أثر الصراع الاجتماعي في عاطفة المرأة الجاهلية شاعرات بكر انموذج
The effect of the social conflict on the passion of the pre- Islamic womanBekir tribe poets pattern
ط/د. عبد علي عبيد المجبلي (قسم اللغة العربية بجامعة أصفهان ـ إيران)
أ.م.د. سمية حسنعليان (الكاتبة المسؤولة) قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان
مشتاق طالب منعم الشمري (الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة واسط في العراق)
Abed Ali Ubaaid Al-Mijbilee – Somayeh Hassan Alian (Arabic Dept. at University of Isfahan)
Mushtaq Talib Munim Al-Shemrry (Dept. at Wassit University)
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 79 الصفحة 25.
Abstract
A woman is regarded as a fundamental element in the social life in human societies such as pre-Islamic society. She is considered a pulsing heart without it, everything stops. So, she should present in all activities that a person does and what he achieves for her active contribution to all details of life. She has been subjected to injustice and oppression, been forgotten, her impact is denied, and has disappeared from sight and hearing. It has ignored her share instead of rewarding her and stating her worth because of the dominance of the man, his superior view, and lack of confidence in her abilities in creative creativity. Because of all these data, it is important to study the effect of the social conflict and its reflection on the woman’s passion, positively and negatively in pre-Islamic society by tracing the pre-Islamic poetry of the Bekir tribe poets. Because of the extent of this conflict over time and place, the diversity of its reasons, and its causes. The Biker woman lived and interacted with all cases and social changes. She had a greater share in all these reflections and effects because she is the mother, the wife, the daughter, and the sister. As well as her identity, a sense of belonging to the tribe, the land, the environment, and what these important social links and obstacles generate in the life of the Pre-Islamic Biker family and society which can’t be separated from its relationship with a woman by her existence. She mentioned her situations and her human and social impressions and attitudes for she had a sensitive feeling and a strong affection more than the man had.
Keywords: social conflict, emotion, Bakr tribe, pre-Islamic era
ملخص:
تعد المرأة عصب الحياة الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية، ومنها المجتمع الجاهلي، فهي قلب الحياة النابض الذي بدونه تتوقف عجلتها بشتى أشكالها، ولابد من حضورها بكل ما يقوم به الفرد من نشاط، وما ينجزه من عمل، نظراً لمساهمتها الفاعلة في كل تفاصيل الحياة. وقد تتعرض للظلم، ويغيب ذكرها، ويُجحدُ أثرها وتتوارى عن الأنظار والأسماع، ويكون الإهمال نصيبها، بدلاً من المكافأة وذكر الاستحقاق، بسبب هيمنة الرجل، وتأثير النظرة الفوقية للرجل، وقلة الثقة بقدراتها على الإبداع الخلاق. وفي ظل هذه المعطيات وجدنا من الأهمية بمكان القيام بدراسة أثر الصراع الاجتماعي وانعكاسه على عاطفة المرأة ـ سلباً أو إيجاباً ـ في المجتمع الجاهلي من خلال تتبع ذلك في أشعار شاعرات قبيلة بكر الجاهلية، نظراً لسعة مساحة هذا الصراع زماناً ومكاناً، وتعدد أسبابه ودواعيه، وقد عاشت المرأة البكرية وتفاعلت مع تلك الأحوال والتقلبات الاجتماعية، وكان لها النصيب الأوفر من تلك الانعكاسات والتأثيرات، لأنها؛ الأم، والزوجة، والبنت، والاخت، فضلاً عن الهوية والشعور بالانتماء للقبيلة والأرض والبيئة، وما تولده هذه الروابط والعلائق الاجتماعية المهمة في حياة الأسرة والمجتمع البكري الجاهلي، الذي لا يمكن أن يتجرد من ارتباطه بالمرأة، بحكم وجودها، فأخذت تسجل مواقفها، وانطباعاتها الإنسانية والاجتماعية، نظراً لما تتمتع به المرأة من حس مرهف، وعاطفة جياشة تفوق الرجل كثيرا فيهما.
الكلمات المفتاحية: الصراع الاجتماعي، العاطفة، قبيلة بكر، العصر الجاهلي.
1ـ المقدمة:
أدت المرأة الجاهلية دوراً بارزاً في توجيه الصراعات والقضايا الاجتماعية التي تتصل بحياة المجتمع سواء أكان أفراداً أم جماعات أم قبائل، بصرف النظر عن نوعية هذا الدور في السلب أو في الإيجاب، وبحسب ما تمليه العواطف وآثارها، وقد بنيت على أساس ذلك مواقف وقرارات مصيرية، وتحققت نتائج منها ما يدعو إلى التفاخر والاعتزاز والإعجاب بالنسبة لمجتمع المرأة الجاهلية، وتؤكد ما تبثه المرأة من خلال عاطفتها من طاقة في المجتمع الجاهلي ـ سواء أكانت طاقة إيجابية أم سلبيةـ ولعل سبب ذلك يعود إلى «أن المرأة تتمتع بقدرات كبيرة على تصوير الموضوعات الخاصة بها نظراً لعمق تجربتها ومعايشتها لبعض الموضوعات التي لا يعايشها الرجل.. »[1]
إن شعور المرأة أحياناً بالاضطهاد السياسي والاجتماعي، وهيمنة الرجل على الكثير من القرارات والمواقف وإخضاعه لها جعلها تعبر عن مشاعر الغضب من الظلم الذي تتعرض له من جراء ذلك بصرف النظر عن مكانتها وقيمتها الاعتبارية، لذلك جاءت مواقفها المعبرة عن نوع من الرفض، أو الثورة ضد الواقع الذي تعيشه متمسكة بمواقفها التي قد لا تكون معلنة أحياناً، مع الإصرار الممتزج بنوع من التزمت لتلك المواقف. لذلك لابد من قراءة الأدب النسوي قراءة متجردة من هيمنة العنصر الذكوري، واستنطاق النصوص النسوية لمعرفة أهمية وأثر الخطاب النسوي الذي لا يتوفر على العاطفة فحسب بل يخرج إلى ميدان الصراع الاجتماعي ويشارك فيه بفعالية كبيرة مستمراً عوامل؛ العاطفة، وتأثير الخطاب في المشاعر الاجتماعية عند العنصر الرجولي.
1ـ1: أهمية البحث:
انطلاقا مما تقدم تظهر أهمية دراسة شعر المرأة البكرية، فضلا عن المرأة الجاهلية، بسب ما تعرض له شعر المرأة من ظلم وجفاء، مما أدى إلى ضياع الكثير من الأشعار، وكذلك ما تعرض له شعر المرأة من طمس للهوية، وابتعاد عن دراسته وبيان مواطن الجمال والأصالة فيه، على الرغم من أنه يعبر تعبيراً صادقاً عن الواقع، ويعكس قدرة المرأة على الإبداع.
1ـ2: أهداف البحث: يهدف البحث إلى تتبع أثر الصراع الاجتماعي في عاطفة المرأة الشاعرة من خلال ما قالته من أشعار في ظروف ومناسبات عدة وفي موضوعات الشعر المعروفة مثل؛ الرثاء، والفخر، والمدح، والهجاء، وتوديع الأحبة، وفراق الأهل بسبب عوامل السبي أو الموت، وغيرها. وما تحملته من أسى، وما ذرفته عيونها من البكاء، والنواح.
1ـ3: أسئلة البحث: يحاول البحث الإجابة على الأسئلة الآتية في خلال هذا المقال:
ـ ما أثر الصراع الاجتماعي في حياة المرأة الشاعرة البكرية؟
ـ ما علاقة العاطفة بالصراع الاجتماعي في مجتمع المرأة البكرية؟
1ـ4: منهج البحث: نظراً لما سيقوم به البحث من دراسة لمجموعة من النصوص الشعرية لعدد من
شاعرات قبيلة بكر الجاهلية، وأن دراسة هذه النصوص وتحليلها تتطلب الوقوف عند بعض الظروف الاجتماعية المحيطة بالنص، إذ أن النص الجاهلي لا يمكن فهمه إلا من خلال التحليل للاستدلال على قيمته الفنية التي تشتمل على العاطفة، فإن ذلك يدعونا إلى اتباع منهج البحث التحليلي، والمنهج الاجتماعي.
1ـ 5: خلفية البحث:
لا توجد دراسة تناولت عاطفة المرأة الجاهلية، وكذلك المرأة الشاعرة البكرية. بل توجد دراسات تناولت جوانب من شعر المرأة الجاهلية بشكل عام :
ـ دراسة الشعر النسائي قبل الاسلام دراسة في ضوء النظريات الأدبية المعاصرة بقلم زينب ناصر سلمان﴿2020م﴾:تناولت الدراسة جماليات الشعر النسائي وما يعكسه من صورة المرأة والشاعرة ومدى موازاته للشعر الرجالي.
ـ دراسة المرأة في شعر الصعاليك رسالة ماجستير، بقلم أحمد سلمان مهنا ﴿2007م﴾: تناولت الدراسة؛ المحبوبة في شعر الصعاليك، والزوجة في شعر الصعاليك، والأم ومكانتها في الشعر الجاهلي وشعر الصعاليك.
ـ دراسة صورة المرأة في شعر الأعشى دراسة جمالية، رسالة ماجستير، إعداد سلمى بو قلقول﴿2015م﴾: تناولت الدراسة مكانة المرأة في الحضارات القديمة، ومكانة المرأة في المجتمع العربي القديم، وتصوير جمال المرأة وأبعادها الرمزية.
2ـ التعريف بشاعرات بكر:
لقد قمنا بمسح مجموعة من المصادر التي اعتنت بشعر المرأة الجاهلية، ومن هذه المصادر: التعازي والمراثي والمواعظ والوصايا: لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، 210ـ 286هـ، وأشعار النساء، للمرزباني، أبي عبيد الله محمد بن عمران، 296ـ 384هـ، ورياض الأدب في مراثي شواعر العرب، للويس شيخو اليسوعي، 1897م. وشاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، لبشير يموت، 1934م. وديوان بني بكر في الجاهلية، لعبد العزيز نبوي،1989م. وتم اختيار مجموعة من الأبيات الشعرية لثلاث عشرة شاعرة بكرية في الجاهلية، وهنَّ:
2ـ1: ابنة الحذاق الحنفي: من بني حنيفة، شاعرة من شاعرات العرب في الجاهلية، روت لها المصادر قصيدة في رثاء أبيها وزوجها من عشرة أبيات.[2]
2ـ2: أم بسطام: ليلى بنت الأحوص، المعروفة بأم بسطام، وبسطام بن قيس سيد بني شيبان ولدها، امرأة فاضلة عاقلة، وشاعرة، لها مراث في رثاء ولدها وقصائد في أبناء قبيلتها.[3]
2ـ3: أم عقبة بنت عمرو بن الأبجر اليشكري: زوج غسان بن جهضم بن العُذافر امرأة من يشكر شاعرة
عُرِفت بوفائها لزوجها بعد مماته، ولها في وفائه أشعار.[4]
ـ أم عامر بنت معن العجلي: ذكرها المرزباني في أشعار النساء، وذكر لها أبياتاً في الهجاء.[5]
2ـ4 امرأة من بني حنيفة: ذكرها المفضل الضبي، وأورد لها المفضلية التاسعة والستين في رثاء يزيد بن عبد الله بن عمرو الحنفي.[6]
2ـ5: البسوس: هي البسوس بنت منقذ، تميمية الأصل، بكرية الموطن والجوار، وهي خالة جساس بن مرة، قاتل كليب، وقد قيل عنها في الأمثال «أشأم من البسوس»، لأنها كانت السبب المباشر في نشوب حرب البسوس بين بكر وتغلب ، في القرن الخامس الميلادي، وعرفت تاريخياً باسمها.[7]
2ـ6:جليلة بنت مرة: شاعرة من بني شيبان البكرية، امرأة عاقلة ذات شأن ومكانة، وهي زوج كليب وائل سيد الحيين (بكر وتغلب)، قتله أخوها جساس، وعلى إثر ذلك نشبت حرب البسوس، لها قصائد عدة في رثاء زوجها، ولوم قومها في قتله.[8]
2ـ7: حُسَينة(بضم الأول وفتح الثاني) بنت عامر بن بجير العجلي: شاعرة جاهلية من بني عجْل البكرية، أسرها عمرو بن الحارث بن أُقَيش العُكَلي في يوم العذار بعد أن انهزم عنها زوجها وتركها للأسر، وفاداها أخوها بعد أن رفضت مفاداة زوجها، وقال فيها آسرها شعراً جميلاً مشبهاً إياها بالظباء الكواعب.[9]
2ـ8: الخرنق بنت بدر بن هفان: شاعرة جاهلية من بني ضبيعة بن قيس البكرية، أخت طرفة بن العبد لأمه، لها ديوان من الحجم الصغير حققه حسين نصار[10].
2ـ9: زينب بنت فروة بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة الشيبانية: شاعرة جاهلية من بني شيبان، لم تذكر المصادر عنها كثيراً، وعرفت برثائها لأبيها الذي قتل في وقعة عين أباغ[11].
2ـ10: زينب بنت مهرة بن الرائد اليشكري: شاعرة من شواعر العرب في الجاهلية، من بني يشكر، عرفت برثاء زوجها مالك بن فند اليشكري، وأبيها مهرة بن الرائد اليشكري في حرب البسوس، بعد أن أبلوا بلاء حسناً.[12]
2ـ11: صفية بنت ثعلبة الشيبانية: شاعرة جاهلية من بني شيبان، كانت تلقب بالحجيجة، وقد ذكرت
ذلك في شعرها، امرأة عاقلة وذات مكانة مرموقة في قومها، عرفت بذكائها وحنكتها، استطاعت أن توحد قومها بني شيبان، وكان أخوها عمرو بن ثعلبة على رأس قومه[13].
2ـ12: عَمرة الخثعمية من بني تيم اللات: شاعرة من شاعرات الجاهلية، عرفت برثاء ابنيها رثاءً رقيقاً مفعماً بالتصبر وعدم الجزع[14].
2ـ13: ليلى العفيفة: هي ليلى بنت لُكَيز بن مرة بن أسد البكرية الشاعرة، لقبت بليلى العفيفة، عرفت بجمالها الأخاذ، وعقلها الراجح وصبرها وتصبرها على التعذيب للحفاظ على عفتها، ولها أشعار في ذلك[15].
3: الصراع الاجتماعي:
لبيان مفهوم الصراع الاجتماعي لابد من تفكيك العبارة إلى (صراع) و(اجتماعي)لكي تتضح صورة مفهوم الصراع الاجتماعي.
3ـ1: مفهوم الصراع: تقترب الدلالة الاصطلاحية من الدلالة اللغوية كثيراً، وإن لم تقترب بلفظها لكنها تقترب بالمعنى فهي يدل على القوة، وشدة المِراس، والاشتباك لإثبات القوة، والجرأة، والتحمل، والمبالغة في الصراع بغية الغلبة.
والصراع(Conflict) هو« في الأصل نزاع بين شخصين يحاول كل منهما التغلب على الآخر بقوته المادية…»[16] أما إذا كان المعنى مجازياً فهو؛ نزاع بين قوتين معنويتين، يحاول كل طرف منهما يحل محل الآخر، أو يزيحه من أمامه، كما يظهر ذلك في تقاطع؛ الرغبات، أو النزعات، أو المبادئ، أو الوسائل والأهداف، ويرى علماء النفس أن الصراع نتيجة الكبت بين القوة الشعورية، والقوة اللاشعورية، وهذا الصراع يمثل خطورة بالغة في التمييز بين مظاهر الشخصية السوية، والشخصية الشاذة[17].
3ـ2:مفهوم الاجتماعي: من الاجتماع؛ وهو التجمع والحضور لمناسبة، أو دعوة، وقد أشارت الآيتان؛ الثامنة والثلاثون والتاسعة والثلاثون من سورة الشعراء المباركة لهذا المفهوم في قوله تعالى:« فجُمِعَ السّحَرَةُ إلى ميقاتِ يومٍ معلوم. وقيلَ للناسِ هل أنتم مجتمعون.». والاجتماعي؛ منسوب إلى الاجتماع، والاجتماعية: مجموعة العلاقات الاجتماعية، وتعني مجموعة الصفات التي يتميز بها الاجتماعي، وتمثل علاقات الأفراد والجماعات والشعوب بعضهم بالبعض الآخر[18].
4: العاطفة:
مفرد عواطف، وهي «انفعالات وجدانية سواء أكانت هذه الانفعالات روحية، أم غريزية، أم خلقية، أم طمعاً لإشباع حاجة نفسية… فكل شيء يثير النفس، ويقع بين الفرح والحزن فهو عاطفة… كالرضا، والحب، والتلذذ، والحنان، والخجل، والحسد، والانتقام، والاحتقار، والغضب »[19].
والعاطفة « حالة شعورية في مقابل التصور الذي يُحدثه الإحساس…والعاطفة كل حالة انفعالية في مقابل الحالة التعقلية والفاعلة»[20].
وبما أن كل إنسان يتألف من روح وجسد، وشعور، وعقل وعاطفة، وهذه العاطفة تتفاعل مع آلام الصر، وتتعذب بملء جوارحها، وهو إحساس يشبه الإحساس بالحاجة إلى الهواء لذا فإن هذه العاطفة تمثل مشاعره المضغوطة تجاه كل ما يجري حوله من؛ أحداث، وصراعات، ورغبات، وإرهاصات[21].
ويرى هيغل (Hegel ) في فن الشعر في حديثه عن اللغة الشعرية الداخلية« أن الحدوس والعواطف التي يفصح عنها من خلال هذه اللغة لا بد أن يكون لها ـ وإن انتمت إلى خصوصية الشاعر من حيث هو فرد ـ جانب عام ـ أي عواطف وتمثلات حقيقية قابلة لأن تستحضِر لدى الآخرين عواطف وتمثلات مناظرة على يد بصير شعري وحافز… فرسالته أن يحرر الروح ، لا من العاطفة والشعور، بل في العاطفة والشعور…»[22]. فالشاعر يستهدف الروح والعاطفة ليستميلها إليه ويشركها في سرائه وضرائه. ونظراً لما للشعر من أثر نفسي يبعث على الارتياح والسكون، وهدوء النفس، أو جَيَشانها نتيجة لتفاعلها مع ما يطرحه الشاعر، وما يعرضه في قصيدته، كل ذلك له أثره الواضح في العاطفة كما يقول ابن رشيق القيرواني« ومن العرب من يختم القصيدة فيقطعها، والنفس بها متعلقة، وفيها راغبة مشتهية…»[23]. ولعل هذا أسلوب من أساليب الشعراء في ربط العاطفة بخيط يرتبط بالرسالة التي يبثها الشاعر ويستهدفها في ثنايا القصيدة، ومنها ما يتعلق بتوجه الشاعر أو الشاعرة نفسيهما وغاياتهما المبتغاة. ولعل من صحة الألفاظ التي تشير إلى العاطفة ما يكون صالحاً في وصف العواطف والانفعالات وصدقها[24].
يمكننا أن نقول أن الوعي الإنساني مبني على « عنصر التعاطف مع الآخر عبر تحسس ألم هذا الآخر في داخل الأنا، أي من خلال قدرة الأنا على افتراض ذاتها خاضعة للألم نفسه…»[25]. أي بمعنى آخر تفاعل العاطفة مع الآخر والشعور بالألم، وهو تعبير عن المشاركة، والتفاعل الإنساني
والاجتماعي بين بني البشر بصرف النظر عن الجنس والهوية والعقيدة، ليضعنا ذلك أمام أهمية ومكانة
العاطفة في الشعر، لأن الشعر« وعاء للعواطف الإنسانية المختلفة… فبدون العواطف تستحيل العبارة إلى نثر بارد لا حياة فيه تموت بعد أن تؤدي غرضها في إيصال المعنى أو المعرفة، أما الشعر فإنه خالد خلود العواطف الإنسانية…»[26].
إن حديث الشعراء في أشعارهم عن حياة المجتمع، والسلوك الإنساني والظواهر الحياتية في هذا السلوك إنما هو تعبير عن تجربة الشاعر، وانتقاد الظواهر السلبية، والإعجاب بالظواهر الإيجابية، وهذا يمثل الميل الذاتي وتعاطف الشاعر مع ما يريد الإشارة إليه سلباً أو إيجاباً بأسلوب لا يمكن تجريده من العواطف الخاصة به[27]، ولعل أكثر الأشياء التي يميل إليها الناس، أو ينفروا عنها هي التي فُطِرت عليها النفوس واعتادت أن تستلذ بها، أو تتألم منها، وهذا ما يعمل على تأجيج العاطفة[28].
لقد كان دور الشعراء في مختلف العصور يقوم على استيحاء الترابطات الحرة واللاشعورية في تصريف القوى المكبوتة في الشعور، وهذا ما تنطلق منه الدراسات النفسية عند (فرويد) وغيره[29]. لذا فإن الشعر الحافل بالعاطفة هو الشعر الذي يتجه إلى داخل النفس، ومعالجة خفايا الذات والحالات اللاشعورية التي تثير كوامن النفس[30]، فهو شكل « من أشكال التعبير العاطفي… عن هموم الإنسان الذاتية، وعن انفعالاته وعواطفه…»[31].
4ـ1: العاطفة في شعر المرأة البكرية:
عاشت المرأة البكرية كغيرها من نساء الجاهلية ظروفاً استثنائية، فهي بين إهانة السبي، وأسى الثكل، وحسرة البعاد، وشظف العيش، وأهوال التنقل والرحلة الدائمة، إلا أنها عُرفت بالصبر والتجلد، أو التصبر على فقد الأحبة، وتحمل أعباء المسؤوليات الجسام، فكانت فاعلة ومؤثرة أثبت حضورها في الساحة الاجتماعية.
إن الحديث عن العاطفة في شعر المرأة يقودنا إلى ما جرى الحديث عما اصطُلِح على تسميته بـ(أدب المرأة)، أو(الأدب النسوي)، أو(أدب الأنوثة) في الحقل الأدبي في مجال النقد في العصر الحديث[32]،
« وإذا كان الأدب النسوي يؤكد مقولة وجود إبداع نسائي وآخر ذكوري لكل منهما هويته وملامحه الخاصة، وصلته بجذور ثقافة كلٍّ منهما وتجاربه الخاصة، فإن النقد النسوي هو كل نقد يهتم بدراسة أدب المرأة، ويتابع دورها في إبداعها، ويبحث عن خصائصه الجمالية، واللغوية، والبنائية»[33].
وتعد الآثار الشعرية سواءً أكانت أبياتاً منفردة أم قصائد مطولة هي من أهم الآثار التي تعبر عن الشاعرة وأثرها في الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها، إذ أن البحث في النصوص المأثورة عما تخفيه أو تظهره الشاعرة يمكننا من تحديد دورها الاجتماعي في مجتمعها[34]، انطلاقاً من مقولة: «جوهر الشعر انفعال شامل بما حوله من الوجود»[35]، لأن الانفعال جزء من العاطفة.
4ـ2: الخطاب العاطفي في شعر المرأة البكرية:
إن المتتبع لشعر النساء في العصر الجاهلي يلاحظ شيوع مخاطبة الأموات، والحيوانات، والجمادات، وكأنها تتمتع بالحياة والقدرة على النطق فيما يوجه إليها من خطاب. وتترجم هذه الظاهرة بوضوح علاقة المرأة بما يحيط بها وتفاعلها معه، فضلاً عن اتصالها الشديد بالبيئة التي تعيش فيها، إذ تحاورها وتبثها أحاسيسها ومشاعرها وكل ما تشعر به من آلام وأوجاع، لأنها تبحث عن مّن يشاركها في هذه الآلام والأوجاع، طلباً للتخفيف والمواساة من وطأة المعاناة. وفي ذلك تقول أسماء المرية صاحبة عامر بن الطفيل وقد تزوجها رجل من تهامة ونقلها إليها، فسألته عن نسيم الصَّبا التي تهب على نجد وهي نسيم معروفة بطيبها ولم تجدها في تهامة، وقد هاجها الشوق إلى أهلها مع شعور بالغربة والبعاد، فأجابها؛ إن الجبلين يحجبانها عنا، فهاجها الحنين وألم الفراق[36]،فقالت[37]:
أيـــا جَـبَــلَي نُـعـمانَ باللهِ خَــلِّــيا | نــسيمَ الصَّبا يـخلُـصْ إليَّ نسيمُهـا | |
فــإنَّ الـصَّـبا ريـحٌ إذا ما تَـنَـفَّسَت | عـلـى قلبِ محزونٍ تَـجَلَّتْ هُمومُها | |
أجِـدْ بَردَهـا أو تَـشْفِ منـي حَرارةً | عـلـى كـبـدٍ لم يَـبْـقَ إلّا صَميمُهــا | |
أيــا جــبَـلَـي وادي عُريعُـرَةَ التي | نأَتْ عـن نَوى قومي وحَقَّ قُدومُها | |
ألا خَــلِّــيا مـجـرى الجَنوبِ لعلَّه | يداوي فـؤادي مــن جَواهُ نسيمُها | |
وكيفَ تُداوي الريحُ شوقاً مـماطِلاً | وعينـاً طويـلاً بالدمــوعِ سُجومُها |
والمرأة الشاعرة حين تخاطب تلك الأشياء تشير إلى الرمزية التي تدل على رؤيتها، والتعبير عن موقفها تجاهها، ولعل ذلك يتصل بتجربتها الشعورية التي تحاول من خلالها أن تهز الوجدان، وتلامس المشاعر، لتخلق جواً من التفاعل مع تجربتها الشعورية[38]. وإذا كان الغزل هو لغة الخطاب العاطفي في الشعر الذكوري كما يرى بعض الدارسين[39]،ــ
فإن العاطفة هي لغة خطاب المرأة الشاعرة عبر العصور، وهي ميدانها الفسيح للتعبير عن موقفها من الأشياء والأحوال المحيطة بها، والتي تعد جزءً من تفصيلات حياتها اليومية والاجتماعية، تلك العاطفة المبنية على العقل والإدراك الواقعي والاجتماعي لطبيعة الأشياء وتأثيراتها.
4ـ3: أشكال الخطاب العاطفي في شعر المرأة البكرية:
اتخذ الخطاب العاطفي في شعر المرأة البكرية أشكالاً متعددة نظراً لطبيعة العلاقة الحميمة بين الشاعر الجاهلي بصرف النظر عن جنسه ـ رجلٍ أو امرأة ـ وبين الأشكال المحيطة به ، فهي علاقة بين الشاعر الذات(الأنا) وبين ما يحيط به الذي يمثل الـ(أنت) و الـ(هو) فيخاطبها خطاب الحي الذي يعقل، ويرى، ويسمع، وكما مبين في الخطاطة الآتية:
الخطاب (الشاعر)
الـ(أنا)الذات الـ(أنت) والـ(هو)
وقد يكون هذا الخطاب مجازياً، يتناول فيه أشكالاً عدة، منها؛ مخاطبة الطلل، والشخص الميت، وأجزاء الجسم، ودعوة العين للمساعدة على البكاء، أو المشاركة في الإكثار من سكب الدموع، ومخاطبة المعنويات ومنها الليل والقمر والرياح، والحيوانات، والجمادات مثل؛ الجبال والصخور، والصحراء، وما إليها[40].
4ـ3ـ1: مخاطبة العين:
اشترك الشعراء نساءً ورجالاً في مخاطبة العين، وطلبوا منها أن تعينهم في البكاء في حالات استنفار العواطف والمشاعر التي تجيش في الصدور، لرثاء عزيزٍ، أو فراق حبيبٍ ،«وقد استعان الشعراء على رثاء موتاهم وقتلاهم بالبكاء، فطالما طلبوا إلى أعينهم أن تنجدهم بالدمع وإلى مآقيهم أن تسعفهم بالبكاء»[41].
وقد خاطبت المرأة الشاعرة العين، العضو الأكثر حساسية واستجابة للعواطف في ساعات؛
الأنس، والوحدة، والأسى، والتشوق، حيث تلجأ إلى العين في تذريف الدموع على فقيد عزيز، أو حبيب مفارق، أو شوق لمنزل تركته ورحلت ـ سواء أكان هذا الرحيل بإرادتها أم بدون رغبة منهاـ وفي ذلك تقول ليلى بنت لُكيز في رثاء أخي زوجها غُرثان، وهي تدعو عينها إلى البكاء، ولم تكتفِ بدعوة العين وإنما راحت تخاطب القلب أيضاً ليقيما معها مأتم الشجن والحسرة والأسى، تقول[42]:
يــا عينُ فابكي وَجودي بالدموع ولا | تـمَـلّ يا قلبُ أن تبكي بأشجــانِ | |
فذِكْــرُ غُرثانَ مــــولى الحيِّ من أسدٍ | أنسى حــياتي بــلا شَــكٍّ وأنساني |
يقول ابن رشيق القيرواني إن « النساء أشجى الناس قلوباً عند المصيبة وأشدهم حزناً على هالك لما ركَّب الله عز وجل في طبعهنَّ من الخور وضعف العزيمة»[43]، لذلك جاءت دعوة جليلة بنت مرة لعينها إلى البكاء خوفاً من الشرِّ الذي قد يقع، ثم بكاءً على كليب الذي قتله أخوها، فهي تقدم الخور من وقوع الشر على مصيبتها بزوجها، تقول[44]:
يــا عينُ فابكي فإنَّ الشَّـرَّ قــد لاحـا | واسبلي دمعَـكِ الـمـحزون سفّاحا | |
هـذا كُـلَـيبٌ عـلى الرَّمضاءِ منجـدِلٌ | بين الخـُـزامى علاهُ اليومَ أرمـاحــا |
وتشتد الحسرة وتتأجج نيران العاطفة عند ابنة حذّاق الحنفي وهي تطلب من عينيها أن تجود بالدموع على صدرها في رثاء أبيها، فهي تبكيه بحسرة، لاسيما وأنها ترقب فرسان قومها وقد عادوا إلى ديارهم، ولم تجد أباها بينهم، فيزداد بكاؤها، ويشتد حزنها، وتنهمر دموعها شديدة كما ينهمر ماء المطر الكثيف ذي الفقاعات الكبيرة، إشارة إلى كثرة الدمع، وشدة البكاء(وعيني كالحجاة من القطرِ…) تقول[45]:
أعَـيـنَـيَّ جودا بالدموعِ عـلى الصَّـدْرِ | على الفارسِ المقتولِ في الجبلِ الوعرِ | |
فــإن يقتُلـوا حَــذّاقَ وابـن مطَـرِّفٍ | فــإنَّ لـدَيــنا حـوشَـباً وأبـا الجسرِ | |
تـبـصَّـرْتُ فـتـيانَ اليمـامةِ هـل أرى | حـذاقــاً وعيني كالحَجاةِ من القطرِ | |
تـعــاوَرَهُ أسـيــافُ قــومٍ تـعــوَّدوا | قِـراعَ الـكُـماةِ لا خُنوسٍ ولا ضُجْرِ | |
فـيـا لـَهَـفـي ألّا تـكـونَ لـقـيـتَـهُـم | بـصحـراءَ لا ضـيقِ المَكَـرِّ ولا وعْـــــــــــــــــــرِ |
أما بكاء أم عقبة بنت عمرو بن الأبجر اليشكرية فيأتي ردا على ابن عمهاـ زوجهاـ وهو على فراش المرض، وقد طلب منها تقسم له ألا تتزوج بعده، وأن تكون وفية لذكراه، فيأتي ردها[46] :
ســـوفَ أبكيكَ مــــا حييتُ بشجوٍ | ومــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراثٍ أقـــولــُهــا وبـنـدبــه |
4ـ3ـ2: الرثاء:
لا يوجد فرق بين الرثاء والمدح، سوى أن يشار في الرثاء إلى شيء يدل على أن المقصود به ميت، إذ يرى ابن رشيق القيرواني أن سبيل الرثاء إظهار التفجع، وقد يخلط فيه الشاعر بين الحسرة والتلهف، والأسف واستعظام الفقد[47].
لذا جاءت مراثي النساء مفعمة بالشجو، وشدة التأثير في القلوب، وإثارة الأحزان، وإظهار الفجيعة، وشدة الجزع، وذلك مما يثير الأشجان، ويسعر النيران في القلوب[48].
« لقد كان الشعر بالنسبة للنفوس الجريحة طيباً وراحة واستهواءً ومتعة… وأشد ما يكون التحسس بذلك عند الانسجام في الشعور، والتوافق في آلام الجروح، ولابد لجريح النفس إذا ما اتصل بمسامعه الغناء الحزين، والنشيد الشجي أن يتحسس بالرحمة والألم، وأن يستمتع بالحزن، ويستعبر بالأسى والرقة…»[49]. والشعر يمثل ذلك، وعلى الرغم من العاطفة المتأججة عند المرأة في الرثاء إلا أنها كانت تكثر في رثاء الميت من ذكر محامده في؛ الجود والكرم، والشجاعة والنجدة، والإباء، وإعانة المحتاج، وفكاك الأسير، ورعاية الأيتام والأرامل[50]. وقد قامت طريقة الشعراء العرب في الرثاء على ثلاثة أركان:
4ـ3ـ2ـ1:التأبين:
وهو الثناء على الميت والإشادة بمناقبه، فهو يمثل المروءة والنجدة، والرجولة والشجاعة، والكرم والسماحة، وكل ما يتصل بالصفات الحسنة، وحديث الشاعر في هذا الباب قد لا يصل إلى مستوى الحزن الخالص[51]. وأن هذا اللون من الرثاء الذي يقوم به الشاعر يصور فيه أحزانه وعظيم رزيته وتفردها، والتأسي بأن مَن فقدَه واحد من البشر أو الأحياء الذين كُتِبَ عليهم الموت بهذا المصير، مما يدفع الشاعر إلى المبالغة في التأبين، وإظهار الجزع عليه، وشعوره بأن ما يقوم به هو من الواجبات المتوقعة منه، فضلاً عن حزنه وألمه عليه[52]. ولعل من جميل ما قيل في تأبين الأبناء ما قالته عمرة الخثعمية وهي ترثي ابنين لها بعاطفة تهز الوجدان، فبعد أن تنفي جزعها عليهما على الرغم من كبر سنها، تقف عند مناقبهما بصبر وتأسٍّ لأم تكتم جزعها لتتأسى بمناقبهما من الفقد ولوعة الفراق، فهما الشجاعان صاحبا النجدة والبطولة في سوح الوغى، وهما الكريمان الماجدان في مساعدة المعوزين، وهما المعروفان بعزة النفس والإباء في أوقات الشح والعوَز، وهما المعروفان بكرمهما لكل محتاج،
المرأة
ثم تشير المرأة الثكلى الصابرة إلى أن ما يشعل أساها؛ ترمل زوجتيهما وتيتم أبنائهما، وأن فرسيهما أصبحتا سائمتين عاريتين بعدما بُرِيَت حوافرهما لكثرة ما كان الفقيدان يركبانهما، تقول[53]:
لقد زعموا أني جزِعْتُ عليهما | وهل جَزَعٌ أن قلتُ وا بأباهما | |
بُنَيّا عجوزٍ حرَّمَ الدهرُ أهلها | فما إن لها إلا الإلهُ سواهما | |
هما أخَوا في الحربِ مَن لا أخاً له | إذا خافَ يوماً نَبْوَةً فدعاهما | |
هما يلبسانِ المجدَ أحسنَ لِبسَةٍ | شحيحانِ ما اسطاعا عليه كلاهما | |
إذا استغنيا خَبَّ الجميعُ إليهما | ولم ينأَ من نفعِ الصديقِ غناهما | |
إذا افـتـقـرا لــم يـجثما خشيةَ الردى | ولـم يـخـشَ رُزأً منهمـا مَولياهُمـا | |
إذا نـزَلا الأرضَ المخوفَ بهــا الردى | يـخفِّـضُ مـن جأشَيهما مِـنصلاهما | |
شـهـابانِ مـنّــا أُوقِــدا ثــم أُخـمِدا | وكـان سَـنَـاً للمـدلـجـينَ سناهمـا | |
لــقـد سـاءَ نـي أن عنَّست زوجتاهما | وأن عُــرِّيَتْ بعـد الوجى فرَساهمـا | |
ولـن يـلبثَ العَـرشـانِ يُـستَـلَّ منهما | خـيارَ الأواسـي أن يَمـيلَ غَواهمــا |
وتؤبن ليلى بنت الأحوص ـ أم بسطام ـ ابنها بسطام بن قيس فارس بني شيبان بعاطفة شجية وجياشة، فهي ليست وحدها من تبكيه، وإنما يبكيه العاني الذي ينوء بحمل الديات ولم يجد من يخفف عنه وطأة هذه الأحمال، والأسرى الذين لا يجدون من يحررهم من الأسر، ويبكيه الفرسان الذين تضيق بهم الحيل في ساحة المعركة، لحاجتهم إلى شجاعته وإقدامه، وتبكيه الأرامل اللواتي لا يجدن من يعينهن ويعيلهن، تقول[54]:
سـيـبكـيـكَ عـانٍ لـم يجد مـن يفكُّهُ | ويـبكيكَ فرسان الوغـى ورجالُـها | |
وتـبكـيـكَ أســرى طالما قد فككتهم | وأرمـلـةٌ ضـاعـت وضـاعَ عيالُـها | |
مـفـرِّجُ حَوماتِ الخطوبِ ومُدرِكُ الـ | ـحـروبِ إذا سالت وعَـزَّ صِيالُـها | |
تَـغَـشّـى بـها حيناً كذاكَ فَـفُـجِّـعَتْ | تـمـيمٌ بـهِ أرماحُهـا ونِـبـالُــهـــا |
فهي لا تبكيه جزعا لموته، وإنما جزعاً لفقدان أعمال الخير والحَدَب على العشيرة، وأعمال المعروف التي كان يقوم بها تجاه الناس. ثم تدعو على قاتليه بالفجيعة بأرماحهم ونبالهم، إشارة إلى الرجال الذين يحملون تلك الرماح التي طعنته، والنبال التي ناشَتْهُ، بأسلوب سلاح المرأة في مثل تلك المناسبات إذ لا تملك إلّا الدعاء.
وتعلن الخرنق بنت بدر أساها بفقد أخيها في بكائية مفعمة بالحسرة والأسى، وقد انتظرته وليدا وعددت له خمساً وعشرين سنة حتى اكتمل وصار سيداً، ثم فجعت به، تقول[55]:
عدَدْنا لهُ خـمـساً وعشريــنَ حجَّــةً | فلمّا توفّاها استوى سيداً ضخمــــا | |
فُـجِــعْــنـا بـه لَـمّـا انتظرنا إيابَـــهُ | على خَيرِ حينٍ لا وليداً ولا قَحْمـــا |
أما هذه المرأة من بني حنيفة فهي ترثي يزيد بن عبدالله بن عمرو أحد سادات بني حنيفة، وقد ذكر هذه الأبيات المفضل الضبي في مفضلياته، ويظهر فيها أسلوب المرأة في الرشاد ورباطة الجأش وهي تؤبن فقيدهم وقد وصفته بالحميد، وتشير إلى أنه طالما هلك رجال نستهم الذاكرة ولم يفتقدوا لقلة شأنهم، ولكن ابن قران قد ترك فراغاً في عشيرته وبين قومه، وتذكر أفضاله وإحسانه إلى الناس بحبسه الإبل بفناء داره لتكون معدة لنحرها للضيفان، وأنه متلاف لماله في إعانة المحتاج، تقول[56]:
(1)2018م: 273.
ألا هَلَـكَ ابــنُ قُـــرّانَ الـحــمـيـدُ | أخــو الـجُــلّى أبـو عَمـروٍ يـزيــدُ | |
ألا هَـــلَــكَ امرؤٌ هَــلَـكَـت رجالٌ | فَــلـم تُــفـقَـد، وكان له الـفُـقـودُ | |
ألا هَــلَــكَ امــرؤٌ حــبّـاسُ مــالٍ | عـلـى الـعِــلّاتِ مِــتْـلافٌ مـفيدُ |
4ـ3ـ2ـ2: الندب:
وهو بكاء الفقيد بأسىً وتوجع تسيل معه الدموع الغزيرة، وتتدفق كلمات الشاعرة بالبكاء المحزن الذي يتصاعد فيتحول إلى نُواحٍ وعويلٍ بألفاظ مشحونة بالحزن والنحيب، والنشيج، ويعد الندب من أبرز الوسائل المتبعة عند الشاعرات، فضلاً عن الشعراء الرجال، في الرثاء[57]. لقد عبرت المرأة عن مشاعرها وأحاسيسها التي تهيجها المواقف والظروف الاجتماعية القائمة على الحروب والخصومات المستمرة بين القبائل والجماعات، مما ينتج عنها اللجاج في الخصومة، والمناورة في المواقف التي قد تؤدي إلى سفك الدماء، وتنعكس بالنتيجة على الحلقات الأضعف والأكثر تأثراً وهي المرأة والطفولة، مما ينتج عن ذلك المزيد من الأرامل والثكالى، واليتامى فضلاً عن وجود المشكلات الاجتماعية الأخرى التي لا تخلو منها المجتمعات عبر العصور ، والتي تؤدي إلى الفاقة والحرمان، وإلحاق الأذى الاجتماعي والنفسي، فتختزنه الذاكرة الانسانية ليظهر في مناسبات الحزن والمواقف الأخرى التي تدعو إلى تأجيج العاطفة، لذلك جاء بكاء المرأة وعويلها حزيناً ، مؤلماً، شجياً. تقول جليلة بنت مرة البكرية في ندب زوجها كليب، وهي تتمنى أن تفديه بعينيها، ثم تطلب من النساء أن يقمن المناحة في هذا اليوم الذي خصها بالمصيبة والرزية لأنها خسرت كل شيء؛ الزوج، والبيت، والأهل، والعشيرة [58]:
لــو بعينٍ فُـدِيَـتْ عـيـنـي ســـوى | اخــتـها فـانـفـقـأتْ لــم أحفــلِ | |
تـحـمـلُ الـعـيـنُ أذى الـعـينِ كمـا | تــحـمــلُ الأمُّ أذى مـا تــعتـلـي |
يـــا نـسـائـي دونكــنَّ الـيــومَ قـد | خــصَّــني الدهرُ بــرُزْءٍ مُــعـضِلِ | |
مـــسَّـــنـي فــقــدُ كُـلــيبٍ بلظىً | مــن ورائي و لَـــظـــىً مستقبــلِ |
ثم تشير إلى أن بكاءها دائم، وأساها مستمر، وهو لا ينقضي بيوم كمن يبكي على فقيدٍ يؤبنه لساعات أو ليوم، وإنما مصيبتها كبيرة وستكون أزلية، وحزنها شديد، تقول في السياق ذاته[59]:
ليـــس مَــن يـبـكي لـيـومَـيهِ كمَن | إنـمـا يــبـكي ليـومٍ يـنـجـلــــي |
وتبكي زينب بنت مهرة بن الرائد اليشكرية زوجها مالك بن الفند بعبرة شجية، يتجدد فيها الحزن، وتستعر فيها الحسرة بسبب ما أصابها من رُزءٍ بمقتلهما في حرب البسوس، فهي تشبه نفسها بواحدة من سرب من البقر الوحشي وقد حُجِز عنه أليفُه الذي يأنس إليه مما جعله غريباً ضاع في مجاهل الوديان، إشارة إلى المستقبل المجهول الذي ينتظرها بفقدهما، تقول[60]:
عــلى مالكِ بن الفِــنِـدِّ أُرزاهُ حـسرةً | تُـجـدِّدُ لـي حُـزناً إذا قـلـتُ ولَّتِ | |
أرانـي كسِربٍ حِـيلَ عـنـهُ ألـيـفُــهُ | قـوافــزُ فـي مَـهْـمَهِ الخِبْتِ ضلَّتِ |
أما ندب هذه المرأة الحنفية ليزيد بن عبد الله بن عمرو الحنفي عندما سمعت بمقتله وقد اشتد العويل وعقدت النوائح مجالس النياحة لمقتله وهتَّ قد سهرنَ الليل في تلك المناحة لشدة المصيبة، مشبهة المشهد باجتماع بقر الوحش, تقول[61]:
ألا هــلَــكَ امـرؤٌ ظــلَّـت عـلـيــه | بــشــطِّ عُـنَـيـزةٍ بـقَـرٌ هُــجــودُ | |
ســمِـعْــنَ بــمــوتِـهِ فظلَـلْنَ نَوحاً | قــيــامــاً مـا يُـحَــلُّ لـهـُنَّ عـودُ |
وتندب ليلى العفيفة بنت لُكيز أخا زوجها وهي تذكر شدة كمَدِها وعظيم بلواها، وتشبه حزنها الجاثم في قلبها بالرصاص الذي تذيبه النيران المستعرة، وكأنها تريد أن تثبت لزوجها حبها له بدليل شدة حزنها على أخيه، تقول[62]:
لـمـا ذكــرْتُ غُــرَيثاً زادَ بي كَمَـدي | حتى همـَمْـتُ مــن البلوى بإعلانِ | |
تـربَّــعَ الـحـزنُ فـي قلبي فذُبْتُ كما | ذابَ الـرّصـاصُ إذا أُصلـي بنيرانِ | |
فـلـو تـرانـي والأشجـانُ تُـقـلِـقُـني | عَـجِـبْتَ بَـرّاقُ من صبري وكتماني |
وراحت الخرنق بنت بدر ترثي زوجها رثاء شجياً وهي تفصِّل في كيفية مقتله، وقد شغلها مشهد الجسد المقطع الممثَّل به، وتدعو على قاتله بنزول النوائب عليه، تقول[63]:(5)
(5) شيخو، لويس، رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، 1897م:1/15
إن بـني الحصنِ استحلَّـت دماءهــم | بــنــو أسدٍ حارثُهـا ثـمَّ والِــبَـــهْ | |
هــمُ جَدَعوا الأنفَ الأشمَّ فأوعــبوا | وجــبُّـوا السـنـامَ فالتَحَوهُ وغاربَهْ | |
عُـمَـيـلَــةُ بــوّاهُ السّـِنـانَ بـكـفِّــهِ | عـسـى أن تلاقيهِ من الدهرِ نائبَــهْ |
ويتحول الندب الشجي إلى لومٍ وتقريع، وتوبيخ توجهه جليلة بنت مرة إلى قومها لأنهم السبب في هتك سترها، وقطع رحمها من جهة زوجها، وتأجيج الضغائن والأحقاد بين الحيين، تقول وقد لطمت وجهها بعد أن كشفته لأهلها إشارة لهتك سترها[64]:
إذا الخيلُ سارت بعد صُلحٍ صدورُها | وخُوِّفَ ابنا وائـــــلٍ من عشيرِها | |
تــقـطَّعَتِ الأرحامُ منهم وبُـــدِّلت | ضغائنَ حقــــدٍ بعد وُدٍّ صدورُها | |
تبدَّدَ شمْلُ الحــيِّ بعـد اجـتـمــاعهِ | وغادَرَنا مــــن بعدِ هتكِ ستورها |
وللخرنق بنت بدر رأيٌ آخر في رثاء زوجها وأبيه، عندما وصل عندها الحزن إلى مستوى الجزع لذا تقسم ألّا تبكي ولا تتحرك عاطفتها على حيٍّ يموت، ولا يهمها من أمر صديق بعد فقدها لزوجها بشر،
ثم تزجر عاذلتها لأنها أرهقتها بالعذل، ويبدو أن العاذلة لم تكن وقفاً على الرجال، وإنما للنساء عاذلات أيضاً، تقول[65]:
أ عـــاذلــتي عــلى رُزْءٍ أفــيــقــي | فــقــد أشـرقْـتـِني بالعـذلِ ريقي | |
ألا أقــســمــتُ آســى بعـــدَ بِشرٍ | عــلـى حَــيٍّ يموتُ ولا صديــقِ | |
وبعــدَ الـخـيـرِ عـلـقـمَـةَ بـن بشـرٍ | إذا نَــزَتِ الــنـفـوسُ إلى الحُـلوقِ |
4ـ3ـ2ـ3:العزاء:
وهذا اللون من الرثاء يمثل الصبر والمواساة بفقد الميت، والدعوة إلى التسليم لإرادة القدر إذ لا محيص من ذلك[66]، ومن خلال هذه المناسبة ينفذ الشاعر إلى الحديث عن الموت والحياة، وهذا الحديث يقوده إلى التفكير الفلسفي، وهو محاولة للتأسي بالمصاب والغاية الاعتبار، والانطلاق نحو الحياة لأنها لا تتوقف عند حد، كما لا تتوقف بموت أحد أو مقتله« وهذا يدفع الشاعر إلى تلمس ما يعزّيه، ويخفف عنه آلامه وأحزانه… وفكرته الأساسية هنا أن الموت حتم لابد منه ولا جدوى من أية محاولة للتغلب عليه»[67]. لذلك يُطلق العنان لفكره بعد أن ترسخت عنده حقيقة الفناء المطلقة لأنها سنة كونية قد سلَّم بها البشر منذ بداية الخليقة.
وقد عبرت الشاعرة الجاهلية عن هذا المفهوم بأشكال وأساليب عدة، فهذه زينب بنت فروة بن مسعود الشيباني ترثي أباها الذي قتل في معركة عين أباغ دون أن تجزع عليه، وهي تتأسى بفكرة أن الموت لا يقبض إلّا ماجداً وبطلاً، وكأن الموت شريك لها في الميراث، إذ تكون حصته مشابهة لحصة شريكه أو
أفضل منها، وأن المنايا تختار الكريم لأنه يجود بنفسه أكثر مما يجود بماله. تقول[68]:
بــعــينِ أبـــاغَ قــاســمْـنا الـمنايـا | فــكــان قـسـيـمُها خيرَ القسيــمِ | |
وقــالـــوا مــاجــداً منكم قــتـلْـنا | كــذاكَ الــرُّمــحُ يكلـفُ بالكريمِ |
وعزاء جليلة بنت مرّة الصبر والتصبر، لأن المصيبة قد وقعت وقد شملت أهلها وقومها وعشيرتها، وكذلك قوم زوجها وأهله، فهم شركاء في المصيبة، ولا فائدة من اللوم، ويبدو أن مثل هذا الموقف قد جاء بعد هدأة من النفوس، وعلى اللائم التثبت قبل اتخاذ الموقف، ويأتي ذلك في سياق الرد على أسماء أخت كليب التي كانت قد طرت جليلة من مأتم زوجها بقولها[69]:
أخــتَ جــساسٍ تَــوارَي وارحــلي | عـــن فــنــانــا اليوم ثــم انتقلي | |
أنــتِ ألــقَــيتِ وأغــرَيـتِ بــنــا | ســـتَــرَي مــنّـا ضِرامَ الشُّـعُـــلِ | |
كــنـتِ بالأمـــسِ تــغُـرّينَ أخــي | وتُــمـَـنِّـــيـــهِ بـمــا لـــم يفعَلِ |
إذ يبدو من سياق أبيات أخت كليب أن الجزع قد أخذ منها مأخذاً فراحت تصرِّح بما يجول في مكنون صدرها من الألم تحول إلى نوع من الاتهام بأن زوجته هي التي كانت تدفعه إلى ذلك بسبب تفضيلها لأخيها عليه، مما دفعه لقتل الناقة التي كانت سبباً في هذه الكارثة، فكان رد جليلة متعقلاً ، تقول[70]:
يـــا ابــنــةَ الأقــوامِ إن لـُمْـتِ فلا | تــعـجــلي باللومِ حــتـى تسألــي | |
فــإذا أنـــتِ تـبـيـنـتِ الـــــــذي | يــوجــبُ اللــومَ فـلومي واعذلي | |
إن تــكــن أخــتُ امرئٍ ليمت على | شــفَــقٍ مــنـهـا عليــه فــافعلـي |
فعزاؤها أن مقتل زوجها قد هدم بيتيها جميعاً مما يؤكد أن اللائم ليس على حق، تقول جليلة في ذات السياق من القصيدة:
يــا قــتـيـلاً قــوَّضَ الـدهــرُ بــــه | ســقــفَ بـيـتــيَّ جـميعاً من عَلِ |
4ـ3ـ3: معانٍ أخرى في أشكال الخطاب العاطفي:
سجلت الشاعرة البكرية معانٍ أخرى ومواقف عاشتها وتحدثت عنها بعاطفة جياشة، ومن هذه المعاني التي سجلها البحث في مسيرته البحثية عند متابعة أشكال الخطاب العاطفي في شعر المرأة البكرية؛ الشكوى من ذل السبي وطلب النجدة للخلاص منه، ومواقف في وداع الزوج والتشوق إليه في حالات الإكراه على الفراق، وعتاب وهجاء الأزواج الذين فروا من ساحة المواجهة تاركين زوجاتهم يواجهن مصيرهن في ذل السبي. ونظراً لمراعاة الباحث لمساحة البحث وعدم الإسهاب أكثر، لأن موضوع العاطفة في شعر المرأة الجاهلية فضلا عن المرأة البكرية يحتاج إلى دراسة متأنية ومستفيضة، لذا فإنه سوف يكتفي بنماذج مختصرة في هذا الموضع، وقد نسجل موقفاً شجاعاً للمرأة الشاعرة البكرية
في الدفاع عن القيم ، وكذلك يدل على الوفاء والإخلاص والتمسك بالانتماء والدفاع عن الهوية.
4ـ3ـ3ـ1: بكاء فراق الزوج:
بكت المرأة البكرية فراق زوجها الذي انتُزِعت منه، وظلت متمسكة به، ولم تطاوع من انتزعها محافظة على عفتها وشرفها، فهذه ليلى العفيفة التي انتزعها أحد أمراء فارس لجمالها، وحسن كمالها، فراحت تدعو زوجها إلى أن يكفكف دموعه بأطراف ردائها لعله يحتفظ بذلك للذكرى، وقد يشير هذا المعنى إلى نسق مضمر، ولعله يحمل نوعاً من التعريض، فبدلاً من أن يستميت في الدفاع عنها راح يكفكف دموعه بردائها، فعل الطفل الفاقد للحيلة والمتعلق بأذيال رداء أمه، تقول[71]:
تـــزوَّدْ بــنــا زاداً فــلــيس براجعٍ | إليـنا وِصــالٌ بعـــد هذا التقاطـعِ | |
وكـفـكـفْ بـأطــراف الوداعِ تـمتُّعاً | جفونكَ من فيضِ الدموعِ الهوامـعِ | |
ألا فــاجـزِنـي صاعاً بصاعٍ كما تـرى | تــصَــوُّبَ عـيني حسرةً بالمدامــعِ |
ومن أرض الغربة تصله شكواها من ذل السبي، وما تعانيه من ضيم نزل بها، إذ تنتخي به وتثير فيه وأخوتها مشاعر الحمية والغيرة على العرض لإنقاذها مما تعانيه، فهي مازالت على العهد، ومازالت
تحافظ على شرفها على الرغم من شدة التعذيب، وكثرة المراودة، والإغراء بمختلف الوسائل، تقول ليلى العفيفة[72]:
لــــيـتَ للبــرّاقِ عـيـنــاً فــتــرى | مــا ألاقــي مــــن بــلاءٍ وعَـنــا | |
يــا كُــليــباً وعُــقـيـلاً أخـوتــــي | يــا جُــنَـيــداً أسعِـدوني بـالـبـكا | |
عُــذِّبَــتْ أخــتُــكُــم يـا ويـلَكــم | بــعــذابِ النُّـكــْرِ صبحاً ومـسـا |
4ـ3ـ3ـ2: عتاب الزوج في تخليه عن الزوجة في ساحة المعركة:
تظهر عاطفة الشاعرة البكرية جلية في باب العتاب الذي يتحول إلى الهجاء، فالعتاب « وإن كان حياة المودة، وشاهد الوفاء، فإنه باب من أبواب الخديعة، يُسرِع إلى الهجاء، وسبب وكيد من أسباب القطيعة والجفاء فإذا قل كان داعيةَ الألفة، وقيدَ الصحبة، وإذا كثُرَ خشُنَ جانبُه، وثقُل صاحبهُ، وللعتاب طرائقُ كثيرة، وللناس فيه ضروبٌ مختلفةٌ؛ فمنه ما يمازجهُ الاستعطافُ والإستئلافُ، ومنه ما يدخله الاحتجاج والانتصاف، وقد يعرض فيه المّنُّ والإجحافُ…»[73].
وما قالته حُسَينةُ بنت جابر بن بجير العجلي ينطبق تماما على ما ذهب إليه ابن رشيق، فهي تعاتب زوجها تمام بن سوادة بن بجير ، وهو ابن عمها، وتعيره بفراره من المعركة، وتركها تواجه مصيرها بمفردها في السبي، وقد جاءها عمها وزوجها وأخوها لمفاداتها، إذ خيّرها آسرها بين العودة إلى أهلها، أو البقاء عنده، فاختارت البقاء، فلامها زوجها على موقفها، فردت عليه تعيره في أبيات تدل على الأسى
وتوهج العاطفة، تقول[74]:
تــمـّامُ قــد أسلَمْـتَـني لـرماحهم | وخرجْتَ تركضُ في عجاج القسطلِ | |
وتــلومُــني ألّا أكُــرَّ عـليـــكــمُ | هــيهــاتَ ذلك منكُــمُ لا أفــعَــلِ | |
إنـّـي وجدْتُـكُــمُ تكونُ نساؤكــم | يــومَ اللِّقــاءِ لــمَـن أتـاكـــمْ أوَّلِ |
فهو تعريض وتعيير بالجبن والخور، بأنهم يتركون أعراضهم وأموالهم للغزاة، وينجون بأنفسهم.
4ـ 3ـ3ـ3: ذم العادات السيئة، وهجاء فاعليها:
يعد موضوع الهجاء والذم من الموضوعات التقليدية عند الشعراء الذكور، ولا يكاد يخلو شعر الشاعر منه مهما كانت مكانته وشاعريته، ولعله يكون أحيانا وسيلة من وسائل الابتزاز التي يلجأ إليها الشعراء للحصول على الأموال يسكتهم بها المهجو. وقد تقل العاطفة إن لم نقل تنعدم في شعر الهجاء الذكوري، أما في شعر الهجاء عند المرأة فيختلف كثيراً ولعله لا يقل حماسة وتأثيراً من عاطفة الرثاء، والعتاب، نظراً لما لهذا الفن من مكانة في الشعر النسوي الجاهلي، إذ يقول عنه ابن رشيق أن خير
الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها، ويورد رأياً لخلف الأحمر قوله أن« أشدَّ الهجاء أعفه وأصدقه، وقال مرة أخرى ما عفَّ لفظه وصدق معناه…»[75]. تقول أم عامر بنت معن العجلي تهجو ابني قيس بن ثعلبة لقولهم القبيح، وسعيهم في النميمة، واصفة إياهم باللؤم[76]:
قُـبْحـاً لِـزَمٍّ وأبياتٌ لــها حُــصُـرٌ | إذا السَّــــــرابُ جرى ميلاً إلى ميلِ | |
لــو كـنتُ فاخرةً أعطَيْتُ غيرَكُـمُ | ولا دبـيــبَ لـكـم أولادَ مـجـهولِ | |
ســـودٌ جعاسيسُ لا تحظى هديتُهم | ولــيس يعفونَـها من أسـوأ الـقـيـلِ |
4ـ3ـ3ـ4: التفاخر بالهوية:
برزت عاطفة المرأة الشاعرة البكرية، وهي تتفاخر بالهوية والانتماء إلى القبيلة المعروفة بمجدها وسؤددها، إذ يرى ابن رشيق؛ أن« الافتخار هو المدح نفسه، إلا أن الشاعر يخص به نفسه وقومه وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار، وكل ما قبح فيه قبح في الافتخار »[77]. وقد أجادت الشاعرة البكرية في الفخر بقومها وقبيلتها بعاطفة صادقة، وهمة عالية، إذ لم تتردد في وصف قومها بالشجاعة، والبطولة، والكرم، والحفاظ على الجوار، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج. وتقف صفية بنت ثعلبة الشيبانية المعروفة بالحجيجة متفاخرة بقومها وهم يحافظون على القيم والمثل العليا، وهي تدعوهم إلى الاستعداد لمواجهة الأخطار المحتملة بشحذ سيوفهم، وإصلاح رماحهم، وتهيئة دروعهم، مع وضع العلامات المميزة لمقاتليهم، لكي يظفروا بالمجد ويذكَروا بالمعروف. تقول[78]:
أحــيـوا الجِوارَ فـقـد أمـاتَـتْهُ مـعاً | كــل الأعــاربِ يــا بنــــي شيبانِ | |
مــا العُـذْرُ قـد لفَّت ثيابي حُــــرَّةٌ | مــغـروسـةٌ فـي الـدُّرِّ والـمرجــانِ | |
بـنـتُ الـملوكِ ذوي الممالكِ والعُلى | ذاتُ الـحــجـالِ وصـفـوةُ الـنـعمانِ | |
أتَـهاتَـفـونَ وتـشحذون سيوفكـم | وتـقـوِّمـــونَ ذَوابـــلَ الـمُـــــرّانِ | |
وتــسوِّمـون جنودكم يا معشــري | وتــجــــددون حـقــيـــبة الأبدانِ | |
شـيـبـانُ قـومي هـل قـبيلٌ مثلُهـم | عــنـد الــكـفـاح وكــرَّةِ الفرســانِ | |
لا والــذوائبِ مـــــن فروعِ ربيعةٍ | مــا مـثــلُــهــم فــي نائبِ الحَدَثانِ | |
قـــومٌ يـجيرونَ اللهيفَ مـن العدا | ويـحـاطُ عمري مــن صروفِ زماني |
وتبدو الشاعرة من خلال جو القصيدة وقد أطلقت العنان لعاطفتها، وكأنها تقف على مشرفة من قومها في خطبة توجيهية مشحونة بالانفعال العاطفي، وكأنها قائد عسكري يقود جيشه في مناورة عسكرية لمعركة مرتقبة مهمة وحاسمة، وتطلب من قومها إلى إعلان تأييدهم وولائهم للقبيلة حفاظاً على هويتها في الهتاف وإعلاء الأصوات، تبعاً للوصف الذي ذكرته في القصيدة، فشحذ سيوفهم(وتشحذون
سيوفكم…)، وتقويم الرماح(ذوابل المران…)، ووضع العلامات المميزة للمقاتلين(وتسوِّمون جنودكم…)، وتجديد الدروع( وتجددون حقيبة الأبدان…) تثير فيهم الحمية بصوتها المؤثر المثير للمشاعر والرجولة والبطولة.
الخاتمة:
توصل البحث إلى النتائج الآتية:
ـ أثبتت المرأة الشاعرة البكرية حضورها في الساحة الاجتماعية، وكان لها دور بارز في توجيه وإدارة الصراعات الاجتماعية التي تتصل بحياة المجتمع الذي تعيش فيه، سواء أكان أفراداً أم جماعات أم قبائل.
ـ تعرضت المرأة البكرية فضلاً عن المرأة الجاهلية، للظلم وجحود أثرها الاجتماعي والثقافي، فتوارت أعمالها وآثارها عن الأنظار بسبب هيمنة الرجل، وتأثير النظرة الفوقية، وقلة ثقة الرجل بقدرتها على الإبداع الخلاق.
ـ كان للصراع الاجتماعي أثره وانعكاساته على عاطفة المرأة البكرية سلباً أو إيجاباً.
ـ عرفت المرأة البكرية بصدق العاطفة، ووضوح الرؤيا، وثبات الموقف في مختلف الظروف الاجتماعية.
ـ أثبتت المرأة البكرية تمسكها بالهوية الاجتماعية، وانتمائها للقبيلة بصدق وثبات وإخلاص.
ـ تمكنت المرأة البكرية من تسجيل انطباعاتها الإنسانية والاجتماعية بنجاح، نظراً لما تتمتع به من حس مرهف وإحساس عالٍ يفوق عاطفة الرجل وإحساسه.
ـ عبرت المرأة البكرية عن مشاعر الغضب والرفض لما تعرضت له من التهميش بصرف النظر عن مكانتها الاعتبارية.
ـ تعدد أشكال الخطاب العاطفي في شعر المرأة البكرية نظرًا لطبيعة العلاقة الحميمة بين الشاعرة وما يحيط بها، فجاء الخطاب متماسكاً يعبر عن الذات(المرأة الشاعرة) المتمثل بالـ(أنا) منطلقاً إلى ما يحيط بها والمعبر عن الذات الآخر، المتمثل بالـ(أنت ، هو).
ـ تناولت الشاعرة البكرية في خطابها العاطفي الاجتماعي موضوع الرثاء بأشكاله الثلاثة؛ التأبين، والندب، والعزاء، فكانت خير مؤبنة، ونادبة، ومعزّية.
ـ عبرت الشاعرة البكرية عن عاطفتها تجاه الزوج، وفراق الأحبة، وقد عرفت برباطة الجأش، والصبر، والتصبر في ظروف الحزن والأسى والحسرة.
المصادر والمراجع:
ـ القرآن الكريم.
المعجمات:
ـ التونجي، محمد: معجم أعلام النساء، نشر وطبع دار العلم للملايين، بيروت، 2001م.
ـ صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، نشر دار ذوي القربى، طبع مطبعة سليمان زاده، قم،1965م.
ـ عبد النور، جبور: المعجم الأدبي، نشر وطبع دار العلم للملايين، بيروت، 2005م.
ـ كحّالة، عمر رضا: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، نشر مطبعة الرسالة،ط5، دمشق، 1984م.
الدواوين والمجاميع الشعرية:
ـ بشير، يمّوت: شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمع وترتيب، نشر وطبع المطبعة الوطنية، بيروت، 1934م.
ـ الخرنق، بنت بدر بن هفان: ديوان شعر، تحقيق حسين نصار، نشر دار الكتب والوثائق، القاهرة، 2009م.
ـ شيخو ، لويس: رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، نشر المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، 1897م.
ـ الضّبّي، المفضل بن محمد بن يعلى: المفضليات، شرح وتحقيق؛ أحمد محمد شاكر، وعبد السلام محمد هارون، نشر وطبع دار المعارف، ط13، القاهرة، 2021م.
ـ نبوي، عبد العزيز: ديوان بني بكر في الجاهلية، جمع وشرح وتوثيق ودراسة، نشر دار الزهراء، طبع مطبعة المدني، ط1،القاهرة، 1989م.
قائمة المصادر والمراجع:
المراجع العربية:
ـ ابن جعفر، أبو الفرج قدامة: نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت.
ـ بهجت، منجد مصطفى: الأدب الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة، نشر وطبع دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988م.
ـ التكرلي ، فؤاد: اتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر، نشر وزارة الثقافة والفنون، طبع دار الحرية للطباعة، بغداد، 1979م.
ـ الجبوري، يحيى: الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، نشر وطبع مؤسسة الرسالة، ط5، بيروت، 1988م.
ـ جياووك، مصطفى عبد اللطيف: الحياة والموت في الشعر الجاهلي، نشر وطبع وزارة الإعلام، بغداد، 1977م.
ـ الخفاجي، ابن سنان: سرُّ الفصاحة، عناية وفهرست وإخراج داود غطاشة الشوابكة، نشر دار الفكر، عمّان، 2006م.
ـ ربابعة، موسى: تشكيل الخطاب الشعري دراسات في الشعر الجاهلي، نشردار جرير، عمّان،2011م.
ـ الصكر، حاتم: الشعر والتوصيل، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988م.
ـ العاني، سامي مكي: دراسات في الأدب الإسلامي، نشر وطبع مطبعة المعارف، بغداد، 1968م.
ـ عواد، عبد الحسين: نقد الشعر المنهج والمعيار، نشر مؤسسة العارف للمطبوعات، ط2، بيروت، 2006م.
ـ القاضي، إسماعيل: الخنساء في مرآة عصرها، نشر وطبع مطبعة المعارف، بغداد، 1962م.
ـ القالي، أبو علي: كتاب الأمالي، نشر وطبع دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م.
ـ قدامة، بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
ـ القرطاجني، أبو الحسن حازم: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، نشر وطبع دار الغرب الإسلامي، ط4، بيروت 2007م.
ـ القصاب، صبيح ناجي: الشعر بين الواقع والإبداع، نشر دار الرشيد، طبع دار الحرية، بغداد، 1979م.
ـ قطوس، بسام: المدخل إلى مناهج النقد المعاصر، نشر وطبع دار الوفاء، مصر، 2006م.
ـ القيرواني، ابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر دار الجيل، ط5، بيروت، 1981م.
ـ الماجدي، خزعل: العقل الشعري، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2004م.
ـ المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران: أشعار النساء، نشر وطبع مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012م.
ـ مصطفى، فائق، وعبد الرضا علي: في النقد الأدبي الحديث منطلقات وتطبيقات، نشر وطبع دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1989م.
ـ مهدي، سامي: وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1993م.
ـ نيشان، عبد الهادي خضير: الصدق الفني في الشعر العربي حتى نهاية القرن السابع الهجري، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2007م.
ـ اليوسف، يوسف: مقالات في الشعر الجاهلي، نشر وطبع دار الحقائق، ط3، بيروت، 1983م.
المراجع المترجمة:
ـ فوكو، ميشال: حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، نشر المركز الثقافي العربي، ط2، بيروت، 1987م.
ـ لومبا، آنيا: الكولونيالية وما بعدها، ترجمة باسم المسالمة، نشر وطبع دار التكوين، دمشق، 2013م.
ـ هيغل: فن الشعر، ترجمة جورج طرابيشي، نشر وطبع دار الطليعة، بيروت، 1981م.
[1] – قطوس، بسام، المدخل إلى مناهج النقد المعاصر،ط1، 2006م: 219.
[2] – ينظر: كحالة، عمر رضا، أعلام النساء، مؤسسة الرسالة،ط5، 1984م: 1: 251.
[3] – ينظر: يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، ط1، بيروت 1934م: 93.
[4] – ينظر: القالي، أبو علي، الأمالي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م:3: 200.
[5] – ينظر: المرزباني، أشعار النساء، منشورات مؤسسة الهنداوي، مصر2012م: 77.
[6] – الضبي، المفضل، تح أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، نشر دار المعارف،ط13، بيروت 2021م: 273
[7] – ينظر: التونجي، محمد، معجم أعلام النساء، نشر دار العلم للملايين، بيروت ط1،2001م: 55.
[8] – ينظر: كحّالة، عمر رضا، أعلام النساء 1984م: 1: 201.
[9] – ينظر: المرزباني، أشعار النساء 2012: 76.
[10] – ينظر: نصار، حسين، ديوان الخرنق بنت بدر بن هفان، نشر دار الكتب والوثائق، القاهرة، 2009م: 19.
[11] – ينظر: شيخو، لويس، رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، طبع المطبعة الكاثوليكية، 1897م:1/94.
[12] – ينظر: كحّالة، عمر رضا، أعلام النساء 1984م،2: 119.
[13] – ينظر: يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام 1934م: 11
[14] – ينظر: كحّالة عمر رضا، أعلام النساء ،1984م:3: 350.
[15] – ينظر: التونجي محمد، معجم أعلام النساء ،2001م: 155.
[16] – صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، نشر دار ذوي القربى، قم، ط1، 1965م: 1: 725
[17] – ينظر: المصدر نفسه: 1: 725
[18] – ينظر: المصدر نفسه:1 : 39
[19] – مصطفى، فائق، وعلي، عبد الرضا، في النقد الأدبي الحديث، نشر دار الكتب،الموصل، ط19891م: 34.
[20] – المصدر نفسه: 34.
[21] – ينظر: القصاب، صبيح ناجي: الشعر بين الواقع والإبداع، طبع دار الحرية، بغداد،.1979م: 76
[22] – هيغل، فن الشعر، ترجمة جورج طرابيشي، نشر دار الطليعة، ط1، بيروت 1981م: 230.
[23] – ابن رشيق،العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح محمد محيي الدين، دار الجيل1981 م:1: 160.
[24] – ينظر: ابن سنان: سرُّ الفصاحة، عناية داود غطاشة الشوابكة، دار الفكر، عمّان، 2006م: 244.
[25] – اليوسف، يوسف، مقالات في الشعر الجاهلي، نشر دار الحقائق،ط3 بيروت، 1983م: 331.
[26] – نيشان، عبد الهادي خضير: الصدق الفني في الشعر العربي حتى نهاية القرن السابع الهجري، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية، بغداد،2007م: 274.
[27] – ينظر، عواد، عبد الحسين: نقد الشعر، نشر مؤسسة العارف، ط2، بيروت، 2006م: 144.
[28] – ينظر: القرطاجني، حازم: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح محمد الحبيب ابن الخوجة، نشر دار الغرب ، ط4، بيروت 2007م: 20 .
[29] – ينظر: التكرلي، فؤاد: اتجاهات النقد الأدبي الفرنسي المعاصر، نشر وزارة الثقافة والفنون، طبع دار الحرية للطباعة، بغداد،1979م: 37.
[30] – ينظر: مهدي، سامي: وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق، نشر دار الشؤون الثقافية، بغداد 1993م: 47
[31] – الصكر، حاتم: الشعر والتوصيل، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988م.: 23، 26
[32] – ينظر: لومبا، آنيا: الكولونيالية وما بعدها، ترجمة باسم المسالمة، نشر دار التكوين، دمشق 2013: 269
[33] – قطوس، بسام، المدخل إلى مناهج النقد المعاصر 2006م: 218
[34] – ينظر: فوكو، ميشال: حفريات المعرفة، تر سالم يفوت، نشر المركز العربي، ط2، بيروت، 1987م: 24
[35] – الماجدي خزعل: العقل الشعري، نشر وطبع دار الشؤون الثقافية، بغداد ،2004م: 1: 109
[36] – ينظر: يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام 1934م: 62
[37] – القالي، أبو علي، الأمالي 2002م: 2: 197
[38] – ينظر: ربابعة، موسى: تشكيل الخطاب الشعري دراسات في الشعر الجاهلي، نشردار جرير، عمّان ،2011م: 12.
[39] – ينظر: الجبوري، يحيى: الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، نشر مؤسسة الرسالة ، 1986م: 281.
[40] – ينظر: ربابعة موسى: تشكيل الخطاب الشعري دراسات في الشعر الجاهلي: 12.
[41] – العاني، سامي مكي، دراسات في الأدب الإسلامي نشر مطبعة المعارف، بغداد،1968م: 122.
[42] – يموت، بشير: شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ، 1934م: 33.
[43] – ابن رشيق، العمدة،1981م:2: 153
[44] – يموت، بشير: شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ، 1934م: 38
[45] – المصدر نفسه: 106
[46] – المرزباني: أشعار النساء، 2012م: 73
[47] – ينظر: ابن رشيق، العمدة 1981م: 2: 147.
[48] – ينظر: شيخو، لويس، رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، 1897م: 1: 14
[49] – القاضي، إسماعيل: الخنساء في مرآة عصرها، نشر مطبعة المعارف، بغداد ، 1962م: 1: 111.
[50] – ينظر: قدامة، ابن جعفر، نقد الشعر،تح محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت د.ت: 118.
[51] – ينظر: بهجت منجد مصطفى: الأدب الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة، نشر دار الكتب ، الموصل،1988م: 135.
[52] – ينظر: جياووك، مصطفى عبد اللطيف: الحياة والموت في الشعر الجاهلي، نشر وزارة الإعلام، بغداد، 1977م: 155
[53] – المرزباني، أشعار النساء:59
[54] – نبوي، عبد العزيز، ديوان بني بكر في الجاهلية، نشر دار الزهراء، ط1 القاهرة، 1989م:374.
[55] – الخرنق، ديوان الخرنق، تحقيق حسين نصار:2009م: 19ـ20.
[56] – المفضل، المفضليات، 2018م: 273.
[57] – ينظر: العاني،سامي مكي، دراسات في الشعر الإسلامي، 1968م: 128
[58] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، 1934م: 37
[59] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام: 38
[60] – المصدر نفسه: 42
[61] – المفضل، المفضليات،2021م: 274
[62] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام،1934م:33
[63] – الخرنق، ديوان الخرنق، تحقيق حسين نصار، 2009م: 25ـ26
[64] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام،1934م:33
[65] – الخرنق، ديوان الخرنق،2009م: 26ـ27.
[66] – ينظر: بهجت، منجد مصطفى، الأدب الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة، 1988م: 135.
[67] – جياووك، مصطفى عبد اللطيف، الحياة والموت في الشعر الجاهلي 1977م: 164.
[68] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، 1934م: 94.
[69] – شيخو، لويس، رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، 1897م:1: 7.
[70] – المصدر نفسه:1: 11.
[71] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام 1934م: 34.
[72] – المصدر نفسه: 32.
[73] – ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده 1981م: 2: 160
[74] – المرزباني، أشعار النساء، 2012م: 76
[75] – ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، 1981م: 2: 170 ـ 171
[76] – المرزباني، أشعار النساء: 77
[77] – ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، 1981م:2: 143
[78] – يموت، بشير، شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام1934م: 11