تحت اشراف رئيسة مركز جيل البحث العلمي الأستاذة الدكتورة سرور طالبي، أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية ندوة علمية افتراضية احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل سنة، بمشاركة أسماء علمية وازنة من مختلف الجامعات العربية : أ.د.مصطفى بوعناني من المغرب ، وأ.د. آمنة بلعلى وأ.د.اليامين بن تومي وأ.د.طاطا بن قرماز من الجزائر، أ.د.محمد عبد العظيم من تونس ، د. ماجد قائد قاسم من اليمن ، أ.جيهان علي الدمرداش من الكويت ، د.عماد غنوم من لبنان .
وبعد أن رحبت الأستاذة سرور بالمحاضرين والحضور، نوهت بأهمية هذه النشاطات العلمية التي تدخل في صميم أهداف المركز من أجل ربط أواصر التعاون بين أعضاء اللجنة العلمية، أحالت الكلمة إلى مديرة الندوة الدكتورة غزلان هاشمي التي ذكرت أن ماسيقدم من مداخلات من صميم واقع اللغة العربية ومأمولها كذلك ، حيث وضحت أن من وراء التنويع في المحاور وعدم اختزالها في محور واحد حيازة تنوع معرفي وفتح النقاش على إشكاليات مختلفة قد تكون بذرة مشاريع بحثية مستقبلا إن شاء الله .
- قدم أ.د.مصطفى بوعناني من جامعة سيدي محمد ابن عبد الله فاس/ المغرب مداخلة موسومة بــ “ اللغة العربية بين التعليم الحضوري والتعليم الالكتروني : رهانات الرقمنة ومقتضيات الجودة العالمية للتعليم الالكتروني (QM)”. ،وضح فيها أنه:”كلما انخرط فرد في أنشطة تكوينية ما، إلا وتعلق الأمر باكتساب المعارف، والمواقف، والمهارات التي تسمح له بالتفاعل بشكل مناسب مع البيئة التي يتطور فيها، والسياق الذي ينتمي إليه كائناً تفاعلياً مع عناصره: ثوابت ومتغيرات، حضورياً أو عن بعد.
لقد أكدت العلوم المعرفية -بانتظام- اهتمامها بالقضايا التعليمية، فأثبتت شرعية حضورها في هذا المجال، وقيمة مساهمتها في العلوم التربوية؛ وظل هدفها مرتبطاً بمحاولة وصف العمليات المعرفية و/ أو الوجدانية – للمتعلمين و/ أو المعلمين، وفهمها أثناء العديد من الأنشطة التنفيذية المتصلة بمواقف التعليم والتعلم وسياقاته المختلفة (Dessus & Gentaz, 2006 ; Gentaz & Dessus, 2004)، كما مكنتها طبيعة البينية / والتعددية التخصصية فيها (علم النفس، والفلسفة، واللسانيات، والأنثروبولوجيا، وعلوم الأعصاب، وعلوم التربية، وعلوم الحاسوب…) من المساهمة في تقديم إضافات نوعية في كل مظاهر العملية التعليمية التعلمية، وبمستويات مختلفة من الدقة والتفصيل.
لا تقتصر دراسة المعرفية على الدماغ وفهم آليلات اشتغاله ومعالجته للمعلومات (Sander, Gros, Gvozdic & Scheibling-Sève, 2018, 2021)؛ و(Andler, Collins, & TallonBaudrix, 2018)، بل تطرح الأسئلة الجديدة والمتجددة داخل العلوم المعرفية بطرائق مختلفة حول المسالك الممكنة لربط المعارف المرتبطة بالمسارات الذهنية بقضايا التربية والتعليم.
تميل العلوم المعرفية إلى البرهنة على أن مسلكها في البحث يتحقق عبر مسار الانتقال من النظري إلى التطبيقي دائما، وأحيانا إلى سلسلة كاملة من التطبيقات؛ (Achard‑Bayle, 2009). وتوسم مجالات البحث اللساني-التربوي- المعرفي وتخصصاته المختلفة بالتنوع والتجدد المستمرين؛ لذلك سنحاول موقعة ورقتنا العلمية في عمق التوجه العام للمحور الثالث من محاور المؤتمر: التعليم والتكوين والتحول الرقمي” من خلال تحقيق ثلاثة اقتدارات أساسية:
الأول استقرائي منهجي: نسعى من خلاله بيان الوضع الحالي لمشاريع رَقْمَنَة التعليم (في صيغتها الرقمية الخالصة أو الهجينة) في السياق العالمي، وما تعتمده من ثوابت نظرية، ومنهجية، وتقنية، ومهارية لتعزيز مسلك الرَّقْمَنَة في التعليم بناءً على مراجعة المسوحات والدراسات الاستطلاعية المنجزة في مجال التحول الرقمي في التعليم والتعلم؛
والثاني لساني تعليمي: نحدد فيه المستلزمات اللسانية والديداكتيكية والمعرفية لبلورة الهندسات البياغوجية، وبناء المحتويات التعليمية المُرَقْمَنَة، وتصميم العُدَّة الديداكتيكية الموافقة للانتقال الرقمي من “المَعْرِفَة العالمة” إلى ” المَعْرِفَة القابلة للتعلم”.
والثالث إجرائي اقتراحي: يتعلق بتعزيز مسلك الابتكار التربوي من خلال المساهمة في صياغة إطار عمل مفاهيمي للجزء التجريبي الخاص باستخدام الموارد الرقمية، وتأثيراتها على العملية التعليمية التعلمية، والشروط الواجب اعتمادها لتوفير بنية تحتية تقنية، وجودة هندسات بيداغوجية، وطرق تدريسية (Volland, & al, 2021) توافق المعايير العالمية للتعليم الإلكتروني Quality Matters in Online Learnin.”
- ألقت أ.د. آمنة بلعلى من جامعة مولود معمري/الجزائر مداخلة موسومة بــ ” اللغة العربية في خطاب النخبة”. ،حيث قدمت فيها تشخيصا للخطاب التوصيفي للغة العربية لدى النخبة المثقفة من المهتمين باللغة العربية، وخاصة ما يدور من كلام عن اللغة العربية في يوم الاحتفاء باللغة العربية، هذا وقالت أنها:”أبرزت نمطين من الخطابات؛ الأول يتحدث عن لغة موجودة في التاريخ يقدم أصحابها لغة واصفة تمجيدية، باعتبارها موضوعا هوياتيا، ليعبّر عن علاقة عاطفية تقدم اللغة بأوصاف تحكمها ثنائية الجمال والجلال، فهي جميلة بثرائها وجذورها وشعرها وتراثها، وارتباطها بالقرآن الكريم. هذا الخطاب التقديسي إذا كان له في الماضي ما يبرره، على الرغم من أنه كان جزءا من خطاب الهيمنة بالخطاب، واعتبار العربية حجة تستمد سلطتها من سلطة القرآن الكريم، فإنه في الوقت الحاضر لا نجد له تبريرا، وهو يتم تداوله لدى المثقفين والأكاديميين، في الندوات والمؤتمرات، وحتى في الأطروحات الأجنبية، لأنه يعبر عن تكلس وتموضع في الماضي، يشكل عائقا يكرس الجمود والتخلف الفكري. يحول دون تقديم خطاب تشخيصي حقيقي واستبصار بالإجراءات اللازمة بكل رقي فكري، ودعم لاستعمال اللغة العربية لكي تكون لغة إبداع وابتكار. بالمقابل هناك خطاب آخر يستحضر اللغة العربية باعتبارها ضحية إكراهات خارجية كالاستعمار والغزو الثقافي ومزاحمة لغات أخرى وإكرهات داخلية كتخلي أبنائها عنها ومزاحمة الدوارج، وغيرها من التبريرات التي تعيد إنتاج مرثية حافظ إبراهيم. هذا النوع من الخطابات يفرض علينا أن ننتقل إلى خطاب آخر يطور علاقتنا باللغة العربية بجعلها علاقة منتجة، لتتطور علاقتها بالعلوم والتكنولوجيا وإكراهات العالم الجديد. وهذا لا يكون إلى بتدبر لغة العلم ورفع التكليس، وتجاوز كثيرا من الاعتقادات الواهمة كالتطوير والنهوض باللغة العربية من خلال استعمالها لدى غير الناطقين بها في كوريا أو اليابان أو غيرها من البلاد المتقدمة، وهذا نوع من التخريج غير السليم، لأن حضور العربية لدى غير الناطقين بها، وهو جانب ديبلوماسي سياسي وأحيانا اقتصادي يسهل مهمة المتعاملين الاقتصاديين من أجل تواصل أفضل أو كسب مناطق نفوذ أخرى، تقف وراءها أغراض هيمنة اقتصادية وسياسية وثقافية جديدة. فما معنى أن تحيا العربية في الصين مثلا إذا تم هجرانها في موطنها في البلاد العربية ؛ حيث تكاد العربية فيها تتحول إلى لغة أجنبية؟ ولذلك طرحت وجهة نظري المتمثلة في تجاوز هذا النوع من الخطابات، لإعادة النظر في علاقة العربية بواقعنا بالمجتمع الجديد وبعصر التكنولوجيا، وننخرط فعليا وليس خطابيا في المشهد الفكري العالمي، فنحن في عصر مواجهة مع البيانات ومجتمع المعرفة، وهو ما يفرض على العربية أن ينخرط بها أبناؤها في حركية منتجات الحوسبة والذكاء الاصطناعي، لقد كان الهدف الأساس هو تجريد اللغة العربية من الخطاب الباطوسي العاطفي المعبأ بالمغالطات والأوهام، للانخراط في الفعل الحضاري الذي يجسد الهدف الأساس من الاحتفال بها القائم على أساس الحوار المتكافئ بين اللغات ولا يحدث التكافؤ إلا بالفعل المتكافئ بالابتكار والإنتاج ليحل التعزيز محل الاعتزاز والتفكير محل التطوير، وتهيئة أبناء العربية لكي يكونوا قادرين على الابتكار باللغة العربية في مختلف المجالات، وذلك من أجل تنمية رأسمالها الرمزي”.
- بينما قدم د. ماجد قائد قاسم من جامعتي عدن وأبْيَن/اليمن مداخلة موسومة بــ ” اللغة العربية بين واقع القراءة وقراءة الواقع”.
بين فيها أن ورقته انطلقت من سؤال مفاده ماهو دور اللغة العربية في قراءة الواقع وأين هي في واقع القراءة؟ ،ووضح رؤيته قائلا:”في محور اللغة العربية وواقع القراءة تطرقت إلى ضعف القراءة وترجعها، نظرا لمجموعة من العوامل منها: انتشار الأمية وحرمان الفتاة من التعليم وتوظيف اللغات الأخرى على حساب اللغة العربية في أغلب المعاملات الإدارية، وعدم الاهتمام بتعلمها وتعليمها، وعدم تطوير أساليب تعليمها، وعدم وجود توجه حقيقي لتطوير رقمنة التراث والإنتاج المعرفي العربي، وابتكار برامج رقمية تحتوي اللغة العربية، وعدم اعتمادها في تدريس العلوم التجريبية، وعدم وجود هيئة عربية موحدة تساهم في تعريب المفاهيم والمصطلحات الجديدة، وغيرها من الإشكالات. أما في محور قراءة الواقع فإن اللغة العربية تحاول قراءة الواقع ومواكبة التغيرات والتطورات التكنولوجية المتسارعة، ومحاولة تحديث وتجديد المعاجم العريية كالمعجم التاريخي في الدوحة والشارقة، وابتكار برامج رقمية عربية، والسعي إلى حوسبة اللغة العربية، وانتشار برامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وغيرها من الأمور التي أكدت أن اللغة العربية لغة حية ومتجددة وقادرة على توظيف الحداثة الرقمية وصهرها واستيعاب التكنولوجيا الجديدة. لكن هذا الجهود لا تكفي، فاللغة العربية اليوم بحاجة إلى الكثير من الجهود وتضافر الطاقات لتطويرها وتعزيز حضورها وجعلها لغة البحث والابتكار والإنتاج المعرفي”.
- قدمت أ.د.طاطة بن قرماز(جامعة الشلف/الجزائر) مداخلة موسومة بــ ” الأثر الاجتماعي في تنمية اللغة”. بينت فيها أن اللغة تستمد حركيتها وتفاعلها وحيوتها من المجتمع نظرا لأنها تعكسه على الفرد المنشئ لها ،إذ اللغة ـ حسب قولها تساير المجتمع وتتأثر به كما يتأثر بها،هذا وتنزع الفكرة من خارج المبدع إلى داخله،” يلتقطها من الظروف الاجتماعية والبيىئية فتسهم تلك العوامل في إيقاظ حس المنشئ ،فتتشكل عنده طاقة إبداعية تمليه عليه الظروف الاجتماعية ،إذ في زمن الحائحة مثلا أسهمت العزلة المكانية في بلورة أساليب المبدعين بلورة جمالية تمهروا فيها وفي انتقاء الأساليب التي تقف اللغة وراءها، فاللغة لا تسمى لغة مالم تتفاعل مع المجتمع فإذا كانت اللغة عملا تبتدئه الطبيعة فإن المحيط والبيئة يكمّل هذا العمل ويفعّل وظيفتها. وهنا تغدو إمتاعية. جمالية إبلاغية تأثيرية. فاللغة ملك السامع وهي تأخذ سحرها واستمراىيتها ونموه من المجتمع .”.
- هذا وقدم أ.د. اليامين بن تومي من جامعة باتنة/ الجزائر مداخلة موسومة بــ ” اللغة العربية كلغة نقدية”.ابتدأها بطرح إشكال محوري مفاده:ماذا نريد بالضبط من هذه اللغة؟ هل نريدها أن تكون لغة العلوم المعاصرة أم نريدها أن تكون لغة تقنية أم نريدها لغة التخاطب اليومي ؟ ،وهنا وضح أن طرح الأسئلة المنحرفة لا يؤدي إلا إلى أجوبة منحرفة، فالسؤال حسب قوله يحمل مسؤولية أخلاقية وحضارية ،حيث قال:”لذلك سأبدأ بقولي اللغة العربية التي نتكلم بها اليوم هذه اللغة المدرسة إنما هي بنت العمران التي تكونت فيه ،لذا إذا أردنا أن نتفكر في هذه اللغة لابد من التفكر في العمران الذي ظهرت فيه ،فاللغة تشبه عالمها الذي تكونت داخله ثم أصبحت هي التي تتحكم فيه” ،هذا وقسم مداخلته إلى ثلاث إشكاليات مهمة في مقاربة الموضوع:
- 1 ـ إشكالية العمران الذي نفكر داخله ،فاللغة لاتزال لغة قديمة لم تنخرط في عالم اليوم ،لذا لابد من مناقشة الأمر بعيدا عن الإنشائيات ولغة التمجيد، الجابري بلقزيز اركون…وغيرهم من المفكرين بينوا كيف السبيل إلى الخروج من العمران البدوي إلى العمران المديني ،بعيداعن المعجميات الكلاسيكية كما قال الجابري في بنية العقل العربي، فإذا أراد العرب أن يطوروا من لغتهم عليهم أن يخوضوا مرحلة جديدة …وعلوم العمران يتطور بتطور الإنسان.
- · 2 ـ إشكالية عقل نفكر به في العمران ،علينا أن نوسع من دائرة الفضاء العمومي على حساب الفضاء الخاص الذي انتهت مهمته، والتي أنهكت محصول اللغة في أن تصبح لغة العالم المعاصر ،وهذا الأمر يؤدي الى تجفيف منابع الميتافيزيقا التي نحن غارقون فيها إلى اليوم ..إذن لابد من إصلاح العمران ،وإصلاح علوم العمران وإصلاح الأداة التي نفكر بها.
- · 3 ـ إصلاح النظرية أيضا التي نواجه بها هذه اللغة والتي تفكر بها هذه اللغة،وإلا سينزع نزوعا لسانيا تقنيا ويذهب جهدنا هباء دون أن نؤسس لنقد فلسفي عميق لتصبح اللغة في مستوى الحضر.
- بينما قدم أ.د.محمد عبد العظيم من جامعة تونس مداخلة موسومة بــ ” اللغة القومية عامل خفي في النمو الاقتصادي “.،قال فيها:”يعتبر موضوع علاقة اللغة بالنمو الاقتصادي مبحثا حديثا نسبيا إذ لم يتجاوز الاهتمام به العقد الرابع. وذلك بسبب ما يبدو من تباعد واختلاف بين العنصرين المعنيين: اللغة والاقتصاد. غير أنّ تطور البحث العلمي أدى إلى كشف ما بين المجالين من اتصال وتفاعل فظهر ما يسمى صراحة بـ”الاقتصاد اللغوي” وضمنه تم الاهتمام بالنظر في العلاقة بين كل ما يكون الإنسان مصدرا له وفاعلا فيه ومنه دون شك اللغة والاقتصاد.
وتبعا لذلك عرف البحث في الاقتصاد تطورا لافتا فتحول من ” الاقتصاد المادي” إلى “اقتصاد المعرفة”. وعندها أصبح أمر العلاقة بين اللغة ومقومات الاقتصاد أكثر دقة. واتجه البحث نحو التفاصيل والجزئيات فوقع الاهتمام بما بين اللغة والعملة من علاقة وتشابه ثم النظر في سبل عمل اللغة الجلي في النمو الاقتصادي. فتبين أنّ اللغة وسيلة إنتاج أساسية وهي أيضا تكون سلعة أو بضاعة للتبادل كما هي أداة تسويق أساسية باتفاق.
- وبالنظر في وضع الاهتمام بالمسألة في الواقع العربي الراهن يبدو لنا عدم الاهتمام أو عدم الوعي بقيمة هذه العلاقة بين اللغة والاقتصاد وما تقتضية من وعي وتخطيط وحسن الاستغلال رغم ما يميز اللغة العربية من خصائص تجعلها دون شك عاملا أساسيا من عوامل نمو الاقتصاد العربي. ولذا كان لا بد من التنبيه إلى ذلك ومن دعوة الأطراف العلمية والرسمية إلى إيلائه ما هو جدير به من تقدير ونظر وتخطيط”.
أ.جيهان علي الدمرداش (موجهة فنية للغة العربية بدولة الكويت) بمداخلة موسومة بــ ” اللغة العربية في عصر المعلوماتية”.وقد” تناولت المداخلة كيفية إفادة اللغة العربية في عصر الثورة المعرفية والمعلوماتية ،وبحث أوجه تجديد الفكر اللغوي العربي لدى الباحثين واللغويين والأدباء العرب لدخول عالم الإنترنت والحواسيب الذكية. واستثمار ثورة الإنفوميديا وعالم الحاسوب في تطوير اللغة ونشر آدابها ، وتنوير المتخصصين في العربية وآدابها بأبعاد الثورة المعلوماتية ومناهجها. و وقفت على علاقة اللغة بالمعرفة والعلوم والفنون و دراسة خصائص اللغة التي تؤهلها للتعامل مع التكنولوجيا ، وكيف يمكن للباحثين العرب الاستفادة من التقدم الهائل في معالجة اللغات الأخرى ونقل ما يتناسب منها وطبيعة اللغة العربية من خلال عرض خصائص اللغة العربية من منظور معلوماتي من خلال دراسة الباحث نبيل علي كأحد باحثي العصر الحديث الذين لهم إسهامات واضحة في إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصر المعلوماتية وعلاقتها بالعلوم الحديثة . وختمت المداخلة ببعض المقترحات التي يمكن من خلالها الاستفادة من ثورة المعلومات فيما يخص بحوث اللغة العربية “.
- قدم د.عماد غنوم من الجامعة اللبنانية مداخلة موسومة بــ ” الأبعاد الحضارية في أزمة اللغة العربية “.و جاءت محاضرته في ثلاثة أقسام، تحدث القسم الأول عن أزمة اللغة العربية وتجلياتها في المجتمعات العربية، وتوقف عند أخطر مظاهرها حيث وصلت إلى مؤسساتنا الفكرية والأكاديمية والاقتصادية، وقد تناول القسم الثاني الحديث عن أسباب الأزمة التي لا تقع في اللغة نفسها وهي من أغنى اللغات كما لا تكمن في المناهج التعليمية بل الأسباب كامنة في مكان آخر في التراجع الحضاري للعرب الذي أدى إلى تراجع لغتهم. أما القسم الثالث فقد تناول مآلات استمرار الأزمة من دون وضع الحلول موضع التنفيذ، فإن تراجع استعمال اللغة الأم في حياتنا سيؤدي حتمًا إلى تراجع معرفتنا وفهمنا لهذا العالم وبالتالي سيؤدي إلى مزيد من التدهور الحضاري. لذلك نقرع ناقوس الخطر الشديد للمسارعة إلى ابتكار الحلول وتنفيذها للنهوض الحضاري وبالتالي النهوض اللغوي.
وكان ختام المداخلات لـ أ.د.سليمة لوكام من جامعة سوق أهراس/ الجزائر،حيث كانت موسومة بــ ” الكتابة بين اللغة العربية والفرنسية وإشكالات الإبداع”.بينت فيها أن المداخلة “انطلقت من فكرة مفادها: لا يمكن طرح السؤال: لم الإبداع؟ ولكن يمكن سؤال: لمَ الإبداع بهذه اللغة؟ إن لم تكن اللغة الأمّ بالنسبة إلى المبدع.
ومن هنا: هل يمكن حذف أيّ إضافة تتعلّق باللغة فيما هو موصول بالإبداع الجزائريّ المكتوب بالفرنسيّة دفعا للعنت الذي يجده الباحثون المهتمّون في هذا المجال، وحتّى بالنسبة إلى القرّاء و المتلقّين الذين ينشدون متعة القراءة بعيدا عن تصنيفات قد تحفّ تلقّيهم ببعض الرّيبة أو الاحتراز؟
ولتقريب الصورة أكثر يمكن طرح الفرضية: لو كتب الفرنسيّ مثلا باللغة العربيّة، كيف سيكون موقف الفرنسيين منه، وهل سيضيف إلى اللغة العربيّة شيئا ذا بال بصنيعه هذا؟ لا شكّ أنّه س يُنظَر إليْه من قبيل التّنازل أو التعاطف حينما يُراد لهذا الفعل أن يركح على خلفيّات يمكن إجمالها في “رؤية استعلائيّة تمتح من مركزيّة غربيّة – و فرنسا على وجه التحديد.
إنّ في واقع الثقافة العربيّة و المغاربيّة اليوم، ما يقيم الدّليل على هذا المأزق فيما هو موصول بالإبداع في علاقته باللغة الفرنسيّة، و تحديدا في الأشكال التي تراءى فيها، وما توارى خلفه من حيثيّات، و هي
– الكتابة بالّلغة الفرنسيّة لعدم امتلاك اللغة العربيّة: مثّله جيل الرّواد الذين لم يجدوا بدّا من الكتابة باللغة الفرنسيّة لأنّهم خرّيجو المدرسة الفرنسيّة، وقد جسّدوا إشكاليّة إمّا الإبداع و إمّا الصّمت
الكتابة باللغة الفرنسية فقط مع امتلاك اللغة العربية هذا التيّار ظلّ إلى اليوم، ينضوي تحته كتاب و أدباء من الأقطار المغاربيّة الثلاثة، وهنا يمكن استدعاء الخطيبي في اعتباره الكتابة بصرف النّظر عن نوعها ولغتها ،”حين أكتب فإنني أفعل ذلك بلغة الآخر، ذلك لأن هذه اللغة ليست ملكية خاصة.”
الكتابة باللغة الفرنسيّة مع الكتابة باللغة العربيّة أيضا، و ممثّلو هذا المنحى من جيل الأوائل، هم في الأعمّ الأغلب من مزدوجي الثقافة، ، فجميعهم قد حصّلوا نصيبا من الّلسانين ، و لذلك فالكتابة عندهم تنوس بين اللغتين العربيّة والفرنسيّة، بل إنّ بعضا من هؤلاء ممّن كانوا يكتبون باللغة العربيّة فقط، تحوّلوا دون سابق إنذار إلى الكتابة باللغة الفرنسيّة،
الكتابة باللغة العربيّة مع امتلاك اللغة الفرنسيّة، وهذا الوضع يمثّل التّجربة الأكثر ثراء، والأكثر أصالة أيضا، آثروا الاستجارة باللغة العربيّة عند ممارستهم الإبداع.
وهذا يمكن من استصفاء مجموعة من الحالات:
– الإبداع بلغة مفروضة بحكم التعليم، أبدع هؤلاء ولكنّهم عاشوا ذلك الشّرخ المتأتّي من وضع إجبار لا اختيار.
– فكرة الاختيار في الإبداع بين اللغات، وههنا، يمكننا القول: “بقدر اللغات تكون أشكال رؤيتنا للعالم.” ولكنّ هذا التصوّر الذي يضعه “لانج” فعّال و مفيد حين يكون وضع اللغة مريحاً.
– فكرة الإبداع بين لغة النّطق و لغة الكتابة، وهذا تخريج تبريريّ يسعف من اختاروا اللغة الفرنسيّة أداة تعبير مع إتقانهم للغة العربيّة
– الإبداع باللغة العربيّة موقفا فكريّا، و حالة وجدانيّة تحقّق التوازن وهنا تمّ الوقوف عند أقوال بعض المبدعين تختصر عميق رؤاهم، وتختزن فرادة تجاربهم، ومن هؤلاء الروائي الجزائريّ مرزاق بقطاش و الناقد المغربيّ عبد الفتّاح كيليطو .
وتخلص المداخلة إلى أنّ الكمّ المحقّق في الأعمال الإبداعيّة التي اختار أصحابها لغة أخرى غير اللغة العربيّة مثير ومغرٍ بالبحث في أسباب الفرار من العربيّة إلى الإقامة في اللغة الأخرى؟” .
فتحت رئيسة الجلسة النقاش أمام الحضور ،حيث أحالت الكلمة إلى د.خديجة الصبان من السعودية ،والتي قالت:”بين الأستاذ اليامين أن إصلاح اللغة العربية يتم بعزلها من خصوصيتها البشرية ،وهذا يثير قضية الغاية ،فعزلها عن خصوصيتها المرجعية، يؤكد بعدها عن الهوية وقطع الصلة بها..” ،هذا وثمنت كلام د.آمنة حينما ذكرت قضية الكتابة بالعامية وكذلك ماذكره د.عماد.
بينما بين د.مصطفى بوعناني أن هناك الكثير من الإشارات فيها تواطؤ من الجميع ،قال:”نحن حينما نجتمع للحديث عن اللغة العربية في يوم واحد ونحن بذلك نسيء إليها ،أعتقد يجب أن نتخلص من بعض الخطابات كخطاب التحسر وخطاب المفاضلة، إذ لا مفاضلة بين اللغات ،فالعربية لغة تحتاج منا عملا كبيرا تحتاج تحريرها من سلطة التقديس والتبجيل ،كما أن اللغة غير قاصرة لأن صيغة اللغة ترفض ذلك، المشكلة في من يرعاها ويريدون أن تكون لغة تراثية وغير متطورة ،لابد من التخلص من الحب الزائف للعربية ،ومن الشعارات…”.
وفي تعقيب له على مداخلة الدكتور اليامين بن تومي قال الدكتور شاهين دواجي أنّ القول بأنّ مستعملي العربية منغمسون في الجداثة أو منغمسون في الحداثة قول أضحى أملا في السياق الراهن، إذْ ليست هناك منظومة تعليميّة تقوم بهذا على علاته، فالنشء المستهدف بتعلمية اللغة مغيّب بفعل الهجنة اللغوية التي أحدثتها مواثع التواصل، ينضاف إلى هذا ترهّل البرامج، فكيف نروم استقامة اللسان، وتطوير لغة من المفترض أنّها لغة التفكير في الوقت الذي تطرح فيه موضوعات دراسية لا تمت بصلة إلى المعرفة، فليس أبو نواس عند بعض أساتذة العربية سوى ناشرا للمجون، متناسين سبقه في الحداثة الشعرية، وكيف يعنون درس بالحياة العقلية في العصر الجاهلي ومن المعلوم أنّ الحياة العقلية ترتبط بالتدوين ، كذلك مواضيع النحو، فمثلا يدرس طلاب النهائي الفروق بين عطف البيان وبدل الكل من الكل، وهو مبحث يعجز عنه الأساتذة فضلا عن غيرهم . أريد أنْ أقول أنّ تعلمية اللغة ذاتها تحتاج إعادة نظر كلية، مراجعة تناسب السياق الراهن، فاللغة إنما بما هي بيت الكائن لابدّ أن توفر له الأمان الذي يحتجه، وجزء من هذا الأمان أن تجعل منظومته الفكرية متحررة من أي إكراهات، منسابة في دعة ويسر، لغة تليق بالنوازل والميتجدات قادرة على تحمّل الأسئلة الكبرى” .
وبعد رد د. اليامين على التعقيبات والتساؤلات الموجهة إليه ختمت د.غزلان الجلسة شاكرة للمحاضرين هذا التوهج المعرفي وللحضور حسن إنصاتهم وجميل إسهامهم في الندوة حضورا ونقاشا.