الأبعاد الأيديولوجية لمعجم “الغني الزاهر” لعبد الغني أبي العزم
The ideological dimensions of “Aalghany Zahir” dictionary By Abdelghani Abo Al-Azm
ط/د. يوسف أمرير المدرسة العليا للأساتذة، جامعة محمد الخامس بالرباط – المغرب
Youssef AMARIR École normale supérieure, Mohamed V University, Rabat, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 75 الصفحة 35.
ملخص:يهدف هذا المقال إلى النظر في الأبعاد الأيديولوجية لمعجم “الغني الزاهر”؛ وذلك بالانطلاق من فرضية أساسية تتمثل في كون المعاجم تخضع في بنائها لتصورات معينة وتعمل على نشر أيديولوجية مؤلفها ونظرته للحياة والعالم سواء كان المؤلِف فردا أو مؤسسة؛ ذلك أن المعجم يؤدي –إلى جانب الوظائف اللغوية- وظائف غير لغوية؛ ثقافية وأيديولوجية… وبالتالي يتحول من كتاب حول اللغة إلى مجال رحب لصراع الأفكار والثقافات وفضاء جديد لفرض الهيمنة والرقابة وتوجيه الرأي العام. وتأسيسا على ما سلف، سينصرف الاهتمام في هذا المقال إلى تحديد مدى تأثر معجم “الغني الزاهر” بأيديولوجية مؤلفه؛ وذلك من خلال ثلاثة مستويات وهي: (1) طبيعة المدونة اللغوية. (2) طريقة التعريف. (3) طبيعة الشواهد والأمثلة. واتبعنا لتحقيق ما سبق المقاربة الوصفية التحليلية.
الكلمات المفاتيح: الصناعة المعجمية- معجم الغني الزاهر- الأبعاد الأيديولوجية- المدونة- التعريف.Abstract
This article aims to look at the ideological dimensions of “Alghany Zahir” dictionary, starting from the basic premise that dictionaries are subject to certain perceptions and spread the ideology of their author, whether the author is an individual or an institution, as the dictionary, in addition to linguistic functions, leads to non-linguistic, cultural and ideological functions… It thus transforms from a book on language into a vast area of conflict of ideas and cultures and a new space for the imposition of hegemony, censorship and the direction of public opinion. Based on the above, the focus of this article will be on determining the extent to which the dictionary of “Alghany Zahir” is influenced by the ideology of its author through three levels: (1) the corpus. (2) The definition method. (3) The nature of evidence and examples. To achieve the above, we have followed the descriptive analytical approach.
Keywords: Lexicography -“Alghany Zahir” dictionary – the ideological dimensions – the corpus – the definition.
تقديم:
يأتي هذا المقال في إطار الاهتمام المتزايد الذي أصبحت تحظى به المعجمية العربية؛ وذلك من خلال التطور الحاصل في مجال البحث العلمي والأكاديمي؛ إذ ظهرت جملة من النظريات اللسانيات والنقدية التي قاربت المعاجم بمختلف أنواعها من زوايا متعددة، وسعت إلى دراسة قضاياها والإجابة عن إشكالياتها وتحديد أبعادها المختلفة.
وإذا كان هناك شبه اتفاق في السابق على أن المعجم يشكل وعاءً لنقل التراث اللغوي ومفرداته بدقة متناهية، فإن هذه النظرة قد تطورت وتوسعت في ظل التطورات التي عرفتها الصناعة المعجمية وأهدافها منذ ستينيات القرن الماضي؛ فقد قامت المعاجم بأدوار جديدة لم تؤدها من قبل؛ إذ لم تعد تسعى فقط للحفاظ على الموروث اللغوي -لأنه وظيفتها الأولى-، بل تجاوزت ذلك وانفتحت على مجموعة من المجالات المعرفية وتنوعت وظائفها وبذلك أصبحت تصبو لتكون مرآة للغة المتكلمين بها؛ بحيث تعكس المعارف السائدة في المجتمع سواء كانت قديمة أو حديثة بموضوعية وحياد تامين من ناحية، وفي ضوء المبادئ والمعايير والتقاليد المتعارف عليها في مجال الصناعة المعجمية من ناحية أخرى، وقد تبلور هذا الطموح في ضوء التطورات التي عرفتها العلوم الإنسانية بصفة عامة، والدراسات والأبحاث اللسانية والمعجمية الغربية الحديثة بصفة خاصة، مما أدى إلى تغيير الرؤية إلى طبيعة المعجم وماهيته ووظائفه. وعلى هذا الأساس، طالب بعض المتخصصين بضرورة مراجعة تعريفاته ومحتوياته وطريقة تقديمها من جهة، ودراسة أبعاده المختلفة (الثقافية والأيديولوجية والتعليمية…) من جهة ثانية، لكي يساير تطور حياة المجتمعات لغويا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا.
ندافع في هذا المقال عن أطروحة أساسية مؤداها أن المعاجم تخضع في بنائها لتصورات معينة وتعمل على نشر أيديولوجية مؤلفها ونظرته للحياة والعالم سواء كان المؤلِف فردا أو مؤسسة؛ ذلك أن المعجم يؤدي –إلى جانب الوظائف اللغوية- وظائف غير لغوية؛ حيث استُثمرت المعاجم لخدمة أهداف متنوعة لعل أهمها الأهداف الثقافية والأيديولوجية[1] كالترويج للأيديولوجيا عن طريق نشر أفكار وآراء وثقافات معينة دون غيرها، فضلا عن كونه وسيلة لتحديد الهويات الثقافية واللغوية نتيجة لتوجيهه لمحتوياته نحو جانب معين بغية تحقيق مصالح ثقافية أو سياسية أو دينية أو أيديولوجية. وبالتالي يتحول من كتاب حول اللغة والثقافة إلى مجال رحب لصراع الأفكار والثقافات وفضاء جديد لفرض الهيمنة وتوجيه الرأي العام. وتأسيسا على ذلك، سينصرف الاهتمام إلى تحديد مدى تأثر معجم “الغني الزاهر” بأيديولوجية مؤلفه؛ وذلك من خلال ثلاثة مستويات وهي: (1) طبيعة المدونة اللغوية وقيود الإدراج والإقصاء. (2) طريقة التعريف. (3) طبيعة الشواهد والأمثلة.
إن أهمية دراسة البعد الأيديولوجي للمعجم تنبع من كونه مفتاحا هاما يمكن أن يسعفنا في ضبط أصوله وتتبع مراحل تطوره وتحديد الخلفيات الفكرية والثقافية المتحكمة فيه من ناحية، وبيان بعض العيوب التي ترافق تأليف المعاجم والتي لا يُنتبه إليها غالبا من ناحية ثانية؛ لأنها غالبا ما تكون مضمرة وتؤثر في مستعمل المعجم بشكل خفي. فضلا على ذلك، فإننا نروم التأكد مما ذهب إليه الباحث محمد رشاد حمزاوي الذي يعتبر بأن “المعجم العربي ليس مجرد نظرة لغوية بحتة، بل إنه يستمد كثيرا من مقوماته من مذاهب أصحابه الأيديولوجية والاجتماعية. [ويرى] أننا لا نستطيع أن ندرس نظرية معجمية عربية وما لديها من آراء في ميداني الوضع والجمع دون أن نتعمق في دراسة حياة المؤلف ومن دون أن نعتبر رؤيته المذهبية أو الماورائية وما لها من أثر على معجمه”.[2] وغني عن البيان، أن توجيه محتويات المعجم نحو جانب معين يمكن أن يكون مشروطا بتحقيق “مصالح ثقافية أو سياسية أو دينية أو أيديولوجية أو أي نوع من مصالح الأشخاص الذين يدفعون مقابلها. وعلى العموم لا يتم توضيح هذا التوجيه بشكل واضح ومباشر في مقدمات المعاجم؛ بل على العكس من ذلك لا يمكن تحديده إلا بعد دراسة معمقة للمعجم”[3]
- المدونة والأيديولوجيا
من المعروف أن انتقاء المصادر المشكلة لمدونة المعجم يتم تبعا لمجموعة من المعايير منها ما هو علمي وموضوعي ومنها ما هو ذاتي وذوقي وهذا ما يجعلها مجالا محتملا للأيديولوجيا التي يمكن أن تظهر من خلال مستويين: الأول، هو طبيعة المصادر المعتمدة في بناء المدونة اللغوية للمعجم. والثانية، معايير وشروط إدراج وإقصاء الألفاظ من البنية الكبرى للمعجم ذلك أن قرار إدراج أو إقصاء لفظ أو معنى من أصعب المهام التي تواجه المعجمي[4]؛ وسنرصد فيما يلي الأثر الأيديولوجي لمدونة الغني الزاهر عن طريق تحديد طبيعة المدونة ومنهجية جمعها من جهة، وموقف أبي العزم من مسألة تاء التأنيث من جهة ثانية.
معلوم أن أبا العزم ينظر إلى اللغة من زاوية وظيفية؛ ذلك أنه متأثر بالنظريات اللسانية الحديثة وبالتالي توسع في قبول الألفاظ المحدثة التي رفضها القدماء؛ إذ نجده يدرج في معجمه كل ما هو مستعمل بغض النظر عن كونه مولدا أو دخيلا أو معربا أو عاميا، وهو بذلك يصف الواقع اللغوي بمعزل عن النظرة المعيارية للغة التي تقوم أساسا على إقرار الألفاظ التي تطابق نظام اللغة العربية صوتا وصرفا ونحوا، وإثبات كلام العرب في عصور محددة (عصر الاستشهاد) دون غيرها. ومن المؤكد أن هذا الاختيار المنهجي هو انعكاس للتوجهات الفكرية للمؤلف ولموقفه من اللغة الذي يتسم بالانفتاح اللغوي؛ ذلك أن الشروط والمعايير التي وضعها لقبول الألفاظ أو رفضها داخل المعجم لم تكن خاضعة لتصورات لغوية ضيقة كما هو الحال بالنسبة لشروط الفصاحة المعجمية التي فرضتها ظروف تاريخية وأيديولوجية، وإنما انطلق من شروط وظيفية تتمثل أساسا في استثمار كل ما هو متداول ومستعمل باطراد بغض النظر عن أصله (فصيح أو مولد أو معرب أو دخيل أو عامي)؛ لأن المعجم -في نظره- مطالب بمسايرة المستجدات اللغوية والثقافية والفكرية والحضارية وكل ما له صلة بالتطور العلمي في سائر المجالات كما هو شأن معاجم اللغات الأجنبية، ولن يتم ذلك إلا بالانفتاح على ما هو مستعمل ومتداول من ناحية، وبتجاوز التصورات التقليدية المتسمة بالتشدد اللغوي ما ناحية ثانية. ولا شك أن هذا التوجه كان سمة بارزة ومميزة لهذا المعجم الذي سعى إلى تقديم مدونة لغوية مألوفة ومعبرة عن متطلبات العصر اللغوية من الألفاظ المستحدثة والمصطلحات العلمية الضرورية.
إلى جانب ما سلف، يتبدى أثر التوجهات الفكرية والأيديولوجية لأبي العزم فيما يتعلق بإشكالية تاء التأنيث في المعجم العربي؛ إذ يرى المؤلف أنه لم يعد مقبولا أن تلغى من مداخل المعجم ومشتقاته وأمثلته؛ فإذا كانت معظم المعاجم العربية تقف على ما هو مذكر فقط، فإن أبا العزم كان حريصا على ايراد ما يمكن من صيغ التأنيث اقتناعا منه بالدور الهام الذي تضطلع به المرأة في المجتمع المعاصر، ومن الواضح أن هذا الموقف نتيجةٌ مباشرة لخلفيته الفكرية والثقافية التي تتسم بطابع الحداثة والانفتاح. ومن أمثلة ذلك في المعجم ما يلي:
- الحرص على إثبات تاء التأنيث:
أبتٌ، ةٌ – ابتدائي، ةٌ- ابتهالي، ةٌ- أبديٌّ، ةٌ- إبرائيّ، ةٌ- اتباعيٌّ، ةٌ- اتهاميٌّ، ةٌ- إثباتيٌّ، ةٌ- أثيثٌ، ةٌ- إجاص، ةٌ- إجباريٌّ، ةٌ- اجتماعيٌّ، ةُ- إجرائيٌّ، ةٌ- أجراميٌّ، ةٌ- إجمالي، ةٌ- أجنبي، ةُ- أحادي، ةٌ- احترازي، ةٌ- احتفالي، ةٌ- احتياطي، ةٌ- أحفوري، ةٌ- أحوري، ة- إخواني،ةٌ…
- بالنسبة لتعدد المستويات اللغوية:
أورد أبو العزم في معجمه مداخل تنتمي إلى مستويات لغوية متنوعة منها المولد المعرب والدخيل والعامي ومن أمثلة ذلك:
- الدخيل: آنسون- أبراميس- أبريل- إبستيمولوجية- أبسنت- إبليز- أبيس- إثنوغرافية- إثنولوجية- أجندة- أدونيس- أراكوز- أرتوازي- أرشيف- أوزوت- استاطيقي- استراتيجية..
- المعرب: إبريز- إبريق- أبزارٌ- أبزننٌ- إبليس- أثيرٌ- إجاص- أُربون- أرجوان- أرستقراطية- أُرغنٌ…
- العامي: بلطجية- بندير– دربوز- شبيحة- كسكاس- كسكس…
- أيديولوجيا التعريف:
إن التعريف المعجمي هو أحد المواطن التي يمكن دراستها لرصد الأبعاد الأيديولوجية للمعجم؛ لأنه يعكس بصورة مباشرة الخلفية الفكرية والثقافية والمذهبية التي يتبناها؛ ويظهر ذلك بشكل مباشر حينما يتجاوز المعجمي وظيفته المتمثلة في الوصف اللغوي المجرد إلى تقديم آرائه الشخصية حول الكلمات التي يشرحها، ويعالجها لها على أسس تقييمية أو ثقافية أو اجتماعية، ما من شأنه أن يؤدي به إلى السقوط -أحيانا- في الأيديولوجيا.
وغني عن البيان أن ثقافة المعجمي ومعتقداته عادة ما تؤثر في عمله وغالبا ما تدفعه لإصدار أحكام مسبقة ونشر الصور النمطية، فضلا عن توجيها لمختلف الآراء والأفكار الواردة في المعجم. ويظهر ذلك في التعريف الذي يقترحه المعجمي لشرح المدخل إما من خلال طريقة تعريف المدخل المعجمي أو الترتيب المقترح لعناصره، أو كيفية انتقاء مكوناته وطريقة استثمارها. ويزداد احتمال سقوط المعجمي فيما هو أيديولوجي حين يستخدم عناصر غير لغوية من أجل إجراء التعريف كأعرافه وتقاليده وأخلاقه ومعتقداته، وهذا ما يجعل التعاريف لا تُقدم بشكل مجرد ومباشر إن لم نقل بشكل موضوعي.
لا مناص من القول بأن أبا العزم كان حريصا على قضية التعريف في معجم الغني الزاهر؛ فهو يعتبره الأساس الذي يكتسب به المعجم مكانته المعجمية، بل إنه خصص حيزا مهما من مقدمة معجمه للتطرق لمسألة التعريف وطرائقه وعيوبه وعلاقته بكل من الشاهد والمثال، كما عمِل على احترام مجموعة من المعايير والمواصفات أثناء صياغته للتعريفات. وفي مقابل ذلك، حاول تفادي مجموعة من المزالق والعيوب التي تشوب التعريفات والتي تهدف الصناعة المعجمية الحديثة إلى تجاوزها سيما وأن عملية التعريف ليست أمرا سهلا، لكونها تستلزم “كفاية لغوية/ لسانية في ضوء الكفاية المعجمية، إلا أن هذه الكفاءة تصطدم في العديد من الحالات بصعوبات جمة، تجعل المعجماتي عاجزا عن تقديم تعريف سليم تتوافر فيه الشروط المعجمية”[5].
إن التعريف الجيد هو القادر على التعبير عن المدخل بجودة متناهية ولا يقصد بالجودة هنا إتقان التعريف وسلامته اللغوية فقط، بل هو التعريف الذي يتجاوز ذلك لأداء الوظيفة البيانية والإيضاحية، ولتحقيق هذا يجب اعتماد لغة واضحة ودقيقة تبتعد عن الغموض والايحاء. ومن المقرر أن قيمة التعريف تزداد باستعمال الشواهد التي تكسبه طابع الايضاح والحجية والمكانة المعجمية. ونجد أبا العزم يولي عناية بالغة بالشواهد في معجمه؛ إذ يعتبر أن “لا قيمة لمعجم دون شواهد، ولم يصر بالإمكان إغفال قيمتها المضافة بجانب التعريف للمزيد من الإيضاح، وتأكيد التطابق من حيث الشكل والمضمون”[6]. إلى جانب ما سلف، يرى أبو العزم أن تعريفات المعجم ينبغي أن تكون مستقل وتتسم بالنسقية، ومن خلال تصفح مداخل الغني الزاهر يتضح سعي أبي العزم لخلق قوالب خاصة بكل مجال معرفي؛ لأجل إضفاء النسقية المعجمية على عمله، وللاستدلال على ذلك سنقدم مقارنة لبعض النماذج وهي كالتالي:
(أ) نموذج خاص بأشهر السنة:
“آب- (مع) سر (ab ) أو (با).: يعني شدة الحر، الشهر الثامن من السنة الشمسية، وهو من الشهور السريانية، عدد أيامه (31) يوما، يأتي بعد تموز، ويليه أيلول، ويسمى أيضا أغسطس، غشت، أوت”.[7]
“آذار- (مع) (سر) (adar).: الشهر الثالث من السنة الشمسة، وهو من الشهور السريانية، عدد أيامه (31) يوما، يأتي بعد شباط ويليه نيسان، يسمى أيضا مارس…” [8]
إن مقارنة مدخلي “آب وآذار” يُظهر أن ثمة تطابقا في كيفية تقديم التعريف؛ فبعد المدخل مباشرة يتم تحديد نوع اللفظة (معربة)، وتقدم اللغة المقترض منها (سرياني)، ثم يكتب المدخل بحروف لاتينية، ويحدد رتبة الشهر من شهور السنة، وعدد أيامه والشهر الذي بعده وقبله، ثم تذكر مرادفات المدخل إن وجدت.
(ب) نموذج خاص بالنبات:
“آس- (نب). (مع).: نبات من فصيلة الآسيات، وهو ما يعرف بالريحان، ذو ثمار كروية بيضٍ مائلة إلى الصفرة، وأحيانا إلى الزرقة مع سواد، له فروع ملساء، ورقه عطر، خضرته دائمة، وأزهاره صغيرة…” [9]
“آنِسون، آنِيسون- (د) (يو) (anisum) (نب).: نبات من فصيلة الخيميات، حولي، زهره صغير أبيض، ثمره وبزاره حب صغير طيب الرائحة، يستخرج منه عطر الآنسون، ويستعمل في أغراض طبية”.[10]
إذا انتقلنا لمدخلي “آس وآنسون” سنجد أيضا تماثلا في طريقة تعريفهما؛ إذ حدد المعجم في البداية مجالهما (نبات) وفصيلتهما (الآسيات للأول والخيميات للثاني)، ثم انتقل لتحديد شكل ومكونات كل منهما.
(ج) نموذج خاص بالحيوانات:
“أبو بَراقِش- [ب ر ق ش] (طي).: طائر صغير من رتبة الجواثم، يعيش في الحدائق والغابات، ريشه أغبر، وأوسطه أحمر، وأسفله أسود، ينتفش إذا هيج، يغير لونه ألوانا شتى”.[11]
“أبو الحِناء- [ح ن أ] (طي).: طائر من فصيلة الشحروريات، ورتبة الجواثم صغير غِرٍّيد، خفيف الحركة، له منقار أسود، وظهره أشهب اللون، عنقه وصدره أحمران، موطنه أوروبا والشرق الأوسط، وشمال إفريقية”.[12]
لا يخرج هذان المدخلان عما أشرنا إليه سابقا؛ إذ نجدهما يتطابقان كليا في طريقة تعريفهما؛ فبعد المدخل ذُكر جذر الكلمتين، فمجالهما (طيور) وفصيلتها ورتبتها (الجواثم) وشكلهما ولونهما والمناطق التي يتواجدان فيها.
تؤكد النماذج السابقة أن معجم “الغني الزاهر” وضع قوالب خاصة بكل مجال معرفي أثناء عملية التعريف، وهذا ما بدا لنا من خلال مقارنة بسيطة بين مدخلين من ثلاثة مجالات مختلفة (النبات والطيور وشهور السنة) وهو أمر مطرد في المعجم برمته – متى ما كان الأمر ممكنا-، ومما يؤكد هذا ما أورده المؤلف بقوله ” وهذا بالضبط ما حاولنا الالتزام به على صعيد كل المداخل، سواء أكانت فعلا أم اسما أم حرفا، وبذلك تتوحد شكلا الأنساق التعريفية الخاضعة أصلا للتنوع بحكم طبيعتها”[13]. ومن شأن هذه المنهجية أن تخلق نسقية معجمية تمكن المعجمي من تحديد طرائق وخطوات محددة لتعريف الألفاظ التي تنتمي إلى مجال معرفي أو دلالي معين، كما تساعد مستعمل المعجم في استيعاب ما يقرؤه. إن التعريف في الغني الزاهر نتيجة لما سبق يخضع “لوضع أنموذجية معجماتية نسبية، لها القدرة على التلاؤم مع أي مفهوم وتوظيفه دلاليا حسب وظيفة اللغة”[14]، ورغم ما بذله المؤلف من جهد إلا أننا وجدنا خلال تفحصنا لتعريفات المعجم بعض الإشارات التي يمكن إدراجها ضمن أيديولوجيا التعريف ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- ما يلي:
- “أبترُ- ج بُتْرٌ. مؤ. بتراء، بتراوات. [ب ت ر] (ص. أفعل). 1. “حيوان أبترُ”: مقطوع الذنب من أي موضع كان من جميع الدواب، أو قصير الذنب. 2. “رجل أبتر”: من لا خير فيه، الذي لا عقب له. *إن شانئك هو الأبتر* (قرآن). 3. “شخص أبتر”: حقير، ذليلٌ. 4. “كلام أبتر”: ما لا يبتدأ فيه بحمد الله، لا قيمة له…”[15]
خلال تتبعنا للمعاني التي أورها أبو العزم في مدخل (أبترُ) أثار انتباهانا ما أورده أثناء تحديد المقصود ب”كلام أبتر”؛ حيث حدده بكونه “ما لا يبتدأ فيه بحمد الله” وإلى حد الآن يمكن قبول ما ورد في التعريف باعتبار المؤلف حدد دلالة هذه الجملة، غير أن إضافته لجملة “لا قيمة له” أخرج التعريف من دائرة الوصف اللغوي المجرد إلى إصدار حكم مسبق مضمونه أن كل كلام لا يبدأ بالحمدلة لا قيمة له. معلوم أن هذا الأمر غير صحيح إلا من الزاوية الدينية؛ إذ لا يمكن أن نلغي قيمة كلام ما فقط لأنه لم يمهد له بالحمدلة. ومن الجلي أن مصدر هذا الحكم هو تأثر المؤلف بالثقافة العربية الإسلامية. ولا نحتاج للتدليل على أنه كان بالإمكان الاستغناء عن تلك العبارة التي تنطوي على حكم مسبق سيما وأنها لا تقدم إضافة للتعريف على مستوى تحديد المعنى.
- “أزنى-[ز ن ي] (ف: ر. م). يزني، مص: إزناء. “أزنى الشاب” حمله على الزنى، أي الفجور”.[16]
يلاحظ في المثال الثاني أن المؤلف لم يوفق أثناء تحديد دلالة مدخل (أزنى)؛ ذلك أنه لم يقدم تعريفا دقيقا يوضح دلالة المدخل واكتفى -بدل ذلك- بإصدار حكم على من يقوم بالزني. يقول: (حمله على الزنى، أي الفجور) والحال أنه كان مطالبا بتقديم تعريف يوضح الدلالة اللغوية للمدخل لا أن يقدم موقفا من الزنى. ومن المؤكد أنه كان سيتفادى ذلك لو قدم تعريفا واصفا ومجردا على غرار النموذج التالي: (أزنى الشاب: حمله على الزنى، أي أتى امرأة لا تربطه بها علاقة شرعية). وكان سيكفي نفسه شر الوقوع في هذا الخطأ المنهجي المتمثل في تجاوز عملية الوصف اللغوي المجرد والحيادي إلى إصدار أحكام ومواقف تكشف عن توجهاته العقدية وخلفيته الثقافية والأيديولوجية.
(ج) “إسرائيل- [س ر أ ل]: اسم يطلق على نسل يعقوب، ومعناه ف العبرية:” يصارع إيل” إشارة إلى صراع يعقوب مع الملاك، وهو الاسم الذي اختاره الصهاينة لاسم دولتهم على أرض فلسطين سنة 1947″.[17]
يتضح من خلال المثال المخصص لمدخل (إسرائيل) أن المؤلف تأثر بخلفيته الأيديولوجية خلال عملية الشرح؛ إذ أشار إلى أن إسرائيل هي (الاسم الذي اختاره الصهاينة لاسم دولتهم على أرض فلسطين) ويعكس هذا الجزء من التعريف موقف المؤلف من هذه الدولة؛ وذلك من خلال مستويين: الأول، هو تأكيده على أن الأرض للفلسطينيين دون غيرهم. والثاني، -وهو الأهم في نظرنا- يتمثل في توظيف أبي العزم لكلمة (الصهاينة) التي جرت العادة استخدامها في سياق قدحي للتعبير عن عدم قبول ممارسات دولة إسرائيل، كما أنها تدل على تلك الحركة السياسية اليهودية والأيديولوجيا العنصرية والاستعمارية التي استغلت فترة الانتداب البريطاني على فلسطين لتحتلها باستخدام العنف، وتسببت في نزوح عدد كبير من الفلسطينيين وسلبت منهم أراضيهم وممتلكاتهم خلال حربي 1948 و1967. وإذا أضفنا هذا الاستنتاج إلى ما تعبر عنه الأمثلة والاستشهادات خاصة في المداخل التي تتصل بمعاني الإغارة والاستيطان والاجتياح…، فإننا سنخلص إلى أن المعجم قد تأثر بشكل مباشر بالخلفية الفكرية والأيديولوجية لأبي العزم؛ وذلك ما توضحه الأمثلة والاستشهادات وطريقة إجراء التعريف بشكل واضح.
حاصل القول، لقد سخَّر أبو العزم خبرته وحدسه المعجمي وثقافته اللغوية لشرح الألفاظ المدرجة في المعجم بطريقة واضحة من خلال استعمال لغة واصفة تبتعد عن لغة المعاجم التراثية التي كانت تشرح بلغة غامضة يصعب معها التقاط المعنى بيسر، ويبدو أن المدونة اللغوية التي حددها المؤلف لمعجمه قد ساعدته كثيرا على تقديم تعريفات لها كفاية معجمية لا تنكر، وحاول أن يتفادى مختلف العيوب التي لُوحظت على المعاجم السابقة في مسألة التعريف، وهو بهذا يحاول استثمار مختلف النظريات اللسانية والمبادئ المعجمية الحديثة لتقديم عمل يجد مكانته ضمن الأعمال المعجمية المعاصرة الرائدة، غير أنه مع ذلك سقط أثناء قيامه ببعض التعريفات في مأزق الأيديولوجيا؛ بسبب تجاوزه عملية الوصف اللغوي إلى تقديم مواقفه سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو ضمنية، إلا أن حجم هذه التعاريف يظل قليلا جدا في المعجم إن لم نقل إنه نادر؛ لأن المؤلف كان على وعي بأهمية التعريف وخطورته في الآن نفس باعتباره عنصرا فاصلا في تحديد جودة المعجم من عدمها.
- أيديولوجيا الأمثلة والاستشهادات:
تُشكل الأمثلة والاستشهادات الموظفة في عملية الشرح مجالا خصبا لاستجلاء البعد الأيديولوجي لمعجم الغني الزاهر؛ وذلك ما لاحظنا من خلال تتبعها في عدد مهم من المداخل خاصة مداخل الجزء الأول؛ حيث إنها تعبر- بما لا يدع مجالا للشك- عن الخلفية الفكرية والمذهبية لأبي العزم، وسنعمل على بيان ذلك من خلال مستويين: الأول، سنظهر فيه التوجه العقدي للمؤلف من خلال تحليل عينة من الأمثلة التي أوردها أثناء شرح الألفاظ ذات الدلالة الدينية، والثاني، سنخصصه لبيان كيفية دفاع المؤلف عن القضية الفلسطينية باعتبارها أحد ركائز القومية العربية.
1.3 التوجه العقدي من خلال الأمثلة والاستشهادات
إن أغلب الأمثلة والاستشهادات التي وظفها أبو العزم خلال عملية شرح الألفاظ سيما التي تحتوي على معان دينية كانت تقدم إشارات مباشرة عن معتقداته الدينية؛ إذ كان يركز على توضيح دلالة هذه الكلمات من خلال معتقداته الدينية وبالتالي جاءت مجمل الأمثلة منسجمة مع هذا التوجه. والملاحظ أن جميع هذه الأمثلة تلتقي في كونها تعبر عن المعتقدات الدينية الإسلامية دون غيرها من الديانات السماوية الأخرى، وهذا ما يؤكد بالملموس أن المعجمي دائما ما يحرص أثناء بناء التعريف المعجمي على انتقاء الأمثلة والاستشهادات والمفاضلة بينها، واستثمار ما ينسجم منها مع توجهاته الفكرية والمذهبية والأيديولوجية، ومن أمثلة ذلك في معجم الغني الزاهر ما يلي:
“اعتناق- ج.ات. [ع ن ق] (مص. اعتنق). 1. “اعتناق الإسلام”: اختياره عقيدة دينية، اتباعه. “اعتناق شيئين”: انضمام أطرافهما بعضهما إلى بعض…”[18]
“اعتقد- [ع ق د] (ف: خ. لا. م. مظ). يعتقد. مص. اعتقادٌ. 1.”اعتقد التراب”: اشتد، صلُبَ. 2.”اعتقد الإخاء بينهما”: ثبت. 3.”اعتقد قوله اعتقادا كاملا”: صدقه. 4. “اعتقد الإسلام دينا”: تدين به. 5.”اعتقد أن الخطر آت”: ظن…”[19]
“ارتد- [ردد] (ف:خ.لا.م.مح). يرتد، مص، ارتداد. 1. “ارتد على القافلة”: تراجع، تقهقر، رجع إلى الخلف. “ارتدوا على أعقابهم”. “ركضت مريم تنظر ما حدث وارتدت مسرعة تصيح: مظاهرة” (حنا مينة). 2. “ارتد المسلم” رجع عن الدين الإسلامي، أي كفر بعد إسلامه. “ارتد المرتدون في عهد أبي بكر”. ﴿من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه﴾ (قرآن). 3.”ارتد إلى حاله” عاد. 4. “ارتد البضاعة” ردها أو استرجعها”.[20]
“آمن- [أ م ن] (ف. ر. لا. م. مح). يومن، مص، إيمان. 1.”أمن به”: وثق به وصدقه. “آمنت بالله ورسوله”. 2.”آمن له”: انقاد له وأطاعه. 3.”آمنه من الخطر”: جعله في مأمن منه”[21].
“إله- ج. آلهة. مؤ. إلهة. ج. إلهات. [أ ل ه]( هكذا تكتب بحذف الألف الوسطى خطا؛ وتنطق: إلاهٌ). “يعبد إلها واحدا”: معبودا واحدا. “لا إله إلا الله”. “إلهي علمني من علمك المخزون، وصني بسر اسمك المصون” (ابن عطاء الله)”.[22]
“إخلاص- ج.ات. [خ ل ص] (مص، أخلص) 1.: صِدقٌ، تفانٍ. “اشتغل بإخلاص”. “أشاد بإخلاصه”. “من أوجب الواجبات الإخلاص للوطن والتفاني في حبه”. “الإخلاص في العمل”. 2.(الــــــــــ ـــــــــــ): سورة من سور القرآن، وتعني التوحيد. ﴿قل هو الله أحد﴾ (قرآن)”.[23]
“أبديٌ، ةٌ- [أ ب د]1.: خالدٌ، دائمٌ، ما لا نهاية له. “الله الأبدي”. 2.” يأمل المؤمن في أبدية خالدة”: الآخرة. “لا أطمع في لقائها إلا في الأبدية” (جبران خ، جبران)”.[24]
“اتبعَ- [ت ب ع] (ف: خ. م). يتبع، مص: اتباعٌ. 1.”اتبع خطى والده”: صار على نهجه، اقتفى خطواته. ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ (قرآن). “اتبعوا سنة الله فيما ألهمكم وفطركم عليه” (محمد عبده). 2. “اتبع أهواءه”: خضع لها، انقاد إليها”.[25]
“أبلس- [ب ل س] (ف: ر.لا) يُبلس. مص: إبلاسٌ. 1. “أبلس الرجل”: يئس. “أبلس من رحمة الله”. 2. “أبلس المذنب” سكت ولم تكن له حجة. ﴿ويوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون﴾ (قرآن). 3.”أبلس الكئيب” سكت غما وحزنا”.[26]
“اتَّكل- [و ك ل] (ف: خ. لا. مح). يتكِل، مص: اتكال. 1. توكل، استسلم. “قبل أن يبدأ عمله يتكل على الله”. 2.” اتكل على نفسك”: اعتمد على نفسك. ” من اتكل على زاد غيره طال جوعه” (مثل)”.[27]
“أعراف- جمع عُرفٍ. [ع ر ف] 1.: ما تعارفه الناس. 2.: السور الحاجز بين الجنة والنار.3. سورة من سور القرآن. ﴿وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم﴾ (قرآن): المقصود بأصحاب الأعراف من استوت حسناتهم وسيئاتهم، الذين وقفوا على السور الحاجز بين الجنة والنار حتى يقضي الله بينهم”.[28]
واضح -إذن- من خلال العينة التمثيلية أعلاه أن الأمثلة والاستشهادات المستخدمة تعكس الخلفية العقدية لأبي العزم؛ حيث إنه ركز خلال شرح الألفاظ الدينية على استحضار ما يتصل بالدين الإسلامي دون غيره، والقراءة المتأملة لهذه الأمثلة ستفضي بنا إلى القول بأن المؤلف كان يوضح دلاله الألفاظ انطلاقا من زاوية نظره وهي هنا الدين الإسلامي؛ إذ ركز أثناء صناعة الأمثلة ونقل الاستشهادات على بناء تصور واضح في ذهن قارئ المعجم مؤداه أن الدين الحق هو الإسلام؛ وذلك ما سعت الأمثلة الموظفة إلى الدفاع عنه بطريقة غير مباشرة عبر التركيز على أحد أسس الدين الإسلامي والمتمثل في التوحيد وهو ما أفصحت عنه العبارات المعتمدة في الأمثلة السابقة ومنها (التوحيد/ لا إله إلا الله/ قل هو الله أحد/ يعبد إلها واحدا…).
2.3 موقف أبو العزم من القضية الفلسطينية من خلال الأمثلة والاستشهادات
إذا كانت الأمثلة والاستشهادات قد قدمت إشارات هامة عن الخلفية العقدية لأبي العزم، فإنها تكشف كذلك عن موقفه من بعض القضايا الاجتماعية على غرار دور المرأة في المجتمع، والقضية الفلسطينية ما يجعل المعجم لا يكتفي بشرح الكلمات، بل يتجاوز ذلك ليصير خطابا معبرا عن أراء وأفكار ومواقف مؤلفه. وسنركز فيما يلي على موقف المؤلف من القضية الفلسطينية؛ وذلك من خلال الوقوف على عدد من الأمثلة وظفها في عملية الشرح ونعتقد بأنها ليست مجرد جمل استعملت لبيان كيفية استخدام المداخل بقدر ما هي موقف واضح وصريح من المؤلف حول هذه القضية التي كانت ولا تزال تشغل بال عدد كبير من المثقفين من جميع المجالات والثقافات.
لقد لفت انتباهنا ونحن نتفحص الأمثلة والاستشهادات الموظفة في معجم الغني الزاهر تركيز أبي العزم على استحضار القضية الفلسطينية خاصة حينما يكون بصدد شرح مداخل تتصل دلالتها بمعاني الاحتلال والإغارة والاستيطان، وبعد تأمل هذه المداخل اتضح لنا بأنها تلتقي كلها في تجسيد موقفه من القضية الفلسطينية؛ حيث استثمر أبو العزم عددا مهما من الأمثلة لفضح التجاوزات التي قامت بها دولة إسرائيل في حق الفلسطينيين، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
“أغار- [غ و ر] (ف: ر. لا. م. مح). يُغير. مص. إغارةـ غارة، مغارٌ. 1.”أغار الجند على العدو”: هجم عليه. وأوقع به. “أغارت الطائرات الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين”. 2.”أغار الفرس” أسرع، اشتد في العدو…”[29]
“احتجاج- ج.ات. [ح ج ج] (مص. احتج) 1.: اتخاذ حجج للإقناع. “لم يكن احتجاجا مقنعا”. 2.” عبر عن احتجاجه”: عن استنكاره. “توالت الاحتجاجات في مختلف المحافل الدولية على الممارسات الصهيونية بالأراضي الفلسطينية المحتلة””.[30]
“استوطن- [و ط ن] (ف: س. م) يستوطن، مص: استيطان. 1.”استوطن البلاد”: اتخذها وطنا له. “استوطن اليهود أرض فلسطين عنوة وعنفا”. “حاول الفرنسيون ان يستوطنوا بلاد الجزائر…”[31]
“إسرائيل- [س ر أ ل]: اسم يطلق على نسل يعقوب، ومعناه ف العبرية:” يصارع إيل” إشارة إلى صراع يعقوب مع الملاك، وهو الاسم الذي اختاره الصهاينة لاسم دولتهم على أرض فلسطين سنة 1947″.[32]
“اجتاح- [ج و ح] (ف: خ. م). يجتاح، مص: اجتياح. 1.” اجتاح الجراد مناطق الجنوب”: أهلكها، استأصلها. “اجتاح الفيضان المدينة”. 2.”اجتاحت موجات البرد القارس كل البلاد”: عمتها.” واجتاحني الرعب فوق الصخرة وتسللت الأشباح واحدا إثر آخر” (ن. محفوظ).3. “اجتاحت الجيوش الاستعمارية البلاد في بداية القرن العشرين”: غزتها، احتلتها، عاثت فيها فسادا وخرابا. “اجتاح العدو الإسرائيلي الأراضي اللبنانية”…”[33]
إن تأمل الأمثلة والاستشهادات الواردة في المداخل التالية: (أغار- احتجاج- استوطن- إسرائيل- اجتاح) كافية لاستجلاء موقف أبي العزم من القضية الفلسطينية؛ وهو موقف مناهض لما تقوم به دولة إسرائيل في حق الفلسطينيين. ويلاحظ أن المؤلف حرص على التأكيد على أن الأرض المتنازع عنها هي ملك للفلسطينيين وهو ما تدل عليه الجملتان التاليتان: (الأراضي الفلسطينية المحتلة/ إسرائيل: الاسم الذي اختاره الصهاينة لاسم دولتهم على أرض فلسطين) وأكد أن ما قامت به إسرائيل هو احتلال بالعنف والقوة (استوطن اليهود أرض فلسطين عنوة وعنفا). ولا شك أن الأمثلة التي انتقاها المؤلف لتوضيح دلالة هذه المداخل تروم فضح الممارسات الإسرائيلية وذلك ما توضحه العبارات التالية: (“اجتاح العدو الإسرائيلي الأراضي اللبنانية” / “استوطن اليهود أرض فلسطين عنوة وعنفا” / أغارت الطائرات الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين). إلى جانب ما سلف، يمكننا الوقوف على كلمة (الصهاينة) التي أودها في المتال التالي: “وهو الاسم الذي اختاره الصهاينة لاسم دولتهم على أرض فلسطين سنة 1947″؛ إذ لم ينعتهم باليهود وإنما بالصهاينة. ومعلوم أن ايراد هذا الاسم دون الآخر هو تعبير صريح من المؤلف على موقفه منهم ومن صراعهم مع الفلسطينيين.
يتحصل مما سلف، أن الأمثلة والاستشهادات يمكن أن تكون وسيلة هامة للتعبير عن مواقف المعجمي اللغوية أو الدينية أو الثقافية أو السياسية أو الأيديولوجية، وقد تبين من خلال دراسة عينة تمثيلية من الأمثلة والاستشهادات الموظفة في معجم الغني الزاهر أنها تعكس بوضوح توجهات أبي العزم العقدية والأيديولوجية؛ حيث لوحظ تركيزه على استخدام أمثلة تسعى إلى إقناع قارئ المعجم بأن الدين الحق هو الإسلام وأن الله واحد لا شرك له. أما على المستوى الأيديولوجي فتمثل في المعجم من خلال موقف أبي العزم المناصر للقضية الفلسطينية؛ وذلك ما كشفته الأمثلة المعتمدة أثناء توضيح دلالة المداخل التالية: (أغار- احتجاج- استوطن- إسرائيل- اجتاح) والتي انصرفت في مجملها إلى فضح التجاوزات التي قامت بها دولة إسرائيل في حق الفلسطينيين.
خلاصة:
لقد سعينا في هذا المقال إلى الوقوف على البعد الأيديولوجي لمعجم الغني الزاهر عبر تحليل عينة تمثيلية من مداخله من خلال ثلاث زويا وهي: أولا، المدونة وقيود الإدراج والإقصاء. ثانيا، أيديولوجية التعريف. ثالثا، أيديولوجية الأمثلة والاستشهادات. وقد انتهينا إلى النتائج التالية:
أولا، على مستوى المدونة: لاحظنا أن الشروط والمعايير التي وضعها أبو العزم تذهب في اتجاه استثمار كل ما هو متداول ومستعمل باطراد بغض النظر عن أصله (فصيح أو مولد أو معرب أو دخيل أو عامي)، ولم تحدَد المدونة انطلاقا من تصورات لغوية ضيقة كما هو الحال بالنسبة لشروط الفصاحة المعجمية التي فرضتها ظروف تاريخية وأيديولوجية. وقد ساهمت الخلفية الفكرية والثقافية للمؤلف في تجاوز التصورات التقليدية المتسمة بالتشدد اللغوي وبالتالي انفتحت مدونة المعجم لتساير المستجدات اللغوية والثقافية والفكرية والحضارية وكل ما له صلة بالتطور العلمي في سائر المجالات كما هو شأن معاجم اللغات الأجنبية. فضلا عن ذلك، ظهر أثر التوجهات الفكرية والأيديولوجية للمؤلف في كيفية تعامله من إشكالية تاء التأنيث.
ثانيا، على مستوى التعريف: اهتم أبو العزم بصياغة التعاريف وحرص على أن تخلو من العيوب التي ظلت ترافق التعريف في المعاجم العربية سواء القديمة أو الحديثة وقد توفق إلى حد كبير في تحقيق هذا المسعى، إلا أنه ورغم الجهد المبذول سقط في مأزق الأيديولوجيا أثناء صياغة بعض التعريفات؛ بسبب تجاوزه عملية الوصف اللغوي إلى تقديم مواقفه سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو ضمنية، ومع ذلك فإن نسبة هذه التعاريف تظل قليلة في المعجم، لكنها تعكس الخلفية الفكرية والثقافية والمذهبية والأيديولوجية للمؤلف.
ثالثا، بالنسبة للأمثلة والاستشهادات: تبين من خلال دراسة عينة تمثيلية منها أنها تعكس بوضوح توجهات أبي العزم العقدية والأيديولوجية؛ حيث لوحظ تركيزه على استخدام أمثلة تسعى إلى إقناع قارئ المعجم بأن الدين الحق هو الإسلام وأن الله واحد لا شرك له. أما على المستوى الأيديولوجي فمن بين مظاهره موقف أبو العزم المناصر للقضية الفلسطينية؛ وذلك ما كشفته الأمثلة المعتمدة أثناء توضيح دلالة المداخل التالية: (أغار- احتجاج- استوطن- إسرائيل- اجتاح) والتي انصرفت في مجملها إلى فضح التجاوزات التي قامت بها دولة إسرائيل في حق الفلسطينيين.
ومن كل ما سبق، يمكن القول إن تأليف معجم الغني الزاهر قد تأثر -في جميع مراحل إنجازه- بالخلفية الفكرية والمذهبية والأيديولوجية لمؤلفه، وأن المعجم بصفة عامة هو وسيلة للتعبير عن مواقف المعجمي اللغوية والدينية والثقافية والسياسية والأيديولوجية.
المصدر:
– أبو العزم، عبد الغني (2013) معجم الغني الزاهر، ط1، الرباط: دار الغني للنشر.
المراجع العربية:
– حمزاوي، محمد رشاد، (1986) من قضايا المعجم العربي قديما وحديثا، ط1، بيروت: دار الغرب الإسلامي.
المراجع الأجنبية:
-Manuel Alvar Ezquerra. (1995). Political Considerations on Spanish Dictionaries. in B.B. Kachru and H. Kahane (eds) Cultures, Ideologies and the Dictionary: Studies in Honor of Ladislav Zgusta, Lexicographica Series Maior 64, Tübingen: Max Niemeyer Verlag. (143-153).
-Beaujot, Jean-Pierre. (1989). Dictionnaires et idéologies In HAUSMANN, Franz Josef et al., éds., Wörterbücher. Ein internationales Handbuch zur Lexikographie. Volume 1, Berlin/New York, de Gruyter. (79-88).
– Moon, Rosamund. (1989). Objective or objectionable?: ideological aspects of dictionaries. English Language Research 3. (59–94).
– Phil Benson. (2002). Ethnocentrism and the English Dictionary: Taylor & Francis e-Library.
[1] – ينظر في هذا الصدد من بين آخرين:
– Beaujot, Jean-Pierre. Dictionnaire et idéologies. 1989.
– Moon, Rosamund. Objective or Objectionable? Ideological Aspects of Dictionaries. 1989.
– Persson, Gunnar. Dictionaries as Mirrors of Social and Cultural Change. 2005.
– Phil Benson. Ethnocentrism and the English Dictionary, Taylor & Francis e-Library. 2002
[2] – حمزاوي، محمد رشاد، (1986) من قضايا المعجم العربي قديما وحديثا، دار الغرب الإسلامي، ط 1، ص 52.
[3] – Manuel Alvar Ezquerra, Political Considerations on Spanish Dictionaries, in B.B. Kachru and H. Kahane (eds) Cultures, Ideologies and the Dictionary: Studies in Honor of Ladislav Zgusta, Lexicographica Series Maior 64, Tübingen: Max Niemeyer Verlag.1995. pp 145- 146.
[4] – كل كلمة مهما كان نوعها تجد نفسها أمام احتمالات محددة: إما أن تدرج في قائمة المعجم، أو تستبعد منها بشكل جزئي أو كلي؛ والمقصود بالاستبعاد الجزئي هو ورود الكلمة في مدونة المعجم لكنها تكون مرفقة بعلامة تقيد استعمالها، أما الاستبعاد الكلي فيعني إقصاء الكلمة بشكل كامل من مدونة المعجم؛ بحيث لا تظهر لا في المداخل، ولا في اللغة الواصفة التي تشكل التعاريف المعتمدة في شرح هذه المداخل.
[5] – مقدمة الغني الزاهر، ص XXV.
[6] – نفسه، ص XXII.
[7] – الغني الزاهر، ص 2.
[8] – نفسه، ص 5.
[9] – نفسه، ص 8.
[10] – نفسه، ص 12.
[11] – نفسه، ص 36.
[12] – نفسه، ص 36.
[13] – مقدمة الغني الزاهر، ص XIX.
[14] – نفسه، ص XX.
[15] – معجم الغني الزاهر، ص 20.
[16] – نفسه، ص 180.
[17]– معجم الغني الزاهر، ص 259.
[18] – الغني الزاهر، ص 332.
[19] – معجم الغني الزاهر، ص 329.
[20] – نفسه، ص 144.
[21] – نفسه، ص 11.
[22] – نفسه، ص 439.
[23] – نفسه، ص، 114.
[24] – نفسه، ص 25.
[25] – نفسه، ص 40.
[26] – نفسه، ص 33.
[27] – نفسه، ص 45.
[28] – نفسه، ص 335.
[29] – معجم الغني الزاهر، ص 346.
[30] – نفسه، ص 75.
[31] – نفسه، ص 252.
[32]– نفسه، ص 259.
[33]– نفسه، ص، 56.