“شعر الغزل العذريّ عند توبة بن الحميّر : بناء المفارقة، وتنوّع مستويات التّحليل“
The virginal spinning poetry of Tawbah ibn al-Hayyar: The construction of paradox, and the diversity of levels of analysis
عمر القزق ـ طالب دكتوراه ـ جامعة النّجاح الوطنيّة فلسطين
Omar qozoq – An-Najah National University, Palestine
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 77 الصفحة 43.
ملخّص البحث:يخوض هذا البحث في إشكال شاعر عذريّ مغمور قياسًا ببقيّة الشّعراء العذريّين، وهو الشّاعر توبة بن الحميّر الّذي اشتهر بمحبوبته الشّاعرة ليلى الأخيليّة أكثر ممّا اشتهرت هي به. وقد أتى البحث على التّعريف بتوبة؛ اسمه، ونسبه، وملامح شخصيّته الّتي تنازعتها صورتان: صورة العاشق المتيم الفارس، وصورة الفاجر القاتل اللّص. ثمّ عبر البحث إلى علاقته بالأخيليّة، وما نُسج عن حكايته معها من قصص، وذلك؛ لإثبات انتسابه، وفق خصائص الشّعر العذريّ، إلى تلك الظّاهرة الشّعريّة التي تجلّت ملامحها في العصر الأمويّ.
يلج البحث في فصله الثّاني إلى أشهر قصائد ديوان الشّاعر توبة، مقدّمًا لها قراءات متعدّدة ومتنوّعة: نفسيّة وفكريّة وسياسيّة، كاشفًا عن إمكانية تناول النّصوص الشّعريّة لتوبة وفق أكثر من اتّجاه، بناءً على افتراضات أقامها البحث، ونظّر من خلالها للقصيدة وفق عدّة زوايا، تمخضت عنها نتائج البحث.
الكلمات المفتاحيّة: توبة، الأخيليّة، شعر، عذريّ، أمويّ، سياسيّة، فكريّة.
Abstract:
This research delves into the problem of an obscure virgin poet, compared to the rest of the virgin poets, compared to the rest of the virgin poets, the poet Tawbah ibn al-Homayyer, who was more famous for his beloved poet Laila al-Okhiliya than she herself was. The research came to the definition of repentance; His name, lineage, and features of his personality, which are disputed by two images: the image of the knight’s devious lover, and the image of the immoral murderer, the thief. Then he crossed the search to his relationship with the Okhiliya, and the stories that were woven from his tale with it, and that; To prove his affiliation, according to the characteristics of virgin poetry, to that poetic phenomenon whose features became evident in the Umayyad era. In its second chapter, the research delves into the most famous poems of the poet At-Tawbah’s Diwan, providing them with multiple and varied readings: psychological, intellectual and political, revealing the possibility of addressing the poetic texts of Tawba according to more than one direction, based on assumptions made by the research, and through which the poem was considered according to several angles, from which came the research results.
Keywords: Tawba, Okhiliya, poetry, virginity, Omayyad, political, intellectual.
مدخل:“عُرف توبة بن الحميّر بليلى الأخيلية، وعُرفت به، وكان لكثرة تشبيبه بها وعفافه السبب في عدّه من العشاق العذريين”[1].
يُعدّ العصر الأمويّ من أهم العصور الأدبيّة انفتاحًا على الأغراض الشّعريّة الّتي راجت في باكورتها الجاهليّة؛ إذ غلب على شعراء هذا العصر الميل إلى التّخصّص، والتّعمق فيه إلى أن بلغ منتهاه عند كثير منهم. ولعلّ اللّافت في هذا الشّأن أنّ هذا التّمايز في تلك الأغراض قد طال مناطق بعينها، وفشا فيها، حتى أنّه يمكن لدارس الشّعر في هذا العصر أن يرسم خارطة ديموغرافيّة يوزّع فيها تلك الأغراض على البيئات الّتي انتشرت فيها، وعُرفت بها؛ فقد زها المدح في بيئة الشّام، وعُرفت العراق بالنّقائض الهجائيّة، وغلب على حاضرة الحجاز الغزل الحسّيّ، في حين أنّ البّادية قد حازت سهم الغزل العفيف العذريّ.
إنّ النّاظر لهذه التّقسيمة يدرك ــ دونما ريب ــ أنّ هناك عوامل بيئيّة، وأنماطًا بشريّة ساعدت على تفشّي غرض ما في مكان ما دون غيره، وشكّلت تربة خصبة المنبت لكلّ غرض. ولكنّ السّؤال الّذي يفرض نفسه لزامًا: لم اختص العصر الأمويّ بهذا التّوزيع للشّعر في بيئاته المختلفة، ولم يُكتب له السّطوع في العصرين الجاهليّ والإسلاميّ الأوّل؟؟؟
ليس بخافٍ على أيّ دارس للأدب أنّ القصيدة الفحلة قد بلغت تمام نضوجها في العصر الجاهليّ، وأنّها دخلت في بعض السّبات في عصر صدر الإسلام، ولكنّها عادت بكل قوتها في العصر الأمويّ. ومن البدهيّ بمكان أنّ العصر الأمويّ شكّل علامة فارقة في العهد الإسلاميّ تمثّلت في انتقال الخلافة إلى ديار جديدة وإلى بيت محدث، الأمر الّذي جلب معه نفورًا وصراعات وثورات بالسّيف تارة، وبالكلمة والشّعر أطوارًا أخر.
لقد اشتهر الغزل العفيف عند شعراء البادية، وصار يُعرف بهم، ويُعرفون به، وقلمّا نجد شاعرًا بدويًّا قد خلا شعره منه، حتى لو حاول اللّحاق بدروب الحضريين. وقد انبرى لهذا الغزل قبيلتان: بنو عامر، وعذرة، حيث ساد في الأولى، واشتهرت به الثّانية، وسُمّي باسمها. وقد لمعت في مظان الأدب أسماء بعض شعرائهم، وخبت أسماء آخرين، فلم يعنَ بهم توازيًا مع القيسيّين؛ جميل، وكثير، وبقيت سيرتهم مغمورة، لا يُعرف عنها الكثير، إلا عند أخصّ الخاصّة، وضاع جزء وافر من أشعارهم نتاج ذلك، واتبعه عزوف من المحدثين عن البحث فيهم، وفي أشعارهم، ويُعدّ توبة بن الحميّر من أكثر الشّعراء الّذين دثّرهم كساء ذلك الإهمال. فمن هو توبة بن الحميّر هذا؟؟؟
يسعى هذا البحث إلى التّعريف بالشّاعر الأمويّ توبة بن الحميّر، والمعروف في مظان الأدب بصاحبته ليلى الأخيليّة، والبحث إذ ذاك، فقد جاء في مدخل، وفصلين، وخاتمة، وفيما يلي توطئة ذلك:
ــ المدخل: عرض الباحث فيه إيجازًا عن خصوصيّة الشّعر في العصر الأمويّ، وما آل إليه من تخصّصات في أغراضه، حيث مثّل العامل البيئيّ جزءًا منها، والعامل السّياسيّ جزأها الآخر.
ــ الفصل الأول: لامس الباحث فيه الشّاعر توبة؛ اسمه، ونسبه، وسيرته، وناقش فيه قصة عشقه مع صاحبته الشّاعرة ليلى الأخيليّة، وما يحفّها من اختلاف، وما يعتورها من شكّ بين الحقيقة والخيال، خاصة نهايتها، ثم نفذ الباحث إلى ديوان شعره، وعرّج على ديوان صاحبته ليلى؛ ليرفد بحثه بما يحيط بالشّاعر، وذلك لقلة ما احتواه ديوانه من قصائد ومقطوعات. لذا، فقد شكّل ديوان الأخيليّة الوافر القصائد معينًا جمًّا للبحث والاستقراء، الأمر الّذي يسّر على الباحث استجلاء المدرسة الشّعريّة الّتي ينتمي إليها توبة، والغرض الشّعريّ الّذي اختص به.
ــ الفصل الثاني: تناول الباحث في هذا الفصل قصيدة للشّاعر توبة، حيث تعدّ من أطول قصائده في ديوان شعره، وقد ناقشها الباحث من زوايا عدّة، وقدّم فيها عديد قراءات، استند في كلّ قراءة منها على فرضيّة ما تتعلّق بالنّصّ أو بالشّاعر أو بالواقع الّذي يحفّ النّصّ والشّاعر معًا. وقد تنوّعت هذه القراءات وتباينت بين فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة.
ــ الخاتمة: قّدم فيها الباحث خلاصة لأهم ما تمّ التّوصل إليه من نتائج في مدارات البحث.
الفصل الأول: بناء المفارقة في ملامح شخصيّة توبة بن الحميّر وشعرة:
قبل الخوض في تتبع شعر توبة وقصصه لا بدّ للبحث من طرح الأسئلة الآتية، علّها تشكل مفاتيح للولوج إلى دهاليز الشّاعر وأروقته:
ــ من هو توبة بن الحميّر؟ ومن هي صاحبته ليلى الأخيليّة؟ وما الجامع بينهما؟؟
ــ وما هي السّمات الشّخصيّة للشّاعر، وفق ترجمته؟؟ وهل لها ما يوازيها في شعره؟؟
ــ وإلى أيّ المدارس الشّعريّة في العصر الأمويّ ينتمي الشّاعر توبة؟؟
ــ وما هي الأسباب الكامنة وراء عدم شيوع اسم الشّاعر وقصته وشعره؟؟
ــ ولماذا خفت نجم توبة، ولمع نجم صاحبته الأخيليّة؟؟؟
ــ وما هو موقف الشّاعر السّياسيّ؟؟ والى أيّ الجهات السّياسيّة ينتمي من خلال قصصه وشعره؟؟
لا غرو أنّ الباحث في هذا الفصل سيبني تعريفه بالشّاعر توبة على ما جمعه محقق ديوانه من أخبار وأشعار، وستشكّل مظان الأدب التي اعتمدها المحقق، وغيرها الرّافد الأساس في التّعريف به، خاصّة ديوان صاحبته ليلى الأخيليّة[2]؛ ليتمّم، ويضيف ما اعترى أخباره من قصور أو نقص.
في نسبه: اتفقت المظان في اسم توبة واسم أبيه، وفي كنيته (أبو حرب)، ولكنّها اختلفت في إيراد أسماء أجداده؛ فهو توبة بن الحميّر بن ربيعة بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن صعصعة من قيس عيلان بن مضر، فقد أسقط جدّه ربيعه، وأورد مكانه (حزم، وحزن، وعوف، وسفيان)[3]، ولكن هذا الاختلاف لم يرقَ إلى التّشكيك في حقيقة وجود هذه الشّخصيّة، ويستثنى من ذلك ما أورده ابن كثير، إذ عدّه “توبة بن الصّمّة” مضيفًا: “وهو الّذي يُقال له مجنون ليلى”[4]. وقد سكن الشّاعر وقومه قبل الإسلام الجنوب الشّرقيّ من المدينة، ثم تهيأ لهم الانتشار فيما بين الجزيرة والشّام[5].
في نسبها: هي ليلى بنت حذيفة بن شدّاد بن كعب بن الرّحال بن معاوية بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقد نسبت إلى جدها معاوية المعروف بالأخيل[6]..
وعلى ذلك، يكون التقاء توبة بالأخيلية في الجد الخّامس (عقيل بن كعب)، ومسألة أنّهما ابنا عمومة بعيد المسافة، وهو ما أورده ابن حزم: “ومن قبائل بني عُقَيل: الخَلَعاء، ومن بطونهم: بنو خَفاجَة، ومنهم: تَوْبة بن الحُمَيِّر، صاحبُ ليلى الأخيليَّة. ومنهم: بنو عُبادَة بن عُقَيل، وهم رهطُ ليلى الأخيليّة”[7].
في قصة عشقهما: على الرّغم من تتابع ذكر الأخيليّة عبر القرون في مظان كتب الأدب إلّا أنّ أحدًا لم يذكر بداية قصة عشقها لتوبة، إذ يُعدّ داود الأنطاكي (ت 1008هـ) هو أول من ذكر، في معرض كلامه عن توبة، أنّ “قومه كانوا ينزلون مع بني الأخيل بن كعب ــ قوم ليلى ــ وكانت لهم ابنة شاع ذكرها بالحسن والفصاحة، وحفظ أنساب العرب وأيامهم وأشعارهم، فغزوا يومًا، فلما رجعوا حانت من توبة التفاتة، وقد برزت النّساء بالبشر والأسفار؛ للقاء القادمين من الغزو، فرأى ليلى، فافتتن بها، فجعل يعاودها، وأطارت لبّه؛ فشكاها يومًا ما نزل به منها، فأعلمته أنّ بها منه أضعاف ذلك”[8].
في شخصيته: تكاد تكون شخصيّة توبة بن الحميّر موضوع خلاف بين معاصريه، فقد تنازعت شخصيّته ـــ فيما وصل إلينا في مظان الأدب، وديوانه، وديوان الأخيليّة ـــ صورتان:
الأولى: صورة رسمتها ليلى الأخيليّة في مراثيها له، فهو “سبط البنان، حديد اللّسان، شجي الأقران، كريم المخبر، عفيف المئزر، جميل المنظر”[9]. وهو ما ذهبت إليه عندما طلب منها الحجاج أن تنشدهم بعض مراثيها فيه، فأنشدته:
كأنّ فتى الفتيان توبةَ لم ينخ قلائصَ يفحصن الحصا بالكراكر[10]
“فلما فرغت، قال رجل من القوم: والله ما أظنّه بلغ عُشر ما وصفته به، فنظرت إليه فقالت: أصلح الله الأمير، إنّ هذا القائل لو رأى توبة لسرّه ألّا يكون في داره عذراء إلّا وهي حبلى منه”[11]. ولعلّ ما ذكره ذاك الرّجل يمهدّ الطّريق للصّورة الثّانية.
الثّانية: صورة أوردها المؤرّخون، وشاعت بين النّاس، فقد “كان شريرًا كثير الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم، وربما ارتفع إلى بلاد مهرة، فيغير عليهم، وبين بلاد مهرة وبلاد عقيل مفازة منكرة لا يقطعها الطّير، وكان يحمل مزاد الماء، فيدفن منه على مسيرة كلّ يوم مزادة، ثمّ يغير عليهم، فيطلبونه، فيركب المفازة، وإنّما كان يتعمد حمارة القيظ وشدة الحرّ، فإذا ركب المفازة، رجعوا عنه”[12]. وعلى هذا ذهب جلّ المؤرّخين، غير أنّ داود الأنطاكيّ قد خالفهم، إذ أورد أنّه ” كان شجاعًا مبرزًا في قومه سخيًّا فصيحًا مشهورًا بمكارم الأخلاق ومحاسنها”[13]، ولا أدري علام اعتمد الأنطاكيّ في هذا الوصف لشخصيّة توبة، وقد تكون هذه سمته، إذا ما استثنينا غاراته، وما رافقها من قتل وسطو، أو إنّه استند إلى مراثي الأخيليّة فيه، وهي تنفي ما استقبح من الصّفات عنه، ومنها:
معـــــاذ إلهــي كــان والله سيـــّدًا جوادًا على العلّات جمّا نوافلــه
أغرّ خفاجيًّا يرى البخل سبّــــة تحلّــــب كفــــاه النــّـدى وأنــاملــه
عفيفـــًـا بعيد الهمّ صلبـًـا قناتــــه جميـــلًا مُحيــّاه قليـــلًا غوائلــــــه
وكان إذا ما الضّيف أرغى بعيره لديـــــه أتاه نيلُــــــــه وفواضُلــــه[14]
وهذه الصّورة ألفيناها في سؤال معاوية لها: “ويحك يا ليلى، يزعم النّاس أنّه كان عاهرًا خربًا؟!”، وسؤال مروان: “كيف يكون توبة على ما تقولين، وكان خربًا؟!”. وعلى هذا عدّ من الشّعراء اللّصوص[15].
ويذكر في هذا الشّأن أنّ ليلى صاحبته قد أوردت الصّورة الثّانية في شعر لها ترثيه به:
فنعم فتى الدّنيا وإن كان فاجرًا وفوق الفتى إن كان ليس بفاجر[16]
وهو ما ذهب إليه الشّاعر نفسه في قصيدة له، قبل هذا الرّثاء:
وقد زعمت ليلى بأنّي فاجرٌ لنفسي تقاها أو عليها فجورُها
وتفصح ليلى عن هذا التّناقض في شخصيّته، في ردّها على مروان: “والله ما كان خاربًا، ولا للموت هائبًا، ولكنه كان فتى له جاهليّة، ولو طال عمره، وأنساه الموت لارعوى قلبه، ولقضى في حبّ الله نحبه، وأقصر عن لهوه”[17]. وأحسب أنهّا أرادت بفجوره كثرة إغاراته على القبائل، وما يتبع ذلك من قتل وسلب، وليس الفجور بمعنى الفسق والانقياد الحسّيّ له.
ولعلّ ما دار بين الأخيليّة والحجاج ما يؤكد صحّة هذا المذهب، فقد سألها الحجاج: “إنّ شبابك قد ذهب، واضمحل أمرك وأمر توبة، فأقسم عليك إلّا صدقتني، هل كانت بينكما ريبة قط، أو خاطبك في ذلك قط؟ فقالت: لا والله أيّها الأمير! إلّا أنّه قال لي ليلة ــ وقد خلونا ــ كلمة ظننت أنّه قد خضع فيها لبعض الأمر فقلت له:
وذي حاجة قلنا له: لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيلُ “[18]
ويؤكد ذلك ما ذهب إليه مروان، في نهاية حواره مع ليلى : “فوالله لقد مات توبة، وإنّه كان من فتيان العرب وأشدّائهم، ولكنّه أدركه الشّقاء؛ فهلك على أحوال الجاهليّة، وترك لقومه عداوة”[19].
في المدرسة الشّعريّة الّتي ينتمي إليها الشّاعر توبة:
تدلّ المظان أنّ توبة ينتمي إلى مدرسة الغزل العذريّ في العصر الأمويّ؛ ويبين عن ذلك ما يلي:
الأول ــ قصة العشق: وذلك من خلال تشابه قصة عشقه مع قصص العشق للشّعراء العذريّين في عصره؛ من اقتصار تعلقه بمحبوبة واحدة[20]، والتّشبب بها[21]، ورفض تزويجه إيّاها نتاج ذلك، والاستمرار في زيارتها، رغم تزويجها لغيره. فقد ذكر صاحب الأغانيّ “أنّ توبة خطبها إلى أبيها، فأبى أن يزوّجه إيّاها، وزوّجها في بني الأذلع[22] ــ وبنو الأذلع من بني عبادة بن عقيل ــ وكان زوجها غيورًا، وأنّ توبة كان يكثر من زيارتها، فعاتبه أخوها وقومها، فلم يُعتب، وشكوه إلى قومه، فلم يُقلع، فتظلموا منه إلى السّلطان، فأهدر دمه. وكان زوج ليلى يعزب بها عن النّاس[23]، فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنّها، ثم أخذوا بالتّرصد له، فلما علمت به، خرجت سافرة، وجلست في طريقه ــ وكان يلقاها مبرقعة ــ ففطن لما أرادت، وعلم أنّه قد رُصد، وأنّها سفرت لأمر ذي بال، فنجا بنفسه”[24]. وفي ذلك يقول:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[25]
الثّاني ــ العفّة في الشّعر: لا يختلف توبة في شعره عن بقية الشّعراء العذريّين فيما يرتجيه من لقائه بمحبوبته، فهو لا يرى في زيارته الأخيلية حرجًا، ولا يرى في ذلك ذنبًا يستحق أن يُلام عليه؛ فكل مبتغاه من زيارتها هو رؤيتها، واقراؤها السّلام، إذ يقول:
عليّ دمــاء البدن إن كان زوجـها يـــرى لــي ذنبـــًـا غيـــر أّنّـــــي أزورهـــــــا
وأنّي إذا ما زرتها قلت: يا اسلمي وما كان في قولي: اسلمي ما يضيرها[26]
وهو ــ على عادة الشّعراء العذريّين ــ ينكر كلّ ما نسجه النّاس، ولا يرى فيه أكثر من محض افتراء:
رماني وليلى الأخيليّة قومها بأشياء لم تخلق ولم أدر ماهيا[27]
وهو ما نلمسه في شعر ليلى؛ فهو ينطق بالعفة في الإفصاح عن تلك العلاقة، إذ تقول:
عفيفًا بعيد الهمّ صُلبًا قناته جميلاً محياه قليلاً غوائله[28]
فهو كغيره من العشّاق العذريّين، إذ تبقى مسألة زواجه من معشوقته حاجة عصيّة على المنال.
الثّالث ــ ذكره في أشعار العذرييّن: لعلّ ما يؤكد انتماء توبة إلى مصاف الشّعراء العذريّين، هو ما أرّخه شاعر عاشقٍ وَلِهٍ مثله، عُرف بغزله العذريّ، وعُرف الغزل العذريّ به، فقيس بن الملوّح صاحب ليلى يعبّر عن سلسلة هذا العشق، ويضمِّن أبياته توبة ركيزةً أساسيّة فيه، إذ يقول:[29]
لـَعَمرِيَ ما لاقـى جَميـلُ بنُ مَعمَــرٍ كَـوَجدي بِلَيلى لا وَلَــم يَلـقَ مُسلِــمُ
وَلَــم يَلــقَ قابــوسٌ وَقَيسٌ وَعُــروة وَلَـــم يَلقَــــهُ قَبلــي فَصيـــحٌ وَأَعجَـــمُ
وَبِشـــــرٌ وَهِنـــدٌ ثُمَّ سَعــــدٌ وَوامِـــــقٌ وَتَوبَــــةُ أَضنـــاهُ الهَــــــوى المُتَقَسّـــِمُ
ولا أظن أنّ هناك دليلًا أدمغ من قول المجنون قيس في المجنون توبة؛ فكلاهما ــ وإن اختلفت ليلى ــ قد جُنّا بها، مما جعلهما شاعري مدرسة واحدة؛ مدرسة الغزل العفيف العذريّ.
الرّابع ــ قصة تصارعه مع جميل بثينة: كان توبة قد خرج إلى الشّام، فمرّ ببني عذرة، فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه، فشقّ ذلك على جميل، وذلك قبل أن يظهر حبّه لها. فقال له جميل: من أنت؟ قال: أنا توبة بن الحميّر. قال: هل لك في الصّراع؟ قال: ذلك إليك، فشدّت عليه بثينة ملحفة مورّسة، فاتّزر بها، ثم صارعه فصرعه جميل. ثم قال: هل لك في النّضال. قال نعم، فناضله فنضله جميل. ثم قال له: هل لك في السّباق؟ فقال نعم، فسابقه فسبقه جميل. فقال له توبة: يا هذا إنّما تفعل هذا بريح هذه الجالسة، ولكن اهبط بنا الواديّ، فصرعه توبة ونضله وسبقه[30]. ولا يَعرف تأثيرَ العشق على العاشق إلّا عاشقٌ مثله؛ فوجود بثينة أو عدمه هو الّذي حسم الأمر.
الخّامس ــ قصة موتهما: يكاد ما وصل إلينا من قصة مقتل توبة بن الحميّر يسير في اتّجاه واحد، ولعلّ ذلك عائد إلى قرب المسافة الزّمنيّة بين حادثة مقتله وتدوينها، ومن جهة أخرى فقد كان لاهتمام المؤرّخين بأيام العرب في الجاهليّة والإسلام أثر في ذلك، هذا ناهيك عن أنّه نتج عن مقتل توبة إجلاء لقبيلة قاتليه أرّخه الأقدمون في كتبهم. غير أنّ حادثة وفاة ليلى الأخيليّة قد قيل فيها أكثر من حكاية، ارتبطت كلّها ببيتي شعر كان قد قالهما توبة في تغزله بها.
أولًا ــ مقتل توبة: تذكر المظان قصة مقتل توبة، فقد كان بينه وبني عوف بن عقيل لحاء، وحدث أن شهد توبة بني خفاجة وبني عوف يختصمون عند همّام العقيليّ زمن معاوية ــ على صدقات بني عامر، فضرب ثور بن أبي سمعان بن عقيل توبة بجرز وعلى توبة الدّرع والبيضة، فجرح أنف البيضة وجهه، فغصّ ذلك توبة، فكمن له ذات يوم، فقتله. وكان لثور ولد كثير الشّرّ والبغي، يقال له السّليل، قد عزم على الثّأر لأبيه، فطارد وبعض قومه توبة، فقتلوه، وبتروا رجل أخيه[31].
ثانيًا ــ وفاة الأخيليّة: تناقلت كثير من مظان الأدب قصة حادثة موت الأخيليّة، وقد بنوا ما نقلوه على بيتين من الشّعر كان توبة قد قالهما في قصيدة له، وقد شكّك المتأخّرون بهذه القصة، ونسبوها إلى نسج خيال الرّواة[32]، أو قصص الأدب الشّعبيّ، غير أنّ أفضل حبكة اطلع عليها الباحث لبداية القصة، هو ما ورد في كتاب ذمّ الهوى، فقد أورد في فصل “من ضُربت به الأمثال في العشق” ما نصّه “أنّ ليلى الأخيليّة بعد موت توبة تزوّجت، ثم إنّ زوجها بعد ذلك مرّ بقبر توبة وليلى معه. فقال: يا ليلى هل تعرفين هذا القبر؟ فقالت: لا[33]، قال: هذا قبر توبة، فسلّمي عليه. قالت: امضِ لشأنك، فما تريد من توبة وقد بليت عظامه! قال: أريد تكذيبه، أليس هو الّذي يقول:
ولـو أنَّ ليلى الأخيَلِيّــة سلّمـــت علـــــــــيّ ودونــــي تربــــــةٌ وصفـــــائــــــــحُ
لسَلّمتُ تسليمَ البشاشة أو زقا إليها صدىً من جانب القبر صائحُ
فوالله لا برحتِ أو تسلّمي عليه. فقالت: السّلام عليك يا توبة ورحمة الله، وبارك لك فيما صرت إليه. فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها، فشهقت شهقة فماتت، فدفنت إلى جانب قبره، فنبتت على قبره شجرة وعلى قبرها شجرة، فطالتا فالتقيتا”[34]. غير أنّ نهاية القصة ــ بصرف النّظر، إن نسجًا، أو حقيقةً ــ أقرب إلى الواقعيّة فيما أورده صاحب الأغاني، حيث جاء فيه: “وكانت إلى جانب القبر بومة كامنة، فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت، وطارت في وجه الجمل، فنفر، ورمى بليلى على رأسها، فماتت من وقتها، ودفنت إلى جانبه”[35].
سلّم القصص العذريّ: إنّ المتتبع لقصص العشق العذريّ في العصر الأمويّ يلحظ أنّ قصة توبة وصاحبته ليلى تنماز عن بقية شخصيّات القصص الأخرى في أنّ كلا العاشقين شاعر، وعلى الرّغم من ذكر قصة عشق توبة لليلى في كثير من كتب الأدب، إلّا أن قصتهما لم تحتل مكانًا بارزًا قياسًا بقصص القيسين وجميل، وبقيت في مكانة دونيّة في سلّم القصص العذريّ. فما الذي حال دون توازي قصتهما مع قصص غيرهم من العذريّين؟؟؟ إنّ الإجابة عن هذا التّساؤل تقتضي طرح قضية أخرى توازيها وتكاد تلاصقها، وهي:
لماذا خفت نجم توبة ولمع نجم الأخيليّة؟؟؟
إنّ الإجابة عن تساؤل من هذا القبيل، والكشف عمّا يكتنه فحواه، وسبر أغوار ما يعتمل وراءه، يقتضي متابعة حثيثة لديواني الشّاعرين، وتتابع ذكر أخبارهما في مظان الأدب، فذكر أخبار الأخيليّة وأشعارها أكثر ورودًا وشهرةً من صاحبها توبة، ولعلّ ذلك يعود إلى الأسباب الأتية:
ــ إنّ ما وصلنا من أشعار ليلى وأخبارها يفوق كثيرًا ما أحاطت به كتب الترّاث الأدبيّ من أشعار توبة.
ــ إنّ أخبار توبة وأشعاره قد انحصرت في أمرين اثنين، وهما: عشقه لليلى، وبعض غزواته على القبائل المجاورة. في حين أنّ أشعار ليلى قد تباينت، وأخبارها قد تعدّدت؛ فهي وإن عرفت بوفرة أشعار الرّثاء في توبة[36]، إلّا أنّ أغراض الفخر والهجاء والمديح تبدو حاضرة في ديوانها؛ ففي معركتها الهجائيّة مع النّابغة الجعديّ تظهر بصورة لا تقلّ ضراوة عن هجّائي المربد[37]، وفي فخرها بقومها وزوجها تكاد تكون فرزدقيّة الأسلوب واللّغة[38]، وفي مدحها للخلفاء والأمراء[39] لا تبعد مسافة عن شعراء حاضرة الشّام موطن الخلافة.
ــ إن توبة لم ينتج غزلًا فريدًا يفوق هامات سدنة الغزل العذريّ، في حين أنّ الأخيليّة قد أنتجت رثاء يقارب، أو يفوق ما أتت به الخنساء. أضف لذلك أنّها احتلت مكانة عليّة في جعلها في مصاف الشّعراء النّقّاد، امتدادًا للذّبيانيّ، ومقاربة بسكينة بنت الحسين؛ فقد روي أنّه احتكم إليها الشّعراء، وحكمت بينهم[40].
ــ إنّ مدح الأخيليّة وهجاءها قد قاربها من خطّ الفحولة الشّعريّة، الّذي رسمه خلفاء بني أميّة الأول، في حين أنّ جفاء توبة ــ فيما وصلنا ــ لهذين الغرضين قد نأى به عن الشّهرة، ولولا الأخيليّة وأخبارها ــ من جهة ــ لاختفى صدى شعره في كثبان الصحّراء، ولولا أنّ المجنون ــ من جهة أخرى ــ قد فرض غزله ظاهرة تُحاكى وتُضارع، ويشابهها النّقّاد ــ سابقًا ولاحقًا ــ لأَمات الزّمن وخلفاء بني أميّة ذكره، وذكر من سواه.
ــ وأخيرا، فإنّ موقف الأخيليّة السّياسيّ المتمثّل بالضّديّة من ابن الزّبير، والتّوافقيّة مع بني أميّة، جعلها في مصاف الطّبقات المتقدّمة من شعراء العصر الأمويّ، في حين أنّ شعر توبة ــ فيما وصل إلينا ــ يبدو خلوًا من أيّ موقف سياسيّ له، وكذا أخباره، وهذا الأمر قد قدمها خطوات عليه، وجعله يُعرف بها أكثر من أن تُعرف هي به.
الموقف السياسي لتوبة والأخيليّة:
لم تورد المظان شيئًا عن علاقة توبة بالسّياسة، ولكنّ بعضها أشار إلى قبيلته، حيث قال: “ومن قبائل بني عُقَيل: الخَلَعاء، وكانوا لا يُعطُونَ الملكَ طاعةً. ومن بطونهم: بنو خَفاجَة، ومنهم: تَوْبة بن الحُمَيِّر، صاحبُ ليلى الأخيليَّة. ومنهم: بنو عُبادَة بن عُقَيل، وهم رهطُ ليلى الأخيليّة”[41].
إنّ المتتبّع لما وصل إلينا من أشعار توبة بن الحميّر وقصصه، والقصائد الّتي رثته بها ليلى الأخيليّة يخلص إلى أنّ الشّاعر لم يكن له أيّ اهتمام بالشّأن السّياسيّ في حاضرة الحجاز في العصر الأمويّ، وأنّه مجرد عاشق محب لليلى، ويمارس ــ في الوقت ذاته ــ دور الجاهليّين في الغزو. ولعلّ ابن دريد يصدق فيما ذهب إليه، وأنّ توبة لم يكن له في هذا الشّأن مثل قومه. وقد يكون نقيض ذلك، وأنّ له أشعارًا ضاعت، ولم تصل إلينا، غير أنّني أرجح انتفاء السّياسة عنه، فلو كان له في هذا الأمر صدر بيت لأتمّ عجزه من ينتمي إليهم، ويقف إلى جانبهم، ولكنّه الشّعر، فلا يشترط في كلّ شاعر أن يكون بوق إعلام.
أمّا عن الأخيليّة فقد كان موقفها صريحًا وواضحًا، فقد راحت تؤيد الأمويين في حكمهم، ووقفت موقفًا معاديًا ممن ناهضهم، وحاول سلب الخلافة منهم، وفيما يلي بيان ذلك:
أولًا ــ في عصر صدر الإسلام:
على الرّغم من أنّ الاصبهانيّ يعدّها من النّساء المتقدّمات من شعراء الإسلام، إلّا أنّنا لا نجد لها في ديوانها، وما وصل إلينا من شعرها شيئًا في هذا العصر غير قطعة رثاء في الخليفة عثمان بن عفان[42]. ويمكن أن يُعزى ذلك إلى واحد من أمور ثلاث: “فإمّا أنّ تكون سكتت ولم تنظم فيه شيئًا، أو أنها كانت صغيرة السّن، أو أنّ ما قالته لم يصل إلينا”[43].
ثانيًا ــ في العصر الأمويّ:
يشير ديوان الأخيليّة، وما وصل إلينا من أخبارها أنّها كانت أمويّة الهوى، ولم ينازعها في هذا الانتماء أيّ منازع، ويمكن الكشف عن توجهها هذا من خلال أخبارها وأشعارها. فقد أظهرت أخبارها أنّها كانت وطيدة الصّلة بالبيت الأمويّ، وقد زارت خلفاءهم وأمراءهم وولاتهم، وكانوا يحفلون بها، ويجلّون قدرها، فهي “من النّساء المقدّمات في الشّعر من شعراء الدّولة الأمويّة”[44]، ومن ذلك زيارتها لمعاوية بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم أمير المدينة، وعبد الملك بن مروان، وعبيد الله بن أبي بكرة والي سجستان، ولعلّ أكثر من زارت هو الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ، وفيه قالت أكثر مدحها، ومن هذه القصائد:
أحجّــــاج لا يفلل سلاحـــــك إنّمـا ال منايــــــا بكفّ اللّه حيث تراهــــا
إذا هبط الحجّــــاج أرضــــا مريضـــة تتبّع أقصى دائهــــــــا فشفــاهـــا
شفاها من الدّاء العضال الّذي بهـا غــــلام إذا هـــــزّ القناة سقـاهــا
سقـــاهــــا دمـــاء المارقيــــن وعلّهــــا إذا جمحت يوما وخيف أذاهــــا[45]
وعلى نقيض ذلك، فقد وقفت من عبد الله بن الزّبير موقفًا معاديًا، فقالت في قصيدة تهجوه بها، وتحذّره من محاولة التّفكير في غزو قومها:
يا أيّهـــا السّــدمُ الملوي رأسـه ليقود من أهل الحجاز بريما
لا تغزونَّ الدّهـــر آل مطــرف لا ظالمــــاً أبــــــداً ولا مظلومــا
إن سـالموك فدعهم من هذه وارقد كفى لك بالرقاد نعيمــــــا[46]
غير أنّ خبرًا ورد عن الأخيليّة بلقائها بعبد الملك بن مروان، نقله محقق الدّيوان عن الأغاني أنّ “ليلى جاءت تستعين في عين تسقيها وتحميها لها، فأنكرت عاتكة ذلك؛ لتقديمها مثل توبة على عبد الملك [وكانت ليلى قد حصرت صفة الكرم في توبة[47]]، فاندفعت ليلى إلى ناقتها، وأنشدت”[48] قصيدة تهجو فيها عبد الملك، وتعرض بزوجته، ومنها:
أأجعل مثل توبة في نداه أبا الذّبّان[49] فوه الدّهر دامي[50]
غير أنّ ما ورد في الأغاني: “فوثبت ليلى فقامت على رجلها واندفعت تقول”[51] يثير الشّك في نسبة هذه القصيدة لليلى، أو للمكان الّذي قيلت فيه إن كانت حقيقة لها؛ فلا يعقل وفق ما نقله الأصفهانيّ أن تهجو ليلى عبد الملك وزوجه في عقر داره، وتعرّض به في مثل لقب كهذا. وإنّ صحّت رواية المحقق[52] ــ المجهولة المصدر ــ فإنّ ذلك ينافي ولاء ليلى للبيت الأمويّ، ويجعل علاقتها بهم علاقة مدح وتكسّب لا غير، أو أنّ تكون الرّواية بأنّ قبيلتها وقبيلة توبة لم تخضعا لملك هي رواية صحيحة، وأنّ هجاءها لابن الزّبير هو مجرد عداء قبليّ فحسب، ولا علاقة له بشؤون السّياسة، وأحقيّة الخلافة.
ويبقى أن نقول إنّ ديوان توبة ــ لقلة ما وصل إلينا من شعره، ومن أخباره ــ لم يقدم لنا كثيرًا عنه، ولكنّه يقترب بشكل أو بآخر من الشّعراء المتيّمين الجاهليّين ويعد امتدادًا حقيقيًّا لهم، أو أنّه شكّل حلقة وسطا بين الشّعراء المتيّمين والشّعراء العذريّين.
الفصل الثّاني: مستويات التّحليل في نصّ لتوبة بن الحميّر:
يقول توبة في أشهر قصائد ديوانه:
نأتكَ بليلى دارُهــــا لا تزورُهـــا وشطَّتْ نواهــــا واستمرَّ مريرُهــــــــــا[53]
تُعدّ هذه القصيدة من أشهر ما وصلنا من شعر توبة بن الحميّر، وهي بذاك تشكل البوابة الأوسع للولوج إلى توبة: شخصيته، ومحبوبته، وعشقه، وطبيعة غزله، فما هي مضامين هذه القصيدة؟؟ وكيف تقرأ؟؟
إنّ النّاظر للبيت الأول في القصيدة وتصريعه، يتراءى له أنّها؛ أي القصيدة، قد نسجت على غرار القصيدة الجاهليّة؛ إذ الوقوف فيها على الطّلل بادٍ وجلي، ومن المتوقع، نتاج ذلك، أنّ القصيدة ستغدو عبارة عن لوحات متتابعة، تسلّم الواحدة منهنّ الأخرى نفسها، وبطريقة منظّمة، انتظمتها أمّات القصائد قبلها، فهي ستترك المكان الّذي درس، وستسير مع الظّعائن في سبل الصّحراء الفسيحة، وسيتبعها العاشق الوله، على ناقة يتمثلها حينًا، أو فرس ينتدبه حينًا آخر، فيجوب الفيافي، ويترسّم حمارًا وحشيًّا هنا، وثورًا هناك، وسيعارك الرّحلة إلى أن يصل إلى المبتغى، في نهج اصطنعه الشّعراء، وارتضوه لأنفسهم، وهكذا يفترض في قصيدة توبة هذه أن تكون.
إنّ المتتبّع لمقصد هذه القصيدة، والسّاعي في سبلها، تتكشف لديه أشياء لا ائتلاف فيها، إذ لا يستطيع القارئ الإمساك بفكرة، أو استتباع خيوط لوحة ما إلّا وانفلت من بين يديه، قبل أن تتّضح معالمها. فكيف بدت مشاهد هذه القصيدة ولوحاتها؟؟ وما الغرابة فيها؟؟ وأيّ قراءة يمكن الاطمئنان إليها في تحليلها؟؟
للوقوف على قراءات لهذه القصيدة، لا بدّ أولًا من تعيين مساراتها والرّابط بينها، ومن ثمّ تحديد اتّجاه مؤشر بوصلتها؛ فلكلّ نصّ بوصلة، فإذا استطاع الباحث الوقوف على مؤشرها، نجا بفهمه وسلم، وإلّا، فإنّه سيكون كملاطم ذراعيه وسط محيط، دونما قارب نجاه.
أولا: لوحات القصيدة: ارتسم في نصّ توبة بن الحمير خمس لوحات؛ وهي: لوحة الطّلل، ولوحة العشق، ولوحة النّاقة، ولوحة الحرب، ولوحة العذارى. فكيف ارتسمت هذه اللّوحات في النّصّ؟؟
ثانيا: مسار اللّوحات: نظم الشّاعر توبة لوحات قصيدته بطريقة غريبة، فالبيت الأول يبدأ في القصيدة برسم مكان الطّلل، وقد تكون هذه اللّوحة ــ على قلّة أبياتها ــ هي الأكثر اتصالًا، في حين أنّ بقيّة اللّوحات جاءت متشظّية حينًا، وغير مكتملة حينًا آخر؛ فلا حسن تخلّص فيها، على عادة القصيدة المثال، ولا حسن ترابط وانتقال بين المشاهد، بل ترى الشاعر ينتقل بين اللّوحات دونما علاقة ترابط بين أفكارها؛ حيث جاءت على النّحو الآتي:
الأبيات | الفكرة | الأبيات | الفكرة |
1، 2 | الطّلل الدّارس | 18، 19 | مشاق الرّحلة |
3 ــ 6 | حديث اللّائمين، ولقاء ليلى | 20، 21 | العودة ليلى، ووصفها بالحمامة |
7، 8 | العودة للطّلل، والحثّ على المسير | 22 | الحديث عن فجور الشّاعر |
9 | بيت في الحكمة عن حاجات الفرد | 23، 24 | تهديد قبيلة عقيل |
10، 11 | قصة تبرقع ليلى، وصدودها عنه | 25 | هجاء زوج ليلى، والنّأي بها خوف اللّقاء |
12 | المكان الّذي آلت إليه ليلى | 26 ــ 28 | الحديث عن النّاقة، ورحلة الغزو |
13 | العودة للحثّ على المسير | 29 | نتيجة الرّحلة الفتك بالأعداء |
14 ــ 16 | صفات ليلى، وأثرها في الشّاعر | 30 | العودة للرّحلة |
17 | الحديث عن لقاء لهما | 32، 33 | العودة للأعداء، ووصف الذّات |
نهاية القصيدة | |||
34، 35 | وصول الشّاعر إلى مبتغاه ” عذارى همدان “ |
ثالثا: قراءات في القصيدة: يحفل نصّ توبة بن الحميّر بمجموعة من القراءات، تستند على افتراضات متعلّقة بالنّصّ تارة، وبالشّاعر تارة أخرى، وبالنّصّ والشّاعر والواقع السّياسيّ والاجتماعيّ أطوارًا أخر. وهذه الافتراضات، وتلك القراءات يمكن إجمالها بما يلي:
1 ) النّصّ المفكك: ينتج عن افتراض أنّ هذا النّصّ مفكّكا مجموعة من القراءات:
ــ إنّ النّصّ فيه نقص في الأبيات؛ فلوحاته المهشّمة، وغير المكتملة لا يمكنها أن تصدر عن شاعر صنّف في المرتبة الثّانية من شعراء العصر الأمويّ.
ــ إنّ النّصّ مأخوذ من قصيدتين نسجتا على وزن واحد وقافية واحدة للشّاعر نفسه، وأخطأ المحقّق في جمعهما في قصيدة واحدة.
ــ إنّ النّصّ ليس جميعه لتوبة، وقد ألصق به مجموعة من الأبيات لغير قائل.
ــ إنّ النّصّ بحاجة إلى إعادة تركيب؛ للخلاص ممّا شابه من تفكّك.
ويكفي تأكيدًا للتّوجهات السّابقة البيتان الأخيران في القصيدة:
أمُخترمي ريبُ المنونِ ولم أزرْ عذارى من همدانَ بيضاً نحورُهـــا
ينؤنَ بأعجازٍ ثقالٍ وأســوقٍ خـدالٍ وأقدامٍ لطافٍ خصورُهــــــــــــا
فلا يعقل، بأيّ حال وفق هذه الفرضيّة، أن يكون مبغى الشّاعر في نهاية نصّه الشّعريّ، وبعد الوقوف على طلل ليلى، والحديث عن تعلقه بها، وتهديد زوجها وعشيرتها، ووصف بعض رحلته، وتناول معاركه ــ لا يعقل أن يكون مآل الشّاعر عذارى همدان.
2 ) النّصّ المكتمل والشّاعر المفكك: تلامس هذه الفرضية سؤال الدّراسة عن شخصيّة توبة في القصص والأخبار الّتي وردت عنه في الفصل الأول من هذا البحث، حيث الشّاعر العاشق الوله، وفي شطره الآخر الفاجر القاتل اللّصّ. فهل سيتوازى شعر توبة، في هذا النصّ، وأخباره، أم يتطابقان؟؟
لا غرو أنّ هذه الفرضيّة سينبني عليها قراءات عدة لهذا النّصّ، ولعلّ أهمّها:
أ ) القراءة النّفسيّة للنّصّ: تقوم الدّراسة النّفسيّة لشخصيّة الشّاعر توبة على عامل الرّفض والاستلاب؛ رفض تزويجه من محبوبته ليلى، واستلاب روحه وعقله. ولعلّ البيت التّاسع، الّذي نبا في خليط لوحات الشّاعر، يشكل معلمًا بارزًا في هذه القراءة، فهو يقول، وقد أبعدت ليلى عنه، وأسكنت غيره:
وقد تذهبُ الحاجاتُ يطلبُها الفتى شَعاعاً وتخشى النَّفسُ ما لا يضيرُها
فحاجات الشّاعر، وما يشغل ذهنه، قد تفرّقت شعاعًا في كل اتّجاه، وسيطرت معها ليلاه على روحه، فشظّتها، وفكّكت معها القصيدة؛ فالشّاعر لا يكاد يبدأ برسم لوحة في قصيدته حتى يعود لليلى، فيصفها، ويتحدث عن عشقها، ولا يكاد مرة أخرى أن يعود إلى لوحاته ورحلته حتى يذهب إلى زوجها الّذي نأى بها عنه، فيسبّه ويقرّعه، ولا يكاد يبرحه إلى دروب الرّحلة حتى يعود إلى قوم ليلى، فيتوعّدهم، ويهدّد غيرهم بأنّه سيبقيهم “صرعى” بعد أيّ لقاء.
لقد مثّل البيت السّابق، الّذي جاء على شكل حكمة، حالة من التقاء القلب بالعقل، حالة وحيدة طوال أبيات القصيدة، حالة جاءت صدفة بعد النّأي بليلى، ولكنّ القلب هو الّذي بدا فيها مسيطرًا، فأخذ بزمام القصيدة إلى آخرها.
إنّ هذه الحالة الّتي اعترت الشّاعر لم تكن هي الأصل في شخصيّته، بل إنّ منع ليلى عنه هو الّذي ولّدها؛ فالشّاعر لم يكن فاجرًا، وإنمّا كان يمارس عادة الغزو الّتي ورثها وقومه، أو تلك الّتي بثّها الأمويّون فيهم، والنّأي بليلى هو الّذي حدا بسيفه أن يخطّ كلّ رقاب.
ولعلّ تلك الحالة النّفسيّة الّتي سيطرت على الشّاعر هي الّتي جعلته في نهاية القصيدة يلجأ إلى “عذارى همدان”، ليس شغفًا بهنّ، وإنّما فرارًا من واقع السّلب والحرمان.
ب ) القراءة الدّينيّة والقيميّة للنّصّ: يصنّف الشّاعر توبة ــ في الأعمّ الأغلب ــ عند القدماء والمحدثين على أنّه شاعر عذريّ؛ وقد توافق ما وصلنا من أخباره مع ليلى وأهلها، وما جمعوه من قصائده، في هذا الشّأن، مع ما ذهبوا إليه. ولكنّ السّؤال الّذي سيشكّل مدخلًا لهذه القراءة، والّذي يفرض نفسه لزامًا في تناول عذريّة الشّاعر توبة، هو:
ما هو العامل الأساس الّذي اصطنع هذه العذريّة في نصّ توبة الشّعريّ هذا؟؟
تقوم هذه القراءة على مخالفة مذهب كثير من النّقاد المحدثين، الّذين نظروا للنّصّ العذريّ على أنّه إفراز لوضع دينيّ مستحدث؛ فالعامل الاجتماعيّ القيميّ في البادية، في أثناء تكون الشّعر العذريّ، لم يكن وليد السّاعة، ولم يكُ جنين الحداثة، بل إنّه وصل، في امتداده الزّمنيّ، إلى الكهولة، وأنّ الطارئ الوحيد على حياة البادية هو ذلك الدّين الجديد، فهو منبع العفّة والعذريّة دونما منازع.
وهذه القراءة إذ تتّفق مع نظرة هؤلاء النقّاد من وجه، فإنّها ستخالفهم من وجوه أخر؛ فالامتداد الزّمنيّ للقيم البدويّة هو إقرار لتلك النّظرة وهذه القراءة معًا، أمّا فيما يتعلّق بالتّأثير الدّينيّ، فلا علاقة له بتكون الشّعر العذريّ ــ عند توبة ــ البتّة، ولعلّ وِقفة متأنية في نصّ الشّاعر ابن الحميّر هذا ستفصح عن هذه القراءة، وذلك وفق المنطلقات الآتية:
1 ) ـــ علاقة العشق:
ــ يبدو الشّاعر في هذه القصيدة جاهليّ المنبت؛ فلا ملحظ لأيّ منبع إسلاميّ فيها.
ــ تحفل القصيدة بمسلك الجاهليّين في ملاحقة الشّاعر لمعشوقته، ومحاولة التّواصل معها، حتى بعد زواجها من غيره.
ــ ينكر الشّاعر على زوج معشوقته محاولته الانفراد بزوجته، والنّأي بها عن عشيقها، بل إنّه فوق ذلك يَسِمُهُ بالتّيس، ويهدّده.
ــ يقارع الشّاعر قبيلة معشوقته، ويبدي استعداده لحربهم، والنّيل منهم؛ بسبب حرمانهم إيّاه منها.
ــ وبعيد كلّ ذلك، نرى الشّاعر وقد تعفّف عن أيّ شيء حسيّ، وعن أيّ مبغًى جسديّ في علاقته مع معشوقته ليلى.
وعليه، إذا كان الدّين الجديد يتنافى وسلوك ابن الحميّر، ولم يشكل رادعًا مسلكيًّا له تجاه محبوبته وأهلها، فما الّذي حال بشعره عن الحسيّة الصّريحة، وأخذ به مسلك العفة؟؟
2 ) علاقة الغزو:
ــ يبدو الشّاعر في هذه القصيدة محاربًا، يفاخر بذاته، ويتعالى على غيره، ويهدّدهم بالنّيل منهم في أيّ معترك، ولم يظهر في النّص، إضافة لذلك، أيّ بيت يستند إلى العلاقة الدّينيّة، ينافح فيه الشّاعر عنها.
ــ لم تنبع قوة الشّاعر من الفروسيّة النبّيلة في الدّفاع عن حقّ سليب، وإنّما هي البطولة النّاتجة عن علاقة التّنافر بين القبائل، وما أفرزته من غزو وقتل وسلب.
ــ يتعالق هذا النّصّ مع نصوص توبة الّتي قالها قبل عشقه لليلى، وتُظهر قصائد الدّيوان ومقطوعاته أنّ الشّاعر برى حياته للغزو، وهذا دوره قبل أن يحبّ ليلى وبعده، فالعشق لم يؤثّر في شخصيّته وأفعاله.
وعليه، إذا لم تكن فروسية الشّاعر نتاج التّأثر بالدّين الجديد، فما الّذي وجّه شعره درب العفة؟؟
لقد تحدّد الغزل جاهليًّا، وامتدّ أمويًّا متمثلًا بمدرستين: مدرسة الغزل الحسّيّ الصّريح، واعتلى صهوتها امرؤ القيس، وأسلم رايتها لعمر بن أبي ربيعة، ومدرسة الغزل العذريّ العفيف، إذ شكل عنترة منبعها، فيما يعرف بالشّعراء المتيمين، وحاز تاجها، بعده، القيسان وجميل.
لم يكن رابط العفّة في الجاهليّة منوطًا بدين، بل إنّ القيم الجاهليّة، وما نتج عنها من عادات وتقاليد حياتية هي الّتي أبرزت هذا النّمط الشّعريّ، خاصة في تعلّق الشّعراء مع من يعشقون، لا مع من يلهون، فلكل نمط سبيل يباينه عن غيره.
وتوبة بن الحميّر إذ ذاك، فهو يتماثل، قيميّا، مع شعراء الجاهليّة المتيمين، ولا يقترب ــ تأثريًّا ــ في نصّه الشّعريّ مع مقولة التّأثير الدّينيّ المستحدث على الشّعراء العذريّين، فالقيم العربيّة المتوارثة بدويًّا هي الّتي مثّلت منبع وأساس العفّة في شعر البادية في العصر الأمويّ، ولم يكن الدّين أكثر من عامل مساعد ومساند يتوافق مع عمق هذه القيم.
ونتاج ذلك، فلا يعقل أن نصطنع موازنة تقوم على المسبِّب والمسبَّب بين الدّين والعفّة، فالثّاني ــ في نصّ توبة ــ ليس نتيجة للأوّل، ولو كان هناك حضور للأوّل لانتفى وجود الثّاني. ولا يمكن ــ في الوقت ذاته ــ أن نعدّ الدّين سببًا قارًّا في تأثيث الغزل العذريّ العفيف في هذا العصر.
3 ) النّصّ المكتمل والواقع المفكك: تلامس هذه الفرضيّة الواقع السّياسيّ للدّولة الأمويّة، وهو واقع يقوم على التّفكك أكثر من الوحدة؛ وليس بخافٍ دورُ الزبيريّين والعلويّين والشّيعة والخوارج في الجزيرة والعراق، وتتابع المحاولات للانفكاك عن خلافة الأمويّين، وإعلان الخلافة بعيدًا عن مركزها الشّام.
لم تُظهر أخبار توبة بن الحميّر، في الفصل الأوّل، أنّ الشّاعر كان له علاقة بالشّأن السّياسيّ، فهل ستنبئ القراءة السّياسيّة للنصّ عن دور سياسيّ للشّاعر توبة؟؟
ــ القراءة السّياسيّة للنّصّ: حفلت كثير من نصوص المعارضين للحكم الأمويّ في حواضر الحجاز والعراق بالمواجهة المباشرة مع الخلفاء الأمويّين، حتى أنّ جزءًا منهم قد تعرض لزوجاتهم، غير أنّ هذا الأمر لم يكن باديًا عند شعراء الباديّة، الشّأنّ الّذي دفع النقّاد إلى التّسليم بأنّ إهمال الخلافة الأمويّة للباديّة قد ولّد لديهم غرضًا شعريًّا، يكاد يكون وحيدًا، انكفأوا إليه، وشاع وفشا فيهم.
والسّؤال الّذي يفرض نفسه لزامًا: هل يعقل أن يكون نظير الإهمال شعر الغزل والعفّة؟؟ وهل يكتفى شاعر مثل توبة بالتغزّل ووصف مغامرات الغزو والسّلب؟؟
تنطلق هذه القراءة من فرضيّة أنّ الغزل العذريّ العفيف كان تمثيلًا لحالة تعلّق أهل البادية بالخلافة المسلوبة، وأنّ المعشوقات فيها ما هنّ إلا رمز مشفّر للخلافة الّتي طويت بأيدي الأمويّين، وأنّ عودتها، مرة أخرى، هي أمل البدو الحجازيّين.
يقوم النّصّ، وفق هذه القراءة، على ثنائية: ليلى والزّوج الآخر، إذ تمثّل ليلى رمزًا للخلافة السّابقة، خاصة العلويّة منها، ويمثّل الزّوج الآخر تشفيرًا للدّولة الأمويّة. وعليه، فقد جاءت قصيدة توبة لتعبّر، بكمالها، عن هذا الواقع المفكك الّذي تحياه الخلافة في هذا العصر.
وبناءً على هذه القراءة، فإنّ البيت التّاسع في القصيدة سيقرأ بطريقة متباينة عمّا سبق:
وقد تذهبُ الحاجاتُ يطلبُها الفتى شَعاعاً وتخشى النَّفسُ ما لا يضيرُها
إنّ هذا البيت، الّذي يعدّ منبع الحكمة في القصيدة، يعبر عن تلك الثّنائية بجلاء؛ فالحاجات الّتي يطلبها الشّاعر، والّتي تفرقت في كل اتّجاه هي وحدة الأمة تحت مظلّة الخلافة السّليبة، والّذي يضير النّفس هو حالة التّفكك الّتي آلت إليها الأمة، بعد اقتناص الأمويين للخلافة.
وموقف الشّاعر توبة، بناء على ما سبق، جليّ وواضح؛ فهو ينتصر لليلى/ الخلافة السّليبة، وقد آلمه ذهابها، وبكى فراقها، ويتحسّر على أيامها ولياليها، وعلى ما كان ينعم به معها، وفي اتّجاه معاكس في هذه الثّنائيّة، تراه يحتقر من زُوّجت له قهرًا/ الخليفة الأمويّ، ويتوعده، ويتعهد كلّ من سانده في سلبها، وفي النأيّ بها إلى ديار جديدة، ديار الشّام بعيدًا عن موطنها الحجاز.
إنّ الوصول إلى ليلى/ الخلافة ليس سهل المنال، ولكنّ الشّاعر توبة، قد عقد العزم على الوصول إليها، ومحاربة سالبيها، وإعادتها إلى ديارها، حتى لو تطلبه الأمر اللّجوء إلى همدان.
إنّ التّفكك الظّاهر في النّصّ يتلاشى إذما عرفنا مقصد الشّاعر، وفق هذه القراءة، فالشّاعر يعيش حالة سياسيّة عنيفة تجاه مغتصبي الخلافة، وليس هناك من شيء يشغل ذهنه، ويسيطر على تفكيره سواها، فالنّصّ إذ ذاك، يحمل فكرة واحدة ووحيدة؛ إنّها الخلافة، وما حلّ بالشّاعر نتاج خسرانها، وكيف له أن يستعيدها.
فالشّاعر، وفق هذه القراءة، يُعدّ من المناوئين لخلفاء بني أميّة، ومن الدّاعين، والعاملين على استرداد الخلافة منهم، وإعادتها إلى موطنها الحجاز وأهله.
النّتائج:
لقد تتبع هذا البحث الشّاعر الأمويّ؛ توبة بن الحميّر، ديوانه، وأخباره، وقد توصل إلى النّتائج الآتية:
ــ يُعدّ توبة من شعراء الغزل العذريّ في العصر الأمويّ؛ فأشعاره في معشوقته ليلى، وقصصه معها، تتوافق ومضمون العفّة الّتي سار على دربها شعراء هذا الغزل.
ــ تنماز قصة عشق توبة والأخيليّة عن بقية شعراء هذا الغزل بأنّ كلا العاشقين شاعر.
ــ لم يحظّ توبة بشهرة توازي شهرة صاحبته الأخيليّة؛ فقد عُرف هو بها، أكثر مما عُرفت هي به.
ــ لم يشتهر توبة أدبيًّا شهرة أقرانه في العصر الأمويّ، خاصة شعراء الغزل العذريّ جميل والقيسين، ولعلّ ذلك عائد إلى قلّة ما وصلنا من أشعاره وأخباره.
ــ تعود معرفة كثير من تفاصيل شخصيّة توبة إلى ما وصلنا من أخبار معشوقته ليلى وأشعارها.
ــ تنازعت شخصيّة توبة صورتان: صورة العاشق المتيم الفارس، وصورة الفاجر القاتل اللّص.
ــ لم يظهر ديوان الشّاعر توبة أيّ توجه سياسيّ له إبّان الخلافة الأمويّة، فهو ليس أكثر من عاشق، امتهن الغزو والسّلب. وعلى نقيض ذلك، فإنّ محبوبته ليلى قد ناصرت الأمويين، وناهضت من عارضهم، أمثال ابن الزّبير.
ــ كشف الفصل الثّاني للبحث عن إمكانية تناول النّصوص الشعريّة لتوبة وفق أكثر من اتّجاه، وأنّه يمكن تناولها من عدة قراءات، مثل: القراءة النّفسيّة، والقراءة الفكريّة والقيميّة، والقراءة السّياسيّة، وغيرها.
ــ أظهر تعدّد القراءات لنصّ توبة الشّعريّ، وتناولها من عدّة افتراضات، والنّظر إليها من عدّة زوايا، أنّ النّصّ تتعدّد احتمالاته؛ فقد يكون مفكّكًا، وألحق به شعر إمّا للشّاعر نفسه من قصيدة أخرى، أو أنّه ألصق به شعر لغير شاعر. وفي إطار آخر قد يكون نصًّا مكتملًا، ولكنّ تشظّي نفسيّة الشّاعر، بعد فراق ليلى، قد أوهمت بهذا التّفكك.
ــ أظهرت القراءة الدّينيّة والقيميّة أنّ العفّة في شعر توبة لم تكن منوطة بالدّين بقدر ارتباطها بالموروث القيميّ في بادية الحجاز.
ــ كشفت القراءة السّياسيّة لنص توبة عن إمكانية كون الشّاعر يمتثل للجهات الّتي عارضت الأمويّين، إذ عدّتهم مغتصبين للخلافة، وقد وظّف الشّاعر في هذا الشّأن أسلوب الترّميز والتّشفير، نأيًا بنفسه عن ملاحقة الخلفاء وأعوانهم له.
ــ كشف هذا البحث أخيرًا عن عدم الرّضوخ لكلّ ما وصل إلينا عبر مظان الأدب، والابتعاد عن اتّخاذه مُسَلَّمات لا يمكن المساس بها، بل إنّ قراءة واعية للنّصّ يمكن أنّ تنسف ما تناقلته الكتب عبر العصور.
ــ وفي نهاية المطاف، فتوبة كغيره من الشّعراء، ونصّه كغيره من النّصوص الشّعريّة الّتي لا يمكن أن يقدّم أيّ باحث فيهما قراءة يمكن الاطمئنان إليها، وأن يعدّها الباحثون قراءة نهائيّة في حياة الشّاعر وشعره.
قائمة المصادر:
ــ الأخيليّة، ليلى: ديوان ليلى الأخيليّة، تحقيق: خليل إبراهيم العطية، وآخر، مط. الجمهوريّة، بغداد، 1977م.
ــ الأصبهاني، أبو الفرج علي بن الحسين: الأغاني، دار الكتب المصرية، القاهرة.
ــ الأنطاكيّ، داود بن عمر: تزيين الأسواق في أخبار العشّاق، عالم الكتب، بيروت، 1993م.
ــ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن: ذمُّ الهوى، تحقيق: خالد عبد اللطيف السّبع العلميّ، دار الكتاب العربي، ط1، 1998م.
ــ ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي: جمهرة أنساب العرب، تحقيق: لجنة من العلماء، ط1، 1983م
ــ ابن الحميّر، توبة: ديوان توبة، تحقيق: خليل إبراهيم العطية، دار صادر، بيروت، ط1، 1998م.
ــ ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن الأزديّ: الاشتقاق، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجبل، لبنان، ط1، 1991م.
ــ ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: الشعر والشعراء، دار الثقافة، بيروت.
ــ المبرّد، أبو العباس محمد بن يزيد: الكامل في اللغة والأدب، تحقيق: زكي مبارك، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، 1936م.
ــ ابن الملوّح، قيس: ديوان قيس ابن الملوَح، دراسة وتعليق: يسري عبد الغني، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1999م.
قائمة المراجع:
ــ السيّد، فؤاد صالح: معجم ألقاب السياسيين، مكتبة حسن العصريّة، بيروت، 2011م.
ــ كحالة، عمر بن رضا بن محمد: معجم قبائل العرب، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994م.
[1] ـ ينظر: الشعر والشعراء: ج1/ 356، وأمالي الزجاجي: 77، والموشى: 54، وفوات الوفيات: ج2/ 182، وذم الهوى: 427.
[2] ـ يشار في هذا الصّدد أنّ خليل إبراهيم العطيّة قام بتحقيق الدّيوانين: ديوان توبة بن الحميّر، وديوان ليلى الأخيليّة.
[3] ـ ينظر في ذلك الاختلاف: اللّباب لابن الأثير، ج1/ 28. الأغاني للأصبهانيّ: ج11/ 164، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم: ص291. واللآلئ للبكريّ: ج1/ 120. وتزيين الأسواق للآمديّ، ص96. والحدائق الغنّاء للمالقيّ، ص159. وشرح شواهد المغني للسّيوطي، ص70.
[4] ـ ابن كثير: البداية والنهّاية، ج8/ 347.
[5] ـ ينظر: كحالة الدمشقيّ، عمر بن رضا بن محمد: معجم قبائل العرب، ج1، ص351.
[6] ـ ينظر: ديوان ليلى الأخيليّة، ص17. والأخيل هذا فارس الهرّار، والهرّار حصان أعوج، كان قد ركبه في الجاهليّة، وهو يومئذ غلام لمقاتلة زهير بن جذيمة العبسيّ “.
[7] ـ ابن دريد: الاشتقاق، ص299. وابن حزم: جمهرة أنساب العرب، ص291.
[8] ـ الأنطاكيّ، داود: تزيين الأسواق، ص96.
[9] ـ الحصريّ: زهر الآداب، ص932.
[10] ـ ديوان الأخيليّة: ص77.
[11] ـ أمالي القاليّ: ج1/ 89.
[12] ـ ديوان توبة: ص11.
[13] ـ الأنطاكيّ، داود: تزيين الأسواق، ص264.
[14] ـ ديوان الأخيليّة ص97.
[15] ـ ابن قتيبة: الشّعر والشّعراء، ج1/ 356. ومعنى خربًا: لصًّا وسارقًا.
[16] ـ ديوان الأخيليّة ص81.
[17] ـ ديوان توبة، ص12.
[18] ـ الأغاني: ج11/ 207.
[19] ـ زهر الآداب، ص934.
[20] ـ على أنّ في ديوان الأخيليّة ـ ص95 ـ ما يفصح عن زواجه من أخرى، رغم استمرار اتّصاله بليلى:
وذي حاجة قلنا له: لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أنْ نخونه وأنــت لأخــرى فــارغ وحـليــل
[21] ـ على الرّغم من كثرة تشبيبه بليلى إلّا أنّه خرج عن هذا التّشبيب إلى غيرها:
أمخترمي ريب المنون ولم أزر عذارى من همدان بيضًا نحورُها
ينؤنَ بأعجـازٍ ثقــالٍ وأســوقٍ خَـدالٍ، وأقــدامٍ لطــافٍ خصـــورُهــا
غير أنّ هذا التّشبيب يبقى تشبيبًا عامًّا، ولم يصب به فتاة بعينها، ورغم ما به من غزل حسّيّ، إلّا أنّه يبقى ضمن دائرة وصف مواطن جمال المرأة، دون الولوج في علاقة حسّيّة على غرار أصحاب الغزل الصّريح.
[22] ـ وهو رجل مجهول الاسم والسيرة، وقد تزوجت ليلى زوجًا آخر بعده، وبعد موت توبة، وهو سوّار بن أوفى القشيري، كما ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج19/ 282.
[23] ـ يقول توبة في هذا الشأن:
لعلك يا تيسًا نزا في مريرة معاقب ليلى أن تراني أزورها
[24] ـ الأغاني، ج11/ 204 ـ 206.
[25] ـ ديوان توبة، ص33.
[26] ـ ديوان توبة: ص39.
[27] ـ ديوان توبة: ص51.
[28] ـ ديوان ليلى: ص30.
[29] ـ ديوان قيس ابن الملوَح، ص73.
[30] ـ الأغاني: ج11/ 159.
[31] ـ ينظر الأغاني، ج11/ 172.
[32] ـ يذكر أنّ حماد الراّوية ( ت 155 هـ ) قد روى هذه القصّة، مروج الذّهب، ج3/ 149.
[33] ـ يبدو التّناقض جليًّا فيما أوردته كتب التّراث الأدبيّ، ففي حين تنتفي معرفتها بقبر توبة عند ابن دريد في القصة أعلاه، ويتبعه ابن عساكر في تاريخه، فإنّ ياقوت الحمويّ: معجم البلدان، ص742، قد أشار إلى أنّ ليلى قد زارت قبر توبة، وعقرت عليه ناقة زوجها، حيث قالت في قصيدة لها:
عقرت على أنصاب توبة مقرما بهيدة، إذ لم تختفره أقاربه.
فكيف لها أن تزوره، وتعقر عليه، بعد موتها، بدليل نكرانها معرفة القبر.
ويذهب صاحب الأغاني مذهبًا مغايرًا في بداية القصّة، ويجعلها هي الّتي تصرّ على الوقوف على القبر والتّسليم على توبة، الأمر الّذي يتوافق مع قصة الزّيارة الواردة في بيت الشّعر. ولكنّ الّذي يخلخل مضمون روايته أن جعلها هي من تقول، فوق قبره، بيتي الشّعر، ثم تنتظر ردّ السّلام، وتقول: ما ظننته كذب عليّ قطّ، ثم بعد كلّ هذه المسافة الزّمنيّة، تفزع البومة، وتضرب جملها، فتسقط ميتة.
وعليه، فإنّ الأعم الأغلب في هذه القصّة أنّها حكاية الرّواة، ومحبوك سمّار الأدب الشّعبيّ، فهي علاوة على كلّ ذلك تضارع قصة لبنى قيس؛ إذ إنّها بعد مماتها ــ ولشدّة تعلّقها به ــ دفنت بجانبه.
[34] ـ ذم الهوى، ص 390.
[35] ـ الأغاني، ج11/ 144.
[36] ـ تعدّ الخنساء وليلى الأخيليّة من أشهر شواعر العرب، خاصة في غرض الرّثاء، وقد ذهب الأقدمون في المفاضلة بينهما مذاهب شتى:
فالأصمعيّ: فحولة الشّعراء، ص37، قد قدّمها على الخنساء. وابن قتيبة: الشّعر والشّعراء، ج1/ 359، ذهب إلى تقديم الخنساء عليها، في حين أنّ المبرد: الكامل، ص1213، ذهب إلى اعتبار كلّ منهما ذات مذهب شعريّ مباين، وأنّ المفاضلة بينهما أمر صعب.
ومن رثائها لتوبة (ديوان الأخيليّة: ص64):
أقسمت أبكي بعد توبة هالكًا وأحفل من دارت عليه الدوائرُ
فآليتُ لا أنفك أبكيك ما دعت على فننٍ ورقاءُ، أو طار طائر
قتيلُ بني عوف فيا لهفتا له ومــا كنتُ إيـاهم عليــه أحــاذرُ
ولكنّمــا أخشــى عليــه قبيلــة لهـا بدروب الروم بادٍ وحاضـرُ
وتقول فيه (ديوان الأخيليّة: ص97):
أغرَّ خفاجيًّا يرى البخلَ سُبّـةً تحلّـبُ كفــاه النــّدى وأنــاملــه
[37] ـ حيث تقول في هجاء النّابغة، ص27 من ديوانها:
أنابغ لم تنبغ ولــــــــم تـــــــك أوّلًا وكنت صُنيّا بين صُدين مجهلا
أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجـــــد للؤمك إلا وســـــط جعدة مجعـــــلا
أعَيَّرْتَني داء بأمــــــــــك مثلــــه وأيّ جـــواد لا يقـــال لــــــه هـــــلا
وكان النّابغة قد أقذع في هجائها، فغلبته؛ وعدّ من الشّعراء الُمغلَّبين.
[38] ـ وهي تقول مفتخرة بقومها (ديوان الأخيليّة: ص69):
نحن الأخايل ما يزال غلامنا حتّى يدبَّ على العصا مذكورا
تبكي الرّماح إذا فقدن أكفّنا جزعـــــا وتعرفنا الرّفاق بحــــورا
وتقول مفتخرة (ديوان الأخيليّة: ص101):
وما كان مجدٌ في أناسٍ علمتهُ من الناس إلا مجدُنا كان أولا
[39] ـ فهي تقول في مدح معاوية، وقد أصاب أرض قومها الجدب (ديوان الأخيليّة: ص51):
وكنت المرتجى وبك استغاثت لتنعشها، إذا بخل السّحاب
وتقول في مدح الحجّاج (ديوان الأخيليّة: ص63):=
حجّـــــاجُ أنـــــت الذي ما فوقــــــه أحد إلا الخليفـةُ والمستغفَـرُ الصّمـدُ
حجّاجُ أنت سنان الحرب إن نهجت وأنت للناس في الداجي لنا تَقِدُ
[40] ـ فقد ورد في الأغاني، 8/ 259 أنّ حميد بن ثور الهلاليّ، والعجير السّلوليّ، ومزاحم العقيليّ، وأوس بن غلفاء الهجيميّ قد تحاكموا إلى ليلى في وصف قطاة، أيّهم أحسن وصفًا. فحكمت للعجير السّلوليّ؛ وأنشدت:
ألا كلّ ما قال الرواة وأنشدوا بها غير ما قال السّلوليّ بهرج
[41] ـ ابن دريد، أبو بكر محمد بن الحسن الأزديّ ( ت 321 هـ ): الاشتقاق، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجبل، لبنان، ط1، 1991م، ص299.
[42] ـ فهي تقول في رثائه (ديوان الأخيليّة: ص92):
أَبَعْدَ عُثْمانَ تَرْجُو الخَيْرَ أُمَّتُهُ وكان آمن من يمشي على ساقِ
خَليفَة ُ اللِه أعْطاهُم وخَوَّلَهُــم ما كــانَ مــن ذَهَــب جَــمّ وَأورَاقِ
[43] ـ ديوان الاخيلية ص 19.
[44] ـ ابن واصل: تجريد الأغاني، ص1286.
[45] ـ ديوان الأخيليّة: ص120، 121.
[46] ـ ديوان الأخيليّة: ص108 ـ 110.
[47] ـ حيث قالت ( الدّيوان، ص52 ):
أريقت جفان ابن الخليع فأصبحت حياض النّدى زالـت بهنّ المراتــب
فعفاته لهفى يطوفون حوله كما انقضّ عرش البئر والورد عاصب
[48] ـ ديوان الأخيليّة: ص112.
[49] ـ جاء في كتاب: السيّد، فؤاد صالح: معجم ألقاب السّياسيّين، مكتبة حسن العصريّة، بيروت، 2011م، ص270 أنّ عبد الملك بن مروان ” لقّب بـ ” أبو الذّبان “، وقد اختُلف في سبب ذلك على وجهين: أولهما: لقب بذلك؛ لأنّ الذّبان إذا مرّ بفمه يتساقط ويموت من شدة بخره، أي رائحة فمه الكريهة المنتنة. ثانيهما: لقب بذلك؛ لأنّه كان أفوه مفتوح الفم، فربما غفل، فيفتح فمه، فيدخل فيه الذّباب “.
[50] ـ الأغاني، ج11/ 164، ديوان الأخيليّة، ص113.
[51] ـ الأغاني: ج11/ 164.
[52] ـ تأتي الأخيليّة في القصيدة على بيتين:
أقلت خليفة فسواه أحجى بإمـــرتـــــــــه وأولــــــى باللّئــام
لئام الملك حين تعدّ كعب ذوو الأخطار والخطط الجسام
وأسلوب إعادة الكلمة الأخيرة في البيت في صدر البيت الّذي يليه، كما ظهر في قصيدة مدح الحجاج ــ آنفة الذّكر ــ هو أسلوب كثير الاتباع في قصائد ليلى الأخيليّة، مما يرجح أنّ هذه القصيدة تنسب ــ حقيقة ــ لها، ويبقى الاختلاف في المكان الّذي قالتها فيه.
[53] ـ ديوان توبة: ص31.