مقاربة نقدية ثقافية حول هوية كاتب ضون كيخوطي
A cultural criticism approach about the identity of Don Quixote writer
أحمد العمراوي: مختبر الثقافة والعلوم والآداب العربية كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق جامعة الحسن الثاني ،
Ahmed el amraoui Faculty of letters and human sciences Ain Chock University Hassan II
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 78 الصفحة 111.
ملخص:
نقدم في هذه الدراسة مجموعة من الآراء تبين بعض طرق تلقي رواية ضون كيخوطي في النقد الأدبي العربي، وكذلك في نظيره الاسباني. وهي محاولة تنهض على أسس نقدية ثقافية مادام الأمر يتعلق بالأنا وعلاقته بالآخر. وتستهدف الدراسة طرح بعض الأسئلة، كما استقيناها من مرجع اسباني على دراية كبيرة بثيربانطيس، حول الهوية الحقيقية لهذا الكاتب.
إن النقد الثقافي كممارسة نقدية هو الكفيل بإبراز مضمرات الخطاب عند ثيربانطيس، لأن النقد الأدبي العربي الذي مورس عليها إنما مورس على الترجمة في غالب الأحيان، وهو ما أبقى ثيربانطيس بمنأى عن النقد خاصة وأنه لا يميز في هذا النقد، غالبا، بينه وبين شخصية ضون كيخوطي.
الكلمات المفاتيح: ثيربانطيس- النقد الثقافي- النقد الأدبي العربي-الترجمة.
Abstract:
In this study, we present a set of opinions showing some ways of receiving the novel of Don Quixote in Arab literary criticism, as well as in its Spanish counterpart. It is an attempt based on cultural criticism as long as it is related to the ego and its relationship to the other. The study aims to raise some questions about Cervantes and the true identity of this writer.
Cultural criticism as a critical practice is the key to highlighting the implications of the discourse of Cervantes, because the Arabic literary criticism that was practiced on it was often practiced on translation, which kept Cervantes away from criticism, because this critic does not make a difference between Cervantes and Don Quixote.
Key words: Cervantes- cultural criticism- Arabic literary criticism- translation
1 تمهيد:
لو سئل أي قارئ للروايات في العالم العربي عن رأيه في “ضون كيخوطي” لأجاب بالقول- في غالب الظن- إنه ذلك الرجل الذي خرج يحارب طواحين الهواء في حركة عبثية تدل على الجنون وخفة العقل، ولو سئل آخر على دراية بأصل الفن الروائي عموما، لقال إنه بطل إشكالي في عالم مفعم بالتناقضات وأنه خرج ليعيد التوازن والرشد إلى هذا العالم الشرير. فالرواية المذكورة صارت مرجعا مهما في عالم السرد، إذ اهتم بها منظرو الرواية وصنفوها رواية مثالية مجردة” تتميز بحيوية البطل ووعيه المحدود بالقياس إلى تعقد العالم”[1]. وخصوصية هذه الرواية، في رأينا، تكمن في كونها تشرك العالم العربي في نسيجها: فضاء وشخصيات وتاريخا وأحداثا، وبهذا فإنها تدور حول علاقة الأنا بالآخر سواء تعلق الأمر بالاسبان أو بالعرب.
لقد خضعت هذه الرواية لدراسات متعددة الخلفيات من تاريخية إلى بنيوية وغيرها. وقد بدأت في الآونة الأخيرة تخضع لمشرط النقد الثقافي الذي جمع تحت عباءته مجموعة من المناهج والخلفيات الاديولوجية.
في هذه الورقة نستنير بهذا النشاط النقدي محاولين إثراء النقاش حول أمر هذه الرواية وبالضبط حول منسق فصولها ثيربانطيس. مفترضين في البدء بأن منسق الرواية قد استفاد من الظروف التاريخية آنذاك. ولم يقيض لكاتب مخطوطه العربي أن ينال الشهرة التي راكمها الاسباني. وتبدأ الخطوة الأولى بتعرف وضعية الأدب من وجهة نظر النقد الثقافي تليها أخرى خاصة بتعرف طريقة تلقي هذا العمل في العالم العربي وفي اسبانيا- ويمكن القول بأن ذلك سيعد الإشكالية العامة لهذا البحث- تليهما خطوة ثالثة هي عبارة عن ترجمة لمقال اسباني يركز المجهود حول هوية الكاتب ثيربانطيس وحدود علاقته بالعمل المذكور.
- الأدب في النقد الثقافي
“أَوَ لا يكون النقد الثقافي مجرد تسمية لوظيفة قديمة؟”[2].
هذا التساؤل طرحه الدكتور عبد الله الغذامي وهو يحاول إثبات مشروعية النقد الثقافي بديلا من نقود أخرى خاصة بالأدب، وإشارته هذه تحمل جانبا كبيرا من الصحة– في ما يبدو لنا- وخاصة في ما يتعلق بالأدب العربي. فحين نرجع إلى المجهود الذي بذله الدكتور طه حسين في كتابه “في الشعر الجاهلي”[3]، سنجد أنه باعتماده منهج الشك الديكارتي في تمحيص وجود الشعر الجاهلي من عدمه، قد سلك الطريق الذي سلكه التاريخانيون الجدد في تعاطيهم للنقد وتعريتهم للنصوص ذات القيمة والشهرة، بحثا عن أصولها وأنساقها بوصفها مركز الاهتمام في فترات تاريخية كثيرة.
لقد نُظر إلى الأدب نظرات مختلفة ومتغيرة زمنا بعد آخر، وكثرت القضايا النقدية المثارة حوله من قبيل اللفظ والمعنى والوظيفة والانعكاس وغيرها، وبهذا الخصوص تم الانتقال من الحديث عن كونه لغة نفعية أو كتابة متعدية إلى الحديث عن لغة ذاتية غائية أو كتابة لازمة غير متعدية [4]. وهذا تغير رُصد في لحظات تاريخية مختلفة، ولكن بشكل واضح مع الشكلانيين الروس عن طريق اهتمامهم بالبنية الداخلية للنصوص وعزلها عن سياقاتها الثقافية والتاريخية. ثم جاءت بعد ذلك فترة بدأ فيها الاهتمام بالمتلقي ومشاركته الفعلية والفعالة في إنتاج المعنى وملء فراغات النصوص. ومع ظهور الدراسات الثقافية المعاصرة بدأت النصوص النقدية تتحدث عن الخطاب الأدبي ودوره في المجتمع، ولهذا تعددت الكتب التي تشير إلى السؤال الآتي: ما الأدب؟ كأنموذج: جان بول سارترJean Paul Sartre وتيري ايغلتونTerry Eagleton.
لقد بدأ الاهتمام بالتاريخ وعلاقته بالأدب يعود بقوة إلى ميدان النقد بعد أن توارى لفترات أمام ضغط النقد المنغلق ممثلا في البنيوية. وقادت بعض الدراسات النقدية هذه الثورة المضادة للهيمنة الأحادية الجانب للفكر والفن الغربيين أو ما يعرف بالمركزية الأوروبية. والملاحظ أن بعض المفكرين الذين كانوا يحسبون على التيار البنيوي هم من بدأ بالتنكر لهذه المركزية، والإشارة هنا إلى ميشيل فوكوFoucault ورولان بارث Barthes.
فبالرجوع إلى هذا الأخير، سنجد أنه قد أقام دنيا النقد في فرنسا ولم يقعدها، وخاصة في صراعه الفكري في كتابه” نقد وحقيقة” مع ريمون بيكار Raymond Picard. فبارث كان” يؤمن بفلسفة التحلل التي تنحل فيها الوحدة المفترضة في أي جزء إلى تعددية بحيث يصبح كل منا كثرة لا وحدة، إن بارث لا يؤمن بالوحدة”[5].
إن بعض المفكرين وهبوا هذه الموهبة الخاصة بالمعارضة والنقد الشديد والشك في ما يعتقده الناس، فقد رأى بارث أن وظيفته في الحياة، منذ بداية مسيرته كاتبا، أن يقف على الطرف الآخر عدوه الأكبر هو المعتقد الدوسكا/ الرأي السائد حول الأمور، الرأي الذي يسود إلى حد ينسى معها الناس أنه ليس أكثر من رأي واحد من بين عدة آراء أخرى ممكنة [6]، وهذا الشك والتمحيص مارسه بارث في كتاباته فقد ” أخذ على عاتقه منذ البداية مهمة الإخلال بالآراء السائدة عن الأدب في فرنسا، عندما كان شابا، إخلالا يهز الأعماق وكأنه لعنة مسلطة على النقد الأكاديمي”[7]. ونتيجة أعماله كانت هي إنكار” قيمة الكتب الموجودة التي تؤرخ للأدب الفرنسي باعتبارها ركاما تاريخيا لا معنى له من الأسماء والتواريخ باعتبارها تاريخا وضعيا من أسوء الأنواع” [8].
لقد أوردنا هذه المعلومات عن رولان بارث وتاريخ النقد الأدبي الفرنسي وغرضنا الإشارة إلى أن الأمر في بعض المحطات التاريخية بدأ يأخذ شكل الصراع حول توريط الأدب في معارك قد تبدو مسيسة، عندما يتعلق الأمر بالهوية الثقافية لبلد من البلدان. لقد أصبح الحديث واضحا حول “هل في الأدب شيء آخر غير الأدبية؟”[9].
وهذا هو الدور الذي قامت به التاريخانية الجديدة باعتبارها فرعا من الدراسات الثقافية، فهي” لا تنظر إلى التاريخ على أنه كيان موحد ومتجانس يتمتع بخاصية التطور الجدلي التاريخي، بل ترى أن ما يعرف بالصيغة الثقافية أو النمط الثقافي السائد والذي يمكن أن تصف من خلاله حقبة تاريخية ما، إن هو إلا تمظهرات الخطاب الذي تبنته الطبقة الحاكمة في ذلك العصر، وأن هناك خطابات أخرى مضادة غير رسمية تم قمعها وإسكاتها وتهميشها وبالنتيجة ليس هناك من وجود لثقافة متجانسة منسجمة مع ذاتها بشكل صاف ونقي”[10].
ما قام به رولان بارث وآخرون مع آدابهم لا نعدم مثله في الأدب الاسباني الذي يهمنا أمره في هذا الدراسة. ذلك أن بعض مثقفي هذا البلد بدأوا النبش في تاريخهم الأدبي، وأثاروا بعض الشكوك حول القيمة الأدبية لنصوصهم، وحول ظروف كتابتها وطرق نشرها وانتشارها في أوصال المجتمع. وسيحاول البحث أن يعقد بدءا مقارنة بين تلقي رواية ضون كيخوطي في النقد العربي، وأيضا في النقد الاسباني من خلال ترجمة مقالة اسبانية إلى اللغة العربية، وذلك بغرض إبراز بعض الفروق في وجهات النظر. وهذه الورقة تنحو منحى النقد الثقافي الذي أشيرَ إليه سابقا. واختيارنا لهذه الممارسة النقدية نابع من كونها تبحث في مضمرات الخطابات المتنوعة. على أن الإشارات التي سترد هنا موجهة بالخصوص إلى منسق الرواية ميغيل دي ثيربانطيس سابيدرا [11].
- الأدب الإسباني: العصر الذهبي ومسألة الرقابة:
يسود تعبير: “العصر الذهبي” في أوروبا عامة واسبانيا خاصة، ليُحيل على ما أنجزه الإسبان في الفترة الممتدة ما بين 1492م و 1659م. ولهذه التواريخ رمزية كبيرة في ثقافتهم، فالأول يشير إلى غزو أمريكا اللاتينية وبداية طرد المسلمين من الأندلس”ترمز سنة 1492 في تاريخ إسبانيا إلى حركة مزدوجة: طرد الآخر”الداخلي”، ونفي التعدد ثم اكتشاف الآخر “الخارجي”[12]. والزمن الذي سبق (1659م) يشير إلى الصدى الذي خلفته رواية ضون كيخوطي التي يُـزعم أن كاتبها هو ميغيل دي ثيربانطيس(ت 1616م)، وهو صدى جعل ثقافة الاسبان تنتعش بين الثقافات الأوروبية وتنافس ثقافة الإنجليز ممثلة في كاتبهم الأول شكسبير.
لقد نالت الرواية المذكورة نصيبا كبيرا من النقد والاهتمام داخل بلدها وخارجه. وهي تمثل أيقونة العصر الذهبي الإسباني، وما تدريسها اليوم بطرق متعددة في المدارس والاهتمام بها في البرلمان المحلي لإقليم كاستيا لامانشا، إلا دليل واضح على محاولة تجذيرها في الوعي الجمعي الإسباني.
ولنقرأ ما قدم به رئيس منطقة كاستيا لامانشا José María Barreda Fontes [13] لرواية ضون كيخوطي “أنا على يقين من وجود ضون كيخوطي دي لا مانشا في جميع المنازل كالإنجيل. إنه يشكل جزءا من مخيالنا الحيوي ومن تربيتنا الفكرية والعاطفية. الكل لديه صورة محددة عن ضون كيخوطي وسانشو، صورة تم إعادة إنتاجها آلاف المرات وبأشكال مختلفة وعلى جميع المحاور. بدون شك فإن تأثير ضون كيخوطي في الأدب العالمي وفي الثقافة الكونية كبير ومدروس بشكل كبير “[14] .
نورد هنا فقرة حول بعض الحقائق التاريخية التي رافقت ما عرف بالعصر الذهبي الإسباني لنتلمس الطريق بحثا عن إجابة لأسئلة طرحها رولان بارث “ما الدور الذي يلعبه الأدب في أي مجتمع من المجتمعات. أي الطبقات من الناس تكتب الكتب؟ أي الطبقات من الناس تشتريها؟… “[15].
يقول بيرخيليو بينتو Virgilio Pinto، وهو أستاذ في جامعة مدريد المستقلة” سأتحدث عن الرقابة ورقابة محاكم التفتيش. وهي عملية قامت بها مؤسسة ذات طبيعة كنسية صرف، أثار حولها المؤرخون جملة من الشكوك الصارمة. غير أن نشاطها قد خدم بدون شك المخطط الإصلاحي للكنيسة بعد ترينتوTrento. وفي هذا الاتجاه يمكن اعتبار أن النشاط الرقابي كان مظهرا آخر للنشاط الكنسي، ودراسته يمكن أن تساعد في توضيح المشكل في العلاقة بين الكنيسة والأدب، ولكني هنا لن أشير إلى التأثير المباشر للرقابة حول الأدب كما تم ذلك من خلال أعمال جديدة نسبيا، سأثير مشكلا آخر لمعرفة كيف أثرت رقابة محاكم التفتيش في الإنتاج ونشر الفكر بصفة عامة ونتيجة لذلك في التأثير في تطور هذه الرقابة. ومن أجل ذلك سأهرب من بعض المقاربات المستعملة بكثرة… هناك نقاد ركزوا فقط على الميل القمعي للرقابة وعلى ممنوعات ملموسة محددة في المؤشرات (أو دلائل الرقابة أي الكتب المزمع مصادرتها) على العلامات متناسين أن ذلك لم يكن نشاطها الوحيد، في الوقت نفسه الذي كانت تسن فيه مراسيم للمنع أو وضع علامات على كتب ممنوعة، كانت تغير ميكانيزمات الإنتاج الفكري وحتى العادات الأكاديمية. الشيء الذي نعتبره مهما أكثر من المنع نفسه، لأن ذلك مما أسهم بشكل قاطع في ركود وجمود الفكر الإسباني اللاتيني طوال القرن السابع عشر. وفي التباعد الذي نتج عن ذلك أيضا طوال هذا القرن في علاقته بالفكر الأوروبي. إنه من المكرور أن نسمع بأنه بدءا من سنة 1559م كانت الملكية الاسبانية قد أغلقت الحدود بشكل كامل، وبأن اسبانيا قد بدأت مسيرة تاريخية مولية ظهرها للواقع الأوروبي، ومبتعدة بشكل أكبر من التطور الذي كانت أوروبا تظهره(…) وحسب هذا التاريخ كانت اسبانيا المتشبثة بدورها المتمثل في كونها مطرقة ضد الزندقة، تبتعد من كل ما من شأنه تحديث الفكر(…) وفي الحقيقة يمكن أن نستنتج بأن الأعمال التي مورس عليها المنع من طرف محاكم التفتيش كانت تختفي من التداول، وفي تلك الأثناء تم الاحتفاظ بنسخ قليلة أو لم يتم الاحتفاظ بشيء. وصحيح أيضا أن لائحة الكتب الممنوعة من طرف المحاكم كانت في تصاعد من حيث الحجم بما أنه كان هناك تراكم للممنوعات القديمة إضافة إلى الحديثة. ولكن ليس كل تزايد مرده إلى تفاقم الممنوعات بل أيضا سببه تغيرات المعايير الخاصة بالرقباء أنفسهم. وهو التغير الذي طال بشكل واضح المظاهر الشكلية للوائح الكتب كما للمخططات العقدية والأيديولوجية…”[16].
تلك هي الظرفية التاريخية التي أطرت فكر ثيربانطيس إجمالا، والتي تبين بالملموس تحكم الجهاز الكنسي في الإنتاج الفكري ونشره. وقد أشار بعض النقاد الإسبان إلى الرقابة التي مورست على ثيربانطيس من طرف الكنيسة، غير أن المنع لم يطل الرواية كاملة بل بعض الأجزاء والمقاطع فقط والتي تشير في مجملها إلى بعض القضايا الأخلاقية، أو بعض التعليقات الساخرة منه والتي يقول عنها بعض هؤلاء النقاد بأنه عرف كيف يتحايل عليها من خلال اللعب اللغوي” سيكون من الضروري بدءا دراسة العلاقة بين ثيربانطيس ومحكمة التفتيش انطلاقا من المقطع الشهير لدليل الكاردينال ثاباطاZapata والذي يمكن أن نقرأ فيه الحكم الآتي:” ميغيل ثيربانطيس سافيدرا الجزء الثاني من ضون كيخوطي الفصل السادس والثلاثون في الوسط، امسح أعمال الإحسان التي تدل على الطيبوبة والارتخاء، لأنها لا تستحق الذكر ولا تساوي شيئا” وكما أشار إلى ذلك مارسيل باتايونBataillon في حينه، فإن الاطروحات الإيرازمية والفكر البروتستاني والتي يمكن أن تكون قد لازمت النص الثيربانطيسي لم تعد تشكل، بدءا من سنة 1632(أي بعد سنوات من موته) دافعا لدق جرس الإنذار من طرف محكمة التفتيش، من جانب آخر فإن الحذر الشديد الذي كان يبديه ثيربانطيس والذي كان يزن به صدى كلماته، يمكننا من افتراض أن الكاتب لم يكن يثير الظنون حول إمكانية تأثير جمله، لقد كان دائم الحذر تجاه الانزلاقات الثيولوجية.”[17].
وما يؤكد على التساهل الذي لقيه ثيربانطيس هو الكلام الذي قاله الملك في بداية الرواية والذي صدر به ثيربانطيس عمله، وهو ما لم يورده الأستاذ عبد الرحمن بدوي في ترجمته التي تعد الأشهر في العالم العربي.
- رواية “ضون كيخوطي” في النقد العربي:
يرى بعض النقاد المهتمين بالسرد في العالم العربي بأن تعرف العرب على الرواية قيد الدرس، قد كان متأخرا نسبيا، وسنعتمد هنا على بعض الآراء التي وردت في العدد رقم 73 من مجلة آفاق(المغرب) لسنة 2007م، ذلك أن هذه المجلة أفردت مقالات متنوعة، تحلل وتعلق وتناقش بعض القضايا الخاصة بهذه الرواية. وقد مهد لنا الأستاذ أحمد المديني الطريق بإثارته لمشكلة كبيرة تخص وجود هذه الرواية في الخزانة الأدبية العربية، ألا وهي مشكلة الترجمة وما رافقها من جودة أو رداءة في النقل إلى القارئ العربي. يقول في مقالته “البحث عن ضون كيخوطي: التأويل المفارق:”أجل فقد وجدت الترجمة، نقلت إلينا من هنا وهناك نصوص متفرقة، إنما بدون منهجية ولا قدرة على معرفة جدارة الترجمة ومسارات تنقلها وفعلها بتشخيصات أقرب إلى التحديد. ولو أردنا أن نعرف على وجه التقريب لا غير، حقا، كم هم الأدباء العرب الذين كانت لهم دراية معتبرة باللغات الأجنبية(…) لأصبنا بالذهول، فهم من القلة حدا يجعل التدخل في هذا المضمار ضربا من الإدعاء. لاسيما من قبل أولئك الراطنين بالحداثة صباح مساء”[18]. ويضيف الأستاذ أحمد المديني قائلا” نقلت إلينا رواية ثيربانطيس متأخرة وفي صيغ محسوبة وهينة القيمة في النهاية، ونقلها مصري الإنجاز، فعندنا ترجمة عبد العزيز الأهواني والثانية لعبد الرحمن بدوي الأشيع، وترجمة ثالثة حديثة الصدور أنجزها سليمان العطار…ويقول عنها صاحبها إنها الأولى في العربية المنقولة مباشرة عن الإسبانية(سنة 2002) وما يتناساه العطار، والغالب على الظن أنه لا علم له به، على طريقة بعض إخواننا في مصر يعتبرون كل حديث وقديم ينتسب إليهم أو لم يوجد، والدليل الناقض قطعا لمزعم السيد العطار أن ضون كيخوطي ترجمت للمرة الأولى في المغرب على يد سيدي التهامي الوزاني صاحب سيرة الزاوية.. وبينما يمتدح العطار ترجمة الأهواني الذي يقول عنه إنه معلمه وأبوه الروحي، يراها استخدمت لغة جزلة راقية…فيما يجد أن ترجمة بدوي اللاحقة تمثل منهج الترجمة المدرسية أي الحرفية، فافتقدت النفس الأدبي وأصبح العمل جسما بلا روح …والمترجم قدم العمل كاملا لكن غير قابل للقراءة الأدبية…نراه حكما جازما غير قابل للاستئناف، ولعمري لو سئلنا عن رأينا في ما أقدم عليه الأستاذ العطار إزاء عمل الشريف العبقري ميغيل دي سيربانطيس سابيدرا لقلنا إنه على درجة مقلقة من الركاكة. إنه أفقده بدوره رواءه الأدبي فلا يشفع له عندئذ زعمه النقل عن اللغة الأم ، ولكن أي نقل، وهو ما يترك قراء العربية ويبقيهم عطاشا للنهل من الينبوع الصافي للنص الموصوف كونه أول رواية حديثة. ونسمع عن ترجمة أنجزت في سوريا”[19].
ويدعو الأستاذ المديني إلى” إعادة الحفر في التربة التي ظهرت فيها بذور القص المذكور وأخصبته، أي استئناف بحث هذا الموضوع الإشكالي من وجوه مختلفة وهو ما نحيله على الباحثين الجدد لتطويع معرفتنا بكيفية انتقال الأشكال الإبداعية الغربية إلى مجالنا الخصوصي”[20] .
لقد أثار الأستاذ أحمد المديني-كما سلف- قضية شائكة تدخل في إطار العلاقة مع الآخر، وهو موضوع يشكل بؤرة في النقد الثقافي الذي جعلناه منطلقت لتبين وجوه تلقي هذه الرواية في العالم العربي. فالآراء المتصارعة بخصوص جودة الترجمة أو رداءتها كما ورد في تعليق الأستاذ المديني تبين أن النقد الأدبي لن يبرز حقا قيمة الرواية أو لن ينير بشكل جاد وحقيقي كيفية تلقيها والنظر إليها في العالم العربي. كما تبين رجاحة الفكرة التي جاء بها الأستاذ عبد الله الغذامي حول أهمية البحث عن جماليات القبح أيضا” بحيث يعاد النظر في أسئلة الجمالي وشروطه وأنواع الخطابات التي تمثله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من الاتجاه إلى كشف عيوب الجمالي، والإفصاح عما هو قبحي في الخطاب…”[21]. وأبرز نتائج معرفة تلك القبحيات الوعي بـ” مدى إدراك القوم في ذلك العهد العامر بالحروب بين المسلمين والنصارى في اسبانيا، للإسلام وللنبي محمد، وسترى شواهد من هذه العقلية في ثنايا الكتاب كله مما يصور مشاعر التعصب المسيحي ضد الإسلام، وما انطوى عليه من جهل وافتراء واختراع للأكاذيب”[22].
في هذه الورقة سيتم الحديث عن أبرز ما جاء في مقالات المجلة المذكورة. وستكون البداية مع الناقد سعيد يقطين الذي تطرق إلى الرواية من زاوية نظرية التفاعل النصي، معتمدا في ذلك على ترجمة عبد الرحمن بدوي. إذ يرى بأن ثيربانطيس قد قام من خلال” تأليفه ضون كيخوطي ليس بانتقاد روايات الفروسية كتركة نصية من الماضي ما تزال تجد من ينتصر لها، (بل)إنه يتخذ مواقف نقدية أعم وأشمل من المجتمع والسياسة والثقافة، وما انطلاقه من انتقاد نمط معين من الكتابة والسرد سوى مظهر من مظاهر التواصل داخل المجتمع الذي تمكن من خلاله من تشريح مختلف العلاقات بين الناس…وهذا ما جعلنا نعتبر الكيخوطي ليس فقط نصا ثقافيا تتجسد من خلاله مختلف صور العصر الذي عاش فيه ولكنه علاوة على ذلك نص نقدي/ميتانص لمختلف أنماط السلوك وأشكال الحياة. إنه بكيفية مجملة موقف من النصوص السابقة ومن الوعي الثقافي السائد وهو كذلك موقف من كل المؤسسات ومختلف الخطابات التي تتصل بها. ولم يترك ثيربانطيس فرصة تمر دون أن يوجه سهام نقده اللاذع والحاد لمختلف تجلياتها إلى الحد الذي يجعلنا نذهب إلى أن ضون كيخوطي بمثابة ميتا حكي يجسد وعيا ذاتيا خاصا بالكتابة”[23].
وكان طبيعيا أن يخلص الناقد إلى أن” الرواية حبلى بمختلف أنواع التفاعل النصي من مقدمة الرواية إلى نهايتها الشيء الذي يبين لنا بجلاء أن ثيربانطيس كان آلة عجيبة لالتهام الكتب…وهنا مكمن عبقريته” [24].
نعتقد أنه لا بد من فتح أقواس أخرى لفهم خطاب المنسق في الرواية المقصودة، وللنظر بشكل مختلف في تفاعلاتها، فمن ضمن صور العصر وأنماط الوعي التي انتشرت بشكل كبير في عصر ثيربانطيس، والتي لم يشر إليها الأستاذ سعيد يقطين: اللغة والأفكار السائدة حول وضعية المغربي/العربي/الموريسكي /المورو، داخل المجتمع الاسباني في الحقبة التي عرفت أوج قمة الكراهية ومعها المرور إلى السرعة القصوى للطرد النهائي للمسلمين(1609م). والواقع أن المؤسسات التي يشير إليها الأستاذ سعيد يقطين لم يكن بإمكان ثيربانطيس أن يوجه لها نقدا لاذعا إلا في حدود معينة، لأنها كانت، بكل بساطة، دعامته الأساس في نشر أفكاره عبر رواياته. فهل كان سيفعل ذلك والوقت حينها وقت حروب مع “الكفار” الذين يريد الجهاد ضدهم بالقلم كما فعل باليد؟ إننا نتحدث عن فترة وقعت فيها هزيمة الإيبيريين في معركة وادي المخازن 1578م، وقبلها وقعت معركة ليبانتوlepanto والتي شارك فيها هو سنة 1571م. فالتناص والتفاعل النصي الذي يمكن البحث فيه حقا هو تشبع الخطاب الروائي الثيربانطيسي باللغة السياسية والدينية وأحيانا حتى الأدبية لتلك الفترة. وكما ذكر بعض النقاد الإسبان، فالرواية لم تخضع كاملة للتفتيش والمحاكمة كما وقع مع أعمال أدبية أخرى.
لقد” تزامنت حياة ثيربانطيس مع حكم كارلوس الأول وفيليبي الثاني وابنه فيليبي الثالث. ومع الصعود الإمبريالي حينما كان تاج الملك الاسباني “هو المجرة التي تدور حولها الشمس” كما كان غراثيان يقول. وصولا إلى العلامات الواضحة، حينا بعد آخر، للسقوط والانحطاط. وهو السقوط الذي كان يلاحظه كيفيدوQuevedo انطلاقا من برج خوان عباد Juan Abad(بلدة في عمالة سيوداد ريال)، على منبسط مونتيال Montiel الذي جال فيه ضون كيخوطي: “رأيت جدران وطني التي كانت ذات وقت قوية ومنيعة..” لقد كتب الكثير عن التأثير في الاقتصاد الاسباني الذي مارسه وصول الذهب والفضة من أمريكا اللاتينية( جزر الهند الغربية)، ولم نكن بحاجة إلى انتظار الدراسة التي قام بها هاملتون، لقد كان هناك معاصرون لتلك الفترة، وفي هذا الصدد يبرز مرة أخرى كيفيدو وهو يذكرنا بأن أقوى سيد هو السيد المال: لقد ولد مشرفا في جزر الهند ورافقه العالم بأكمله، وجاء إلى اسبانيا لكي يموت ثم إنه قد دفن في جنوة”[25].
وقد أثير كثير من الكلام حول اسم العربي الذي كتب القصة الأصلية لضون كيخوطي(نموذج الأستاذ عبد الفتاح كليطو الذي انطلق من الاسم بوصفه موضوعا للتأمل [26]، فهذا العربي/المغربي أنقذ فيما يبدو ثيربانطيس من توقف السرد عنده كما اعترف بذلك:” في ما يتعلق بي، فلا يجب إنكار عملي واجتهادي الذي وضعته للبحث عن نهاية سعيدة لهذه القصة، رغم أني أعلم أنه بدون مساعدة السماء والحظ كان العالم سيبقى ناقصا وبدون ترفيه أو تزجية للوقت، لأنه كان بإمكانه قراءة هذا العمل–باهتمام- في ساعتين.(كانت رواية ضون كيخوطي ستكون عبارة عن قصة قصيرة تقرأ في ساعتين، وهذه إشارة توضيحية من ناشر الكتاب)[27].
وقد جاء في مقدمة الكتاب أن” قصة ضون كيخوطي هي عمل من أعمال شخص اسمه السيد حمادي من طليطلة..- وبالمناسبة فـ بننيخلي beningeli تعني الباذنجاني وهي الكنية التي يكنى بها سكان طليطلة- هو الذي يستأنف القصة التي وجدت نفسها بدون مخرج…وانطلاقا من هنا فثيربانطيس هو المؤلف الثاني لأنه أخذ القصة من هذا المؤرخ العربي”[28]. وهكذا يظهر لنا أن الاسم الذي اختلف فيه:beningeli/ berenjenero ما هو في المحصلة إلا كنية تطلق على سكان مدينة طليطلة في ذلك الوقت.
يورد ماثيو كار Mathew Car في كتابه “الدم والدين” هذه الفقرة عن أدب العصر الذهبي الإسباني بقوله:” كان الموريسكيون يصوَّرون غالبا في أدب العصر الذهبي الإسباني عموما كمصدر للاستهزاء والسخرية والاحتقار، وبعض أكبر كتاب اسبانيا من الشاعر القرطبي لويس دي غونغورا Luis de Góngoraإلى الكاتب المسرحي لوبي دي فيغا Lope de Vega (خصم ثيربانطيس) كانوا يسخرون من نطقهم الإسبانية وبغضهم للحم الخنزير وغيره من الأطعمة، ويستخدمون كثيرا شخصية بائع الفطائر الموريسكي الأحمق، واستهزاء فرانثيسكو دي كوبيدو Francisco de quevedo بالألقاب النصرانية التي انتحلتها العاهرات والموريسكيون متجاهلا أن هذه الأسماء فرضت عليهم فرضا”[29].
وثيربانطيس لم يكن له أن يخرج عن هذه الأصوات التي كانت ترتفع قربه، وهو لم يتردد في تكرار الأوصاف القدحية التي وصف بها الموريسكيين على غرار: اللغة الملعونة والعرق الملعون[30] والدين الملعون. إن ثيربانطيس– وغيره من الروائيين- ليس مسؤولا عما كان يقوله الآخرون، ولكنه كان يخلد هذه الأفكار في كتاباته. ذلك أن سردياته لم تكتب بصيغة إنسانية بريئة كما حاول البعض إظهارها حين وصف ثيربانطيس بالكاتب الإنساني، وإنما كتبت وصيغت ضمن “خطاب اديولوجي مؤسساتي وتشكلت عناصره الشكلية والمضمونية وفق اشتراطات ذلك الخطاب وبما يتلاءم ومنظومة القيمة المعيارية”[31].
لقد أصبح الخطاب العدائي وكراهية العرب خطابا رسميا في اسبانيا في الفترة التي نتحدث عنها وحتى ما قبلها” وأصبح وسيلة لقوة تتبناها مجموعة أفراد داخل المجتمع الإنساني في لحظة تاريخية محددة. هذا الخطاب يكتسب قوته من خلال قوة وهيمنة الطبقة الاجتماعية أو الشريحة التي تتبنى ذلك الخطاب وتماسكه وتطرحه بصفته خطابا رسميا”[32].
لنقرأ ما كتبه ماثيو كار في كتابه “الدم والدين” حول تلك الفترة ولنقارنه بما قاله ثيربانطيس لنكتشف أخيرا مدى تشبث هذا الروائي بالفكرة الدينية والسياسية للفترة :” تشكلت هذه الصورة عبر تداخل معقد للشوفينية الثقافية والدينية وما يشبه التمييز العنصري وقومية اسبانية أولية تتحدى التصنيف، دفع بعض المؤرخين بأن المفاهيم الحديثة للتمييز العنصري لا تنطبق على اسبانيا القرن 16 وأن الدين وليس العرق كان العامل الحاسم في العداء النصراني نحو المسلمين واليهود، ولكن هذه الرؤى تتجاهل أن أفكار التمييز العنصري الحديثة مجرد استمرار لتقاليد يمكن تتبع محدداتها الأساسية إلى الأزمان الكلاسيكية… وسواء كانت سرديات الوضاعة من هذا النوع تنسب لثقافة أو دين أو ايدولوجية معينة فإنها تستخدم دائما لتبرير الهيمنة والإقصاء وحتى الإبادة من جانب الجماعة التي تفترض في نفسها التفوق”[33].
من الواضح جدا أن الكنيسة الكاثوليكية هي التي كانت وراء الهجمات المتكررة على الإسلام والموريسكيين، ولهذا السبب ” انتشرت هذه اللغة كثيرا في كتب الدفاع عن العقيدة النصرانية والنصوص المعادية للموريسكيين في القرن 17 وقد كتبت لتأييد الطرد ومنها كتاب الراهب البرتغالي داميان فونسيكا ” الطرد المبرر للموريسكيين الاسبان في القرن 16″ ذكر فونسيكا الواعظ السابق في بلنسية كيف أن الخيانة والعادات السيئة للموريسكيين تورث عبر دمهم الفاسد ولبن أمهاتهم، ولذلك فإن كل أعضاء الأمة الموريسكية تشربوا العادات الفاسدة من أسلافهم..”[34].
لقد احتقر كل شيء له علاقة بالعرب والمسلمين في اسبانيا في ذلك الحين، حتى المأكل شكل عقدة للكاهن بيدرو أثنار كاردونا Pedro Aznar Cardona الذي قال “أما ما يأكلوه فهو أشياء حقيرة..كالخضراوات والحبوب والفاكهة والعسل والحليب ولا يشربون النبيذ ولا يأكلون اللحم إلا إذا ذبحوه بأنفسهم…” [35]، وربما كان هذا من بين الأسباب التي دفعت كاتب ضون كيخوطي إلى الاستهزاء من ذلك العربي الذي ترجم له مخطوط الرواية “مقابل بعض أوقيات من الزبيب وبعض صاعات من القمح.. يقبل أن يترجم المخطوط بأمانة وبأسرع ما يمكن”[36].
من ضمن القضايا التي يثيرها ماثيو كار في كتابه الدم والدين، قضية الوضعية الاقتصادية للموريسكيين في اسبانيا. فبعض الدراسات تؤكد على الأهمية الكبيرة التي كانت لهم آنئذ، وأن طردهم كان وبالا على الاقتصاد المحلي. غير أن الهجمة الرخيصة التي تعرضوا لها غطت على كل الأصوات المنذرة بسقوط الاقتصاد الاسباني، لقد “كان النصارى يتخيلون دائما أن الموريسكيين بخلاء وأغنى مما يبدو عليهم، كانت هذه المعتقدات ترتبط أحيانا باتهامات أنهم يجمعون سرا احتياطيات اسبانيا من الذهب والفضة ووفرت فكرة أن الموريسكيين كانوا اسفنجة تمتص كل ثروة اسبانيا تفسيرا جزئيا زائفا للأزمات الاقتصادية”[37]. وهذه الفكرة هي التي أوردها ثيربانطيس في كتابه الآخر الموسوم ب”حديث الكلاب”، وهو نص يبين تأثره بالثقافة العربية ممثلة في ترجمة عبد الله بن المقفع لكتاب كليلة ودمنة، لأنه جعله على لسان كلبين: بيرغانسا وثيبيونBerganza y Cepion “ولا يبعد أن يكون تأثره كغيره ببعض مخلفات العرب في الأدب والأخلاق ككتب ابن المقفع وابن طفيل(حي بن يقظان) كما أشار إلى ذلك الأستاذ كونزليس في كتابه عن الآداب العربية الاسبانية “[38]، ويورد على لسان الكلب الأول ما يلي:” آه يا صديقي ثيبيون، كم من حاجة سأحكي لك عن (الأمة) الموريسكية الوغدة ولو أني أخاف ألا أكملها في أسابيع. ولو خصصتها لما أكملتها في شهور، ولكن في الحقيقة يجب أن أقول شيئا، وهكذا سمعت إجمالا ما شاهدته ولاحظته خاصة من هؤلاء الناس “الطيبين”. إنه لشيء معجز أن تجد بينهم واحدا يعتقد حقا في القانون المسيحي المقدس. لقد كان كل همهم هو صك النقود وحفظها، ولكي يحصلوا عليها يعملون ولا يأكلون، وعندما يدخل الريال في سلطتهم، ولأن ذلك يتم بصعوبة، فهم يحكمون عليه بالسجن المؤبد والظلام الخالد. وهكذا بسبب الربح الدائم وعدم الإنفاق مطلقا، يصلون إلى مراكمة أكبر قدر من المال يوجد في اسبانيا. إنهم يشكلون حفاظة للنقود لاسبانيا، هوامها الليلية، معاولها وأبناء عرس فيها. يصلون إلى أي شيء ويخبئون كل شيء ويبتلعون كل شيء. وينظر إليهم على أنهم كثيرون وبأنهم في كل يوم يربحون المال ويخبئونه قليلا أو كثيرا كان، ولا تنس أن الحمى البطيئة تقتل كالحمى المفاجئة. و بما أنهم يتكاثرون، فإن مخابئهم تكثر أيضا تتناسل بدون حدود كما تبين ذلك التجربة. لا توجد بينهم عفة ولا يدخلون في دين نساء كن أم رجالا. يتزوجون كلهم ويتضاعفون لأن العيش بعقلانية يزيد الاهتمام بتكاثرهم، إن الحرب لا تنهيهم، ولا الأعمال الكثيرة التي يقومون بها، إنهم يسرقوننا بانتظام، ومن ثمار عقاراتنا يعيدون بيعها لنا ليصبحوا أغنياء. ليس لديهم أطفال يربونهم لأن هؤلاء يربون أنفسهم. لا ينفقون المال على تعليم أبنائهم، لأن علمهم ليس شيئا آخر غير سرقتنا. من بين الاثني عشر ابنا ليعقوب والذين سمعت بأنهم دخلوا مصر عندما أخرجهم موسى من الأسر، خرج ست مائة ألف ذكر دون أطفال أو نساء”[39].
الواقع أنه بعد ترجمتي لهذا المقطع من النص المذكور، فوجئت بوجوده في كتاب الدم والدين ص 373 مع بعض التغييرات الطفيفة. والمؤلف -والمترجم بالطبع- توقف عند قوله: ” لأن علمهم ليس شيئا آخر غير سرقتنا”. ولم يشر إلى الفقرة الأخيرة. فالملاحظ أن ثيربانطيس يكرر ما أشيع حول البخل الموريسكي والأوصاف الأخرى، لكن المثير للعجب حقا هو أن الأوصاف المذكورة قالها في حق سلالة يعقوب ومن الواضح أنه يقصد بها اليهود وليس المسلمين. وهنا تطرح علامة استفهام كبرى حول الثقافة الموسوعية لثيربانطيس وعبقريته الفذة وغيرها من الأوصاف التي مدحت علمه.
من جهته كتب الأستاذ مزوار الإدريسي مقالة عنوانها: “الترجمان الذي يظهر ويختفي”[40]. وهنا نكتشف أيضا بأن الأستاذ مزوار يعتمد على رواية مترجمة من طرف رفعت عطفة(2004 سوريا). وكان أول شيء يثيره هو أن ثيربانطيس يعد ” المؤسس الغربي لأدب الهامش”[41]، ويضيف أيضا بأن “عمله كان إبطالا للنص العربي بإقامة النص القشتالي مكانه وإسناد العمل إلى أصوات عديدة مجسدا التحقق البين بشكل من الأشكال للبوليفونية بالمفهوم الباختيني”[42]. و في هذه المقالة نلتقي مرة أخرى مع ثقافة ثيربانطيس الذي عد قارئا نهما نظرا لكثرة الكتب التي أحال عليها. ويشير الناقد إلى أن القارئ الحصيف يشعر ” أن الرسالة التي يوجهها المؤلف هي نسخ مدلول الترجمة باعتبارها عملا تقنيا لترتقي إلى مرتبة النشاط الإبداعي الذي لا يقل شأنا عن الكتابة الإبداعية والنقدية[43]… ولعل أقرب مثال لدينا الراحل محمد شكري الذي أقر غير ما مرة بجميل الكاتب الطاهر بنجلون، فقد عرف به في أوروبا ذلك أنه ترجم السيرة الرواية الخبز الحافي إلى الفرنسية فكانت بحق درسا في الترجمة”[44].
لا ندري إن كانت المقارنة بين ثيربانطيس والطاهر بن جلون ممكنة – في هذا السياق- حول جودة الترجمة أو تحويل مدلول الترجمة للحصول على رواية ذات شهرة كبيرة، ولكن حسب علمنا فإن العلاقة بين محمد شكري والطاهر بن جلون لم تكن على ما يرام. جاء في “جان جينيه كذاب جميل (2010)” يدعي الطاهر بن جلون أن شكري لم يكتب رواية وإنما أملاها على بول بولز ويدعم زعمه هذا بغياب المخطوط العربي للرواية لما شرع في ترجمتها، لكن الناقد محمد برادة يقول غير ذلك تماما. من جهته لم يتوقف شكري عن انتقاد الأطروحات الأدبية الاستشراقية التي غرق فيها بن جلون وصار يستعرض من خلالها الثقافة المغربية للفرنسيين حاطا إياها إلى فلكلور هزيل، بل قال شكري في أحد الحوارات إن بن جلون قد ندم على ترجمته الخبز الحافي”[45].
إن قارئ سيرة ثيربانطيس لا يسعه إلا أن يقف على شخصية غير مأمونة الجانب، حتى ولو أراد البعض تصويرها على أنها فذة وعبقرية وإنسانية. فهذه الإنسانية التي يصفونه بها هي في الحقيقة موجهة إلى بطل الرواية ضون كيخوطي وليس إلى الكاتب المزعوم، ونحن نعلم أنه اعترف أنها من إنتاج سيدي حمادي ولهذا نجد أن أونامونوUnamuno الناقد الاسباني المعروف يقول:”لا أعتقد أن علي أن أكرر أني أشعر بكوني كيخوطيا أكثر من كوني ثيربانطيسا، أني أريد أن أحرر الكيخوطي من ثيربانطيس نفسه. وأن أسمح لنفسي في بعض المرات بأن أكون ضد الطريقة التي فهم بها ثيربانطيس وتعامل بها مع بطليه وخاصة سانشو. لقد اعترض سانشو على ثيربانطيس رغم أنف هذا الأخير. إني أعتقد أن الشخوص الروائية تملك داخل ذهن المؤلف الذي يشكلها، حياة خاصة، واستقلالا معينا و يخضعون لمنطق حميمي لا يفهمه المؤلف نفسه”[46].
يورد الناقد محمد الداهي في المجلة نفسها مقالة بعنوان:”التلقي العربي لدون كيخوطي”[47] إشارة للروائي المغربي التهامي الوزاني- الذي عد أول من حاول ترجمة ضون كيخوطي- بخصوص الظروف التاريخية التي كتبت فيها هذه الرواية. وهي الإشارة التي نعتقد أنها مصباح ينير إشكالية البحث في أغوار هذه الرواية كما أشار إلى ذلك الأستاذ أحمد المديني في ملاحظة وردت سلفا، وتتجلى هذه الظروف في” احتدام الصراع بين المسلمين والمسيحيين، وبما أن ثيربانطيس قد أسر في الجزائر وأصيب في الحرب بآفات جسيمة فكان يقول إنه كما جاهد الإسلام بيده فكذلك سيحاربه بقلمه، ويرى التهامي الوزاني أن خلود رواية ضون كيخوطي إلى جانب حفولها بالعناصر الجمالية يكمن في الحض على أخلاق البطولة والدفاع عن الوطن والمسيحية، ورغم ما في الرواية من مواقف عدائية تجاه الإسلام، فإن التهامي الوزاني شارك الاسبانيين في التمتع بعوالمها وضروب صنعتها ويغفر لكاتبها تهكمه من المسلمين جراء ما يتوفر عليه كتابه من علم وأدب…لأن الأمر يتعلق بكاتب عبقري وعظيم “[48]..
ثم يورد الناقد محمد الداهي رأيا لعبد الوهاب مؤدب، يرى فيه أن رواية ضون كيخوطي تتعامل مع الإسلام بوصفه عدوا مهيبا.
أما رأي نادر القنة فيدرجه في مقالته على هذه الشاكلة” أصبح ضون كيخوطي رسول الثقافة الإنسانية والمحبة والسلام والداعية الإصلاحي لإقامة الخير ومقاومة الشر ورمزا صريحا لمعاني النبل والشهامة والمثل الإنسانية العليا، وهكذا يندرج ضون كيخوطي في إطار العوامل الإيجابية التي مهدت لإسبانيا بأن تلعب دورا أساسيا في حوار الثقافات الإنسانية والأديان السماوية”[49]. طبعا فإنسانية السياسة الإسبانية في تلك الفترة وما قبلها بقليل ظهرت واضحة للعالم أجمع عندما صرخ بارتولومي دي لاس كاساسBartolomé de las casas في وجه ساسته وكنيسته، قائلا:” كانوا يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس، كانت هذه سياسة الاجتياح المسيحي: أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها..مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة”[50] لقد “كان المسيحيون ينظرون إلى الهنود الحمر لا كما ينظرون إلى الحيوانات(ويا ليتهم اعتبروهم حيوانات) بل أقل قدرا من الدواب وأحط شأنا من الزبل”[51].
وفي مكان آخر وردت ترجمة للأستاذ محمد برادة لمقال للروائي ميلان كونديرا Milan Kundera بعنوان: الستار، ذُكِرَ فيها تمجيد لعمل ثيربانطيس :” عندئذ صدر عن سرفانتس رد فعل يشبه ما كان سيصدر عن روائي معاصر، هاجم بعنف وسعر المنتحل وأعلن بكبرياء:” لقد ولد دون كيشوت لي وحدي وأنا له، إنه يعرف كيف ينجز الفعل وأنا أعرف أن أكتب، هو و أنا لسنا سوى شيء واحد..” منذ سرفانتس غدت العلامة الأولى والأساس لرواية(كذا) هي أن تكون إبداعا متفردا غير قابل للمحاكاة وغير منفصل عن مخيلة كاتب واحد، فقبل كتابتها ما من أحد كان يستطيع أن يتخيل رواية دون كيشوت لقد كانت اللامنتظر نفسه ودون سحر اللامنتظر ما من شخصية روائية ولا رواية عظيمة ستكون منذ ذاك قابلة للإدراك. لقد ارتبط فن الرواية باستحضار حق الكاتب والدفاع عنه دفاعا مستميتا والروائي هو سيد عمله الوحيد إنه هو علمه ولم يكن الأمر دائما كذلك ولن يكون دوما هكذا لكن حالتئذ لا فن الرواية ولا ميراث سرفانتس سيستمران في الوجود”[52]. لا يعرف بالضبط سبب سكوت ميلان كونديرا وعدم تعليقه على قول ثيربانطيس ” دون كيشوت لي وحدي وأنا له، إنه يعرف كيف ينجز الفعل وأنا أعرف أن أكتب..” وهذا يعد من تناقضات ثيربانطيس لأنه يذهل عن قوله في بداية الرواية بأنه وجد المخطوط العربي وفيه كذا وكذا بعد الترجمة إلخ…وربما كانت الترجمة هي السبب في عدم فهم بعض ما قاله ثيربانطيس، فظلال اللغة الاسبانية وخاصة في تلك الفترة كثيرة لن يفهمها إلا أقرب الناس إلى الإسبانية في نحوها وبلاغتها وسياقاتها..ولنترك الأمر للناقد الإسباني أونامونو ففيه يوجد رأي مخالف لرأي كونديرا.
في كتابه ” حول قراءة وتأويل ضون كيخوطي” يباشر أنامونو نقدا للكاتب، ويناقش أمورا تتعلق باختيارات هذا الأخير، وخاصة علاقته بأبطال روايته، وهو يميل إلى الشك في قدرة ثيربانطيس الروائية” لقد كتب ثيربانطيس كتابه في اسبانيا في بدايات القرن 17 من أجل اسبانيا في بدايات القرن 17، ولكن ضون كيخوطي سافر إلى كل شعوب الأرض طوال القرون الثلاثة من ظهوره. وبما أن ضون كيخوطي لم يكن بإمكانه أن يكون في انجلترا القرن 19 على سبيل المثال، كما في اسبانيا القرن 17، فقد تغير وتحول فيها مدللا بهذه الطريقة على حيويته القوية وواقعية حقيقته المثالية…كل شيء يتوقف على فصل ثيربانطيس عن ضون كيخوطي، وأن نعوض طاعون محبي ثيربانطيس أو متيمي ثيربانطيس بفيلق مقدس من الكيخوطيين. نفتقر إلى الكيخوطية بينما هناك فائض من الثيربانطيسية. قد يقع في تاريخ الأدب ذات مرة أن يكون البطل أكبر من الكاتب، بينما في مرات عديدة يقع العكس: الكاتب أكبر من الشخصيات ومن الأعمال الأدبية التي كتب. هناك أبطال أكبر كثيرا من الأعمال الأدبية، وهناك أعمال أدبية أكبر بكثير من الشخصيات الموجودة فيها، ولا يخامرني أدنى شك في أن ثيربانطيس هو نموذج للكاتب الصغير جدا أمام عمله وأمام ضون كيخوطي. لم لو يكتب ثيربانطيس ضون كيخوطي الذي انتشر نوره الباهر وغمر باقي أعماله، بالكاد سيظهر في تاريخنا الأدبي ولكن كعبقري من الدرجة الخامسة أو السادسة أو العاشرة حتى…يكفي أن نقرأ ضون كيخوطي باهتمام شديد لنلاحظ أنه في كل مرة يدخل فيها ثيربانطيس “الطيب”(أو بالأحرى الذي يزعم أنه طيب حسب الطريقة التي يعلق بها أونامونو على ثيربانطيس) في الحكاية ويبدأ في نسبة الأشياء إلى نفسه، يبدأ أيضا في قول وقاحة أو يحكم بطريقة حاقدة وخبيثة على بطله…إن المسكين ثيربانطيس لم يصل إلى الإيمان القوي للنبيل المانشوي…إنه من اللائق الاحتجاج مرة بعد أخرى والقول بصوت عال بأن مملكة ضون كيخوطي لم تبدأ بعد في اسبانيا”[53].إن في إشارة أونامونو ما يبين أن الجانب الإنساني الذي يتحدث عنه يخص الأبطال وليس منسق فصول الرواية.
على أن المقالة التي كتبها الناقد محمد الداهي شكلت دراسة لأبرز ما قاله النقاد العرب عن هذه الرواية. وقد عرض لكم لا بأس به من الآراء، انتقينا منها ما يسير في الخط نفسه الذي تبنيناه في النقد الثقافي، وقد أجمله في إطار سماه التواصل الأدبي بقوله:” سنقوم في البداية باستجلاء كيف تلقى العرب ضون كيخوطي على المستوى النقدي والإبداعي في إطار ما اصطلح عليه بالتواصل الأدبي”[54]. ويمكن أن نخلص من قراءة مقالة الأستاذ الداهي، إلى أن الآراء المنتقاة قد تفاوتت، إذ هناك من ركز على مضمون الرواية وآخر كتب عن الظروف التي اكتنفت إنتاج الرواية وطبعها وترجمتها إلى اللغة العربية، وهناك من انطلق من المضمون لإبراز علاقة الشرق بالغرب وموقف الاسبان المعروف من الإسلام.
5 من كتب ضون كيخوطي؟
نورد هنا المقال الذي ترجمناه من اللغة الإسبانية للأستاذ: FRANCISCO AGUILAR PIÑAL ” إنه سؤال مقلق، وهو بالطبع استفزازي. ولكن هناك شك منطقي حول هوية كاتبه، هوية ظلت مختبئة خصوصا عندما تدرس رواية النبيل البارع ضون كيخوطي دي لامانشا تحت المرآة السير- ذاتية للكاتب. بدءا من الطبعة الأولى في الواجهة المبهرة للرواية، وهي مسودة تعود لسنة 1604 وأحتفظ بنسخة منها، يظهر أنها مؤلفة من طرف ميغيل دي ثيربانطيس سافيدرا. وهكذا إذن تواصلت الطبعات المختلفة التي تبعت الطبعة الأولى لسنة 1605 والثانية لسنة 1615 داخل اسبانيا وخارجها سواء بالاسبانية أو مترجمة. كان اسم ثيربانطيس مرتبطا بضون كيخوطي باعتباره كاتبا للجزأين معا وذلك حسب المعلومات المشهورة رغم أنه يظهر أن في حياته الشخصية بعض الثغرات والأحداث التي من الممكن أن تتناقض مع صحة كونه الكاتب الأصلي للرواية. أمام هذا الإسناد الذي تم قبوله طوال قرون يبدو الآن من الحماقة إبداء الشكوك مهما كانت معقوليتها. والأسباب التي تعزز هذا الشك، رغم ذلك، هي أسباب عنيدة بما فيه الكفاية لكي تطرح وتناقش من جديد من طرف أي قارئ لرواية ثيربانطيس.
أفتخر بكوني قرأت الرواية كاملة ثلاث مرات وأنا على استعداد لكي أبدأ الرابعة، فقط من أجل متعة القراءة. لقد كنت من بين المؤسسين لجمعية المهتمين بثيربانطيس، ولدي دراسات عديدة حول ضون كيخوطي، وهو الشيء الذي يسمح لي بالتفكير حول إن كان بإمكان ثيربانطيس أوْ لا أن يكون هو المؤلف الحقيقي لأهم عمل أدبي اسباني. ولقد نوقشت أيضا مسألة احتمال أن يختبئ وراء شكسبير كاتب حقيقي لأعماله. الأمر نفسه يجري على ثيربانطيس رغم أن الشكوك هنا لا تعدو أن تكون مجرد افتراضات، ولكني أحب أن أطرحها لكي أزيل ثقلا عن وعيي النقدي في هذه الأكاديمية الملكية التي كان اهتمامها بثيربانطيس بارزا ونموذجيا منذ البدايات، كما درست ذلك بنفسي في فصل عريض في السلسلة الثالثة من كتابي: “شؤون اشبيلية”. ودون أن أدخل في جدال عالِـم مع أحد، يبدو لي أمرا قابلا للنقاش، دون أخذ ورد، إسناد كاتب ضون كيخوطي إلى شخصية تاريخية بعيدة عن هدوء الدراسة وعن استراحتها الضروريتين لتمثل وكتابة نص مليء بالإحالات الأدبية والإنسانية والجغرافية: ولد في قلعة هيناريس Alcalá de Hinares، والتي كانت آنذاك مدينة جامعية، وبساكنة تفوق مدريد. وعندما أكمل ثلاث سنوات انتقلت عائلته إلى بلد الوليد حيث حُجِز على أملاك والده و اقتيد إلى السجن لوقت قصير، بسبب كثرة الديون. ثم رحلوا بعدها إلى قرطبة حيث عاشوا طوال عشر سنوات(1553-1563 وبعدها إلى اشبيلية في حي القديس ميغيل وقريبا جدا من المدرسة اليسوعية سان هيرمينخيلدو، حيث يعتقد البعض أن الشاب ميغيل قد تابع دراسته اللاتينية. إلا أنه وبالنظر إلى الحالة المادية لعائلته، فإنه قد صعب على المتخصص في الشؤون الاسبانية جان كانافاجيوJean Canavaggio، والذي يعد من أهم من كتب عن سيرة ثيربانطيس، الاعتقاد بأن منتسبا إلى حي القديس ميغيل بإمكانه إرسال أحد أبنائه الستة إلى مقاعد الدراسة التي كان يرتادها فقط شباب علية القوم المحليين.
في مراهقته وشبابه، سيتنقل ثيربانطيس، إذا فرضنا أنه سيتبع خطى والده، بين مدن كثيرة: القلعة، قرطبة القلعة مرة أخرى ثم قرطبة ثانية وأخيرا اشبيلية. تغييرات في المكان والأصدقاء والراحة دون إمكانية الولوج إلى مكتبة عمومية لأنه لم تكن موجودة في ذلك الزمن، دون الحديث عن المكتبات الخاصة التي كانت مفتوحة فقط في وجه بعض النبلاء والميسورين الاشبيليين. وكانت الكتب الوحيدة التي كان بإمكانه قراءتها هي الكتب المدرسية، وأخرى مستعارة أو غيرها. كانت الوثائق المرجعية قليلة وخاصة تلك التي تظهر دراسته المتقطعة دوما. وهذا ما يؤكده آخر من كتب عن سيرته: ألفريدو الفارو Alfredo Alvaroالذي يؤكد بصرامة بأن “التكوين العلمي لثيربانطيس كان مثل كثيرين، مفتقرا جدا إلى الكثير من الأمور. ولا شيء من الوثائق يفيد حول تعلمه. وهذا المؤرخ يرفض ادعاءات المهتمين المتنورين بحياة ثيربانطيس مثل أستراناAstrana ورودرغيز مارينRodriguez Marin، واللذين كانا من “صانعي ومتخيلي” الحياة الدراسية لثيربانطيس في قرطبة واشبيلية.
في سن العشرين كانت عائلة رودريغو ثيربانطيس قد استقرت في مدريد، قرب الكورتيس، حيث تلقى ميغيل دروسه على ما يبدو على يد اللاتيني المشهور: خوان لوبيز دي هويوس Juan Lopez de Hoyos طوال أشهر. لكن ما الذي سيتعلمه في شهور معدودة من الحضور لدروسه؟ كان ذلك هو ما يشكل دراسته، لنقل، الأكاديمية. لأن معلمه الأكبر كان هو الحياة، دون ولوج عتبة أية جامعة. إن الشهادات الجامعية لا تضمن المعارف، لكنها تلزم الاحتكاك اليومي بالكتب والتي كانت قليلة عند العائلات المعسرة كحالة عائلة لثيربانطيس في القلعة. فصحيح أنه من أجل تفادي الصعوبة فإن الفارو يشير إلى كون كاتبنا كان يتوفر على بعض النقود لاقتناء مئات الكتب ولكنه لم يقل أين كان يحفظ الكتب والنسخ الأصلية لكتاباته، لأن خريطة أسفار لثيربانطيس في مرحلة نضجه كان يحسد عليها من طرف أي طامح للقيام بالسياحة. لقد كانت حياته تجوالا دائما بين المدن والمشاهد المتنوعة بموارد قليلة ورغبة أقل في الكتابة. لقد عبر البحر الأبيض المتوسط في مناسبات عديدة. منذ أن اضطر إلى الهروب إلى روما سنة 1569، متابعا من طرف العدالة. ونحن نعرف أن ثيربانطيس استقر في ايطاليا لخمس سنوات((1569-1575، أولا كخادم للكاردينال، وبعدها كجندي منخرط في صفوف جنود نابولي ومشاركا في معركة ليبانتو سنة 1571، لكن القليلين سيتذكرون أنه لا يشير فقط إلى روما بل إلى جميع العواصم المهمة: البندقية فلورنسا ميلان بولونيا جنوة نابولي فيرارا لوكا بارما باليرمو..) بالإضافة إلى استضافته في ريجيو وميسينا حيث أمضى فترة نقاهته بعد معركة ليبانتو. فهل استطاع أن يقوم بكل هذه الأسفار التي يحسده عليها سائح اليوم، في خمس سنوات فقط من الحياة المتجولة؟ نعرف أنه بعد تعافيه من جروحه، تكرم عليه ضون خوان النمساوي براتب شهري غير كاف لكي تكون له حياة مريحة، وأن يكون محاطا بكتب ومسافرا في طرق شبه الجزيرة الايطالية. نعرف بأنه كان خادما للكاردينال اكوافيفا Aguaviva، لكن: هل كانت له هناك فرص يغتنمها في قراءاته المفضلة؟ هل تعلم الإيطالية بشكل جيد وهو في روما؟ لقد تمكن من قراءة أعمال اريوسطوAriosto، والتي يعرفها بشكل جيد كاتب ضون كيخوطي، بأجزائها المنفردة وبمختصراتها باللغة الايطالية المحلية، ولم يكن لديه وقت ولا وسيلة للولوج إلى المكتبات العامة والتي لم تكن موجودة كما هو الحال أيضا في اسبانيا حينها. بالرغم من كل المحاولات التي بدلها المهتمون بثيربانطيس من أجل تخيل وجود مكتبة خاصة به، فهذا الأمر ليس محتملا حتى بالنسبة لشخص يملك منزلا خاصا به، فبالأحرى شخص لم يملك منزلا إلا في السنوات الأخيرة من عمره لأنه أمضى عمره دائما في الخان أو في المعسكرات أو في منازل الأصدقاء: فهناك فرق كبير بين ذكره للكتب وبين تملكه لهذه الكتب.
وكانافاجيو نفسه -والذي يعتبر ثيربانطيس متعلما ذاتيا-، يتساءل: متى أمكنه إطفاء تعطشه للقراءة؟ ودون اقتناع كبير يشير إلى أن ذلك وقع في روما ونابولي. وفي لحظة أخيرة يتساءل من جديد: ماذا قرأ؟ أو بالأحرى ماذا اكتسب من قراءاته؟ فبعد معركة ليبانتو، نعرف أنه كان أسيرا في الجزائر(1575-1580)- وهو مكان لا يبدو مناسبا بشكل جيد للقراءة والكتابة. في السنوات التالية كان طامحا لدخول الكورتيس دون أن يفلح في ذلك، حتى قرر أن يتزوج زواج مصلحة في سن السادسة والثلاثين من عمره من شابة على وشك إكمال عشرين سنة: كاتالينا دي سالازارCatalina de Salazar هاربا من عائلة عشيقته آنا فرانكا Ana Franca وكانت امرأة متزوجة وكانت له منها بنته ايزابيل. وقد هجر سريعا بيت الزوجية في ايسكيفياس لكي يخدم الملك كقاض مفوض لتحصيل القمح والشعير من أجل الجيش الكبير سنة 1587 . في بداية سنة 1588 نجده من جديد في اشبيلية، مستقرا في نزل في شارع بايونا قرب الكاتيدرائية. ثم دزينة أخرى من السنوات(1588-1600) قضاها متجولا في الأندلس هنا وهناك، ودائما في فنادق غير مريحة بصحبة الخيول ورائحتها الكريهة. بالنظر إلى كل هذه الأسفار: أين كان يحفظ كتبه؟ أين هي مخطوطاته؟ أين هي وصولات ما يحصله من أموال؟ بقيت أربع سنوات لكي تظهر الطبعة الأنيقة للرواية، ولكن في هذه السنوات كانت أوصاله تستريح في السجن بسبب تبذير الأموال التي كان يحصلها كقاض مفوض في مناسبات أربع 1588و1592و 1594 ثم 1597. وهذه الأخيرة كانت في اشبيلية حيث يمركز مؤرخ عجيب وقوع الصفحات الأولى من رواية ضون كيخوتي. ولقد سميت المتنور رودريغيز مارينRodriguez Marin بالمؤرخ العجيب لأنه يجب أن يكون كذلك لكي نتخيل أسيرا مبتور الذراع يكتب في زنزانة ملوثة في ذلك السجن الملئ بالقاذورات حيث لم يكن بالإمكان تنفس الهواء النقي حسب ما يحكيه أب يسوعي وصف السجن بأوصاف قاتمة: انعدام الراحة، الأوساخ ثم مشاجرات فتوات السجن. لا. لم يكن بإمكان ثيربانطيس كتابة و لو سطر واحد في مجتمع الأوباش الاشبيلي. أتأسف لكوني لست متفقا مع هذا التقليد الذي يفتقد إلى السند، والذي تستند إليه تلك الكتابة المؤرخة البارزة في شارع لا سياربي la Sierpe، والتي اكتشفت من طرف الأكاديميين الاشبيليين في واجهة السجن القديم. والشيء الوحيد الذي يمكن قبوله هو أنه في تجمع الأوباش هذا، يمكن أن يكون الشاعر الأسير قد خطط للفصول الأولى من رواية كيخوطي، ولكن دون أن يتمكن أبدا من أخذ الريشة لكتابة ولو صفحة واحدة.
يؤكد ذلك كلمات كانفاجيو حول السجن الاشبيلي والذي يقول عنه بأنه كان غولا حقيقيا حيث كان يقيم بصورة مستمرة ألفا مسجون، وهذا يعني طاقة استيعابية أكبر مما يوفره مجموع المؤسسات السجنية في شبة الجزيرة الأيبيرية بما فيها سجن مدريد.
وحينما أطلق سراحه، رأى الأسير المتنور مراسيم رفع جثمان الملك فيليبي الثاني في كاتدرائية اشبيلية يوم 13سبتمبر من عام 1598 في نفس الوقت –تقريبا- الذي سيموت فيه خادمه الأكبر ارياس مونتانو. وهذا الأمر تؤكده الأبيات الشعرية التي ضمنها في قصيدته السفر الى بارناسو، والتي اعتبرها أهم تكريم لكتاباته، والتي تبدأ بقوله: “أرجو من الله أن يذهب عني هذه العظمة وأن يعطيني المال لأني وصفتها”.
نعم. لقد كان ثيربانطيس في اشبيليية لسنوات عديدة، ولكن دون أن يبرز فيها كشاعر أو روائي. لقد كان في نظر اشبيليي ذلك الوقت مجرد شاعر مدريدي رديء، محصل أموال مزعج، كان يُهرَب منه، ملطخ السمعة لبث في السجن لشهور بسبب سرقتها. في سنة 1600 أي السنة الأخيرة له في اشبيلية…يغادرها ويعود الى اسكيفياس وبين الفينة والأخرى كان يقوم بزيارات خاطفة لمدريد وبلد الوليد. وفي كل الأحوال وبعد نشر “ضون كيخوطي” يستقر في مدريد. كان ذلك أولا وراء مستشفى انطون مارتين، ثم سكن مرتين في شارع ماجدلينا وبعدها في شارع الحقول وأخيرا في شارع فرانكوس وهو اليوم شارع ثيربانطيس في زاوية من شارع ليون، وذلك رفقة زوجته وخادمته. رغم التغييرات الواضحة لسكنه، فقد كانت تلك، سنوات الهدوء النسبي، وفيها تمكن من كتابة الجزء الثاني من روايته بشيء من الراحة. ولكن: ماذا يمكن القول عن الجزء الأول؟ يجب أن تكون قد كتبت في سنوات عمله كمحصل للأموال في الأندلس، ملعونا من طرف الجيران ومتابعا من طرف العدالة، مسجونا دون منزل خاص، مستقرا في فنادق متسخة. أليس هذا سببا كافيا للشك؟ ليس في نيتي التنقيص من الطبقة الاجتماعية والأخلاقية للروائي، ولكن كل ما أقوله مكتوب وموثق من طرف العديد من كاتبي سيرته. ولقد كانت حياة كارثية كما يؤكد ذلك الفريدو الفار في كتابه: “ثيربانطيس”. وإذا كان كاتبنا ميغيل دي ثيربانطيس فعلا هو الكاتب الحقيقي لتلك الرواية، فيجب أن نضيف لقبا آخر هو: أمير العباقرة الإسبان، والذي لا يقل شرفا عن لقب” سيد المعجزات”. لأنه من المعجزة حقا، وهذا ليس شيئا سهلا، أن نحتفظ في الذاكرة بأسماء الشخصيات التي يستحضرها دون أن تكون له مكتبة خاصة، دون مكتب للعمل، دون خزانة لحفظ المسودات، دون موارد لشراء ذلك الكم الهائل من الورق والريشة والحبر. ودون شهور من الراحة من أجل الكتابة، دائما من هنا إلى هناك بين المجرمين والشطار وفتيات البغاء. دون دراسة عليا، دون الولوج إلى المكتبات الأخرى، أكثر من مكتبات الأصدقاء. كيف تمكن من كتابة أحسن رواية لجميع الأزمنة، بأحسن لغة اسبانية في العصر الذهبي، معلم للغة، للحكاية، للسخرية الدقيقة في مجتمع عصره؟
ضيق في الوقت وفي الراحة، بتر في اليد اليسرى، كيف أمكنه التوفيق بين الحياة والعمل؟ وهناك المزيد. هناك من يعتقد أنه لكتابة رواية يُحتاج فقط لكثير من الخيال وسهولة استخدام للريشة. لكن ليس هذا هو الحال الآن، حيث “رواية ضون كيخوطي” تعد عصارة للحكمة، لم تـُتَعلم بالضرورة في الشوارع ولا في السجون. إن الكاتب لا يُـقيَّـــم فقط بخياله، بل إنه يصب في عمله معارف كان يريد أن يصير بها أحد أهم الكتاب الإنسانيين الاسبان في العصر الذهبي. يا لها من ذاكرة عجيبة!، يا له من تكوين موسوعي دون سند خاطئ في الإحالة!. مهما يكن الروائي، فهو يحيل في روايته إلى كل الكتاب المهمين، سواء من القدامى:هيبوقراطيس ارسطوطاليس افلاطون هوميروس بوليدورو، شيشرون… أو في عصر النهضة الاسبانية بوسكانBoscán وغارسيلاسوGarcilaso و غيرهم.. وليس ذلك بدون تفكير بل بوعي لما يكتب. لا يوجد في كتب الفروسية أسرار بالنسبة له. لقد قرأها كلها وهو يعرف الأسماء، ومزاج وسلوك كل الشخصيات بدءا بأماديس دي غولاAmadis de Gaula وبيليانيسBelianis اليوناني وصولا إلى اورلاندو اريوسطو. يعرف الإلياذة والأوديسة تماما مثلما يعرف الاركاديا المزعومة وغيرها كثير..دون نسيان معرفته بالمثولوجيا القديمة بما أن الاساطير الميثولوجية هي القاعدة الثقافية لكل كتاب عصر النهضة. والشيء نفسه يقال عن الأساطير الارثوريانية والتي تعود لتاريخ اليونان والرومان والتي يشير إليها دائما، كمثل تاريخ اسبانيا منذ تمرد فيرياتوViriato والملك القوطي وامباWamba. كيف لا نشك..في كون ثيربانطيس المسافر الملحاح، التعيس في حياته وحبه والذي لم يكن يملك ولو مكتبا رديئا، هو الكاتب الحقيقي لتلك الرواية الموسوعية؟ باستعمال السخرية يمكن أن تكون عملا ساحرا كما يلمح إلى ذلك بشكل صارم الفارس الأحمق(ضون كيخوطي):” أؤكد لك يا سانشو أن كاتب قصتنا يجب أن يكون حكيما ساحرا”. وهذا يقوله في الفصل الثاني من الجزء الثاني، واحد من أهم الركائز فيما يتعلق بهوية الكاتب، بما أن المخطوط ينسب إلى سيدي حمادي الباذنجاني (كناية عن الطليطلي حينها)، وهو اسم عربي حسب الشهادة السريعة للفارس، والذي قال عن الرواية، بعد تفكير:” وما كان يحز في نفسه(أي ثيربانطيس) ويبعثه على الأسى كون الكاتب عربيا كما يشير إلى ذلك اسم :سيدي(أو السيد)، ولا يمكن أن تنتظر شيئا من الحقيقة من هؤلاء العرب، لأنهم كلهم غشاشون ومزورون وقتلة.” أنها ذكريات سيئة تلك التي يختزنها الجندي ميغيل ثيربانطيس عن الأتراك في معركة ليبانتو وعن البربر في الجزائر.
أن يكون مبدع “ضون كيخوطي” هو نفسه الذي كتب لاكالاتيا التي طبعت سنة 1585 فذلك موضوع يظهر في تدقيقات مكتبة دون الونسو كيخانو، في الفصل الأول من الجزء الأول من “ضون كيخوطي”، والذي بابتعاده عن الروائي السارد، فإنه يشير إلى ذلك الثيربانطيس، كاتب لاكالاتيا La Galatea:” منذ سنوات و هذا الثيربانطيس صديق كبير لي، أعرف أنه خبير في التراجيديا أكثر منه في الشعر. وكتابه يعتبر إضافة جيدة، إنه يقترح شيئا معينا ولكنه لا يقرر شيئا: من الضروري انتظار الجزء الثاني الذي يعد بشيء معين، ربما بشيء من التعديل سيصل إلى تحقيق الرحمة التي تستعصي عليه الآن”. والحق أن هذه الرحمة وبكل التواضع المطلوب، وصلته بسرعة، صحبة الشهرة، في غضون الساعات الأولى للطبعة الأولى من “ضون كيخوطي”. سخرية تلو أخرى: هل كان يشير بأصبعه إلى نفسه، مشيرا في ذلك الحساب إلى عمله المحبوب بالنسبة إليه: لاكالاتيا؟.
هل كان فعلا ميغيل ثيربانطيس ابن الجراح والحجام التعيس في مدينة القلعة، هو الكاتب الحقيقي لهذه القصة الروائية ؟ لقد جمع ارمادو كوتاريلوCotarelo العلامة المحترم، القراءات التي قام بها ثيربانطيس والتي وصلت إلى 429 عنوانا”. ولقد أجاب علامة آخر هو غونزاليس دي أميزواAmezúa, سنة 1956 بتكبر لا يخلو من المعقولية:”من المستحيل أن يقرأ كل هذا الكم”. كيف لا نشك في هذه القراءات المحتملة؟ إن الشك هو الشيء العادي في هذه الحالة. ولكن قبل هذا التاريخ المذكور آنفا، وبالضبط في كلمة بمناسبة الذكرى المئوية لسنة 1905 في الجامعة المركزية بمدريد، وضح مينينديث بيلايو بأن ” ثيربانطيس كان رجلا كثير القراءة، ولا يمكن إنكار ذلك لمن كان له مثل تلك المعاملة العائلية لأعماله”.وأضاف “بأن كل أعمال ثيربانطيس تبين عن ثقافة صلبة جدا وعن حس جيد ملحوظ، أما دون مارسيلينو فلم يعرف ماذا يقول حول أين وكيف اكتسب ثيربانطيس كل هذه الكمية الهائلة من المعلومات التي تضمها الرواية الخالدة؟. ولو أن هذا الأكاديمي المتنور كتب بدلا من ثيربانطيس: كاتب “ضون كيخوطي”، لما اعترضنا على ذلك. ولكنه لم يشك – ولو للحظة- في أن الكاتب هو المزداد في مدينة القلعة. كما لم يشك في ذلك المتنورون وكثير من الأكاديميين المهتمين بالآداب الجميلة، والذين أقاموا ساعات طويلة من الحوارات والنقاشات مع الحكيم السانتانديري( دون مارسيلينو) حول ثيربانطيس وأعماله.
على عكس ما قاله بعض النقاد الرومنطيقيين فإن كاتب “الكيخوطي” لم يكن عبقريا فردا معزولا، وإنما، ككل كاتب، كانت لديه مصادره الأدبية، والتي لم تكن قليلة حسب ما أظهر ذلك الكاتب الاشبيلي المهتم بأعمال ثيربانطيس فرانسيسكو ماركيز فيلانويفاVillanueva. لقد كان مينينديث بيلايو على حق. فكل الثقافة القديمة وثقافة عصر النهضة مبثوثة في أعماله. ولكن كيف تمكن من ذلك؟ فالعالم الإنساني القشتالي خوان دي فالديس من القرن السابع عشر، والذي عاش حياة هادئة وكان يتوفر على مكتبة مهمة في مخزن بيته يعترف مع ذلك بأنه احتاج إلى عشر سنوات لقراءة كتب الفروسية. كيف نقبل بأنه في أقل وقت من ذلك وفي غياب الراحة والهدوء تمكن مبتور اليد في معركة ليبانتو من أن يفعل ذلك؟ ما السر الذي يكمن وراء اللغز المسمى ثيربانطيس؟ بالإضافة إلى ذلك: كيف يمكن أن نوازن بين الانتماء السري للحركة الإصلاحية الايرازمية (نسبة إلى ايراسموز دي نوتردام الهولندي) وإلى التوجه الواضح ضد الاكليريكية لكاتب “ضون كيخوطي”، وحياته المنطلقة المليئة بالخطيئة وأحيانا بالتزوير لكاتب متابع من طرف القانون وغير معمد من طرف الكنيسة من جهة ومن جهة أخرى مع القرارات المثيرة للشفقة لميغيل دي ثيربانطيس سافيدرا سنة 1609 الذي انضم إلى جمعية السر المقدس في مدريد وفي سنة 1613 إلى كنيسة سان فرانسيسكو والتي دفن بلباسها؟ لقد مات في سريره في مدريد في 22ابريل من سنة 1616 بعد ذلك الإهداء المفجع الذي ظهر في عمله الذي ظهر بعد موته: أعمال بيرسيليس وسيخيسموندا، حيث يودع الحياة وحاميه الكونت دي ليموس وهو عمل، حسب أبحاث جديدة، يظهر منه أن فكرة كتابته ظهرت في نفس السنة التي انبثقت فيه فكرة تأليف كتاب “ضون كيخوطي” أي في اشبيلية.
بهذه الإضافة يتبين لنا أن ذاكرة ثيربانطيس المذهلة غير مفهومة، وبأنها ترسم في اشبيلية لكتابة أهم عملين أدبيين في حياته دون الاعتماد على أدنى سند موسوعي بين قضبان السجن وصحبة ناس غير متعلمين. ولهذا كله فإن الشك سيدوم والمعجزة الثيربانطيسية ستكبر وتتعملق، ولكن الابتهاج سيتقلص أمام التجرؤ على إنكار نسبة ضون كيخوطي إلى ثيربانطيس. ورغم كل ما قيل فإنه بإمكان كل واحد أن يحل مشكل الشكوك فقط من خلال قراءة الامتيازات الملكية الضرورية حينها من أجل نشر الرواية. في طبعة سنة 1604 كان الجزء الأول يبدأ ب:” فيما يخصكم أنتم ميغيل دي ثيربانطيس فلقد بلغ إلى علمنا أنكم ألفتم كتابا عنوانه: النبيل البارع دي لامانشا، والذي كلفكم عملا كثيرا”. وفي الطبعة الثانية المؤرخة بسنة 1615 يقول فيها:” فيما يخصكم أنتم ميغيل دي ثيربانطيس سافيدرا، بلغ إلى علمنا أنكم ألفتم الجزء الثاني من كتاب “الكيخوطي دي لامانشا”، لكي يكون كتاب تاريخ لطيف ومشرف ولقد كلفكم الكثير من العمل والدراسة”. لنلاحظ أنه في كلتا المناسبتين يتم الإلحاح على ” العمل والدراسة” وما كلفاه لصاحب الرواية أو القصة اللطيفة. يفترض أن ذلك تم في عزلة في غرفة مجهزة بالكتب، وهو شيء كما رأينا لا يتوافق كثيرا مع الحياة المضطربة للكاتب. فلنتصور مخرجا لهذه المتاهة على سبيل الافتراض فقط.
ألا يمكن أن يتعلق الأمر بشخصيتين قشتاليتين عاشتا في الفترة نفسها بنفس الاسم واللقب؟ هذا ما يلمح إليه كاتب حياته كانافاجيو:” ربما قد يصل يوم نكتشف فيه أنه قد وجد شخصان بنفس الاسم ميغيل دي ثيربانطيس.”. هل كان ميغيل القلعاوي(من القلعة) أسوء شاعر يبرز في الواجهة على حساب شخصية أخرى متوارية إلى منطقة الظل.؟ من يمكنه الاختباء وراء الجندي المزداد في قلعة هيناريس، ذي الهوية الموثقة والذي عاش حياة مخالفة للتي تنسب إليه كروائي؟ من وفر له التأييد بأن يكون أمام الجميع مبدع “ضون كيخوطي”؟ مقابل ماذا؟ ليست هناك إجابة لأسئلة كثيرة مثل هذه. فقط هناك تخيلات دون سند موثق. ولكن لا أحد في كامل قواه العقلية بإمكانه اليوم إنكار نسبة هذا التأليف، المساند بالامتيازات الملكية والمعترف به عالميا.
إني أعترف بجرأتي غير محسوبة العواقب وفي الوقت نفسه أسجل إعجابي بمؤلف هذه الصفحات الرائعة من أدبنا والذي يسمى ميغيل دي ثيربانطيس سافيدرا، مبتور الذراع في ليبانتو الذي عرف أكثر من أي شخص كيف يمحص الجنون في الحياة. لأنه في عالم المجانين هذا، فقط يوجد عاقل واحد هو ألونسو كيخانو غير المبالي. الإجابة الوحيدة لمثل هذا السؤال الخبيث ليست أكثر من الاعتراف المتواضع بهذه المعجزة الأدبية والتي تتمثل في غزو قمة النجاح رغم كثرة العراقيل وفي صراع مع كثير من الإكراه، وفي أوساط غير مناسبة لإبداع وكتابة أروع الصفحات من الأدب الاسباني. رغم أنه سيكون من الظلم أن يكون النجاح الذي أسنده “للكيخوطي” لا أسنده أربع مرات لكاتبها الملغز ميغيل دي ثيربانطيس سافيدرا. والذي كان عقله مصنعا للأحلام ولكن أيضا مركزا عصبيا لذاكرة بدون شبيه، وبتفكير نقدي اعتبر كأحسن إضافة اسبانية للثقافة العالمية”[55].
هكذا نستشف من هذه الترجمة أفكارا أخرى عن المؤلف الحقيقي أو المزعوم لهذا العمل الأدبي التاريخي الذي يعتز به في الثقافة الاسبانية أيما اعتزاز. وفيها نلاحظ اعتماد فرانثيسكو أغيلار بينيال على أسئلة وملاحظات دقيقة مستمدة من الحياة التي عاشها ثيربانطيس وهي الملاحظات التي لم يشر إليها النقد العربي ليثير الشكوك بهذه الطريقة حول الهوية الحقيقية للكاتب أو لنقل المنسق والمرتب لفصول الرواية.
تخلص:
إن ثيربانطيس، ككاتب، قد أسال مدادا كثيرا في الوسطين الأدبيين العربي والأجنبي. واعترافه بوجود سارد عربي للقصة يدعونا أكثر للتعمق والبحث في هذه الرواية وخاصة في الجانب التاريخي. وهكذا نفهم من خلال تساؤلات فرانثيسكو أكيلار أن الشكوك قوية حول الهوية الحقيقية لكاتب ضون كيخوطي، مع الميل إلى افتراض وجود شخصين بنفس الاسم. وبالنتيجة نصل إلى مسألة العبقرية التي تحدث عنها النقاد العرب بكثرة لنستنتجها بصورة واضحة مع الناقد الاسباني المذكور آنفا. ويمكن أن نفهم أن ثقافة ثيربانطيس كانت محل جدال في وقته، لأنه من المعلوم أن له خصوما عايشوه فـ” تامايو Tamayo الذي كان واحدا من خصوم ثيربانطيس وشكل عنصرا من دائرة من الكتاب الموسوعيين الذين تجمعوا حول لوبي دي فيغا(خصمه اللدود) قد تميز بقول خاص حول ثيربانطيس. كانت فكرته تدور حول ثيربانطيس ذكي ولكن غير مثقف بعيد عن عالم الجامعة/ الأكاديمية، وهذا القول انتشر دون مناقشة، واليوم نسمعه يردد من طرف نقاد وغير نقاد تقريبا تائهين. ما كان يقع في زمن ثيربانطيس هو أنه كان ضد التظاهر والافتخار بالموسوعية السطحية [56].
ونخلص أيضا إلى أن أكثرية النقاد العرب راحوا يناقشون المضمون رغم أن الأكثرية اعتمدت على الترجمة وليس قراءة النص مباشرة وذلك واضح من الإحالة طبعا، والحال أن مثل هذه القراءات تحفها المخاطر نظرا لأن اللغة الأصلية (الاسبانية) لغة تحتفظ لنفسها بأسرار كثيرة، على غرار باقي اللغات، فما بالنا بلغة عصر ثيربانطيس التي تحتاج إلى وسيط معاصر لفهمها حق الفهم. في حين نزع بعض النقاد الإسبان كما رأينا إلى نقد صاحب النص وحياته وظروف عيشه واختياراته الفنية في تجميع أوصال رواية لا شيء فيها يقيني كما أشار إلى ذلك الرئيس الشرفي للذكرى المئوية الرابعة- وهو الروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس Carlos Fuentes- للطبعة الأولى لضون كيخوطي والتي نظمتها حكومة إقليم كاستيا لامانشا بقوله: لا شيء في هذه الرواية واضح ويقيني..فهوية الكاتب غير يقينية، الاسم غير يقيني[57].
المراجع:
العربية:
الإدريسي مزوار: الترجمان الذي يظهر ويختفي ، مجلة آفاق ع 73 سنة2007.
بحراوي حسن: بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي ط1، 1990،
الداهي محمد: التلقي العربي لدون كيخوطي، مجلة آفاق عدد 73، سنة 2007.
طه حسين: في الشعر الجاهلي، مكتبة دار الندوة الالكترونية،
الغذامي عبد الله وعبد النبي أصطيف: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، ط1، 2004
الغذامي عبد الله: النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، ط3،2005
كيليطو عبد الفتاح: أتكلم جميع اللغات ولكن بالعربية، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط1 2013،
المديني أحمد:البحث عن ضون كيخوطي، التأويل المفارق، مجلة آفاق: عدد 73، 2007،
يقطين سعيد: ضون كيخوطي، النص الثقافي والتفاعل النصي، مجلة آفاق عدد 73،سنة2007،
المراجع المترجمة:
- تودوروف تزفيتان: نقد النقد، رواية تعلم، ترجمة سامي سويدان، دار الشؤون الثقافية العامة، ط2 ، 1986
- ثربانتس: دون كيخوته. ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار المدى للثقافة والنشر، المجمع الثقافي/أبو ظبي ط1، 1998
- دي لاس كازاس بارتولومي: المسيحية والسيف، ترجمة سميرة عزمي الزين، منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية،
- ستروك جون: البنيوية وما بعدها ، ترجمة محمد عصفور، مجلة عالم المعرفة ع 206، 1996
- غرينبلات وآخرون: التاريخانية الجديدة والأدب، ترجمة لحسن أحمامة، المركز الثقافي للكتاب، ط1، 2018،
- كار ماثيو: الدم والدين، إبادة شعب الأندلس ، ترجمة مصطفى قاسم، ط1، 2013،
- كونديرا ميلان: الستار:الرواية يوتوبيا لعالم لا يعرف النسيان، ترجمة محمد برادة، مجلة فصول العدد 67، 2005،
اللغة الاسبانية:
- MERCEDES GARCÍA-ARENAL: MORISCOS E INDIOS. PARA UN ESTUDIO COMPARADO DE MÉTODOS DE CONQUISTA Y EVANGELIZACIÓN
- Miguel de Cervantes:DON QUIJOTE DE LA MANCHA, Edición, introducción y notas de JOSÉ LUIS PÉREZ LÓPEZ, 2005
- VIRGILIO PINTO: PENSAMIENTO, VIDA INTELECTUAL Y CENSURA EN LA ESPAÑA DE LOS SIGLOS XVI Y XVII: Universidad Autónoma de Madrid (والنص يعود إلى سنة 1989)
- COLOQUIO DE LOS PERROS: Miguel de Cervantes Saavedra, biblioteca virtual universal,
- Miguel de Unamuno: Vida de Don Quijote y Sancho, Renacimiento, Madrid, 1914
- · ¿QUIÉN ESCRIBIÓ EL QUIJOTE? Por FRANCISCO AGUILAR PIÑALملف من الانترنت على صيغة pdf
مواقع الكترونية:
بعبع محمد شكري لماذا يخيفهم شرقا وغربا/ nadorcity.com
[1] حسن بحراوي: بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي ط1، 1990، ص8
2 عبد الله الغذامي وعبد النبي أصطيف: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، ط1، 2004 ص 13
[3] طه حسين: في الشعر الجاهلي، مكتبة دار الندوة الالكترونية، ص3
[4] تزفيتان تودوروف: نقد النقد، رواية تعلم، ترجمة سامي سويدان، دار الشؤون الثقافية العامة، ط2 ، 1986،ص8
[5] جون ستروك: البنيوية وما بعدها ، ترجمة محمد عصفور، مجلة عالم المعرفة ع 206، 1996، ص 67
[6] المرجع نفسه ص 68
[7] المرجع السابق ص67.
[8] نفسه ص68
[9] عبد الله الغذامي: النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، ط3،2005ص13
[10] غرينبلات وآخرون: التاريخانية الجديدة والأدب، ترجمة لحسن أحمامة، المركز الثقافي للكتاب، ط1، 2018، ص8
[11] تعتقد المستعربة والمؤرخة البورتوريكية لوسي لوبيز بارالتLucy Lopez Baralt أن لقب سافيدرا الذي بدأ ثيربانطيس يستعمله بعد أسره في الجزائر يأتي من التركيب العربي: شيء في الذراع، ويستعمل في الجزائر منذ قرون تحت اسم شايب الذراع.(ويكيبيديا)
[12] MERCEDES GARCÍA-ARENAL: MORISCOS E INDIOS. PARA UN ESTUDIO COMPARADO DE MÉTODOS DE CONQUISTA Y EVANGELIZACIÓN
[13] من الحزب العمالي الاشتراكي، كان رئيسا لمنطقة كاستيا لامانشا Castilla la Manchaبين سنتي 2004و 2011.
[14] Miguel de Cervantes:DON QUIJOTE DE LA MANCHA, Edición, introducción y notas de JOSÉ LUIS PÉREZ LÓPEZ, 2005, p11
[15] البنيوية ومابعدها: مرجع مذكور ص 67
[16] VIRGILIO PINTO: PENSAMIENTO, VIDA INTELECTUAL Y CENSURA EN LA ESPAÑA DE LOS SIGLOS XVI Y XVII: Universidad Autónoma de Madrid (والنص يعود إلى سنة 1989
[17] Enrique Gacto Fernández: Sobre la censura literaria en s . XVII: Cervantes, Quevedo y la inquisición, p:15
[18] أحمد المديني :البحث عن ضون كيخوطي، التأويل المفارق، مجلة آفاق: عدد 73، 2007، ص111
[19] المرجع السابق، ص 111
[20] نفسه ص 112
[21] عبد الله الغذامي: النقد الثقافي، مرجع مذكور، ص59
[22] ثربانتس: دون كيخوته. ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار المدى للثقافة والنشر، المجمع الثقافي/أبو ظبي ط1، 1998ص 35
[23] سعيد يقطين: ضون كيخوطي، النص الثقافي والتفاعل النصي، مجلة آفاق عدد 73،2007، ص 104
[24] المرجع السابق، ص 106
[25] DON QUIJOTE DE LA MANCHA, p11
[26] محمد الداهي: التلقي العربي لدون كيخوطي، مجلة آفاق عدد 73 ص209
[27] DON QUIJOTE DE LA MANCHA, p82
[28] Ibid, p 15
[29] ماثيو كار: الدم والدين، إبادة شعب الأندلس ، ترجمة مصطفى قاسم، ط1، 2013، ص372
[30] DON QUIJOTE DE LA MANCHA, p20
[31] التاريخانية الجديدة والأدب: مرجع مذكور، ص7
[32] المرجع السابق: ص 6
[33] الدم والدين: مرجع مذكور، ص 357
[34] المرجع السابق، ص 363
[35] المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[36] عبد الفتاح كيليطو: أتكلم جميع اللغات ولكن بالعربية، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط1 2013، ص68
[37] الدم والدين: مرجع سابق، ص 367
[38] محمد الداهي: التلقي العربي لدون كيخوطي، مجلة آفاق عدد 73 ص 207.
[39] COLOQUIO DE LOS PERROS: Miguel de Cervantes Saavedra, biblioteca virtual universal, p33
[40] مزوار الإدريسي: الترجمان الذي يظهر ويختفي ، مجلة آفاق ع 73 ص 115
[41] المرجع نفسه، الصفحة نفسها
[42] نفسه ص 117
[43] المرجع السابق ص 118
[44] نفسه ص119
[45] بعبع محمد شكري لماذا يخيفهم شرقا وغربا/ nadorcity.com
[46] Miguel de Unamuno: Vida de Don Quijote y Sancho, Renacimiento, Madrid, 1914, p4
[47] محمد الداهي: التلقي العربي لضون كيخوطي، مرجع مذكور ص206
[48] المرجع السابق، ص 206
[49] المرجع السابق، ص 215
[50] المسيحية والسيف: بارتولومي دي لاس كازاس، ترجمة سميرة عزمي الزين، منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، ص9
[51] نفسه ص 26
[52] الستار:الرواية يوتوبيا لعالم لا يعرف النسيان، ميلان كونديرا، ترجمة محمد برادة، مجلة فصول العدد 67، 2005، ص 31
[53] Miguel de Unamuno, Sobre la lectura e interpretación del Quijote, in «La España Moderna», año XVII, 196 (1905), pp. 5-22
[54] محمد الداهي: التلقي العربي لضون كيخوطي، مرجع مذكور ص205
[55] ¿QUIÉN ESCRIBIÓ EL QUIJOTE? Por FRANCISCO AGUILAR PIÑALملف من الانترنت على صيغة pdf
[56] DON QUIJOTE DE LA MANCHA, p24
[57] Ibid, p7