جرائم القتل مجهولة الجاني في الإيالة التونسية خلال النصف الثاني من القرن 19
Unidentified murders in the Tunisian province during the second half of the 19th century
د. محمد البشير رازقي/كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس
Dr. Mohamed Bechir Rezgui/ Faculty of Humanities and Social Sciences in Tunis
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 89 الصفحة 31.
ملخّص:طرحنا إشكاليّة أساسيّة في مقالنا الذي بعنوان جرائم القتل مجهولة الجاني في الإيالة التونسية خلال النصف الثاني من القرن 19: كيف مثّلت جرائم القتل مجهولة الجاني محور رهانات اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة عديدة في البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن 19؟
وظّف الفاعلون الاجتماعيّون جرائم القتل مجهولة المصدر لإنفاذ مصالح كثيرة ولم تكن فقط مجرّد نوازل قتل. اعتمد القناصل الأوروبيون هذه الجرائم لترسيخ نفوذهم في البلاد ومحاولة إقصاء كلّ من يهدّد مصالحهم، حاول من ناحيته المجتمع المحلّي حماية أبناءه ودفع كلّ تهمة تهدّدهم ولو بالتواطؤ وبعدم الشهادة سعت من ناحيتها السلطة التونسية إلى مسك العصا من الوسط حيث تخضع أحيانا للنفوذ القنصلي وتميل أحيانا إلى أعوانها
الكلمات المفتاحيّة: البلاد التونسيّة، النصف الثاني من القرن 19، جرائم قتل، فاعل اجتماعي، مصالح.
Abstract :
We raised a basic problem in our article titled Unknown Murders in the Tunisian Province during the Second Half of the 19th Century: How did the unknown murders represent the focus of many social, political and economic issues in the Tunisian countries during the second half of the 19th century?
Social actors employed anonymous murders to enforce many interests, and they were not just mere killing spree. European consuls relied on these crimes to consolidate their influence in the country and try to exclude anyone who threatens their interests. On his part, the local community tried to protect its children and to pay every accusation that threatens them, even if they are complicit and not testify. For its part, the Tunisian authority sought to hold the baton from the center, as it is sometimes subject to consular influence and sometimes tends to its agents.
Keywords: Tunisian countries, second half of the 19th century, murders, social actor, interests.
مقدّمة :
تمثّل جرائم القتل نماذج تفسيريّة مهمّة لفهم المجتمعات وطبيعة الرهانات الاجتماعيّة وشبكات المصالح والنّفوذ[1]، باعتمادنا على التقارير الأمنيّة المحفوظة بالأرشيف الوطني التونسي وعلى وثائق غير منشورة سعينا إلى دراسة تفصيل مهمّ في تاريخ الجريمة لم يتمّ دراسته بالشكل الكافي وهو “جرائم القتل مجهولة الجاني” في البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن 19، وطرحنا إشكاليّة أساسيّة على المدوّنة المصدريّة: كيف مثّلت جرائم القتل مجهولة الجاني محور رهانات اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة عديدة في البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن 19؟
جريمة قتل طفل في مدينة باجة (1876)
وقعت جرائم قتل عديدة مجهولة الجاني في البلاد التونسية خلال القرن 19، مثلا تعرّض اليهودي مخلوف سرفاتي المحمي من القنصليّة الفرنسية إلى القتل سنة 1854 قرب مدينة نابل[2]، لاحظ أهله غيابه وفشلوا فيه العثور عليه إلى حدود شهر جوان 1854 حيث عُثر على رفاته عظامه[3]، وقد قُبض على رجال اتّهموا بقتله ثمّ أُفرج عنهم لغياب الأدلّة[4]، وقد تعرّض العامل بالتلغراف الشاوش عبد الله ومعه حسين بن ميلي (جزائري) إلى القتل في شهر ديسمبر 1860 وهم تحت الحماية القنصليّة الفرنسيّة قرب الحدود الجزائريّة[5]، ولم يتمّ العثور على القتلة، وكان الهاجس الأساسي لقنصل فرنسا (ليون روش) هو إنزال العقوبة عليّ أيّ كان لردع كل من يفكّر مستقبلا في الإضرار بالمصالح الفرنسيّة لا من أجل إرساء العدالة، ولهذا حاول القنصل إلصاق التهمة برجل “درويش”، وقد حقّقت معه السلطة التونسيّة ثم أطلقت سراحه لعدم توفّر الأدلّة اللازمة للحكم عليه وسجنه، لهذا اتّهم قنصل فرنسا السلطات التونسية بالتراخي في النازلة مع عدم إخفاءه للهدف الأساسي وهو العقوبة لا إيجاد الفاعل الحقيقي حيث ورد في رسالة من قنصل فرنسا إلى السلطات التونسية بتاريخ 18 جانفي 1861 “طلبي منكم أوامر شديدة لكي بموجبهم الأشخاص الذين وقع منهم قتل مسيو بانكاي والفقير حسن بن ميلي تقع عقوبتهم بغاية الشدّة والصرامة…غاية رجائي عندكم بصدور أمركم بإحضار عبد الله الشاوش لكي تقع عليه العقوبة التي بغاية الاستحقاق لها، وغاية الصواب العقوبة التي على مقتضى أملي ينتج منه وقوع هذا الأمر مرة أخرى الأمر الذي هو عدم الاطمئنان على حياة الأشخاص، ثم إني أغتنم هذه الفرصة بأن أفكّر سيادتكم وألقي نظركم على عدم الموافقات التي وقعت بخطّ التلغراف منذ زيادة عن أربع أيام وهو تفسيد خيط التلغراف جملة أمرار من وقت تركيبه ولربّما جميع الأمرار وقع تفسيده بأرض تبرسق…أطلب بلجاجة شرعيّة أوامر وعقوبات قاسية بشأن النوازل المتقدّم ذكرهم”[6].
وقعت حادثة قتل شنيعة في حقّ طفل صغير قرب مدينة باجة في شهر جويلية 1876، ولم يُعرف بالتحديد الفاعل لذلك رغم اتّهام أهل الصبيّ لأهل العساكر العاملين بالجهة اسمه الطّاهر العبّاسي، وُجد الصبيّ صالح بن شلال (12 سنة) تحت الحماية القنصليّة الفرنسيّة، وورد في أحد الوثائق طريقة موت الصبيّ: “وقع ربط الهالك من عنقه ببغلة بواسطة حبل من شعر وسيقت البغلة فجرّته قدر الخمسة أميال وهي تجرّ الهالك، وبعد ذلك تعرّض لها أنفار وأوقفوها”، وقد برّر أهل الصبيّ اتّهامهم للعسكري بكونه “هو وحده عدوّهم ولا يعرفون عدوّا آخر لهم دونه”، بدون تقديم دليل ملموس[7].
سعى القاتل المجهول إلى توظيف حيلة في عمليّة القتل تساعده على طمح معالم الجريمة، أوّلا عبر نقل الجثّة من مسرح الجريمة الحقيقي، ثانيا محاولة إخفاء زمن ارتكاب الجريمة، وثالثا من خلال التشوّه الذي سوف تتعرّض له الجثّة من خلال جرّها على الأرض بواسطة الدابّة ممّا يساهم في إخفاء طريقة القتل والأداء، سعى المجرم إذا إلى إخفاء هويّته قدر الإمكان، ولهذا ورد في أحد وثائق الجريمة وصفا للتشوّه الكبير الذي تعرّضت له جثّة الصبيّ فقد شاهد عدد من الرجال “البغلة فارّة وهي تجري في شيء خلفها وفي أثرها فرسان، ففزع أهل النزل وأوثقوها فوجدوا صبيّا ملتوي عليه حبل مربوط في عنق البغلة وهو ميّت”، وبعد أن علمت الدولة بالحادث أرسلت طبيبا وعدولا وعدد من أعوانها ومترجم عن القنصليّة الفرنسيّة و”عاينوا الصبيّ يسمّى صالح بن محمد بن شعلان الزواوي…رأسه مكسّرا”، وقد تساءل أعوان الدولة هنا عن سبب الأضرار التي تعرّض لها رأس الصبيّ: هل بسبب جرّه على الأرض واحتكاكه بالصخور أو بسبب آلة مستخدمة في القتل[8]؟ وتُثبت وثيقة معاينة الجثّة صعوبة التعرّف على السبب الأساسي للموت، قبل معاينة الطبيب الأوروبي للجثّة التي سوف تحصل في مدينة تونس لا في مكان وجود الجثّة، حيث “وُجد القتيل المذكور مربوطا في عنقه ببغلة وبحبل من شعر وكان الحبل ملوي على عنق القتيل بثلاث دورات على شكل عقدة…وطرف الحبل الثاني كان مارّا وراء الركبة اليسرى ومربوطا برأس البغلة[9].
قام أعوان الدولة، صحبة ممثّل عن القنصليّة الفرنسيّة، بتتبّع جرّة تدحرج الجثّة على الأرض فوجدوا “أثر جثّة مجرورة والحجارة منقلبة وتهشيم في حشيش الأراضي المزروعة لكنه لم يعثر على أدنى نقطة دمّ، ثم وقع تتبّع الجرّة إلى نحو خمسين ميترو على بعد من دوّار الطاهر العبّاسي، وطول المسافة المستوعبة قدرها ثلاثة كيلومترات تقريبا، وهناك وُجد بن شعلان وأخوه جثة القتيل، ومن هناك انفصلت الجرّة، وبالمكان المذكور الأرض واطية وعلى شكل سانية، بحيث أنه إذا مرّ أحد راكبا من المكان المذكور لا يُرى إلاّ من دوّار الطاهر العبّاسي والترجمان نبّه العدول على هذا الأمر وطلب منهم أن يقرّروها بشهادتهم، ولكن الشاوش امتنع من ذلك وحينئذ عمد الشاوش المذكور مع الطاهر العباسي المذكور إلى كتب شهادة كاذبة بواسطة ألزام العربان بأن يشهدوا بما لا علم لهم به، وسجّل الترجمان على ذلك وبن شعلان وأخوه تشكّوا من سيرة الشاوش المذكور، فتهدّدهم الشاوش وأرادوا هم أن ينتقموا منه بسعي من الترجمان فسعى الترجمان بتهدئتهم، وحيث أن الشاوش امتنع من تبديل سيرته المذكورة رجع الترجمان لباجة وأعلمني بالواقع، فتشكّيت من ذلك للخليفة حالا لكن أعوان الخليفة اتّفقوا مع الشاوش المذكور وأنكروا ذلك بمحضر الترجمان فاكتفى الخليفة بأن يظهر شيئا خفيفا من اللوم مع الشاوش”[10]، نلاحظ من خلال هذه الوثيقة المهمّة وعي القنصلية الفرنسيّة بإمكانية انحياز الدولة التونسيّة لصالح عونها المتّهم الوحيد رغم الجهد المبذول لإثبات خروج الدابّة من أرضه، ولهذا أحسّ أهل الضحيّة بانحياز أعوان الدولة بالمكان لصالح المتّهم (الشاوش) فقرّروا حمل الجثّة والتوجّه إلى مدينة تونس[11]، وُضعت جثّة الصبيّ بمارستان مدينة تونس وتكفّلت القنصليّة الفرنسيّة بالدفاع على حقّ الضحيّة وتأكيد تشبّث العائلة باتّهام العسكري الطاهر العبّاسي[12].
ضغطت القنصليّة الفرنسية من أجل إعادة التحقيق وبالتالي إعادة معاينة الجثّة، حرّر طبيب انجليزي تقريره متضمّنا أنّ “سبب موته خنق وأن به تكسيرا بقباء رأسه”[13]، ووردت معلومات أخرى عن المعاينة الفرنسيّة لجثّة الصبيّ في رسالة من قنصل فرنسا إلى الوزير الأكبر خير الدين بتاريخ 17 جويلية 1876 تفيد أنّ “قرعة القتيل (أعلى الرّأس) ودماغه ذاهبان بالمرّة وأن جلدة الرأس مقصوصة بكيفية معتدلة حتى أنه يصعب الظنّ بإمكان وقوع ذلك القصّان على الكيفية المذكورة من الضربات التي لحقت رأس القتيل من جرّان البغلة له على حجارة الطريق، ويستدلّ بهذا أن ذلك القصّان إنما وقع بآلة حادّة”[14]، وقد أكّد الطبيب الإنجليزي أن السبب الأساسي لإزالة الجلدة العليا من رأس الطفل هو ضربة ب”دبّوس” (عصا غليظة) لا بسبب تدحرج الجثّة على الأرض[15].
تحقّقت هنا غاية القنصلية الفرنسيّة حيث أثبتت علميّا أن الطفل تعرّض للقتل ولم يكن موته مجرّد حادث، ولهذا تحوّل ملف الشاوش المتّهم مباشرة إلى الوزارة الكبرى مباشرة بعد تحرير هذا التقرير[16]، كما قدّمت عائلة الضحيّة شهادة أخرى ضدّ العسكري تفيد بمشاهدة جبّة الطفل بأرض العسكري، ومباشرة بعد ذلك شاهدوا الدابّة خارجة من أرض العسكري “تجري والميّت المذكور مربوطا عليها”[17]، لم تكن هذه الحجّة ولا التقرير الطبّي حول طريقة القتل بالأدلّة الكافية لاتّهام العسكري، ولكن اضطرّت السلطة التونسية باحتجاز المتّهم ببساطة لأنّه المتّهم الوحيد في هذه النازلة.
عكس المتّهم الوحيد الشاوش الطاهر العباسي الهجوم محاولا تقديم أدلّة براءته وخاصّة إثبات كره عائلة الضحيّة له منذ زمن طويل، حيث حرّر رسالة إلى الوزير الأكبر ذاكرا فيها أنّه “منذ مدّة كانت جماعة من من زواوه من هنشير الحنايا بوطن باجة اختلسوا بيت من وطن الغرب، فعند ذلك كلّفني عامل المكان بالبحث عن حقيقة حالهم وشرحها بما يعين الحضرة العليّة سبب اختلاسهم وما اختلسوه، ففعلت ما ذكر”، ورفع أمرهم للوزارة الكبرى “وحكمت عليهم بما يجب، وفي هذه المدّة تحزّبوا عنّي (ضدّي) وعملوا عملا بينهما…وكتبوا سجلّة عليّ في الولد مات قتيلا بصكّ البغلة، والمرغوب من جنابكم النظر في أمرنا لي مواشي وبقوا أشتاتا وليس لي من يصلح شأنهم وأهل وعيال”[18]، حاول الشاوش أن يثبت هنا أن السبب الأساسي باتّهامه بقتل الطفل هو تطبيقه للقانون ضدّ عائلة الطفل وعرشه قبل فترة طويلة من نازلة الموت، كما تقدّم شاهد واحد بشهادة يتيمة تنقض وتفنّد كلّ اتّهامات عائلة الصبيّ والقنصليّة الفرنسيّة حيث ذكر أنّه شاهد مرور الصبيّ لحظة ركوبه البغلة، كما عاين سقوطه منها على “الأرض وصارت تصكّ فيه على رأسه برجليها واثقا مقودها بيده فدخلت رأس المقودة برقبته ووسطها بفخذه وهي تجرّه[19]، قلبت هذه الشهادة كلّ موازين النازلة حيث تحوّلت النازلة من القتل إلى الحادث، ولهذا أعطت السلطة التونسية مهلة “شرعيّة” لعائلة الصبيّ للإتيان بأدلّة كافية يمكن من خلالها إدانة الشاوش الطاهر العبّاسي، بل انقلبت النازلة حيث اشتكى الشاوش نفسه بعائلة الصبيّ بسبب عجزهم عن توفير الأدلّة المطلوبة[20].
تمدّنا أطوار هذه النازلة بتفاصيل مهمّة، تميّز المجتمع التونسي برهانات عديدة قُبيل الاستعمار الفرنسي (1881)، فقد تميّزت علاقة السكان المحليين بالمحميين قنصليّا بالتوتّر بسبب ما يتمتّع به المحمي من امتيازات مادية ومعنوية وقانونيّة[21]، وليس من الغريب خلال الفترة قيد الدرس وقوع حوادث القتل تجاه المحميين قنصليّا أو تجاه الأجانب[22]، مثّل من ناحية أخرى عمل باجة، بسبب موقعه الجغرافي المهمّ وثرواته الفلاحيّة والحيوانية والديمغرافيّة، مصر رعان كبير بين الأجانب والفاعلين الاجتماعيين المحليين في زمن أزمة وسعي لاكتساب شبكات القوّة والنفوذ، ولهذا مثّلت العمل مكانا أساسيّا للتوتّرات الاجتماعيّة[23]، كما تبيّن لنا سعي كلّ فاعل اجتماعي متنفّذ إلى استغلال طبيعة الجريمة مجهولة المصدر لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، حيث سعت السلطة إلى حماية عونها في زمن بدأ أعوان الدولة التونسية أنفسهم يستشعرون بوضوح تمدّد النفوذ الأوروبي وتركّزه في كامل البلاد وبالتالي إمكانيّة فقدانهم الثقة في السلطة التونسيّة وهذا ما يهدّد بالضرورة استمرار نظام الحكم نفسه، في فترة كثر فيها تداول أخبار عن إمكانية احتلال البلاد التونسيّة من قبل فرنسا[24]، بالمقابل سعت القنصلية الفرنسيّة إلى استغلال هذه الجريمة إلى البحث عن كبش فداء حتّى في غياب أدلّة متينة لترسيخ هيبتها ونفوذها في البلاد التونسيّة أوّلا سواء في عين السلطة التونسية أو تجاه منافسيها على بسط النفوذ في البلاد التونسية وخاصة إنجلترا إيطاليا، وثانيا لترسيخ ثقة الفرنسيين والمحميين من القنصليّة الفرنسيّة تجاه الدولة الفرنسيّة ممّا يشجّع الفرنسيين أوّلا على قدوم إلى البلاد التونسيّة سعيا لمنافسة التواجد الإيطالي والمالطي الكثيف[25]، أو لتشجيع السكان التونسيين للانضمام للحماية القنصليّة.
قتل فرنسي سنة 1877
تعرّض رجل فرنسي إلى القتل في شهر أوت 1877 قرب مدينة سليمان[26]، لم يحدّد قنصل فرنسا في رسالة له إلى الوزير الأكبر بتاريخ 15 أوت 1877 القاتل الحقيقي قائلا أنّه “من المضنون أنهم من أهل الدوائر القريبة من محلّ الواقعة”، تعرّض الضحيّة لعدّة جروح قاتلة، حيث توجّه لمدينة تونس لشراء مؤونة عائلته[27]، وقد عبّر القنصل عن قلقه بسبب كثرة الاعتداء على الأوروبيين والمحميين قنصليّا خاصّة وأنّ “جنايات كثيرة من هذا النوع وقعت في هذه الأيّام الأخيرة بالمكان المذكور، وكذلك وُجد نفر تونسي قتيل بقرب منّوبة، ولا يتيسّر لي أن أخفي على جنابكم مقدار التحيير الشديد الواقع في قلوب الأوروبيين الساكنين بهذه البلاد من كثرة تواتر هذه الجنايات في هذه المدة بعد وجود العافية الكاملة والأمن التام مدّة عشرة سنين فارطة[28]، كما عبّر القنصل عن خوفه من عدم قيام الدولة بالتحقيق في هذه النازلة أو من تخاذلها فعلى الدولة ألاّ “تترك الجناة المذكورين مطلقين العنان من غير إجراء الحكم فيهم”[29].
كُلّف طبيب فرنسيّ بمعاينة الجثّة و”أدّى الطبيب اليمين اللازم على أنه يصدق فيما يقرره” وقد حُرّر في التقرير أنّ الضحيّة هو “السنيور ألكسانرو لورس الفرنساوي الفلاّح صناعة الذي كان عابر طريق من المكان المذكور” ووُجد على جسده “خمس جراحات فيه واقعة بآلة حديدية مذبّبة…بجهة المعدة…وهو من الأجراح القتّالة…بين الأضلاع بالجهة اليسرى من الصدر وقد ثقب الرئة”[30]، كما عيّن القنصل في آخر الرسالة قتلة محتملين يمكن الالتجاء إليهم في صورة عدم إيجاد الجناة الحقيقيّين وهم “العربان” الذين كثيرا ما يتردّدون على المقطع “وخصوصا بالليل”[31]، لاحظنا في نوازل أخرى في هذا المقال، إلى جانب هذه النازلة، استراتيجية مهمّة اعتمدتها القنصلية الفرنسيّة في خصوص نوزال القتل مجهولة الجاني: في غياب أدلّة واضحة تجاه جناة معيّنين من المهمّ أن يتحمّل متّهم معيّن وزر النازلة: المهمّ المحافظة على هيبة ومكانة الدولة الفرنسيّة وأعوانها ومصالحها، في الإيالة التونسية.
ارتكز القنصل الفرنسي على حوادث ومعارك سبقت حادث قتل الفرنسي للبحث على متّهمين محتملين، حيث أورد في تقرير له بتاريخ 17 أوت 1877 أنّه من المهمّ التحقيق مع الرجل أحمد مقنين ابن أحد الوكلاء وهو من النافذين اجتماعيّا وبعض “أنفار عرب” بسبب هجومهم سابقا على المقطع وعلى الأوروبيين العاملين بالمقطع، كما دعا إلى سجن رجلان تشاجرا مع بعض المقتول حيث دخلت دابّة الضحيّة إلى أرضهم، كما شهد عامل أوروبي بالمقطع أنّ “المسلمون أهل الجهة مبغضون لنا، ومنذ شهرين فارطين أتانا للمقطع أنفار ومعهم ابن الوكيل أحمد مقنين وأمرونا بالكفّ عن الخدمة وتهدّدونا…وكثيرا ما كان يقع التهدّد علينا قبل ذلك”[32].
تقدّم لنا هذه الشهادة معطيات مهمّة حيث تتوفّر في هذه النازلة قادح أساسي لنشأة الأزمة وهي استحواذ الأوروبيين على مقطع مجاور لأراضي السكّان المحليّين، يساهم هذا التجاور في تصادم نظم اقتصاديّة وانتاجيّة مختلفة: نظام فلاحي يعتمد على الأرض والماشية والمحاصيل الفلاحيّة، ويقابله نظام اقتصادي يعتمد على استخراج الثروات الطبيعيّة (المقطع)[33]، وهذا ما يساهم في بروز توجّس من السكّان المحليين من إمكانية افتكاك أرضهم أو توسّع المقطع، هذا إلى جانب وجود قادح آخر خطير وهو احتكاك يومي بين مسلمين وأوروبيين.
قدّمت لنا وثيقة مهمّة تفاصيل الساعات الأخيرة من حياة المقتول حيث شُوهد خارج من مدينة تونس و”هو مخمور وأنهم سألوه عن المكان المتوجّه إليه فأجابه بأنه متوجّه لبلد منزل تميم فنهوه عن التوجّه ليلا وطلبوا منه أن يبقى بالمكان حتى تمرّ قافلة يذهب معها أو يذهب في النهار، فأجابهم بأنه غير يهودي حتى يخاف وسار وعلى كتفه مكحله (سلاح ناري)”[34]، كما برز اسم متّهم أساسيّ وهو الرجل مسعود الجربي الذي تشاجر مع المقتول و”افترقا عن خصام”، وشهد جماعة تونسيون أنهم سمعوا راعي الضحية يقول “قتلت النصراني وتركت الناس حيارى في شأنه”، والراعي مسعود كان “يرعى بالحلّوف (الخنزير) عند النصراني الفرنسي الذي يخدم بمقطع الكذّال (الضحيّة)…وأنه صار مطالبا بريالات 5.5 بقيّة أجره وفي مؤونته وتنازع معه في ذلك واشتكى به للنصراني أندريه أحد خدّامة المقطع فقال له النصراني أندريه لا يخدم عنده واذهب لتونس وذهب إليها يوم السبت”، ثم قابله في مدينة تونس يوم وفاته وطالبه مرّة أخرى في بقية أجره وشاهد شهود يمشي وراءه وهو خارج من مدينة تونس قُبيل موته وهناك من شاهدهم “يتخاصمان”، وقد أحضرت الوزارة المتهم مسعود ” قائلا أنه لم يدفع له كامل أجره وغادر إلى مدينة تونس قبل أسبوع كامل من نازلة القتل، ثم قابله في مدينة تونس ورفض أيضا أن يعطيه أجره وافترقا على ذلك[35].
لم يتعاون السكّان المحليين مع المحققين حيث أرسلت الدولة أعوانها وسألوا سكّان المكان الذي وُجدت فيه الجثّة “هل لهم علم بنازلة قتل النصراني…أو شبهة على أحد وهل سمعوا شيئا ليلة الاثنين الفارط التي قتل فيها وهل غاب عنهم أحد من منازلهم بتلك الليلة”، وأجاب الجميع أنه ليس لهم شبهة على أحد[36]، وقد قدّم كبير عملة المقطع شهادته، وهو رجل ألماني، حيث أثار شكوكا كثيرة بدون تعيين متّهم معيّن[37]، حيث قال أن الضحيّة “كان كثير التخاصم مع النّاس وأنه نهاه عن ذلك مرارا وحذّره من العاقبة…كما قرّر النصراني فرديناندوا من رعايا البروسيان (بروسيا: ألمانيا)…كان معهم بالمقطع كثيرا ما يختصم مع سارحه (الراعي)”، وسُمع حوار بين الراعي المشتبه ورجل آخر به يقول “قتلت النصراني وتركت الناس حيارى في شأنه فأجابه الجديدي المذكور بقوله لا يرحم الكلب (في إشارة إلى المقتول)”، والغريب أنّ المشرفين الأوروبيين على المقطع (وأغلبهم ألمان) ركّزوا على اتّهام الراعي حيث ورد في الوثيقة أنّه “يغلب على الظنّ أنه ما فعل به هذا الفعل إلا سارحه مسعود الجريدي”[38].
انتهت النازلة بدون تعيين قاتل محدّد مع بروز رهانات مثيرة في هذه النازلة، منها تواجد فرنسيين وألمانيين في مقطع واحد رغم ما بين الدولتان من منافسة ضارية في أوروبا وغيرها، كما أبرزت لنا هذه النازلة معطى آخر مهمّ وهو وعي السكّان المحليين بخطورة التسرّب الاقتصادي الأوروبي في البلاد التونسيّة (استغلال المقاطع مثلا) وخاصّة مع تهديد النظام الاقتصادي الأوروبي مع الأساليب المعاشيّة المحليّة.
قتل يهودي تحت الحماية الفرنسيّة بمدينة الحمّامات (جويلية 1879)
وجد اليهودي يوسف وزّان من الحماية الفرنسيّة بمكان يبعد عن مدينة الحمّامات خمسة عشر كيلومترا “ميّت مذبوح” في شهر جويلية 1879، وقد اجتمع جماعة من يهود الحمامات المحميين قنصليّا للتعرّف عليه، وعُثر عليه موثق اليدين من الخلف ووجدوا حماره موثق بجانبه، توجّس اليهود من خليفة النفيضة وأعوانه وعدول المكان وطلبوا معاينة الجثة بأنفسهم حيث تبيّن “مذبوح” ومضروب بخنجر قرب أذنه، كما لاحظوا استخدام القاتل لعجين الشعير لإيقاف الدم من رقبة المقتول، وقد قال أهل الضحيّة أن له والد فقير عاجز عن التنقّل وليس له إلا الولد المقتول[39].
عبّرت القنصلية الفرنسيّة عن توجّسها من امكانيّة تصنيف حادث قتل اليهودي ضمن قضايا القتل مجهولة الجاني، حيث أورد قنصل فرنسا في رسالة له إلى الوزير الأكبر بتاريخ 23 جويلية 1879 أن أخبر السلطة التونسيّة قبل ستة أشهر من حادثة قتل اليهودي “أنه وقع التهدّد بالقتل على يهوديان من رعايا دولتي بتلك الجهة ولم تقع نتيجة البحث في التمكّن على الجاني ولا ترجيع الدراهم التي أخذت من المفعول به”، ولم اسعى أصلا السلطة التونسية للبحث عن الجاني وبمقتضى ذلك “فإني أرى نفسي ملزوما بأن أطلب من الدولة التونسية زيادة على استعمال غاية البحث في التمكّن على الجاني الذي ربّما أن البحث المذكور يبقى بلا نتيجة”، وقد طرح قنصل فرنسا حلاّ مثيرا للجدل كثيرا ما طرحه في قضايا مشابهة وهو البحث عن كبش فداء ولو بأدلّة واهية، الأهم بالنسبة لفرنسا هي المحافظة على هيبتها وتحذير كل من تسوّل له نفسه الإضرار بها مستقبلا، لا إخضاع الفاعل الحقيقي للعقاب، فقد كتب قنصل فرنسا: “إلقاء المسؤولية على سكّان المكان وهذا هو السبب الوحيد في قطع وقوع مثل هذا الفعل في المستقبل الذي موجبه البغض الحاصل من اختلاف الديانات، وقد جرى هذا الفعل غير مرّة في تلك الجهة فلذلك أطلب من الدولة التونسية إعطاء عشر آلاف ريال تونسية دية إلى عائلة القتيل المذكور”[40].
نلاحظ من خلال هذا الاقتباس محافظة الذهنيّة السياسية الفرنسية على ثوابت سجّلنا تواجدها في نوازل أخرى في هذا المقال، ليس من المهمّ إيجاد القاتل بل الأهمّ من ذلك المحافظة على مكانة الدولة الفرنسيّة في تمثّلات الأهالي والأجانب والمحميين، ولهذا استغلّت فرنسا جرائم القتل مجهولة الجاني للمحافظة على هيبتها الاجتماعيّة، بل وترسيخها وتوطيدها على حساب متّهمين لم تتوفّر الأدلّة الكافية لإدانتهم.
شرعت الدولة التونسية في التحقيق في الجريمة مع متابعة من القنصلية الفرنسيّة، عرف المحقّقون تفاصيل اليوم الأخير في حياة الضحيّة، حيث ذهب إلى منطقة بوفيشة للعمل صحبة يهودي طبيب، و”لما قضى اليهودي الذي معه حاجته من هناك أراد الرجوع إلى نابل، ركب معه يوسف المقتول المذكور حتّى بلغه الحمامات ثم رجع في طريقه التي أتى منها حتى وصل لفندق…وهناك نزل من فوق حماره وشرب قهوة وسأله القهواجي (صاحب المقهى) بقوله أي متوجّها فأخبره يوسف أنه متوجّه لهنشير النازلين بأبي فيشه وأنه يريد المبيت عندهم لأجل عنده دراهم عند ولد مرزوق يريد استخلاصها منه وإذا لم يعطه حقّه يشكي به، فأعلمه القهواجي بأنه إذا فعل ذلك مع ولد مرزوق يقتله، ثم إن يوسف توجّه في ذلك اليوم…بات هناك ليلة جمعة وفي يوم السبت الموالي وُجد مقتولا مطروحا بالطريق بين القناطر”[41] ،أبرز التحقيق الأوّلي تداول اسم متّهم أساسيّ المعروف باسم “ولد مرزوق” صحبة ابن عمّه علي بن حسن، عُرف عن ولد مرزوق شدّة الطبع كما أنّه أُتّهم سابقا بقتل يهودي بمدينة نابل “ثم حرقه بعد القتل وإلى الآن لم يظهر له آثر”، ولهذا بقيت هذه النازلة مجرّد أخبار متداولة اجتماعيّا أي جريمة قتل مجهولة الجاني، بل كلّ من يُستدعى من السكّان من قبل الدولة لسؤاله عن النازلة و”أداء الشهادة ينكر ذلك”، أي أنّ ولد مرزوق يتمتّع بهيبة ومكانة اجتماعيّة[42]، وقد أخبر تقرير المحقّقين أن جثّة اليهودي يوسف وزّان لم تختفي، مثل اختفاء جثّة اليهودي الآخر المقتول، لأن “شيخ المكان وضع عسّة بجانب الجثّة و”لولا ذلك لكان اليهودي يخفى ولا يظهر له أثر أصلا”[43].
سعت القنصلية الفرنسيّة للدفاع عن يوسف وزّان وحماية حقوقه حيث قدّمت مجموعة من القرائن لتأكيد اتّهام ولد مرزوق ومن معه من نزلاء هنشير بوفيشة وهي أن جثّة الضحيّة وُجدت في أرضهم وهي “القرينة الكبرى”، و”القرينة الثانية: وجود رقبة القتيل المذبوح منها وحشوّة بالدقيق لطفّ الدمّ السائل من القتيل يدلّ على أن القتل وقع في العمارة أي في بيت من بيوت نزلاء الهنشير واستبعاد القتل عن غيرهم إذ لو كان القاتل أجنبي لكان يهمله من غير ما يلزم يفعل به ذلك، القرينة الثالثة: وجود الحمار مقيّد في مكان القتيل خشيا رجوعه إلى بيت القاتل حيث أنه وقع في مبيته بالبيت المذكور، القرينة الرابعة: نزوع القشابيّة (لباس شتوي) من القتيل وإغطاء جثّته بها بعد قتله يدلّ على أن القتيل نام في بيتا من بيوتها وعند نومه انزعها كعادته ولمّا أرادوا قتله فدقّوه (طعنوه) أولا في كتفه فانتبه من نومه فصار ينازع معهم حتّى هجموا عليه جملة وكتّفوا أيديه حول ظهره تقريطا قويّا ثمّ قدروا على ذبحه، القرينة الخامسة: وجود زمام القتيل داخل كتابه الموجود هو والسنجة والذراع والطلبت والحمار في مكان القتيل مقيّد فيه الطلوق (الدين) الذي له قبل الأنفار المذكورين أعلاه وغيرهم رجال ونساء من نزلاء الهنشير المذكور، البعض بالعدالة مشير عليه في الزمام المذكور والبعض بالزمام وثبوت الخلطة مع نزلاء الهنشير المذكور يدلّ على قتلة حرابة لنهب ماله والدليل ضياع خرجه، القرينة السادسة: شهادة القهواجي ببير المبيتة تقتضي بأن القاتل بات في الهنشير المذكور بقوله وأنه سمع من القتيل قاصد المبيتة بالهنشير المذكور لاستخلاص ديونه من نزلاءه وتسميته البعض من نزلاء المكان…وجد قتيلا مذبوحا فيه، القرينة السابعة: إن الشيح علي بن حسن وقّاف الهنشير المذكور سكوته عن الأخبار بالنازلة مع أنه يعلم خطّته تقتضي المسارعة بالأخبار إلاّ أنه علمه أن ابنه حسن معهم في القتل وأن ابنه عشيق لزوجة ولد مرزوق المشار إليه بطلعة الصحيفة يمناه ولما بلغ والده علي المذكور ركب على فرسه وقصدهم فصاب القتيل فات فيه الفوت”[44].
ضغط قنصل فرنسا بطريقته الخاصّة حيث أكّد على أهميّة تنزيل العقاب أكثر من كشف المجرم حتّى مع غياب الشهود، وهذا ما يتناقض ضرورة مع مسألة العدالة[45]، يقول القنصل مبرّرا إمكانية الحكم على المتّهمين بدون أدلّة وشهود: “ولأن المحلّ محلّ ضرورة فلو اعتبرنا فيها شرط الشاهد لضاعت الدماء والحقوق والواقعة في أمثال هذه الأماكن مع أنهم أبناء عمّ مع بعضهم وأصحاب ونزلاء تراب واحد فلم يشهدوا على بعضهم بعض، وإذ ذاك أنا طالب دمّ القتيل من أهل التراب الواقع فيه القتل والنظر السديد لسيادتكم لأن ميزان العدل بين أيديكم”[46]، يسعى القنصل هنا لتوظيف جريمة القتل مجهولة الجاني لترسيخ دوله كحامي أساسيّ لرعاياه ومن هم تحت حمايته مع تأكيد أهمية النفوذ الفرنسي بتونس.
قدّم وكيل الضحيّة بالتنسيق أدلّة أخرى في النازلة حيث شهد الرجل مفتاح الوريمي أنه سمح الضحيّة يقول أنه متوجّه ليبيت ليلة في بوفيشة “عند أصحابه”، أي هو على معرفة بأهل هذا الهنشير رغم إنكار ولد مرزوق وبقيّة المتّهمين بمعدم معرفتهم له، إلى جانب أن القتيل وُجد موثقا و”لو كان القاتل أجنبي لكان قتله بغير أن يلزم” نفسه بتوثيقه، إذا فالقتيل قُتل في أحد منازل بوفيشة وكُفّف دمه ثم نقل عن مكان القتل ولكن بعد أن فرغ دمه في مكان قتله ولهذا لم يخلّف دما سواء في طريق نقله أو في المكان الذي وُضع فيه، ومن الأدلّة المتوفّرة هي إنكار المتّهمين معرفة القتيل ولوالده عمران والحال أن أهل بوفيشة جميعهم “اعترفوا بمعرفتهم والخلطة معهم أعوام عديدة”، وأيضا انكار أحد المتّهمين “الحضور يوم السبت الذي وجد فيه القتيل عندهم…ولم يسمع بالقتيل إلا بعد أربع أيام كما قرّر ذلك بالوزارة والحال أنه في اليوم المذكور كان حاضر ببوفيشه مع الشيخ حسين عند حضور العدول من النفيضة عند حضور العدول لمعاينة القتيل وهو حاضر في الموطن”، والدليل الآخر “اضطرابه (لمتّهم) لمّا سُئل” عن بعض التفاصيل،
والدليل الآخر أن حمار القتيل وجد مقيّد “ولو كان قاتله أجنبي لكان ينهب الحمار مع السلعة أو يهمله لم يلزم تقييده”، والدليل الآخر هو شهادة القهواجي والفنادقي بأن الضحية شرب قهوة” عنده يوم الجمعة المشار إليها ثم ركب من عندهم عشيّة قتله”، ولهذا طلب وكيل الضحيّة “دم القتيل من أهل التراب الواقع فيه القتل”[47]، كما عثر المحقّقون كرّاسا عند الضحيّة مسجّلا فيها ديونه ضدّ أهل القرية التي قُتل على أرضها، وهذا ما يثبت من ناحية معرفته لهم رغم إنكارهم ذلك إلى جانب تأكّد المحقّقين أنه قضى ليلته الأخيرة في الأرض في القرية التي وُجد مقتولا فيها[48].
انتهت النازلة بدون تحديد دقيق لمرتكب عمليّة القتل لغياب أدلّة ملموسة وحاسمة، حافظت هذه النازلة على نفس النمط على سجّلنا حضوره في النوازل السابقة: تكتّل المجتمع المحلّي في مواجهة الآخر المختلف حتّى في صورة معرفتهم بوقوع جريمة القتل، مسكت مؤسّسة الدولة العصا من الوسط حيث تميل أحيانا لأعوانها المحليين وتخضع لضغوطات القنصليّات الأوروبية أحيانا أخرى، دورها تحكيمي لا سيادي.
جريمة بمدينة قابس (سبتمبر 1879)
قُتلا يهوديّان في شهر سبتمبر 1879 قرب مدينة قابس، كانا توجّها سابقا لبلد مطماطة لشراء دجاج للاحتفال بأحد الأعياد اليهوديّة، وقُتلا في طريق عودتهم، عاينت السلطة التونسية الجثث “مكتّفا ومضروب وثانيهما مضروب برأسه”، مع قتل أحدهم بالرصاص وآخر “مربوط يديه بحبل ورأسه مكسّر”[49]، وبدأت الجثتان في التحلّل، وطرحت الطائفة اليهوديّة فرضيّة متابعتهم من طرف القتلة من زون خروجهم من مطماطة إلى قُبيل دخولهم مدينة قابس[50]، خاصّة وأن اليهوديّان باعا صوفا وشعيرا ببلد مطماطة بسعر 500 ريال، واشتروا دجاجا وثيابا وأقمشة وهذا ما يجعلهم عرضة لجلب الانتباه والمتابعة وامكانيّة تعرّضهم لقطع الطريق[51].
استمرّت التحقيقات أكثر من سنة كاملة وأسفرت عن ذكر اسم ثلاثة رجال وهم حمّوده المطماطي وأخيه بلقاسم والطيب بن أحمد بن طيب، ولكن تمّ إطلاق سراحهم بسرعة لغياب الأدلّة والبراهين[52].
ومن الفرضيّات التي طرحها المحقّقون أن اليهوديّان قُتلا بجبل مطماطة وحملهما الوادي إلى مكان وجود الجثث[53]، وهذا المعطى ساهم أوّلا في إخفاء جزء مهمّ من معالم الجريمة سواء عبر معرفة المكان الحقيقي لعمليّة القتل من خلال حيلة المجرم (أي المجرمين) عبر رمي الجثتان بالوادي، وثانيا يساهم الماء في تحلّل الجثّة وتغيير معالمها مما يساهم في تضليل المحقّقين سواء عند محاولتهم الأداء الأساسيّة للقتل أو زمن القتل، وهذا ما يؤكد حرفيّة القتلة ووعيهم وتخطيطيهم الدقيق لعمليّة القتل مما يساهم في جعل الجريمة “جريمة قتل مجهولة الجاني”.
لم تستسلم عائلات الضحايا[54]، حيث ذكروا اسم الرجل حمّودة المطماطي بتعلّة وجود إصابة برأسه وله “عضّة” وآثار أسنان على يده، وقد أحظر المتّهم حجة بالعدالة تضمّنت تعرّضه لهذه الجروح بسبب معركة مع أحد أبناء وطنه، وقدّمت أمّ أحد الضحايا واسمها يستير اليهوديّة أنها علمت “أن بعض نسوة بمطماطة دخلت لدار المكرم أحمد بن موسى الترهوني المطماطي (أحد المتهمين) فوجدت زوجه تنتّف ريش ديك فقالت لها أن هذا الديك من أين لك وأنا ابتاعه منّي بالأمس اليهوديان (أي باعته للمقتولان) فأجابتها: استري ذلك لأنه شيء قدّره الله”، ولكن تبيّن للمحقّقين أن أحمد الترهوني المطماطي وزوجته توفّيا منذ أكثر من سنتين حسب شهادة بالعدالة وبشهادة “أهل العدل والثقاة”، وقدم عائلة الضحيّتان إلى العامل أخبروه بظهور أدباش الضحيتان بمدينة نفزاوة “يبيعون فيهم بعض أناس من مطماطة”[55].
تدخّلت القنصليّة الفرنسيّة في هذه النازلة حيث أرسل قنصل فرنسا رسالة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 14 أكتوبر 1880 أكّد فيها أن اللذان “قُتلا تركا زوج نسوة للشرّ والفقر مع عدّة أولاد”، كما أشار إلى عون الدولة (العامل) في هذه القضيّة وانحيازه إلى المجتمع المحلّي و”لم يخشى من جعل نفسه كأنه أحد القاتلين”، وطلب القنصل من الدولة أن تقدّم لعائلة الضحيتان “الأيتام”، بسبب فقرهم، عشرة آلاف ريال، من دون إهمال “الجناة” وعدم تركهم “بغير عقاب”، وأبرز قنصل فرنسا نفسه جهله بالمجرمين الحقيقين وسمّاهم “أنفار من العرب”، أي تقريبا جريمة القتل مجهولة الجاني[56].
لم تقدّم السلطة المحليّة ولا القنصليّة الفرنسيّة أسماء متّهمين محدّدين ممّا أجبر “جمعيّة الإسرائيليين” على التدخّل حيث أرسل نائب رئيس الجمعيّة بتاريخ 23 أكتوبر 1880 رسالة إلى الوزير الأكبر أنّه “أتى من أخبر الحكومة بأن الفاعلين أربعة أنفار من مطماطة” ولكن “العامل امتنع” من التفاعل مع هذا المُعطى حيث أنّ “العامل لم يتتبّع قوله ليكشف عن حقيقة الحال بل سجنهم الثلاثة أنفار فقط واكتفى بذلك ثم بعد 15 أيام العامل سرّح اثنين، والأول تركه مسجونا ستّة أشهر ثم سرّحه أيضا”، ولم يكتفي بذلك بل أخذ من المتّهمين “نحو ستّة آلاف ريال ليُخفي النازلة”، وبالمقابل وعد العامل بإعطاء “ثلاثة آلاف ريال لنسوة القتيلين” ثم خفّض المقدار إلى حدود 1500 ريال لكل مرأة “فامتنعوا من قبولها…الواقعة المذكورة تركت زوج نسوة وأربعة أولاد في الفقر العظيم”[57].
تقدّم لنا هذه الشهادة معطيات مهمّة تؤكّد خطورة جرائم القتل مجهولة الجاني، فحسب الشهادة انحاز العامل للمجتمع المحلّي، بل أخذ الرشوة من المتّهمين وأراد إسكات عائلات الضحايا بالمال بسبب فقرهم أساسا، لم تتدخّل الدولة وحافظت على دورها التحكيمي، بالمقابل عجزت القنصلية الفرنسية والجمعيّة الإسرائيلية على إنفاذ العقوبة في حق المتّهمين، بل عجزت أصلا على إجبار السلطة التونسية مع التحقيق معهم.
جريمة قتل بداية الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسي (1881)
وقعت نازلة مهمّة سنة احتلال البلاد التونسيّة تُبيّن العلاقة العضويّة بين القتل وشبكات المصالح وعلاقة ذلك بالجرائم مجهولة المصدر، تعرّض الجيش الفرنسي الدّاخل لمدينة الحمامات أوائل شهر نوفمبر 1881 إلى إطلاق نار من مكان ومصدر مجهول، جمع قائد العساكر الفرنسيّة كلّ الفاعلين والمتنفّذين السياسيين والدينيّين في المدينة وهم الشيخ القاضي وأئمّة الحنفيّة والقائد العسكري التونسي والخليفة وطلب منهم العثور على مطلق النار على الفرنسيين، أعرب أهل المدينة عن جهلهم لمصدر إطلاق النار خاصّة وأن الحمامات يُحيط بها عدد كبير من “الأعراب” وجنود تونسيون كثر، ويطلقون النار في بعض الأحيان، هدّد القائد الفرنسي أهل المدينة طالبا منهم مدّه بألف و1200 خبزة ورأس من البقر ومن الضأن مع يلزم ذلك من الحطب الشعير والتبن في شكل خطيّة يوميّة إلى حين عثور أهل المدينة على مطلق النار، وإذا تأخّر الأهالي عن دفع “الخطيّة” يأمر القائد العسكري الفرنسي بإحراق عشرة منازل رغم أنّ أهل المدينة “ضعفاء الحال وليس لهم سلاح ولا بارود ولا يعلمون من وقع منهم صرخ البارود”، وقد أضاف الفرنسي خطيّة أخرى على أهل المدينة لأنهم أزالوا الأعواد الخشبيّة التي وضعها الفرنسيون على قبور جندوهم الموتى المدفونين في المدينة، قدّم الأهالي حجّة أخرى في سبيل تفادي عقوبات الجيش الفرنسي حيث أشاروا إلى أنّهم متوافقون مع سياسات الباي ولم يعارضوا الاستعمار الفرنسي ورحّبوا به “ولم يقع من الفريقين ضرر للآخر”، كما أنّهم احترموا حرمة قبور الجنود الفرنسيين، بل قاموا ببناء سور على “قبور الأموات” بطول ميترين ونصف وجعلوا له بابا، بالمقابل استمرّ القائد الفرنسي بتهديد أهل المدينة قائلا إنالخطيّة اليوميّة (المشار إليها سابقا) يمكن أن تستمرّ لنصف شهر إن لم يحضروا مطلق النار[58].
عجز سكّان المدينة والمتنفّذون فيها على إيجاد مطلق النار الحقيقي، تصرّف القائد العسكري الفرنسي بنفسه حيث قًبض على الرجل مفتاح الدردوري بتهمة إطلاق النار على الجنود الفرنسيين “بمقتضى شهادة نفرين” فقط وبدون أيّ دليل آخر، مثّلت سياسة تقديم كبش فداء لهذه الأزمة حلاّ مثاليّا للعسكر الفرنسي الباحث والمتلهّف لبناء مكانة مُهابة اجتماعيّة بحكم احتلاله حديثا للبلاد التونسيّة حيث يتشابك في هذا الرهان فعل الاستنطاق والبحث عن المشتبه فيهم بعنصر العقاب[59]، فلا يمكن يمكن لسلطة استعمارية حديثة العهد بالبلاد والسكّان أن تترك محاول قتل أحد عساكرها تمرّ مرور الكرام بدون عقوبة ولا ردع، بالمقابل سعى المشرفون المحليون على المدينة إلى التخلّص من الخطيّة اليومية المفروضة عليهم من خلال إيجاد مرتكب الفعل ولو كان مشكوك في صحّة اتّهامه، تقدّم لنا طريقة قبض الجيش الفرنسي على المشتبه به منفذا مهمّا لفهم الذهنية الفرنسية خلال اللحظات الأولى من الاستعمار، فقد اقتحم الجنود منزل المشتبه به وكسّروا الباب وضُربت زوجته الحامل على بطنها إلى جانب العنف اللفظي[60]، تُثير شخصيّة المشتبه فيه جدلا سياسيّا آخر، فهو يعمل منذ صغره مع نائب قنصل إنجلترا بالحمامات، ولا يخفى علينا الصراع المرير بين فرنسا وانجلترا على بسط النفوذ على الإٍيالة التونسية خلال القرن 19[61]، تسعى فرنسا من خلال هذا الفعل، إلى جانب أهمية ردع كلّ من يفكّر في الإضرار بمصالحها من الأهالي، إلى محاربة النفوذ الإنجليزي معلنة خضوعا رسميّا للبلاد التونسية للاحتلال الفرنسي، خاصّة وأن هذه الحادثة وقعت في خصمّ سعي فرنسا إلى السيطرة على كامل تراب الإيالة مع وجود مقاومة شديدة في مدن كثيرة[62]، إذا فمن خلال إلصاق التهمة بالرجل مفتاح الدرودوري فإنّ فرنسا تخرج من إحراج عدم تمكّنها من القبض على من أطلق النار على جنودها، إلى جانب رسائلها الموجّهة لإنجلترا بخصوص احتكار فرنسا للنفوذ في الإيالة، من دون أن ننسى تخلّص الأعيان المحليين من الخطيّة الفرنسيّة الثقيلة.
لم تقف القضيّة عند هذا الحدّ، فقد طرح نائب قنصل إنجلترا نقاط ضعف مكشوفة تُضعف اتّهام مفتاح الدردوري بارتكاب فعل إطلاق النار، فالمشرف على عمليّة الشهادة هو خليفة الحمامات السيد قاسم فنينة[63] أراد من خلال فعله أوّلا التخلّص من الخطيّة الفرنسية الثقيلة بأيّ طريقة، وثانيا تبرئة ابنه الذي كان يصطاد بسلاحه النّاري لحظة مرور الجنود الفرنسيّة بالمكان، ورد في رسالة نائب قنصل إنجلترا بالحمامات بتاريخ 5 ديسمبر 1881 إلى الوزير الأكبر: “أنه كان له بستان له بالحمامات انسان من العرب يدعى مفتاح الدردوري مكلّفا بحراسة بستانه المذكور وله من العمر ثمانية وعشرين سنة قائما بتلك الخدمة من صغره، ومن مدّة عشرة أيّام لمّا توجّهت العساكر الفرنسية…سمعوا إطلاق مكحلة فطلب الكماندات (القائد العسكري) على العساكر من عامل المكان تمكينه ممّن أطلق ذلك وإلاّ فإنّ البلد تخطّى بألف فرنك باليوم، فأجابه حاكم البلد بأنه لم يقدر على كشفه، وبعد خمسة أيام أراد التخلّص من الخطيّة وأمر خدّامه بالدخول إلى البستان والتمكّن على دردوري المذكور وإحضاره للكماندات ليجري عليه الحكم وكان ذلك بعد أن سافرت إلى تونس بقليل”[64]، كما استغرب نائب القنصل الإنجليزي من سرعة إعدام المتّهم رغم عدم التحقيق معه، بل وبشاعة الاعدام فقد حرّر نائب قنصل إنجلترا شكوى أخرى: “بعد أن سافرت إلى تونس وجّه خليفة المكان ثلاثة أنفار…كتّفوه وقدّموه إلى الخليفة فمكّنه من يد القلاصي (العسكري) الفرنسي في الساعة الرابعة بعد الزوال وعند شروق الشمس أطلقوا عليه المكاحل وعلّقوا رأسه بحائط، وأنا رأيت أهله في حالة من الحزن…تكسير حرم منزلي…رجعت بقيت حزينا من كثرة كلام العربان فكل واحد منهم يقول لي أنك لا كلمة لك، وإن القلاصي الفرنسي يقول أن هذا بلدنا ولا تحسبوا إلى الفرنسيس[65]، وكل واحد من خدّامي يحاول أن يتركني لأنهم يقولون أنه ربّما شهد علينا غدا بعض العربان بالزّور وذهبنا بإطلاق المحكله لأن الفرنسيس لا يثبّتون النازلة بالحجة بل تكفي شهادة واحد أو اثنين في قتل واحد، ولا يخفى على السيادة أنه بهذه الكيفيّة لا يمكن للعرب أن تخالط النصارى ولاسيما في خدمتهم، والمرغوب أن تجعل في جعل هذه النازلة عبرة للغير ويعاقب الخليفة والشهود”، وأضاف تائب قنصل إنجلترا بالحمامات قائلا أن خليفة البلد ذكروا له أربعة أسماء مشتبه بهم ولكنه أهملهم، والخطر أنه “يوم دخول الفرنسيس (لحمامات) كلّف (أي الخليفة) ابنه يصطاد هناك بالمكحلة والخليفة لمّا وجّه أعوانه للبحث عن مناطق الوجه طلبوا من زوجة جنّاني من أطلق النار فأجابتهم أنها ما رأت إلا ابن الحاج حسين المذكور يصطاد كل يوم في سانيته فأعلموا الخليفة بذلك، ولما كان جاره وصديق له أعلمه بما وقع ولتبرئة ابنه زوّر شهادته على الجنّان المذكور، وهذا كله يقع به الجواب عند التحاكم”[66].
تبيّن لنا شهادة نائب قنصل إنجلترا مجمل الرهانات المحيطة بالنازلة التي سبق أن طرحناها، الخوف من النفوذ الإنجليزي مع سعي فرنسا لإنجاح احتلالها للبلاد التونسي، وردع الأهالي وكل من يفكّر في الاضرار بالفرنسيين وهذا الذي يؤكّد الموت الشنيع الذي تعرّض له المتّهم حيث فُصل رأسه عن جسده وعُلّق بالحائط، ورهان الفاعلين الاجتماعيين النافذين إلى التخلّص من الخطيّة الفرنسية وسعي خليفة الحمامات إلى إبعاد التهمة عن ابنه، وقد طرح فنصل إنجلترا بنفسه في رسالة له إلى الوزير الأكبر بتاريخ 27 ديسمبر 1881خروقات أخرى عديدة اشتكت عليها هذه القضيّة وأهمها عدم الاستماع إلى كامل الشهود مشيرا إلى الجوانب السياسيّة لهذه النازلة باعتبارها “تمسّ مصالح رعايا الإنجليز” أساسا[67].
وأضاف قنصل إنجلترا في رسالة أخرى له بتاريخ 15 جانفي 1882 أن طريقة اتّهام مفتاح الدردوري وكيفيّة القبض والحكم عليه واتّهامه خالفت النواميس الدبلوماسية المعتادة في البلاد التونسيّة “من قديم الزمان حيث وقع القبض على النفر المذكور بغير إعلام القنصلاتو (القنصليّة)”[68]، وهذا الاحتجاج يؤكّد وعي قنصل إنجلترا بأهمّ أهداف هذه القضية وهي تحجيم النفوذ الإنجليزي بتونس بعد الإعلان عن الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية، وهذا الذي أكّده قنصل انجلترا في رسالة له للوزير الأكبر بتاريخ 16 فيفري 1881 قائلا أنّه “المعروف عند العام والخاص في جميع الحمامات أن المذكور المتّهم المقتول) لم يقبض عليه إلاّ لكونه تابع نائب قنصلات (قنصليّة) الإنجليز هناك كعسّاس في سانية المذكور ومتنوّب (نائب) عنه في جميع أملاكه”، مشكّكا مرّة أخرى في صحّة الشهادات التي بمقتضاها تمّ اتّهام الدردوري قائلا أنّ “الشهادة التي دفعها حاج حسن بن محمد ومحمد التركي بمحضر وسمع أحد فسيالات هذا القنصلات أحوجت الدولة التونسية إلى التثبّت لإزالة الشكّ عن المحلّ الذي ادّعى أنه صرخ فيه الوجه وبعده عن محلّ مرور العسكر، ويظهر لي كذلك أن لإزالة كل شكّ ممكن يجب كذلك تعيين المحلّ الذي قبض فيه على المذكور”[69].
لم يستمع الوزير الأكبر لحجج قنصل إنجلترا ولم تهتمّ بها أيضا فرنسا ممّا أجبر قنصل إنجلترا إلى إرسال رسالة أخرى إلى الوزارة الكبرى بتاريخ 3 مارس 1882 قائلا أنّه “يسوئني الاضطرار لخطاب جنابكم من جديد لطلب إمعان النظر في شأن القبض الذي وقع في الحمامات على مفتاح دردوري…وقد تكرّر مني طلب جنابكم بأن يوجّه لي تقرير شارحا للحالة التي وقع بها القبض على المذكور…دولة جناب الريجينه (ملكة إنجلترا) منتظرة لجواب جنابكم “[70]، وقد أثار قنصل إنجلترا نقطة أخرى مهمّة وهي حصوله على معلومات تفيد إقدام الشهود على ذكر اسم رجل آخر في النازلة، ولكن تمّ تمزيق على الشهادة بإشراف الخليفة[71]، وقد لخّص قنصل إنجلترا هواجسه الأساسيّة في رسالة له إلى الوزارة الكبرى بتاريخ 10 ماي 1882 قائلا أنّ “الدردوري كان خديم (عامل) كاكيا (نائب قنصل إنجلترا بالحمامات) وليس خمّاس كما وكذلك كان على داره التي بالبلاد (الحمامات) ومكلّف في أحواله، ثانيا أنه وقع القبض على دردوري في بيت كاكيا الذي صار معروف بسبب الخطّة التي كان بها…ثالثا إن دردوري وقع الحكم فيه وقتله من العساكر الفرنسية بغير بحث وتأمّل، ورابعا إنه لم يقع التثبّت من الشهادة الصادرة على المذكور وأن تلك الشهادة لم تقع إلا بعد أيام من الواقعة لما ثقل على أهل الحمامات الخطيّة التي جعلت عليهم وليتخلصوا منها، وخامسا أن من جهة أخرى وعلى فرض أن دردوري كان في الحقيقة متّهم بهذا الفعل ومع ذلك هو أمر واضح في القرائن والشهادات أن الخليفة خالف الشروط المؤرخة في قي 19 يولية 1875…والعوائد الجارية في هذه المملكة بالإذن إلى بعض اشخاص بالدخول إلى ملك السنيور كاكيا نايب قنصلات الانقليز بالحمامات بالقبض على خديمه من غير إعلامه ثم قتل على حالة وقوعها”[72].
يمكن القول أن نازلة إطلاق النار على الجنود الفرنسيين وإعدام تونسي بسبب ذلك رغم غياب متّهم أساسي في القضيّة تُثبت أهميّة مراهنة الفاعلين الاجتماعيين المؤثّرين أصحاب المصالح على تفصيل دقيق وهو الجرائم مجهولة المصدر، تراهن هذه الدراسة أساسا على تبيين نقطة أساسيّة: جرائم مجهولة المصدر لا تمثّل بالضرورة هاجسا وأرقا ومشكلة لدى الفاعلين بل يمكن أن توظّف لتحقيق المصالح ومدّ النفوذ وإيجاد حلول لمعضلات وأزمات كثيرة.
خاتمة :
طرحنا في هذا المقال اشكاليّة أساسيّة: كيف مثّلت جرائم القتل مجهولة الجاني محور رهانات اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة عديدة في البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن 19؟
وظّف الفاعلون الاجتماعيّون جرائم القتل مجهولة المصدر لإنفاذ مصالح كثيرة ولم تكن فقط مجرّد نوازل قتل، اعتمد القناصل الأوروبيون هذه الجرائم لترسيخ نفوذهم في البلاد ومحاولة اقصاء كلّ من يهدّد مصالحهم، حاول من ناحيته المجتمع المحلّي حماية أبناءه ودفع كلّ تهمة تهدّدهم ولو بالتواطؤ وبعدم الشهادة، سعت من ناحيتها السلطة التونسية إلى مسك العصا من الوسط حيث تخضع أحيانا للنفوذ القنصلي وتميل أحيانا إلى أعوانها، كما لاحظنا من خلال جردنا الكامل للتقارير الأمنيّة خلال النصف الثاني من القرن 19 أنّ أغلب جرائم القتل مجهولة الجاني وقعت في مدن غير مدينة تونس، وهذا الأمر يدلّ على ضعف نسبي للسلطة التونسية خارج الحاضرة تونس مقابل قوّة المجتمع المحلّي وهامش المناورة الذي يتمتّع به والصعوبات التي عانى منها الوجود الأوروبي في دواخل البلاد التونسيّة.
عاشت إذا البلاد التونسيّة قُبيل الاستعمار الفرنسي رهانات قاسية بين فاعلين متعدّدين ومصالح متشابكة ومتنافرة، وقد تبيّن لنا هذا الأمر من خلال جرائم القتل مجهولة الجاني التي لم تكن مجرّد جريمة ثقل بل حامل خطير للمصالح والمنافع.
قائمة المصادر والمراجع :
المصادر الأرشيفية غير المنشورة
1.الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/3.
2.الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7.
المصادر المنشورة
3.احتلال البلاد التونسية (1881- 1883)، تعريب: صالح البكاري، نظر للنشر، تونس، 2020.
المراجع باللغة العربيّة
4.محمد البشير رازقي، “التجسّس والجاسوسيّة في مدينة تونس عُقب تأسيس مجلس الضبطيّة (1860- 1881)”، المجلة الجزائرية للدراسات التاريخية والقانونية، الجزائر، المجلّد 6، العدد 3،جانفي 2022.
5.محمد البشير رازقي، “حوادث القتل تجاه الأوروبيّين والمحميّين في الحاضرة تونس قُبيل انتصاب الحماية الفرنسيّة بتونس (1881): الفاعل الاجتماعي ورهاناته”، مجلّة الدراسات التاريخيّة والاجتماعيّة، كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة نواكشوط، العدد 34، 2018.
6.محمد البشير رازقي، العنف ضدّ الأوروبيين والمحميين في مدينة تونس خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1860- 1881). دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021.
7.محمد البشير رازقي، إيالة وإمبراطوريتان: البلاد التونسية والصّراع على عهد الأمان (1855- 1870)، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021.
8.محمد البشير رازقي، عمل باجة وظهيره الريفي آخر القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين والإنتاج التاريخي لشبكات المصالح: محاولة في تاريخ الظّلم، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2022.
9.ميشال فوكو، المراقبة والعقاب: ولادة السجن، ترجمة: علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990.
المراجع باللغات الأجنبيّة
10.Anne-Marie Planel, Du comptoir à la colonie. Histoire de la communauté française de Tunisie, 1814-1883, Paris, IRMC, Riveneuve éditions, 2015.
11.Rémi Boivin, « Cinquante années d’étude du crime dans la revue Criminologie », in: Criminologie, Volume 51, numéro 1, printemps 2018.
ملحق الوثائق
رسالة قنصل فرنسا إلى الوزير الأكبر بخصوص نازلة قتل اليهودي المحمي قنصليّا يوسف بن عمران[73].
رسالة نائب قنصل فرنسا بباجة إلى القنصل الفرنسي بخصوص نازلة قتل الطفل[74].
القرائن السبعة التي قدّمها قنصل فرنسا للتدليل على قتلة اليهودي يوسف وزّان المحمي قنصليّا[75].
الصفحة الأولى من التقرير المحرّر من طرف الوكيل عن عائلة الضحيّة المشتملة على 15 دليلا الموجهة ضدّ عائلة الشيخ حسن.
الصفحة الثانية من التقرير المحرّر من طرف الوكيل عن عائلة الضحيّة المشتملة على 15 دليلا الموجهة ضدّ عائلة الشيخ حسن.
الصفحة الثالثة من التقرير المحرّر من طرف الوكيل عن عائلة الضحيّة المشتملة على 15 دليلا الموجهة ضدّ عائلة الشيخ حسن[76].
وثيقة الإبلاغ عن وجود جثين يهوديّين خارج قابس[77].
رسالة قنصل فرنسا إلى الوزير الأكبر بخصوص نازلة قتل فرنسي عامل بأحد المقاطع[78].
[1] Rémi Boivin, « Cinquante années d’étude du crime dans la revue Criminologie », in: Criminologie, Volume 51, numéro 1, printemps 2018, p. 231–246.
[2]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/3.
[3]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/3، و.11.
[4]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/3، و.12.
[5]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.289.
[6]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.291.
[7]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.309.
[8]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.311.
[9]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.316 (16 جويلية 1876).
[10]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.316 (16 جويلية 1876).
[11]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.311.
[12]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.312 (15 جمادى الثانية 1293).
[13]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.313 (13 جمادى الثانية 1293).
[14]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.316.
[15]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.320.
[16]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.314 (19 جمادى الثانية 1293).
[17]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.313 (13 جمادى الثانية 1293).
[18]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.319 (17 رجب 1293).
[19]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.323 (15 شعبان 1293).
[20]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.324.
[21] محمد البشير رازقي، العنف ضدّ الأوروبيين والمحميين في مدينة تونس خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1860- 1881). دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021
[22] محمد البشير رازقي، “حوادث القتل تجاه الأوروبيّين والمحميّين في الحاضرة تونس قُبيل انتصاب الحماية الفرنسيّة بتونس (1881): الفاعل الاجتماعي ورهاناته”، مجلّة الدراسات التاريخيّة والاجتماعيّة، كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة نواكشوط، العدد 34، 2018، ص30-61.
[23] محمد البشير رازقي، عمل باجة وظهيره الريفي آخر القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين والإنتاج التاريخي لشبكات المصالح: محاولة في تاريخ الظّلم، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2022.
[24]محمد البشير رازقي، إيالة وإمبراطوريتان: البلاد التونسية والصّراع على عهد الأمان (1855- 1870)، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021.
[25] Anne-Marie Planel, Du comptoir à la colonie. Histoire de la communauté française de Tunisie, 1814-1883, Paris, IRMC, Riveneuve éditions, 2015.
[26]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.379.
[27]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.385.
[28]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.380.
[29]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.380.
[30]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.380.
[31]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.380.
[32]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.382.
[33] تبيّن لنا في دراسات سابقة استهداف السكّان المحليّين لاستثمارات الأوروبيين في البلاد التونسيّة خلال النصف الثاني من القرن 19 سواء المقاطع أو المناجم أو السكك الحديديّة أو خطوط التلغراف. ينظر: محمد البشير رازقي، إيالة وإمبراطوريتان: البلاد التونسية والصّراع على عهد الأمان (1855- 1870)، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021؛ محمد البشير رازقي، العنف ضدّ الأوروبيين والمحميين في مدينة تونس خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1860- 1881). دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021.
[34]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.383- 384.
[35]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.383- 384.
[36]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.388 (9 شعبان 1294).
[37] لا يمكن لنا أن نثق ثقة عمياء في شهادة رجل بروسياني (ألماني) بسبب الصراع المرير بين فرنسا وبروسيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (مثلا الحرب الفرنسيّة البروسيّة في 1870- 1871). وقد مثّلت البلاد التونسيّة أرضا أساسيّة للصراع. ينظر: محمد البشير رازقي، “التجسّس والجاسوسيّة في مدينة تونس عُقب تأسيس مجلس الضبطيّة (1860- 1881)”، المجلة الجزائرية للدراسات التاريخية والقانونية، الجزائر، المجلّد 6، العدد 3،جانفي 2022، صص. صص.94- 115.
[38]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.389 (9 شعبان 1294).
[39]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.340 (21 جويلية 1879).
[40]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.343.
[41]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.346 (13 شعبان 1296).
[42]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.346 (13 شعبان 1296).
[43]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.346 (13 شعبان 1296).
[44]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.350 (11 ذي القعدة 1296).
[45]أخضعت السلطة التونسيّة كلّ المتّهمين للاستجواب والتحقيق. ينظر: الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.351.
[46]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.350 (11 ذي القعدة 1296).
[47]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.354 (24 ذي الحجة 1296).
[48]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.358- 359 (21 صفر 1297).
[49]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.374.
[50]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.363 (29 سبتمبر 1879).
[51]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.364 (6 أكتوبر 1879).
[52]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.365 (24 أكتوبر 1880).
[53]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.366 (سبتمبر 1880).
[54]“أحد أولياء القتيلين يُنسب حماية دولة فرنسا”. ينظر: الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.368.
[55]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.366 (سبتمبر 1880).
[56]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.371.
[57]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.374.
[58]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.219 (27 نوفمبر 1881)
[59]ميشال فوكو، المراقبة والعقاب: ولادة السجن، ترجمة: علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1990، ص77.
[60]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.220 (29 نوفمبر 1881)
[61]محمد البشير رازقي، إيالة وإمبراطوريتان: البلاد التونسية والصّراع على عهد الأمان (1855- 1870)، دار كلمات للنشر والتوزيع، مصر، 2021.
[62]احتلال البلاد التونسية (1881- 1883)، تعريب: صالح البكاري، نظر للنشر، تونس، 2020.
[63]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.222.
[64]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.223.
[65] عبارة “هذه بلدنا” الصادرة من القائد العسكري الفرنسي تدلّ على محافظة فرنسا على هواجسها تجاه تمدّد النفوذ الإنجليزي بتونس وهذا ما يؤكّد الأبعاد السياسية لهذه النازلة، وخطورة الجرائم مجهولة المصدر وأهمية دراستها وهذا هو هدفنا الأساسي في هذا المقال.
[66]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.224.
[67]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.225.
[68]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.227.
[69]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.228.
[70]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.229. أرسل رسالة مشابهة لهذه بتاريخ 9 مارس 1882.
[71]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.231.
[72]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.233.
[73]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.346.
[74]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.316.
[75]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.350.
[76]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.350.
[77]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و363.
[78]الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخية، الصندوق: 219 مكرّر، ملف: 337 مكرّر، ملف فرعي: 3/7، و.382.