التأويل والقراءة عند علماء التراث مقاربة في استراتيجيات المجاز
Interpretation and Reading for Heritage Scholars : an Approach to Metaphor Strategies
د. عبد القادر كحلول /جامعة ابن خلدون- تيارت- الجزائر
Dr. Abdelkader Kahloul/ Ibn Khaldun University, Tiaret, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 76 الصفحة 37 .
ملخص:إن المجاز إمكانية تأويلية محفزة لفعل القراءة تثير العديد من صور المعاني والدلالات التي تتوالد كلما فُجرت الألفاظ وزُحزحت بين معالم الحقيقة وأبعاد المجاز، عبر هذه الدينامية يحاول المؤول إيجاد فجوات يلتجأ إليها الكاتب أو الباث حين يبتغي الإثارة والجمال، ثم إن المجاز سبيل بلاغي أشد وقعا على المتلقي. وما يهمنا في هذا الباب تلك التأويلات التي تثبت نوعا من القراءات والمقاربات التراثية سواء تعلق ذلك بكلام العرب أو النص القرآني، إذا فالمجاز ممارسة ثابتة وأداة وُظفت لفك ما استغلق من كلام العرب عامة والنص القرآني خاصة، حاولتُ من خلال هذه المقالة البحث في إمكانات المجاز ومحاولة الإسهام في إثبات نوعا من الممارسات القرائية التراثية، حيث أشار علماء اللغة حديثا إلى أن الموروث العربي تضمّن رؤى واضحة في كثير من قضايا القراءة والتأويل وضبط مقاصد النص والتي ربما لم تدركها النظريات الغربية إلا منذ قرن من الزمن على أبعد تقدير.
الكلمات المفتاحية: التأويل – القراءة -التراث – الحقيقة – المجاز.
Summary:
The metaphor is a stimulating interpretive possibility for the act of reading that raises many images of meanings and connotations that reproduce whenever words explode and shift between the features of truth and the dimensions of the metaphor. Through this dynamic, the interpreter tries to find gaps that the writer or sender can resort to when he seeks excitement and beauty, then metaphor is a rhetorical way that affects the recipient more. What concerns us in this section are those interpretations that prove a kind of readings and traditional approaches, whether it is related to the words of the Arabs or the Qur’anic text, so metaphor is a fixed practice and a tool that was employed to decipher what was closed from the words of the Arabs in general and the Qur’anic text in particular. Through this article, I tried to research the possibilities of metaphor and try to contribute to proving a kind of traditional reading practices.as linguists recently pointed out that the Arab heritage included clear visions in many issues of reading, interpretation and controlling the purposes of the text, which occidentals’ theories may not have realized until a century ago at the latest.
Keywords : Interpretation – Reading – Heritage -Truth – Metaphor.
مقدمة:
بات النص القرآني موضوع الدراسات اللغوية والدلالية والإعجازية لما يحمله من قيمة جمالية أبهرت المتلقين وتجاوزت ماحازوه من فنون البلاغة والبيان، لانسجامه الدلالي وتماسكه اللغوي، حيث صار البحث فيه لأجل إجلاء معاني القرآن ذلك أن تميز أساليبه فرض على المهتمين إيجاد آليات لفهم دلالته وتراكيبه والوقوف على مكمن وسر خرقه للمعيارية اللغوية تارة وفي إضفائه غموضا على معنى نستسيغه بالتدبر والقراءة تارة أخرى وهذا ما دفع المفسرين إلى اعتماد آليات لغوية متنوعة لمقاربة الخطاب القرآني فاعتمدوا التفسير والتأويل وعلم الأصول والصرف والنحو والبلاغة إضافة إلى علم الكلام والفلسفة قصد فهمه وتدبره وتحسس معانيه، فلم يتوقفوا عند المعاني الظاهرة بل تجاوزوا ذلك إلى الدلالات المحتملة وصولا إلى أحكام الوجوب والتحريم والخصوص والعموم وغيرها، فكان استقراؤهم مميزا وأدواتهم خاصة، وهذا ما حفزنا إلى رصد الجذور الأولية للقراءة والتأويل عند أسلافنا المفكرين وكيف استعملوها ووظفوها لفهم النصوص، خاصة إذا علمنا أن أكثر النقاد اتفقوا أن الإسهامات اللغوية لأسلافنا في التراث العربي لم يرق البحث فيها ما يستحق من عناية واهتمام حيث ما تزال مجالات كثيرة في تراثنا بكرا تحتاج إلى نظرة لغوية علمية واعية. لقد تباينت محاولات عدد كبير من الباحثين في علم التراث، لذلك اقتصرت هذه الدراسة على ما يخدم هذا الموضوع بناء على ما توصلت إليه البحوث اللغوية الحديثة بصفة عامة سعيا وراء إبراز تلك الجهود ووقوفا عند مقاصد الخطاب، حيث اقتصرت الدراسة على آلية المجاز وماله من أثر في تعدد الدلالات وتنوع المعاني.
– هدف الدراسة:
أما مبتغى هذه الدراسة فيكمن في الربط بين تراثنا اللغوي والدراسات الحداثية في مجال القراءة لتقديم صورة بسيطة لإحدى تجليات آليات القراءة عبر سبل المجاز وطرق تأويلها، محاولين تقصي آثار القراءة والتأويل خاصة فيما تعلق بالأدوات الموصلة إلى المعنى ومحاولة الجمع والتحليل بين ما خلّفه علماء التراث ومقابلته بالدراسات الغربية ومناهجها وصفا وتحليلا، إيمانا منا أن البحث العلمي عمل تكاملي، تتضافر فيه الجهود السابقة واللاحقة من أجل الوصول إلى نتائج وأحكام من شأنها خدمة المسار العلمي.
– مشكلة الدراسة:
حقل الدراسات النّصية عرف تطورا ملحوظا من حيث المناهج والنظريات والآليات وطرق معالجة النص، وأمام هذه التطورات ارتأيت مقاربة الظاهرة بإثارة بعض الأسئلة الهادفة كونها تعبر عن حيرة سكنت فكري وألمت بوجداني: كإشكالية القراءة والتلقي ومدى الإفادة منها على مستوى التنظير والإجراء؟ وأثرها في تراثنا كيف نجد بذورها وتجلياتها؟ وما حدود التماس بين القدامى والمحدثين على مستوى قراءة النصوص؟ هذا ما أجتهد في تلمس بعض الإجابات العلمية الصارمة لجملة ما أثير عبر هذا البحث الأكاديمي، المعتمد فيه على منهج وصفي تحليلي زاوجت بينه وبين المنهج المقارن حسب ما تقتضيه الدراسة.
- القراءة والتلقي بحث في المصطلح:
إن التنقيب التاريخي لجذور آليات القراءة “Lecture” يحتم علينا التواصل” Communication”مع مختلف المناهج النقدية والروافد الأساسية لهذه النظرية، والتي تكونت في أغوار نظرية النقد ونمت ثم نشطت فرضيتها فصارت من أهم ركائز الدراسات النقدية، و كما هو معلوم إن أي نظرية ” Théorie” لا يكتب لها النضج الفكري والمنهجي إلا عبر معطيات تزود بمختلف المناهج والنظريات الأخرى، وهذا ما انطبق على نظرية التلقي التي انشحنت بحمولات كثيرة بداية من الدراسات اليونانية التي اهتمت بالمتلقي”récepteur” (الجمهور) من خلال نظرية المحاكاة والتطهير”Catharsis” ومفهوم التعالي وهي أرضيات فلسفية تأسست عليها نظرية التلقي “Théorie de la Réception” ولقد نتج عن هذا التفاعل”Interaction” والاندماج والتداخل خلط وعسر في تحديد المجال التاريخي للنظرية، فَفرضت مصطلحات ومفاهيم مبتكرة تعذر من خلالها احتواء مجالها الدلالي خاصة في ظل تطور الإنتاج الأدبي. إن «نظرية التلقي نشأت من حوار عميق مع المناهج التي هيمنت بعد الحرب العالمية الثانية كالشكلانية والبنيوية”Structuralisme” والسيميوطيقا ونظرية التواصل والمقاربات الماركسية والتحليل النفسي للأدب، ومع الخلفيات الأبستمولوجيا والفلسفية والإيديولوجية التي وراء تلك المناهج».[1] فنظرية التلقي نتاج مناهج مختلفة كان لها الدور البارز في ظهورها واكتمالها، إن «التحولات العميقة التي شهدتها الدراسات الأدبية والنقدية والجمالية”Esthétique” في العقود الأخيرة من هذا القرن، كانت ثمرة من ثمار التطور الفكري الحديث، والفلسفات المتعاقبة والإنجازات العلمية، التي ما لبثت ترج المعتقدات رجا، إلى درجة تدع إلى الاعتقاد بأن العقل البشري أوشك على أن يستنفذ قدراته الكاملة، ويعطي كل ما لديه من طاقات خلاقة، وفي هذا السياق المعرفي لم يكن الوعي النقدي والفكر الجمالي في منأى عن هذه التحولات الجذرية التي تركت أثارها الواضحة في طبيعة التلقي مخلفة أسئلة جوهرية تمخضت عنها تصورات نقدية وجمالية شكلت ما يعرف بـ (نظرية القراءة ) “Théorie de lecture” أو (جمالية التلقي) “Esthétique de la Réception“».[2] وهذا ما خلف كما هائلا من المفاهيم المصطلحية “Terminologie” للتلقي وجعل المشتغلين في حقل القراءة والتلقي يكابد لأجل حصر حدا فاصلا يلقى الإجماع بين أهل الاصطلاح.
إذا أردنا البحث عن المعنى اللغوي للتلقي في المعاجم العربية فإننا نجد أن مادة التلقي تدخل ضمن المفهوم العام للاستقبال وقد ورد لفظ التلقي في لسان العرب بمعان متقاربة حيث يقول ابن منظور: «لقيَ فلانٌ فلانا ولاقاه لُقيانا وملاقاة وتلقَيا»[3]. أي صادفه واستقبله فالمتلقي بهذا المعنى هو المستقبل، وقال «فلان يتلقى فلان أي يستقبله».[4] فالتلقي أو الاستقبال بمعنى واحد عند ابن منظور، وقد يعود هذا التنوع إلى الاستعمال عند العرب يقال في الانجليزية “Reception” أي تلقي، ويقال “Réceptive” أي متلق أو مستقبل ويقال ” Toreceivce” أي تلقى استقبل أخذ.[5] إن ما طرأ على مادة لقى دلاليا، سببه التطور الحياتي لمستعملي المصطلح وكذا التنوع والتطور في الأغراض والسلوك وعليه تم توظيف الكلمة ونقلها إلى سياقات أخرى جديدة مما أكسبها كما ثريا من التوليدات الدلالية.
فالتلقي هو تلك الفعالية في المعنى”Sens” من خلال فعل القراءة “Acte de lecture “محاولا قول ما لم يقله النص، إما إعجابا أو رفضا وهذا يتوقف على حنكة المؤول وقدرته على محاورة النص، محاولا إبرام صفقة مع هذا الكائن، كاشفا عن عوامله لأن المتلقي في هذه النظرية طرفا فاعل متفاعل في عملية القراءة لأن نظرية التلقي ليست مجرد مقاربة”Approche”جمالية للنصوص في مستواها التحليلي فقط، إنما هي نسق فكري عام يعتمد المنهجية والتخطيط الذاتي القائم على العلمية.
- القراءة والتلقي في النقد العربي القديم:
اتفق أهل الدراية من الأدباء والنقاد وأصحاب السير أن التلقي وليد البيئة العربية، فهي أمة سماع وتلق بسبب الشفوية؛ إذ كانت مادتها الأولى إن صح التعبير تصريف الكلام شعرا ونثرا، فلا يملك الرجل العربي ما يسد به فجوات عقله إلا تلك الأبيات يتلذذ بها حينا ويطرب لأجلها دهرا فيُرفع بها ذكره في أفاق القبائل والأمم، ولكن لا يكون هذا بالأمر اليسير حيث يعمد هذا الباث (الشاعر Poète) إلى نحت الكلمات وصهرها في قوالب لا يمكن تجاوزها وإلا تلقته سيوف الألسنة باللوم والسخرية، وهذا ما جعله وهو يصنع ذاك الصنيع وكأنه في مرحلة سكرات الاحتضار وليس له وراء هذه الصعاب إلا إرضاء السامع (المتلقي) … الذي يراقبه اعتمادا على الذوق. وليس الذوق ملكة بسيطة كما قد يُتوهم، ولكنه مزيج من العاطفة والعقل والحس ويقام عود هذا الذوق اعتمادا على صفاء الذهن وجودة القريحة وسلامة الفطرة، وهذا ما يجعلهم يهذبون الكلام ويقدمونه ويصدرون فيه الأحكام تارة ويحفزونهم بالعطايا تارة أخرى لدفعهم على صناعة الكلام، فكان الشعراء يتكلفون في شعرهم فنونا من التكلف، إذ كانوا عمالا صناعا يعملون بشعرهم عملا ويصنعونه صناعة ويتعبون فيه أنفسهم تعبا شديدا.[6]
يقول الجاحظ: «وهم يمدحون الحِذَق والرفق والتخلص إلى حبات القلوب وإلى إصابة عيون المعاني ويقولون: أصاب الهدف: إذ أصاب الحق في الجملة ويقولون قرطس فلان وأصاب القرطاس وإذا كان أجود إصابة من الأول…».[7] وهذا ما يدل على أن في البيئة الجاهلية قراء يحسنون التعامل مع المقروء، بآليات بيئتهم بأدواتهم الخاصة وليس هذا كله إلا نموا واضحا لروح نقد عامة سرت بين شعراء الجاهلية، حتى يؤثروا في سامعيهم تأثيرا كاملا.[8] إذن فهي ثمرة قراءة أولية تعتمد على الذوق والإحساس ولكنها تختلف من متلق إلى آخر فقراءة تشترك فيها العرب جميعا، تتلذذ وتطرب وتتفاخر وكأنها قراءة أولية سطحية وقراءة تعمق لأصحاب الاختصاص من الشعراء وهم: «الذين كانوا لا يكتفون بإظهار الإعجاب أو السخط وإنما يعمدون إلى إبداء الملاحظات والآراء على ما يسمعون إما من تلاميذهم إن كانوا معلمين وإما من عامة الشعراء إن كانوا نقادا محكمين».[9] هي ممارسات قرائية أساسها الانطباع والذوق تهذبت واستقام عودها بفضل حركة الانتقال الذي شهدها النص في تلك البيئة من مرحلة الشفوية إلى مرحلة التدوين.
لم ترق هذه القراءة إلى التعليل العقلي القائم على التنظير العلمي أو التأسيس المنهجي، بل هي مجرد قراءة شكلت الإرهاصات الأولى للفعل القرائي قديما في تعامله مع النصوص، ثم ما فتئ أن تحولت العقول والألسنة وتهذبت بفضل اختلاف المتلقي إنه النص القرآني، حيث تأسست النقلة من الشفوية إلى الكتابة من ثقافة البديهة والارتجال إلى ثقافة الرؤيا والتأمل. وهذه العناية الفائقة بالمعنى مقصدها جلب المتلقي واستعطافه وتيسيرا له لفهم النصوص، وما يمكن استنتاجه أن النقد العربي الأدبي أولى عناية كبيرة بالتلقي حيث إنه كان حاضرا في كتابات النقاد إلا أنه كان بسيطا ولا يرقى لمستوى التنظير الحديث: «ففي تراثنا النقدي والبلاغي نصوص لا نستطيع أن نزعم وصولها إلى النضج الذي وصلت إليه هذه النظرية الحديثة، وان أصحابها يصدرون عن وعي مماثل».[10] حيث كانت هناك إشارات وشذرات، تهذّبت واستقامت مع النص القرآني والذي يمثل أرقى مستويات القراءة والتلقي: «وللعرب ميزة في نظرية التلقي قد تجعل الآداب العربية افتراقا عن بعض الآداب الأخرى، وهذه الميزة مستمدة من عاملين أساسيين الأول القرآن الكريم، إذ أوجد نوعين من التلقي أحدهما مرتبط بالآخر، هما التلقي الشفاهي والقراءة، فالإنصات لتلاوة القرآن، والتلقي الشفاهي سيظل ما بقيت للزمان بقية، إذ لا يكتفي بقراءة القرآن فقط فلابد من السماع إذا والسماع تلق شفاهي دون شك».[11] يمكن أن نجزم أن التلقي العربي متفرد متميز باعتماده على عامل المشافهة والسماع، إذ يعمد المتلقي إلى إصدار أحكام نقدية توجيها وتصحيحا وتقويما للخطأ، فإذا «نظرنا من زاوية التلقي فإن البلاغة العربية القديمة هي بلاغة التلقي».[12] وقد حاولنا تتبع واستقراء “Induction” لبعض المتون والمدونات النقدية التراثية والتي اهتمت بالقارئ والمتلقي وقد وقفنا عند بعض أعلام النقد العربي القديم حيث تجاوزت أفكارهم زمانهم، وهي أكثر حضورا في النقد الحديث إذ ما أعدنا التمعن ودراستها وقراءتها بمفاهيم نقدية حديثة.
- عبد القاهر الجرجاني (ت: 471ه):
يعتبر بحق شيخ البلاغة العربية والفصاحة وإعجاز القرآن، فلو ركزنا على نظرية النظم مثلا والتي أولت اهتماما كبيرا بالأقطاب الثلاث للعملية الإبداعية لوجدناها شكلت الجمع فيها بين القراءة النحوية والقراءة الأدبية معتمدا فيها على العلاقات بين الألفاظ والأسباب تحقيقا لمواطن الجمال، ترتيبا وتركيبا، وهذا ما وقف عليه عبد المالك مرتاض في تقاليد القراءة العربية ووجدها بأنها تعمد المستوى اللغوي والمستوى النحوي والمستوى الأسلوبي.[13] ولأن منهج عبد القاهر يستند إلى نظرية في اللغة أرى فيها ويرى معي كل من يمعن النظر أنها تتماشى مع ما وصل إليه علم اللسان الحديث من أراء، حيث يقرر ما يقرره علماء اليوم من أن اللغة ليست مجموعة من الألفاظ بل مجموعة من العلاقات، وهذا مما لا يدع مجال للشك أن الرجل كان صاحب بعد نظر؛ حيث سبق بأفكاره حدود زمانه.[14] وقد أولى عناية كبيرة بالمتلقي في طيات كتبه من خلال تركيزه على كيفية التأثير فيه والوصول إليه.
فالقارئ في نظر الجرجاني صاحب خبرة وملكة تحتم عليه توظيف كامل آليات القراءة وصولا إلى مقاصد النص وإن كانت هذه العملية محفوفة بالصعاب فهي: «كالجوهر في الصدف لا يبرز إلا أن نشقه عنه، وكالعزيز المحتجب لا يربك وجهه حتى تستأذن عليه، ثم ما كل فكر يهتدي إلى وجه الكشف عما اشتمل عليه، ولا كل خاطر يؤذن له في الوصول إليه».[15]فالمتلقي عند الجرجاني منتج ثان للمعنى وهذا ما نجده في نظريات التلقي الحديثة فيما يتعلق بالتفاعل ” Interaction” بين النص والقارئ واكتمال العملية الإبداعية في تكاثر الدلالات. فالفهم والإفهام، ومطابقة الكلام لمقتضى الحال كلها قضايا حرص من خلالها النقد العربي القديم على توجيه الشاعر أو الناثر (الباث).
مما يعني أن الدارسين العرب القدامى قد تعاملوا مع النص وضروب الكلام بالتركيز عن وعي بالذي يتلقى هذا النص، كون المتلقي أو بالأحرى التلقي من مستلزمات العملية الإبداعية.[16] وهذا ما جعلهم يبذلون الوِسع بتقويم النصوص من أجل خدمة المتلقي، وقد وصلتنا أخبار الشعراء وقد وصل بهم الحال حد الجنون بحثا عن الكلمات وانشغالهم بما يجذب المتلقي وصولا إلى استرضائه وهذا ما يسوقه ابن قتيبة (ت: 276ه) حيث يقول: «وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سببا لذكر أهلها الضاغنين عنها … فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه ويستدعي به إصغاء الأسماع إليه لأن التشبيب قريب من النفوس، لائط بالقلوب لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء».[17] هي إذا مكابدة وصعاب ومسالك يتلمس من ورائها الباث إقبال المتلقي عليه، والتودد إليه إكمالا لدائرة التواصل وترصدا لهذا النص قراءة وفهما وتأويلا وترويضا وصولا إلى المعنى.
من كل هذا نلمس بدايات فعلية في عالم التلقي ونحن لا نريد أن نقحم(إقحام) “Incorporation” نظرية التلقي الغربية في موروثنا العربي بكل ما تحمله من أفكار ولكن نريد أن نؤكد أن هناك تلقيا من نوع خاص منفرد ببيئته وبمراحله التي تدّرج ونما فيها واستقام عليها، حيث شهد كما سردنا تحولا جذريا بنزول القرآن (النص)، الذي حث المتلقي من الوهلة الأولى على القراءة، يعتبر النص القرآني من أكثر النصوص حثا على القراءة واستدعاء لها، فهو فضاء دلالي وإمكان تأويلي وكل قراءة له هي اكتشاف جديد لأنها تستكشف بعدا مجهولا من أبعاد النص أو تكشف النقاب عن طبقة من طبقاته الدلالية.[18] إذن فالقراءة والتلقي أصلان متأصلان في الأمة العربية على الخصوص لهما ميزاتهما وخصوصياتهما.
- ابن طباطبة (ت: 322ه):
كما نجد في كتاب ابن طباطبا عيار الشعر اهتماما ظاهرا بالمتلقي وكذا في كتاب أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني (ت: 471ه) وإذا أردنا رصد وتتبع قضية التلقي وجدناها بين ثنايا كتب كثيرة في التراث لا يسع المجال لذكرها كلها، ولكننا وجدناها ماثلة في كتب البيان والتبيين وعيار الشعر وأسرار البلاغة، فهذا الجاحظ (ت: 255ه) يوضح فيما تعلق بالعلاقات وأقدار الكلام بين المتكلم «الباث» والسامع «المتلقي» فيقول: «وينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما، ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات».[19]، وهذا يُظهر العلاقة بين النص والمتلقي والتي تبنى على الذوق الجمالي. يقول الجابري إن الجاحظ جعل المتلقي أساس الكلام ومناطه فهو: «عنصر محدد وأساس في العملية البيانية بل وبوصفه الهدف منها».[20]، فغاية المبدع، المتلقي وكيفية التأثير فيه، وهذا ما أشار إليه الجاحظ في قوله هذا.
أبو عثمان عمرو بن الجاحظ، ويعتبر عيار الشعر لابن طباطبا أهم أنموذجاً للتلقي والذي يوجه فيه الراغب في تكلف صناعة الشعر لأجل الجودة الشعرية، فالكتاب وثيقة نقدية تتحد فيها أعراف النظم الشعري بأعراف تلقيه.[21] وقد تطرق النقاد وعلماء التنقيب عن المصطلحات التراثية النقدية التي وردت في كتب التراث والتي لها علاقة وطيدة بالنظريات الحديثة، ومنها مصطلح «الاعتدال» والمقصود به: «عملية توازن يحقق من خلالها الشاعر الأنس والألفة، وحسن تلقي النص».[22] ولا يكون ذلك إلاّ من خلال دقة الباث فيما يريد تبليغه للمتلقي بتحقيق شيء من التوازن في البناء والتلقي معا. وكذلك مصطلح «اللذة» والذي «يحمل في طياته مفهوم الأثر الذي تحققه درجة معينة من الانسجام في وعي المتلقي فتحدث هذه الاستجابة التي تسبب الشعور باللذة، في أنها تعمل سمة تقويمية لقبول النص».[23] فكانت اللذة هدف يتقاسمه الكاتب أو المتكلم والمتلقي بل يسعى كل منهما إليه.
- القراءة الماهية والمفهوم: Reading
شغل مفهوم القراءة حيزا كبيرا في الدراسات النقدية المعاصرة حيث عكف الباحثون على دراسته من سبل مختلفة تخضع لمرجعيات أدبية شتى، مما أدى إلى اختلاف في الرؤى وتنوع في الطرح والتناول والفهم. وإذا كان للدراسات الأدبية والنقدية تشعبات معرفية جاز لها أن تُظهر مصطلحات علمية “ Termes Scientifique” تتجدد ديناميكيا كلما توغل البحث، حيث تعاقبت على التراث قراءات شتى اقتضاء لضروب الكلام المتنوعة، فظهر ذلك جليا في شكل لطائف وإشارات لم تخضع للتنظير المنهجي بقدر ما كانت مؤسسة على الذوق والانطباع، ومن ثم ارتبطت هذه الممارسات القرائية بنصوص الشعر التي عُرفت قديما بالمحاكمات الشعرية في مقامات متخصصة لها ظروفها، مما يفهم من تلك المحاولات أنها باكورات في حقل القراءة التي من شأنها أن تعمل دلالات لغوية ومقامية، لقد كانت في بادئ الأمر مصطلحا ذهنيا عقلانيا يقع استجابة لأثر نصي مدون فهي فعل اكتشاف قبل أن تكون فعل كشف من طرف القارئ الذي يجند كل طاقاته وحواسه من أجل الفهم والاستيعاب حيث ينتقل من مستوى التلقي إلى مستوى الإنتاج والإبداع.
- إشكالية المجاز “ Tropes“:
لم يتحدد مصطلح المجاز عند اللغويين القدماء بمدلوله الذي عرف به من بعد، والمجاز في معجم العين بمعنى: «جزت الطريق جوازا، ومجازا، وجوازًا … والمجاز: المصدر والموضع والمجازات أيضا… وجاوزته جوازا في معنى جزته، والتجاوز ألا تأخذه بالذنب، أي: تتركه».[24] فالمجاز في اللغة يعني العبور والمرور فنقول جاز الشيء أي تعداه، وتجاوزه، تركه دون مآخذه، وعرفه ضياء الدين ابن الأثير (ت: 637ه) بقوله: «وأما المجاز فهو ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة وهو مأخوذ من جاز هذا الموضع إلى هذا الموضع إذا تخطاه إليه، فالمجاز إذا اسم للمكان الذي يجاز فيه … وحقيقته هي الانتقال من مكان إلى مكان فجُعل ذلك لنقل الألفاظ من محل إلى محل».[25] والمقصود بالمجاز في قول ابن الأثير هو أن تتعدى المعنى الظاهر الموضوع إلى معنى خفي تجوزا، كأن نعبر ونرتحل من المعنى الموضوع في اللغة إلى معنى قريب منه.
أما الجرجاني الشريف (ت: 816ه) فالمجاز عنده: «ما جاوز وتعدى عند محله الموضوع له إلى غيره، لمناسبة بينهما، أما من حيث الصورة أو من حيث المعنى اللازم المشهور أو من حيث القرب والمجاورة كاسم الأسد للرجل الشجاع، وهو اسم لما أريد به غير ما وضع له، وهو (مفعل) بمعنى (فاعل) من جاز إذا تعدى وكألفاظ يكنى بها الحديث».[26] ومن التعريفات السابقة للفظ المجاز والتجاوز نخلص إلى أنه يتعدى اللفظ المعني الذي وضع له في اللغة إلى معنى آخر متخطيا بذلك المعنى الحقيقي للكلمة اعتمادا على قرينة ما، اتفق علماء اللغة والأصول على دلالته الاصطلاحية والتي استمدت من المعنى اللغوي للكلمة فيعرفه عبد القاهر الجرجاني : بأنه: «هو كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول».[27]
أما ابن جني (ت: 392ه) فالمجاز عنده: «دلالة على جميع الصور البيانية تارة وعلى المعنى المقابل للحقيقة تارة أخرى، بل على معالم الصورة الفنية المستخلصة من اقتران الألفاظ بالمعاني».[28] فمن خلال هذا التعريف يتضح أن الحقيقة والمجاز ظاهرتان متقابلتان. ويتضح أن المجاز يسمح للألفاظ بالارتحال بين المعاني وكأنه يمدها بحركة متواصلة وديمومة لا تنقطع، مما يجعل النص منفتحا على قراءات متنوعة مثمرة بشرط توفر القرائن وعدم الخروج عن السياق العام. عند استقرائنا لتطور مصطلح المجاز وجدنا أراء متباينة للعلماء على اختلاف اتجاهاتهم تبين أن ثمة خلافا بين العلماء؛ إذا تباينت آرائهم بشأن وقوع المجاز في القرآن فأنكرت وجوده في اللغة تبعا لذلك، وكان من أكثر المنكرين لذلك وأشدهم الظاهرية، حيث أخذوا بظاهر الكتاب والسنة وأعرضوا عن التأويل والرأي. فمصطلح المثل ذُكر عند المفسرين من أمثال ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وكذلك ورد عن أهل اللغة مما يدل على أن المجاز كان له حضور ولكن بمسميات أخرى، ، وقد تعددت وجوه اللفظ عند علماء البلاغة والتفسير وقرّبت الدراسات المفسر من مفهوم المجاز حيث نرى أن مصطلح (المجاز) يتقدم خطوة للأمام، إذ يكشف مقاتل عن العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي فكلمة مجاز ظهرت عند علماء التراث بأسماء أخرى كما أن هذه الألية استخدمت عندهم على نطاق واسع وهذا من خلال اعتمادهم على علائقها بين أصل اللفظة والمعنى المجازي، وهذا الظهور أشير إليه بمصطلح المثل. وقد ذكره سيبويه (ت :180ه) بغير اسمه، حيث سماه: اتساع الكلام والاختصار وهذا في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾.[29] قال: «إنما يريد أهل القرية فاختصر وعمل الفعل في القرية، كما كان عاملا في الأهل».[30] فهو يعني باختصار الاتساع في المعنى المعتمد على فعل التأويل.
ويجمع النّقاد والباحثون في الشأن البلاغي على أن المصطلح نضج على يد أبي عثمان الجاحظ المعتزلي (ت :255هـ) ويعتبر أول من استخدم لفظة المجاز بمعناها الذي استقرت عليه في الحقل البلاغي لاحقا كقسيم للحقيقة.[31] وهذا ما ظهر جليا في كتبه وخاصة كتاب الحيوان من خلال تفسيره لبعض النصوص فيلتمس لها معناها الخفي تأويلا عابرا بذلك ومتجاوزا مقتضى الظاهر، حيث اعتبر من أنكر المجاز بأنه جاهل بكلام العرب، وكذلك ابن قتيبة من خلال كتابه تأويل مشكل القرآن ورده على من أنكروا وجود المجاز في القرآن ونعتهم بالجهل، كما أنه ورد في كتب أخرى إما استطرادا أو فصلا في كتاب.
- فعل التأويل ودلالة اللفظ المجازي:
فالعقل هو الكاشف لهذا المجاز، فليس في المفردات ما يدل على المجاز وإنما نتوصل إلى المجاز عن طريق التركيب والإسناد اعتمادا على العقل والفطرة السليمة، ويكون إسناد الفعل فيه إلى غير ما هو له علاقة بينهما مع وجود قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي، قال تعالى: ﴿… وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.[32] فقد نسبت الزيادة وهي فعل الله إلى الآيات لكونه سببا لها.
اشتهر عند العلماء أن الحذف نوع من أنواع المجاز، وهناك من سماه بالإيجاز، والإيجاز: في اللغة التقصير: فنقول: أوجزت الكلام، أي قصرته، وكلام موجز.[33] وفي الاصطلاح: التعبير عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ مع الوفاء به، وإلا كان إخلالا يفسد الكلام.[34] والإيجاز القصر والحذف، فالقصر: تقليل الألفاظ وتكثير المعاني، ومجاز الحذف، فوائده كثيرة فمنها التفخيم والإعظام وزيادة لذة بسبب استنباط الذِّهن للمحذوف، فكلما كان الشعور بالمحذوف أعسر كان الالتذاذ به أشد وأحسن، وأسراره كثيرة للعلماء فيها أقوال، ومعنى المجاز أن يتجوز بالشيء موضعه وأصله، فالحذف بمجرّده لا يستحق الوصف به لأن ترك الذكر، وإسقاط الكلمة من الكلام، لا يكون نقلا لها عن أصلها إنما يتصور النقل فيما دخل تحت النطق، فيتغير بذلك المعنى ويترتب عليه تغير حكم من أحكام المجاز.[35]
مثال في قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ …﴾.[36]، فقد دل العقل على الحذف والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرم عليكم تناول الميتة والدم ولحم الخنزير، لأن الغرض الأظهر من هذه الأشياء هو تناولها أن يدل العقل على الحذف والتعيين، الحذف عموما بحث مترامي الأطراف، فهو ظاهرة منتشرة في كثير من أبواب النحو، والصرف والبيان، حيث كثر استعمال الحذف في الشعر الجاهلي، فـ «ما حذف منه الفعل كثرته في كلامهم حتى صار بمنزلة المثل، وقول ذي الرمة بصدد ذكر الديار والمنازل:
دِيَارَ مَية إذ مَيٌّ مُسَاعِفَةٌ * ولا يَرى مِثلَها عُجْمٌ ولا عَرَب
بنصب (ديار) كأنه قال: أذكر ديار مية، ولكنه لا يذكر (أذكر) لكثرة ذلك في كلامهم واستعمالهم إياه.[37] وموضوع الحذف مهم لعلاقته بنظرية الاقتصاد اللغوي التي كثرت حولها الدراسات النقدية مؤخرا ومجاز الحذف عموما مترامي الأطراف لا يمكن حصره في هذا البحث.
وأما الزيادة فقوله تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾.[38] على القول بزيادة الكاف، أي: ليس مثله شيء، فإعراب (مثله) في الأصل هو النصب، فزيدت الكاف، فصار جرا، وأكثر أهل العلم قد ترادفت كلمتهم على زيادة الكاف بل على وجوب زيادتها في هذه الجملة، فرارا من المحال العقلي الذي يفضي إليه بقاؤها على معناها الأصلي من التشبيه، إذ رأوا أنها حينئذ تكون نافية الشبيه عن مثل الله.[39] فمن خلال آلية المجاز يصير ذلك الحرف المزيد مؤثرا في المعنى تأثيرا بليغا، إذ به يتحدد المعنى ولو حذف أو غُير، لتغير تأويل القارئ وتعددت القراءات، فلو رجعت إلى نفسك قليلا لرأيت هذا الحرف في موقعه محتفظا بقوة دلالته، قائما بقسط جليل من المعنى المقصود في جملته، وأنه لو سقط منها لسقطت معه دعامة المعنى أو لتهدم ركن من أركانه.[40] فلو أمعنا النظر في قراءات الجمهور لهذه الآية بناء على وجود الحرف واعتمادا على آلية المجاز، ثم تأويلاتهم لها مجردة من الحرف لتباينت القراءات واختلفت.
فلو قيل: «ليس مثله شيء» لكان ذلك نفيا للمثل المكافئ، وهو المثل التام المماثلة فحسب، إذ أن هذا المعنى هو الذي ينساق إليه الفهم من لفظ المثل عند إطلاقه، وإذا دب إلى النفس دبيب الوساوس والأوهام: أن لعل هنالك رتبة لا تضارع رتبة الألوهية ولكنها تليها، وأن عسى أن تكون هذه المنزلة للملائكة والأنبياء أو للكواكب وقوى الطبيعة، أو للجن والأوثان والكهان، فيكون لهم بالإله الحق شبه ما في قدرته أو علمه، وشرك ما في خلقه أو أمره … فكان وضع هذا الحرف في الكلام إقصاء للعالم كله عن المماثلة وعما يشبه المماثلة وما يدنو منها، كأن قيل: ليس هناك شيئا يشبه أن يكون مثلا لله، فضلا عن أن يكون مثلا له على الحقيقة.[41] أما التأويل الثاني وهو أدقهما مسلكا، أن المقصود الأولي من هذه الجملة وهو نفي الشبيه وإن كان يكفي لأدائه أن يقال: «ليس كالله شيء» أو «ليس مثله شيء» «لكن هذا القدر ليس هو كل ما ترمي إليه الآية الكريمة، بل إنها كما تريد أن تعطيك هذا الحكم تريد في الوقت نفسه أن تلفتك إلى وجه حجته وطريق برهانه العقلي …فمثله تعالى لا يكون له مثل، تعني أن من كانت له تلك الصفات الحسنى وذلك المثل الأعلى لا يمكن أن يكون له شبيه ولا يتسع الوجود لاثنين من جنسه، فلا جرم جيء فيها بلفظين كل واحد منهما يؤدي معنى المماثلة، ليقوم أحدهما ركنا في الدعوى، والآخر دعامة لها وبرهانا، فالتشبيه المدلول عليه بالكاف، لما تصوب إليه النفي تأّدى به أصل التوحيد المطلوب ولفظ (المثل) المصرح به في مقام لفظة الجلالة أو ضميره نية على برهان ذلك المطلوب».[42] وهذا من عجائب أثر الحروف في المعاني وارتكاز أحكام العقائد والعبادات والمعاملات عليها.
إن سر المجاز في تحقيق الفعل القرائي عجيب، إذ به تتسع المعاني وتتناسب وفق السياقات «فالقول بزيادة الكاف، أي: ليس مثله شيء، فإعراب مثله في الأصل هو النصب، فزيدت الكاف فصار جرا».[43] وهكذا فالقراءة والتأويل أفعال تسهم في تنوع الدلالات واتساع المعاني ومرونة الألفاظ وهذا ما يشير إليه علي حرب حيث يقول: «إن مفردة القراءة تجتاح مساحة الخطاب مقدمة بذلك مثالا على أن الكلمة تحيا حياتها ويتسع معناها باتساع مجالها التداولي وخرقها للمواضعات اللغوية عبر المجازات والاستعارات الفردية وكل مجاز هو عبور نحو فضاء جديد تنكسر معه قوالب المعرفة وحتميات الواقع».[44] إن المجاز اقتضته النصوص المفتوحة وما يسمى اصطلاحا في علوم القرآن بالمتشابه وهو النص الذي يحتمل عدة تخريجات ومرادات بفعل الاجتهاد وعمل العقل.
لقد تقفى علماء التراث أثر المعنى فالتمسوه بين ثنايا الكلمات والتراكيب، واعتمدوا في ذلك على آليات متعددة وفق علوم وفنون كثيرة، كل بحسب ذوقه وتطلعه في علم النحو والبلاغة والأصول والتفسير والتأويل، إذ جعلوا كل علم قائما على نظرية ابتدعوها، فأسسوا لها وقننوا لكن دونما تنظيم أو بالأصح لم تخضع تلك المقولات إلى العلم التنظيري المعروف في زماننا هذا، فهذه نظرية النظم التي اعتمدها جل العلماء في ضبط دلالة الألفاظ اعتمادا على التسلسل المكاني أو الحيز الذي تسكنه اللفظة في بيت التركيب، فمن خلال تلك البنية للكلمة بين اللفظتين يتحدد معناها، وهذا ما نراه متجليا في كتب كثيرة من كتب التفسير ولكن ما نحاول التركيز عليه هو آلية المجاز وعلاقتها بالفعل القرائي.
- المجاز وعلاقته بمقصدية الخطاب:
كثير ما التبس الأمر على المترصدين للمعاني في بحر الألفاظ إذا احتلت الألفاظ المعنيين الحقيقي والمجازي فلم يتوصل الناس إلى ترجيح يطفأ نار الخصام ويخمد فتيلها فدارت رحى الحرب بين الفرق الإسلامية والمدارس الفقهية واشتد الصراع الفكري، وامتد إلى العقائد والتوحيد والسبب في كل ذلك قصدية الألفاظ ومعانيها، وارتكز جل العلماء على آلية المجاز اِتقاء للمحظور محاولين بذلك الدفاع عن العقيدة من خلال تقريب الأمة الإسلامية إلى فهم النص القرآني، وخاصة المتشابه منه، فكان المخرج من هذا الجبّ هو المجاز. ولكن ليس الأمر بهذه البساطة فقد يحار المؤول بين المعنى الحقيقي والمجازي، خاصة إذا تزاحمت الأدلة واحتشدت البراهين وتوافقت القرائن، فلا يهتدي إلى سبيل مع العلم أن الله عز وجل أنزل كتابه على هذا القارئ العربي الذي نشأ في بيئة عربية وقد عاين نزول الوحي، ومنح شرف مصاحبة فاهمه؛ إذ كان قرآنا يمشي بين الناس، إلاّ أنه التُبس على القارئ الأمر وإذا كان هذا حاله فما حال القارئ في زماننا هذا والمنعزل والمنقطع عن ذلك النبع.
وسبب إشكال المتشابه أن القرآن الكريم يخضع في إلقاء معارفه العالية لألفاظ وأساليب معانيها محسوسة، ومن ثم لم تكن تفي بتمام المقصود إلا بالاعتماد على الكنايات والمجازات فوقع التشابه فيها وخفي وجه المطلوب إلا على أولئك الذين نفذت بصيرتهم، وكانوا أعلى مستوى رفيع في العلم.[45]وكلمات القرءان مثقلة بالمعاني مشحونة بمختلف الدلالات بل هي ذات نفس وروح تتحرك وفق الزمان والمكان ملغمة ،ومع ذلك يجب على القارئ أن يتوجس خيفة كما ثبت عن حال الرعيل الأول رغم رسوخهم في العلم بل هم مهد العلم بما شربوه من نبع النبوة الصائب، فاستثناهم الله ووفقهم لفهم نصوصه الخفية فقال تعالى:﴿ …وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ…﴾.[46]
فالتأويل منزلة لا يبلغها إلا لمن شاء الله له ذلك، لأن الرسوخ في العلم يوازي الخوف من الله المعبود والامتناع عن الشبهة، فكأن فعل القراءة (التأويل) منزلة جليلة وفتح من الله على من اصطفاه، ومما تشابه على الناس واختلفت حوله القراءات حتى إن بعض التأويلات بلغت حد الزيغ والظلال لفظ اليد. وقد ذُكرت في آي القرآن بأوجه كثيرة قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ …﴾.[47]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾.[48] وقال أيضا: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء…﴾.[49] اعتمد أهل التأويل في قراءة هذه النصوص على أدلة عقلية بعيدة عن الأدلة اللغوية، وقد ارتكزوا في ذلك على آلية المجاز، إلا أنهم اختلفوا في معناها، أتقرأ على ظاهرها دون تأويل أم تثبت دلالتها على الحقيقة دون تكييف؟ وعليه فالهدف العلمي والدراسة الأكاديمية تفرض علينا ألا نقف عند قراءة واحدة أو مؤلف واحد لتميز كل قارئ حسب ما اعتمد من أدوات إجرائية خاصة لفك استغلاق النص ووقوفا عند القيم الجمالية التي يتحقق بها الفعل القرائي.
لقد فسرها إمام المفسرين ابن جرير الطبري بعدما أبطل كثير من الأقوال، حيث قال: «ما أعلم به عباده أن نعمه لا تحصى، مع ما وصفنا من انه غير معقول: في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع ما ينبئ عن خطأ قول من قال معنى اليد في هذا الموضع: النعمة. وصحة قول من قال: إن (يد الله) هي له صفة، قالوا: وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله، وقال به العلماء وأهل التأويل».[50] فقد دحض أقوال بعض الفرق كثيرة وأثبت دلالة اليد على حقيقتها وانتصر لظاهر الألفاظ أي ما أثبته الله لنفسه من الصفات في كتابه الجليل وكذلك ما تواترت به الأخبار عن نبيه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فالقول في تأويل قوله تعالى:﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ …﴾ .[51] «وهذا خبر من الله تعالى عن جرأة اليهود على ربهم، ووصفهم إياه بما ليس من صفته، توبيخا لهم بذلك، وتعريفا من نبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغتراسهم به، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم أجذامهم، واحتجاجا لنبيه محمد ص بأنه له نبي مبعوث ورسول مرسل».[52] وكما هو معلوم من كتب السير أن الرسول ص كان يخبرهم دائما بأمور هي من كتبهم ولكنهم أضمروها حتى لا يكشف أمرهم وإعلامهم به هي بمثابة حجة عليهم، بأنه نبي مرسل ولا ريب في ذلك يقول تعالى ذكره:﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾من بني إسرائيل:﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾يعنون أن خير الله متمسك وعطاءه محبوس عن الاتساع عليهم، وقد عمد الطبري إلى حشد كثير من الحجج ثم يحاول إبطالها، بما يراه أقرب إلى المعنى المراد، حتى انه يصفهم بأهل الجدل، وكأنه ضمنيا من خلال هذا الوصف بان مقارباتهم باطلة واهية. ثم يواصل إبطال أقوالهم فيقول وإذا كان كذلك بطل قول من قال: معنى: «اليد» من الله القوة والنعمة أو الملك في هذا الموضع. قالوا: وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون أن «يد الله» في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ …﴾.[53] هي نعمته.
قيل: «بل يده مبسوطة» ولم يقل: «بل يداه» لأن نعمة الله لا تحصي كثرة، وبذلك جاء التنزيل، يقول الله تعالى:﴿…. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا …﴾.[54] قالوا: ولما كانت نعمتين، كانت محصاتين، قالوا فإن ظن أن النعمتين بمعنى الكثيرة فذلك من خطأ وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظة الواحد عن جميع جنسه، وذلك كقوله تعالى ذِكره ﴿وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.[55] فالطبري يعتمد في بحثه عن مقصدية الخطاب وقوفا على الظاهر من الألفاظ مستعملا آليات أخرى غير المجاز ومع ذلك لفقت له تهم في عقيدته ودينه من أقرانه، فعاش الفتن والمحن، رغم ذلك يعتبر من كبار أهل التفسير عند أهل السنة والجماعة قاطبة سواء كانوا من أهل الحديث أم الحنابلة أم الشافعية أم المالكية أما أسلوبه في التفسير فعرف بقضية “الظاهر المفهوم”، والتي يتخذها أصلا للكشف والترجيح بين الأقوال والتوصل لقراءة الخطاب القرآني واعتماده الظاهر من النصوص منهجا اتخذه مخافة انجراف وانحراف قلمه نحو التأويل المذموم، وهو يعمد إلى أمر آخر يجعله شرطا من شروط التأويل وهي “القرينة” والتي تتمثل في سبب النزول أو تفسير القرآن بالقرآن أو كلام العرب أو قرينة أخرى تجعله يصرف اللفظة من معناها الظاهر إلى المعنى الخفي.
وأمام حرمة وقدسية هذه النصوص التي لا يمكن ردها إلى الحقيقة يجد القارئ المتهيب من خشية الله نفسه على عتبة آلية المجاز تأويلا لما أشكل وتوارى، ولكن دون تجاوز الضوابط خاصة إذا علمنا أن الكثير من الفرق إنما ظهرت واختلفت بناء على تباين طرق التأويل «لأن الفرق الإسلامية التي كان يكفّر بعضها بعضا نشأت من التأويل للشريعة من غير ضوابط عرفية وقوانين لغوية مما أدى إلى التباغض والحروب وتمزيق الشرع كل ممزق».[56] ومنشأ هذا الخلاف تعدد إسقاطات القرّاء واحتجاجهم بغير ما جاء به القرآن، كل حسب حزبه ومرجعيته.
فجاء التأويل عند الأشاعرة ردة فعل وهذا ما جعلهم ربما وقعوا في إشكالات عديدة جلبت إليهم الشبهة ومعاداة أهل الحديث أو النصية أي الذين يأخذون بظاهر النصوص دون تأويل. فسبيلهم تأويل الظاهر نفورا من التجسيم أو التشبيه، فعطلوا دلالة الألفاظ من حيث الظاهر قال الفخر الرازي: «إن جميع فرق الإسلام مقرون بأنه لابد من التأويل في بعض ظاهر القرآن».[57] من خلال هذا الرأي فإن التأويل عنده أمر لا مفر منه للقارئ في بعض متشابه القرآن؛ إذ لا يمكن بحال من الأحوال رد الكلام إلى الحقيقة وإلاّ فقد ارتكبنا إثما عظيما في حق الخالق عز وجل وعليه فدلالة اليد عنده ارتبطت بتأويلات مهمة اعتمد فيها على أدوات متنوعة نحاول اقتفاء أثرها من خلال قراءته لهاته النصوص.
وهذا ما جعل القراءات للنص الواحد تختلف حسب تأويل كل متلقي وثقافته وما يختلجه من عقائد وأحوال نفسية، وعلى كل قد ثبت بما لا يحتمل الشك أن لأهل التراث جهودا وإسهامات قرائية وقوفا على مقصدية الخطاب، وقد وظفوا آليات لغوية وسياقية كثيرة اختلفت حسب كفاءة وخلفية كل قارئ والعلم الذي بزغ فيه، وأكثر ما يشد الباحث في هذا المجال كما ظهر علم التفسير والتأويل وعلم الأصول والبلاغة والنحو وغيرها وإضافة إلى علوم أخرى كالفلسفة والمنطق، فلمسنا من خلال دراستنا أنهم اتخذوا النص القرآني مادة للبحث والتشريح، فتزاحمت أقلامهم وتسابقت للظفر بالمعنى، وهذا ما جعل تلك الجهود القرائية تسعى إلى أعلى مراتب الجمال البياني والإبداع الفني لارتباطها بأعلى أنموذج للنصوص وهو النص الرباني.
وقد حاولنا البحث والجمع والوصل بين طريقة قُراء النص وتصور المعنى عند أهل التراث والحداثة توضيحا لأهمية تلك الجهود والكفاءات القرائية والتي ربما تحتاج من الدارسين والنقاد العرب إعادة قراءتها ومن ثم الاستثمار فيها وتنظيرها وفق خصوصياتها وتماشيا ومراعاة لتطلعات مجتمعنا وبما يفرضه علينا زماننا، لأن هذه الإسهامات لا تقل شأنا عما وصل إليه النقاد من نظريات في حقل القراءة عند الغرب. والحاصل من هذه القراءات للنص الواحد أنها اختلفت وتباينت فصار الفعل القرائي خاضعا لمنظومات قرائية متعددة، أفرزت خلافا بين قراء القرآن، إذ هو في الحقيقة خلاف في المرجعيات والأسس الثقافية التي تم الاستناد عليها، فأسهمت في صرف وتوجيه دلالة النصوص، مما جعل بعض الفرق تنتهك قدسية وهيبة الخطاب القرآني ،فتحاول التغيير في البنية التركيبية لأجل التأويل دون مراعاة حتى لمسالك العرب في فنون القول، مما جعل كثير من القراءات توصف بأنها ترف تأويلي أو فوضى قامت على أثرها حروب في العقائد مازالت تلقي بضلالها إلى يومنا هذا.
إن «طائفة من المفسرين من الفرق المبتدعة قد اتخذوا المجاز سلما للتأييد مذاهبهم المنحرفة ومعتقداتهم الباطلة وذريعة للوصول إلى مبادئهم الخاطئة المبنية على إنكارهم لمعاني آيات الأسماء والصفات الحقيقية، أو تأويلهم إياها بمعاني غير صحيحة، إذ نراهم يقفون أمام الآيات التي تبدو في ظاهرها غريبة مستبعدة موقف النفور من جواز إرادة المعنى الحقيقي، والتخلص من هذا الظاهر المستغرب بصرف نصوص الوحي عن حقيقتها وحملها على المجاز أو التمثيل، وبهذا ارتكبوا جريمة التحريف لفظيا أو معنويا».[58] لقد جاءت أراء الأشاعرة في بداية الأمر لفهم بيان أصول الدين بالمنطق والاستدلال مستمدين ذلك من الآراء الكلامية السابقة متخذين حلا وسطا بين أصحاب الحديث وأهل السنة من جهة ومذهب المعتزلة من جهة أخرى، باستعمالهم العقل في دقة حججهم بالرد على المعتزلة رجحوا مقوله: «النظر واجب بالعقل»، من حيث هو مصدر الإلزام لمعرفة الله، وبالرد أيضا على أهل النص من السنة وأهل الحديث الذين يميلون إلى الإيمان بالشرع لا غير، ومن هنا كانت أراء الأشعرية الكلامية قائمة على الجمع بين العقل والإيمان فالأشاعرة على خلاف المعتزلة الذين اعتمدوا في الفعل القرائي على المدارك العقلية .
أما قراءة المعتزلة، فإنهم جعلوا الأمر أكثر تعقيدا خاصة في تعاملهم مع بعض الصفات، إذ نفوا أغلبها، فهذا النظّام (ت221ه) وهو من كبار المعتزلة يقول: إن صفات الله إنما هي صفات سلبية لا تقتضي للذات شيئا زائدا عليها، فإذا قلت إنه عالم أثبت لله علما هو ذاته ونفيت عن ذاته الجهل، وعن ذاته العجز ودللت على أن هناك مقدورا له.[59] هي إذن قراءة فلسفية حادت عن الصواب، كما أنها لا تقوم على أي قرينة تذكر، وقد خالفت نصوصا قطعية لا تحتاج إلى تأويل في كتاب الله. أما تأويلات الشيعة فإنها لا تلتزم بمنهج واضح وآلية واحدة، كما انها قراءة تعتمد بالإضافة إلى آلية المجاز على السياق، ثم إنهم في قراءة اليد يعمدون إلى إلباسها معاني كثيرة حسب موردها في النص، زيادة على ذلك فإنها قراءات تخدم المذهب لا غير.
فالقراءة السليمة والمذهب الحق في الصفات هو إمرارها على ظاهرها من غير تأويل، ولا تحريف ولا تكلف ولا تعسف ولا جبر، ولا تشبيه ولا تعطيل، وان ذلك هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم».[60] أما فيما يتعلق بالرد على شبهة عدم التأويل والتنفير منه خاصة فيما خُفي على العامة فقد أثبت السلف أن الأمر يتخلله اللبس وعدم الفهم والخلط، لأن القرآن محكمه ومتشابهه معلوم المعنى، ولم يقل أحد من السلف، إن في القرآن آيات لا يعرف أحد معناها، بل هذا القول يجب القطع بأنه خطأ، كيف والله تعالى أمرنا بتدبر القرآن مطلقا حيث قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.[61] وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات، ومالا يعقل له معنى، لا يُتدبر ولم يستثنى شيئا منه نُهي عن تدبره. إن استعمال آلية المجاز استعمالا مطلقا لها مزالق خطيرة على فهم القرآن، وعلى اللغة أيضا، قد يؤدي إلى انعدام الضوابط الدلالية المعلومة، لتحديد مقاصد النصوص، وما نخلص إليه من خلال هذه القراءات أنه لا يمكن أن نسد أبواب المجاز ونمنع على القارئ إمكانيات قرائية أثبتها العلماء ثم عُرف القراءة إن صح التعبير. فلا يمكن بحال من الأحوال أن يأمرنا الله عز وجل بالتدبر والتأويل وفهم النصوص وفي الوقت ذاته يعجزنا بعدم تحصيل المقصود، إنما العجز في المعاني الغيبية كالصفات والبعث، فإن الله عز وجل يتحدى كل من سولت له نفسه كشف المستور بامتلاكه كل آليات القراءة والتفسير والتأويل إلاّ أنه يصاب بالانبهار أمام النص الرباني، وعليه فالقارئ المبحر في عالم النصوص خاصة التي تؤدي إلى مالا يحمد عقباه، فتجلب غضب الله عز وجل، فلا وسيلة ولا أداة ولا مخرج للقارئ إلا المجاز وتأويلها دون معارضة الدين والعقيدة.
لقد كان المجاز مخرجا مهما وحلا ضروريا في معالجة المسائل والقضايا التي وقفت عندها الفرق والمذاهب الإسلامية خاصة فيما يتعلق بالصفات الإلهية ورؤية الله واليوم الآخر وغيرها من المتشابهات التي أثارها التفسير الظاهري أو الباطني للقرآن الكريم، فأدى المجاز إلى رحابة في اللغة تجاوزت الألفاظ اللغوية إلى أعلى مستويات التطور الدلالي الإبداعي.
فآلية المجاز مخرج كل قارئ من مأزق ظاهر الألفاظ، وحرج انغلاق النصوص، حيث لا يمكن بأي حال من الأحول أن ينصرف التفسير إلى الظاهر لان مثل هذا التفسير يتنافى مع جلالة الخالق وعلوه سبحانه.[62] فبهذه الألية يتحرر القارئ من قبضة صور الألفاظ الحقيقية إلى سعة في الخيال ورحابة في المعاني، فتفتح له أبواب التأويل وتوليد الدلالات وتضخ بذلك دماء جديدة في النصوص التي تجعل المؤول يرى فيها صوره فيتفاعل ويعيش في كنفها مدة من الزمن، وبذلك تكتب حياة جديدة للنص مشتركة بينه وبين قارئه، و «اعلم أن من حق المجاز إذا استعمل ألا يراعي معناه كما يراعي ذلك في الحقائق، لأن ذلك يوجب كونه في حكم الحقيقة، لأنه إن رُوعي معناه وجعل نابعا له وأجرى حيث يجري معناه حل محل الحقيقة».[63] فهذا الخرق الذي يتحقق على واقع الألفاظ بفضل آلية المجاز يجعل للمتلقي سلطان على النص فيشكل المعاني وفق قوالب يصنعها هو بإبداعه الخاص مع المحافظة على جدران الألفاظ التي قد يستعملها أوعية لأفكاره فتنقاد وفق ما يريد ووفق ما يصنع.
يقول على حرب في فاعلية المجاز: «ولكن ما الذي يحيل اللفظة من محض علامة إلى فسحة خالقة؟ وما الذي يكسب النص الأدبي قدرته على الإيحاء؟ إنه «المجاز» فالنص البلاغي لا يقول الأشياء بحرفيتها أو بشكلها الساذج والغَفْل، ولا يقرر الأمور بطريقة مباشرة أو بلغة المعادلات، بل هو يلجأ دوما إلى الكناية والاستعارة ويتوصل التلويح دون الإيضاح وهذه الطاقة على الإيحاء التي يمتلكها المجاز هي التي تشكل الفسحة التي تقوم بها اللغة الشعرية والأدبية عامة».[64] إن التطبيقات والإجراءات المجازية والقراءات المرتكزة على المجاز أعطت لنا المناخ الفني والبياني والجمالي للقراءة الإبداعية دون الإخلال بالبناء اللغوي.
و«اللغة لا تقول الأشياء، بحرفيتها أو بشكلها الساذج والغفل، لأن المجاز يقيم الفجوة بين الكلمات والأشياء ويقتضي عودة المعنى، وكل عودة هي استعادة، وكل استعادة هي اختلاف بقدر ما هي تشابه، والمعنى إذ يعاد ولا يتكرر بل يتحول إلى طبقة متراكمة من التأويلات، واللغة تتسع للمحكم كما للمتشابه وتحتاج لتأويل يستعيد الدلالة المفقودة أو الأصلية».[65] فالمجاز يعطي للقارئ إمكانية التأويل والقراءة ويجعل النص في حيوية دائمة لا ينفصل المجاز على تحديد هوية الكلام الذي ينصرف التأويل المجازي إليه، فالكلام المجازي يسمح بالاتساع بل هو الفضاء الذي يتحرك فيه التأويل.[66] فالقارئ المتمكن هو ذاك الذي يخرج عن المألوف بخرقه المعايير الضيقة للكلمة فيُلبسها ما يشاء دون المساس بأساس البناء
فالمجاز يمنح للفعل القرائي المجال والمناخ الإبداعي الذي يسبح فيه القارئ فيحاول أن يجسد ويصنع معنى يخترق به السائد، فيتربع على عرش النص ويمتلكه. يقول على حرب: «أن يقرأ الواحد لكي يخلق ويبتكر فيما هو يكتب ويفكر، لكي يتغير ويغير عبر ما تنسج عنه القراءة من سلاسل الإحالة وشبكات الاستعارة أو من مجازات الخيال ومركبات الفهم، ولذا مع كل قراءة خصبة وفعالة نعبر نحو أفق جديد، تتشكل معه بؤر جديدة للمعنى أو تتغير خرائط الفهم».[67] فلا يُعترف في منطق التلقي والقراءة، بقراءة صماء لا تأتي بجديد، حيث لا تخرج عن حدود الكلمة وإن أسمى درجة تبلغها بأن تنقب على قصد الباث لا غير فتكون حبيسة المؤلف مكبلة بأغلاله. والمجاز بالإضافة إلى انه يسهم في تحقيق المعنى من خلاله الدلالة غير المباشرة إلى الأصل، فهو ينهض بوظيفة جمالية قوامها التأثير في نفس المتلقي فهو يشده ويثيره للبحث عن المعنى وامتلاكه والقبض على الدلالة الكامنة، فتترسخ وتصبح أوقع في نفس المتلقي فتنفذ إلى وجدانه.[68]، لقد اتفق أكثر أهل البيان والمشتغلين في حقل النصوص والمنقبين عن المعاني أن لآلية المجاز دور هام في تحقيق الفعل القرائي فهو يمنح للقارئ دلالات واسعة في أفاق المعرفة.
يكتب النص مسحة تخيلية بفضل المجاز والذي يجعل الألفاظ أكثر طواعية للقارئ يتصرف فيها أنّ يشاء. يقول على حرب: «اللغة المجازية تتطلب على الدوام التفسير والتأويل فما دامت الألفاظ كنايات واستعارات، ومادامت الكلمات حقوق واحتمالات».[69] وهذا ما يجعل القراءة مثمرة وفعالة، فالقارئ لا يتوقف عند النصوص منبهرا عاجزا بل عليه أن يخترق حصون النص، فاتحا ومغيرا، فيضفي على النص دلالات جديدة واحتمالات اكتسبها من تجاربه يبثها وينفثها في الكلمات اعتمادا على آلية المجاز التي تسعفه ليجعل النص يعيش مدة أطول.
بفعله هذا ليس متجنيا أو مستوليا على نصوص غير، فالنص لم يعد ملكا لصاحبه. «نرى أن النصوص ليست وقفا على أمة أو طائفة، وإنما لها طابعها الإنساني الشامل ولها إشعاعها خارج أطر الزمان والمكان … فتتراوح فيها الأصالة والمعاصرة وتتفاعل الثقافات وتترأى الذوات على نحو متبادل».[70] حيث يكتب للنص الديمومة الزمانية والبقاء طويلا لأنه لم يتحدد بزمن معين أو شخص بعينه أو ثقافة منحازة، هي خصائص إذن يتصف بها كل نص منفتح على عدد لا متناهي من القراءات والتأويلات.
يقول على حرب: «إنه متعدد المعنى، ملتبس الدلالة، كثيف المفهوم، متوتر الوجهة، إشكالي القضية والأطروحة … لذا فهو يحتمل غير قراءة بقدر ما يختزن مالا يتناهى من القراءات التي تراكمت وتفاعلت في ذهن مؤلفه لكي تسهم في تشكيله وظهوره».[71] فيجب على القارئ إذا أراد أن يحقق الدائرة التواصلية أن يسمح للنص بمعانقة المستقبل ولا يربطه بحادثة معينة، أو أن يدعي امتلاكه بمجرد احتمالاته، فالنص قابل ومنفتح على قراءات كثيرة، ففعل القراءة يبحث عن طرائق لتشغيل النص وإخراجه من مدار الجمود إلى الحركة إلى التنفس في فضاءات المعرفة والانفلات من الدائرة المغلقة حسب تفاوتات القارئ فالقبض على القراءة ليس بالأمر الهين ولا بالكم النهائي، فالقراءة هي الإسهام في النفاذ إلى دواخل النص ورصد قوانين بنائه المتكتمة في صميمه والمتسترة في أقاصيه وأغواره.[72]
وهذه المغامرة القرائية اتجاه جاذبية النصوص أرغمت كما أسردنا على أسلافنا حتمية الانشغال بهذا الوافد الجديد والذي إذا أردنا تصنيفه ومقارنته بالنصوص الأخرى حسب ما يدعي أهل الحداثة بأنه يعلو ولا يعلى عليه وهذا ما جعل أقلام وألسنة القراء تهيئ مختلف الآليات والأدوات استنباطا للمعنى، والشواهد التي أوردناها تؤكد أن بيئة ما بعد الإسلام شهدت حركة قوية تجاه القرآن بما يحمله من نصوص وخطاب حيث بدأ الاهتمام به يأخذ حيزا كبيرا طغى على كل شيء. فقد تميزت هذه البيئة بنوعين من الخطاب، خطاب شعري جاهلي وخطاب رباني وهذا ما تميز به التلقي العربي إن صح التعبير، وكذا القراءة التي كابد أصحابها مشقة التأويل نظرا لحساسية النص، فعلماء التراث آنذاك لم يستنطقوا النص القرآني وفق خطابه الواسع، فعمدوا إلى آليات تخرجهم من هذا الحرج، فبدأت حركة التفسير والتأويل والفهم، وكثرت عندهم الفرق وتنوعت مناهج البحث والاستنباط.
وهذا ما حفز القارئ ودفعه إلى إيجاد تفسيرات وإضاءات تلك الأغماض على أساس التأويل المجازي والذي له وقع كبير على نفسية السامع، بالإضافة إلى أنه يوسع الدائرة التخيلية الإبداعية للقارئ، وهذا ما يتوقف على المخزون المعرفي ورحابة الفكر وتعدد الآليات وتنوع المرتكزات وهذا ما يجعل القارئ ينوع في القراءات وتتعدد حسب طاقته التأويلية وهذه الظاهرة الإيجابية في التلقي يقول في شأنها عبد القاهر الجرجاني: «أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر».[73] فلكل قراءة معنى بقدر تعمق القارئ في أغوار النص، وهذا ما يحتم على المؤول ألا يدعي التقبض على المعنى الحقيقي للنص وأنه قد استنفد النص قراءة، وعليه تعددت القراءات واختلفت الآليات وتنوعت التفسيرات، وكلما تقدمنا في سجلات تاريخ النقد العربي تباينت القراءات ووجهات النظر للنص الواحد.
إن «النص لا يتوقف عن كونه محلا لتوليد المعاني واستنباط الدلالات ولا مجال لأحد أن يقبض على حقيقته، ومآل ذلك أن الأصول والمراجع لا يستنفذها تفسيرا واحدا متأمل ولا يمكن حصر معرفتها من طريق واحد بعينه أو تقييد النظر إليها على مذهب مخصوص أو اتجاه معين، فالنصوص التي هي موئل الفكر الحق يصعب إفراغها في نسق منطقي صارم أو ضبط معانيها وحصر دلالتها».[74] وعلى كل لا نحاول من خلال استقراءنا للمدونات التراثية أن ندعي بأن كل نظرية حديثة لعلمائنا السبق في تجسيدها ولا نقول إن نظرية التلقي بكل ما تحمله من مرجعيات ومفاهيم حديثة في النقد الغربي، سلبت من تراثنا النقدي، ولكن علينا ألا نقحم ولا نغالي ولا نتعصب، ولكن أن ننظر إلى الأمور بعين منصفة بل يجب أن نستفيد من كل المكتسبات النقدية والابتعاد عن الأحكام الجاهزة الباطلة وإسقاط المقولات والنظريات على تراثنا.
-نتائج:
- لقد أنتج علماء التراث باختلاف تخصصاتهم في علم التأويل والتفسير نوعا من القراءة العالمة المتفحصة، حيث أسسوا لذلك آليات قرائية متميزة، استمدوها من القرآن واللسان العربي خدمة للمعنى.
- إن نفي أو إثبات المجاز قضية شغلت فكر علمائنا على مر العصور إلا أن الغالبية العظمى كانوا مجّوزين له في القرآن واللغة والرأي السديد التوسط والاعتدال في استخدامه.
- المجاز آلية معتبرة ومهمة في كسر القواعد المعيارية للألفاظ وخرق للرتابة وتنوع في الدلالة.
- المجاز ألية تؤسس لجمالية الخطاب النقدي من خلال الفعل القرائي.
- إن تعامل أهل الأصول مع النص ومحاولة قراءة وتحليل دلالاته إنجاز يقترب من بعض المقاربات المعاصرة في مجال القراءة والتلقي.
- لقد فتح الخطاب الشرعي للقارئ باب الاجتهاد فتعددت بذلك القراءات والمقاربات النصية وهذا ما يجعلنا نجزم بأنها حرية معلنة للمتلقي الذي هُمش في النظريات الغربية.
- إن التفكير في تكييف نظرية التلقي مع أي نص تراثي ليس بالأمر الهين، ومحاولة البحث عن نظيرها في أصولنا النقدية عمل عبثي لأن هذه الأخيرة نشأت وتطورت في سياق ثقافي يختلف عن بيئتنا العربية، لذا وجب تثبيت معارفنا الأصيلة دون الخلط ثم الاستفادة من مختلف التيارات الفكرية الوافدة.
- النص القرآني مجالا خصبا للتأويلات مما يجعل المتلقي أمام حتمية تخريجات إبداعية ضمن ما يعرف بعلم الاستنباط.
- إن القراءة في المنظومة النقدية العربية تتميز عن نظيرتها الغربية بشيء من القداسة والانضباط لارتباطها بالنص القرآني الذي يتوفر على مصداقية لا نجدها في أي بيئة أخرى.
- إن الكفاءات القرائية لعلماء التراث في مجال القراءة والآليات المعتمدة في ذلك، امتازت بشيء من الخصوصية تماشيا وطابع البيئة، وعليه لا يمكن أن نصفها بالنقص ونحاكمها بقوانين زماننا إقحاما للمقولات الغربية عليها.
- جاء مصطلح القراءة بمفهوم التلقي على اعتبار أن عملية القراءة هي تلقي تفاعلي بين القارئ والنص كما أن القراءة لا تعبر بالضرورة عن معنى كلي شامل إنما توحي في إطار جزئي بكيفية التعامل مع النصوص.
-توصيات:
– ومع كل ما تم التطرق إليه وذكره، يبقى الأمر مستعصيا أن نخرج بنتائج دقيقة ومحددة في مشروع القراءة والتلقي، وعليه تبقى مقتضيات البحث العلمي الحق تمنعنا من ترك الأبواب ترتج أمام أفاق جديدة.
– وجب على الأمة العربية أن تولي الكثير من الاهتمام بطيات المدونات التراثية التي تحمل الكثير من الممارسات التأويلية والجهود القرائية التي تحتاج نظرا دقيقا فيها لإعادة تفعيلها والتنظير لها بما يناسب متطلبات النصوص المعاصرة ويسهم في تطوير النقد العربي من خلال تحيين الهوية التراثية.
– على النخبة العاملة محاولة الخروج من النظري إلى الإجرائي ولا يكون ذلك إلاّ بدراسات واسقاطات على الواقع بعيدا عن الإقحام النظري أو التقوقع الفكري.
-قائمة المراجع:
القرآن الكريم
- أبو الفتح ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان، ط3، ج 1 ،1979م.
- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة مصر، ط07، 1998م.
- أبو بشر عمر بن عثمان سيبويه الكتاب، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط03، ج3. 1988م.
- أبو الحسن القاضي عبد الجبار الأسد آبادي، تح: طه حسين وإبراهيم مدكور، المغنى في أبواب التوحيد والعدل، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مصر، ط2، ج05، 1965م.
- أبو بكر عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط2001،03م.
- أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري، تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تح: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1994م
- اِبن منظور ابو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، دار صادر بيروت، ط3، 1993م.
- ابن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، تح: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط1، 1981م.
- أحمد بو حسن، نظرية التلقي والنقد العربي الحديث، منشورات كلية الأدب والعلوم الإنسانية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الرباط، ط1، 1994م.
- أحمد مطلوب، البلاغة والتطبيق، دار ابن الأثير، جامعة الموصل، العراق، ط2، 2006م.
- أحمد الشايب، أصول النقد الأدبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، ط10، 1994م.
- أمينة غصن، قراءات غير بريئة في التأويل والتلقي، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1993م.
- الفخر الدين الرازي، تح: احمد حجازي السقا، أساس التدريس في علم الكلام، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مصر، ط1، 1986م.
- الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003 م.
- بشرى موسى صالح، نظرية التلقي، أصول وتطبيقات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2001م.
- حبيب مونسي، فعل القراءة، النشأة والتحول، منشورات دار الغرب، وهران، الجزائر، ط2، 2002م.
- روحي البعلبكي، المورد، قاموس عربي انجليزي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط08، 1996م.
- رشيد يحياوي، التلقي في النقد العربي القديم، مجلة علامات في النقد، النادي الأدبي، جدة، السعودية، ج 05، ع 19، 1996م.
- شوقي ضيف، النقد، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1954م.
- طاهر محمود محمد يعقوب، أسباب الخطأ في التفسير، دار بن الجوزي للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 2004م.
- عبد المالك مرتاض، القراءة العربية، حوليات الجامعة للبحوث الإنسانية والعلمية، وهران،1995م
- عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط03، 2001م.
- عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر، دمشق، سوريا ط1، 2008م
- عبد السلام محمد رشيد، لغة النقد العربي القديم بين المعيارية والوصفية، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2008م.
- علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1 ،2005م.
- على حرب، التأويل والحقيقة، قراءات تأويلية في الثقافة العربية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2007م.
- علي بن محمد بن علي الشريف الجرجاني معجم التعريفات، على بن محمد الشريف الجرجاني (ت:816ه)، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط04، 1998م
- فاطمة البريكي، قضية التلقي في النقد العربي القديم، دار العالم العربي للنشر والتوزيع، الإمارات العربية المتحدة دبي، ط1، 2006م.
- فخر الدين الرازي، نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز، تح: نصر الله أوغلي، دار صادر، بيروت، لبنان، ط1، 2004م.
- محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط07، 2004م.
- محمد مفتاح، التلقي والتأويل، مقاربة نسقية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1994م.
- محمد مندور، في الميزان الجديد، نشر وتوزيع مؤسسات ع، بن عبد الله، تونس، ط1، ،1988م.
- محمد حسين الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1997م.
- محمد بن علي بن محمد الشوكاني، التحف في مذاهب أهل السلف، تح: شريف محمد فؤاد هزاع، دار الفتح للطباعة والنشر والتوزيع، الشارقة، الإمارات العربية، ط02، 1995م
- محمد عبد الله دراز، النبأ العظيم (نظرات جديدة في القرءان) تحقيق: عبد الحميد الدخاخني، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1997م.
- مراد حسن فطوم، التلقي في النقد العربي، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، سوريا، ط1، 2013م.
- يوسف أحمد، القراءة النسقية، سلطة البنية ووهم المحادثة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2003م.
- نصر حامد أبو زيد، الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط04، 1998م.
[1] – أحمد بو حسن، نظرية التلقي والنقد العربي الحديث، منشورات كلية الأدب والعلوم الإنسانية، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، الرباط، ط1، 1994م، ص: 07.
[2] – يوسف أحمد، القراءة النسقية، سلطة البنية ووهم المحادثة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2003م، ص: 152.
[3] – ابن منظور ابو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، دار صادر بيروت، ط3، 1993م، ج6/ 4065. مادة” لقي”.
[4]– المصدر نفسه، ج08/685.
[5] – ينظر: روحي البعلبكي، المورد، قاموس عربي انجليزي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط08، 1996م، ص: 365.
[6]– ينظر: احمد الشايب، أصول النقد الأدبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر، ط10، 1994م، ص: 12.
[7]– أبو عثمان عمرو بن الجاحظ، البيان والتبيين، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط07، 1998م، ج1/147.
[8]– ينظر: شوقي ضيف، النقد، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1954م، ص: 23.
[9]– شوقي ضيف، النقد، ص: 27.
[10] – فاطمة البريكي، قضية التلقي في النقد العربي القديم، دار العالم العربي للنشر والتوزيع، الإمارات العربية المتحدة دبي، ط1، 2006م، ص: 15.
[11] – محمد المبارك، استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1999م.، ص: 285.
[12] – المرجع نفسه، ص: 73.
[13]– ينظر: عبد المالك مرتاض، القراءة العربية، حوليات الجامعة للبحوث الإنسانية والعلمية، وهران،1995م، ص: 09.
[14]– ينظر: محمد مندور، في الميزان الجديد، نشر وتوزيع مؤسسات ع، بن عبد الله، تونس، ط1، ،1988م، ص: 185.
[15]– عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط03، 2001م، ص:107.
[16]– ينظر: رشيد يحياوي، التلقي في النقد العربي القديم، مجلة علامات في النقد، النادي الأدبي، جدة، السعودية، 1996م، ج 05، ع 19، ص:247.
[17] – ابن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، تح: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط1، 1981م، ج1/74-75.
[18]– ينظر: على حرب، نقد الحقيقة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، لبنان، ط2، 1999م، ص: 07.
[19]– أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة مصر، ط07، 1998م.، ص: 138.
[20]– محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط07، 2004م، ص: 25.
[21]– ينظر: بشرى موسى صالح، صالح، نظرية التلقي، أصول وتطبيقات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2001م.، ص: 65.
[22]– عبد السلام محمد رشيد، لغة النقد العربي القديم بين المعيارية والوصفية، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2008م، ص: 72.
[23]– المرجع نفسه، ص: 74.
[24]– الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003 م.، ج1/272. مادة “جاوز”.
[25]– أبو الفتح ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لبنان، ط3، 1979م، ج1/74.
[26]-علي بن محمد بن علي الشريف الجرجاني معجم التعريفات، على بن محمد الشريف الجرجاني (ت:816ه)، تح: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط04، 1998م، ص: 203.
[27]– عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط03، 2001م، ص: 351.
[28]– أبو الفتح عثمان ابن الجني، الخصائص، تح: محمد علي النجار، دار المكتبة المصرية، القاهرة، مصر، ط02، 1952م، ج2/ 442.
[29] – يوسف، الآية : 82
[30]– ينظر: أبو بشر عمر بن عثمان سيبويه الكتاب، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط1988،03م، ج3/211.
[31]– ينظر: نصر حامد أبو زيد، الاتجاه العقلي في التفسير، ص: 111.
[32]– سورة الأنفال، الآية: 02.
[33]– ينظر: أحمد مطلوب، البلاغة والتطبيق، دار ابن الأثير، جامعة الموصل، العراق، ط2، 2006م، ص: 179.
[34]– ينظر: فخر الدين الرازي، نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز، تح: نصر الله أوغلي، دار صادر، بيروت، لبنان، ط1، 2004م، ص: 145.
[35]– ينظر: أبو بكر عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح: محمد الفاضلي، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط2001،03م، ص:317.
[36]– سورة المائدة، الآية: 03.
[37]– ينظر: أبو بشر عمر بن عثمان سيبويه الكتاب، تح: عبد السلام هارون، ج1/280.
[38]-سورة الشورى، الآية: 11.
[39]– ينظر: محمد عبد الله دراز، عبد الحميد الدخاخني، النبأ العظيم (نظرات جديدة في القرآن)، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1997م، ص: 132.
[40]– ينظر: المرجع نفسه، ص: 133.
[41]– ينظر: محمد عبد الله دراز، النبأ لعظيم، ص: 133.
[42]– ينظر: المرجع نفسه، ص: 143.
[43]– الخطيب القزويني، تح: إبراهيم شمس الدين، الإيضاح في علوم البلاغة، المعاني والبيان والبديع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م، ص: 329.
[44] – علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1 ،2005م، ص:16
[45]– ينظر: محمد حسين الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1997م، ج3/57.
[46]– سورة آل عمران الآية:07.
[47]– سورة الفتح، الآية:10.
[48]– سورة ص، الآية: 75.
[49]– سورة المائدة، الآية: 64.
[50]– أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري، تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تح: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1994م، ج3/133.
[51]– سورة المائدة، الآية:64.
[52]– أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري، تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تح: بشار عواد معروف، ج3/129.
[53] – المائدة، الآية:64.
[54]– سورة النحل، الآية: 18.
[55]-سورة العصر، الآية: 01-02.
[56]– محمد مفتاح، التلقي والتأويل، مقاربة نسقية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1994م، ص: 98.
[57]– الفخر الدين الرازي، تح: احمد حجازي السقا، أساس التدريس في علم الكلام، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مصر، ط1، 1986م، ص: 105.
[58]– طاهر محمود محمد يعقوب، أسباب الخطأ في التفسير، دار بن الجوزي للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط1، 2004م، ص: 246.
[59]– ينظر: أحمد أمين، ظهر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1969م، ج04/75.
[60]– محمد بن علي بن محمد الشوكاني، التحف في مذاهب أهل السلف، تح: شريف محمد فؤاد هزاع، دار الفتح للطباعة والنشر والتوزيع، الشارقة، الإمارات العربية، ط02، 1995م، ص: 130-137.
[61]– سورة ص، الآية:29.
[62]– ينظر: استقبال النص عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 1999م.، ص: 221.
[63]– أبو الحسن القاضي عبد الجبار الأسد آبادي، تح: طه حسين وإبراهيم مدكور، المغنى في أبواب التوحيد والعدل، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مصر، ط2، 1965م، ج05/188.
[64]– على حرب، التأويل والحقيقة، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط02، 2007م، ص: 28.
[65]– أمينة غصن، قراءات غير بريئة في التأويل والتلقي، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1993م.
[66]– ينظر: محمد المبارك، استقبال النص عند العرب، ص: 220.
[67]– على حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2005م.، ص: 14.
[68]– ينظر: مراد حسن فطوم، التلقي في النقد العربي، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، سوريا، ط1، 2013م، ص: 254.
[69]– على حرب، التأويل والحقيقة، قراءات تأويلية في الثقافة العربية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2007م، ص: 51.
[70]– المرجع نفسه، ص: 20.
[71]– على حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك، ص: 23.
[72]– ينظر: حبيب مونسي، فعل القراءة، النشأة والتحول، منشورات دار الغرب، وهران، الجزائر، ط2، 2002م، ص: 152-153.
[73]– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر، دمشق، سوريا ط1، 2008م.، ص: 258.
[74]– على حرب، التأويل والحقيقة، قراءات تأويلية في الثقافة العربية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط2، 2007م.، ص: 18.