويّة بالمادّة الدّراسيّة تخضع لنوعيّة العلاقات التّي يتمّ بناؤها بين المعلّم وفصله، وبينه وبين كلّ تلميذ من تلاميذه[61]“.
بناء على ما سبق تحتاج مسألة تكوين المعلّمين إلى استراتيجيّة واضحة تحمل رؤية عميقة ونظرة استشرافيّة ولذلك لا غرابة أن يطالب الباحث الهادي التيمومي بـ”بعث مدارس خاصّة بتكوين المعلّمين للابتدائيّ والأساتذة للثّانويّ[62]“، وهو مطلب وجيه ومشروع لأنّ جودة التّعليم من جودة أداء المعلّم، إلا أنّ ذلك المطلب يحتاج إلى أرضيّة تتمثّل بالأساس في تغيير خارطة التّوجيه المدرسيّ والجامعيّ التّي أبانت عن قصور واضح في مواكبة تحوّلات عالم الشّغل، وحتّى لا يظلّ الكثير من خرّيجي الشعب الأدبيّة والإنسانيّات في مهبّ الرّيح عندما توصد في وجوههم أبواب مهنة التّدريس.
ينبغي أن يؤسَّس تكوين المعلّمين لممارسات تدريسيّة وتعليميّة تعزّز البحث والإبداع والابتكار بدلا من التّعلّم الرّوتيني القائم على الحفظ والتّذكّر والاستظهار، بمعنى ينبغي أن يكون تكوين المعلّمين كيفيّا لا كميّا، وذلك حتّى يستهدف أداؤه الكيف لا الكمّ فتتحرّر قدراته ويقبل على التّجديد ويرفض الانتصار إلى المنهج الخفيّ المبنيّ على الامتثال لما استقرّ من عادات في ممارسات المعلّمين حتّى باتت عُرفا يحكم رؤاهم للفعل التّربويّ.
يحتاج معلّم (ة) المستقبل إلى تكوين يمكّنه من تحليل ممارساته المهنيّةl’analyse de ses pratiques professionnelles كما يساعده على إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في عمليّة التّعليم والتعلّم (بما في ذلك في التّقييم)، لأنّ امتلاك المدرّسين لناصية تكنولوجيا المعلومات والاتّصال يساعدهم على الاستفادة من إقبال التلاميذ على تلك التكنولوجيا وييسّر لهم الولوج إلى التّعليم المفتوح الذي من مزاياه تلك المتّصلة بتذليل عقبات التّعليم والتّعلّم زمن الأزمات (الحروب- الكوارث- الأوبئة)، فالتّعليم الطارئ يستدعي تحوّلا في “الطرق التدريسيّة التّقليديّة لهدف إيجاد حلّ مؤقّت وسريع يمكن أن يُعتمد عليه خلال الأزمات[63]“، فقد أظهرت جائحة كورونا عجز المؤسّسة التّربويّة في مختلف مراحلها على التّعامل مع الأزمات، إذ لوحظ عجز كبير عن الاستفادة من الفرص التّي تتيحها التكنولوجيات الحديثة، حتّى وإن كانت الأسباب لا تعود إلى المعلّم لوحده (ضعف البنية الأساسيّة، ضعف تكوين المتعلّمين…).
تكوين الإداريّين والمشرفين على المؤسّسات التربويّة: خضع تعيين المديرين سنوات طويلة للولاء السياسيّ فكان اختيار المديرين يتمّ بالأساس على معيار الولاء السياسيّ، وبدءا من سنة 2011 صار التّعيين يتمّ بناء على لجنة مشتركة تجمع بين النقابات والوزارة، وأصبح تعيين مديري المؤسّسات التّربويّة بطريقة أو بأخرى خاضعا للولاء النّقابي، الأمر الذي دفع عددا من المديرين إلى رفض تقديم قائمات في أسماء الأساتذة المضربين[64]، ويمكن القول إن تعيين مديري المؤسّسات التّربويّة في الحالتين لم يكن سليما، فتسيير المؤسّسة التربويّة يتطلّب اليوم الاحترافيّة والقدرة على القيادة، فـ “مدير المدرسة الذي كان معنيا بإدارة المبنى، المنفّذ لتعليمات الوزارة وإدارة التعليم، السّاعي إلى توفير احتياجات المدرسة الماديّة، المحافظ على أمن التلاميذ وسلامتهم، المشرف على توزيع الجدول الدّراسي، امتدّ دوره اليوم ليكون قائدا تعليميّا يبني خططا استراتيجيّة في ضوء رؤية علميّة يستطيع من خلالها أن يستثمر طاقات المجتمع المدرسيّ، ويرفع روح الالتزام والإنجاز في الآخرين، ويؤمن باستثمار جميع قدرات ومهارات وإمكانات جميع المتمدرسين[65]“، ولهذا فإن التّكوين يجب أن يستهدف تنمية الكفايات المهنيّة الخاصّة بإدارة المؤسّسة التربويّة لدى المديرين ولا يكتفى ببعض المعايير من قبيل الأقدمية في التدريس والتّعاون…الخ، تشمل الكفايات[66]مجال القيادة البيداغوجيّة (معرفة طرق التّدريس، مهارة تحليل المشاكل، مهارات التّواصل كتابيّا وشفويّا، القيادة…) ومجال العلاقات الإنسانيّة (مهارات بناء العلاقات الإنسانيّة، مهارة في الحكم…) ومجال الإدارة (مهارة التّنظيم…) ومجال الدافعيّة والإرادة الشخصيّة (الإبداع…)، بمعنى أنّ تكوين الإداريين يجب أن يستهدف تنمية الكفايات التّي تخوّل للمدير القيادة والإدارة الناجعة والقرارات الحكيمة المبنية على معلومات تربويّة ورؤية استشرافيّة عميقة.
دعامة الانتصار للتقييم والتخلّي عن الامتحانات
لا تزال السياسة التربويّة التونسيّة تنتصر للامتحانات على حساب التقييم، فمختلف الإجراءات تهدف إلى إجراء الامتحانات في “ظروف طيّبة”، وتؤدّي هيمنة الامتحانات إلى تمشيّات تعليميّة هاجسها النّجاح في الامتحان، وضمن هذا السياق أصبحت الدروس الخصوصيّة مهيمنة على زمن التّلميذ(ة)، فقلّصت بذلك من زمن الحياة المدرسيّة أي زمن الأنشطة الثقافيّة والرّياضية التّي يمارس فيها التلاميذ هواياتهم ويطوّرون مواهبهم، وبعبارة أخرى هيمن هاجس الامتحانات على الفعل التّربوي فجعله فعلا نفعيّا براغماتيّا هدفه النّجاح في الامتحان بغضّ النّظر عن الوسيلة فانتشر الغشّ وصار امتحان البكالوريا ملفّا أمنيّا تطارد خلاله عصابات تروّج تقنيات متطوّرة للغشّ بل وتقدّم الإجابات بمقابل[67]الأمر الذي يفرض على السياسة التربويّة الانتصار للتقييم كمسار يبدأ بالتقييم التشخيصيّ فالتكوينيّ وصولا إلى التقييم الجزائيّ، وبعبارة ثانية لا يمكن للسياسة التربويّة أن تضمن تعليما جيّدا ما تتمكّن من توطين التقييم l’évaluation بديلا عن الامتحانات la docimologie.
دعامة عدم الفصل بين الأدبيّ والعلميّ
يصرّ عالم الاجتماع الفرنسيّ آلان تورين على “ضرورة القطع مع الفصل التّقليديّ بين “الآداب” و”العلوم” في أقرب وقت ممكن حتّى يتمّ توحيدهما في تكوين المعلّمين وأعوان الرّعاية الصحيّة وكذلك في تكوين أكبر عدد من التّلاميذ والطلبة[68]ويعكس هذا الإصرار من قبل تورين على عدم الفصل بين الآداب والعلوم في تكوين التلاميذ والطلبة، والذي لا ينفي وجود تمايز بين الاختصاصات، أنّ التّقسيم القديم للتّلاميذ لم يعد له من مبرّر لعدّة أسباب منها أن العمليّة التّربويّة تعمل على تكوني إنسان وهذا الأخير كائن مركّب يجمع بين العاطفي والعقلي وكلّ تقسيم للموادّ الدراسيّة هو عمليّة تجزئة للكائن الإنسانيّ ذاته، فكما يحتاج تلميذ الآداب إلى العلوم، يحتاج تلميذ العلوم إلى الآداب، ومن تلك الأسباب أيضا تحوّلات عالم الشغل التّي أصبحت تنشد الجمع بين المعارف التقنية والمهارات الحياتيّة من قبيل التواصل الفعّال والتفكير النّاقد…ولا يقتصر الأمر على السببين المشار إليهما بل يتجاوزهما إلى مسألة الذكاءات المتعدّدة ودور المدرسة في تنمية مجموعة منها لدى المتعلّم الواحد، ولم يعد مقبولا منها أن تقسّم التلاميذ حسب صنفين من الذكاءات فقط هما الذكاء اللّغوي والذكاء المنطقي -الرّياضي، فلدى المتعلّم (ة) الواحد(ة) ذكاءات أخرى تستحقّ بدورها الرّعاية والتنمية.
سيكون لعدم الفصل بين الأدبي والعلميّ دور محوريّ في تكوين المدرّسين واعوان الرّعاية الصحيّة وكلّ المختصّين، وهو ما سنعكس على نوعيّة شبكة التوجيه المدرسيّ والجامعيّ التّي أضحت من نقاط ضعف المنظومة التربويّة التونسيّة لأنّ الفصل التّقليدي لم يعد كافيا لتهيئة الطلبة إلى الالتحاق بشعب مستجدة ومستحدثة في الجامعات، بمعنى أن ّمن دعامات السّياسات الترّبوية المستقبليّة تفادي تلك التّقسيمات التّقليديّة لأن “الرّسالة التّربويّة في حاجة إلى أن تجعل في استطاعة التّلميذ أن يفهم بأن الظّواهر هي ظواهر معقّدة وتجعل القدرة على فهم التعقيد، فالتعامل مع المقرّرات كموادّ كل واحدة في معزل عن الأخرى، يجعل التلقين مجرّد حشد لمعلومات مجزأة وعرض لتخصصات وكأنّها وجدت لذاتها لا لفهم جانب من القواع المتعدّد والمعقّد، فإذا لم نلقن لطلبتنا وتلاميذنا أن الظّواهر معقّدة وتقتضي التّحليل لفهم التّعقيد، فإنّنا ندفعهم إلى تبسيط الواقع، وبالتّالي السّقوط في التّفكير المانوي الذي يقسّم الواقع إلى خير وشرّ، ويدفع بالبعض إلى مقاومة الشرّ والاندفاع وراء أخلاقيانية مفرطة[69]“، بمعنى آخر إن التخلّي عن الفصل بين الأدبيّ والعلميّ يشترط التخلّي عن المعلومات المجزأة وعن الاختصاصات الضيّقة لأنّ “تجزيئ العلوم والمعارف والتّخصّصات يؤدّي إلى منح قيمة لبعضها واعتبار أخرى لا قيمة لها، لا داعي للتذكير أن كل المنظومة التعليميّة تركز على العلوم باعتبار جوانبها النفعية في إطار نموذج اقتصاديّ للتعليم[70]“.
سيمكّن القطع مع الفصل بين الأدبي والعلميّ إلى القطع مع “تهميش الجماليات والإنسانيات في كل مراحل التعليم وإرسال أحسن تلاميذ التعليم الثّانوي قبل البكالوريا إلى الشّعب العلميّة، وأضعفهم إلى الشعب الأدبية. لقد تقلص عدد طلاب معاهد الفنون والحرف في التعليم العالي، وأصبح عددهم في بعض الشعب أقل من عدد أساتذتهم، فعلى سبيل المثال لم يتجاوز طلاّب الموسيقى في معهد الفنون والحرف بالكاف في السنة الجامعية 2015-2016 خمسة طلاّب، بينما يضم طاقم التدريس تسعة أساتذة[71]“.
خاتمة:
تحتاج المنظومة التربويّة التونسيّة في الوقت الرّاهن إلى سياسات تربويّة تضمن تعليما جيّدا للمتعلّمات والمتعلّمين ينمّي كفاياتهم المختلفة بما يؤهّلهم للتّأقلم مع واقع سريع التغيّر أو بالأحرى واقع يزداد فيه هامش اللاّيقين اتّساعا، وحتّى تكون تلك السّياسة التّعليميّة ناجعة، لابدّ أن تستند على جملة من المبادئ منها الطّابع التّشاركي في صناعة تلك السّياسة، لأنّ المسألة التّربويّة تتّصل ببناء الإنسان فإنّه لا يمكن أن تكون حصيلة وجهة نظر واحدة، إلاّ أنّ المقاربة التّشاركيّة لا تنزع عن الدولة مسؤوليّتها في إعمال حقّ الأطفال في تعليم جيّد، وإضافة إلى المقاربة التّشاركيّة ينبغي أن توضع السّياسة التّربويّة برؤية استشرافيّة يتمّ فيها النّظر إلى حاجيات الأفراد والمجتمع المستقبليّة على حدّ سواء، وهو ما لا يتحقّق إلا بالاستئناس بالتّجارب التّربويّة الرّائدة في العالم وبمزيد توطيد العلاقة بين المؤسّسة التربويّة ومؤسّسات البحث العلميّ وفي طليعتها الجامعة حتّى يكون البحث العلميّ موجّها للسّياسة التربويّة.
قائمة المراجع :
1.بالرّاشد (محمّد)؛ حقوق الطفل: أرضيّة الإصلاح تربويّ ينمّي الذّات الفاعلة عند المتعلّم، أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثّامن، السنة الرّابعة، شتاء 2019.
2.بدور (محمد الطيب) وغانمي (سميرة)؛ التعليم التونسي بين خطر الإفلاس وواجب التأسيس لتعليم تحرري منصف، تونس، شامة للنشر، 2020.
3.بنعمّو (أحمد)؛ أي ملامح مازالت للمدرّس اليوم؟ دفاتر التربية والتكوين، عدد مزدوج 8/9، يناير 2013.
4.بن فاطمة (محمّد)؛ عقلنة إصلاح المنظومة التّربويّة بتونس وتوحيده (وفق التكنولوجيا اللاّماديّة)؛ تونس كوبي بروCOPIE PRO 2020.
5.بوبكري (محمّد)؛ المدرسة وإشكاليّة المعنى، الدار البيضاء، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2000.
6.بورقية (رحمة)؛ نحو مدرسة لبناء القدرات المعرفية، المدرسة المغربية، عدد مزدوج 4/5، أكتوبر 2012.
7.التيمومي (الهادي)؛ تعليم الجهل في عصر العولمة والإصلاح التربوي، صفاقس، دار محمد علي الحامي للنشر، 2016.
8.الجويني (ماهر)؛ المعلّم ودوره في التّنشئة الاجتماعيّة؛ أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثالث، السنة الثانية، صيف 2016.
9.الدريسي (محرز)؛ المنظومات التربويّة المغاربيّة: ملاحظات ومداخل إصلاحيّة، المستقبل العربيّ، السّنة 41، العدد476، تشرين الأوّل / أكتوبر 2018.
10.روبرت (بول)؛ التربية في فنلندا: أسرار نظام رائد عالميّا، ترجمة بتصرّف عبد اللّطيف امحمد خطابي، مجلّة عالم التّربية عدد خاصّ في جزئين 22-23/2013.
11.السديري (عماد بن عبد الله)؛ أزمة التعليم التّونسيّ: حقائق مخيفة تكشفها التّقارير الدوليّة، تونس، يافا للبحوث والدّراسات والنشر والتوزيع، 2019.
12.السعيدي (عبد السلام)؛ تدريس مفاهيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليميّة مع دراسة تطبيقيّة، الدار البيضاء، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2001.
13.السوالي (محمّد)؛ السياسات التّربويّة: الأسس والتّدبير، الرّباط، دار الأمان، 2012 .
14.شعالي (المختار)؛ من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، مجلّة علوم التربية، عدد64، يناير 2016.
15.الشيخ الزوالي (مصطفى)؛ المدرّسون والتجديد: دراسة حول الإصلاح التّربويّ لسنة 2002 في تونس، المنستير، المطبعة التيمومي، 2022.
16.الصادقي العماري (الصديق)؛ التربية والتنمية وتحديات المستقبل، الدار البيضاء، افريقيا الشرق، 2015.
17.عرفاوي (ثريا)؛ التحولات السياسيّة والسّياسات التّعليميّة في تونس، إسطنبول، المعهد المصري للدراسات، 2020.
18.العقلة (خلف)؛ التّعليم والتّعلّم زمن جائحة كورونا: الواقع والحلول، نشريّة الألكسو العلميّة سبتمبر .2020
19.العكّاري (عبد الجليل)؛ الفجوة بين السياسات التّعليميّة وأجندة التّعليم العالميّة 2030 ضمن
Gulf Education and Social Policy Review, Volume 2, Issue n°1, 2021, p21
20.العيّاشي (المختار)؛ في تاريخ المدرسة التّونسيّة خلاصة 32 قرنا من الكتابة والمعرفة والتّعليم (1101 ق م /2007 م)، تونس، مركز النّشر الجامعيّ، 2012.
21.قريش (عبد العزيز)؛ الاشتغال المدرسيّ على تنمية الطفل (من أجل اندماج اجتماعيّ منذ الصغر)، مجلّة علوم التّربية، العدد 49.
22.لشهب (أحمد)؛ صنع السياسة التّربويّة في الجزائر، مجلّة المفكّر، العدد الحادي عشر.
23.لوغران (لويس)؛ السّياسات التّربويّة، ترجمة تمام السّاحلي، بيروت، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع 1990.
24.مومن (محمّد)؛ بيداغوجيا النّظام التّعليميّ المغربيّ في أبعادها التمثيليّة والتّعليميّة والسلطويّة والعلائقيّة بين “التّقليد” و”التّحديث”؛ الدار البيضاء، دار الثقافة للنّشر والتّوزيع، 2016 .
25.الهداني (العربي)؛ إرساء الجود بقطاع التّعليم المدرسيّ: في المنهجيّة والإكراهات والشّروط، مجلّة علوم التربية، العدد 49.
26.وزارة التربية؛ نحو مجتمع المعرفة: الإصلاح التّربويّ الجديد؛ الخطّة التّنفيذيّة، 2002-2007، جوان 2002.
27.ـ؛ برنامج البرامج، جانفي 2003.
28.؛ الإدارة العامة للدراسات والتّخطيط ونظم المعلومات، الإحصاء المدرسيّ، السنة الدراسيّة 2012- 2013.
29.الوكيلي (محمّد عزيز)؛ المدرسة ومنظومة القيم الكونيّة، مجلّة عالم التربية عدد21/2012.
30.يحي حسين (مها)؛ تحليل السياسة العامّة: التطوّر والمنهجيّة؛ مجلّة كلّية التّجارة للبحوث العلميّة، العدد الأوّل، المجلّد الخامس والخمسون، يناير 2018.
31.Delattre (J) ; Qualité et enseignement, spirale, Revue de recherches en éducation, n° 26, 2000.
32.Dubet (F) ; Les Lycéens, Paris, Editions du Seuil, 1991.
33.Dupuis (Ph) ; L’administration de l’éducation : Quelles compétences ? Education et Francophonie, Volume XXXII2, automne 2004.
34.Louis (P.A) ; Tunisie du Sud : Ksars et Villages de Crêtes, Paris, CNRS, 1975.
35.Rambaud (P) ; Sociologie Rurale, Paris, La Haye, Mouton, 1976.
36.Touraine (A) ; La société de communication et ses acteurs, Paris, seuil, 2021.
[1]محرز الدريسي؛ المنظومات التربويّة المغاربيّة: ملاحظات ومداخل إصلاحيّة، المستقبل العربيّ، السّنة 41، العدد476، تشرين الأوّل / أكتوبر 2018، ص63.
[2] أحمد لشهب؛ صنع السياسة التّربويّة في الجزائر، مجلّة المفكّر، العدد الحادي عشر، ص257.
[3] المرجع نفسه، ص 257.
[4] ورد عند مها يحي حسين؛ تحليل السّياسة العامّة: التطوّر والمنهجيّة؛ مجلّة كلّية التّجارة للبحوث العلميّة، العدد الأوّل، المجلّد الخامس والخمسون، يناير 2018، ص5.
[5] أحمد لشهب؛ المرجع السّابق، ص 258.
[6] محمّد السوالي؛ السّياسات التّربويّة: الأسس والتّدبير، الرّباط، دار الأمان، 1432ه -2012 م، ص 27.
[7] المرجع نفسه، ص 27.
[8]لويس لوغران؛ السّياسات التّربويّة، ترجمة تمام السّاحلي، بيروت، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع 1410ه-1990م، ص13.
[9] محرز الدريسي؛ المرجع السّابق، ص 52.
[10]عبد الجليل العكّاري؛ الفجوة بين السياسات التّعليميّة وأجندة التّعليم العالميّة 2030 ضمن Gulf Education and Social Policy Review, Volume 2, Issue n°1, 2021, p21.
[11] جاء في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ “لكلّ شخص الحقّ في التّعليم، ويجب أن يكون التّعليم في مراحله الأولى والأساسيّة على الأقلّ بالمجان، وأن يكون التّعليم الأوّلي إلزاميّا، وينبغي أن يعمّم التّعليم الفنّي والمهنيّ، وأن ييسّر القبول للتّعليم العالي على قدم المساواة التّامة للجميع وعلى أساس الكفاءة. …
[12] نصّت المادّة 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة على ما يأتي “تقرّ الدول الأطراف في هذا العهد بحقّ كلّ فرد في التّربية والتعليم…”
[13]جاء في المادّة 28 من الاتّفاقيّة الدوليّة لحقوق الطفل ” تعترف الدّول الأطراف بحقّ الطفل في التّعليم، وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحقّ تدريجيّا وعلى أساس تكافؤ الفرص…”
[14]محمّد بوبكري؛ المدرسة وإشكاليّة المعنى، الدار البيضاء، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2000، ص18 .
[15]محمّد عزيز الوكيلي؛ المدرسة ومنظومة القيم الكونيّة، مجلّة عالم التربية عدد21/2012، ص247 .
[16] محمّد بوبكري؛ المرجع السّابق، ص .19
[17]Delattre (J); Qualité et enseignement, spirale, Revue de recherches en éducation, n° 26, 2000, p22.
[18] عبد الهادي مفتاح؛ دلالات ورهانات الجودة، مجلّة عالم التربية، عدد خاصّ في جزئين 22-23 /2013، ص65، ولمزيد التوسّع في هذه الشّروط والخصائص يرجى الرّجوع إلى المرجع ذاته، ص-ص 64-66.
[19] العربي الهداني؛ إرساء الجودة بقطاع التّعليم المدرسيّ: في المنهجيّة والإكراهات والشّروط، مجلّة علوم التربية، العدد 49، ص77 .
[20]عبد الجليل العكّاري؛ المرجع السّابق، ص 22.
[21]المختار شعالي؛ من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، مجلّة علوم التربية، عدد64، يناير 2016، ص77 .
[22]عبد السلام السعيدي؛ تدريس مفاهيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليميّة مع دراسة تطبيقيّة، الدار البيضاء، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1422 ه- 2001م، ص-ص 217-218 .
[23]عماد بن عبد الله السديري؛ أزمة التعليم التّونسيّ: حقائق مخيفة تكشفها التّقارير الدوليّة، تونس، يافا للبحوث والدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2019، ص18.
[24]المختار العيّاشي؛ في تاريخ المدرسة التّونسيّة خلاصة 32 قرنا من الكتابة والمعرفة والتّعليم (1101 ق م /2007 م)، تونس، مركز النّشر الجامعيّ، 2012، ص289 .
[25] الحبيب بورقيبة خطبة بعنوان إصلاح التّعليم، ورد عند ثريا عرفاوي؛ التحوّلات السّياسيّة والسّياسات التّعليميّة في تونس، إسطنبول، المعهد المصري للدراسات، 2020، ص 8.
[26] المختار العياشي؛ المرجع نفسه، ص 294.
[27]محمّد بن فاطمة؛ عقلنة إصلاح المنظومة التّربويّة بتونس وتوحيده (وفق التكنولوجيا اللاّماديّة)؛ تونس كوبي بروCOPIE PRO 2020، ص17.
[28] المختار العيّاشي؛ المرجع السّابق، ص 337.
[29] محمّد بن فاطمة؛ المرجع السّابق، ص 18 .
[30] جاء في وثيقة الخطّة التنفيذيّة لمدرسة الغد 2002-2007 مايأتي «لتنهض المدرسة بمهامها على الوجه المطلوب، يتعيّن عليها أن تضع التّلميذ في صدارة اهتماماتها وأن تبوأه منزلة محوريّة في العمليّة التعليميّة. ويستوجب ذلك اتّخاذ جملة من الإجراءات المتنوّعة: إجراءات بيداغوجيّة، إجراءات هيكليّة، إجراءات تنظيميّة…، لمزيد التّفاصيل حول مضامين هذه الإجراءات يرجى الرّجوع إلى الوثيقة نفسها، ص 56 .
[31] حول هذه المجالات وكفاياتها، يُرجى الرّجوع إلى برنامج البرامج الذي أصدرته وزارة التربية في جانفي 2003.
[32] حول تجربة التعلّمات الاختياريّة في تونس؛ يرجى الرّجوع إلى مصطفى الشيخ الزوالي؛ المدرّسون والتّجديد: دراسة حول الإصلاح التّربويّ لسنة 2002 في تونس، المنستير، المطبعة التيمومي، 2022.
[33]Louis (P.A) ; Tunisie du Sud : Ksars et Villages de Crêtes, Paris, CNRS, 1975, p12.
[34]وزارة التربية؛ الإدارة العامّة للدّراسات والتّخطيط ونظم المعلومات، الإحصاء المدرسيّ، السنة الدراسيّة 2012-2013، ص14 .
[35] المرجع نفسه، ص 14.
[36] ثريا عرفاوي؛ المرجع السّابق، ص 22 .
[37]الهادي التيمومي؛ تعليم الجهل في عصر العولمة والإصلاح التّربويّ، صفاقس، دار محمد علي الحامي للنشر، 2016، ص 16-17.
[38] ناجي جلول يدعو إلى تنكيس العلم الوطنيّ وإعلان حداد وطنيّ على التّعليم في تونس، عن موقع https://www.alikhbariaattounsia.com (شوهد في 14/9/2022/ 21:16د).
[39] المرجع نفسه، ص 43.
[40] عبد الجليل العكاري؛ المرجع السّابق، ص 2.
[41] عماد بن عبد الله السديري، المرجع السّابق، ص 21.
[42] المرجع نفسه، ص 21 .
[43] محمّد بن فاطمة؛ المرجع السّابق، ص 23 .
[44] عماد بن عبد الله السديري؛ المرجع السّابق، ص 22.
[45]محمد الطيّب بدور وسميرة غانمي؛ التّعليم التّونسي بين خطر الإفلاس وواجب التّأسيس لتعليم تحرّري منصف، تونس، شامة للنشر، 2020، ص 112.
[46]Fei ; L’école facteur d’érosion sociale, in Rambaud (P) ; SociologieRurale, Paris,La Haye, Mouton, 1976, pp255.
[47] محمّد الطيّب بدور وسميرة غانمي؛ المرجع السابق، ص 112.
[48] وردت هذه النّقائص في وثيقة مجتمع المعرفة التّي كانت الأرضية للسّياسة التّربوية الثالثة التّي أطّرها قانون جويلية 2002 ، ينظر وزارة التربية، نحو مجتمع المعرفة…، مرجع سابق، ص 19-20 .
[49] ثريا عرفاوي؛ المرجع السّابق، ص 25.
[50] نقابة التّعليم الخاصّ: تضاعف عدد المؤسّسات التربويّة الخاصّة وتلاميذها خلال السّنوات الأخيرة يترجم نفور الأولياء من التّعليم العموميّ، عن موقع Babnet 29 octobre 2022 (شوهد على الساعة 16:25).
[51] المرجع نفسه.
[52]عبد العزيز قريش؛ الاشتغال المدرسيّ على تنمية الطّفل (من أجل اندماج اجتماعيّ منذ الصغر)، مجلّة علوم التّربية، العدد 49 ، ص-ص 54-55
[53]بول روبرت؛ التربية في فنلندا: أسرار نظام رائد عالميّا، ترجمة بتصرّف عبد اللّطيف امحمد خطابي، مجلّة عالم التّربية عدد خاصّ في جزئين 22-23/2013، ص 80.
[54]محمّد مومن؛ بيداغوجيا النّظام التّعليميّ المغربيّ في أبعادها التمثيليّة والتّعليميّة والسلطويّة والعلائقيّة بين “التّقليد” و “التّحديث”؛ الدار البيضاء، دار الثقافة للنّشر والتّوزيع، 1438ه /2016 م، ص54.
[55]محمّد بالرّاشد؛ حقوق الطفل: أرضيّة الإصلاح تربويّ ينمّي الذّات الفاعلة عند المتعلّم، أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثّامن، السنة الرّابعة، شتاء 2019م -1440، ص-ص 248-249.
[56] المرجع نفسه، ص275 .
[57] عبد الجليل العكاري؛ المرجع السابق، ص .15
[58]ماهر الجويني؛ المعلّم ودوره في التّنشئة الاجتماعيّة؛ أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثالث، السنة الثانية، صيف 2016م-1437ه، ص173.
[59] المرجع نفسه، ص 173.
[60]أحمد بنعمّو؛ أي ملامح مازالت للمدرّس اليوم؟ دفاتر التربية والتكوين، عدد مزدوج 8/9، يناير 2013، ص139.
[61]Dubet (F) ; Les Lycéens, Paris, Editions du Seuil, 1991, p26 .
[62] الهادي التيمومي؛ المرجع السّابق، ص 85.
[63]خلف العقلة ؛ التّعليم والتّعلّم زمن جائحة كورونا: الواقع والحلول، نشريّة الألكسو العلميّة سبتمبر 2020، ص 10.
[64] ينظر موقع https://www.tunisia-sat.com/forums/ بسبب رفضهم مدّ الوزارة بقائمة المضربين؛ ناجي جلول يقيل 10 مديرين (شوهد يوم 03/11/2022 على الساعة 12:20).
[65]الصديق الصادقي العماري؛ الترّبية والتنمية وتحدّيات المستقبل، الدار البيضاء، افريقيا الشرق، 2015 ، ص80.
[66]Dupuis (Ph) ; L’administration de l’éducation : Quelles compétences ?Education et Francophonie, Volume XXXII2, automne 2004, p142.
[67] جاء في موقع الإخباريّة التونسيّة بتاريخ 9-6-2022 أن فرقة الأبحاث والتفتيش بالقصرين تمكّنت من تفكيك وفاق قصد الغشّ في امتحانات البكالوريا يتكوّن من تلميذين وقيّم بأحد المعاهد وشخص آخر يتولّى إملاء إجابات الامتحانات بالهاتف على المترشّحين مقابل مبالغ ماليّة تتراوح بين 150 و300 دينارا للامتحان الواحد….” (شوهد الموقع في الساعة 10:11 د) .
[68] Touraine (A) ; La société de communication et ses acteurs, Paris, seuil, 2021, p18-19.
[69] رحمة بورقية؛ نحو مدرسة لبناء القدرات المعرفية، المدرسة المغربية، عدد مزدوج 4/5، أكتوبر 2012، ص 24.
[70] المرجع نفسه، ص 24-25.
[71] الهادي التيمومي؛ المرجع السّابق، ص 43-44.