أرشيفُ الأسطورةِ في ديوان (النّاقص منّي) لجاد عزّت الغزّاويّ – قراءةٌ نسقيّة
The Legend Archives in the Diwan (Al-Naqis Minni) by Jad Ezzat Al-Ghazzawi – a systematic reading
محمّد باسل قادري، طالبُ دراساتٍ عُليا (دكتوراه) في جامعة النّجاح الوطنيّة، نابلس ،فلسطين
Mohammad Basil Qadri, (PhD) student at An-Najah National University, Nablus ـ Palestine
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 78 الصفحة 9.
الملخّص:
عملت هذه الدّراسة على تحليل نماذجَ شعريّةٍ مختارةٍ من ديوان (النّاقص منّي) للشّاعر الفلسطينيّ جاد عزّت الغزّاويّ، وفيها جرى البحث في مضمرات الأنساق الثّقافّية، وما تحمله من أرشفةٍ لمختلف الأساطير، استنادًا إلى معطيات النّقد الثّقافيّ والمنهج الأسطوريّ، واختصّت الدّراسة بالبحث في ثلاثة أنساقٍ؛ نسق الأنثى الّذي يقابله نسق عشتار المضمر، ونسق المذّكر الّذي يقابله نسق تمّوز المضمر، وتقاطع النّسقين الأوّليّن الّذي يقابله نسق التّزاوج بين عشتار وتمّوز.
وخلصت الدّراسة إلى عددٍ من النّتائج أهمّها أنّ الأسطورة تشكّل رافدًا مهمًّا من روافد الثّقافة البشريّة المشتركة، إن لم تكن أهمّ رافدٍ، وأنّ النّقد الثّقافيّ والمنهج الأسطوريّ يتوافقان في كونهما يبحثان في لاوعي الأديب، وأنّ الأسطورة قرينةٌ بالأيديولجيا؛ لكونها تشكّلت في مرحلةٍ مبكّرةٍ من الوعي الإنسانيّ، ومن ثَمّ فإنّ ظلالها الثّقافيّة مُلقاةٌ على مختلف أنواع الثّقافة، لا سيّما الأدب، وأنّ تمثيل الأدب الفلسطينيّ للأسطورة هو محاولةٌ لإثبات وجوده التّاريخيّ أمام الثّقافة البشريّة المشتركة، واللّغة الكونيّة الّتي هي لغة الأسطورة.
كلمات مِفتاحيّة: الأسطورة، النّقد الثّقافيّ، عشتار، تمّوز، جاد عزّت الغزّاوي
Abstract:
This study worked on analyzing selected poetic models from the collection of poems (Al-Naqis Minni) by the Palestinian poet Jad Izzat Al-Ghazawi. In it, the implications of cultural patterns were researched, and the archives they hold for various legends, based on the data of cultural criticism and the legendary approach, the study specialized in research in three patterns; The female pattern corresponding to the implicit Ishtar pattern, the male pattern corresponding to the implicit Tammuz pattern, and the intersection of the first two patterns corresponding to the mating pattern between Ishtar and Tammuz.
The study concluded a number of results, , the most important of which is that legend constitutes an important tributary of common human culture, if not the most important tributary, and that cultural criticism and the legendary approach are consistent in that they are looking into the unconscious of the writer, and that the legend is related to ideology; Because it was formed at an early stage of human consciousness, and therefore its cultural shadows fall on various types of culture, especially literature, and that the Palestinian literature’s representation of legend is an attempt to prove its historical existence in front of the common human culture, and the cosmic language that is the language of legend.
Key words: The Legend, Cultural Criticism, Ishtar, Tammuz, Jad Ezzat Al-Ghazzawi
المقدّمة:
منذ ابتداء الحضارة البشريّة والأسطورة تتملّك الإنسان؛ فهي أحد مصادرِ ثقافته الّتي شكّلته، مع أنّ هناك اختلافًا في جذور نشأتها والأسباب الّتي قدحت زناد شعلة البداية؛ فمنها ما يتّصل بالنّظريات الدّينيّة الّتي ترى أنّ الحكايات الأسطوريّة مأخوذةٌ من الكتاب المقدّس ثمّ بُدّلت وغُيّرت، ومنها ما يتعلّق بالنّظريّات التّاريخيّة، والنّظريّات الرّمزيّة، والطّبيعيّة، وهذه كلّها أبحاثٌ تدرس نشأة الأسطورة وقد يؤخذ منها وقد يردّ، وكلّها تؤكّد ارتباط الإنسان بهذه الأساطير وحتميّة العلاقة بينهما([1]).
اعتمدت الدّراسة على مقولات النّقد الثّقافيّ في معالجة نماذجَ مختارةٍ من ديوان (النّاقص منّي) للشّاعر الفلسطينيّ جاد عزّت الغزّاويّ([2])، الّذي يستحقّ شعره الدّراسة، والبحث في الآفاق المعرفيّة المختزنة في لاوعي كاتبه، كما أنّه لا توجد دراساتٌ تتناول هذا الشّاعر الفلسطينيّ بالتّحليل الجادّ، ومن ثَمّ فإنّ هدف الدّراسة الكشف عن شعراء فلسطينيّين يستحقّون الدّعم والتّقدير، كما أنّها تهدف إلى تغذية النّقد الثّقافيّ بأرشيفٍ أسطوريٍّ حتّى يدعم الأوّل الثّاني، والعكس قياسٌ، وهذا يزيد من جماليّة البحث الثّقافيّ في النّصوص المختارة، ويعطي تغذيةً للمنهج الأسطوريّ من حيث كونه ثقافةً مشتركةً للبشر جميعًا.
قُسّمت الدّراسة إلى تأسيسِ جرى فيه الحديث عن الأسطورة من حيثُ كونُها رافدًا ثقافيًّا مهمًّا، وعن بعض أبجديّات الدّرس الثّقافيّ، ما يعين المتلقّي على فهم منهج النّقد الثّقافيّ الّذي اعتمدت عليه الدّراسة، وإلى فصلٍ أوّلَ تحدّثت فيه عن النّسق الثّقافيّ الأنثويّ، والنّسق المضمر المقابل له، واختصّ هذا النّسق بأسطورة عشتار، مع تقديم أرشيفٍ تاريخيٍّ لأسطورة هذا النّسق الثّقافيّ، وفصلٍ ثانٍ تحدّثت فيه عن النّسق الثّقافيّ الذّكوريّ، والنّسق المضمر المقابل له، واختصّ هذا النّسق بأسطورة تمّوز، ثمّ جرى عرض أرشيفٍ تاريخيٍّ لأسطورة هذا النّسق الثّقافيّ، وفصلٍ ثالثٍ تحدّثت فيه عن نسق التّزاوج، وهو تقاطعٌ للنّسق الأنثويّ والذّكوريّ، ويقابل نسقَ التّزاوجِ العمليّة الجنسيّة بين عشتار وتمّوز، وأخيرًا، إلى خاتمةٍ تحتوي على خلاصة الدّراسة، وأهمّ النّتائج الّتي توصّلت إليها.
خلصت الدّراسة إلى عددٍ من النّتائج أهمّها أنّه ما زال هناك من يمثّل اللّغة الكونيّة الأسطوريّة من أبناء الشّعب الفلسطينيّ، وذلك في عصرٍ يصارع فيه الفلسطينيّ بحثًا عن هويّته المسلوبة في أفضية الكون، وما يحمله من أسطورةٍ، وأنّ النّقدَ الثّقافيّ، أو النّسقيّ، قادرٌ على استنباط جماليّاتٍ ثقافيّةٍ لا واعيةٍ من مختلف أنواع النّصوص الأدبيّة، كما أنّ الحديث عن أرشيف كلّ نسقٍ، أو ثقافته، يزيد من كثافة مضمون النّصّ المدروس ثقافيًّا، والنّقد الثّقافيّ والأسطوريّ يهتمّ كلاهما بلاوعي الأديب، وينطلقان من مفترض لا وعيه في ما يكتب.
تأسيس: الأسطورةُ رافدًا ثقافيًّا
تشكّل الأسطورة منبعًا ثَرًّا للّاوعي الجمعيّ الثّقافيّ للبشر كلّهم، وفي طيّات الأسطورة ظهرت انفعالاتٌ وعواطفُ تراكمت عبر السّنوات حتّى غدت عِمادًا للمُتخيَّل الثّقافيّ الكَونيّ الّذي “يشير إلى شيءٍ متشكّلٍ تاريخيًّا في اللّاوعي الثّقافيّ للأمّة”([3])، وهو “رديفُ الأيديولوجيا […] بوصفها نسقًا من الأفكار، والتّمثيلات الجماعيّة الّتي تحمل الوهم، والزّيف، والإشارة إلى الواقع”([4])، وكما يشير قنصوه، فالخيالُ الإنسانيُّ أساسٌ من أساسات الثّقافة، بل عَدَّه أصل الثّقافة الإنسانيّة وجَذرها، وعدَّه “مهاد الإبداع”، وسببًا في اختلاف الجنس البشريّ عن بقيّة الأجناس الأخرى([5]).
وحتّى يُفهَم الوعي البشريّ، وما يصدر عنه، فإنّه تجب العودة إلى مصادر متخيّله الثّقافيّ، الّذي، معَ توالي الأيّام، أصبح لاوعيًا جمعيًّا، وهذا البحث في المرجعيّات الثّقافيّة هو ما أطلق عليه فوكو “تاريخ الأفكار”، في كتابه “حفريّات المعرفة”، الّذي يدرس “تاريخ السّيمياء بدل تاريخ الكيمياء، تاريخ الأرواح الحيوانيّة، أو فراسة الدّماغ، بدل الفيزيلوجيا، تاريخ الأفكار والمذاهب الذّرّيّة عوض تاريخ الفيزياء. تاريخ تلك الفلسفات الأشباح الّتي تخالط الآداب والفنّ والعلم والقانون والأخلاق، وحتّى حياة البشر اليوميّة…”([6]).
ترتبط الأسطورة ارتباطًا وثيقًا باللّاوعي الإنسانيّ، حتّى غدا وجودها في مختلف فنون الأدب ظلًّا ثقافيًّا لها، ودراسة هذا الظّلّ تكشف عن جماليّاتٍ ثقافيّةٍ ومعرفيّةٍ وحضاريّةٍ متنوّعةٍ، وفي هذا الجانب يقول بارت رافضًا كلّ من ينادي بدراسة النّصّ وحده فحسبُ: “إنّ بعضَهم يريد نصًّا (فنًّا، لوحةً) من غير ظلٍّ، ومقطوعًا عن “الأيديلوجيا المهيمنة” ولكنّ هذا يدلُّ على أنّهم يريدون نصًّا لا خصوبةَ فيه، ولا إنتاجيّة له…ألا إنّ النّصَّ لَمُحتاجٌ إلى ظلّه…”([7])، وبحسب ما ينطلق إليه إحسان الدّيك، فإنّه بالعودة إلى جذور اللّغة –أيّة لغةٍ- فإنّ بدايتها حتمًا تشترك مع الأسطورة؛ فالإنسان عندما أصبح يتكلّم كانت الأسطورة تتملّك معارفه وتسيطر عليه([8])، وما دامت الأسطورة تتملّك لغات البشر جميعًا فهذا يعني أنّ لها، بالضّرورة الحتميّة، ظلًّا ثقافيًّا في آدابهم.
عند دراسة الأسطورة في الجانب الثّقافيّ فإنّه علينا أن نقف أمام عددٍ من المفاهيم الّتي بها تتّضحُ معالم الأسطورة من حيث كونها رافدًا ثقافيًّا، وهذه المصطلحات هي: النّسق الثّقافيّ، والأرشيف النّسقيّ، أو ثقافة النّسق، والأيديولوجيا، والوعي الإنسانيّ، والذّاكرة الإنسانيّة، وفيما يأتي بيانٌ عن هذه المصطلحات.
يُعدَّ تعريف النّسق من أكثر المواضيع الشّائكة في النّقد الثّقافيّ، وله عددٌ من التّعريفات تخلص إلى كونه نظامًا مترابطًا من العناصر([9])، له وظيفةٌ تحكّميّةٌ في سلوك الأفراد([10])، ويرى الغذّامي أنّ النّسق لا يتّضح معناه بالتّعريف المجرّد، بل يتحدّد عبر الوظيفة الّتي يؤدّيها([11])، وقد تطوّر اهتمام النّقد الثّقافيّ بالأنساق حتّى ظهر مصطلحٌ آخر اجترحه النّاقد الأردنيّ يوسف عليمات، وهو “النّقد النّسقيّ” الّذي يبحثُ في الأنساق الكامنة وراء النّقد الثّقافيّ، والحضاريّ، والمعرفيّ([12])، وقدّم عليمات تطبيقًا عمليًّا للقراءة النّسقيّة على عددٍ من مختارات الشّعر الجاهليّ، وتعامل مع النّسق بوصفه نشاطًا فكريًّا. وفي السّنة نفسها الّتي تُوفّي فيها، رحمه الله، كان قد أطلق كتابًا بعنوان “ثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم”، الّذي قدّم فيه دراسةً حول أرشيف النّسق، أو ثقافته، وعرض أهمّيّة الأرشفة الثّقافيّة والتّاريخيّة للنّسق، مُعتمدًا على مقولات جاك دريدا، الّذي يرى أنّه “ليس ثَمّة سلطةٌ سياسيّةٌ بدون سيطرةٍ على الأرشيف، إن لم تكن على الذّاكرة”([13]).
من المهمّ عندَ الحديث عن النّسق الالتفات النّسقِ المضمرِ؛ فالنّقدُ الثّقافيُّ شغوفٌ بالكشفِ عمّا وراءَ الخِطابِ، أو عن تلك الأنساقِ المضمرةِ، أو الأنظمةِ اللّاعقليّةِ، بحسبِ ليتش، وهي الّتي تهمينُ على سلوكِ الفردِ من حيثُ لا يشعر، ولذلك، عرّف الغذّامي النّقد الثّقافيّ قائلًا: هو “الوقوفُ على (فعل) الخطاب، وعلى تحوّلاته النّسقيّة، بدلًا من الوقوف على مجرّد حقيقته الجوهريّة، التّاريخيّة، أو الجماليّة”([14]).
فالنّسق الثّقافيّ من حيث وظيفته، وسيطرته الفكريّة، قرينًا بالأيديولجيا؛ فقد استعمل باحثون مفهوم الأيديولوجيا، على غرار روبرت شولز، الّذي أكّد أهمّيّةَ قراءة النّصّ في علاقته بالأنساق الثّقافيّة للقيم([15])، والأيديولوجيا الّتي تمثّل، بحسب كليفورد غيرتس، نسقًا ثقافيًّا، ترتبط ارتباطًا متداخلًا بالأسطورة؛ فالأيديوجيا والأسطورة مفهومان متعشّقان ببعضيهما، وهذا ما حدا بمؤلّفة كتاب “الأسطورة والأيديولوجيا” إلى التّعامل مع هذين المفهومين على أنّهما واحدٌ، وهذا جليٌّ في تضاعيف كتابها، وتظهر أهمّيّة هذه الأيديلوجيا على الذّهنيّة البشريّة في قولها إنّه “من العسير -إن لم يكن من المستحيل- أن يتحرّر الفكر الإنسانيّ من طابعه العقائديّ الأيديولوجيّ، أي من طابعه الأسطوريّ؛ كما أنّه من المستحيل أن يحيا الإنسان والمجتمع دون “أيديولوجيا” أو -بمعنًى أدقّ- دون عقيدةٍ أو أسطورة”([16]) .
وتربط الباحثة بين الأسطورة والوعي الإنسانيّ في أوّل فصولها، وتخلص إلى أنّه يصعب البحث في المرجعيّات الثّقافيّة لـ”علم” الأساطير، غير أنّه من الواضح أنّ الوعي البشريّ ما زال يحتفظ بأثرٍ راسخٍ لأبجديّات الأسطورة. وإذا كان كاظم قد أشار إلى ذاكرة الدّولة في كتابه “استعمالات الذّاكرة” الّتي تعني “استحضار التّاريخ، واستخدام وقائع الماضي، من أجل خدمة مصالحَ سياسيّةٍ، أو مآرب أيديولوجيّة…”([17])، فإنّنا بصدد الحديث عن الذّاكرة الإنسانيّة المشتركة، أو الكونيّة، الذّاكرة الّتي لها لغةٌ أطلق عليها إيريش فورم مصطلح “اللّغة الرّمزيّة”؛ فأساطير “البابليّين، والهنود، والمصريّين، والعبريّين، والإغريق، مكتوبةٌ باللّغة الّتي كُتبت بها أساطير الأشانتيين والتّروكيّين”([18])، ويخبرنا فورم عن هذه اللّغة الرّمزيّة قائلًا: “إنّها اللّغة العالميّة الوحيدة الّتي أظهرها الجنس البشريّ دائمًا، وهي ذاتها بالنّسبة إلى كلّ الثّقافات، وعلى مدى التّاريخ…”([19]).
بعد هذا العرض، يمكننا أن نخلص إلى أنّ الأسطورة رافدٌ مهمٌّ من روافد الثّقافة الكونيّة، وما يميّز الأسطورة من غيرها من روافد الثّقافة كونُها تختصُّ بالبشريّة جمعاء؛ فهي ليست لجنسٍ من دون آخر، والتّعبير عنها بالأدب، أو المعتقد، هو تمثيلٌ لمتخيّلٍ كونيٍّ يفهمه من في بابلَ، ومَن في مصرَ، على حدٍّ سواء، كما أنّ وعيَ البشر بمرجعيّات الأسطورة يلتفّ حوله شيءٌ من الضّبابيّة، إلّا أنّ مجال الدّرس النّقديّ يبقى مرتكزًا حول أثر الأسطورة في الأعمال الأدبيّة، كونها تعبيرًا عن اللّاوعي الإنسانيّ الجمعيّ، بمعنى أنّنا نبحث عن ذلك الشّبح الّذي أشار إليه فوكو، أو الظّلّ الّذي أشار إليه بارت، أو النّسق المضمر الّذي شُغف به النّقد الثّقافيّ.
أرشيفُ النّسق الأنثويّ في (النّاقص منّي):
تمتّعت الأنثى في (النّاقص منّي) بحضورٍ طاغٍ، ولو جرى البحث في ثقافة النّسق الأنثويّ في نصوص الغزّاويّ لوجدنا أنّ الأنثى عنده تمثيلٌ للإلهة عشتار([20])، غير أنّ الغزّاويّ لم يأتِ على ذكر عشتار بصورةٍ مباشرةٍ، وإنّما استحضاره لها كان استحضارًا لاواعيًا مقترنًا بصفات عشتار وقصّة نزولها إلى العالم السّفليّ، وارتباطها بتمّوز.
ومن الدّلائل على تمثيل النّسق الأنثويّ للإلهة عشتار ما ذكره الغزّاويّ من ارتباط حضور أنثاه بالتّأثير في كلِّ شيءٍ حولها، عند قوله([21]):
حين تمشي،
تصير الموسيقا امرأةً في الطّريق
فكأنّ صوت مشي هذه الأنثى عزفٌ يحرّك أوتار القلوب، وما هي إلّا كأورفيوس([22]) الموسيقيّ الّذي بعزفه دغدغ مشاعر الحجر والبشر، وألان الحديد، واستردّ الأموات من العالم السّفليّ، كما تستقبل عشتار زوجها. وينتقل الغزّاويّ إلى الحديث عن ماهيّة هذه الأنثى قائلًا([23]):
الحرير اثنان،
الرّداء وجسدك البضّ
فهذه المحبوبة مفعمةٌ بالحياة، ويشير ملمسها إلى تقاربٍ بالخصوبة والنّضارة الّتي تخفّف عن الرّجل تعب حياته وشقاءها، وهذا يتطابق مع أوصاف إلهة الخصب والحبّ عشتار، ويؤكّد هذا التّطابق قولُه([24]):
أينَ أجدُكِ؟
وأنتِ ما زلتِ في الجنّة
فهي تسكن في الجنّة، حيث الخِصب والنّماء، والرّاحة. ولم تقف شهوة الوصف عند الشّاعر إلى هذا الحدّ من الكمال والخِصب الّذي أثبته للأنثى؛ فهو يريد أكثر من هذا، ويسعى إلى إثبات جماليّاتها المرتبطة بالخِصب في جسدها نفسه، فيقول([25]):
الورد في خدّيك!
جرحتني أشواكه،
فازدادت حمرة الحقل…
ولو تخيّل المتلقّي صورة وجه المحبوبة وهو ينبت منه الورد الّذي يحتوي على الشّوك فلن يصل إلى صورةٍ فائقة الجمال([26])، وهذا يترك تساؤلًا منطقيًّا ومهمًّا: لماذا قد يصف الشّاعر محبوبته بأمرٍ لا يلفت النّظر بجماله؟
وإجابة هذا السّؤال تكمن فيما جرى ذكره أعلاه، من أنّ الشّاعر يريد بمظاهر الخصوبة وارتباط المرأة بها أن يذكر للمتلقّي ظلًّا خفيًّا وراء هذه المقطوعات، وهذا الظّلّ هو عشتار، وإن لم تُذكر في ديوان الشّاعر بالاسم، وإنّما اكتفى بالإشارة إليها، وهذا يزيد من جدليّة التّفكير والغوص في النّسق المضمر في المقطوعات الشّعريّة.
لم يكتفِ الغزّاويّ من إثبات الحياة في جسد الأنثى فحسب، بل عمد إلى جعل من يمسكها نابضًا بأنواع الحياة، ومتمتّعًا بملامح من خصوبتها، وهذا جليٌّ في قوله([27]):
منذُ أنْ صافحها والفراشاتُ تعمرُ يدَه
ثمّ يستطرد الغزّاويّ في وصف هذه الأنثى متحدّثًا عن صفاتها الجسدية، ومعطيًا إيّاها أبعادًا ألوهيّةً كاملةً يحاول فيها إشباع رغبته في الوصف الكامل لهذه المحبوبة([28]):
عيناكِ
تتّسعان مثل انفجارات المجرّات،
وشفتاكِ
سواحل المحيطات اللّانهائيّة،
وثمّة كوكبٌ بينهما
ولو ترتّبت كلمات الوصف في حقلٍ دلاليٍّ (انفجارات المجرّات، سواحل، محيطات، كوكب) لكانت هذه الأوصاف كلّها نابضةً بالحياة، مفعمةً بمتعلّقات الكون، وكلمة (اللّانهائيّة) تحيلنا إلى الرّمز الرّياضيّ المشهور (∞) الّذي يشير إلى لانهائيّة الأرقام، وهذا الرّمز يتقاطع مع رمزٍ مهمٍّ عند المصريّين لـ(أوروبوروس) الّذي يمثّل ثعبانًا يأكل ذيله([29])، إشارةً إلى دورة الموت والحياة بصورةٍ لانهائيّةٍ.
وقد ألصق الشّاعر هذه الصّفة بالأنثى دالًا على معنًى من معاني الألوهيّة والخلود، وحتميّة استمرار الحياة بالضّدّين؛ الموت والحياة، ويتّضح أنّ هذه الأبعاد الّتي يضفيها الشّاعر على محبوبته هي الحدّ الأقصى والكامل ممّا يستطيع إضافته عليها؛ فمع أنّ الشّاعر هناك ما ينقص منه، إلّا أنّ هذه المرأة تامّة الكمال في نظره.
ويصف الشّاعر حالات محبوبته عند سعادتها وحزنها([30]):
تضحك حتّى يكتمل بياض النّرجس،
وتبكي حتّى يلتحم الذّهب في قلب الوردة…
وكانت حجرتها حقلًا، عابقًا بالشّتاء
وفي هذه اللّوحة يضع الشّاعر القطعة الأخيرة من تحفته في تمثيل عشتار؛ لتكتمل وتصبح تلك الإلهة الّتي أرادها؛ فهي تضحك حتّى تتفترّ أسنانها عن بياضٍ ناصعٍ، وعندما تبكي تدرّ الذّهب من عيونها حتّى يلتقي عند ذقنها ويندمج([31])، وهذه الأوصاف والتّشبيهات (بياض النّرجس، قلب الوردة) كلّها نابضةٌ بالخصب، موحيةٌ بالعطاء والنّضارة، أمّا حجرتها فهي إشارةٌ إلى الخِصب الّذي يحفّ عشتار، وامتلاؤه بالماء دلالةٌ على توهّج الحياة في الأماكن الّتي تحيط بها، وأشدّ أماكنها خصوصيّةً هو المخدع الّذي تبيت فيه.
وفي هذه المقطوعات الّتي جرى إيرادها جميعًا، يتّضح أنّ النّسق الأنثويّ يتفتّق عن نسقٍ آخر مضمرٍ ما هو إلّا اغترافٌ من لاوعيٍ جمعيٍّ ثقافيٍّ يحاول أن يمثّل آلهةٌ كونيّةً تتطابق في أوصافها مع عشتار أكثر من أيّ آلهةٍ أخرى، ولا يمكن في حالٍ مساءلة الشّاعر حول ثقافة النّسق المضمر؛ فقد تكون هذه الأوصاف الّتي خلعها الشّاعر على هذه الأنثى أوصافًا لم يتنبّه هو إلى ظلالها، وإلى أنّها قد تؤدّي بقارئها والباحث فيها إلى أساطير وقصصٍ؛ فهذا مردّه إلى أنّ الأسطورة واللّغة تتّحدان معًا في باطن الإنسان ولاوعيه، وفي هذا يقول إحسان الدّيك: “تشترك اللّغة مع الأسطورة في الشّكل الباطنيّ، والقول بباطنيّتهما قولٌ وجيهٌ؛ لأنّهما نتاج الوعي الباطنيّ والحدس، وهما فعلٌ من أفعال الرّوح الإنسانيّة والوجدان”([32]).
أرشيفُ النّسقِ الذّكوريّ في (النّاقص منّي):
لا يكتمل النّسق الأنثويّ إلّا بوجود نسقٍ آخرَ يهبُه الحياة، وهو نسقُ المذكّر، الّذي بوجوده تستقيم الحياة، وَفق مبدأ الثُّنائيّات الضّدّيّة، وإذا كانت الأنثى تمثيلًا لنسقٍ مضمرٍ هو عشتار فلا بُدّ للنّسق المضمر المقابل أن يكون تمّوز([33])، وعند مطالعة نصوص الدّيوان، ستظهر علاماتٌ دلاليّةٌ تحيل إلى تمّوز، وكلّها –كشأن عشتار- لم تذكر تمّوز بالاسم، بل أومأت إليه إيماءً فحسب، وترك الشّاعر مقطوعاته مجرّد كلماتٍ تنتظر من يحييها في ساحة الأسطورة، ويردّها إلى مكانها الّذي تنتمي إليه.
وقد ارتبط حضور تمّوز بعددٍ من المظاهر، فمنها ما يتّصل بكونه إلهًا للخِصب والحياة([34]):
أسوق الماء مثلَ قافلةٍ
تخبّ بأجراسها إلى النّجوم،
وينساب الحداء المولّه
جدولًا فضّيًّا بين الرّواحل…
الأطلال باردةٌ،
والقمر على وسادة الوسن الرّيّان
يُلحظ عند البحث في مضمرات النّسق المذكّر، أنّ هذا المذكّر يتحكّم في المياه كما يريد، وهذا لا يتهيّأ لأيٍّ كان؛ فهو يحدو بالماء ويتنقّل به حرًّا، ويترك الأطلال باردةً، لا جافّةً منقطعةً عن المياه. وفي مقطعٍ آخر، يُلحظ أنّ تمّوز معذّبٌ في العالم السّفليّ الّذي حكم عليه بالبقاء فيه ستّة أشهرٍ([35]):
يتجدّد موتي كلّ يومٍ…
لذا
يكتبني
حزني
في
قصيدة
وتمّوز رمزٌ يدلّ على الانبعاث مرّةً تلو أخرى؛ فهو محكومٌ عليه بأن يقضي ستّة أشهرٍ في العالم السّفليّ، وستّة أشهر في العالم العلويّ، وكذلك هذا المذكّر الّذي أخذ من هذه الحركة التّمّوزيّة رمزيّة تجدّد الموت لا الانبعاث؛ ليوضّح ما يعانيه من عذاباتٍ في حياته، وما يؤكّد أنّ هذه الذّات المحبّة مرتبطةٌ بعالم السّماء والألوهيّات قول الشّاعر نفسه([36]):
على رُخام السّماء تباطأت الكائنات…
وبينها أهيم
مثل
وعلٍ
مُسرجٍ في السّواد،
وفي بيت عبادةٍ مهجورٍ غسلتُ قلبي
لا تخفى في هذه المقطوعة الملامح الأسطوريّة المرتبطة في جسد المذكّر الموصوف؛ فهو يتنقّل في السّماء بين الكائنات الأسطوريّة، ويشبّه بعدها نفسه بالوعل، وقد اختار الشّاعر في لا وعيه الوعل تحديدًا لعلاقةٍ وثيقةٍ تتّصل به مع تمّوز؛ ومن هذه العلاقة أنّ الشّعراء الجاهليّين لم يجعلوا الوعل يموت في أشعارهم إلّا في قصائد الرّثاء؛ هذا لأنّهم يعدّونه إلهًا، واختفاء الوعل وعودته تمثّلان تجدّد حياة الإله، وأيضًا، يقترن نزول الوعل من الجبل بالدّمار؛ فهو لا ينزل عن الجبال إلّا بعد العواصف والسّيول، وكذلك الإله تمّوز في الفكر القديم يرتبط نزوله عن الجبل بالذّهاب إلى العالم السّفليّ، وبنزوله يتحقّق الجدب والجفاف([37])، وبعدها يذكر الشّاعر بيت العبادة وطقس غسيل القلب، وهذا يتّفق مع حادثة شقّ صدر الرّسول محمّدٍ، صلّى الله عليه وسلّم، وربّما يكون المذكّر قد غسل قلبه مسامحًا عشتار الّتي أرسلته إلى العالم السّفليّ فداءً لها، حين رأته وهي عائدةٌ من العالم السّفليّ مع العفاريت، كما تخبر الأسطورة([38]):
“في كولاب، وضع دوموزي عليه حلّةً فاخرةً، واعتلى عرشه،
فانقضّت عليه العفاريت وجرّته من ساقيه.
انقضّت عليه العفاريت كما تفعل مع الرّجل العليل.
فانقطع الرّاعي دوموزي عن نفخ نايه.
ثمّ ركّزت إنانا عليه أنظارها، ركّزت أنظار الموت.
ونطقت ضدّه بالكلمة، نطقت بالكلمة الّتي تعذّب الرّوح
وصرخت في وجهه صرخة الاتّهام:
أمّا هذا… فخذوه.
وبذلك أسلمت إنانا الطّاهرة دوموزي إلى أيديهم”
وتسليم إنانا\عشتار لزوجها كان لزيارتها أرشيكيجال([39])، وقد منعتها أرشيكيجال من العودة إلى الأرض إلّا بعد أن تضع شخصًا آخر فداءً لها، فوضعت عشتار تمّوز فداءً لها، كما في الأسطورة أعلاه، وبنزول عشتار إلى ذلك العالم -النّزول الّذي استغرق سبعة أيّامٍ- بدأ القمر يتناقص في هذه الأيّام إلى أن اختفى، وعندما عادت إلى العالم كان القمر قد بدأ بالعودة والظّهور، وممّا يعضد النّتيجة الّتي يتوصّل إليها هذا البحث في المضمر النّسقيّ قول الشّاعر([40]):
تجرّعتُ
أوجال الخراف من الذّئب…
وحين عنّ ناي الرّاعي
ساقَني النّداء
إلى مذبحة القمر
في هذه المقطوعة إشاراتٌ عديدةٌ تتّصل بما جرى ذكره من أسطورة تمّوز وعشتار؛ فمذبحة القمر هي إشارةٌ إلى تناقصه تدريجيًّا مع نزول إنانا\عشتار إلى العالم السّفليّ، والرّاعي صاحب النّاي إشارةٌ إلى تمّوز، وخوف الشّاعر البادي عليه في هذه المقطوعة هو خوف تمّوز من العفاريت، لا سيّما بعد علمه أنّ إنانا هبطت إلى العالم السّفليّ، وسوف تعود لتجعله يحلّ مكانها.
وفي مقطوعةٍ أخرى، يشير النّسق المذكّر بصورةٍ واضحةٍ إلى الأساطير، وبالتّحديد، أسطورة إيزيس وأوزاريس، ويلمّح إلى كونه ما زال منتظرًا من يجمع شتات نفسه بعد إرسال عشتار إيّاه إلى العالم السّفليّ([41]):
اجمعيني…
فقد أكّدت العرّافة،
أنّ أرضًا قد شربت أنفاس الحكاية،
وأنّ “نوت” و”جيب”([42]) قد عادا إلى السّاحل،
وأنّ “إيزيس” و”أوزاريس”([43]) قد رجعا إلى
الجبل،
وأنا فوق التّلّة أنتظر الرّسولة
وإيزيس هي أخت أوزاريس وزوجته، وعندما قتل سيث([44]) أخاه أوزاريس حسدًا من علاقته بإيزيس، قطّع جسد أخيه إلى أربع عشرة قطعةً فطفقت إيزيس تبحث عن هذه القطع وتجمعها، ويقال إنّها دفنت كلّ قطعةٍ في المكان الّذي وجدته فيه([45])، ونوت وجيب هما إلهان عنهما يكاد ينبثق الوجود الحيويّ كاملًا؛ فجيب إله الأرض، ونوت إلهة السّماء، وباتّحادهما معًا أنجبا عددًا من الآلهة، وباتّحاد جيب ونوت، واقتفاء إيزيس لرفات زوجها أوزاريس كلّه ينتظر تمّوز من يعيده إلى عشتار ليتّحد فيها، ويلملم شتات نفسه بعد العذاب القاسي الّذي يكابده في العالم السّفليّ، وينتظر تمّوز من عشتار تحديدًا أن تكون المبادرة في لملمة شتاته؛ كونها المسؤولة في إرساله إلى هذا العالم، وعشتار، حسب الأسطورة، تساعد تمّوز زوجها من خلال النّزول إلى العالم السّفليّ مرّةً أخرى لاستعادته مشكّلةً بذلك بعثًا جديدًا لتمّوز، وتكون خاتمة هذه الأسطورة بتضميخ تمّوز بالعطور والمياه الطّاهرة([46]):
“أمّا تمّوز زوجها الشّابّ
فخذوه واغسلوه بماءٍ طهورٍ وضمّخوه بالعطور الطّيّبة.
ألبسوه عباءةً ودعوه يعزف نايه اللّازورديّ
ولتُحط به كاهنات عشتار يهدّئن من خواطره”
ويُلحظَ بعد هذا كلّه تعب تمّوز في العالم السّفليّ، واشتياقه إلى عشتار الّتي عشقها وأحبّها، كما عشقته وأحبّته في قول الشّاعر([47]):
أسأل نرجس البئر:
أين صورتي
في الماء؟
…
ثمّة انعكاسٌ لتاج البياض
في هذه المقطوعة القصيرة تتزاحم المضمرات الأسطوريّة؛ لتشكّل كلّها إسقاطاتٍ نفسيّةً لتمّوز المتعب والمشتاق؛ فالنّرجس هو إشارةٌ لأسطورةٍ نركيسوس([48]) الّذي بُهت بصورته في البحيرة وأُعجب بها إعجابًا شديدًا حتّى مات من كلفه بتلك الصّورة، وعدم استطاعته أن يلتقي بها، ونما النّرجس في المكان الّذي ذوى عوده فيه، ومثّل هذا الموت غربة نركيسوس الّذي تيّم قلوب العذارى حتّى شرب من الكأس نفسها الّتي سقى غيره منها، والغربة الّتي عانى منها تمّوز في العالم السّفليّ أسقطها على ذلك الشّابّ الجميل الّذي عاش غريبًا عن نفسه قبل موته، واستحضار البئر لم يكن صدفةً؛ فباستطاعة الشّاعر أن يختار النّهر أو البحر، وغير ذلك من الألفاظ الّتي تدلّ على احتواء الماء، ولكنّ البئر تحديدًا معادلٌ موضوعيٌّ للقبر؛ “فالبئر تخفي بداخلها الماء، والقبر يخفي الميت، كما أنّ كلًّا منهما يُحفر في الأرض، ويُجعل له بابًا”([49])، واستحضار لاوعي الشّاعر للبئر، المعادل للقبر، هو تجسيدٌ لمشاعر الموت الّتي تتملّك تمّوز، وتسيطر عليه، بسبب وجوده في العالم السّفليّ.
لم يكتفِ لاوعي الشّاعر باستحضار أسطورة نيركسوس واستحضار البئر المشير إلى الموت، بل ذكر أنّ هناك انعكاسًا لتاج البياض، وهذا يثير سؤالًا تاريخيًّا: ما التّاج الأبيض الّذي استمدّه الشّاعر من متخيّله الثّقافيّ؟ وما علاقته بمشاعر الغربة الّتي يعاني منها بتجسيده شخصيّة تمّوز؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، فإنّه من المهمّ العودة إلى أسطورة مصر القديمة، وإلى التّاج الأبيض (تاج الجنوب) والأحمر (تاج الشّمال)، وهذان تاجان ارتداهما الملك (عقرب) بعد توحيد مصر([50])، واستحضار الشّاعر للتّاج الأبيض من دون الأحمر دلالةٌ على أنّه وحيدٌ يحتاج إلى قرينته عشتار البعيدة عنه في العالم العلويّ حتّى يتوحّد معها.
أرشيفُ نسقِ التّزاوجِ؛ تقاطعُ النّسقين: الأنثويِّ، والذّكوريِّ:
بعد استعراض ملامح من النّسق المذكّر الّذي يحمل في مضمره تمّوز، والنّسق الأنثى الّذي يحمل في مضمره عشتار، فإنّه لا بدّ من الحديث عن تقاطع النّسقين الّذي يمثّله نسق التّزاوج، وهذا الأخير تمثيلٌ للعلاقة الجنسيّة الأسطوريّة بين تمّوز وعشتار، وعند البحث في تقاطع النّسقين في نصوص الشّاعر نجد أنّ هناك ترانيم تمثّل طقوس التّزاوج الجنسيّ بين عشتار وتمّوز، ومن هذا قوله([51]):
كلّما عانقها وقبّلها والتحما…
كانت الفرس تبكي وتضرب الأرض بحوافرها،
وتكاد أن تخلع الشّجرة
في هذه المقطوعة يدلّ التّقبيل والالتحام على التّمازج التّامّ بين عشتار وتمّوز، ولكن ما علاقة بكاء الفرس بهذا التّمازج والعناق، وما علاقة الشّجرة بهذا كلّه؟
إنّ الفرس لا تبكي إلّا في حالاتٍ عدّةٍ، ومن ضمن هذه الحالات الإنجاب، فتعانق الشّاعر بمحبوبته محرّكٌ لدورة الحياة واستمراريّتها، وللشّجرة حضورٌ مهمٌّ في الأسطورة؛ فقد ارتبطت عشتار بشجرة الحلبو، وارتبط تمّوز بشجرة التّفّاح، وكان يحبّها كثيرًا، وعندما عادت عشتار من العالم السّفليّ وجدت زوجها تمّوز جالسًا في ظلال شجرة التّفّاح، فغضبت منه، وقرّرت الانتقام منه بإرساله إلى العالم السّفليّ([52])، وهذا الفرس الّذي ذكره الشّاعر يريد أن يخلع تلك الشّجرة بعد تعانق عشتار بتمّوز؛ لأنّ هذه الفرس على علمٍ أنّ هذه الشّجرة ستكون سببًا في خصومتهما مستقبلًا، ومن ثَمّ ندم عشتار على تمّوز، وحلول الجفاف والجدب كلّ نصف سنةٍ.
وفي مقطوعةٍ أخرى، يكون التّوافق جليًّا بين ترنيمات الشّاعر وترنيمات طقوس الزّواج التّمّوزيّ العشتاريّ([53]):
بيت الفراشات على حرير السّرير المغيّب،
أفزعته
غرغرة المحتضَر
وسؤال النّدم:
متى أعود إلى الحقل؟!
والذّهاب إلى الحقل في الطّقوس التّمّوزيّة يشير إلى التّزاوج؛ فكلمة الحقل تظهر في التّرنيمات بين إنانا وأخيها أوتو حين عرض عليها الزّواج من تمّوز قائلًا:
“شقيقتي، سوف آتيك بالكتّان من الحقل،
إنانا، سوف آتيك بالكتّان من الحقل.”
تبدأ حواريّةٌ بين إنانا وأخيها أوتو عن هذا الكتّان؛ فتسأله من سيمشّطه ويغزله ويجدّله وينسجه ويبيّضه ليجيبها أخوها أنّه من سيمشّطه ويعمل عليه ويأتي به مبيّضًا، فتقول له:
“أي شقيقي، بعد أن تأتيني به مبيّضًا
من سوف ينام في الفراش معي؟
من سوف ينام في الفراش معي؟
ليجيبها:
أي شقيقتي، عريسك سينام في الفراش معك
من وُلد من الرّحم الخصيب سينام في الفراش معك
دوموزي الرّاعي سينام في الفراش معك”([54])
والعودة إلى الحقل مهمّةٌ إلى تمّوز كونه راعيًا، وفي ذلك إشارةٌ إلى التّزاوج بين إلهة الخصب والحبّ والحرب عشتار بتمّوز إله الخصب، وسؤال النّدم المتشّكل لدى تمّوز عن العودة إلى الحقل كان قد أصدر وهو في العالم السّفليّ وهو مُحتضَرٌ ومنكسرٌ أمام عذابات العفاريت، والعودة إلى الحقل هو العودة إلى عشتار، ومن ثَمّ عودة الخِصب والحياة إلى الأرض.
وفي إشارةٍ أخرى يصدرها تمّوز، تتبيّن لنا الرّغبة الجنسيّة والشّبق العارمان اللّذان يتملّكان عشتار، ويسيطران عليها في قول الشّاعر([55]):
ما بال الماء لا يطفئ جمرة الفخذين…
وفي هذه المقطوعة يظهر أنّ تمّوز وحده لم يستطع أن يشبع رغبات عشتار كاملةً، فما زالت بحاجةٍ إلى جنسٍ يشبعها، وأشار جلجامش إلى هذه الرّغبة قبلًا بعد أن عرضت عشتار عليه الزّواج([56]):
“تعال يا جلجامش، وكن حبيبي
هبني ثمارك هديّة
كن زوجًا لي وأنا زوجًا لك
ولكنّ جلجامش يعرض عن عشتار ورغباتها:
أيّ حبيبٍ أخلصتِ له الحبّ إلى الأبد؟
وأيّ راعٍ لك أفلح يرضيك على مرّ الزّمان؟”
من هذه القصّة، لا عجب من أن يستغرب الشّاعر من عدم اكتفاء عشتار بتمّوز؛ فهي إلهة الخصوبة، واستمراريّة وجود الجنس البشريّ مرتبطٌ بها، وبرغباتها الجنسيّة؛ فعند نزول عشتار إلى العالم السّفليّ وغيابها عن الأرض أصبح الرّجل ينام وحيدًا والمرأة كذلك، في إشارةٍ إلى انقطاع كلا الجنسين عن الرّغبة في الجنس([57]):
“بعد أن هبطت عشتار إلى أرض اللّاعودة
اضطجع الرّجل وحيدًا في غرفته،
ونامت المرأة على جنبها وحيدة”
وعلى هامش ابتعاد تمّوز عن عشتار، وانطفاء تمّوز في العالم السّفليّ، فإنّ الشّاعر يقول([58]):
العلبة في جيب الذّكرى،
والخاتم فقد لمعته الذّهبيّة،
وما زلتُ أحلم بالأعراس…
وهذا يشير إلى رغبة تمّوز في اقترانه بعشتار برغم كلّ ما يمرّ به من عذابٍ أليمٍ على يد العفاريت وآلهة العالم السّفليّ، وفي هذه المقطوعة يُلحظ أنّ نسبة الحضور البشريّ أعلى من الحضور الأسطوريّ؛ بمعنى أنّ الخاتم وعلبته والأعراس هي من متعلّقات البشر أكثر منها للآلهة، وفي هذا إسقاطٌ نفسيٌّ عميقٌ يوضّح رغبة تمّوز في العودة إلى عشتار حتّى لو فقد سمة الألوهيّة، وهذا ما يجعله ناقصًا؛ أي بكونه في النّهاية بشرًا، وفي هذا إحالةٌ إلى عنوان الدّيوان (النّاقص منّي).
الخاتمة:
بعد هذه الجولة في آفاق مقطوعاتِ الغزّاويّ من قصائده النّثريّة، وما أُتيح لهذه الدّراسة من غوصٍ وراءَ ظلالِها الثّقافيّة الأسطوريّة، فإنّه يمكن أن تخلص إلى عددٍ من النّتائج:
- تعدّ الأسطورة رافدًا ثقافيًّا مهمًّا وأساسيًّا، ليس للّغةِ العربيّة فحسب، بل للّغاتِ جميعًا، وهذا يحيل إلى ضرورة امتلاك الباحث في النّقد الثّقافيّ كفاياتٍ معرفيّةً حول أبجديّات الأساطير.
- من الصّعب، أو المستحيل، الجزم ببدايات الأسطورة، ولكنْ نستطيع أن ننظر إلى الأسطورة كونها مرجعًا ثقافيًّا مؤسّسًا للأنساق الثّقافيّة.
- تقترن الأسطورة بالأيديولوجيا، ولها ظلالها على العقائد، واللّغاتِ، والعادات، والتّقاليد، والعلم؛ فهي تملك هيمنةً ثقافيّةً على مناحي الحياة جميعًا.
- ما يتعلّق بجدليّة الأنثى والذّكر، ووصف الذّكر للأنثى، يستطيع الباحث في أعماق هذه الجدليّات أن يتلمّس حضورًا أسطوريًّا في ثناياها؛ وذلك أنّ اللّاوعي الجمعيّ في التّعامل بين الجنسين له ظلالٌ ثقافيّةٌ أسطوريّةٌ يستمدّ منها لغته.
- تمثيل الأسطورة في ثنايا الأدب الفلسطينيّ يثبت مكانة فلسطين التّاريخيّة بين حضارات العالم جمعاء، والأدب الفلسطينيّ أحوج ما يكون إلى استنطاق الأسطورة؛ فهي لغة الكون والتّاريخ، وبهذه اللّغة يستطيع العالم أجمع الانتباه إلى وجود الفلسطينيّين.
- يستطيع النّقد الثّقافيّ الغوص في ما وراء الأدبيّة بحثًا عن لاوعي الأديب، وهو بهذا يتّفق مع المنهج الأسطوريّ الّذي يعامل النّصوص الأدبيّة على أنّها نصوصٌ لاواعيةٍ.
- الحديث عن تاريخانيّة النّسق، وما يحمله من ثقافةٍ، إن أسطوريّةً، وإنْ غيرَ ذلك، يزيد من جماليّات الأنساق الثّقافيّة، ومن ثَمّ جماليّة النّصّ المدروس؛ لكونه يصبح مُتمتّعًا بمختلف أنواع الثّقافات الكونيّة.
مصدر الدّراسة:
- الغزّاوي، جاد عزّت، النّاقص منّي، ط1، مكتبة كلّ شيءٍ، 2017م.
المصادر والمراجع:
- بدار، وفاء أحمد السّيّد، الشّجرة في الفكر السّومريّ القديم، الاتّحاد العامّ للآثاريّين العرب، ع 16، 2015م.
- خشبة، درّيني، أساطير الحبّ والجمال عن اليونان، ط1، بيروت، دار أبعاد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1983م.
- الدّيك، إحسان يعقوب:
- الأسطورة في فكر الجاهليّ وأدبه، مجمع القاسميّ للّغة العربيّة، 2016م.
- الأسطورة والمجاز، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، م 1، 2016م.
- السّوّاح، فراس:
- الأسطورة والمعنى دراسات في الميثولوجيا والدّيانات المشرقيّة، ط2، دمشق، دار علاء الدّين للنّشر والتّوزيع والتّرجمة.
- مغامرة العقل الأولى دراسة في الأسطورة-سوريا وبلاد الرّافدين، ط11، دار الكلمة.
- عليمات، يوسف:
- ثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم، ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2021م.
- النّقد النّسقيّ تمثيلات النّسق في الشّعر الجاهليّ، ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2015م.
- الغّذامي، عبد الله، النّقد الثّقافي قراءة في الأنساق الثّقافيّة العربيّة، ط3، المركز الثّقافيّ العربيّ، 2000م.
- قسم الدّراسات والبحوث في جمعيّة التّجديد الثّقافيّة الاجتماعيّة، الأسطورة-توثيقٌ حضاريٌّ، ط1، دمشق، دار كيوان للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2009م.
- قنصوه، صلاح، تمارين النّقد الثّقافيّ، ط1، دار ميريت، القاهرة، 2007م.
- كاظم، نادر:
- .تمثيلات الآخر صورة السّود في المتخيّل العربيّ الوسيط، ط1، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، 2004م.
- مبروك، أمل، الأسطورة والأيديولوجيا، مكتبة التّنوير.
- المتنبّي، أحمد بن حسين، الدّيوان، دار بيروت، بيروت، 1983م.
- مفتاح، محمّد، التّشابه والاختلاف نحو منهاجيّةٍ شموليّةٍ، المركز الثّقافيّ العربيّ.
مراجعُ مُترجَمةٌ:
- بارت، رولان، لذّة النّصّ، ترجمة: منذر عيّاشي، ط1، مركز الإنماء الحضاريّ، سوريّا، 1992م.
- فورم، إيريش، اللّغة المنسيّة دراسةٌ ممهّدةٌ لفهم الأحلام والحكايات العجيبة والأساطير، ترجمة: محمود منقذ الهاشمي، ط1، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، سوريّا، 2011م.
مواقعُ إلكترونيّة:
- سيجري، أمجد، الأوروبوروس واللّانهاية، موقع الحوار المتمدّن: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=599517
([1]) يُنظر: قسم الدّراسات والبحوث في جمعيّة التّجديد الثّقافيّة الاجتماعيّة، الأسطورة-توثيقٌ حضاريٌّ، ط1، دمشق، دار كيوان للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2009م، ص30.
([2]) وكيل وزارة الثّقافة الفلسطينيّة منذ عام 2018، وله ديوانان منشوران؛ النّاقص منّي، وخاسرٌ أيّها النّبيل، وله إسهاماتٌ في المناخ الثّقافيّ العامّ في فلسطين.
([3]) كاظم، نادر، تمثيلات الآخر صورة السّود في المتخيّل العربيّ الوسيط، ط1، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، 2004م، ص20.
([4]) المصدر نفسه، والصّفحة نفسها.
([5]) يُنظر: قنصوه، صلاح، تمارين النّقد الثّقافيّ، ط1، دار ميريت، القاهرة، 2007م، ص26.
([6]) فوكو، ميشيل، حفريّات المعرفة، ترجمة: سالم ياقوت، ط2، المركز الثّقافيّ العربيّ، 1987م، ص126.
([7]) بارت، رولان، لذّة النّصّ، ترجمة: منذر عيّاشي، ط1، مركز الإنماء الحضاريّ، سوريّا، 1992م، ص63-64.
([8]) يُنظر: الدّيك، إحسان، الأسطورة والمجاز، كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان، م 1، 2016م، ص33.
([9]) يُنظر: مفتاح، محمّد، التّشابه والاختلاف نحو منهاجيّةٍ شموليّةٍ، المركز الثّقافيّ العربيّ، ص185.
([10]) يُنظر: كاظم، نادر، تمثيلات الآخر، ص97.
([11]) يُنظر: الغّذامي، عبد الله، النّقد الثّقافي قراءة في الأنساق الثّقافيّة العربيّة، ط3، المركز الثّقافيّ العربيّ، 2000م، ص77.
([12]) يُنظر: عليمات، يوسف، النّقد النّسقيّ تمثيلات النّسق في الشّعر الجاهليّ، ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2015م، ص7.
([13]) عليمات، يوسف، أثقافة النّسق تجلّيات الأرشيف في الشّعر العربيّ القديم، ط1، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، عمّان، 2021م، ص8.
([14]) الغذّامي، عبد الله، النّقد الثّقافيّ، ص13.
([15]) يُنظر: كاظم، نادر، تمثيلات الآخر، ص100.
([16]) مبروك، أمل، الأسطورة والأيديولوجيا، مكتبة التّنوير، ص10.
([17]) كاظم، نادر، استعمالات الذّاكرة في مجتمعٍ تعدّديٍّ مبتلى بالتّاريخ، ط1، مكتبة فخراوي، 2008م، ص11.
([18]) فورم، إيريش، اللّغة المنسيّة دراسةٌ ممهّدةٌ لفهم الأحلام والحكايات العجيبة والأساطير، ترجمة: محمود منقذ الهاشمي، ط1، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، سوريّا، 2011م، ص20.
([19]) المصدر نفسه، والصّفحة نفسها.
([20]) عشتار/إنانا: هي إلهة الحبّ والحرب والخِصب، وهي أخت تمّوز وزوجته ونُزله، وقد نزلت إلى العالم السّفليّ وعلقت هناك، ولم تخرج منه إلّا بإرسال تمّوز بدلًا منها فداءً لها. يُنظر: علي، فاضل عبد الواحد، عشتار ومأساة تمّوز، ط1، الأهالي للطّباعة والنّشر والتّوزيع، سوريّا، 1999م.
([21]) الغزّاوي، جاد عزّت، النّاقص منّي، ط1، مكتبة كلّ شيءٍ، 2017م، ص9.
([22]) أورفيوس: شاعرٌ وبطلٌ أسطوريٌّ إغريقيٌّ، وكان موسيقيًّا يحرّك مشاعر البشر والحيوانات والجماد والعناصر بعزفه، وقد تُوفّيت زوجته يوديديس بلدغة أفعى، فنزل إلى العالم السّفليّ باحثًا عنها، وبقي يعزف على قيثارته حتّى أبكى إله الموت واسترجع زوجته. يُنظر: كورتل، آرثر، قاموس أساطير العالم، ترجمة: سهى الطّريحي، دمشق، دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2010م، 146.
([23]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص11.
([26]) وفي هذا تماهٍ مع وصف امرئ القيس لمحبوبته:
وَتَعْطور بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّه | أَساريعُ ظَبْيٍ في مَساويكِ إِسْحِلِ |
ويُنتبه أنّ البيت يحمل حيويّة الأساريع، ونضرة المساويك، فهو يرتبط بخصوبة الحيوان والنّبات. امرؤ القيس، الدّيوان، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط3، دار المعارف، مصر، ص17.
([27]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص17.
([29]) سيجري، أمجد، الأوروبوروس واللّانهاية، موقع الحوار المتمدّن: https://www.ahewar.org
([30]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص86.
([31]) ولعلّ في الوصف إحالةً إلى قول المتنبّي:
فَكَأَنَّها وَالدَّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها | ذَهَبٌ بِسِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ قَدْ رُصِّعا |
فالأمر سيّان في الوصف بين قول الغزّاوي والمتنبّي، وظلال هذا الوصف اللّاواعي قد تعود أصوله إلى الأسطورة الّتي يجري شرحها. المتنبّي، أحمد بن حسين، الدّيوان، دار بيروت، بيروت، 1983م، ص117.
([32]) الدّيك، إحسان، الأسطورة والمجاز، ص34.
([33]) تمّوز/دوموزي: زوج عشتار، والإله المعذّب في العالم السّفليّ؛ فهو يقضي ستّة أشهرٍ من العذاب في العالم السّفليّ فداءً لعشتار، ويقتله خنزيرٌ برّيٌّ وحشيٌّ كلّ عامٍ وينبت من دمه شقائق النّعمان الّتي تمثّل عودته إلى الأرض. يُنظر: كورتل، آرثر، قاموس أساطير العالم، ص17.
([34]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص24.
([37]) الدّيك، إحسان، الوعل صدى تمّوز في الشّعر الجاهليّ، جامعة القدس المفتوحة، ع 2، 2003م، ص52.
([38]) السّوّاح، فراس، مغامرة العقل الأولى دراسة في الأسطورة-سوريا وبلاد الرّافدين، ط11، دار الكلمة، ص325.
([39]) أرشيكيجال: هي أخت عشتار/إنانا، وعدوّتها، وسيّدة العالم السّفليّ. يُنظر: كورتل، آرثر، قاموس أساطير العالم، ص27.
([40]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص34.
([42]) نوت: “آلهة السّماء المصريّة، وقد انبثق منها آتوم أو المياه الأولى، كما خلقت “شو وتفنوت” أي الهواء والرّطوبة ومن اتّحادهما ولد جيب إله الأرض ونوت آلهة السّماء، وأولادهم هم أوزوريس وسيث وإيزيس وتنيش”. كورتل، آرثر، قاموس أساطير العالم، ص56.
([43]) إيزيس: هي الإلهة الأمّ في مصر، وزوجة أوزاريس وأخته، أحبّت زوجها أوزاريس وأخلصت له. وأوزاريس: رئيس آلهة الموتى، وسيّد الفيضانات والخضرة. المصدر نفسه، ص21 وص29.
([44]) سيث: سيّد مصر العليا، قتل أخاه أوزاريس حسدًا لعلاقته الحميمة بإيزيس، وقد أخذ السّلطة مؤقّتًا في مصر العليا. المصدر نفسه، ص22.
([45]) كورتل، آرثر، قاموس أساطير العالم، ص22.
([46]) السّوّاح، فراس، لغز عشتار الألوهة المؤنّثة وأصل الدّين والأسطورة، ط8، سوريا، دار علاء الدّين للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، 2002م، ص298.
([47]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص48.
([48]) خشبة، درّيني، أساطير الحبّ والجمال عن اليونان، ط1، بيروت، دار أبعاد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1983م، ص21.
([49]) الدّيك، إحسان، الأسطورة في فكر الجاهليّ وأدبه، مجمع القاسميّ للّغة العربيّة، 2016م، ص43.
([50]) إبراهيم، نجيب ميخائيل، مصر والشّرق الأدنى القديم مصر من فجر التّاريخ إلى قيام الدّولة الحديثة، ط 4، مصر، دار المعارف، 1963م، ص95.
([51]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص17.
([52]) بدار، وفاء أحمد السّيّد، الشّجرة في الفكر السّومريّ القديم، الاتّحاد العامّ للآثاريّين العرب، ع 16، 2015م، ص503.
([53]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص31.
([54]) السّوّاح، فراس، الأسطورة والمعنى دراسات في الميثولوجيا والدّيانات المشرقيّة، ط2، دمشق، دار علاء الدّين للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، ص149.
([55]) الغزّاوي، النّاقص منّي، ص17.
([56]) السّوّاح، فراس، لغز عشتار، ص182.